البنيان

احذروا من كل الذين يستهينون بالخطية

أيها المحبوبون من الله العلي
الساكن في النور الشديد البهاء، سلام وافر لكم

أصلي من أجل أن يعطينا الله فهماً مستنيراً وأن يحل علينا روح الحكمة والنصح والإرشاد، لكي نتعقل ونصحى للبرّ، ونسير بالاستقامة وقلب كامل غير منقسم.
ومن يُريد أن تحل عليه الحكمة ويقتنيها ليعلم أنها تأتي على كل من يرغب في تأديب وتهذيب وتقويم نفسه، وغاية التأديب محبة الحكمة والعمل بشرائعها، واعلموا أن من يحبها ويطلبها سهل عليه أن يجدها وينالها، لأنها هي التي تجده وتلتقيه لكي تحقق شهوتها في التملك على النفس بالعدل والاستقامة، وبذلك يحصل على شدة البهاء التي لها، فيسير بذهن مستنير وعقل راجح متقد بالنور ونفس مستقيمة في طريق التقوى بمخافة الله، ويصير ضميره حساس تجاه الوصية حتى أن أدنى مخالفة لها يركض إلى مخدعه ليُصلي لمسيح القيامة والحياة معترفاً كابن صالح لأبيه السماوي في المسيح يسوع، فيتطهر ويفرح قلبه، لأن الرسول يقول: إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ. (1يوحنا 1: 7)

فأرجوكم افهموا هذا التدبير العظيم

وهو أن اللوغوس وحيد الآب صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية (عبرانيين 4: 15). ويجب على كل واحد فينا بصفتنا خليقة عاقلة جاء المخلص لأجلها، أن يفحص حياته ويعرف نفسه مُميزاً بين الخير والشر، ويعرف ما في قلبه من حركات الإنسان العتيق، ليتقدم لحمل الله رافع خطية العالم لكي ما يتحرر فعلياً بربنا يسوع المسيح الذي يقود كل نفس تطلبه إلى التبني ليصير كل واحد بصفته وشخصه ابناً للآب فيه مملوء من روح القداسة لكي يعاين مجد الله الحي.

لذلك فأنه يعمل بروحه في النفوس التائبة

التي تعلم أن الخطية خاطئة جداً، مُريعة وقاتلة، تُطفئ كل غيرة روحية حسنة، مبطلة للحواس الروحانية التي للنفس، أما الذين يدَّعون التقوى ومعرفة وفهم كلمة الله وقد حوروا معانيها لتتناسب مع شهوات نفوسهم ولذات أجسادهم (أو لكي يتصالحوا مع الخطاة والأثمة لأنهم يعجزن تمام العجز عن تقديم العلاج المناسب لهم لكي يشفوا) مُظهرين الخطية على أنها شيء بسيط أو عادي أو أنها مغروسة في طبيعة الإنسان الأصلية، أو أن مهما ما فعل الإنسان من خطايا وشرور وهو مؤمن (وعن عمد) فأن لهُ الحياة الأبدية، فقد ضلوا عن طريق التقوى وأطفأوا روح الله فيهم، وقد باغتهم روح رديء، روح الشر الذي أغوى الإنسان الأول وعبث في عقل البشرية فاظلم وانطفأ نور الحكمة فيه، فطعن كل واحد نفسه بأوجاع مُميتة لا تنتهي.

فاحذروا من كل الذين يستهينون بالخطية،

أو كل من يحاول أن يستخف بها ويجعلها شيء طبيعي يخص إنسانيتنا، لأن الخطية هي الظلام الدامس والليل عديم النهار، والغرس السيء زوان الحقل، الذي يحيط بجوهر النفوس العاقلة فيفقدها رشدها، فتتخبط في الظلام كالسكارى لتسير نحو الهاوية بخطى سريعة، لأنه سيظل صوت الرب حي عبر الدهور منادياً: إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ. (لوقا 13: 3)

لذلك فأن كل من لم يتهيأ لتصحيح فكره على ضوء نور وصية الله،

ويتقدم أولاً بالتوبة الصحيحة حسب الإنجيل، تاركاً حياته القديمة من وراءه، بحلوها ومرها، موجهاً نظره نحو خالقه الحبيب، فليعرف مثل هذا، أن مجيء المخلص يكون دينونة له، لأنه بالنسبة للبعض رائحة موت لموت، وللبعض الآخر رائحة حياة لحياة (2كورنثوس 2: 16) لأنه حقاً وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تُقاوم (لوقا 2: 34)، لأن يوجد كثيرون لا يحتملون فكرة مجيئه لأن قلبهم مضروب بالظلم، فكيف يواجهون النور وهم يخافونه، أما البعض الآخر وهم قليلون، يحبون مجيئه بل ويطلبونه، لأنهم خرجوا من الظلام للنور، والنور يشتاق للنور لذلك يقول الرسول: جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة. (1تسالونيكي 5: 5)

فأرجوكم يا إخوتي باسم يسوع المسيح مخلصنا الصالح،

الذي أتى حسب التدبير، ليفكنا من قيود خطايانا ويشفي نفوسنا من جراحاتها المُميتة العديمة الشفاء، ويرد لنا عقلنا، ويعطينا الحكمة النازلة من فوق من عند أبي الأنوار، أن لا تهملوا خلاصكم، ولا تقولوا إن لنا الكتب عوناً ومعرفتنا عظيمة، أو تظنوا أنكم صرتم أبراراً مقبولين عند مخلصنا بسبب أبحاثكم الواسعة المتخصصة، أو بسبب شهرة أسمائكم، أو خدمتكم أياً كان نوعها، بل ليمزق كل واحد منكم قلبه وليس ثيابه (يوئيل 2: 13)، خوفاً من أن نكون تعبنا باطلاً، ونقود أنفسنا – دون أن ندري – إلى الدينونة العادلة والحكم من جراء أفعالنا.

أيها الأحباء لقد خلق الله الإنسان لحياة أبدية

وصنعه على صورته الخالدة، وبذلك صار لهُ جوهره العقلي المستنير، ولكن بسبب حسد إبليس دخل الموت إلى العالم وكل الذين من حزبه تذوقوه لأنهم انتموا إليه، لأنهم أحبوا لذته الوقتية التي صارت مسرة لشهوات أجسادهم المنحرفة التي لا تعرف طريق الطهارة، ولا مسلك الفضائل الإلهية الحُسنى، وبذلك عاشوا كأشرار محروسين تحت الناموس لهلاك النفس، لأنهم جلبوا على أنفسهم الموت، بأعمالهم وأقوالهم، فكان هو النصيب الذي استحقوه، ولذلك لا يستطيعون أن يتعرفوا على ابن الله الحي الذي يحرر النفس من خطاياها، لأن لمثل هؤلاء كُتب: في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه (يوحنا 1: 26) فقلت لكم انكم تموتون في خطاياكم لأنكم ان لم تؤمنوا إني أنا هوَّ (المُخلِّص) تموتون في خطاياكم (يوحنا 8: 24)

أما نفوس الأتقياء المحبين للتوبة فأنهم يجدون الراحة في خالقهم،

وحياتهم بين يدي القدير لا يمسها عذاب ويحيون إلى الأبد لأن الرب قال لمثل هؤلاء: بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني إني أنا حي فأنتم ستحيون (يوحنا 14: 19) ولذلك يقول الرسول: وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه (1يوحنا 5: 11) فمن له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة (1يوحنا 5: 12)، فانظروا أن الوقت الآن قريب الذي فيه سوف تُمتحن أعمال كل واحد، فعمل كل واحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيبينه، لأنه بنار يستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو (1كورنثوس 3: 13) وإله السلام يحفظكم جميعاً في روح الحكمة والتقوى آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى