علم الكتاب المقدس

الفصل الثالث والعشرون



الفصل الثالث والعشرون

الفصل
الثالث والعشرون

الكتابات
الأراميّة

مقدّمة

لم
يزل تاريخ الأراميين في الحقبة القديمة مجهولاً. وأؤل شهادة مكتوبة عن الأراميين
تعود إلى سنة 1100 ق م، في أيام تجلت فلاسر الأوّل. ظهر الأراميون في بلاد
الرافدين العليا، وارتبطوا بشعب “أحلامو” المذكورين للمرّة الأولى في
مدوّنة هدد نيراري الأول (1307-1275) المُتعلّقة بملك أبيه اريكدانيلي (1319-
1308).

هذه
الشهادات الأولى في النصوص الأشورية تُبتي بدايةَ تاريخ الأراميين (بين القرن 14
والقرن 11) في الظلام. نعرف فقط أنّهم كانوا نشيطين في منحة انعطاف مجرى الفرات،
في بلاد الرافدين العليا، أرام النهرين البيبلي. فبعد القرن العاشر، أوردت لنا بعض
النصوص البيبلية ما يتعلّق بحروب الأراميين مع داود، فألقت بعض الضوء على ممالك
صوبة، حماة، دمشق.

وسننتظر
النصف الثاني من القرن التاسع ق م لنجد مدوِّنات كتبها الأراميون. أوّل مدوّنة
ملكية كبيرة هي مدوّنة كيلاماوا ملك شمال يعادي التي كتبت باللغة الفينيقية. أمّا
المدوّنة الثانية فدوّنها هدد يسعي ملك جوزان وسيكان وعزران في اللغتين الأشورية
والأرامية. هذا يعني أنّ الأراميين لم يستطيعوا في البداية إلاّ بصعوبة أن يبرزوا
ثقافة مكتوبة بلغتهم الخاصة. هذه الثقافة المكتوبة توسّعت أوّلاً بتأثير من
الأشوريين من جهة ومن الفينيقيين من جهة ثانية.

في
القرن الثامن جاءت بعض المدوّنات الملكية باللغة الآرامية القديمة تشهد على حيوية
ممالك دمشق وحماة ولو عاش وشمال (زنكرلي أو زنشرلي) وأرفاد الأرامية، ولكنّ كل هذه
الممالك دخلت تحت النفوذ الأشوري، بل ضُمّت تدريجيًا إلى المملكة الأشورية منذ
منتصف القرن الثامن إلى سنة 612 / 610 ق م. ثمّ خضعت للبابليين (605- 539) وبعدهم
للفرس (539- 332). ولمّا انتصر الإسكندر على الفرس، توزّعت الممالك الأرامية على
الممالك الهلّنستية.

لم
يتمتعّ الأراميون يومًا باستقلال سياسيي حقيقي، ولكنّهم وسّعوا حضارة خاصّة طبعت
بطابعها كل الشرق الأوسط القديم. فبعد احتلال أرام نهرائيم (أرام النهرين) التابع
لسقوط بيت عديني في أيّام شلمنصّر الثالث سنة 855، صارت اللغة الأرامية اللغة
الثانية في المملكة الأشورية. وبعد النصف الأوّل من القرن الثامن دلّت الجدرانيات
الأشورية على وجود كتبة أراميين بجانب كتبة أشوريين. أجل، لقد صارت المملكة
الأشوربة مملكة أشورية أرامية.

وحلّت
لغة المغلولين محلّ لغة الغالبين. وانتشرت الكتابة الأرامية بسبب أبجديتها. أمّا
لغة الأشوريين فأخذت تتراجع بسبب طريقة كتابتها الصعبة. وصارت الأرامية الملكية
اللغة المتداولة في سورية وفلسطين منذ نهاية القرن الثامن. وما عتّمت أن توسّعت
نحو الشرق فصارت اللغة الرحمية الأكثر استعمالاً خلال الحكم الفارسي، من مصر إلى
أفغانستان.

بعد
فتوحات الإسكندر تفكّكت هذه الأمبراطوريّة، وخسرت الأرامية سيطرتها كلغة دولية
لحساب اليونانية. ولكن أخذت كل مقاطعة قديمة ذات سكان أراميين تُنمي لغتها
وكتابتها وثقافتها الخاصّة (أنباطي، أرامي، فلسطيني، تدمري، حتراوي..). وفي الحقبة
البيزنطية نما الأدب الأرامي (الأرامي البابلي والسامري والمندائي أو المندعي
وخاصّة السرياني) الذي ظلّ تقليدًا حيًّا حتّى القرن العشرين.

نلاحظ
أنه، إذا وضعنا جانبًا نصوص الفنتيين وقمران ودير علّة، فالأدب الأرامي القديم قد
زال كلّه تقريبًا لأنّه دوّن على لفائف من البردي أو الجلد. وبقيت المدوّنات
الملكية، ولاسيّمَا الطويلة منها، التي تأثّرت بهذا الأدب القديم. لذلك نبدأ
فنذكرها كشاهدة على الأدب الأرامي القديم.

 

أ
– بقايا الأدب الأرامي القديم

لم
تعطنا التنقيبات الأركيولوجية حتّى الآن سوى مقاطع من الأدب الأرامي، في فلسطين
وفي مصر، لا في قلب العالم الأرامي (سورية، بلاد الرافدين).

 

1
– دير علاّ (وادي الأردن)

نحن
أمام مدوّنة نُسخت على الجفصين بالحبر الأحمر والأسود، في لهجة أرامية قديمة. تروي
البداية رؤية الآلهة خلال الليل على نبي سمع خبرًا سيّئًا. وفي اليوم التالي نقل
النبيّ هذا القول النبوي لمن يحيط به: “مدوّنة سفر بلعام بن فغور، الإنسان
الذي كان يرى الآلهة. جاءه الآلهة في الليل ووجّهوا إليه هذه الكلمات. كلّموا
بلعام بن فغور.. وقام بلعام في الصباح.. وبكى”.

 

2-
الفنيتين (مصر العليا)

نجد
بين المخطوطات العديدة التي وجدت في الفنيتين تجاه سيان (أو أسوان)، مقاطع لنصوص
أدبية كلاسيكية:

 

أوّلاً:
حكمة منقولة عن المصرية

فالبطل
يحمل اسمًا مصريًا: برفونش أي الذئب. لم يستطع العلماء أن يكونّوا من هذه النتف
جملة واحدة كاملة، ولكنّهم اكتشفوا عددًا من آلهة مصر.

ثانيًا:
أمثال وقصّة أحيقار

كتاب
مدرسي في المدارس الأرامية في الحقبة الفارسية وقد ظلّ شعبيًا في كل الشرق الأوسط،
وهذا ما يشهد عليه الترجمات المحفوظة في مختلف اللغات الشرقية ولاسيّمَا
السريانية. يتألّف هذا الكتاب من عنصرين مختلفين: تتكوّن النواة من مجموعة أمثال
كُتبت في الأرامية الغربية ومثّلت تقليدًا أراميًا آتيًا من سورية. أقحمت هذه
الأمثال في خبر يروي ما حصل من سعد ونحس لأحيقار الكاتب الحكيم والماهر.. ومستشار
كل اشورية وحافظ أختام سنحاريب، ملك أشورية. لم يكن هذا الشخص من نسيج الخيال، وهو
المذكور في لويحة مسمارية من العهد الهلّنستي تعطي لائحة بالاختصاصيين (أومانو)
المشهورين ومنهم في أيّام أسرحدون خلف سنحاريب: “أبا أنليل داري الذي سمّاه
“أحلامو” (أي الأراميون) أحوقار”. كان هذا الشخص المشهور أراميًا
مارس وظيفة عالية في البلاط الأشوري في بداية القرن السابع. ولا يمكن أن يكون خبره
سابقا لذاك التاريخ. يظنّ بعض العلماء أنّنا أمام ترجمة لأصل أكادي، ولكنّ هذا
الرأي غير أكيد ونحن نعرف أهمّية الكتبة والموظفين الأراميين في البلاط الأشوري.

يبدو
النصّ الحالي بشكل خبر حكمي دوّن في أرامية بلاد الرافدين وهدف إلى التشديد على
الصدق والأمانة للملك، حتّى ولو خسر الموظّف حظوته.

كانت
قصّة أحيقار وابنه نادين مشهورة جدُّا في الزمن الفارسي، فلمّح إليها مرارًا سفر
طوبيا.

 

ثالثًا:
مدونة بيسيتون

مدوّنة
ملكية صارت نصًّا كلاسيكيًا يتعلّمه في المدارس الموظّفون العتيدون. تلك كانت
وسيلة تدخل بها الإيدولوجيا الملكية والأمانة للعرش في رؤوس الذين سوف يعملون في
إدارة الدولة. هذا الاستعمال للنصوص في خدمة الدعاية الملكية نجده في المقطع 70 من
مدوّنة كتبت بالفارسية القديمة على صخرة بيسيتون (أو بهيستون) في كردستان. دوّنها
داريوس الأوّل بعد اعتلائه العرش (522 ق م) وذكر أنّ نسخًا من هذه المدوّنة كتبت
في ثلاث لغات وأرسلت إلى كل أنحاء المملكة الفارسية.

بعد
هذا، لن نعجب إن نحن وجدنا نسخة منها في مصر ولكنّنا نعجب حين نلاحظ أنّ نسخة
المخطوطة الموجودة في الفنتين تعود إلى الربع الأخير من القرن الخامس ق م، أي بعد
اعتلاء داريوس العرش بقرن من الزمن، وقد يكون ذلك بمناسبة اعتلاء داريوس الثاني
العرش سنة 433 ق م. هذا الواقع، وإقحام نصّ المدوّنة الجنائزية لداريوس الأوّل في
نقشي روستام في نهاية النسخة الأرامية، تذكران استعمال هذه المخطوطة في تعليم
تاريخي يعلّم الموظّف العتيد الأمانة لملكه منذ مقاعد الدراسة في المملكة
الفارسية.

غطّى
النصّ الأرامي الاولاني 11 عمودًا، كل عمود 17 / 18 سطرًا. إذا 190 سطرًا تقريبًا.
نجد على البردية 9 عواميد على الوجه وعمودين على الظهر كانت اللفيفة الاولانية
تعد، على ما يبدو، 24 بردية ملصقة بعضها ببعض. دوّن النصّ في الأرامية الرعية أو
الشرقية ولكنّه جاء مجزّأ. ولكنّنا نستطيع أن نستند إلى نصوص الفارسية القديمة
والعيلامية والأكادية لنجمع القطع ونقدم لفيفة بردية تمتدّ على ثلاثة أمتار. يروي
النص أولى الحملات التي قام بها داريوس ليقمع ثورات عديدة ويثبّت عرشه. وتتضمّن
النهاية تنبيهًا إلى الأجيال الآتية، يفسّر لماذا أدخل هذا النص في التعليم
الكلاسيكي في المدارس:

“أيّا
كنت أيّها الملك الذي ستكون بعدي، لا تكن صديق الكذّاب.. احتفظ من الكذّاب
الكبير.. ممّن يكذب.. يعرف الناس بوضوح كيف تتصرّف كيف تسلك. قل الحقيقة للشعب ولا
تخفها عليهم. إن كنت لا تخفيها عليهم، فأحو رمزدا يباركك. يكون نسلك كبيرًا وتمتدّ
أيّامك. ولكن إن أخفيتها يلعنك أحور مزدا ولن يكون لك نسل “.

 

3-
قمران (قرب البحر الميت)

أبرزت
اكتشافات قمران بالاضافة إلى نصوص التوراة العبرية (وفيها نصوص أرامية من سفر عزرا
ودانيال)، عددًا من النصوص الأرامية كنّا نعرف مضمونها بفضل ترجمات موجودة في
مختلف اللغات الشرقية. دوّنت هذه النصوص للمرّة الأولى، على ما يبدو، حوالي
القرنين الثالث والثاني ق م.

نعرف
أوّلاً أربع مخطوطات لطوبيط (أو طوبيا) في الأرامية. وهذا يعني أنّ سفر طوليا دوّن
أوّلاً في الأرامية حوالي القرنين الرابع والثالث ق م. واستلهم أفكاره من قصّة
أحيقار التي اعتبرها معروفة في أيّامه.

ونعرف
ثانيًا كتاب أخنوخ (أو كتب أخنوخ) الذي وصل إلينا في ترجمة حبشية. أعطتنا المغارة
الرابعة مخطوطة من هذا الكتاب الذي دوّن أصلاً في الأرامية. لم تزل طريقة تكوين
هذا الكتاب حول شخصية أخنوخ طريقة متشعّبة يختلف حولها العلماء بالتفصيل. وقد تكون
ضمّت: كتاب المنارات السماوية، كتاب الساهرين، كتاب الأمثال، كتاب الحكماء، رسالة
أخنو، كتاب الجبابرة.

ونعرف
ثالثًا وصيّة لاوي التي وصلت إلينا في مخطوطة من كنز (غنيزا) القاهرة.

ونعرف
رابعًا صلاة نبونيد وتقاليد أخرى مرتبطة بدانيال.

ونعرف
خامسًا رؤى عمرام.

ونزيد
على هذا الأدب الذي سبق تكوين الشيعة الإسيانية وإقامة مجموعاتها في قمران، أبو
كريف (كتاب منحول) التكوين الذي ألّف هو وترجوم أيوب في نهاية القرن الثاني أو
بداية القرن الأوّل ق م.

ونضيف
إلى هذه النصوص الأدبية الأرامية (المرتبطة بالعالم اليهودي) نصًّا أراميًا دوّن
في الديموتية (أو الشعبية المصرية). هذا النص قريب من لويحة مسمارية وُجدت في
أوروك ونَسَخَت نصاً أراميًا ذا طابع سحري. ونذكر هنا أنّ فلافيوس يوسيفوس دوّن
أوّلاً كتابه “الحرب اليهودية” في الأرامية (حوالي 75 ب م). ولكن لم يصل
إلينا إلاّ الترجمة اليونانية التي جاءت اقتباسًا عن الأصل.

 

ب-
المدوّنات

من
المستحيل أن نورد هنا كل المدوّنات الأرامية منذ البدايات إلى القرن الأوّل ب م.
لهذا سنكتفي بذكر أهمّها مع التشديد على نماذج وُجدت في العصور المتعددة.

 

1
– الأرامية العتيقة

أوّلاً:
أوّل مدونة أراحة مهمّة نشرت سنة 1982. حفرت على ظهر تمثال هدد يشعي ملك جوزان
وسيكان وعزران. وُجدت في تل الفخارية على منابع الخابور، ويعود تاريخها تقريبًا
إلى سنة 850- 825 ق م. كان على وجه التمثال مدوّنة أشورية ويبدو أن القسم الأوّل
من النصّ هو ترجمة عن الأشوريّة. أمّا القسم الثاني فدُوِّن أوّلاً في الأرامية.
لهذا لا ندهش إن نحن قرأنا سلسلة من اللعنات قريبة ممّا نجد في النصوص السامية
الغربية، ولاسيّمَا في نصوص السفيرة: “ليزرع ولا يحصد! ليزرع ألف كيلة من
الشعير ولا يستخرجِ إلاّ نصف كيلة! لتُرضع مئةُ نعجة حملاً واحدًا دون أن يشبع!
لتُرضع مئة امرأة طفلاً واحدًا دون أن يشبع! لتطبخ مئةُ امرأة خبزًا في الفرن ولا
تملأه! وليجمع الناس شعيرًا للأكل من حفرة الأوساخ! لينزل بهم الولاء (ضربة نرجال)
ولا يُقتلع من البلاد!”

ثانيًا:
وُجدت مدوّنات عديدة في لهجة أرامية عتيقة وخاصة في زنكرلي وفي جوار عاصمة مملكة
يعادي شمال (شرقي أمانوس) هذه. نكتفي بايراد ثلاثة نصوص مهمّة:

 

*
مدوّنة هدد

أهدى
فنامووا، ملك يعادي، تمثالاً كبيرًا للإله هدد (النصف الأوّل من القرن 8 ق م).
يشكر فنامووا الإله على أنّه ثبّت عرشه. وهو يقدّم له هذا التمثال من أجل دوام
ملكه. ثمّ تأتي اللعنات على مغتصب ممكن.

 

*
مدوّنة فنامووا

حفرها
على نصب جنائزي الملك برراكب وقدّمها لوالده فنامووا، الذي كان خاضعًا لتجلت فلاسر
الثالث وتوفّي خلال حصار دمشق سنة 733/732 ق م. تذكر هذه المدوّنة خبر ملك فنامووا
الذي أزال أحد المغتصبين قبل أن يعيد الازدهار إلى البلاد بمساندة “ملك
أشور”. وتشير نهاية النص إلى ثبات الملك في يد برراكب. “وأنا برراكب بن
فنامووا، قد أجلسني سيّدي ملك أشور على عرش أبي فنامووا بن برصور بسبب حقّ أبي
وحقي “.

 

*
مدوّنة أورديك بورنو

ترتبط
بالمدوّنات اليعادية. ولكن تبقى قراءتها صعبة.

ثالثا:
نذكر أيضاً بعض المدوّنات القصيرة والمجزّأة التي تعود إلى النصف الثاني من القرن
التاسع، ولاسيّمَا مدوّنتين عاجيتين تذكران حزائيل، ملك دمشق.

 

2-
الأرامية القديمة

تشهد
مدوّنات عديدة في القرن الثامن على انتشار الثقافة الأرامية المكتوبة.

أوّلاً:
نصب وجد في بريج (7 كلم إلى الشمال من حلب). أهدي إلى ملقارت على يد برهدد.. ملك
أرام. نحن أمام بر هدد، ملك دمشق، ومعاصر يوآش ملك إسرائيل. أمّا تاريخ هذا النص
فهو على ما يبدو: 797 ق م.

ثانيًا:
مدونة “زكور ملك حماة والوعاش”. إنّها تدل على المدوّنات الملكيّة في
تلك الحقبة، تذكر كيف أنّ الإله بعل شميم خلّص عاصمته حزرك التي حاصرها تحالف من
الملوك الأراميين والحثّيين الجدد، وكان على رأسهم برهدد بن حزائيل ملك دمشق. وبعد
أن يذكر الأبنية التي شيّدها، ينهي باللعنات التي تهدّد كل من يدمّر هذا النصب.
أمّا قلب النصّ فيذكّرنا ببعض النصوص البيبلية: “رفعت يدي نحو بعل شميم: لا
تخف، فأنا جعلتك ملكًا وأنا أقف بجانبك وأنا أخلّصك من كل هؤلاء الملوك الذين
هاجموك وحاصروك “.

ثالثًا:
مدوّنات السفيرة. حُفرت على ثلاثة أنصاب مختلفة جاءت من السفيرة (تبعد 25 كلم إلى
الجنوب الشرقي من حلب). تتضمّن أقسام (عدى) ماتيئيل ابن عطر سمكي ملك أرفاد تجاه
برجعيا ملك كتك. هذا الملك هو شمشي أيلو ترتانو (قائد أشوري ومن أصل أرامي). خدم
ملوك أشورية في النصف الأوّل من القرن الثامن أي هدد نيراري الثالث (810- 784)
وشلمنصّر الرابع (782- 773) وأشوردان الثاني (772- 755) وأشورنيرارى الخامس (754-
745). كان الشخصية الثانية في المملكة الأشورية وكان يقيم في كيتيكا (تل برشيف)
على شواطئ الفرات. صار نائب الملك القوي في غربي المملكة الأشورية.

تاريخ
الأنصاب الثلاثة: بين سنة 796 وسنة 772، وهي تتضمّن نموذجًا واضحًا عن أقسام تربط
ملكًا خاضعًا بملك عظيم وتشمل بعض البنود السياسية المحدّدة وذكر لعنات الآلهة إن
نقض العهد. هذا الفن الأدبي (عدى، عديم) الأشوري والأرامي قد ألهم عددًا من النصوص
التوراتية ولاسيّمَا في سفر تثنية الاشتراع: “ليَلتَهم الجرادُ البلادَ سبع
سنوات! ليَلتَهم الدود البلاد سبع سنوات! ليصعد الجندب على سطح الأرض! لا ينبت عشب
ولا يُرَ أخضرار ولا يُرَ نبات ولا يسمع صوت القيثارة في أرفاد”.

رابعًا:
في زنكرلي. صعد برراكب على عرش شمال بمُساعدة تجلّت فلاسر الثالث، فحفر بعض
المدوّنات الملكية في الأرامية الكلاسيكية في قصره. وهو يؤكّد صدق ولائه لسيّده:
“أنا برراكب بن فنامووا ملك شمال خادم تجلت فلاسر سيّد أربعة أقطار الأرض.
بسبب صدق أبي وصدقي، أجلسني سيّدي ركيب ايل وسيّدي تجلت فلاسر على عرش أبي “.

 

3-
الأرامية الملوكية

بعد
أن احتلّ تجلت فلاسر الثالث (744- 727) الممالك الأرامية، أدخلها في المملكة
الأشورية فصارت المملكة الأشورية الأرامية. وتأثرت اللغة الأرامية بالأشورية
الجديدة والبابلية الجديدة. لم نجد أنصابًا ملكية بل أختام وأنصاب شخصيات كبيرة
ورسائل وعقود ولوائح أسماء كتبت على اللويحات أو على الاوستركات أو على البرديات.

أوّلاً:
نصبان جنائزيان مع نقيشة. وُجدا في نيراب (تبعد 7 كلم إلى الجنوب الشرقي من حلب).
كانا لكاهنين في خدمة “ظهر” الإله القمر: سنزاربني وشيعجباري. يعودان
إلى القرن السابع ق. م. ويتضمّنان لعنات على من يقتلع هذين النصبين. وتصوّر
المدوّنة الثانية موت هذا العظيم محاطًا بكل عائلته: “في يوم موتي لم يُحرم
في من الكلام، وشاهدت بعينيّ ذريّتي حتّى الجيل الرابع. بكوا بِوَلَه “.

ثانيًا:
وظهر التأثير الأكادي على تدوين الوثائق الإدارية ولاسيّمَا العقود والاعتراف
بالديون. لم يبقَ لنا وثائق على برديات أو جلد، ولكنّنا نستطيع أن نذكر أرشيفًا
صغيرًا على لويحات طينية وجدت في نينوى وأشور وتل خلف. ونذكر لويحة أرامية منعزلة
مؤرّخة سنة 635 ق.م.، وقطعة لويحة بابلية (571/570 ق. م.) تتضمّن لائحة الشهود،
وإبيغرافيات أرامية على لويحات أشورية وبابلية هي أعمال قانونية.

ونجد
وثيقة ترجع إلى الإدارة الملكية. حُفرت على الحجر وأعلنت أنّ كل مزارع لا يدفع
الضريبة، يُحكم عليه بالموت هو ومن يتواطأ معه.

ثالثًا:
وصلت إلينا رسالتان أراميتان، الأولى مكتوبة على أوستراكة والثانية على بردية.
أوستراكة أشور. أرسلها ضابط أشوري في جيش أشور بانيبال في بابلونية في بدء تمرّد
ملك بابل شمش شوموكين حوالي سنة 650 ق م. وبرديّة صقّارة هي رسالة أرسلها أدون ملك
عقرون في أرض الفلسطيين إلى فرعون، سيّد الملوك إلى نكو الثاني يدعوه فيها إلى
مساعدته على جيش ملك بابل الذي وصل إلى حدود فلسطية حوالي سنة 604 ق. م..

رابعا:
أوستراكة أرامية وُجدت في نمرود وتضمّنت لائحة أسماء عموّنية وأختام ومدوّنات على
البرونز أو على المعايير والموازين.

 

4-
الأرامية الرسمية

في
زمن الأخمينيين (539- 532) صارت الأرامية إحدى اللغات الرؤية في المملكة الفارسية.
استُعملت في الغرب كما استُعملت في مقاطعات المملكة الشرقية.

 

أوّلاً:
في مصر

بعد
أن احتلّ كمبيز مصر سنة 525 ق م، صارت الأرامية لغة البلاد الادارية فاستعملها كل
موظّفي الإدارة والجيش. وبسبب الطقس وصلت إلينا أوستراكات عديدة ومدوّنات على
الأواني أو على الحجر ووثائق مكتوبة على البردية أو على الجلد، مع الإشارة إلى
المصدر: الفنتين/ سيان (أسوان)، أبيدوس، هرموبوليس، ممفيس، صقّارة، تلّ المسخوطة.

 

*
الفنتين/ سيان. يرجع قسم كبير منها إلى مستوطنة يهودية أقامت في جزيرة الفنتين
(ياب) وكان لها هناك هيكل مكرّس للإله ياهو (يهوه) مع كهنة وخادم. وقسم آخر جاء من
مستوطنة أرامية أقامت في سيان وكان لها معابد مكرّسة لنبو، لبانيت، لبيت إيل،
لملكة السماء أي عناة. كان أهل هاتين المستوطنتين من المُرتزقة العاملين في خدمة
الفرس لحماية حدود مصر الجنوبية. ماذا نجد في هذه الوثائق التي وصلت إلينا؟ نجد
مجموعة رسائل دوّنت على الجلد وحفظت في وعاء من جلد. هي وثائق تتعلّق بإدارة
أرشاما، حاكم (مرزبان) مصر وأحد أعضاء عائلة الأخمينيين المالكة وسيّد أراضي عديدة
في بابلونية كما في مصر هناك رسائل كتبها أرشاما خلال غيابه مدة ثلاث سنوات (410-
407 ق. م.) في بابلونية، وهي تتعلّق بإدارة أملاكه في مصر.

ونجد
أرشيفًا عائليًا يتعلّق بأعضاء شخصيات كبيرة في جماعة الفنتين اليهوديّة. منها:
أرشيف يدنيا، قائد هذه الجماعة. يتضمّن تسع وثائق من نهاية القرن الخامس، وهي
تفهمنا المشاكل التي واجهتها الجماعة اليهودية المحلّية: مشاكل داخلية (تثبيت
الروزنامة، طقس الفصح، طقس الهيكل)، مشاكل خارجية (علاقات مع السكّان المصريين،
تمرّد دمّر معبد ياهو، علاقات مع السلطات الفارسية في مصر واليهودية في يهوذا
والسامرة بما يتعلّق بإعادة بناء الهيكل..). ومنها: أرشيف حنانيا خادم هيكل ياهو.
يتضمّن عقود زواج مع عبيد وأعمال تحرير عبيد، وصكوك تمليك. تاريخ هذه الوثائق بين
سنة 451 وسنة 402 ق م. ومنها: أرشيف مبطحيا الذي يتضمّن أعمالاً قانونية (بيع،
شراء، هبة، عقد زواج، طلاق، مشاكل تركة وميراث) تمتدّ على ثلاثة أجيال (471- 410
ق. م.). ونجد أعمالاً إداريّة متنوّعة: تسليم موادّ غذائية، توزيع الإعاشات في
المخازن الملكية، لائحة بأسماء مع أوامر من أرشاما بالنسبة إلى سفينة من السفن..

ونجد
عقودًا وأعمالاً قانوتنية لا ترتبط بأيّ أرشيف محدّد.

ونجد
أوستراكات عديدة تحمل تبليغات قصيرة حول الحياة اليومية. حملتها السفينة التي تصل
سيان بالفنتين، وأشار بعضها إلى الاحتفال بالفصح أو بيوم السبت.

ونجد
مدوّنات على جرار مكتوبة بالحبر في الفينيقية أو الأرامية.

ونجد
نصبًا مع مدوّنة أرامية في سيان مُهداة إلى الإله.

 

*
في أبيدوس. كان معبد أوزيريس الرئيسي يجتذب العديد من الحجّاج، سواء من المصريين
أم من الأسيويين، من الفينيقيين والأراميين. نحن نتعرّف إليهم من خلال الكتابات
التي تركوها فدلّت على مرورهم من هناك.

 

*
في هرموبوليس. في وعاء وُضع في قبو تحوت وُجدت ثماني رسائل على ورق البردي. وُجهت
إلى أفراد عائلة تقيم في سيان أو الأقصر، ولكنّها لم تصل إلى هدفها. إنّها تتعلّق
بعائلات أرامية وتعود إلى حوالي السنة 500 ق. م. اسم مرسل الرسائل الثلاث الأولى
هو ماكيبانيت ونحن نجده على عقد استئجار أرض يتقاسم به المستأجر والمؤخّر غلّتها.

 

*
شيخ فضل. وجدت 17 مدوّنة أرامية على جدران مدفن شيخ فضل، تذكر طهرقة، فرعون
السلالة 25 الذي حكم في بداية القرن السابع (رج 2 مل 19: 9 ؛ أش 37: 29) وتذكر نكو
وبساميتيك.

 

*
ممفيس. لويحة تقدمة من الحجر مع مدوّنة أرامية: “لويحة تقدمة ليقترب بانيت من
أوزيريس أبيس. صنعها أبيتاب بن بانيت. هذا ما صنعه أمام أوزبريس أبيس “.

 

*
صقّارة. هناك أنصاب جنائزية عديدة في صقّارة ومكرّسة لأوزيريس. تاريخ أحدها: 482 ق
م. ويتضمّن نصب آخر عبارات مصرية: “مباركة، طابة، بنت تحافي المتعبدة للإله
أوزيريس. لم تفعل شرًّا ولم تفتري هناك على أحد. كوني مباركة أمام أوزيريس. تقبّلي
الماء من أوزيريس. كوني خادمة سيّد الحقيقتين واحيي إلى الأبد مع الطوباويين
“.

وأبرزت
حفريات صقارة الأخيرة (منذ سنة 1967) 200 قطعة من قطع البردي دوّنت في الأرامية
واحتوت على أعمال قانونية وتجارية وغيرها.

 

*
تل المسخوتة. يبعد قرابة 20 كلم إلى الغرب من الإسماعيلية. يتضمّن هذا الكنز الذي
وُجد هناك جرارًا تعود إلى القرن الخامس ق م. نجد إهداء في الأرامية: “دعاء
قدّمه قاينو بن جشمو (راجع جاشم العربي المذكور في نح 2: 19 ؛ 6: 1، 2، 6) ملك
قيدار إلى هن ايلة (إلى هذه الإلاهة) “.

 

ثانيًا:
في فلسطين

نميّز
مجموعات مهمّة من الوثائق الآرامية.

*
أرشيف وادى داليه: برديّات تتضمن وثائق بيع عبيد. حملها عظماء السامرة حين هربوا
سنة 332 / 331 ق م، وذلك بعد أن أحرق أندروماخوسُ، الحاكمُ اليوناني الذي عيّنه
الإسكندر على السامرة.

*
ختمان و65 براءة محفوظة في وعاء ومربوطة بأوراق من البردي أو الجلد. كل هذا شكّل
أرشيف أحد أعضاء العيلة الحاكمة في اليهودية حوالي سنة 500 ق م: شلوميت زوجة
الناتان حاكم اليهودية. هذه المرأة المشهورة كانت ابنة زربابل وشقيقة حنانيا (1 أخ
3: 9) اللذين كانا كلاهما حاكمي اليهودية قبل الناتان. ولكنّ مناخ منطقة أورشليم
لم يساعد على حفظ هذه الوثائق من التلف.

*
اكتشفت أوستراكات عديدة وخاصّة في أراد وبئر سبع ولكنّها أوراق حساب قصيرة لحقها
التلف.

 

ثالثا:
في شمالي الجزيرة العربية

وُجدت
مدوّنات أراميّة عديدة في واحة تيماء. تعود إلى حوالي سنة 400 ق م. أطولها وأهمّها
تتحدّث عن إقامة معبد جديد (الكاهن، المداخيل).

 

رابعًا:
آسية الصغرى

وجدت
مدوّنات أرامية عديدة على الأنصاب أو محفورة في الصخر في مقاطعة آسية الصغرى
(تركيا الحالية). يعود معظمها إلى القرن الرابع ق م. نحن أمام أنصاب جنائزية
(داسكيليون وحلواتيبي/ سلطانية كوي في ميسية، سرديس في ليدية ليميرا في لوقية)،
وعلامات حدودية (غوزنه وبحاديرلي في كيليكية) ومدوّنات مختلفة (نصب نذري في كسقاك
كويو في كيليكية، نصب تذكاري لسراي دين في كيليكية).

أهمّ
مدوّنات آسية الصغرى هي مدوّنة كسانتوس: مسلّة (كشفت سنة 1973) في ثلاث لغات
(يونانيّة، أرامية، لوفية) تعود إلى سنة 358 ق م. المدوّنة الآرامية هي النصّ
الرسمي لقرار بيكسودوروس مرزبان كاربة ولوقية، يتعلّق بإقامة عبادة جديدة في
ليتاؤون في كسانتوس. فبعد تاريخ البناء والإشارات حول تسيير هذه العبادة الجديدة
(كاهن، مداخيل، ذبائح شهرية وسنوية)، ينتهي النصّ بلعنات على كل من يمسّ هذا
القرار.

 

خامسًا:
بلاد الرافدين وإيران

نجد
في بلاد الرافدين عددًا من البطاقات الأرامية دوّنت على لويحات مسمارية. وأبرزت
تنقيبات برشيبوليس مجموعتين من المدوّنات الأرامية. تشتمل المجموعة الأولى على 200
مدوّنة مكتوبة على أوعية من الحجر الأخضر (صحون، صوانٍ، أطباق) استعملت كهدايا
للخزانة الملكية، وتعود إلى القرن الخامس ق م. وتشتمل المجموعة الثانية على لويحات
أرامية.

 

4-
الأرامية الوسيطة (من القرن 3 ق. م. إلى القرن 3 ب. م.)

كانت
هذه الأرامية امتدادًا للأرامية الرسمية ولكن بدأت تبرز كتابات ولهجات وطنية.

 

أوّلاً:
امتداد الأرامية الرسمية

اوستراكات
وبرديات في ادفو (مصر) تعود إلى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الثالث ق م.
أوستراكات في السامرة وخربة الكوم ومدوّنة على حجر في الكرك (فلسطين). بعض
المدوّنات في اليونانية والأرامية من القرن الثالث ق م: أغشاكالي وفراسا في
كبادوكية (أسية الصغرى). ووجدت في أرمينيا السوفياتية قرب بحيرة سيوان صوّات
(علامات المسافات) دوّنت في القرن الثاني ق م. وهناك خمس مدوِّنات في أفغانستان
وشمالي غربي الهند، ارتبطت بالملك أسوكا (حوالي منتصف القرن 3 ق م) ووجدت في تاكسيلا،
وفولي دارونتي، وكندهار.

 

ثانيًا:
التقاليد الوطنية

بدأ
هذا التحوّل إلى التقاليد الوطنية منذ القرن الثاني ق م، وها نحن نميّز لهجات
غربية ولهجات شرقية.

*
اللهجات الغربية

الأنباطي.
انتشر في شمالي الجزيرة العربية في جنوب شرقي فلسطين وفي سورية الجنوبية. وكان
المركز البترا (سلع). هناك آلاف المدوّنات النذرية والجنائزية والكتابات (غرافيتي.
ثلاثة آلاف في سيناء وحدها). وظهرت المدوّنات الأنباطية في تدمر منذ سنة 169 ب م.
كان الأنباطي اللغة المكتوبة، أمّا اللغة المحكية فكانت العربية.

الأرامية
الفلسطينية. عاشت مع العبرية واليونانية. هناك مدوّنات عديدة على الحجر وعلى
العظام، ومخطوطات قمران ومربعة وسائر مغاور برّية يهوذا.

الأرامية
التدمرية. انتشرت حول تدمر التي كانت واحة ومُلتقى طرق. هناك قرابة 2000 مدونة على
الحجر من القرن الأوّل ق. م. إلى القرن الثالث ب. م.

 

*
اللهجات الشرقية

اللغة
الحترية. نمت حول حتراء التي تبعد 55 كلم إلى الشمال الغربي من أشور، وهي محطة
للقوافل وعاصمة إحدى ممالك بلاد الرافدين. وُجد فيها حتّى الآن 350 مدوّنة على
الصخر من القرن الأوّل إلى الثالث ب. م..

اللغة
الرهاوية. انتشرت حول الرها (أورفا الحالية واداسه اليونانية) التي هي عاصمة مملكة
على حدود الامبراطورية الرومانية. استعملت هذه المنطقة العليا في بلاد الرافدين
كتابة ستكون في أصل السريانية. هناك عدد كبير من المدوّنات في الرهاوي أو السرياني
القديم.

تنقيبات
نيسا قرب قرية بَغير القريبة من اشخباد عاصمة جمهورية التركمان السوفياتية. وجدت
هناك 3000 أوستراكة تعود إلى القرن الأوّل ب م، وهي حسابات جرار نبيذ.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى