علم الكتاب المقدس

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل
الخامس

ترجمات
الكتاب المقدّس

لم
يبقَ الكتاب المقدّس بعهدَيْه منحصرًا في النصوص الأصلية التي دوِّن فيها. دوِّنت
الأسفار القانونية الأولى من التوراة في العبرية (وجزء بسيط جدًا في الأرامية).
ووصلت إلينا الأسفار القانونية الثانية في اليونانية، أترجمت عن العبرية (كما هو
واضح جدًّا في يشوع بن سيراخ الذي اكتشفنا ثلثَيْ نصّه في العبرية)، أم ألِفت
مباشرة في اليونانية (كما هو الأمر بالنسبة إلى سفر الحكمة). وما عتَّمت التوراة
أن نُقلت إلى اليونانية في السبعينة وغيرها من الترجمات، ونُقلت إلى الأرامية في
ما يمسى “التراجيم”، ونقلت إلى اللاتينية في الشعبية أو فولغاتا، وإلى
السريانية في البسيطة (أو فشيطتو) وإلى القبطية..

ودُوِّنت
أسفار العهد الجديد في اليونانية إلى يصلنا شيئًا ممّا كتب متّى في الأرامية، كما
يقول التقليد)، ونُقلت سريعًا إلى السريانية واللاتينية والقبطية والأرامية وسائر
اللغات المعروفة ولا سيّمَا العربية.

وها
نحن نطّلع على هذه الترجمات المختلفة.

 

أ-
الترجمات اليونانية

1-
السبعينية

سُمّيت
هذه الترجمة بهذا الاسم بسبب عدد العلماء اليهود الذين طُلب منهم أن يقوموا بعمل
النقل هذا. تقول أسطورة أرستيس إنّهم كانوا اثنين وسبعين عالمًا، وإنّ كل قبيلة من
قبائل إسرائيل الاثنتي عشرة قدّمت ستّة علماء.

تمَّ
نقل السبعينية في الإسكندرية كما يقول أرسطوبولس ورسالة أرستيس، وقد تُرجم
البنتاتوكس (أو أسفار موسى الخمسة) في عهد بطيموس الثاني فيلدلفوس (285- 246) في
منتصف القرن الثالث ق. م. ونُقلت الأسفار الأخرى مثل أشعيا في مصر في القرن الثاني
ق. م. وقد يكون بعضها (مثل سفر الجامعة) قد نُقل في إسرائيل حسب تقليد اكيلا. وفي
نهاية القرن الثاني ق. م. يُشير حفيد ابن سيراخ الذي أقام في مصر ونقل إلى
اليونانية ما كتبه جدّه، إلى وجود ترجمة التوراة في اليونانية: الشريعة، الأنبياء،
سائر الكتب. وفي بداية القرن الأوّل ب. م. يشهد فيلون الإسكندراني أنّ يهود مصر
يذهبون كل سنة إلى جزيرة فاروس ليكرّموا المكان الذي فيه استضاء للمرّة الأولى
نورُ الترجمة، وليشكروا الله على هذا الخير القديم والذي لا يزال جديدًا.

يقول
بعض العلماء إنّه وُجد في مصر ترجمات يونانية متعددة للتوراة وإن النجاح الذي
لقيته السبعينية قاد إلى استعمالها في الكنيسة الأولى. ولكن يجب أن نقرّ أننا إذا
وضعنا جانبًا نقل أكيلا وسماك المتأخّر، فكلّ الأشكال اليونانية المعروفة هي إعادة
نظر في ترجمة واحدة. وقال علماء آخرون: إنّ الناقلين حاولوا لا أن ينقلوا نقلاً
حرفيًا، بل أن يتوسّعوا فيه على طريقة الترجوم. ولكن هذا الرأي يجب أن يعدَّل
ويخفَّف بعد أن اكتُشفت مخطوطات عبرانية قديمة في مغاور قمران. فهذه النصوص تختلف
عن النص الماسوري وتقترب من النص الذي نقرأه في السبعينية. فحين تختلف السبعينية
عن النص الماسوري، فقد يكون النص العبري الذي نُقل عنه مختلفًا عن النص الماسوري.

منذ
سقوط السامرة (722- 721) ودمار أورشليم (587 ق. م.)، بدأ اليهود ينتشرون في
العالم. هذا ما نسميه واقع الشتات. وقد أقاموا في مصر منذ القرن الخامس، ولمّا جاء
الإسكندر الكبير يسَّر لهم هذه الإقامة. وهكذا اتّصل اليهود بالعالم اليوناني الذي
ينظر اليهم نظرة احتقار ممزوجة بالفضول، وأخذوا يتكلّمون لغتهم. من أجل هذا أحسّوا
بالحاجة إلى ترجمة أسفارهم المقدّسة ليحيوا إيمانهم ويشرحوه لليونانيين. وهكذا
كانت السبعينية التي عنت أوّلاً أسفار موسى الخمسة قبل أن تعني كل اسفار التوراة.

يبدو
أنّ أولى الترجمات صُنعت لتلبّي حاجة ليتورجية أو دفاعية. ثمّ إنّه لم يكن في يد
الناقلين القاموس والغراماطيق والفهرس لتجيء الترجمة متناسبة. ولكن مهما يكن من
أمر، فمنذ القرن الأوّل ق. م.، كانت السبعينية في يد اليهود العاثشين في مصر أو في
سائر عالم الشتات.

قد
تكون السبعينية عملاً جماعيًا في ما يخصّ البنتاتوكس، ولكنّها كانت عملاً فرديًا
في ما يخصّ سائر الأسفار، كما هو الأمر بالنسبة إلى يشوع بن سيراخ. ولكن ما عتّمت
هذه الأسفار المترجمة أن ضُمَّت بعضُها إلى بعض واتّخذت طابعًا رسميًا لدى اليهود
المتكلّمين باليونانية. وهكذا كان لليهود الهلينيّين توراة يونانية كما كان ليهود
فلسطين توراة عبرية. وإذ يورد فيلون أسطورة أرستيس، يُبرز توافق السبعينية مع النص
العبراني. قال: حين تعلّم العبرانيون اليونانية أو حين تعلّم اليونانيون العبرية
وقرأوا النص قبلوا بهذين النصين (العبرية والسبعينية) وكرّموهما كشقيقتين أو
بالأحرى كأنّهما شخص واحد. ولقد استعمل فيلون نفسه نص أسفار موسى الخمسة كما
استعمل سائر النصوص كما جاءت في السبعينية. وهكذا استعمل السبعينية يهودُ الشتات
كما استعملها يهود فلسطين الناطقون باليونانية. ويكفي أن نذكر في هذا المجال
يوسيفوس المؤرّخ وكتَّاب العهد الجديد وبولسُ نفسه. ويقوله كل من يوستينوس
وترتليانس إنّ اليهود استعملوها حتّى في مجامعهم. وانتقلت السبعينية من يد اليهود
إلى يد المسيحيين.

ولكن
منذ القرن الأوّل المسيحي، ترك اليهود السبعينية ولا سيّمَا بعد أن تبنّتها
المسيحية الأولى، فأعادوا النظر فيها ليجعلوها مطابقة للأصل العبري، بل قاموا
بترجمات جديدة ستحلّ محلّ السبعينية. وهكذا استُعملت ترجمة أكيلا أقلّه حتّى زمن
الامبراطور يوستنيانس سنة 553.

أمّا
في الجانب المسيحي، فلقد لقيت السبعينية كلّ اهتمام. وسوف يتأخّر المسيحيون
ليجعلوا نص تيودوسيون يحلّ محلّ السبعينية في سفر دانيال وأيّوب (الذي بدا
قصيرًا). وسيعمل أوريجانس على نص السبعينية، ويقابله بالنص العبري. كما أنّ
لوقيانس الكاهن والشهيد الأنطاكي (+ 311- 312) نشر هو أيضاً نص السبعينية الذي
سيعتمد عليه يوحنّا فم الذهب وتيودوريتس القورشي. وقام هاسيخيوس الكاهن المصري
الذي توفّي خلال اضطهاد ديوكلاسيانس (303- 311) بنشر السبعينية مع نص العهد الجديد
في اليونانية.

وانطلاقًا
من هذه الكنوز، قامت المراكز المسيحية في قيصرية وأنطاكية بنشر نصوص السبعينية في
العالم المسيحي. وقد طلب الامبراطور قسطنطين (+ 337) من أوسابيوس القيصري خمسين
توراة ليوزّعها على كنائس عاصمته الجديدة، القسطنطينية. وطلب الامبراطور كونستانس
(+ 350) الخدمة عينها من أتناسيوس أسقف الإسكندرية. وقد يكون المخطوط الفاتيكاني
شاهدًا على مبادرة الإمبراطور هذه.

إنّ
السبعينية ترجمة مهمّة. أوّلاً: إنّها تمثّل نصًا عبرًيا للتوراة سابقًا للنص
الماسوري. ولهذا فهي تساعدنا على ضبط النص الأصلي لأسفار عديدة من العهد القديم.
ثانيًا: استعملها الرسل وكتّاب العهد الجديد، فجاءت كلماتها كشهادات رسولية وأسسٍ
للإيمان المسيحي. ثالثًا: دوِّنت السبعينية في اللغة اليونانية الشائعة وهي اللغة
التي دون فيها العهد الجديد، فساعدنا نصّها على فهم عبارات العهد الجديد. رابعًا:
أورد آباء الكنيسة اليونانية السبعينية وشرحوا نصوصها، فلم يعرفوا غيرها توراة
يهودية. خامسًا: نُقلت عن السبعينية أقدم النصوص اللاتينية التي استعملها أوّل
الآباء اللاتينيون، فاستعملوا بطريقة غير مباشرة التوراة اليونانية. سادسًا: كانت
السبعينية (بجانب العبرّية) النموذج الذي انطلق منه العلماء لينقلوا التوراة إلى
ترجمات سريانية وقبطية وحبشية وجيورجية وعربية..

 

2-
أكيلا

إنّه
وثني مولود في سينوفيس على البحر الأسود. وقد عاش على أيّام الإمبراطور أدريانس
(117- 138) الذي سمح له أن يقيم في اورشليم. إهتدى أكيلا إلى المسيحية قبل أن يعود
إلى اليهودية، وتتلمذ إمّا لرابي اليعازر ورابي يشوع، وإمّا لرابي عقيبة. قال بعض
العلماء: إنّ أكيلا هو اونكيلوس صاحب ترجوم حرفي لأسفار موسى، ولكنّ القول لم يزل
موضع جدال.

بم
يتميّز نقل التوراة لأكيلا الذي تم في السنة 128- 129؟ كل كلمة في العبرانية
تقابلها كلمة واحدة في اليونانية، وهي هي لا تتبدل في كل النصوص. ولكن نتيجة هذه
الطريقة الحرفية هي انعدام كل أسلوب إنشائي بل أخطاء نحوية. أمّا طرق الترجمة التي
استعملها أكيلا فهي تدل على أنّ عمله يرتبط بمبادئ التأويل المعمول بها لدى
الرابانيين في فلسطين في القرن الثاني ولا سيّمَا عقيبة. بالإضافة إلى هذا، نجد
لدى أكيلا آثار حرب ضد المسيحية. ونعطي مثلين على ذلك. فكلمة مسيح تقابلها كلمة
كرستوس في اليونانية. أمّا أكيلا فأحلّ محلّ “كرستوس” كلمة
“الايمنوس” (أي الشفوق). واستعمل في أش 14: 7 كلمة “صبية” لا
“عذراء” ليزيل كل ما فيه تلميح إلى بتولية مريم كما يراها المسيحيون في
هذا المقطع.

لقد
كان تأثير ترجمة أكيلا كبيرًا لدى اليهود، فحلّت محلّ السبعينية التي لبست طابعًا
مسيحيًا. وهكذا لعبت دور ترجوم أونكيلوس وترجوم يوناتان لدى اليهود الناطقين
باللغة الأرامية. وقد استعملت في المجامع اليونانية حتّى زمن يوستنيانس، ولقيت
تقديرًا لدى أوريجانس وإيرونيموس بسبب حرفيتها.

بقي
لنا مقاطع من هذه الترجمة: في مخبأ القاهرة (1 مل 7: 20- 17؛ 2 مل 23: 11- 17 ؛
مقاطع من مز 90: 17- 103: 17؛ توسعات أم 17: 16- 3: 19). في بردية مصرية تعود إلى
نهاية القرن الثالث (تك 1: 1- 5)، وفي هكسبلة اوريجانس (أورد أوريجانس نص أكيلا في
العمود الثالث) وعند آباء الكنيسة (ولا سيّمَا أوسابيوس القيصري وتيودوريتس
القورشي) وفي السلسلات التأويلية. ويبدو أنّ نص السبعينية في سفر الجامعة هو نص
أكيلا، وأنّ الهكسبلة السريانية احتفظت في الهامش بمقاطع من ترجمة أكيلا، وحذت
حذوها الترجمة الأرمنية.

 

3-
تيودوسيون

قد
يكون تيودوسيون عاش في عهد الامبراطور كومودوس (180- 192)، ووُلد في البنطس أو في
أفسس، واعتنق شيعة مرقيونية (أو كان من الابيونيين) قبل أن يصير يهوديًا. ثمّ إنّ
المراجع القديمة تعتبر أنّ تيودوسيون جاء بعد أكيلا. ولكنّ العلماء بدأوا يقولون
إنّه سبق أكيلا وانضمّ إلى مجموعة قامت في القرن الأوّل المسيحي بترجمة جديدة
للتوراة إلى اليونانية. وقد يكون تيودوسيون تلميذ هيلل وهو نفسه يوناتان بن عزيئيل
الذي عاش حوالي السنوات 30- 50 ودوَّن الترجوم الأرامي للأنبياء.

لا
نستطيع أن نؤكّد أنّ تيودوسيون نقل التوراة العبرية كلّها. ثمّ وإنّ قاسم
تيودوسيون أكيلا مبادئ الترجمة، إلاّ أنّ ما عمله لم يكن حرفيًا كعمل أكيلا. وهو
يميل إلى ترك الكلمة كما هي، فلا يحاول أن يجد لها ما يقابلها في اليونانية.

لقد
استُعملت ترجمة تيودوسيون في العالم المسيحي فزاحمت السبعينية، ووردت نصوص في
العهد الجديد قريبة ممّا نجده فيها. أمّا أوريجانس فاعتاد أن يملأ فراغ السبعينية
(العمود الخامس) بالنسبة إلى العبرية (العمود الأوّل) بترجمة تيودوسيون (العمود
السادس).

يبدو
أنّ نص تيودوسيون قد ضاع، ما عدا سفر دانيال الذي حل محل النص السبعيني (الذي نجده
اليوم في بردية من القرن الثاني أو الثالث وفي كودكس شيسيانس). ولكن احتفظت لنا
هكسبلة أوريجانس ببعض النتف موزّعة في هوامش بعض المخطوطات أو في التفاسير أو في
السلسلات التأويلية. وقد وُجدت مقاطع تيودوسيون إمّا في العمود السادس (المحفوظ
لتيودوسيون) وإمّا في العمود الخامس (ليحلّ محلّ السبعينية وقد أشار اليها
أوريجانس بنجيمة) من الهكسبلة. وقد استفاد منها أوريجانس ليغني نص أيوب والأمثال
وأشعيا وإرميا وحزقيال. وأخيرًا نجد مقاطع لتيودوسيون في هامش الهكسبلة السريانية
والترجمة الأرمنية.

 

4-
سيماك

قالت
بعض المراجع القديمة إنّ سماك كان من الأبيونيين (جماعة مسيحية متهوّدة أقامت في
شرقي الأردن). وإنّ ترجمته هي التي أخذ بها الأبيونيون. ولكنّ هذا القول لا يصح،
وترجمة سيماك تتضمن أسفار الأنبياء التي يرفضها القانون الأبيوني. وهكذا يبدو أنّ
سماك هو سامري ارتد إلى الديانة اليهودية وخُتن حوالي سنة 150. كان تلميذ رابي
مئير الذي كان تلميذ رابي عقيبة. قد يكون هو سومكوس بن يوسف المذكور في التقليد،
وقد تعود ترجمته إلى سنة 165 أو إلى ما بعد هذا الوقت.

ما
يميّز ترجمة سيماك هو قيمتها الأدبية الرفيعة. لقد وجّهها إلى قارئين يتقنون
اليونانية ولا يعرفون العبرية، فأزال كل التعابير العبرية التي استعملها أكيلا
وتيودوسيون ولا سيّمَا حرف العطف.

لاقت
ترجمة سماك كلَّ تقدير لدى المفسّرين اليهود بسبب أسلوبها اليوناني الرفيع. وقد
انطلق منها أوسابيوس القيصري ليؤسّس عليها نظرة كشف الحقيقة الإلهية كشفًا
متدرّجًا: جاءت السبعينية قبل المسيح فأخفت بعض حقائق ستكشفها ترجمة سيماك لأنّها
جاءت بعد المسيح. قرأ المسيحيون ترجمة سيماك وقرأها أيضاً يهود الشتات الذين
استعملوها في مصر حتى بداية القرن الرابع.

لم
يبق لنا من ترجمة سيماك إلاّ قطعتان (في رق) تعودان إلى القرن الثالث أو الرابع،
وقد وُجدتا في الفيوم في مصر إنّهما تتضمنان مز 68: 13- 14، 30-33؛ 80: 11- 14.
أمّا ما تبقّى من مقاطع ترجمة سيماك فنجده نتفًا في هكسبلة أوريجانس أو في مخطوطات
العهد القديم التي ترافقها هوامش، أو في التفاسير (ولا سيّمَا تفسير أشعيا
لأوسابيوس القيصري)، أو في السلسلات التأويلية اليونانية. وقد وُجدت مقاطع لسيماك
نقلت إلى السريانية (في الهكسبلة السريانية) أو إلى الأرمنية (في المخطوطات).

 

5-
ترجمات متنوعة

أوّلاً:
الخامسة أو الترجمة اليونانية الخامسة. ترجمة مغفلة اكتشفها أوريجانس في نيكوبوليس
قرب أكسيوم (في اليونان) وأدخلها في العمود السابع (عمود إضافي) من الهكسبلة. ما
مدى اتساع هذه الترجمة؟ يقول أوسابيوس القيصري إنّها لم تقتصر على المزامير، بل
تضمّنت كل أسفار التوراة. ولكنّ العلماء يرفضون هذا القول، ويعتبرون أنّ الترجمة الخامسة
لم تتضمّن أسفار موسى الخمسة. لا شكّ في أنّها نَقلت المزامير وأيّوب ونشيد
الأناشيد والأنبياء وصموئيل والملوك. نُقلت الترجمة الخامسة في فلسطين في القرن
الأوّل المسيحي، فجاءت قريبة من ترجمة تيودوسيون (مع تأثير الرابانيين) وسابقة
لأكيلا. وُجدت مقاطع عديدة ولا سيّمَا رقّ اكتُشف سنة 1952 في نحل حبر (في
إسرائيل) وتضمّن نص الأنبياء الصغار. ونشير أخيرًا إلى أنّ يوستينوس يورد نصوصًا
من هذه الترجمة في حواره مع تريفون اليهودي.

ثانيا:
السادسة أو الترجمة اليونانية السادسة. هي ترجمة مغفلة وجدت في جرة قرب أريحا. أدخلها
أوريجانس في الهكسبلة بعد الترجمة الخامسة، وجعلها في عمود إضافي آخر (هو الثامن).
يُعلن أوسابيوس أنّها تضمّنت المزامير، وايرونيموس أنّها تضمّنت الأنبياء الصغار.
وهناك نصوص من نشيد الأناشيد وأيوب والخروج. لم يبقَ لنا من هذه الترجمة إلاَّ نتف
في هكسبلة أوريجانس.

ثالثًا:
السابعة أو الترجمة اليونانية السابعة. تحدّث عنها إيرونيموس وذكرها في معرض حديثه
عن أيّوب والمزامير والمراثي ونشيد الأناشيد. لا تذكرها الهكسبلة. أمّا المراجع
القديمة فتتحدّث عن “تفسير سابع” يعتبره لوقيانس الأنطاكي نسخة من نسخ
السبعينية.

رابعًا:
العبراني. تدلّ هذه التسمية تارة على النصّ العبري للتوراة (العمود الأوّل في
الهكسبلة)، وطورًا على نسخ هذا النص في حرف يوناني (كما هو الحال للكرشوني بالنسبة
إلى اللغة العربية)، وطورًا ترجمة. وهذه الترجمة مؤكَّدة لأسفار التكوين والخروج
وحزقيال وإرميا وأشعيا ودانيال وأيّوب. ليست هذه ترجمة أكيلا. ولهذا يبقى علينا أن
نتعرّف إلى صاحب هذه الترجمة. ونشير هنا إلى أنّ كلمة “العبراني” عند
أوريجانس تدلّ على المعلّم العبراني الذي عاشر في الإسكندرية والذي كان يهوديًا
اهتدى إلى المسيحية.

خامسًا:
السوري. يشير الشرّاح اليونانيون إلى النص السوري الذي نمتلك منه مقاطع لأسفار
التكوين والخروج وصموئيل والملوك وأشعيا وإرميا وحزقيال والأنبياء الاثني عشر
والمزامير والمراثي. فمن هو هذا السوري؟ بعضهم يظنّ أنّنا أمام نص البسيطة الذي
انتقل شفهيًا. والبعض الآخر يظنّ أنّنا أمام سوفرونيوس السوري الذي ترجم إلى
اليونانية بعض مقاطع الفولغاتا (الشعبية اللاتينية). ولكن بعض العلماء يعتبرون أن
السوري هو مترجم مغفل عمل بعد السنة 330 منطلقًا من العبرية لا من السريانية.

سادسًا:
السامري: نجد في الهكسبلة لفظة السامري التي هي خاصّة بالنتاتوكس. وهي تعني حسب
البعض البنتاتوكس السامري المنقول إلى اليونانية، وحسب البعض الآخر الترجوم
السامري للبنتاتوكس كما نُقل إلى اليونانية. هل نحن أمام شروح أم أمام ترجمة
كاملة؟ يبدو أنّنا أمام ترجمة كاملة بدليل ما نجد في بردية أنطينوبوليس التي تضم
تك 3: 37- 4، 8- 3، وتث 24- 29 (مع بعض فجوات)، وكتابة يونانية وعبرية في مجمع
سامري في تسالونيكي مع النص اليوناني لسفر العدد 6: 22- 27. فهذه المقاطع لا توافق
ما نجده في السبعينية بل هي قريبة من البنتاتوكس السامري.

سابعًا:
يوسيفوس: نُسبت مقاطع إلى يوسيفوس في بعض أسفار العهد القديم (يش، 1 صم، 2 صم، 1
مل، 2 مل، مز، إر). لسنا أمام المؤرخ فلافيوس يوسيفوس، بل أمام مترجم سوري يوناني
عمل في بداية القرن الخامس. لا يذكره ايرونيموس ولكن تيودوريتوس يعرفه. أمّا
ترجمته فتأثّرة بالفولغاتا أو أقلّه بالتقليد التأويلي الذي ألهم ترجمة الفولغاتا.
فتكون هذه الترجمة لا إعادة نظر في السبعينية، بل ترجمة جديدة للنص العبري تتميّز
ببعض الحريّة وبأسلوب أدبي رفيع.

 

6-
هكسبلة أوريجانس

الهكسبلة
عمل جبّار قام به أوريجانس اللاهوتي الكبير والمؤّول الإسكندراني الذي وُلد حوالي
سنة 185 وتوفي بعد سنة 251. بدأ عمله في الإسكندرية قبل سنة 220 وأتمّه بعد سنة
245 في قيصرية. وهكذا يكون قضى ثلاثين سنة في هذا العمل مع الأشخاص الذين عاونوه.
بدت هذه التوراة المسدَّسة ازائية في ستة عواميد تسير من الشمال إلى اليمين. في
العمود الأوّل: نص التوراة العبري في حروف عبرية. في العمود الثاني: النص العبري
في حروف يونانية. العمود الثالث: ترجمة أكيلا اليونانية. العمود الرابع: ترجمة
سيماك اليونانية. العمود الخامس: السبعينية. العمود السادس: ترجمة تيودوسيون
اليونانية. وحين وصل اوريجانس إلى المزامير زاد عمودين إضافيين للترجمة الخامسة
والترجمة السادسة اللتين تحدّثتا عنهما. ولمّا وصل إلى الأنبياء وأيّوب ونشيد
الأناشيد وصموئيل والملوك، زاد عمودًا إضافيًا للترجمة الخامسة.

لم
يصل إلينا العمود الأوّل (النص العبري المكتوب بالعبرية)، بل بعض نتف من العمود
الثاني وهو يدلّنا على الطريقة السامرية في لفظ العبرية في منتصف القرن الثالث.
أمّا ترجمة أكيلا (العمود الثالث) فهي مثال الترجمة الترسيمية (الكلمة اليونانية
تقابل الكلمة العبرانية) التي تلتصق بالأصل بحرفية مطلقة. نذكر أنّ صاحبها عاش في
أيّام أدريانس وقام بها بناء على أمر من رابي عقيبة. العمود الرابع يعطينا ترجمة سيماك
الذي قد يكون سامريًا اهتدى إلى اليهودية وتتلمذ لدى رابي مئير. العمود السادس
يعطينا ترجمة تيودوسيون الذي قد يكون يوناتان بن عزّيئيل وسلف أكيلا. أمّا العمود
الخامس فيقدّم لنا بأمانة الترجمة السبعينية كما أخذت بها الكنيسة في ذلك الزمان.
لقد اعتبر أوريجانس أنّ هذه الترجمة ملهمة، وجاراه في قوله بعض الآباء. وإذ أراد
أن يقابل الترجمة اليونانية بالنص العبري، استعان باسلوب الغراماطيقيين
الإسكندرانيين في نشر آثار هوميروس أو أرستركوس: أشار بعلامة إلى الزيادة، بنجيمة
إلى النواقص. وحيث فُقد نص السبعينية وَضع نص تيودوسيون.

وهنا
تُطرح الأسئلة. هل أراد أوريجانس أن يقدّم مرجعًا من أجل جداله مع اليهود أم أراد
أن يصل إلى النص الأصلي؟ هل وُجدت قبل الهكسبلة إزائية يهودية تتضمن العبري
(مكتوبًا في العبرية وفي اليونانية)، ونص أكيلا ونص سيماك؟ هل بدأ اوريجانس باربعة
عواميد (أكيلا، تيودوسيون، السبعينية) في الإسكندرية، ثمّ زاد العمودين الإضافيين
(الترجمة الخامسة والسادسة) في قيصرية؟ هل تضمّن العمود الأوّل نصًا مخترعًا أم
أنّه وُجد حقًا، مع أنّنا لا نملك عنه أية شهادة في المخطوطات؟ لماذا كُتب النص
العبري بالحرف اليوناني؟

حُفظت
الهكسبلة في مكتبة قيصرية فلسطين، وقد عاد إليها هناك آباء يونانيون ولاتينيون
عديدون (مثلاً: إيرونيموس). ولكنّها فُقدت إبّان الغزو العربي في السنوات 630-
640. وهكذا لم يبق منها إلا نتف حُفظت في بعض المخطوطات. ونحن نستطع أن نزيد عليها
بعض الإيرادات نجدها لدى الآباء أو في السلسلات التأويلية.

 

ب-
الترجمات اللاتينية

1-
الترجمة اللاتينية العتيقة

أوّلاً:
الترجمة الافريقيانية الأولى: كتب بولس في اليونانية إلى أهل رومة، ففهم أهل رومة
لغة كان يعرفها العبيد والأشراف معًا. ولكن منذ القرن الثاني تكوّنت لدى المسيحيين
لغة لاتينية استعادت عددًا من الألفاظ البيبلية، وتنوّعت حسب المراكز الجغرافية،
وتألّفت تقاليد شفهية محلية في مقاطع معزولة، فأثّرت فيما بعد على انتشار أوّل
ترجمةٍ مكتوبة. وإنّ إيرادات القدّيس قبريانس العديدة تشهد على أوّل بيبليا كاملة
في قرطاجة قبل سنة 250. هناك مخطوطات للأناجيل تعود إلى القرن الرابع، ومخطوطات
لسفر الحكمة ويشوع بن سيراخ اللذين نقرأهما في الفولغاتا. هذه الترجمة مطبوعة
بالطابع الشعبي في نموذجها اليوناني (هو النص “الغربي” الذي عُرف أيضاً
في سورية وفي مصر بحواشيه واقتباسه المقاطع المتوازية)، في ألفاظها، وفي طريقة
الترجمة الحرفية. منذ سنة 180، نرى الشهداء يدلّون على تعلّقهم برسائل القديس
بولس. وبعد هذا، سيُعتبر تسليمُ الأسفار المقدّسة خطيئةً كبرى يرفض الشهداء أن
يقترفوها.

نبتت
هذه البيبليا في أفريقيا، لا في رومة ولا في أنطاكية. ونبتت في محيط مسيحي، لا في محيط
يهودي. قد يكون اليهود في أساس البنتاتوكس أو بعض الأسفار، وقد كانت بعض الجماعات
اليهودية في أفريقيا تتكلم اللاتينية في زمن ترتليانس وما بعد. ولكن، وإن وُجدت
ترجمات يهودية، فهذا لا يمنع المسيحيين من استعمالها. ولكن ارتبطت التوراة منذ
البداية بالعهد الجديد، وهذا ما يؤكّد أنّ العهد القديم نبت في إطار مسيحي. ثمّ،
إذا كانت الترجمة اللاتينية مأخوذة عن اليونانية، فهل يقبل بها اليهود؟ هذا أمر
غير معقول.

ثانيًا:
المراجعات الأوروبية: منذ القرن الثالث، نجد لدى نوفاسيان في رومة أسلوبا بيبليًا
يختلف عن أسلوب قرطاجة. فكل الآباء في أوروبا يبتعدون عن البيبليا الأفريقيانية،
فيتبعون النسخات اليونانية المعروفة في الكنائس الشرقية. ولكنّهم ظلّوا حرفيين في
ترجمتهم للنصوص. أمّا أين نجد نصوص الترجمة اللاتينية العتيقة؟ في إيرادات الأدب
الآبائي، وحتّى في كتابات القرون الوسطى، في مخطوطات الترجمة اللاتينية العتيقة
التي ظلّوا ينسخونها حتى القرن الثامن ضمنًا، في بيبليات تعود إلى أيّام كارلوس
الكبير وتتضمن نصوصًا قديمة (اس، يه، 1 مك، 2 مك، با، أع) مقحمة في الفولغاتا، وفي
كتب القراءات.. وهكذا تكون الترجمة اللاتينية العتيقة مهمّة جدًا لأنّها البيبليا
التي استعملها آباء الكنيسة اللاتينية. ثمّ، بما أنّها قريبة من السبعينية، فهي
شاهد رئيسي في تاريخ السبعينية التي استعملها الآباء اليونانيون.

 

2-
ترجمات إيرونيموس البيبلية

لا
نخلط بين ما صنعه إيرونيموس وبين الفولغاتا. ولكن لا ننسى أنّ إيرونيموس يحتلّ
مكانة لا تُضاهى في تاريخ الترجمات البيبلية اللاتينية. كان كاتبًا ومترجمًا، كان
مؤّولاً ومتضلّعا من العبرية فانتشر عمله انتشارًا واسعًا. أمّا اختياره للنص
العبري على حساب النص اليوناني، فقد عارضه فيه كثير الآباء.

ولد
إيرونيموس قبل سنة 350 في منطقة أكيلايا (على بحر الأدرياتيك في إيطاليا)، ودرس
الأدب في رومة فبرع فيه. ولكن المثال الرهباني الشرقي اجتذبه فاعتزل بين سنة 375
وسنة 380 في انطاكية وفي خلقيس. هناك أتقن اليونانية والتأويل وانصبّ على العبرية.

حين
أقام في روما (382- 385)، أعاد النظر في الأناجيل اللاتينية منطلقًا من نموذج
أوروبي، كما راجع سفر المزامير. وفي بيت لحم، بدأ ايرونيموس (بعد سنة 387) بترجمة
نص السبعينية الموجود في هكسبلة أوريجانس إلى اللاتينية. نشر سفر المزامير الذي
استعملته بلاد غاليا (أي فرنسا) ودخل في الفولغاتا. كما نشر ترجمة أيّوب والأمثال
ونشيد الأناشيد والجامعة وأخبار الأيّام. واستعان إيرونيموس بترجمتَي أكيلا وسماك
اللتين قرأهما في الهكسبلة، وبدأ بترجمة التوراة عن العبرية بادئًا بسفر المزامير.
بعدها، إنتقل إلى الأنبياء ودانيال مع الإضافات اليونانية (390- 392)، وعاد إلى
أسفار صموئيل والملوك (392 – 393) وأيوب (قبل 394) وعزريا ونحميا (394). ثم ترجم
أخبار الأيّام (395- 396)، وأسفار الأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد (398)، واسفار
موسى الخمسة (400)، واستير ويشوع بن نون والقضاة وراعوت. ونسي مبادئه فيما يخصّ
التوراة اليونانية (أو الأسفار القانونية الثانية)، فنقل طوبيا ويهوديت مستندًا
الى الترجمة اللاتينية العتيقة.

ولكنّه
لم يترجم اسفار ابن سيراخ والحكمة والمكابيين وباروك ورسالة ارميا كما نقرأها في
الفولغاتا، لأنّه رفض أن يُدخلها في لائحة الأسفار القانونية. ويقرّ العلماء اليوم
أنّه لم يراجع الرسائل البولسية والكاثوليكية، ولا سفر الأعمال ولا سفر الرؤيا.
لقد تمّت إعادة النظر في أسفار العهد الجديد الموجودة في الفولغاتا في دوائر رومة
البلاجية وعلى يد روفينوس السوري.

وتوفّي
ايرونيموس ولم يجمع ما ترجمه في كتاب، فقام بالعمل اصحاب المكتبات، ودام الصراع طويلاً
بين ترجمات إيرونيموس والترجمة اللاتينية العتيقة.

 

3-
قبول ترجَمة إيرونيموس

مهما
يكن من أمر الأناجيل التي لقيت ترحيبًا من البابا داماسيوس، فالترجمة عن العبرية
لم تلقَ أي سند رسمي. فهي لم تأخذ مكانها في الليتورجيا أو التعليم الكنسي، بل في
الجدال مع اليهود. وأوّل من استقبل هذه الترجمة كان البلاجيون (يشددون على المجهود
البشري على حساب دور النعمة) الذين سبق لايرونيموس وعاداهم. ففي القرن السادس ما
زال القدّيس عبد الأحد (بندكتوس) يلجأ في “قوانين المعلم” إلى اللاتينية
العتيقة. أمّا كاسيودورس (عالم لاتيني من 490 إلى 585) فاستعمل نسخة من هكسبلة
ايرونيموس ومخطوطًا لترجمته عن العبرية. أمّا النصّ الذي يستعمله عادة والذي تقرأه
الكنيسة فهو اللاتينية العتيقة. ولكنّ كنيسة رومة استعملت نص إيرونيموس ونص
اللاتينية العتيقة، كما يشهد بذلك غريغوريوس الكبير الذي يعتمد على نص إيرونيموس
يمزجه بعناصر مأخوذة من اللاتينية العتيقة. وهذا ما تفعله كل المخطوطات منذ زمن
بلاجيوس الذي هو معاصر لإيرونيموس. ولكن ما عتّم نص إيرونيموس أن فرض نفسه بسبب
مكانته الأدبية. ولكنّ سفر المزامير المتجذّر في الممارسة الليتورجية ظل مقاومًا
لكل تغيير. وهكذا احتفظت الكنائس العديدة (ومنها رومة) بزبورها المحلي. أمّا ترجمة
إيرونيموس عن العبرية، فلم تدخل في الممارسة الليتورجية، فظّلت وقفًا على
الباحثين. أمّا الزبور الذي نقله إيرونيموس عن نص أوريجانس (وهو أفضل النصوص
اليونانية) فقد كان قريبًا من النصوص التقليدية، فتبنّته بلاد غاليا (أي فرنسا) في
عهد كارلوس الكبير (شارلمان+ 814). مال النسّاخ في بادئ الأمر إلى تصحيح النصوص
وزيادة الهوامش، ولكن جاءت المركزية الثقافيّة والكنسيّة فبدأت عملاً توحيديًا.
فنُشر الزبور في تور وأورليان (في فرنسا)، ونُشر أيضاً في إسبانيا وإيطاليا
(ميلانو ورومة). وسيأتي وقت تلعب باريس دورها فيتبارى الفرنسيسكان والدومينيكان
لفرض نسخة اتّبعت مناهج النقد الحديث. فكان اتيان لنغتون (+ 1228)، ثم روجيه باكون
(أكسفورد بانكلترا 1220- 1292) الذي كان أول من سمى بيبلية إيرونيموس فولغاتا أو
الشعبية. وفي سنة 1452، دشّن غونتبرغ فن الطباعة في مايانس فنشر البيبليا
اللاتينية في نص جامعة باريس.

 

ج-
الترجمات الأرامية

1-
التراجيم اليهودية

أوّلاً:
الترجوم والمدراش

ان
كلمة ترجوم (تلفظ ترغوم) الأرامية تعني حرفيا “النقل”
و”التفسير”. وهي تدل على ترجمة أرامية للتوراة تُستعمل في المجمع (أو
الكنيس). فقَبْل المسيحية، أحس اليهود بالحاجة إلى أن يقرأوا، بعد التوراة
العبرية، الترجوم الذي هو نقل وتفسير شفهي في الأرامية يهدف إلى أن يجعل الكلمة
المكتوبة قريبة من السامعين. كان “الترجمان” ينقل النصّ المقدّس إلى لغة
الشعب، ويدخل في لحمة ترجمته التوراتية عناصر تأويلية توجّه القارئ إلى فهم النص
العبري المقروء. وانتقل الترجوم مدة طويلة بطريقة شفهية. وكان الأساسَ التفسيري
التقليدي فينتقل بواسطة عبارات متحركة ويتكيّف ويتوسّع خلال عملية النقل.

أمّا
التفسير المعمول به في الترجوم فيرتبط بالنشاط التأويلي اليهودي القديم الذي يسمّى
“مدراش”. فالمدراش يتوسل تقنية التفسيرة، فينطلق من المعنى الحرفي،
ويدرس النص ويتفحّصه ليستخرج منه ما يحمل من معاني. يدرسه بالقياس مع مقاطع بيبلية
أخرى أو في علاقته بأفكار دينية حديثة في العالم اليهودي. ولكن لم يمارَس النشاط
المدراشي فقط على مستوى الترجوم الذي يقوم بترجمة النص وتفسيره. فالمدراش نَقل
مجموعةً من التقاليد، وهي أخبار تعيد كتابة أحداث بيبلية، ومجموعة تفاسير وضعت
بجانب الآيات الكتابية، والوعظ والإرشاد. والحال أنّ الرباطات بين الترجوم وعالم
المدراش متشعّبة. وهكذا يقتبس “الترجمان” تقاليد من النشاط المدراشي
ويجعلها في ترجمة التوراة. هناك تقاليد قديمة وأخرى حديثة. والتداخل بين الترجوم
وتفاسير الرابانيين أمر طبيعي إذا عرفنا أن الترجمة المقروءة في المجمع ترتبط
بالمدرسة. من جهة، يتثقف الترجمان ليقوم بوظيفته فيسير حسب التقليد ويؤّون النص
التوراتي. ومن جهة ثانية كان الترجوم الذي يُتلى في المجمع يعود كمادة درس يتعمق
فيه الطلاّب بقيادة المعلّم.

 

ثانيًا:
تراجيم البنتاتوكس

وصلت
الينا عدة نسخات لترجوم البنتاتوكس. ثلاثة منها وصلت إلينا كاملة وأخرى وصلت إلينا
مقاطع ونتفًا.

الأوّل:
ترجوم يوناتان المزعوم (أو ترجوم أورشليم الأول) سمّي كذلك لأنه نُسب خطأ إلى
يوناتان بن عزيئيل صاحب ترجوم الانبياء المفترض. يتوسع هذا الترجوم في نص التوراة
توسعًا كبيرًا، فيصبح نصّه ضعف نصّ التوراة. حصلت اللمسات في نصّه في القرن
الثامن، وهو يتضمّن اجمالات لأخبار مدراشية. ولكن الزيادات الحديثة ترافق التفاسير
القديمة جدا. حُفظ لنا هذا الترجوم في النشرة الرئيسية التي طُبعت في البندقية سنة
1591، وفي مخطوط من المكتبة البريطانية (27031) يعود إلى القرن السادس عشر

الثاني:
ترجوم الكودكس نيوفيتي (وجد في معهد المعمّدين الجدد “نيوفيتي ” الذي
أسّسه غريغوريوس الثالث عشر سنة 1574). نُسخ سنة 1504 لحساب جيل ده فيتارب، على يد
ثلاثة خطّاطين. واكتُشف سنة 1956. يعود النصّ الأساسي لهذا الترجوم إلى القرن
الثاني والثالث، ولكنّ الرابانيين صحَّحوا بعض الأمور فيما بعد. وما يميّزه هو
الملاحظات الموضوعة في الهوامش أو بين السطور.

الثالث:
ترجوم أونكيلوس. دوِّن في الأرامية الأدبية. أمّا الترجومان السابقان فدوِّنا في
أرامية فلسطين المحلية. نسب التقليدُ هذا الترجوم إلى أكيلا، لأنّه يحاول أن يبقى
قريبًا من النص الحرفي. لقد تمّ تدوين ترجوم أونكيلوس في وسط بابلي في القرن
الرابع والقرن الخامس، ولكنّه كان في الواقع مراجعة لنصّ فلسطيني يعود إلى القرن
الثاني. ولهذا، فتسمية هذا الترجوم “ترجوم بابل” تجعلنا ننسى أساس هذا
الترجوم الذي يعود إلى محيط فلسطيني. لا شك في أنّ ترجوم اونكيلوس يتحاشى
التوسّعات، ولكنه يدلّ على معرفته بالتفاسير الفلسطينية التقليدية ويشير إليها
ببضع كلمات. لقد صار ترجوم أونكيلوس في اليهودية اللاحقة للتلمود، الترجوم الرسمي،
فحلّ محلّ سائر النسخ. لا يزال يستعمل اليوم في المجامع التي تسير على الطقس
اليمني.

بالإضافة
إلى هذه النسخات الكاملة والملاحظات الهامشية في كودكس نيوفيتي، نملك مجموعة من
المقاطع في نسخات فلسطينية سميت “ترجوم جزئي” (وقيل في الماضي، ترجوم
أورشليم الثاني). نحن أمام اختيار لثمانمائة وخمسين آية أو نتف آية وُجدت في مخطوط
باريسي (عبراني رقم 110) وفي مخطوط فاتيكاني (عبراني رقم 440). جعلت في بيبلية
الرابانيين (البندقية سنة 1517) وفي بوليغلوتة (أي الكتاب المتعدد اللغات) لندن.
ونُشير إلى مقاطع متبقيّة من سبع مخطوطات (بين القرن السابع والقرن الحادي عشر)
وُجدت في مخبأ القاهرة.

 

ثالثًا:
تراجيم الأنبياء

نتذكّر
هنا أنّ “القانون ” العبري يضمّ في فئة الأنبياء: اش، ار، حز، الاثنا
عشر، يش، قض، 1 صم، 2 صم، 1 مل، 2 مل، ولكنّه يستبعد سفر دانيال.

لا
نعرف ترجومًا كاملا للأنبياء، إلاّ في التدوين البابلي الموازي لترجوم اونكيلوس
والذي صار مثله نسخة رؤية. إنّه ترجوم يوناتان. خُلط اسمه باسم يوناتان بن عزيئيل
(تلميذ هيلل في القرن الأوّل المسيحي). تعود موادُ هذا الترجوم إلى عالم فلسطين،
وقد أعيدت صياغتها في القرن الرابع أو القرن الخامس في وسط بابلي. أمّا الترجوم
الفلسطيني على الأنبياء، الذي يتوسّع في الآيات توسّعًا كبيرًا، فلم يبقَ لنا منه
إلاّ عدد قليل من المقاطع.

 

رابعًا:
تراجيم الكتب

هناك
ترجومات لسائر الكتب (ما عدا دا، عز، نح) وهي تتوسّع في النص الكتابي وتتضمّن
أخبارًا مدراشية. عادت هذه التراجيم إلى فلسطين، فتضمّنت مواد قديمة، ولكنها
أُلِّفت في زمن متأخر. نلاحظ في ترجوم المزامير عناصر قريبة من بعض التفاسير
الكتابية في العهد الجديد. ونشير أخيرًا إلى أنّ أقسامًا من ترجوم أيّوب وُجدت في
قمران وهي تختلف عما نقله إلينا التقليد اليهودي.

 

2-
التراجيم السامرية

انطلق
السامريون من ترجمتهم للبنتاتوكس، فقدّموا تراجيم أرامية متعددة، ولكن لم يتوصل أي
ترجوم أن يفرض نفسه. إقتصر تأثير هذه التراجيم على السامريين وحدهم، وظلت في
الاستعمال حتّى القرن السابع عشر، هذا مع العلم أن السامريين لم يعودوا يتكلّمون
الأرامية بعد الفتح العربي (القرن السابع) بزمن قصير.

 

3-
الترجمة السورية الفلسطينية للملكيّين.

إنّها
ترجمة العهد القديم والعهد الجديد. كُتبت بحروف سريانية ولكنّها ألّفت في لهجة
أرامية “غربية”. استعملها المسيحيون الفلسطينيون في العصور الأولى
للمسيحية. لم ترَ هذه الترجمة الوجود قبل القرن الرابع، فعُرفت خصوصًا من خلال كتب
القراءات الليتورجية وبعض المخطوطات البيبلية. يبدو أنّها نُقلت من أجل اليهود
الفلسطينين الذين اهتدوا إلى المسيحية. أقدم مخطوطات هذه الترجمة هي طروس (الطرس
هو رقّ مُسح ثمّ كُتب عليه ثانية) تعود إلى القرنين السادس والسابع. أمّا أحدث
المخطوطات فتعود إلى القرن الثالث عشر يوم خسرت الترجمة علّة وجودها وأخذ الملكيون
باللغة العربية في ليتورجيتهم.

د-
الترجمات السريانية

السريانية
لهجة أراميّة شرقيّة نطق بها الناس في الرها حيث نجد كتابات منذ القرن الأوّل
المسيحي، ثمّ صارت لغة المسيحيين في سورية وبلاد الرافدين. هناك السريانية الشرقيّة
التي كانت لغة النساطرة على أيّام الساسانيين (الفرس) والأمويين والعباسيين، والتي
انتشرت فوصلت إلى الصين وتركستان. وهناك السريانيّة الغربيّة التي استعملها
اليعاقبة في المملكة البيزنطية فامتدّ تأثيرها حتى بلاد الحبشة.

 

1-
الترجمة البسيطة (فشيطتو)

تعود
التوراة البسيطة إلى القرن الثاني بل إلى القرن الأوّل ب. م. يورد نصوصها أفراهاط
ويتحدّث أفرام عن قِدَمها. تضمّنت في البداية كل الأسفار القانونية لدى اليهود وقد
نقلتها عن العبرية، كما تضمّنت الأسفار القانونية الثانية وقد نُقلت عن اليونانية.

تتضمّن
المخطوطات الكاملة (مثل الأمبروسياني القرن السادس) كل أسفار العهد القديم (بما
فيها القانونية الثانية) والعهد الجديد. وتتضمّن أيضا أسفارًا منحولة مثل رؤيا
باروك، عزرا الرابع، سفرا المكابيين الثالث والرابع. في البداية، إتّبعت البسيطة
الترتيب المعروف في العالم اليهودي. ثم تحوّل هذا الترتيب فصار أيّوب بعد أسفار
البنتاتوكس. في القرن التاسع، قسم النساطرة التوراة أربعة اقسام: البنتاتوكس، كتاب
الجلوس (أي، يش، قض، صم، مل، أم، سي، جا، نش، را)، الأنبياء (أش، الأثنا عشر، إر،
حز، دا) كتاب الصباوي داود (مز).

كيف
يبدو نص البسيطة؟ يتبع البنتاتوكس النصّ الماسوري اتّباعًا أمينًا ويتضمّن عناصر
ترجومية. نجد في أشعيا والاثني عشر والمزامير عناصر خاصّة بالسبعينيّة. تتوسّع
الترجمة في نص راعوت، وتكون قريبة من الأصل الماسوري في 1 صم، 2 صم، وتنقل أيّوب
نقلاً حرفيًا، وتطبع كتاب الأخبار بطابع ترجومي. يبدو أنّ ترجوم الأمثال الأرامي
قد استعان بنص البسيطة، كما أنّ ابن سيراخ تُرجم عن العبرية لا عن اليونانية.

ماذا
يقول السريان عن أصل البسيطة؟ يُرجع إيشو عداد المروزي (حوالي 852) ترجمة البسيطة
إلى أيّام سليمان، ويقول تقليد آخر إنّ الكاهن عزرا الذي أرسله إلى السامرة الملكُ
الأشوري، قد نقل الكتب المقدّسة. ويعلن موسى بركيفا ويعقوب الرهاوي أن التوراة
تُرجمت من العبرانية إلى السريانية بواسطة أداي ورفاقه في أيّام الملك أبجر وفي
بداية المسيحية. واستند ابن العبري إلى أوسابيوس، فأكّد أنّ أوريجانس اكتشف
التوراة السريانية عند أرملة في أريحا. هذه التقاليد لا يمكن الاعتماد عليها بصورة
أكيدة، ولكنّها تتفق على نقطتين. الأولى: نبتت بسيطة التوراة في فلسطين. والثانية:
نُقلت البسيطة عن العبرية. ويذهب بعض العلماء إلى القول إنّ البسيطة تستند إلى
ترجوم فلسطيني أرامي يعود إلى القرن الثاني. لا شكّ في أنّ هناك آثارًا ترجومية،
ولكنّ تأثير النص الماسوري والنص السبعيني بارز أيضاً. ولقد فسّر العلماء تأثير
السبعينية على البسيطة في أربعة وجوه. أوّلاً: كان النص الأساسي الذي استعمله
السريان أقرب إلى السبعينية منه إلى الماسوري العبري. ثانيًا: اتّبع مترجمو
السبعينية والبسيطة تقليدًا تأويليًا فلسطينيًا واحدًا. ثالثًا: راجع العلماء
السريان (كان تقديرهم كبيرًا للعالم اليوناني) البسيطة على ضوء السبعينيّة.
رابعًا: وضع المترجمون السريان النصّ العبري والنصّ السبعيني أمامهم حين قاموا
بعملية النقل. وقد يكون التأثير اليوناني قليلاً على المترجمين ثم زاد مع الناسخين
الذين استعانوا بالهكسبلة السريانية.

أثَّر
الترجوم على البسيطة، وأثّرت عليها السبعينيّة. وأثّرت البسيطة بدورها على ترجوم
الأمثال، على نسخة لوقيانوس الأنطاكي، على الترجمة الأرمنية، كما أثرت على ترجمات
عربية عديدة.

 

2-
الدياتساوون (أو من خلال أربعة أناجيل)

يبدو
أنّ أقدم ترجمة للأناجيل هي الدياتسارون، وقد قام بها طاطيانس في النصف الثاني من
القرن الثاني.

ولد
طاطيانس في بلاد الأشوريين وكانت لغته الأصليّة السريانية، إلاّ أنّه أتقن
اليونانية أيضاً. بعد أن سافر كثيرًا وصل إلى رومة كاتبًا وفيلسوفًا، واتّصل
بالفيلسوف والمدافع المسيحي يوستينوس. وهناك اهتدى إلى المسيحية بتأثير من معلّمه،
فكتب الخطبة إلى اليونانيين مودعًا فيها حكمة عمره المدنية. وبعد أن مات يوستينوس
سنة 165، ظلّ طاطيانس بعض الوقت في رومة واتصل بجماعة المتعففين فاعتُبر هرطوقيًا.
حينئذ عاد إلى بلاد الرافدين وأقام في بلاده سنة 172- 173.

ألّف
طاطيانس تناسقًا إنجيليًا أي خبرًا تمتزج فيه النصوص الإنجيلية المختارة وتعرض
الأحداث في لمحة متتابعة. اكتُشف نصّ يوناني في دورا أوروبوس فاعتبر العلماء أنّ
الدياتسارون دوِّن في اليونانية. ولكنّ الصحيح هو أنّه دوّن في السريانية. ويبدو
أنّ طاطيانس دوّن تناسقه الإنجيلي بعد عودته من رومة. فانتشر في العالم السرياني
بحيث اعتبرت أسطورة أداي (حوالي سنة 300) أنّ الدياتسارون هو الإنجيل. وقال
أفراهاط إنّ إنجيل ربّنا يبدأ بهذه الكلمات: في البدء كان الكلمة. تلك كانت بداية
الدياتسارون الذي سيشرحه أفرام. هذا يعني أنّه كان يُتلى في الاجتماعات
الليتورجية. وقد تأسّف تيودوريتس القورشي لأنّ الدياتسارون يُقرأ في الكنائس
المستقيمة الرأي وكنائس الهراطقة. فوضع في الكنائس ما يزيد على 200 نسخة للأناجيل
المنفصلة لتحلّ محلّ الدياتسارون. وكما حارب الدياتسارون تيودوريتس القورشي في
غربي بلاد الرافدين، كذلك حاربه رابولا أسقف الرها (412- 435) في الشرق. فأمر
الكهنة والشمامسة بأن يعملوا جهدهم ليكون في كل كنيسة الأناجيل المنفصلة وأن تُقرأ
هذه الأناجيل لا الدياتسارون. ولكن النساطرة لم يسمعوا لرابولا، وسيظلّ اليعاقبة
يملكون الدياتسارون حتى القرن الثالث عشر، وسينسخونه في الفارسية حتى سنة 1547.

ضاع
نصّ الدياتسارون في السريانيّة، ولم يبق لنا منه إلاّ المقاطع التي ذكرها افرام في
تفسيره. ولكنّه وُجد في العربية وقد نشره الآب مرمرجي الدومينيكاني منطلقًا من خمس
مخطوطات معروفة (الفاتيكان: القرن الثاني عشر، الفاتيكان أيضاً: القرن الرابع عشر،
بطريركية الأقباط في القاهرة: سنة 1795، حلب سنة 1797، المكتبة الشرقية في بيروت
سنة 1332). ووُجد كاملاً في اللغة الفارسية، كما وُجدت مقاطع منه في الأرمنية وفي
لغات أخرى.

 

3-
الترجمات السريانية القديمة للعهد الجديد.

دخلت
المسيحية باكرا إلى العالم السرياني. ويتحدّث التاريخ عن مار فقيدة الذي كان أوّل
أسقف على مدينة أربيل من سنة 105 إلى سنة 115. وانتشرت المسيحية في حدياب وفي شرقي
الفرات وغربيّه. فكان لا بد من ترجمة الأناجيل إلى السريانية. وقد بقيت لنا
ترجمتان سابقتان للبسيطة: الترجمة الكيورتونية والترجمة السينائية.

 

أوّلاً:
الترجمة الكيورتونية

اكتشف
العالم الإنكليزي وليام كيورتون نصّ الأناجيل هذا في مخطوطة لندنية (14451) كانت
في دير القدّيسة مريم أمّ الله في دير النطرون في مصر كُتبت المخطوطة في
الاسطرنجيلي وهي تعود إلى القرن الخامس وتتضمن الإنجيل حسب الترتيب التالي: متّى،
مرقس، يوحنّا، لوقا.

 

ثانيًا:
الترجمة السينائية

سنة
1892 اكتشفت السيّد اغنيس سميت لاويس في مكتبة دير القدّيس كاترينة في جبل سيناء
طرسًا يتضمن الأناجيل الأربعة. نقل الخطوط الراهبُ يوحنّا اسطونايا في دير معرّة
نصرين (بين حلب وأنطاكية). يعود النصّ إلى القرن الرابع.

 

4-
بسيطة العهد الجديد

بسيطة
العهد الجديد هي النسخة الرحمية في الكنيسة السريانية منذ القرن الخامس. وهي
تتضمّن كل أسفار العهد الجديد ما عدا 2 بط، 2 يو، 3 يو، يهو، رؤ، فتتبع اللائحة
القانونية المعمول بها في أنطاكية في القرن الخامس. ونشير إلى أنّ نص يو 53: 7- 8:
11 (عن الزانية) ونص لو 17: 22- 18 غير موجودين. قال بعض العلماء: إنّ رابولا ترجم
بسيطة العهد الجديد، وهو العالِم باليونانية، ونشَرها. فردّ آخرون أن هذا الكلام
لا يصحّ، لا سيّمَا وإنّ العلماء السريان لا يذكرون هذا الأمر مع أنّ سيرة حياته
معروفة. وهذا يعني أنّ البسيطة وُلدت قبل نهاية القرن الرابع وقبل الصراعات
الكرستولوجية. وهذا يفسّر كيف انتشرت لدى المونوفيسيين ولدى النساطرة. وما يُثبت
قدم البسيطة هو أنّ قانونها هو قانون أنطاكية السابق للقوانين الرسولية وتيودوريتس
القورشي (423- 458). إذًا وُلدت البسيطة في القرن الرابع وعايشت الترجمة السريانية
العتيقة ولم تفرض نفسها إلاّ بعد قرون عديدة. ساعدت السلطة الكنيسة على انتشارها،
أمّا الرهبان ففضّلوا الأناجيل المنفصلة، وستبقى الترجمة العتيقة مستعملة في بعض
الأوساط الكنسية حتّى القرن الثامن والقرن التاسع.

 

5-
ترجمات البيبليا الحديثة إلى السريانية

ورغب
السريان الغربيون في نص أكثر أمانة لليونانية، فخلقوا ترجمات جديدة، ولكنّها لم
تحلّ محلّ البسيطة.

 

أوّلاً:
الترجمة الفيلوكسينية

ترتبط
بفيلوكسينس اسقف منبج (485- 523) الذي دعا الخوراسقف بوليكربوس إلى القيام بها. هي
ترجمة جديدة انطلقت من اليونانية وحملت بعض أفكار فيلوكسينس. وتعود هذه الترجمة
إلى سنة 507- 508 وقد تضمنت أسفار العهد الجديد التي تأخذ بها الكنيسة السريانية.
ويبدو أنّ بوليكربوس ترجم أيضا العهد القديم ولا سيّمَا أشعيا والمزامير.

 

ثانيًا:
الترجمة الحرقلية

كان
توما الحرقلي راهبًا لجأ إلى مصر خلال الاجتياح الفارسي للبلاد. وبعد هذا صار
أسقفًا يعقوبيًا على منبج. فشرع سنة 616 في إعادة النظر في الترجمة الفيلوكسينية.
استند إلى ثلاث مخطوطات يونانية للأناجيل، وإلى مخطوطة واحدة لسفر الأعمال
وللرسائل البولسية والكاثوليكية. جاء نصّه حرفيًا ومزودًا بالحواشي التي تشير إلى
اختلافات في النصّ اليوناني.

 

ثالثًا:
الهكسبلة السريانية

الهكسبلة
السريانية هي ترجمة العمود الخامس من هكسبلة أوريجانس. قام بها بولس مطران تل
موزلت حين لجأ إلى الإسكندرية خوفًا من الاجتياح الفارسي. عمل بولس مع فريق من
المترجمين منهم الشماس توما، وانتهى من العمل سنة 616- 0617 الترجمة حرفيّة وهي
تستعيد علامات موجودة عند أوريجانس. قد يكون بولس استعمل الخطوط الأصلي المحفوظ في
قيصرية، أو نسخة منه موجودة في الإسكندرية. وقال بعض العلماء: إنّ بولس استعمل
مخطوطات عديدة. كما أنّه جعل في الهامش نصوصًا من أكيلا وسماك وتيودوسيون.

 

رابعًا:
ترجمة يعقوب الرهاوي

راجعَ
العالِم الكبير يعقوب الرهاوي نص الهكسبلة السريانية حوالي السنة 705 ونص البسيطة
ليقدّم لنا نصًا موحّدًا. وقد استعان أيضاً بمخطوطات من السبعينية تعكس نص
لوقيانوس الأنطاكي.

 

ه-
ترجمات شرقية أخرى

1-
الترجمات القبطية

انتشرت
اليونانية في مصر منذ البطالسة إلى الفتح العربي، ولكنّ اللغة القبطية (المتفرّعة
من اللغة المصرية القديمة والتي كتبت بحرف يوناني) ظلّت مسيطرة في الريف. لهذا
برزت الحاجة إلى ترجمات بيبلية في السنوات 150- 200.

 

أوّلاً:
الترجمة الصعيدية

تُرجمت
البيبليا للمرة الأولى إلى اللهجة الصعيدية، لغة الصعيد. استندت إلى السبعينية
واقتبست كلمات يونانية عديدة، كما استندت إلى نص العهد الجديد المصري في نسخته
“الغربية” وسيعاد النظر مرّات عديدة في هذه الترجمة الصعيدية. أمّا أقدم
المخطوطات فتعود إلى القرن الثالث أو القرن الرابع.

 

ثانيًا:
الترجمة الأخمينية (لهجة بين أخمين وطبية)

إستندت
إلى الترجمة الصعيدية أقلّه في أسفار العهد القديم. لم يبق لنا إلاّ قسم من
الأسفار البيبلية (أم، مت، لو، غل، يم) وفي مخطوطات قليلة يرقى أقدمها إلى القرن
الرابع.

 

ثالثًا:
الترجمة المتفرّعة من الأخمينية

اللغة
التي نقلت اليها هي لغة مصر الوسطى في منطقة ليكوبوليس. لم يصل إلينا إلاّ مقاطع
من هذه الترجمة التي يعود أقدم نصوصها إلى القرن الرابع. وقد اشتهرت هذه الترجمة
خاصة بنص إنجيل يوحنّا.

رابعًا:
الترجمة الفيومية

لغة
هذه الترجمة معروفة في الفيوم. ولكن لم يبق لنا من الترجمة الفيومية إلاّ بعض
مقاطع من العهد القديم والعهد الجديد.

 

خامسًا:
الترجمة البحيربة

اللغة
البحيرية هي لغة وادي النيل ولا تزال مستعملة في ليتورجية الكنيسة القبطية في مصر
هي لا تقتبس كالصعيدية كلمات يونانية، ولكنّها تتبنّى البنية اليونانية. ما هي
علاقات الترجمة البحيرية بسائر الترجمات؟ لم يتّفق العلماء بعد على جواب. ورغم قدم
هذه الترجمة، فنحن لا نملك أي كودكس منها قبل القرن التاسع ما عدا مخطوطات ثلاث في
بردية بودمير الثالثة (القرن الثالث أو الرابع) تتضمن إنجيل يوحنا وتك 1: 1- 4: 2.

 

2-
الترجمة الحبشية

يروي
المؤرّخون القدماء أن المسيحيّة دخلت إلى الحبشة في السنوات 320- 330 على يد
فرومنسيوس الصوري الذي هدى ملك اكسوم. وفي نهاية القرن الخامس، جاء الرهبان
السريان وبشّروا الحبشة كلّها فأدخلوا إليها الحياة الرهبانية والتعليم المونوفيسي
(الطبيعة الواحدة). وبعد السنة 500، بدأت ترجمة العهد القديم والعهد الجديد إلى الحبشية
الكلاسيكية (لهجة مملكة أكسوم على مرتفعات الحبشة الشمالية). أمّا قانون البيبليا
الحبشية فيتضمن أيضاً أسفارًا منحولة مثل رؤيا أخنوخ وكتاب اليوبيلات. وما يُلاحَظ
هو غياب سفرَيْ المكابيين اللذين سيَدخلان فيما بعد عن اللاتينية.

تُرجم
العهد القديم عن اليونانية مع تأثيرات عربية وقبطية وسريانية وعبرية. وترجم العهد
الجديد عن اليونانية مع تأثيرات سريانية وقبطية وعربية.

 

3-
الترجمة الأرمنية

كانت
أرمينيا أوّل أمّة تعتنق المسيحية كديانة رعية. ففي سنة 301 اقتبل الملك تيريداتيس
الثالث المعمودية من غريغوريوس المنور. وظلّت الكنيسة الأرمنية مدة قرن تستعمل
اليونانية والسريانية في ثقافتها وفي ليتورجيتها. ثمّ اخترع الكاهن والراهب مسروب
مسختوتس (+ 439) الكتابة الأرمنية في النصف الأوّل من القرن الخامس، فصارت
الأرمنية لغة مكتوبة وكانت البيبليا أوّل كتاب يرَجم إليها.

كان
مسروب مسؤولاً عن ترجمة الأمثال والعهد الجديد. وتمّت ترجمة سائر أسفار العهد
القديم حوالي السنة 410- 414 بمساعدة ساحاق، كاثوليكوس الكنيسة الأرمنية وغيره.
يتضمّن قانون العهد القديم قصة يوسف واسنات، وصيّات الاباء الاثني عشر ويشتمل
قانون العهد الجديد على رسالة الكورنثيين إلى بولس ورسالة بولس الثالثة إلى أهل
كورنتوس.

عاد
المترجمون إلى السريانيّة (ولا سيّمَا الترجمة العتيقة) وإلى اليونانية (ولا
سيّمَا السبعينية). كانت ترجمة قديمة، وسيُعاد النظر فيها مرارًا عبر العصور، ولا
سيّمَا فيما يخص العهد القديم. أقدم المخطوطات البيبلية يعود إلى القرن التاسع.
ولكن هناك شواهد قديمة لدى الكّتاب القدماء وفي النصوص الليتورجية.

 

و-
الترجمات العربية

يتحدّث
القدّيس لوقا عن العنصرة التي وصلت إلى المادايين والرومانيين كما وصلت إلى العرب
(أع 2: 11). وحين حلّ الاضطهاد بالمسيحيين في أورشليم، تشتّتوا فوصلوا فيما وصلوا
إلى بلاد العرب. إليهم ذهب بولس (غل 1: 17) بعد ارتداده على طريق دمشق (أع 9: 1-
9). ومهما يكن من أمر التقاليد المسيحية الأولى، فالمسيحيّون كانوا كُثُرًا في
الجزيرة العربية. والأدب القديم يتحدّث عن المطران جرجس العربي والخطيب قس بن ساعدة
النجراني (وقد يكون مطران نجران). ويذكر المؤرخ سوزومانيس الاساقفة العرب الذين
شاركوا في المجامع المسكونية: كانوا ستة في مجمع نيقية (327) وسبعة عشر في مجمع
خلقيدونية (451). ويقول أوسابيوس القيصري إنّ شهداء الجزيرة العربية كانوا كثرًا
في أيّام الامبراطور الروماني ديوكلاسيانس (248- 305). أمّا المؤرّخ محمّد
اليعقوبي فيشير إلى وجود مسيحيين في قبائل طيء وبهراء وتنوخ وقريش. وكان الغساسنة
في سورية والمناذرة (أو اللخميون) في العراق مسيحيين. وتتحدّث الكتب عن دير في
الحيرة (العراق) عدّ مئات الرهبان، وعن الأديرة التي كانت تتورع طريق القوافل بين
دمشق ومكّة.

كيف
نتصوّر هذا الحضور المسيحي دون النصوص البيبلية؟ يقول التقليد إنّ القس ورقة بن
نوفل نقل الكتاب المقدّس إلى العربية. وفي سنة 631، دعا الأسقف اليعقوبي يوحنا
الثالث الأنطاكي علماء من قبائل طيء وتنوخ وعقيل فترجموا الأناجيل بناء على طلب
عمير بن سعد أمير الجزيرة. ضاع النص، ولكن بقيت منه مقاطع في كتاب علي بن ربان
الفيلسوف النسطوري (780- 723). وفي الأندلس قام يوحنا أسقف إشبيلية بنقل البيبليا
من اللاتينية إلى العربية (سنة 717). وستكون هذه الترجمة في أساس ما سيفعله اسحق فلاسكيز
حين يترجم الأناجيل سنة 936 (هناك نسخة في مكتبة مونيخ خُطَّت سنة 1334 وهي تعود
إلى سنة 1145).

وفي
أيّام المأمون (813- 833) ترجم أحمد بن عبد الله بن سلام عن العبرية واليونانية
التوراة والأناجيل. وفي أيّام المتوكّل (847- 861) نقل حنين بن اسحق (808 -873) عن
السبعينية مستعينًا بالسريانية وبنصوص عربية، البيبليا كلها. هذا ما يقوله عنه علي
بن الحسين المسعودي (+ 956) في كتاب التنبيه والاشراف.

أقدم
نصّ معروف يعود إلى سعادية بن يوسف غاوون أو سعيد بن يوسف الفيومي (891- 941).
نقله عن العربية وقد وُضع نص البنتاتوكس في بوليغلوتة باريس وبلوليغلوتة لندن بعد
أن نُشر في القسطنطينية سنة 1546.

ونقل
أبو سعيد ابن أبو الحسين البنتاتوكس السامري إلى أبناء دينه في القرن الحادي عشر
وكان اليهودي يافت بن علي قد نقل في القرن العاشر بعض الأقسام المهمّة ولا سيّمَا
سفر المزامير.

يعود
نصّ العهد الجديد الذي وُجد في سيناء إلى سنة 867. وقد نقل قسّ من الاسكندرية
أسفار الأنبياء (عن السبعينية) وسفر دانيال (عن تيودوسيون)، وستطبع ترجمته في
بوليغلوتة باريس ولندن. وتُرجمت أسفار أستير والأمثال والجامعة ونشيد الأناشيد
والحكمة والمكابيين ونُشرت في بوليغلوتة باريس ولندن. أمّا اسفار طوبيا ويهوديت
وابن سيراخ فما زالت مخطوطة. ودخلت في البوليغلوتا نسخة المزامير المصرية. أمّا
النسخة السوريّة، فنُشرت في جنوى سنة 1516 (على يد أغسطينوس يوستنياني)، وفي رومة
على يد عالمين لبنانيين هما جبرائيل الصهيوني ونصر الله شلق. أمّا نسخة المزامير
المستعملة في الكنيسة الملكية فقد وضعها عبد الله ابن الفضل الأنطاكي في القرن
الثاني عشر سيُطبع هذا النص في حلب (1706) وفي بادوا بإيطاليا (1709) وفي لندن،
وأخيرا في الشوير (1733، 1739، 1753، 1764..)

ونقل
الراهب العالم عبد الله ابن الطيّب (+ 1054) الدياتسارون ثمّ الأناجيل الأربعة.
وتُرجمت عن السريانية إلى العربية أسفار القضاة وراعوت وصموئيل والملوك والأخبار
في القرن الثالث عشر او الرابع عشر وقد تُرجمت المزامير وطُبعت للمرة الأولى في
مار أنطونيوس قزحيا (لبنان) سنة 1585 ثم سنة 1610، ونذكر الحارث بن سنان (وهو كاتب
من حران عاش في القرن العاشر) الذي ترجم الهكسبلة السريانية. وأخيرًا نذكر ترجمة
مسجّعة ترقى إلى العهد العباسي. سيعود إليها أسقف نصيبين عبد يشوع (+ 1318) ثمّ
الشاعر الماروني الحلي يعقوب الدبسي في أواخر القرن السابع عشر ونذكر أخيرًا هبة
الله ابن العسال الذي انطلق من الترجمات المرتبطة بالقبطية والسريانية واليونانية
وقدّم نسخة تلفيقية. كُتبت سنة 1252 فكانت أساس الاحتفالات الليتورجيّة والدروس
الكنسيّة. ولكن سيحلّ محلّها الفولغاتا (أو الشعبية) المصرية التي ستُطبع في ليون
سنة 1616 ثم في رومة سنة 1671 وفي لندن سنة 1720، 1829.

ونذكر
فيما بعد “الكتب المقدسة باللسان العربي” الذي طُبع في رومة سنة 1671،
وعمل فيه سركيس الرزي ونصر الله شلق العاقوري ويوحنا المعمدان الحصروني وإبراهيم
الحاقلاني. ضمّ في ثلاثة أجزاء كل أسفار العهد القديم والجديد، ووُضع النص
اللاتيني إزاء النص العربي. هذا النص ستطبعه الكنيسة الأنكليكانية مرّات عديدة
وتنشره في الشرق.

ونذكر
أيضاً البوليغلوتا (أو المتعدّدة اللغات) الباريسيّة التي نشرت في القرن السابع
عشر الكتابَ المقدّس في لغات متعددة منها العربية. وقد شارك في هذا العمل يوحنا
الحصروني وإبراهيم الحاقلاني ونصر الله شلق وجبرائيل الصهيوني. وستتبع ذلك
البوليغلوتا اللندنية التي ستنشر النصوص العربية التي تضمنتها البوليغلوتا
الفرنسية.

وإذا
انتقلنا إلى القرن التاسع عشر نجد أوّلاً الترجمة الأنكليكانية التي عمل فيها فارس
الشدياق وطُبعت في لندن سنة 1857. ثانيًا: ترجمة بستاني فاندايك: قام بالترجمة
المعلم بطرس بستاني وضبط عبارتها اللاهوتية عالي بيت وكورنيلوس فاندايك المرسلَين
الاميركيَين وهذّب عبارتها ناصيف اليازجي وراجعها الشيخ يوسف الأسير. طُبع العهد
الجديد سنة 1860 والكتاب المقدّس كلّه (ما عدا الأسفار القانونية الثانية) سنة
1865. ثالثًا: الترجمة الدومينيكانية. صدرت سنة 1875 في العراق بهمة الآباء
الدومينيكان وعلى يد العلاّمة يوسف داود. رابعًا: الترجمة الكاثوليكية، صدرت سنة
1881. تولّى الترجمة الآب أوغسطين روده وشارك فيها الآباء فيليب كوش وجوزف روز
وجوزف فان هام، وأسهم الشيخ إبراهيم اليازجي في صياغة كتب العهد القديم والمعلم
رشيد الشرتوني في صياغة كتب العهد الجديد.

وعرف
القرن العشرون ترجمات للعهد الجديد، أوّلاً: الترجمة البولسية: صدرت سنة 1953، وقد
وضعها الآب جورج فاخوري. ثانيًا: الترجمة الكاثوليكية الجديدة، صدرت سنة 1969 وعمل
فيها الأبوان صبحي حموي ويوسف قوشاقجي، وهذّب عبارتها الأستاذ بطرس البستاني.
ثالثًا: الترجمة القبطية الأرثوذكسية. قامت بها لجنة مؤلّفة من الأنبا غريغوريوس
والأساتذة بهي شنوده ومراد كامل وباهور لبيب وحلمي مراد. رابعًا: ترجمة جمعية
الكتاب المقدّس. صدر العهد الجديد سنة 1979 وقد أشرف على العمل الدكتور وليم
ريبون. أمّا فريق العمل فتألّف من الشاعر يوسف الخال والمطران أنطونيوس نجيب،
والدكتور فهيم عزيز، والدكتور موريس تادرس. خامسًا: الإنجيل كتاب الحياة. صدرت هذه
الترجمة في القاهرة سنة 1986 وقد قام بها الأستاذ سعيد باز مع عدد من المتخصّصين
باشراف جورج حصني. سادسًا: ترجمة الخوري يوسف عون. صدرت الأناجيل الأربعة سنة 1978
ثمّ العهد الجديد بكامله سنة 1982. إذا كان “الإنجيل كتاب الحياة” قد
انطلق من نسخة انكليزية، فترجمة الخوري يوسف عون رجعت إلى البسيطة السريانية.
سابعًا: ترجمة كلّية اللاهوت في الكسليك (لبنان). صدر الإنجيل وأعمال الرسل سنة
1987، والرسائل والرؤيا سنة 1992. هذا على صعيد العهد الجديد، أمّا على صعيد العهد
القديم فأعيد في سنة 1983 طبع ترجمة الشدياق في لبنان، كما أعيد طبع ترجمة فان
دايك البستاني والترجمة الكاثوليكية مرارًا. ثمّ ظهرت ثلاث ترجمات للكتاب المقدّس.
الأولى: الترجمة الكاثوليكية صدرت سنة 1984- 1987 في بيروت وقد عمل فيها الآباء
أنطوان أودو ورينة لافنان وصبحي حموي. الثانية ترجمة جمعيات الكتاب المقدّس. عمل
فيها الشاعر يوسف الخال والخوري بولس الفغالي (كما كتب المقدمات والحواشي). وبعد
وفاة الأستاذ الخال تابع العمل الشاعران فؤاد رفقة وأسعد خير الله. وقد رافق العمل
وليم ريبون، يان ده وارد ومانويل جناشيان. الثالثة: كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية.
صدرت سنة 1988.

وهكذا
انتشر الكتاب المقدّس في العالم العربي، كما انتشر في الشرق والغرب، وفي العالم
القديم وفي العالم المعاصر بحيث ترجم الآن إلى أكثر من النبي لغة فعمّ بلاد العالم
كلّه. لا، لم يعد العهد القديم وقفًا على الشعب العبراني ولا العهد الجديد وقفًا
على الشعب اليوناني. فبعد أن صارت الشعوب كلها واحدة في شخص المسيح، جاءت إلى
الكتاب المقدّس تسمع فيه كلمة الله الواحدة التي تتورّع على الكون في لغاته
المتعدّدة. كانت الشعوب كثيرة يوم العنصرة فقالت: نحن نسمع الرسل يحدّثوننا بآيات
الله بلغاتنا (أع 2: 11). وصارت الشعوب أكثر في القرن العشرين وعلى عتبة الألف
الثالث، وهي تنتظر أن تصل إليها كلمة الله لتنير دربها وتسدّد خطاها.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى