علم الكتاب المقدس

الفصل الخامس



الفصل الخامس

الفصل الخامس

الإنجيل
الشفوى

والتسليم
الرسولى

 

1- الإنجيل الشفوى:

سلم
السيد المسيح تلاميذه ورسله الإنجيل شفاهة ولم يذكر الكتاب أنه كتب سوى مرة واحدة
وكان يكتب بإصبعه على الأرض”(1)،
وذلك فى حادثة المرأة التى أمسكت فى الزنى، وكلمة إنجيل ذاتها كما بينّا فى الفصل
الأول، تعنى بالدرجة الأولى، الأخبار السارة والبشارة المفرحة، بشارة الخلاص
الأبدى، أى الكرازة ب “جميع ما أبتدأ يسوع يفعله ويعلم به إلى اليوم الذى
أرتفع فيه”(2). وكانت كرازة الرسل
بالأخبار السارة، هى ذاتها الإنجيل، الإنجيل الشفوى “ويكرز ببشارة الملكوت هذه
كل المسكونة”(3). وتوضح الآيات التالية عمل
الله فى الرسل فى نشر الإنجيل شفاهة بالتسليم:

“الخدمة
التى أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله”(4)،
“وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقومون”(5)، “أن إنجيلنا لم يصر إليكم بالكلام فقط بل
بالقوة أيضاً وبالروح القدس”(6)،
“أشكر إلهي
لسبب مشاركتكم فى الإنجيل من أول يوم إلى
الآن”(7) “هاتين اللتين جاهدتا
معى فى الإنجيل مع أكليمندس أيضاً وباقى العاملين معى”(8)،
“تيموثاوس أخانا العامل معنا فى إنجيل المسيح”(9)،
“ثم أريد أن تعلموا أيها الأخوة أمورى قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل”(10)، “ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل(11)“.

ولذلك
فعندما يقول الرسول “يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلى(12)
و”للقادر أن يثبتك حسب إنجيلى(13)“،
يقصد كرازتى، عملى فى حمل البشارة، وعندما يقول “أنى أوتمنت على إنجيل الغرلة
كما بطرس على إنجيل الختان(14)“، يقصد كرازته بين
الأمم وكرازة بطرس بين اليهود “فإن الذى عمل فى بطرس لرسالة الختان عمل فىّ
أيضا للأمم(15)“.

انتشر
الإنجيل شفاهة فى كل البلاد التى كرز فيها الرسل ولم تكتب الأناجيل المدونة سوى
بعد أكثر من خمسة وعشرين سنة من صعود السيد المسيح.

 

2- الرسل شهود عيان:

أعد
السيد المسيح تلاميذه ورسله، وبصفة خاصة الأثنى عشر، كشهود عيان له، ليحملوا
الأخبار السارة إلى كل البشرية وينادوا بالأناجيل فى كل العالم، وكانت كرازتهم
بالبشارة الأبدية، بشارة الخلاص الأبدى، وإنجيلهم الشفوى يتضمن:

“جميع
ما ابتدأ يسوع يعمله ويعلم به إلى اليوم الذى ارتفع فيه(16)
أو كما كان سائداً بين الرسل “كل الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج
منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه(17)“،
وبصفة خاصة شهود آلامه وقيامته.

ويتضمن
ذلك ما حدث بين القيامة والصعود، ما حدثهم عنه وما علمهم إياه الرب فى تلك الفترة
الهامة والتى تحدث فيها الرب بوضوح وجلاء أكثر مما كان قبل الصلب، فقد كان على وشك
أن يتركهم جسدياً “بعدما أوصى بالروح القدس للرسل الذين أختارهم. الذين أراهم
أيضا نفسه حياً ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن
الأمور المختصة بملكوت الله(18)“.

ما
جاء عن السيد المسيح فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير، والذى كشفه السيد نفسه
وأعلنه لتلاميذه وفسره لهم:

“أيها
الغبيان والبطيئا القلوب فى الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغى أن
المسيح يتألم بهذا ويخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما
الأمور المختصة به فى جميع الكتب(19)“،
“وقال لهم (تلاميذه والذين كانوا معهم)(20)
هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى
فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا
هو مكتوب وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات فى اليوم الثالث. وأن
يكرز بأسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدئاً من أورشليم. وأنتم شهود
لذلك(21)“.

ويقول
بطرس الرسول بالروح موضحاً ذلك “نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس. الخلاص
الذى فتش عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التى لأجلكم باحثين أى وقت أو ما
الوقت الذى يدل عليه روح المسيح الذى فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التى للمسيح
والأمجاد التى بعدها. الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه
الأمور التى أُخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشروكم فى الروح القدس المرسل من
السماء(22)“.

ولأنه
هو كلمة الله الذى أوحى للأنبياء فى القديم بروحه القدوس “روح المسيح الذى
فيهم”، فقد سلم لتلاميذه أسفار العهد القديم “الأسفار المقدسة”
التى قبلها هو ذاته دون أن يوجه لها أى نقد وأعتمدها وأعاد تفسيرها بروح العهد
الجديد “لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل(23)“، أى لأعيد التفسير والفهم، فى ضوء تعليمه
هو الذى يكشف جوهر هذه الأسفار وغاية رسالتها الذى هو المسيح نفسه “فأن شهادة
يسوع هى روح النبوة(24)“. وقد أشار السيد
إلى ما جاء عنه فى أسفار العهد القديم فى مواقف كثيرة، وعلى سبيل المثال قرأته
لأحد نبؤات أشعياء النبى عنه فى المجمع يوم السبت وتفسيره لها بقوله “أنه
اليوم قد تم هذا المكتوب فى مسامعكم(25)“،
وكذلك سؤاله لرؤساء اليهود عن كون المسيح ابن داود وربه “فإن كان داود يدعوه
رباً فكيف يكون أبنه(26)“.

وقد
عمل الرسل فى كرازتهم بهذه الأسس الثلاثة للتعليم الذى تسلموه من سيدهم واستخدموا
العهد القديم باعتباره الشاهد الأول للمسيح وفسروا نصوصه فى ضوء العهد الجديد
باعتبار أن العهد الجديد هو الاستمرار الطبيعى والفعلى للعهد القديم واقتبسوا منه
وأشاروا إلى ما جاء فيه 2500 مرة منها حوالى 250 اقتباسا مباشراً وذلك فى أسفار
العهد الجديد.

وهكذا
كان محور كرازة الرسل وجوهر بشارتهم، ما عمله وعلمه السيد المسيح وما جاء عنه فى
أسفار العهد القديم وشهادتهم هم أنفسهم كشهود عيان عاشوا مع المسيح وشاهدوا أعماله
وسمعوا تعليمه منذ معمودية يوحنا إلى الصعود. وبعد الصعود وقبل حلول الروح القدس
وقف بطرس الرسول فى وسط التلاميذ “وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين(27)” وتكلم عن ما جاء فى العهد القديم عن خيانة
يهوذا واختيار بديلاً له “قال أيها الرجال الأخوة كان ينبغى أن يتم هذا
المكتوب الذى سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذى صار دليلاً للذين
قبضوا على يسوع إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب فى هذه الخدمة. فأن هذا أقتنى
حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه أنشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها
لأنه مكتوب
فى سفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. فينبغى أن
الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج. منذ
معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع فيه عنا يصير واحد منهم شاهداً معنا بقيامته(28)“. وهكذا تم اختيار متياس على أسس تعليم
المسيح الثلاثة، نبوات العهد القديم، تعليم المسيح وعمله والشهادة الرسولية له.

وبعد
حلول الروح القدس مباشرة وقف بطرس مع الأحد عشر بما فيه متياس، وبدأ يخاطب
الجماهير الغفيرة والتى كانت حاضرة فى أورشليم للاحتفال بعيد الخمسين ويتكلم عن
آلام المسيح وصلبه وقيامته، مستشهداً بنبوة يوئيل عن انسكاب الروح القدس “هذا
ما قيل بيوئيل النبى. يقول الله ويكون فى الأيام الأخيرة أنى اسكب من روحى على كل
بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً”، وبنبؤة
داود النبى عن قيامة المسيح “لأن داود يقول: فيه كنت أرى الرب أمامى فى كل
حين أنه عن يمينى لكى لا أتزعزع. لذلك سر قلبى وتهلل لسانى حتى جسدى أيضا سيسكن
على رجاء. لأنك لن تترك نفسى فى الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً
أيها
الرجال الإخوة يسوغ أن يقال لكم جهاراً عن رئيس الأباء داود أنه مات ودفن وقبره
عندنا حتى هذا اليوم فإذا كان نبياً وعلم أن الله حلف له بقسم أنه من ثمرة صلبه
يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح أنه لم
تترك نفسه فى الهاوية ولا رأى جسده فساداً” ثم استشهد بشهادة رسل المسيح
“فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعاً شهود لذلك(29)“.
وبعد شفاء المقعد عند باب الهيكل خاطب الرسول أيضا الجموع بنفس الطريقة والأسلوب؛
تذكيرهم للشعب بنبوات الكتاب “وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع
الأنبياء أن يتألم المسيح تممه هكذا”، تقديمهم للرب يسوع، عمله وتعليمه
“إليكم أولاً إذ قام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن
شروره”، ثم شهادة شهود العيان “ورئيس الحياة قتلتموه الذى أقامه الله من
الأموات ونحن شهود لذلك(30)“.

وفى
كرازته لكرنيليوس القائد الرومانى كان هذا هو نفس أسلوبه؛ ذكر النبوات وتفسيرها
“له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا”،
وتقديم شخص المسيح الفادى “يسوع الذى من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس
والقوة الذى جال يصنع خيراً ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان
معه”، ثم شهادة الرسل له “ونحن شهود بكل ما فعل فى كورة اليهودية وفى
أورشليم(31)“.

وكان
هذا هو أسلوب بولس الرسول أيضا، ففى عظته أمام الحاضرين بمجمع إنطاكية بيسيدية قال
“وأقوال الأنبياء التى تقرأ كل سبت تمموها إذ حكموا عليه
ولما تمموا
كل ما كتب عنه أنزلوه عن الخشبة (الصليب) ووضعوه فى قبر. وظهر أياماً كثيرة للذين
حضروا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب(32)“،
فسر النبوات وتكلم عن عمل المسيح وذكر شهادة الرسل لكل ذلك. وهذا ما أتبعه فى كل
مكان كان يذهب إليه ويكرز فيه، وكان ذلك أيضا هو جوهر تعليمه ورسائله
“الإنجيل الذى بشرتكم به.. المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دفن
وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب
وأنه ظهر للرسل أجمعين(33)“.

 

3- التسليم الرسولى (التقليد):

كان
الرسل هو شهود العيان الذين أختارهم الرب وعينهم وأرسلهم ليكرزوا للخليقة كلها
ويشهدوا له فى العالم أجمع، وكان الروح القدس يعمل فيهم وبهم ومن خلالهم ويتكلم
على لسانهم ويعلمهم ويذكرهم “يعلمكم كل شئ ويذكركم بكل ما قلته لكم(34)” ويعلمهم أيضا ما لم يكن فى إمكانهم تعلمه
قبل القيامة وحلول الروح القدس عليهم “أن لى أمور كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن
لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع
الحق.. ويخبركم بأمور آتية(35)“.

ويحسب
طلبه السيد نفسه للآب صار الرسل واحداً مع الآب والابن بالروح القدس “ليكون
الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الآب فىّ وأنا فيك ليكونوا هم واحد فينا
أن فيهم
وأنت فى(36)“، وحملوا البشارة،
بشارة الخلاص الأبدى، وصاروا هم المستودع الذى وضع فيه كل ما يختص بها، وصاروا
المرجع الأول للإعلان، الذى يعلنه الروح القدس من خلالهم عن كل ما عمله وعلمه
المسيح، وقاد المسيح الكنيسة من خلالهم بروحه القدوس. كانوا هم القادة والموجهين والمرجع
الذى يرجع إليه فى كل ما يختص بالأخبار السارة، فهم الذين يرسلون الرسل إلى البلاد
والذين يقررون ويصدرون التوصيات اللازمة لاحتياجات الكنيسة والمؤمنين، خاصة الجدد،
وهم الذين يقررون صحة إيمان وكرازة الرسل والمبشرين والمعلمين، يقول بولس الرسول
أنع على الرغم من أنه تسلم الإعلان من الرب مباشرة وأن الرب هو الذى قرر رسوليته
باختياره له وتعيينه للكرازة باسمه “لأن هذا لى إناء مختار ليحمل اسمى أمام
أمم وملوك وبنى إسرائيل(37)“، إلا أنه كان عليه
“بموجب إعلان” أيضا أن يذهب إلى الرسل فى أورشليم ليعرض عليهم الإعلان
الذى تسلمه من الرب والكرازة التى يكرز بها أو ليعطوه هم، يمين الشركة وبراءة
الرسولية ويرسلونه للكرازة “فأخذ برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر
الرب
فكان معهم
يدخل ويخرج فى أورشليم(38)“، “ثم بعد
أربعة عشر سنة حضرت إلى أورشليم مع برنابا آخذاً معى تيطس أيضاً وإنما حضرت بموجب
إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذى اكرز به بين الأمم. فإذ علم بالنعمة المعطاة لى
يعقوب وصفا (بطرس) ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطونى وبرنابا يمين الشركة لنكون
نحن للأمم وأما هم فللختان(39)“.

ولأنهم
حملوا وصايا الرب، وكانوا، هم المستودع الأمين لها فقد تساوت وصاياهم وتعاليمهم مع
تعاليم أنبياء العهد القديم ومع وصايا الرب نفسه لأنت وصيتهم هى وصيته وتعاليمه هى
تعاليمه:

يقول
بطرس “لتذكروا الأقوال التى قالها سابقا الأنبياء والقديسون ووصيتنا نحن
الرسل وصية الرب والمخلص(40)“، ويقول يهوذا
الرسول “أخو يعقوب”، “وأما أنتم أيها الأحباء فاذكروا الأقوال التى
قالها سابقاً رسل ربنا يسوع المسيح(41)“.

وهذا
ما تعلمه وعلمه أيضا الأباء الرسوليين تلامي الرسل الذين تتلمذوا على أيديهم
واستلموا منهم الأخبار السارة. يقول القديس أغناطيوس الأنطاكى تلميذ بطرس الرسول
“أثبتوا إذاً على تعاليم الرب والرسل”(42).

“ثابروا
على الاتحاد بإلهنا يسوع المسيح وبالأسقف وبوصايا الرسل(43)“،
ويقول أكليمندس الرومانى تلميذ بولس الرسول والذى يقول عنه القديس إريناؤس أنه
“رأى الرسل القديسين وتشاور معهم(44)“؛
“من أجلنا استلم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح ويسوع المسيح أرسل من
الله (الآب)(45)“، ويقول بوليكاربوس
الذى رافق الرسل خاصة القديس يوحنا الحبيب “فلنخدمه (المسيح) بخوف وتقوى كما
يأمرنا هو والرسل الذين بشرونا بالإنجيل والأنبياء الذين أعلنوا لنا عن مجئ الرب(46)“، ويقول القديس إريناؤس أسقف ليون
(120-202م) “إذ أن الرسل وضعوا فى أيدى الكنيسة كل الأمور التى تخص الحق
بغزارة وفيرة، مثل رجل غنى (أكتنز ماله)فى بنك، لذلك فكل إنسان أيا كان يستطيع أن
يسحب منها ماء الحياة(47)“.

سلم
الرسل لأعضاء الكنيسة، وبصفة خاصة القادة، ما تسلموه هم من الرب ونفذوا وصيته التى
أوصاهم بها قبل صعوده مباشرة:

“أذهبوا
وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والأبن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به(48)“.

وكان
أسلوب الرسل فى تسليم الأخبار السارة، الإنجيل، يعتمد على ثلاث أُسس هى:

الكرازة
“كيريجما
Kegrema“،
“أكرزوا بالإنجيل(49)“.

التعليم
“ديداكى
Didaky“،
“وعلموهم أن يحفظوا”.

العبادة
الليتورجية “ليتورجى
Liturgy(50)، “اصنعوا هذا لذكرى(51)“.

كان
الرسل يكرزون للجميع بالإنجيل وينادون بالخلاص لكل البشرية وذلك بالتوبة ومغفرة الخطايا
بالإيمان بالمسيح كالمخلص الوحيد الذى بذل نفسه على الصليب لكى لا يهلك كل من يؤمن
به بل تكون له الحياة الأبدية؛

“توبوا
وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس(52)“، “له يشهد جميع
الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا(53)“،
“وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به
ينبغى أن نخلص(54)“.

كانت
الخطوة الأولى بعد الكرازة هى الإيمان بالمسيح “آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص
أنت وأهل بيتك(55)“، ثم المعمودية
“من آمن واعتمد خلص(56)“، ثم التعليم
“وعلموهم”. ثم الاندماج فى العبادة الجماعية. وهذا ما حدث بعد حلول
الروح القدس مباشرة لأول مجموعة آمنت بعد أول عظة للقديس بطرس:

“فقبلوا
كلامه بفرح (آمنوا) وأعتمدوا
وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة
وكسر الخبز (التناول) والصلوات(57)“.

وكان
المؤمنون بعد العماد يدخلون فى اجتماعات التعليم أو التلمذة لكى يتعلموا عن طريق
التلمذة “جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلم به(58)“،
“وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به”. ومن ثم فقد دعى المسيحيين
الأولين بالتلاميذ “وكانت كلمة الرب تنموا وعدد التلاميذ يتكاثر(59)“.

وكان
التلاميذ، المؤمنون، يعيشون هذا التعليم عملياً فى العبادة الليتورجية بدأ من
المعمودية التى هى ولادة روحية جديدة فى المسيح وجواز المرور للدخول إلى ملكوت
الله “إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله.. إن كان أحد لا
يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله(60)“،
وتقديس يوم الأحد الذى يذكر المؤمنين دائماً وعملياً بقيامة الرب من الموت، ثم
التناول من جسد الرب ودمه للاتحاد به والثبات فيه “من يأكل جسدى ويشر ب دمى
يثبت فىّ وأن فيه(61)” وليكون ذكرى عملية
وحيه لآلامه وسفك دمه وتقديم جسده وموته لغفران الخطايا “فأنكم كلما أكلتم
هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ(62)“.

“وفى
أول الأسبوع (الأحد) كان التلاميذ (المسيحيون) فى ترواس، مجتمعين ليكسروا خبزاً(63)“، “لأننى تسلمت من الرب ما سلمتكم
أيضا أن الرب يسوع فى الليلة التى أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال خذوا كلوا
هذا هو جسدى المكسور لأجلكم، اصنعوا هذا لذكرى. كذلك الكأس أيضا بعدما تعشوا
قائلاً هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى(64)“، “كأس البركة التى نباركها أليست هى
شركة دم المسيح. الخبز الذى نكسره أليس هو شركة جسد المسيح(65)“.

سلم
الرسل الكنيسة ما تسلموه هم من الرب “أننى سلمت إليكم ما تسلمته من الرب(66)“، وعلموا المؤمنين أن يحفظوا جميع وصايا
وأعمال الرب بكل دقة وحرص أن يتمسكوا بكل حرف وكلمة وجملة وفقرة” تمسك بصورة
الكلام الصحيح الذى سمعته منى.. أحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا(67)“. وكان الروح القدس يحفظ الكلمة سواء
بالنسبة للرسل أو لمن سلموهم الأخبار السارة والذين كانوا بدورهم يسلمونها لآخرين
أكفاء “وما سمعته منى بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن
يعلموا آخرين أيضا(68)“. وكان الرسول بولس
يمتدح أهل كورنثوس لحفظهم وحفاظهم على ما تسلموه “فأمدحكم أيها الأخوة على
أنكم تذكروننى فى كل شئ وتحفظون التعاليم كما سلمتها إليكم(69)“،
ويشكر الله من أجل أهل روما لإطاعتهم التسليم الرسولى من القلب “فشكراً لله
أنكم كنتم عبيداً للخطية ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم الذى تسلمتموها(70)“، ويقول لأهل تسالونيكى “فأثبتوا إذاً
أيها الأخوة وتمسكوا بالتقليد الذى تعلمتموه سواء بالكلام أم برسالتنا(71)“، ويقول القديس الإنجيلى بالروح أم ما سلمه
الرسل للكنيسة كان مؤكداً عندهم “الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين
كانوا من البدء معاينين (شهود عيان) وخداماً للكلمة(72)“،
فقد كان المسيحيون الأولون يحفظون كل حرف وكل كلمة سلمت إليهم عن ظهر قلب، وكانوا
كيهود سابقين مدربين على الحفظ، حفظ كلمة الله والتمسك بكل حرف فيها حتى الموت(73)، وكان الروح القدس الساكن فيهم يحفظ الكلمة فيهم
ويذكرهم بها فى كل وقت، كما لم يكونوا فى الأيام الأولى للكرازة فى حاجة لإنجيل
مكتوب لأن وجود الرسل شهود المسيح على رأس الكنيسة، على قيد الحياة، كان هو
الوثيقة الحية والصوت الحى للشهادة للمسيح ولكل ما عمله وعلمه، وحتى بعد انتشار
رسائل الرسل وتدوين الإنجيل ظل المؤمنون يلجأون للرسل لمعرفة المزيد عن المسيح،
يقول بابياس أسقف هيرابوليس (70-155م) والذى أستمع للقديس يوحنا وكان زميلاً
لبوليكاريوس، كما يقول إريناؤس أسقف ليون(74):
“وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله أندراوس أو
بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى أو أى أحد آخر من تلاميذ
الرب
لأننى لا
أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدنى بقدر ما يصل إلى من الصوت الحى، الصوت الحى
الدائم(75)“.

كان
الرسل يعينون قادة الكنائس ويسلمونهم التقليد، التعليم، الأخبار السارة، الإنجيل
ليسلموه بدورهم لآخرين:

“وأنتخبا
لهم قسوساً فى كل كنيسة ثم صليا بأصوام واستودعاهم للرب الذى كانوا قد آمنوا به(76)“، “وإذ كانوا (بولس وسيلا وتيموثاوس)
يجتازون فى المدن كانوا يسلمونهم القضايا التى حكم بها الرسل والمشايخ الذين فى
أورشليم ليحفظوها(77)“.

“فقد
أرسلنا يهوذا (برسابا) وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاهاً(78)“.

 

4- اللغة التى سلم بها الرسل التسليم الرسولى:

بأية
لغة كان يتحدث السيد المسيح، وبأية لغة كرز الرسل وسلموا الأخبار السارة؟ كان هناك
فى فلسطين فى القرن الأول للميلاد ثلاث لغات رئيسيه هى: اللاتينية وكانت لغة أهل
روما وبعض المقاطعات الرومانية الرسمية وان كان كثيرون من الرومان أنفسهم يتحدثون
اليونانية، ولذا فقد كتب القديس بولس إلى روميه باليونانية، كما كتب القديس
أكليمندس أسقف روما رسالته الأولي باليونانية. واللغة اليونانية العامية “الكوينية
Koine
وكانت منتشرة بدرجة كبيرة فى القرن الأول فى دول حوض البحر المتوسط، وكان كثيرون
فى فلسطين يتحدثون اليونانية، فقد كان هناك مدن يونانية مثل قيصرية وديكابوليس
وغيرهما وذلك إلى جانب التجار والمسافرين وبصفة خاصة اليهود الذين كانوا يأتون من
دول كثيرة وبأعداد كبيره تزيد على المليون لقضاء الأعياد الدينية، خاصة عيد الفصح،
فى أورشليم. وبسبب انتشار هذه اللغة بين يهود المشتات فقد ترجمت أسفار العهد
القديم إلى اليونانية حوالى سنه 282ق.م. ولذا فقد كان من الطبيعى أن نجد بين
تلاميذ المسيح من تلاميذ المسيح من يتحدث اليونانية. ثم اللغة الآرامية التي كانت
منتشرة في فلسطين وما بين النهرين، وكانت الآرامية الغربية هى اللغة الرئيسية
ليهود فلسطين، وكان المسيح وتلاميذ يتحدثون هذه اللغة بلهجة أهل الجليل والتى كانت
مميزه وقد عُرف بها بطرس فى أورشليم عندما أنكر المسيح “أنت أيضاً منهم فأن
لغتك تظهرك”(79)، “هذا أيضاً كان معه
لأنه جليلى أيضا”(80). وإلى جانب الآرامية
واليونانية كانت هناك اللغة العبرية لغة أسفار العهد القديم والتى كان لابد أن
تقرأ بها الأسفار فى الهيكل والمجامع أو فى أى مكان.

كان
السيد المسيح يتحدث بالآرامية مع عامة الشعب ويقرأ العبرية فى الهيكل ويتحدث
اليونانية مع الأجانب من أمثال بيلاطس وقائد المئة واليونانيين الذين أرادوا أن
يروه وغيرهم، وكان فى إمكانه كالإله المتجسد أن يتحدث بأى لغة، وبرغم أنه أتخذ
جسداً وصورة العبد وصار إنساناً إلا أنه، كإنسان، كان “يتقدم فى الحكمة
والقامة عند الله والناس(81)“، وكإله، ابن الله
الوحيد، فهو كلى القدرة والمعرفة والعلم.

وكان
التلاميذ يتحدثون الآرامية وقد تعلموا أن يقرأوا الأسفار المقدسة بالعبرية وكان
بعضهم يجيدون إلى جانب ذلك، اليونانية، خاصة بعد حلول الروح القدس فقد كتبت جميع
أسفار العهد الجديد باللغة اليونانية كما كتبت كتب تلاميذ الرسل وخلفائهم
باليونانية أيضا حتى دعوا بالأباء اليونانيين. وعندما حل الروح القدس على الرسل
جعلهم “يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح القدس أن ينطقوا(82)“.

وعندما
بدأ الرسل الكرازة فى أورشليم واليهودية كانوا يكرزون فى الهيكل والمجامع لسنوات
طويلة بالآرامية ويستشهدون بآيات العهد القديم فى العبرية، كما كانوا يكرزون
للمتحدثين باليونانية، مثل كرنيليوس القائد الرومانى وأهله، كانوا يستخدمون
اليونانية، وتدل بعض أسماء الشمامسة السبعة على أن بعضهم كانوا يتحدثون اليونانية،
ولما خرجت الكرازة خارج فلسطين وكرز الرسل فى قبرص واليونان وإيطاليا وبقية الدول
التى تنتشر فيها اللغة اليونانية باليونانية وغالبا كان الرسل يبدأون الكرازة فى
مجمع اليهود فى أيام السبت ثم يتحولون بعد ذلك إلى الأمم وهذا يعنى أنهم كانوا
مضطرين لاستخدام اللغات الآرامية والعبرية واليونانية حسب الضرورة وحسب نوعية
المستمعين سواء كانوا يهود أو يونانيين. أو يهود يتحدثون لغة فلسطين أو لغة البلاد
التى يقيمون فيها.

ولذلك
فقد نقلت الأخبار السارة، الإنجيل، وسُلم التقليد الرسولى، التسليم الرسولى بهذه
اللغات الثلاث، خاصة اليونانية، الآرامية والعبرية أولاً، ثم اليونانية التى كانت
منتشرة فى معظم البلاد التى بشروا فيها. وحافظ الروح القدس الساكن فيهم والذى كان
يتحدث على لسانهم على كل حرف وكلمة فى التسليم الرسولى للأخبار السارة، فكان
يقودهم ويذكرهم ويعلمهم ويرشدهم ويعصمهم من الخطأ والذلل.

 

(1)
يو 6: 8.

(2)
أع 2: 1.

(3)
مت 14: 24.

(4)
أع 24: 20.

(5)
1كو 1: 15.

(6)
1تس 5: 1.

(7)
فى 3: 1،5.

(8)
فى 3: 4.

(9)
اتس 2: 3.

(10)
فى 12: 1.

(11)
1كو 15: 4

(12)
رؤ 16: 2

(13)
رؤ 25: 16

(14)
غل 7: 2

(15)
غل 8: 2

(16)
أع 2: 1

(17)
أع 21: 1،22

(18)
أع 3: 1،4

(19)
لو 25: 24-27

(20)
لو 33: 24

(21)
لو 44: 24-49

(22)
1بط 9: 1-12

(23)
متى 17: 5

(24)
رؤ 10: 19

(25)
لو 21: 8

(26)
متى 40: 22

(27)
أع 15: 1

(28)
أع 16: 1-22

(29)
أع ص 2

(30)
أع 15: 3-18،26

(31)
أع 38: 10،39

(32)
أع 27: 13-31

(33)
1كو 1: 15-5

(34)
يو 26: 14

(35)
يو 12: 16،13

(36)
يو 21: 17

(37)
أع 15: 9

(38)
أع 27: 9،28

(39)
غل 1: 2،2،98

(40)
2بط 2: 3

(41)
يه 17

(42)
رسالته إلى ماجنسيا 1: 13

(43)
إلى تراليس 1: 7

(44)
الأباء الرسوليين للبطريرك إلياس الرابع معوض 16

(45)
رسالته الأولى 1: 42

(46)
رسالته إلى فيلبى 3: 6

(47)
رؤ 17: 22
N. T. Apoc

(48)
متى 19: 28،20

(49)
مر 15: 16

(50)
كلمة ليتورجى
Liturgy مكونة من “لأوس – Laos” ومعناها الشعب
و”إرجون –
Ergon” ومعناها عمل، أى عمل الشعب وتعنى شعائر العبادة العامة،
القداس.

(51)
لو 19: 22

(52)
أع 38: 2

(53)
أع 43: 10

(54)
أع 12: 4

(55)
أع 71: 16

(56)
مر 16: 16

(57)
أع 41: 2،42

(58)
أع 1: 1

(59)
يو 3: 3،5

(60)

(61)
يو 56: 6

(62)
1كو 26: 11

(63)
أع 7: 20

(64)
1كو 23: 11-25

(65)
1كو 16: 10

(66)
يو 3: 3،5

(67)
2تى 13: 1،14

(68)
2تى2: 2

(69)
1كو 2: 11

(70)
رو 17: 6

(71)
2تس 15: 2

(72)
لو 1: 1،2

(73)
وقد حفظ اليهود التلمود شفوياً لمئات السنين ولم يدون إلا حوالى 200 م.

(74)
يوسابيوس ك3 ف 1: 39

(75)
يوسابيوس ك 3 ف 4: 39

(76)
أع 23: 14

(77)
أع 4: 16

(78)
أع 4: 16

(79)
متى 72: 26.

(80)
لو 59: 22.

(81)
لو 52: 3

(82)
أع 4: 2

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى