علم الكنيسة

ماهية الكنيسة



ماهية الكنيسة

ماهية
الكنيسة

المطران
جورج خضر

هذا
المقال نص حديث ألقاه سيادة المطران جورج خضر سنة 1965 (وكان آنذاك أرشمندريتاً)
في حلقة تدريبية نظمتها حركة الشبيبة الأرثوذكسية في بيروت. ومن يريد أن يطلع على
المزيد من آراء سيادته في لاهوت الكنيسة الرجوع إلى الفصل الثامن من كتاب (مدخل
إلى العقيدة المسيحية)، لكوستي بندلي ومجموعة من المؤلفين، الطبعة الثالثة،
منشورات النور، 1982.

 

مقالات ذات صلة

الكنيسة
أسسها المسيح

أول
ما تظهر فكرة الكنيسة في العهد الجديد عند البشير متى عندما يعد السيد بطرس الرسول
أن يبني الكنيسة بعد اعترافه بالمسيح حيث يقول الرب: (وعلى هذه الصخرة أبني
كنيستي) (متى18: 16). ونرى في هذا الكلام أن الرب جاء ليبني كنيسة. وفي الموعظة
على الجبل نرى أيضاً أن الإنسان إذا اختلف مع أخيه يعاتبه. وإذا لم يسلم بحق أخيه،
فيذهب إلى الكنيسة وتكون هي المرجع بينه وبين أخيه.

 

الكنيسة
في الكتاب المقدس

*
وردت هذه اللفظة بالآرامية السريانية التي كان يتكلمها السيد: (كنيست) أي المجمع،
الجماعة، تقابلها باللغة اليونانية لفظة (إكليسيا) التي تشتق من فعل يوناني بمعنى
ادعوا. والجماعة مدعوة لتكون معاً، الجماعة مدعوة بكلمة الله.

 

*
أما في العهد الجديد فنرى الرسول بولس يستعمل هذه اللفظة (الكنيسة) عندما يخاطب
مثلاً أهل كورنثوس ويقول (إلى كنيسة الله التي في كورنثوس). إذاً هي جماعة من
المؤمنين الذين اعتمدوا ويعيشون في مدينة واحدة. ثم نرى في آخر العصر الرسولي أنهم
يعيشون في مدينة واحدة، حول أسقف وهذا الأسقف هو الذي يرأس صلاة الجماعة. ونرى في
الكنيسة أساقفة وقسساً أو كهنة ونرى فيها شمامسة. هذا التقسيم وارد في العهد
الجديد في رسائل بولس. ولكن تحديد الكنيسة أنها هذه الجماعة المتصلة بالله التي
يدعوها الله لكي تترك أعمالها السيئة وتلتحق بالمسيح عن طريق المعمودية وأن المسيح
هو الذي يطهرها، هذا ما نراه في الرسالة إلى أهل أفسس. المسيح يدعو الناس ويطهرهم
بالكلمة والمعمودية ثم يجتمعون معاً في اليوم الأول من الأسبوع، كما نرى في
الأعمال، لكي يقيموا سر الشكر أو ما سميناه فيما بعد بالقداس الإلهي، وذلك برئاسة
الأسقف.

 

*
هذه هي الصورة التي نراها في الكتاب المقدس عن الكنيسة. إنها بالدرجة الأولى جماعة
تقوم في مكان واحد. أعطيت عنها صور مختلفة. أعطيت مثلاً صورة الكرمة التي زرعها
الكرام. نجدها في إشعياء وفي إنجيل يوحنا. والصورة هي هذه: إن الآب السماوي زرع
هذه الكرمة، الكرمة هي المسيح ونحن أعضاء في هذه الكرمة. وإذاً بادئ ذي بدء أمكن
القول أن الكنيسة المسيحية لا يُعرَّف عنها فقط بحيث هي الجماعة ولكن بحيث هي
متصلة بالمسيح. هذا شيء أساسي في الكتاب المقدس. وهي متصلة بالمسيح عن طريق
اقتبالها الأسرار.

 

*
ثم أعطيت صورة الهيكل. شبهت الكنيسة بأنها هيكل نحن حجارته الحية، هيكل ينمو
ويرتفع حتى يصل إلى السماء. ونجد هذه الصورة في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس.
(لستم إذاً بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله مبنيين على أساس
الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه يكمل البناء وينمو…)
(19: 2- 20). الصورة هي أن الكنيسة بيت الله أساسها التعليم الرسولي وبشارة الرسل
والبشارة القديمة التي جاء بها الأنبياء. صحيح أن الحجارة مركبة معاً متعاضدة ولكن
الشيء الأساسي هو أن الرب هو الذي يقدس الهيكل ويجعل مجده فيه ويجعل قوته فيه.
والغاية من هذا الهيكل، من هذه الكنيسة أن يصبح أعضاؤها جميعاً متحدين ومسكنا لله
في الروح القدس.

 

*
ونجد صورة أخرى في العهد الجديد هي صورة العروس للمسيح. إنها صورة نجدها منذ العهد
القديم في الأنبياء ونشيد الأنشاد. فالكنيسة تأخذ حيويتها وقوتها من الرب الذي
تتحد معه في زواج غير منفصم.

 

*
ونجد صورة قوية جداً في العهد الجديد وهي صورة الجسد، الكنيسة جسد المسيح، عندما
يقول الرسول: (ويصالَح الاثنين – أي اليهود والأمم – في جسد واحد مع الله بالصليب)
(أفسس 16: 2). والرسالة إلى كورنثوس ملأى بهذه الصورة حيث يتكلم الرسول عن جسد
واحد وأعضاء كثيرة ويتكلم عن تماسك الأعضاء. هذه هي كل الصورة التي نجدها في العهد
الجديد عن الكنيسة ولكن نتمسك الآن خصوصاً بهذه الصورة: الكنيسة جسد المسيح.

 

الكنيسة
جسد المسيح

ماذا
تعني هذه اللفظة التي يشدد عليها بولس الرسول؟ إنها وحدها لا تكفي للتعرف عن
الكنيسة ولكنها تعني ما يأتي. عندما كان الإنسان العبراني يتحدث عن الإنسان كان
يقول إنه جسد لا يتحرر. الجسد عندهم أساسي في الكيان البشري. لم يكن الإنسان عند
العبرانيين روحاً سجينة كما كانت الحال في فلسفة أفلاطون. ولكنه عند اليهود في
التوراة نفس متجسدة بحيث أن فقدان الجسد كان يجعلهم حيارى جداً أمام قضية الموت
والدينونة والبعث. إننا لا نجد في العهد القديم تعليماً عن القيامة بصورة واضحة،
وهذا بالضبط لأنهم كانوا يعطون قيمة كبرى للجسد. وعندما تكلم المسيحيون بعد ذلك عن
القيامة، تحدثوا عن قيامة الأجساد: فنقول إن الروح تلتصق بالجسد بعد انبعاثه.
فالجسد أساس وأساسي للكيان البشري في النظرية اليهودية والنظرية المسيحية. لا يوجد
إنسان بلا جسد ولا يستمر إنسان بلا جسد ولا يثبت في الخلود بدون الجسد.

 

إذاً
عندما نقول إن الكنيسة جسد حسب تعبير بولس الرسول، إنما نقصد أن الكنيسة هي امتداد
المسيح، هي مظهر المسيح، هي كيان المسيح في التاريخ، هي حضوره بين الناس، بحث أمكن
القول أن المسيح منذ ظهر في الجسد، منذ ظهر في الزمان متجسداً من البتول، ظهرت معه
الكنيسة. فحيث يكون الملك يكون ملكوته معه. طبعاً لم تكتمل هذه الكنيسة إلا عندما
مات السيد وقام وأرسل الروح القدس على الرسل، ولكنها في الأساس انطلقت إلى العالم
منذ تجمع بعض القوم من صيادي السمك حول السيد وكانوا معه هيئة واحدة، كانوا كياناً
واحداً.

 

إن
المسيح لا يمكن أن نتصوره بدون كنيسته كما أننا لا نستطيع أن نتصور كنيسة له بدونه
وبدون روحه القدوس. من هنا كان هذا أننا لا نستطيع اليوم أن نتصل بالمسيح ما لم
نتصل بكنيسته. فإذا كان المسيح هو الرأس والكنيسة هي الجسد، أي إذا كانت الكنيسة
امتداد لهذا في الزمان والمكان، فحيثما وصل هذا الجسد وصل المسيح، فحيثما وصل هذا
الجسد وصل المسيح، وحيثما وصل أعضاؤه يكون قد وصل هو أيضاً. الكنيسة هي هذا الرأس
(المسيح) الذي ينمو ويأخذنا معه ويضمنا إليه عن طريقين: عن طريق المعمودية وعن
طريق سر الشكر. وبهذا المعنى قال الرسول: نحن جسد واحد لأننا نأكل من الخبز الواحد.

 

الكنيسة
حاصلة في سر الشكر

عندما
يتكوّن الطفل، فقد صار بالطبع رجلاً، نحن لا نراه رجلاً ولكنه بالقوة رجل. سوف
يصبح رجلاً هذا الطفل في حالة النمو. الكنيسة في حالة النمو الدائم، انضمت إلى
المسيح ولكنها تصبح أكثر فأكثر اتصالاً به عندما تتناول جسده وتشرب دمه. هذه
الصورة يجب أن نأخذها بصورة فعلية، إنها ليست مجرد خيالات ولكنها صورة فعلية،
حقائق راهنة. عندما تتحد المرأة بالرجل فهي تتقبل دم هذا الرجل، تصبح له أكثر
فأكثر وتصبح أكثر اتصالاً به وأكثر اتحاداً به وتنمو محبتها بهذه العيشة الزوجية
المشتركة ويتفاهمان أكثر فأكثر ويتبلوران. هكذا نحن كلما أخذنا من دم المسيح
بالمناولة احتفلنا بعرس معه، أي صرنا كنيسة واحدة. صرنا عروساً فعلية له. فلذلك
عندما تجتمع الطائفة في القداس دون أن تتناول، فهي لم تفعل شيئاً، وهي لم تتلق في
نفسها دم المسيح، وإذاً هي ليست راغبة في أن تصبح متحدة معه، هي لا تزال في حالة
الخطوبة. ولكن إن أرادت أن تكون في الحالة الزوجية فيجب أن تتقبل دمه فيها.

 

نحن
نصبح جسداً واحداً لأننا نأكل من النواة الواحدة. نحن مبعثرون، نحن شرذمة ولسنا
بكنيسة، نحن مبعثرون ما دمنا لا نجتمع في الذبيحة الإلهية، وما دمنا لا نأكل من
الذبيحة الإلهية. كيف نكون متصلين بالمسيح الرأس؟ كيف يكون المسيح معطياً حياته في
هذا الجسد الذي هو رأسه إن كنا منقطعين عن هذا الرأس العظيم؟

 

ثم
نحن لا نتحد بعضنا ببعض ما لم نتحد بالرأس. لماذا الطائفة المسيحية مفككة؟ لأن كل
واحد يعيش وحده منصرفاً عن أخيه. يبقى كل واحد ببيته ولا يتصل بأخيه وكيف يرى أخاه
إن لم يره حول الذبيحة الإلهية؟ يمكن أن يراه في سهرة اجتماعية ولكن هذا ليس لقاء
في جسد المسيح. يتم اللقاء في جسد المسيح في هيكل المسيح.

 

القضية
أعمق مما يمكن أن نتصور أحياناً. قد نتصور بأننا مسيحيون لأننا تعمدنا. هذا لا
يكفي. فسمعان اللاهوتي الحديث، وهو قديس بيزنطي من القرن العاشر والحادي عشر قال
إن الإنسان يتبناه الله بالمعمودية ولكن يجب أن يقبل الله فيما بعد، يجب أن يتعمد
بالدموع، يجب أن ينال معمودية أخرى هي معمودية الدموع. ويعني بها طبعاً التوبة.
الاستمرار في التوبة هو الذي يجعل معموديتنا فاعلة وإلا تكون غير فاعلة: تكون كما
يقول قديسنا سمعان مجرد معمودية ماء. التوبة هي التي تجعلها معمودية الروح القدس.
وبعبارة أخرى نقول: هذا الانتماء للكنيسة لا يمكن أن يصبح فعالاً فينا ما لم نتقو
في هذه العضوية، ما لم نكن مدركين لهذا الانتماء، ما لم نكن متقبلين في أجسادنا
وأرواحنا جسد المسيح ودمه الكريمين. القضية إذاً هامة جداً. فالقداس الإلهي بكلمة
أخرى هو الذي يجعل هؤلاء الناس كنيسة واحدة. هذا ما يتجلى لنا في بحث سر الذبيحة
وما يتجلى لنا في العهد الجديد فيما كتبه الرسل عن الكنيسة.

 

الروح
القدس عنصر فعّال في الكنيسة

العنصر
الثاني في تكوين الكنيسة هو الروح القدس. المسيح هو العنصر الأول الباني، هو
الأساس الذي عليه تنمو الكنيسة، المسيح نفسه حجر الزاوية الذي به تتماسك الأعضاء.
ولكن حين نقول أن الكنيسة بالواقع ظهرت للعالم يوم العنصرة وأنها تنمو في سر
الذبيحة الإلهية نقول إن العنصر الفعال الثاني هو الروح القدس، الذي يمدها
بالأسرار ويجعل هذه الأسرار دعائم لها. هو الذي يمدها بتنوع المواهب: يجمع الروح
القدس أصحاب المواهب في كتلة واحدة، في جسد واحد. الذي يجعل الكنيسة مستمرة، قوية،
متشعبة المواهب، ولكن موحدة بآن واحد، هو الروح القدس.

 

الوحدة
في الكنيسة

كي
نفهم أن الكنيسة جسد واحد للمسيح يجب أن نفهم أننا انضممنا إليها عن طريق
المعمودية ونحن ننمو فيها عن طريق الأسرار، لا سيما سر الميرون وسر الشكر. وصفت
الكنيسة في دستور الإيمان أنها واحدة جامعة مقدسة رسولية. هي واحدة لأن المسيح
واحد، ولأنه هو الذي يوحّدها. وهي واحدة عبر العصور، وهي واحدة مع مسيحيي القرن
الرابع والخامس والعاشر ومع الذين سيأتون، وهي واحدة مع نفسها عندما ستكون ممجدة
في السماء. ونلاحظ أن هذه الوحدة في الكنيسة تكون على أساس الأسقف، المطران.

 

المطران
هو العنصر الذي يربط الجماعة مع الرسل. طبعاً هو الكائن الرسولي في الأساس، أي
المتحد مع السلسلة الرسولية، الذي يكمل السلسلة الرسولية عن طريق وضع الأيدي.
عندما يشرطَن الأسقف يكون خليفة لواحد آخر على كرسيه وهذا الكرسي نفسه يعود إلى
رسول بصورة مباشرة أو غير مباشرة. الأسقف هو عنصر التوحيد. هذا شيء منسي في
طائفتنا، ليس في التعليم ولكن عند الشعب. الأمر الذي صار مشهوراً اليوم هو أن كل
واحد سيد في هذه الكنيسة. الإنسان اليوم سيد إذا استطاع أن يكون خادماً. الذي لا
يخدم لا سيادة له. من أجل حفظ الوحدة الكنسية، من أجل حفظ التعليم واستقامته، من
أجل إقامة الأسرار، من أجل إعطاء الروح القدس للناس، أقيمت أداة هي الأسقف. هذا
أمر ذكَّرنا به اغناطيوس الأنطاكي المتشح بالله حين قال: (حيث يوجد الأسقف فهناك
الكنيسة).

 

الأسقف
هو الذي يوحّد الكنيسة وعندما نقول هذا نعني أنه يوحدها مع المسيح، لا يوحدها مع
شخصه. هو يوحّدها بواسطته كجسر مع المسيح، أي يوحدها مع الكلمة التي يعظ بها.
يوحدها مع تعليم يسهر على استقامته، مع تعليم يعرفه إذاً. هذا شيء أساسي وهو شرط
من شروط الأسقفية، كما يقول ديونيسيوس الأريوباغي. يجب أن يكون الأسقف عارفاً
بالكتب والمزامير لا معرفة بسيطة بل معرفة تفسيرية. وإذا كانت الكنيسة متصلة
بالمسيح رأسها، فيجب أن يكون هناك رجل يعرف كيف يوصلها برأسها.

 

يوحّد
الأسقف الكنيسة مع شخصه، وعندما نقول يوحدها فهذا يعني أنها عروسه وأنه يحبها
أيضاً، لأنه يحب أن يوحّدها مع المسيح. هذا يعني أن وظيفة الأسقف بالدرجة الأولى
أن يحب كنيسته، أن يحب شعبه وإذاً لا يفرق بين أبناء شعبه لأنهم كلهم أعضاء في جسد
المسيح الواحد وكلهم مفديون بالدم الكريم الواحد. وإذاً لا يعلو أحدهم الآخر إلا
بالفضل، ولكن جميعهم يستحقون الخدمة الواحدة. ومن أجل هذا يستشير الأسقف شعبه.
ولكن مَن يستشير من شعبه؟ إنه يستشير الأتقياء ويتعاون معهم وإلا لا يمكن أن تكون
الكنيسة واحدة، وهذا نتيجة من نتائج وحدتها.

 

صحيح
أن المطران هو رأس الكنيسة ولكنه بآن عضو فيها. في القداس الإلهي للأسقف أو الكاهن
دوران: هو مندوب المسيح تجاه الشعب ولكنه أيضاً رسول الشعب تجاه المسيح. ليس
صحيحاً في الأرثوذكسية أن نقول أنه فقط خليفة المسيح لإقامة القداس أو لإدارة
الكنيسة. إنه أيضاً مندوب الشعب إلى الله. من أجل ذلك هو مضطر أن يستشير الشعب.
لماذا؟ لأن أفراد الشعب أيضاً أعضاء المسيح، ولا يثبت الأسقف في العضوية دون أن
يتعرف على الأعضاء. إنه يصغي بالدرجة الأولى إلى مَن يتكلم الروح القدس فيهم، لأن
صاحب سفر الرؤيا يقول للكنائس أن تسمع ما يقول لها الروح. الروح القدس لا يتكلم
بالعلماء إلا إذا كانوا هم أيضاً ورعين. الروح القدس لا يتكلم بالضرورة بالكهنة ما
لم يكونوا صالحين. وإذاً من شعبه هذا الذي يخدمه يكون الأسقف محاطاً بالدرجة
الأولى بالأتقياء. وهكذا تتوحد الكنيسة وتكون مساهمة في وحدة المسيح.

 

الكنيسة
جماعة تائبين يتقدسون

الكنيسة
مقدسة لأنها تتقدس بالرأس. تدخل الخطيئة إلى الكنيسة وبآن واحد هي مقدسة. هذه هي
الغرابة أو المفارقة في الكنيسة. إنها جماعة الخطأة الذين يتوبون (أفرام السرياني).
إن أعضاء الكنيسة دائماً يخطئون ولكنهم في حالة التوبة لأنهم يتقدسون بجسد الرب
ودمه الكريمين. ويعني هذا التقديس أنهم مفرزون لخدمة الرب. إنهم يطلبون المسيح ولا
يطلبون إلا المسيح وإلا فهم غير مقدسين. المقدس في الكنيسة لا يعني الإنسان الطاهر
لأن ليس من إنسان طاهر في الكنيسة. كل إنسان كاذب هذا ما يقوله داود. ولكن ماذا
يقرر داود فيما بعد؟ إنه يقول: (بماذا أُكافئ الرب عن كل ما أعطاني. كأس الخلاص
أقبل وباسم الرب أدعو). فكل أعضاء الكنيسة واقعون في الكذب بواسطة المواقف الخاطئة
التي يقفون، ولكنهم دائماً يستطيعون أن يفرزوا أنفسهم للمسيح. فهم ليسوا إذاً لهذا
العالم ولكنهم للمسيح. ولذا كانت غاية الكنيسة فقط أن تتقدس. لا يمكن أن تكون
حاضرة في هذا العالم وفاعلة وخيرة فيه، ما لم تعرف أنها ليست من هذا العالم وأنها
تطلب المجيء الثاني. هي كالمخطوبة التي تنتظر خطيبها. تنتظر الكنيسة مجيء الرب في
الأسرار كل أحد، تنتظر مجيئه في الكلمة، ثم تنتظره في اليوم الأخير. ولذلك الكنيسة
غريبة عن هذا العالم، كما كان المسيح غريباً وغرّبه بنو جنسه. إذاً ليس للكنيسة
تعلق بهذا العالم وليس لها مصالح في هذا العالم، هي تخدم هذا العالم.

 

الكنيسة
جامعة

الكنيسة
جامعة أولاً بالمعنى السطحي الجغرافي. إنها تجمع بين كل الأقوام، ليس عبد ولا حر،
ليس يوناني ولا يهودي، كلكم حر بالمسيح يسوع. وعندنا هذه الظاهرة العجيبة أن لا
شيء يجمع كالمسيح. ولا تجمع الكنيسة الأقوام فقط بل العصور أيضاً بحيث يكون كل عصر
وفياً للعصور السابقة. وهنا ينبغي أن أذكِّر بشيء. ليس همي أن أكون واحداً مع
أبناء عصري من المسيحيين الآخرين فقط بل همي أن أكون واحداً مع باسيليوس الكبير
ويوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس بالاماس. همي إذاً أن أكون وفياً لهذا الخط
العامودي الذي جاء من الرسل إلينا. هذا الهاجس الأفقي السطحي، أن نكون واحداً في
الدنيا، همّ صحيح ويجب أن أتبعه ولكن ليس على حساب الخط العامودي الأساسي، أي أن
نكون واحداً مع كل القديسين والشهداء الذين شهدوا لله في العصور الغابرة.

 

الكنيسة
رسولية

المعنى
واضح وهو أنها واحدة مع الرسل بالتسلسل الكهنوتي، واحدة معهم بالتعليم الواحد.
إنها رسولية أيضاً بمعنى أنها رسالية تؤدي الرسالة. والرسالة يمكن أن ننظر إليها
إذا نظرنا إلى الماضي ونقول إنها رسولية. ولكن يمكننا أن نقول إننا رسوليين إذا
تطلعنا إلى المستقبل، وهذا شيء أساسي أيضاً. كثيراً ما نتطلع إلى الماضي ولا نتطلع
إلى الحاضر الذي نحن فيه وإلى المستقبل. الكنيسة لا تحيا بالترداد والتفاخر
برسوليتها. هذه نعمة الله علينا. ولكن الكنيسة تحيا لأنها تريد أن تكون كالرسل.
وهذا يعني أن ليس للرسول شيء وليس عليه إلا أن يبلِّغ الرسالة التي أوتي. إذاً نحن
كنيسة رسولية اليوم وهنا بقدر ما نهتم أن نؤدي رسالة المسيح. ورسالة المسيح لا
تؤدى فقط عن طريق التعليم، وليس عندنا من تعليم إلا القليل، ولا تؤدى فقط بإدارة
الطقوس، وهذا جميل وضروري وبناء، ولكن التعليم يؤدى بكل الوجوه، وتؤدى الرسالة
عندما نفتقد المساكين المحرومين افتقاداً كلياً، عندما نحمل هذا العالم كله على
أكتافنا. ويمكن أن نحمله على قدر ما نحن مستقلون عنه. الذي استُبعد لهذا العالم،
الذي يشتهيه ويريده، لا يستطيع أن يخدمه. من جعله رباً له لا يستطيع أن يؤدي أمامه
رسالة.

 

الكنيسة
واحدة، مقدسة، جامعة، ورسولية في القداس الإلهي وحول الكلمة وفي الخدمة.

 

كيف
نستوعب أن الكنيسة، واحدة مقدسة، جامعة، رسولية؟ كيف نعيها جسد المسيح؟ هذا يعني
بالدرجة الأولى وبشكل بسيط للغاية أن نكون حيث يكون المسيح. والمسيح موجود في
القداس الإلهي. وإذاً لا تبجح بالأرثوذكسية عند إنسان لا يذهب إلى القداس الإلهي.
مَن يتناول جسد الرب في كل ذبيحة فقد أظهر أنه يفهم إيمانه بشكل أعمق، يتخذ عضويته
أكثر فأكثر. من يغرف من الأسرار كلها، من يتصل بالكتاب المقدس ويتفهمه وينشره
ويذيعه فهذا أيضاً من الكنيسة بصورة أعمق.

 

حيث
أن الكنيسة هي الالتفاف حول كلمة الله، حول المسيح الذي هو كلمة الله، فهي تعني
أيضاً أن نلتزم الأعمال الخيرية التي فيها وأن نقوم بها جميعاً وأن نشارك بها قدر
المستطاع. وتعني أن نتبنى حاجات الناس ليس فقط ضمن الجمعيات الخيرية التي لنا ولكن
أن يحمل كل منا نصيبه من المسؤولية في هذا العالم عن طريق العمل الاجتماعي
والشهادة في الأوساط الذي وضعه الله فيها.

 

الكنيسة
تعني أيضاً الالتفاف حول الأسقف والكهنة، وهذا يعني أن لا نتزلف. لا يجوز أن يُمدح
إنسان إلا في تأبينه أو عند غيابه، لأننا عندما نمدحه فشيطان الغرور يمكن أن يتسرب
إليه. ومن يمدح إنساناً ولو أسقفاً فهذا يعني أنه يريد مصلحة لنفسه. هاجس أساسي أن
يذكر اسمنا دائماً على مذبح الرب وليس مرة في السنة. الالتفاف إذاً لكي نكون جماعة
واحدة بحيث نقضي على بذور التفرقة. عندما نرى محاولات للتفرقة في كنيسة أو جماعة
يجب أن نذهب بروح اللطف لكي نعيد هؤلاء إلى الحظيرة وهكذا لا تكون الكنيسة انتماء
كلامياً فقط مسجلاً على تذكرة الهوية ولكنها انتماء فعلي.

 

الخلاصة

علينا
أن نعي معموديتنا ومسؤوليتنا ونتناول سر الشكر ونختلط بالأعمال الخيرة التي تقام
وندفع مطراننا وكاهننا وشعبنا جميعه لكي يحمل مسؤولياته على عاتقه، لكي يكون
المسيح معروفاً في هذه الدنيا ولكي يصبح نوراً للعالم.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى