علم المسيح

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل التاسع

القبض على المسيح ومحاكمته‏

 

كان رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيّون منذ زمن يتحيّنون الفرصة للتخلّص
من ‏السيّد المسيح وكانت أهم أسبابهم هي
أولاً: قوله
عن نفسه أنَّه ” ابن الله ” وكونه ‏ابن الله يعني المساواة بين الآب
والابن، فاعتبروا ذلك تجديفُا علي الله ”
فَمِنْ
أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ
لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ
مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ.
” (يو5/18
ولذلك يستحق الرجم ”
أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَسْنَا
نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ فَإِنَّكَ وَأَنْتَ
إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً»
” (يو10/33).‏

ثانياً: لأنَّه كان دائمًا يتحدّي سلطانهم، خاصّة تحدّيه
الكبير لهم بطرده الباعة من ‏الهيكل لتطهيره له إلي جانب انبهار الجموع بتعاليمه
السامية ذات السلطان السماويّ ‏‏”
وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ
وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ لأَنَّهُمْ خَافُوهُ
إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ.
” (مر11/18).
و ”
لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ
كَالْكَتَبَةِ.
” ‏‏(مت7/29)، ” وَفِيمَا
هُوَ يَمْشِي فِي الْهَيْكَلِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ
وَالْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ. وَقَالُوا لَهُ: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هَذَا
وَمَنْ أَعْطَاكَ هَذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟»

” ‏‏(
مر11/27-28). ولما أفحمهم بسؤاله عن مصدر سلطان
معموديّة يوحنا المعمدان ‏وعجزهم عن الردّ عليه قرّروا التخلص منه وإعدامه.‏

ثالثاً: كانت معجزاته وإيمان الجموع به وخوفهم من ضياع
امتيازاتهم وتميّز أمّتهم ‏اليهوديّة نتيجة لإيمان الجميع به سببًا قويًا للتخلّص
منه ”
فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً
وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ
كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هَكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ فَيَأْتِي
الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». فَقَالَ لَهُمْ
وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ قَيَافَا كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً. ولاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ
خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ
الأُمَّةُ كُلُّهَا». 000 فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ.

” (
يو 11/47-53). وكانت إقامة لعازر من الموت من
أسباب إيمان ‏الكثيرين به ومن أسباب قرار التخلّص منه أيضًا ”
فَتَشَاوَرَ
رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً. لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ
الْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ.

‏‏(
يو12/10-11).‏

‏ ثم قرّروا التخلّص منه بعد عيد الفصح حتي لا يحدث شغب في العيد (مت26/5)
‏الذي يحضره يهود من دول وبلاد كثيرة يزيد عددهم علي المليونين فرد.‏

‏ ولكن يهوذا الإسخريوطى قَلَبَ خطّتهم رأسًا علي عقب فقد ذهب إليهم
قبل الفصح ‏مباشرة ”
قَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ000
تَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ
إِلَيْهِمْ.
” (لو11/1 و 4)، ” وَقَالَ:
«مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُونِي وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا
لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ.
” (مت26/15)‏،
وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْواً مِنْ
جَمْعٍ.
” (لو22/6)، وكان ذلك فرصة ‏ذهبية لهم.
وبعد أنْ غمس السيّد اللقمة وأعطاهم ليهوذا ”
فَذَاكَ
لَمَّا أَخَذَ اللُّقْمَةَ خَرَجَ لِلْوَقْتِ. وَكَانَ لَيْلاً.

” (
يو13/30).‏

 

1 – صلاة يسوع في البستان: ‏

‏ بعد العشاء، عشاء الفصح والعشاء الربانيّ، ذهب السيّد مع بقيّة
تلاميذه إلي ‏جبل الزيتون (
لو22/39) إلي ضيعة
تُدْعَي بستان ” جثيمانى ” وترك ثمانية من تلاميذه ‏وقال لهم “
اجْلِسُوا
هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ
” (مت26/36)
وأخذ معه بطرس ‏ويعقوب ويوحنا “
ابْنَيْ زَبْدِي
(
مت26/37)، وطلب من الجميع أن يصلوا ” صَلُّوا
لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ
” (لو22/40).
وطلب من بطرس وابني زبدى أنْ يمكثوا ‏معه ويسهروا ”
امْكُثُوا
هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي
” (مت26/38
ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي
قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ
وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».

(
مت26/39)، وكرّر هذه الطلبة ثلاث مرات. ولم يكن ‏معني
ذلك أنَّه يريد أنْ ينجو من الموت صلبًا، كلا وحاشا، فقد أعلن مرارًا أنَّ ‏ذلك
محتوم ومكتوب عنه، ولكنّه عبّر كإنسان عن قوّة وشدّة الآلام الآتية عليه، ‏كما عبّر
عن قبوله وتسليمه لإرادة الآب ”
لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي
بَلْ إِرَادَتُكَ
” (لو22/42
وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ000
لْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ
” (مت26/39 و
42
). فقد ‏طلب أنْ تعبُر عنه ” الكأس ” بمعني أنْ ”
يجتازها ” أي يشربها بحسب إرادة الآب ‏دون أنْ يكون لها سلطان عليه، وكما
يقول أحدهم ”
وهذه الصلاة تُظهر بوضوح ‏أن يسوع قبل هذه
التضحية بملء إرادته وحريّته وقد أكّد بإصرار أنَّه ليس عنده ‏أي رغبة سوي أنْ يتمّم
مشيئة الله
“. فقد أكّد أنَّه قدّم ذاته بإرادته متمّمًا إرادة الآب ‏فيه
وتنفيذ مشيئته برغم قسوة وشدّة ما سيأتي عليه.‏

‏ و ” ظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ
السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ.
” (لو22/43
وكان ظهور الملاك له إعلانًا عن ‏قبوله المهمّة وعن رضا الآب لتحقيق إرادته كما أنَّه
إعلانًا للرضا التام والحبّ ‏المتبادل بين الآب والابن.‏

 

‏2 القبض على المسيح: ‏

‏ بعد أنْ أنهي الرب يسوع المسيح صلاته وتأكيد قبوله لإرادة الآب قال
لتلاميذه ”
هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَابْنُ
الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ.
قُومُوا
نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ
” (مت26/45-46).
ثم جاء يهوذا بالجند ”
وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ
وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ.

(
مت26/47)، ” وَجَاءَ
إِلَى هُنَاكَ بِمَشَاعِلَ وَمَصَابِيحَ وَسِلاَحٍ.
” (يو18/3).
ولما اقتربوا تقدّم إليهم يسوع ”
وَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ مَا
يَأْتِي عَلَيْهِ
وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟»
أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ
». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا
هُوَ»
. وَكَانَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ أَيْضاً وَاقِفاً مَعَهُمْ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ» رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا
عَلَى الأَرْضِ. فَسَأَلَهُمْ أَيْضاً: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» فَقَالُوا: «يَسُوعَ
النَّاصِرِيَّ». أَجَابَ: «
قَدْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا
هُوَ. فَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَنِي فَدَعُوا هَؤُلاَءِ يَذْهَبُونَ
».
” ‏‏(
يو18/4-8).‏

‏ لقد تقدّم من الذي جاءوا للقبض عليه وقدم له ذاته بنفسه، فهو وحده
سيّد مصيره ‏كما قال عن نفسه
” لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا
مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي
سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً.
” (يو10/18).
وأمام هذا المشهد الجليل والمهيب ‏بل والرهيب سقط الذين جاءوا للقبض عليه علي الأرض،
فقد كان هو وحده سيّد ‏الموقف وصاحب السلطان. وهذا المشهد يؤكّد لنا إستحالة القبض
علي غير المسيح ‏لأنَّ شخصه المهيب، في هذا الموقف بالذات، لا يمكن أنْ يختلط علي
أحد، كما ‏كانت الإضاءة كافية بدرجة لا يمكن أنْ يُخطئ فيها أحد مثل هذه الشخصيّة
ذات ‏الجلال والمهابة والعظمة، فقد كان القمر في تمام بدره (إذ كان ليلة 14 من
الشهر ‏القمري) وذلك إلي جانب المشاعل والمصابيح الوهّاجة التي كانت مع الجموع.
‏وأمام موقف السيّد هذا وتسليمه لنفسه، مع أنَّه كان في إمكانه أنْ يذهب بتلاميذه
‏بسلام دون أنْ يستطيع أحد أنْ يمسّه أو يتقدّم منه، تقدّم منه يهوذا وقبّله إذ
كان قد ‏أعطاهم علامة قائلاً ”
الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ
هُوَ. أَمْسِكُوهُ
” (مت26/48)
وذلك علي الرغم ‏من أنَّ شخصيّة السيّد أصبحت واضحة للجميع تمامًا، فقد كان السيد
أيضًا إلي ‏جانب ما سبق يتميّز بصفات جسميّة وملامح خاصّة به كطول القامة (
لو2/52)
وطول ‏الشعر المسدل علي كتفيه (لأنه كان نذيرا (
عد6/2 و 5؛
قض13/5؛1صم1/11
) وقوّة نظرات ‏عينيه الناريّة التي لا تُنسى (رؤ1/14؛
2/18؛ 19/1
).‏

‏ وقبّله يهوذا فقال له السيد معاتبًُا ” يَا
صَاحِبُ لِمَاذَا جِئْتَ؟
” (مت26/50
يَا يَهُوذَا أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟
” (
لو22/48)، فلمّا رأى التلاميذ ذلك قالوا ” يَا
رَبُّ أَنَضْرِبُ بِالسَّيْفِ؟
” (لو22/49)
وبرغم أنَّه لم يكن معهم سوي سيفين إلاَّ أنَّ جلال السيّد ‏ومهابته وسلطانه علي مُسَلّميه
شجّع التلاميذ علي ذلك ومن ثمّ استل بطرس سيفه ”
وَضَرَبَ
وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ الْيُمْنَى.

(
لوقا22/50).وكان يمكن ‏لبطرس وبقية التلاميذ
أنْ يتمادوا في ذلك، خاصة وأنَّ من جاءوا مع يهوذا كانوا ‏شبه مخدرين أمام جلال
ومهابة السيد المسيح، ولكن المسيح رفض ذلك ووبّخ ‏بطرس عليه ”
فَقَالَ
يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ.
” (يو18/11
ولقّنه الدرس ‏الأبديّ وأنَّ المسيحيّة لا يمكن أنْ تنبني علي السيف:

 

لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ
بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ
إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ؟»
.” ‏‏(مت26/52-54). أي أنَّه
لو أراد الله إنقاذه فيُرسل حتي لو إثنى عشر جيشًا من ‏الملائكة؟ مع أنَّ ملاكًا
واحدًا لهذه المهمّة يكفي!! أمَا كان المسيح في إمكانه أنْ ‏يتركهم ويهرب وهم
مرتمين علي الأرض مذعورين؟! ثم أكّد له (بطرس) حتميّة القبض ‏عليه وصلبه “
الْكَأْسُ
الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ ألاَ أَشْرَبُهَا؟
” (يو18/11
هذه ” الكأس ” ‏التي صلّي توًا أنَّه قَبِلَها بحسب إرادة الآب. ثم مدّ
يده بالشفاء و”
أَبْرَأَ ” (لو
22/51
) ‏الأذن المقطوعة في الحال، وسلّم نفسه للجنود الذين لما رأوه مستسلمًا
هكذا ‏بإرادته ”
قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ
وَأَوْثَقُوهُ
” (يو18/12)، فقال لهم
مشيرًا إلي الطريقة التي جاءوا ‏بها إليه ”
كَأَنَّهُ
عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ
أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي.

(
مت26/55)، “وَلَكِنَّ
هَذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ
” (لو22/53
وَأَمَّا هَذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ
الأَنْبِيَاءِ
” (مت26/56). ‏وهنا
يؤكّد السيّد حتميّة القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه وقيامته، هذه الحتميّة
‏التي أعلن عنها في كل كتب الأنبياء (
لو22/44-47).
ولما وجد تلاميذه أنَّه قدّم نفسه ‏لمسلّميه تركوه وهربوا (
مت26/56).‏

‏ مما سبق يتّضح لنا بشكلٍ قاطعٍ وحاسمٍ أنَّ الشخص الذي قَبَضَ عليه
اليهود لا ‏يمكن أنْ يكون سوي المسيح فقد كان شخصه واضحًا بلا لبسٍ ولا غموضٍ
وكانت ‏الإضاءة من قمر في تمام بدره ومشاعل ومصابيح تُضئ المكان بقوّة وكانت هيبة
‏المسيح وجلاله مسيطرة علي الجموع تمامًا، وكان هو وحده الداعي إلي السلام
‏والرافض لاستخدام السيف، وكان هو وحده الذي شفي المريض وأبرأ أذنه وهو ‏وحده الذي
اهتّم بسلامة التلاميذ، وهو وحده يعلم حتميّة صلبه وقيامته.

‏3 – محاكمة السيد المسيح: ‏

‏بعد القبض عليه مباشرة واجه السيد المسيح محاكمتَين مختلفتَين أمام
محكمتَين ‏مختلفتَين لكل منها قوانينها الخاصّة المستقلّة ونظامها الخاصّ بها. فقد
وقف أمام ‏محكمة يهوديّة تعتمد علي التقاليد اليهوديّة المستمدّة من شريعة موسي
وقضاتها هم ‏رجال الدين من كهنة وفرّيسيين وكتبة، ومحكمة رومانيّة ذات صبغة مدنيّة
‏وعسكريّة وقاضيها هو الوالي الروماني بيلاطس البنطي. ومن ثمَّ فقد كانت التُهم
‏الموجّهة له أمام المحكمة اليهوديّة تختلف تمامًا عن التُهم الموجّهة له أمام
الوالي ‏الروماني. وما كان يُعتبر إدانة في نظر اليهود لا يُعتبر كذلك في نظر
الرومان. وما ‏كان يُدينه أمام الوالي الروماني يجعله بطلاً أمام اليهود!!‏

أولاً: محاكمته أمام المحكمة اليهودية:

‏ مضي الجند بالمسيح من بستان جيسثماني إلي حنّان رئيس الكهنة السابق(1)
وحما ‏قيافا رئيس الكهنة، المعاصر لأحداث الصلب (
يو18/13
ثمّ أرسله حنّان ”
مُوثَقاً إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ
الْكَهَنَةِ
” (يو18/24)، ” فَأَخَذُوهُ
وَسَاقُوهُ وَأَدْخَلُوهُ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ
‏‏”
(
لو22/54)، ” حَيْثُ
اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ
” (مت26/57
وبدأوا في محاكمته ليلاً. ‏وكانت محاكمته أمام هذا المجلس، السنهدرين
(2)،
محاكمة صوريّة لأنَّ رئيس ‏الكهنة، ومعظم الأعضاء كانوا قد قرّروا من قبل قتل السيّد
المسيح وكانوا يُرسلون ‏الجواسيس وراءه في كل مكان ”
لِكَيْ
يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ.
” (مت22/15
ومن ثمَّ فقد ”
كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ
كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ

” ‏‏(
مت26/59).‏

وكانت الاتهامات الموجّهة إليه بحسب ما جاء في الإنجيل بأوجهه الأربعة
‏والتلمود والتقليد اليهودي هي: السحر والنبوة الكاذبة ” فقالوا أن معه
بعلزبول. ‏وأنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين “
(3)،
ويُعلّم بدين جديد ويُنادي بعبادة الله ‏بطريقة تُخالف ناموس موسي ويَدّعي أنَّه
ابن الله ”
لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ
أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ
” (يو19/7).‏

‏ وهذه الاتهامات سبق أنْ ردّ عليها مرّات عديدة مبرهنًا بالأقوال
والأعمال صدق ‏رسالته وحقيقة كونه ابن الله ”
صَدِّقُونِي
أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ وَإِلاَّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ
نَفْسِهَا.
” (يو14/11)، ” لأَنَّ
الأَعْمَالَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ لأُكَمِّلَهَا هَذِهِ الأَعْمَالُ
بِعَيْنِهَا الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ الآبَ قَدْ
أَرْسَلَنِي. 000 فَتِّشُوا الْكُتُبَ000 وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.

(
يو5/36-40). ومن ثمَّ فقد وقف في المحكمة صامتًا
‏ولم يُجِبْ عن شئ مما اتهموه به لأنَّه لم يكنْ هناك فائدة من الكلام وهذا ما عَبَّر
‏عنه بقوله لهم ”
إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ
تُصَدِّقُونَ وَإِنْ سَأَلْتُ لاَ تُجِيبُونَنِي وَلاَ تُطْلِقُونَنِي.

‏‏(
لو22/67-68)، فقد كان المجمع قد قرّر قتله
والقضاء عليه منذ زمن كما كان حكم ‏الموت محتوم عليه منذ الأزل كما أعلن هو ذلك
مرات كثيرة.‏

‏ ” وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ
وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ
لِكَيْ يَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ
كَثِيرُونَ لَمْ يَجِدُوا.
” (مت26/59-60).
ولم ‏يتكلّم هو ولم يُعَلِّق علي شهادات الزور ”
وَأَمَّا
يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتاً.
” (مت26/63
فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ
بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ عَلَيْكَ؟»
” (مت26/62).
‏ولكنه تكلّم عندما سأله رئيس الكهنة عن تعليمه وتلاميذه بطريقةٍ خبيثةٍ تُوحي بأنَّه
‏يُعَلِّم تعليم سرِّي وأنَّ له تلاميذ في الخفاء، فقال له بصورة قاطعة ”
أَنَا
كَلَّمْتُ الْعَالَمَ علاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ
وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِماً. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ
أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ
سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هَؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ
أَنَا
” (يو18/20-21).‏

وهو هنا يُشير لأعضاء المجمع باعتبارهم جميعًا سمعوه وشاهدوا أعماله
‏ويعرفون تلاميذه. ولكن هذه الإجابة لم تعجب ”
وَاحِدٌ
مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا
” فلطم السيّد علي خدّه، وقال
له: “
أَهَكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟” فقال
له يسوع ”
إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيّاً
فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ وَإِنْ حَسَناً فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟

” (
يو18/22-23).‏

‏ وأخيرًا وبعد فشل المجمع في إدانة السيّد عن طريق الشهود الزور إتجّه
رئيس ‏الكهنة إلي السيّد المسيح نفسه ليحصل منه علي اعتراف يُدينه في نظر المجمع
‏ويُؤدّي به إلي الموت فقال له ”
أَسْتَحْلِفُكَ بِاللَّهِ
الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ؟

(
مت26/63)، وكانت إجابته بالإيجاب تعني حكم الموت لأنَّهم
سبق أنْ حاولوا ‏قتله أكثر من مرّة بسبب إعلانه أنَّه “
اِبْنَ
اللَّه
” وقالوا ” نَرْجُمُكَ 000 لأَجْلِ
تَجْدِيفٍ فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهاً

” (
يو10/33)، وما كان من السيّد إلاَّ أنْ يُعلن ‏الحق
ويتقدّم إلي الموت الذي لأجله جاء وقال له ”
أَنَا هُوَ
” (
مر14/62)، ” أَنْتَ
قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ
جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ

(
مت26/64)، وهو هنا يُشير إلي ما تنبّأ به عنه دانيّال
النبيّ “
وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى
وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ
سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ
وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ
وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.
” (دا 7/13-14).‏

‏ ونظرًا لأنَّ رؤساء اليهود لم يُؤمنوا بأنَّ يسوع الناصري هو المسيح
المنتظر ابن ‏الله وبعد أنْ نال رئيس الكهنة الإجابة المطلوبة التي تحقّق غرضهم في
قتل المسيح ‏قام بحركة مسرحيّة فمزّق ثيابه لتضخيم الموقف أمام المجمع وموحيًا لهم
بعظم ‏وخطورة الاعتراف ”
فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ
حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى
شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!
” (مت26/65
‏فأجمعوا علي أنَّه مستحقٌ الموت ”
فَأَجَابُوا:
إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ
” (مت26/66).
وبعد هذا الحكم ‏بصقوا علي وجهه ولطموه وسخروا منه وإستهزأوا به وجلدوه وجدفوا
عليه ‏‏(
مت26/67لو 22/63-65). ‏

‏ وبعد أنْ حكموا عليه بالموت تشاوروا في كيفيّة تنفيذه ثمّ قرّروا
تقديمه إلي الوالي ‏الروماني بيلاطس لينفّذ هذا الحكم فيه لأنَّ السلطات الرومانيّة
كانت قد سحبت من ‏المجالس اليهوديّة هذا الحق
(4).

ثانياً: محاكمته أمام الوالي الروماني: (5)

ذهب أعضاء مجلس السنهدرين ومعهم جمهور غفير إلى بيلاطس البنطي ” ثُمَّ
جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ 000 خَرَجَ
بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا
الإِنْسَانِ؟»
” (يو18/28-29).‏

‏ فقالوا له ” لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ
لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ
أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُمْ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ:
«لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَداً».
” ‏‏(يو18/30-31
ويُعلق القديس يوحنا الإنجيلي علي هذه العبارة الأخيرة بالوحي قائلاً ‏‏”
لِيَتِمَّ
قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً
أَنْ يَمُوتَ.
” (يو18/32)، ‏أي
أنَّه يجب أنْ يموت صلبًا لأنَّه لو كان الرومان سمحوا لليهود بقتل أحد لكانوا قد
‏قتلوا السيد المسيح رجمًا بالحجارة كما فعلوا بالقديس إستيفانوس الذي رجموه في
‏غيبة الوالي الروماني
(أع7/58).‏

‏ وكانت عريضة الاتهام المقدمة ضده تتضمن الاتهامات الثلاثة الآتية: ‏

‏1 – أنَّه يُفسد الأمّة.‏

‏2 – يمنع أنْ تُعطي الجزية لقيصر.‏

‏3 – يجعل نفسه ملكًا، ” وَابْتَدَأُوا
يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: إِنَّنَا وَجَدْنَا هَذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ
وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ
مَلِكٌ
” (لو23/2). وواضح هنا ‏أنَّهم
غيَّروا الاتهام الموجّه ضده من التجديف الذي يُدينه حسب الناموس إلي الخيانة
‏للحكم الروماني والتي عقوبتها الموت حسب القانون الروماني،

فقد كان هدفهم ‏القضاء عليه بأيَّة وسيلة، لفّقوا له هذه التُهم والتي هم أوَّل من
يعرف إنَّها كاذبة فقد ‏شهدوا هم أنفسهم بوداعته وعظمته وسموّ تعاليمه ”
لَمْ
يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هَكَذَا مِثْلَ هَذَا الإِنْسَانِ

” (
يو7/46)، وعندما سألوه قائلين ” أَيَجُوزُ
أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟ نُعْطِي أَمْ لاَ نُعْطِي؟

قال لهم ”
أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا
لِلَّهِ لِلَّهِ
” (مر12/14و27
‏وعندما حاولوا أن ”
يَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ
مَلِكاً انْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ.
” ‏‏(يو6/15).

‏رافضًا أنْ يكون ملكًا أرضيًا فقد كان هو ملكًا سماويًا ” مَمْلَكَتِي
لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ.
” (يو18/36).‏

‏ وقف الرب يسوع المسيح صامتًا كما فعل أمام السنهدرين لكذب الاتهامات
‏وإصرار اليهود علي قتله كما كان قد أعلن من قبل مرات عديدة أنَّه لابد أنْ يُصلب
‏ويموت ويقوم في اليوم الثالث. ولمّا أراد بيلاطس أنْ يتحقّق من الاتهام الموجّه
‏إليه القائل أنَّه ” مسيح ملك ” دخل إلي دار الولاية ”
دَعَا
يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَمِنْ
ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟» أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ:
«أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ
إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا
الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي
يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ
مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا».فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟»
أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا
وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ
مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي».
” ‏‏(يو18/33-37).
هذا الحوار أكد لبيلاطس أكثر براءة السيد وجعله يشعر أنَّه يقف ‏أمام أكثر من مجرّد
إنسان، ومن ثمّ قال ”
مَا هُوَ الْحَقُّ؟
” (
يو18/38). ثمّ خرج ليُعلن ‏براءته أمام الجموع ” أَنَا
لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً.
” (يو18/38).
ولكن هذا لم يرضيِ ‏اليهود. ”
فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ
قَائِلِينَ: «إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ
الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئاً مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا»

(
لو 23/5)، ” وَبَيْنَمَا
كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ
بِشَيْءٍ. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟»
فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدّاً.

” (
مت27/12-14). وكانت عبارة ” مِنَ
الْجَلِيلِ
” بمثابة ‏طوق نجاة لبيلاطس الذي ظنَّ أنَّه سيتخلّص من هذه القضيّة
ويُريح ضميره، فسأل ”
هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟
” و ”
وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ
هِيرُودُسَ أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْكَ
الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ.
” (لو23/6-7).‏

‏ كان هيرودس قد سمع عن الرب يسوع المسيح وعن أعماله بعد قتله ليوحنا
‏المعمدان وكان يتساءل عنه ”
وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ.
(
لو9/9)، ولمّا وقف أمامه ” ‏ فَرِحَ جِدّاً لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيلٍ
أَنْ يَرَاهُ لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَتَرَجَّى أَنْ يَرَاهُ
يَصْنَعُ آيَةً. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ
“،
ولكن السيد”
لَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ.“(لو23/8-9).‏

أولاً: لأنَّ هيرودس هذا هو هيرودس أنتيباس قاتل يوحنا
المعمدان وكان يعيش مع ‏هيروديا في علاقة تحرمّها الشريعة وقد وبّخه يوحنا
المعمدان بسببها علانية فقبض ‏عليه وأودعه السجن ثم قطع رأسه (
مت
14/3-12
) والذي سبق أنْ وصفه السيد ‏المسيح بالثعلب (لو
13/31-33 وأنظر ص11
).‏

وثانياً: لأنَّه تعامل مع المسيح كمشعوذ، فأراد أنْ يرى
آية تُصنع منه وأنْ يستمع ‏لأقواله لا لكي يؤمن بل ليتفرج كما يتفرج علي المشعوذين
في البلاط، كان ‏مدفوعًا لذلك بفضوله ولكن المسيح أرفع من ذلك وأعظم. وفي نفس
الوقت ”
وَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ
بِاشْتِدَادٍ فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ
وَأَلْبَسَهُ لِبَاساً لاَمِعاً وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ.

(
لو23/10-11). لم يعامله ‏هيرودس كمجرم بل كمتهوّس
دينيّ يستحق الاحتقار والإزدراء.‏

‏ ” فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ
الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ. وَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ قَدَّمْتُمْ
إِلَيَّ هَذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ
قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ
بِهِ عَلَيْهِ. وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضاً لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا
لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ
وَأُطْلِقُهُ».
” (لو23/13-16).‏

‏ وكانت لهم عادة أنّ يُطلق لهم الوالي أسيرًا واحدًا يطلبوا أنْ
يطلقه لهم في الفصح ‏‏(
مت27/15،مر15/6؛ لو23/17
وكان هناك اسيرًا مشهورًا يُدعي باراباس أُمسك في ‏فتنة حدث فيها قتل فطالبوا
بيلاطس أنْ ”
أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ
لَهُمْ
” (مر15/8)، ‏فخيّرهم بيلاطس بين
باراباس ويسوع ”
مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ
لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ
أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً.
” ‏‏(مت27/17-18).
ولكن حدث شئ عجيب أذهل بيلاطس وجعله يتأكّد أكثر وأكثر من ‏براءة المسيح وعظمته
وسموّه ”
وَإِذْ كَانَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ
إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: «إِيَّاكَ وَذَلِكَ الْبَارَّ لأَنِّي
تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ»

” (
مت27/19)‏، فازداد إصرارا على أن يطلقه ولكن الجموع صرخت
طالبة باراباس بتحريض ‏من رؤساء الكهنة والشيوخ، فقال لهم بيلاطس ”
وَأَيَّ
شَرٍّ عَمِلَ؟
. أني لم أجد ‏علة للموت. فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ
وَأُطْلِقُهُ
” (لو23/22). فكانوا
يلجون بأصوات عظيمة طالبين ‏أنْ يُصلب. ”
فَلَمَّا
رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئاً بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ
أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: «إِنِّي بَرِيءٌ
مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ. أَبْصِرُوا أَنْتُمْ».فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ:
«دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا».
” (مت27/24-25)
وأطلق باراباس.‏

‏ جلد بيلاطس السيد وألبسه العسكر إكليلاً من الشوك وألبسوه ثوب
أرجوان ‏ووضعوه قصبة في يمينه وكانوا يسخرون ويستهزئون به وبصقوا علي وجهه ‏ولطموه
علي خده وضربوه علي رأسه وكانوا يسجدون له قائلين السلام يا ملك ‏اليهود وأخرجه
إليهم بيلاطس ”
وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ
إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً».

” ظاناً أنَّهم سيكتفون بذلك ولكنّهم صرخوا قائلين ”
«اصْلِبْهُ!
اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ لأَنِّي
لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ وَحَسَبَ
نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّهِ».
فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفاً
“.
كان بيلاطس متيقنًا من براءة المسيح وكان يرى ‏فيه أكثر من مجرّد إنسان ولما سمع أنَّه
ابْنَ اللَّهِازْدَادَ
خَوْفاً
فَدَخَلَ أَيْضاً إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ
وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ
جَوَاباً. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ
لِي سُلْطَاناً أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَاناً أَنْ أُطْلِقَكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ:
« لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ
مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ».

“، هذا زاد بيلاطس إصرارًا أنْ يُطلقه ولكن اليهود وضعوه ‏في مكان لا يستطيع
الهروب منه ”
لَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ
أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ
مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ»
. ومعنى هذا انه لو ‏أطلقه بيلاطس
يكون متهماً بالخيانة العظمى لقيصر وعقوبتها الموت ومع هذا حاول ‏محاولة أخيرة
فأخرج يسوع إليهم قائلاً ”
هُوَذَا مَلِكُكُمْ “،
فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ اصْلِبْهُ!» ‏قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ
مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ
قَيْصَرُ». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ.

” (
يو 19/1-16).‏

‏ مما سبق يتّضح لنا أنَّ الشخص الذي حُوكم أمام السنهدرين وأمام
بيلاطس لم يكن ‏سوي المسيح فقد أعلن أنَّه المسيح ابن الله الحي وتكلّم عن ملكوته
الأبديّ وأشار ‏إلي ما جاء عنه في نبؤه دانيال النبي كما صمت في المواقف التي لا
يصمت فيها ‏أي بشر وتكلّم حين دعت الضرورة لإعلان ذاته ومجده وملكوته أمام أعضاء
‏مجلس السنهدرين وأعلن أيضًا عن ملكوته السماوي أمام بيلاطس وأنَّه جاء ليشهد
‏للحق وقال لبيلاطس أنَّه ليس له سلطان عليه وأعلن خطيئة الذين أسلموه إلي
‏بيلاطس، كما شهد بيلاطس لبرّه وسموّه وعظمته وتألمت زوجة بيلاطس في حلم ‏من أجله
وشهدت لبرّه بالوحي الإلهي. كان متهمًا في عيون اليهود ولكنه سبّب ‏الخوف والرعب
ووقعت رهبته وخشيته علي الذين حاكموه، فهل يمكن أنْ يكون ‏سوي المسيح؟؟؟!!!‏

 

(1) كانت رئاسة الكهنوت وراثية في نسل هارون فقط (عدد 10: 3) ولكن تغير
هذا النظام بعد أن انضمت اليهودية إلى سوريا وخضعت لواليها ولما صارت تحت حكم روما
كان رؤساء الكهنة يُعينون ويُعزلون حسب موالاتهم للرومان ومن ثم فقد كان يوجد أكثر
من رئيس كهنة سابق في وقت واحد مثل حنان هذا وأولاده الخمسة الذين تولوا بعده.

 

(2) السنهدرين هو المحكمة اليهودية منذ العصر الفارسي وخلال الحكم
الروماني وقد كان أعلى سلطة دينية وسياسية وقضائية بعد الوالي الروماني، وقد جاءت
الكلمة من “سندريون
Synedrion – ” اليونانية وتعني محكمة. أنظر محاكمة يسوع فرنك ج باول
ترجمة إبراهيم سلامة ص 47-51
The Ixicon Webster Dic. Vol. 2 p. 850The International Bib. Ency. Vol. 4 p. 331

(3) مر22: 3 وكانت عقوبة النبي الكاذب في الشريعة هي الموت “النبي
الذي يطغى فيتكلم كلاماً لم أوصه أن يتكلم به…فيموت ذلك النبي ” تث 20: 18

 

(4) كان الولاة الرومان قد جردوا المحاكم اليهودية من سلطة الحكم على
أحد بالموت الذي كان من حق الوالي الروماني وحده وهذا ما عبروا عنه بقولهم لبيلاطس
لا يجوز لنا أن نقتل أحد ” (يو18/31).

 

(5) قال البعض زاعماً ” من المستحيل أن يكون بيلاطس قد خضع لمطالب
اليهود بصلب المسيح وهو الذي كان يقمعهم بشدة وينزل بهم أحكام الإعدام دون محاكمة
وكان يبطش بهم دون سبب لدرجة أن السلطات في روما استدعته لتحذيره من الاستمرار في
سياسته التعسفية تلك “!! ونقول لهؤلاء أن اليهود وقفوا أمام بيلاطس يتهمون
المسيح بثلاثة تهم خطيرة سياسيا، وهي أنه ضد الإمبراطور الروماني قيصر، كما أنه
يريد أن ينصب نفسه ملكاً ويمنع أن تعطى الجزية لقيصر، وبالتالي لو تساهل معه يكون
هو، بيلاطس نفسه بحسب هذه التهمة، مشتركا معه في هذه الثورة ضد قيصر ومناهضا وضدا
لقيصر.

 ولم تكن هذه هي المرة الأولي التي يضطر فيها بيلاطس أن يرضخ لليهود
بالرغم من قسوته وصرامته معهم فيذكر لنا المؤرخ والكاتب اليهودي يوسيفوس معاصر
تلاميذ المسيح (36-100م) الأتي ” نقل بيلاطس حاكم اليهودية الجيش من قيصرية
إلى أورشليم ليقضي فترة إقامته الشتوية هناك ولكي يبطل الشرائع اليهودية. ولذلك
أورد صور قيصر التي كانت تستعمل كشعارات وأدخلها المدينة حيث تمنعنا شريعتنا من
عمل أية صورة. وكان الولاة السابقون لا يدخلون المدينة بمثل هذه الشعارات. وكان
بيلاطس هو أول من أحضر هذه الصور إلى أورشليم وأقامها هناك. وقد حدث هذا بالفعل
دون علم الجماهير لأنه تم أثناء الليل. ولكن ما أن علموا به حتى أتوا إلى قيصرية
في جماعات كبيرة وظلوا عدة أيام يلتمسون من بيلاطس أن يزيل هذه الصور. وعندما رفض
مطالبهم التي تعني الإساءة إلى قيصر لم ينصرفوا واستمروا في مطالبتهم. وفي اليوم
السادس أمر جنوده بتجهيز أسلحتهم بينما جاء هو وجلس على كرسي القضاء الذي كان
مجهزاً خارج المدينة بحيث لا يظهر الجيش الذي كان مستعداً للأطباق عليهم. وعندما
عرض اليهود مطالبهم مرة أخرى أعطى الإشارة للجنود ليحيطوا بهم وهدد بألا تقل
عقوبتهم عن الموت إذا لم يتوقفوا عن مضايقتهم ويعودوا إلى منازلهم. ولكنهم ألقوا
بأنفسهم على الأرض وعرضوا رقابهم للموت. وقالوا أنهم يرحبون بالموت أفضل من التعدي
على شرائعهم. وقد تأثر بيلاطس بتصميمهم على عدم المساس بشرائهم وأمر في الحال
بإعادة الصور من أورشليم إلى قيصرية. وهكذا أنهزم بيلاطس في أول صدام بينه وبين
اليهود ” (محاكمة يسوع للفقيه الإنجليزي فرانك ج باول، ترجمة إبراهيم سلامة
ص136و137).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى