علم المسيح

39- السلوك الروحي في المسيح مقابل السلوك بحسب الناموس



39- السلوك الروحي في المسيح مقابل السلوك بحسب الناموس

39- السلوك الروحي في المسيح مقابل السلوك بحسب الناموس

تكلَّمنا
عن المثاليات المسيحية مقابل مثاليات الناموس القديم بحسب تعليم الكتبة والفريسيين
كما قدَّمها المسيح في التطويبات وما بعدها. والآن يأتي المسيح على السلوكيات عند
الفرِّيسيين وما يقابلها عند بني الملكوت. ذلك باعتبار أن الفرِّيسيين يدَّعون
أنهم معيار السلوك الكامل تبعاً للناموس، ولكن المسيح لا يذكرهم بالاسم وإنما
يدعوهم بالمرائين.

والسلوكيات
التي تكلَّم عنها المسيح هنا هي:

(أ)
الصدقة.

(ب)
الصلاة. الصلاة الربَّانية.

مقالات ذات صلة

(ج)
الصوم.

(د)
التخزين والاكتناز في الأرض.

(ه)
لا تدينوا لكي لا تدانوا.

 

ويمتد
المسيح بالتعليم من التخزين والكنوز الأرضية ويستمر (من مت 19: 612:
7) يعرض كل دقائق الحياة المسيحية بحسب مشيئة الله.

(أ)
الصدقة:

وإن
كان المسيح قد ابتدأ بالصدقة، ولكن في الحقيقة
وحسب أصل الكلمة
كما اتفق العلماء أنها مقصود بها أعمال البر عامة، حيث
تتضمَّن بالضرورة الصلاة والصوم أيضاً.

والمسيح
يقدِّم صورة فاضحة للفريسيين: كيف يقدِّمون صدقتهم، إذ يسير واحد من أتباعهم ومعه
بوق ينبِّه الناس إلى ما سيقدِّمه سيده الفرِّيسي. وهو تصوير يكشف عن كل ما أضمره
الفرِّيسي أن تزداد كرامته بين الناس ويُدعى أبو المحسنين أو عطّوفة الرابِّي فلان
صانع الحسنات. وقد جعلها الفرِّيسيون دعاية يُعلن عنها في الأزقة وداخل المجامع
بالصوت العالي. وبهذه الصورة يكون الفرِّيسي قد نال أجره من الناس كرامة وتعظيماً،
وأمَّا الصدقة عند المسيح فتُعطى لمشاركة الفقير في ضيقه. ولكي يرفع المسيح كل
لَبْس عن نية الصدقة وعطائها، تبنَّي شخصية المحتاج فقيراً كان أو مسكيناً أو
غريباً أو مريضاً أو محبوساً، إذ اعتبر نفسه هو هذا المعوز المحتاج، وهذا في شكل
مسجون وجائع وعطشان وعريان! وبذلك حقَّ أن الذي يصنع الصدقة والرحمة إنما يقدِّمها
للمسيح شخصياً. والمزمور يقول: “طوبى للذي ينظر إلى المسكين، في يوم الشر
ينجِّيه الرب” (مز 1: 41)، وسفر الأمثال يحذِّر: “مَنْ يرحم الفقير
يُقرض الرب” (أم 17: 19)، والرب نفسه قال: “مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ”
(أع 35: 20). والتجاهل في فحص المستحق من غير المستحق مطلوب، وعدم الدعاية أوصى
بها المسيح فلا تعرف شمالك ما تصنع يمينك، أي بدون مظاهر العطاء التي تلغي أجر
نعمتك، بل تكون في الخفاء، فأبوك الذي في الخفاء هو يجازيك علانية.

(ب)
الصلاة:

يحرص الفرِّيسي أن تكون صلاته ظاهرة بقصد متعمَّد أن يراه
الناس
فيحمدوه
على برِّه وتقواه. وهذا يقوم على الادِّعاء بأنه ذو قربى من الله وحظوة، فيلتجئ
إليه الناس ويمدحوه. هذا أيضاً يكون قد استوفى أجره من الناس.

وهنا
يتكلَّم المسيحعن الصلاة الخاصة وليست العامة، فيقول: ادخل مخدعك وأغلق بابك، لأن
الصلاة إلى الله هي عمل يختص بالله وحده. إلى هنا تنتهي المقارنة، ولكن المسيح
يعطي بالمناسبة نصائح للصلاة:

 1-
لا
تكرروا الكلام دون فهم فليس بكثرة الكلام تستجاب الصلاة كما يظن الفرِّيسيون، فلا
تتشبَّهوا بهم فإن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه. إذن أنت واقف أمام
مَنْ يعرف كل مشيئات قلبك.

 2-
نموذج
الصلاة التي يجب أن تحوي عناصر الصلاة الأساسية.

صلاة أبانا الذي في
السموات” وقد سبق أن شرحناها في
صفحة 193
وما يليها.

(ج)
الصوم:

جعله
المسيح من أخص خصائص النفس المتقرِّبة إلى الله، فهو لا يحتمل الظهور أو التظاهر:
“وأمَّا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائماً، بل
لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” هنا اختفت كل
أعمال الظهور أمام الناس وكسب تزكية الذات؛ بل هو تقرُّب إلى الله برفع القلب
والجسد كذبيحة طاهرة بلا عيب أمام الله وللتذلُّل الحقيقي بالنفس في حضرة الله من
أجل نوال رحمة في يوم الافتقاد. والصوم هو حداد على الشبع وملذَّات العالم والجسد،
وتحدٍّ لجبروت البطن التي أهلكت كثيرين وأورثت البؤس لمحبيها. فالصوم عودة إلى
مشاعر المسكنة كفقير واختزال البطن ليليق بالإنسان الدخول من الباب الضيق. ويحكي
إشعياء النبي مُساقاً من روح الله عن الصوم هكذا:

+
“أليس هذا صوماً أختاره (الرب) حلَّ قيود الشر، فكَّ عقد النير وإطلاق
المسحوقين أحراراً وقطع كل نيرٍ. أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تُدخِل المساكين
التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عرياناً أن تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمِكَ. حينئذ
ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعاً، ويسير برُّك أمامك ومجد الرب يجمع
سَاقَتَكَ. حينئذ تدعو فيُجيب الرب، تستغيث فيقول: هأنذا. إن نزعت من وسطك النير
والإيماء بالأصبع وكلام الإثم، وأنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة، يُشرق في
الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر، ويقودك الرب على الدوام ويُشبع في
الجدوب نفسك، ويُنَشِّطُ عظامك فتصير كجنة ريَّا وكنبع مياهٍ لا تنقطع مياهه.
ومِنك تُبنى الخِرَب القديمة. تُقيم أساسات دورٍ فدورٍ فيُسمُّونك مُرمِّم الثغرة،
مُرجِعَ المسالك للسكنى!” (إش 58: 612)

هذا
هو الله الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية!!

وقد
يكون الصوم من الشروق إلى الغروب حسب التقليد (قض 26: 20، 1صم 24: 14)، أو يكون
لسبعة أيام كما صام الشعب بعد دفن شاول (1صم
13: 31)، أو لثلاثة أسابيع في المسوح والدموع: “في تلك الأيام أنا دانيال كنت
نائحاً ثلاثة أسابيع أيام لم آكل طعاماً شهياً” (دا 10:
2و3)، أو
أربعين يوماً (خر 28: 34، تث 9: 9و18، 1مل 8: 19). وكان الفرِّيسيون المراؤون
يصومون يومين في الأسبوع (لو 12: 18). والمسيح أعطى نموذجه الكبير للصوم 40 يوماً
دون طعام وشراب. والذين تدرَّبوا على الصوم أدركوا عمق السر الكائن فيه، حيث تنجلي
الرؤية وينفتح وعي الروح لقبول إعلانات الله.

(د)
التخزين والاكتناز في الأرض:

لقد
امتد ق. متى بهذا البند كثيراً لأنه ضارب في أعماق العالم، على أن الطمع في جمع
المال والصلاة الفارغة من الروح متلازمان، وإحدى الموبقات الأخلاقية عند
الفرِّيسيين هي الطمع (لو 14: 16). فالفريسي رجل غنيّ بحكم وظيفته في المجتمع،
لأنه يعتبر أن الغِنَى هو الجزاء الحقيقي لاشتغاله بالدين وغيرته على الناموس.
والفرِّيسي يصنع من نفسه وصلة طبيعية بين البر والغِنَى. وباستنكار المسيح
لعبادتهم أفسد عليهم معنى غناهم. إذن، على المسيحي أن يبحث له عن الغِنَى الحقيقي
ويجعله كنزه الدائم. والمسيح يقسِّم حديث الغِنَى المسيحي على ثلاثة أقسام:

1 الكنز السمائي

2 المال والعين البسيطة القانعة،

3 القضاء على مصدر القلق.

1 الكنز السمائي:

أمَّا
بالنسبة للنوعية فيما يخص الكنوز، فالمسيح يخاطب جماعة بسيطة بيوتها من طين يمكن
نقبها في ساعة وسرقة كل ما فيها، لذلك فالأضمن للإنسان أن يكنز كنوزه حيث لا سارق
ولا فساد هناك في السماء. ولكن الذي يهم الإنسان بالدرجة الأُولى أن يطمئن على أين
يعيش قلبه وبما يهتم؟ لأن في هذا هناء حياته أو غمها، لأنه حيث يكون الكنز يكون
القلب أيضاً والفكر. لذلك إن أردنا لأنفسنا حياة سماوية علينا أن نكنز كنوزنا في
السماء، حينئذ يعيش قلبنا مشغولاً بالمصير المبارك والهدف السعيد. هنا قلب الملكوت
النابض! “لا تكنزوا لكم كنوزاً على
الأرض.. بل اكنزوا لكم كنوزاً في السماء.” (مت
6: 1920)

2 المال والعين البسيطة:

ومن هنا يهيبُ المسيح بالمسيحي أن تكون له عين بسيطة، ومعنى
بسيطة
هو غير
طامعة ولا طامحة، راضية بما في يديها قانعة بنصيبها. فالعين الكثيرة التطلُّع إلى
المقتنيات لا تقنع بحالها، وهذه تورِّث الهم والبؤس لصاحبها. وبالنهاية تفقد
رؤيتها الصحيحة، وتصبح النفس لها انحياز واضح نحو الأباطيل تجمع وتكدِّس ولا تقنعه
أبداً. فالعين البسيطة عند المسيح عين قانعة خالية من الطموح الكاذب، وبذلك تصبح
حرَّة غير مقيَّدة بشهوات العبودية المادية الأرضية يسهل رفعها إلى فوق. والعين
المشتهية مسجونة في محيط شهوتها، والطامحة عين غير مستقرة فاقدة الرؤية الحقيقية
لكل ما هو حق وصالح ومقدَّس.

ومعروف
أن الله نور وكل ما يحيط به نور، والعالم ظلمة وكل ما يحيط به ظلام.

النور
قد جاء إلى العالم ليعطي العيون المفتوحة شعاع النور الذي يبدِّد ظلمة النفس.
وظلمة العالم عميقة وخطيرة، ولكن شعاعاً بسيطاً من النور بنعمة القناعة يبدِّد
ظلاماً كثيفاً مقيماً. “الشعب السالك في
الظلمة أبصر نوراً عظيماً، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” (إش

2: 9). فالنور هو الحق الإلهي المعروض علينا
اقتناؤه، والظلمة هي متعلِّقات العالم التي تستعبد النفوس
والعيون.

+
“سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيِّراً، وإن كانت
عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً (سجين شهوات العالم)، فإن كان النور الذي فيك
ظلاماً، فالظلام (الموجود في العالم) كم يكون!” (مت 6: 22و23)

المال
سيد قاسٍ يستعبد محبيه ومريديه، فإذا أحبوه سقطوا في سجنه المظلم. لذلك قال المسيح
لا يستطيع أحد أن يخدم سيدين، تماماً كما نقول: لا يستطيع أحد أن يعيش في الظلمة
والنور بآن. إمَّا الظلمة حيث لا يشرق نور فيرضى الذين في الظلام بالظلام، وإمَّا
النور فلا يرضى الذين في النور بالظلام بأي حال.

العين
الطامعة والطامحة هي طاقة ظلمة تُسرِّب الظلام إلى داخل الحياة برمتها، حيث يعيش
الإنسان عبداً لعينه وسجيناً لظلامها.

وكما يذهب راغب القداسة والعبادة يبيع كل ما له وحاله
وأصدقاءه وبيته وكل الدنيا ليتعبَّد لله بقلب واحد، هكذا يذهب عابد المال والقنية
يبيع كل شيء إلاَّ ماله فلا يهتم بحاله ولا بأصدقائه أو بيته ولا كل الدنيا
ليتفرَّغ لعبادة ذلك السيد المفتري الذي لا يترك عُبَّاده في النهاية إلاَّ قصاصة
أو مصاصة أو العدم، العدم من الصحة والفرح والحرية والسلام والهدوء والخلاص
الأخير. إذن، فالمسيح على حق حينما جعل المال السيد الباطل الكبير الذي يعادل
السيد الإله الحق وينازعه ويغلبه في الجولات الأُولى.

3 القضاء على مصدر القلق:

والله
يحيلنا أن نلتفت إلى الزهور والطيور، فالأُولى تلبس من يد الله أبهى حُلل الجمال،
والثانية تخرج اليوم من الفجر وتعود في المساء مليئة البطن هادئة البال. فالأُولى
لا تغزل، والثانية لا تجمع إلى مخازن. والأُولى ترفل بلباس المجد، والثانية تنام
ملء الجفون. والاثنان يعيشان تحت تدبير الله الواحد. فهلا نعيش تحت هذا التدبير ولا نحمل هَمَّ لباس أو طعام؟ فجهاد كل يوم كفيل
بسد أعواز كل
يوم.

وينتهي
المسيح من هذا العرض المثير لعمل الله في الحياة ليحضَّنا أن يكون اهتمامنا
بالدرجة الأُولى لفوق، للسماء لملكوت الله، التي يصح بل يجب ويتحتم أن نخزِّن لها
ونكنز لها، لأننا إن كنا نعيش على الأرض زمناً فهناك نحيا أبداً. وأخذ الله على
عاتقه إن طلبنا ملكوت الله وبره تكفّل هو بحاجات الزمان والجسد.

وآخر
رجاء للمسيح أن لا تهتموا للغد!! “أَلْقِ على الرب همَّك فهو يعولك.”
(مز 22: 55)!

(ه)
لا تدينوا لكي لا تدانوا:

لا
يربطها بسابقتها إلاَّ التحذير القاطع، فسابقتها: لا تهتموا للغد، وهذه: لا
تدينوا. السابقة خروج خارج الزمن للتدبير وهو أمرٌ وُضع في يد الله، واللاحقة خروج
خارج النفس لنقد نفس أخرى وهو أمرٌ يخص الله وحده.

والذي
شجَّع المسيح للدخول في هذه القضية هو أنها أولاً تخصه وحده، وثانياً أنها قادرة
أن تتلف مصير النفس. فالإنسان في غِنَى من أن يجلب على نفسه قضاء الله بالعقاب إن
هو دان الآخرين! كانت النصيحة في السابقة يكفي اليوم شرُّه، وفي هذه يكفي الإنسان
قضاؤه. إنها كانت علَّة الفرِّيسيين معلِّمي البر أن يتدخلوا في شئون الناس
ويدينوا ويحكموا بغير تحفُّظ. علماً بأن الله لم يضع الدينونة على أفكار الناس
وأعمالهم الداخلية في يد أحد.

فإن
كان حب المال يُهلك النفس، كذلك حب الدينونة وإخراج الأحكام على أفكار الناس
وضمائرها أو أعمالها. ومن هنا جاءت الحكمة: [الذي بيته من زجاج لا يضرب الناس
بالطوب].

وإن
هذه الوصية تشابه إلى حد كبير: “اغفروا يُغفر لكم” والذي لا يَغْفِر لا
يُغْفَر له. هكذا دينونتنا للآخرين هي مساوية
لعدم مغفرتنا، ولكنها أبسط بكثير. فالمطلوب منَّا أن لا ننطق في
القلب أو
الفكر أو الضمير أو الفم بما يسيء ويجرح الآخرين، حتى ولو كانوا مسيئين ومجروحين.
فلو انتبهنا لوجدنا أن دينونتنا للآخرين تهدم حياتنا نحن وتفضح أفكارنا وضمائرنا
وتقدِّمنا لقضاء الله.

على
أن موقفنا كرقباء على أفكار الناس وأعمالهم وأخلاقهم هو عمل غير مسيحي، إنه تخريب
لقانون المحبة الذي تقوم عليه المسيحية. وكأننا أعطينا لأنفسنا أن نكون رقباء على
أسرار وأعمال وأخلاق الآخرين، وخصَّصنا جزءًا من أفكارنا واهتمامنا لذلك الأمر،
وبذلك تضيع منَّا الرقابة على أنفسنا ومحاسبة ضمائرنا وأفكارنا وأعمالنا، لذلك لا
تأخذ أفكارنا منّا أي انتباه أو اعتراف أو تصحيح. فإذا ثبت أننا نحن المستحقون
الدينونة والملامة والقضاء ما كنَّا حكمنا على الآخرين. مثل إنسان ذهب يبكي على
ميت غيره وميِّته بلا دفن! والذي ينشغل بميت نفسه لا يجد فرصة ليبكي على ميت غيره.
وأين محبة القريب كالنفس؟

والملاحظ
أن الإنسان يدين في غيره ما هو واقع فيه، ولايلفت نظره من أخطاء الآخرين إلاَّ
الأخطاء الساقط هو فيها. يعقوب الرسول قد نبَّه كثيراً على الدينونة وسمَّاها
ذَما: “لا يَذُمُّ بعضكم بعضاً أيها الإخوة. الذي يذم أخاه ويدين أخاه يذم
الناموس ويدين الناموس
(أي يذم عدالة الله ويدين
كرسي قضاء الله)
وإن كنت تدين الناموس (عدل الله) فلست عاملاً بالناموس (بعدل الله)، بل
ديَّاناً له. واحد هو واضع الناموس، القادر أن يُخلِّص ويُهلك، فمَنْ أنت يا
مَنْ تدين غيرك؟
” (يع 4: 11و12)

والمسيح
يتكلَّم عن علم علاَّم الغيوب، فهو يقصد حركة الضمير الداخلية بالدينونة التي قد
يلمحها الإنسان، ولكن هذه أيضاً تفسد النفس وتسد أمامها باب النمو والتقدم. فمهما
تحايل الإنسان أن يردّها إلى العطف أو المحبة فعبثاً يصنع، لأن الدينونة هي تعدٍّ
صارخ على اختصاص الله: “فمَنْ أنت الذي تدين عبد غيرك؟ هو لمولاه يثبت أو
يسقط. ولكنه سيُثبَّت، لأن الله قادر أن يثبِّته.” (رو 14: 3و4)

فإذا
أراد الإنسان أن يحفظ عدم الدينونة عليه أن يحتاط بدقة وبحكمة، يدبِّر ضميره وفكره
وفمه خاصة، وعلى وجه الخصوص خادم الإنجيل!

أمَّا مَثَل القذى في العين عند الآخرين الذي نفحص عنه،
والخشبة (لوح) في عيننا الذي نتجاوزه، فهو عملية تصوير ناجحة جداً لإظهار الفرق
الهائل بين العيوب التي نفحص عنها وندينها عند الآخرين، وبين عيوبنا التي نتغاضى
عنها. فهذا ليس صعباً على الضمير من أن يكتشفه عندما يعود إلى الله باكياً!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى