علم المسيح

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل
السادس

الخدمة في
الجليل

12- شفاء
ابن خادم الملك

بعد أن قضى المسيح يومين في السامرة انحدر إلى الجليل، حيث
ذهب أولاً
إلى مدينة “قانا التي في الجليل”. وبينما هو
هناك جاءه خادم الملك (هيرودس
أنتيباس) وتوسَّل إليه أن ينزل معه إلى
كفرناحوم حيث كان ابنه مريضاً ليشفيه، لأنه كان
قد قارب حالة الخطر. وكان المسيح قد جاء لتوّه من عند السامريين الذين آمنوا به من
كل قلوبهم دون أية معجزة ظاهرة؛ أمَّا الجليليون فكانوا إن لم يروا آيات ظاهرة فلا
يؤمنون، فواجههم المسيح بهذه الحقيقة.

ولكن
على أية حال كان الجليليون أكثر استعداداً للإيمان بالمسيح بعد أن رأوا آياته
ومعجزاته وتعاليمه في أُورشليم في العيد، لأنهم كانوا هناك. وزاد استعدادُهم
وقبولهم بعد شفاء ابن خادم الملك في كفرناحوم.

13- شفاء
حماة سمعان

وكان
المسيح يذهب في السبوت إلى المجامع، ولكنه اختار كفرناحوم لتكون مركز إقامته
وخدمته، وقد بدأ يشفي كثيرين هناك. وفي أحد السبوت بعد أن أكمل الخدمة في مجمع
كفرناحوم رافقه تلاميذه إلى بيت سمعان، حيث كانت حماة سمعان مريضة بحمَّى، ولكن
المسيح شفاها فقامت متعافية وصارت تخدمهم وقدَّمت لهم الطعام.

وبينما كان يسوع في بيت سمعان طار الخبر إلى جميع الجهات أن
المسيح قد حضر وهو في بيت سمعان. فما أن انتهى السبت وصار الغروب حتى تقاطرت
الجموع من كل مكان وأحاطوا بالبيت، وقد تزاحم الشعب والتفُّوا حول البيت يطالبونه
بأن لا يغادر المدينة، فشفى مرضى كثيرين. ولكن لمَّا صار النهار خرج وذهب إلى موضع
خلاء ليصلِّي، وكانت الجموع تتقاطر عليه فجاءوا إليه وأمسكوه لئلاَّ يذهب عنهم،
فقال لهم: ينبغي أن أبشِّر المدن الأخرى أيضاً بملكوت الله لأني لهذا قد أُرسلت.

 

14- المسيح
في مجمع الناصرة

+
لأن موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة مَنْ يكرز به، إذ يُقرأ في المجامع كل
سبت” (أع 21: 15)

 [وقراءة
الناموس تتبع طريقة معيَّنة، فبعد قراءة فصل من الأسفار الخمسة (البنتاتيوخ)
يكمِّلون بقراءة الأنبياء، على أن القارئ يقرأ باللغة العبرية الرسمية للتوراة ثم
يترجم شفاهياً للشعب باللغة الأرامية، لأن القليل جداً وخاصة في الجليل من كان
يعرف اللغة العبرية، ثم يبدأ بشرح ما تلاه على مسامع الشعب. وعادة الذي يقرأ في
السبت هم الكتبة والفرِّيسيون، ولكن أي معلِّم متعلِّم يمكن أن يُعزم عليه ليقوم
ويقرأ ويعلِّم إن كان ذا معرفة. وقد أُعطي للمسيح أن يقرأ في مجمع الناصرة، وكان
الجزء الثاني من مقرر قراءة اليوم وهو الأنبياء، فقرأه بالعبرية وترجمه بالأرامية
ثم شرحه، وكان الشعب يعتبرون قراءته وشرحه أفضل جداً من الكتبة والفريسيين:
“فبهتوا من تعليمه لأنه كان يعلِّمهم كمَنْ له سلطان وليس كالكتبة” (مر
22: 1).](
[1])

[ويسوع
يختلف كثيراً عن الكتبة في التعليم، لأن الكتبة لا يعلِّمون إلاَّ بالقراءة من
المصدر الذي يقرأونه وليس بشيء من أنفسهم. ولكن المسيح كان يشرح ويعلِّم من قلبه
دون الرجوع إلى قراءة أحدٍ من الربيِّين.](
[2])

[والمسيح
اختلف كثيراً في تعليمه عن الكتبة والفرِّيسيين، بما استخدمه من الأمثال والتشابيه
بكثرة عوض الرجوع إلى المحفوظات المكتوبة التي كان يرجع إليها الكتبة والفريسيون،
وكان قصد المسيح تبسيط الفكر وإدخال روح الانتعاش في السامعين، بالإضافة إلى سهولة
الحفظ والرسوخ في الذهن.](
[3])

ومن
كفرناحوم اتَّجه المسيح إلى الناصرة حيث كان قد تربَّى في صباه، وكان قد سبقه
إليهم أخبار أعماله العظيمة والكثيرة في كفرناحوم. ولكن كان أهل وطنه يعرفونه أنه
نجَّار القرية، فلمَّا ابتدأ يعلِّم دهشوا جداً من تعليمه، إذ لمَّا أخذ السفر
وفتحه جاء الموضع الذي يتكلَّم فيه إشعياء النبي عن مجيء المسيَّا (إش 61: 1و2)،
في القراءة الخاصة بسنة اليوبيل المقبولة، والتي فيها يتكلَّم النبي عن مجيء
المسيَّا ومسحه بالروح القدس وأوصافه وأعماله المطابقة تماماً لأعمال المتكلِّم في
ذلك اليوم، أي المسيح: “ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه: روح
الرب علي لأنه مسحني لأُبشِّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي
للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب
المقبولة. ثم طوى السفر وسلَّمه إلى الخادم وجلس. وجميع الذين في المجمع كانت
عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم: إنه اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في
مسامعكم” (لو 17: 4-21). لقد قال لهم علانية إن ما سمعوه اليوم من النبي قد
تحقَّق أمامهم في شخصه. وهكذا أعلن نفسه صراحة أنه هو المسيَّا الذي تكلَّم عنه
الأنبياء محقِّقاً كيف انفتحت عيون العمي، وأُعطيت الحرية للذين سباهم إبليس في
الخطية، وكُرز بسنة الرب المقبولة.

ولكن للحزن والأسى لم يكن يعي السامعون أنهم هم الذين سباهم
الشيطان مكبَّلين تحت سلطان الخطية والموت، ولا دروا أنهم العمي الذين ستطلق
عيونهم لترى النور، ولا شعروا بأنهم في حاجة إلى الشفاء وبالتالي إليه كطبيب.
أمَّا الكلمة الجميلة التي سمعوها فقد حرَّكت فقط حسدهم وحقدهم عليه: كيف وهو ابن
الناصرة يكرز أولاً في كفرناحوم ويعمل فيها الآيات الكثيرة ويترك وطنه! كما
استكثروا عليه وهو النجار ابن يوسف أن يعمل ويقول هذه العظائم: “وكان الجميع
يشهدون له ويتعجَّبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه ويقولون: أليس هذا ابن يوسف؟
فقال لهم: على كل حال تقولون لي هذا المثل أيها الطبيب اشفِ نفسك. كم سمعنا أنه
جرى في كفرناحوم فافعل ذلك هنا أيضاً في وطنك” (لو 4: 22و23)، مما اضطرّه أن
يقول لهم: “ليس نبيٌّ مقبولاً في وطنه” (لو 24: 4). وفي الحقيقة لم
يستطع أن يعمل آيات في وطنه لأنهم لم يكونوا يؤمنون به. وهكذا أظهرت الناصرة معدن
اليهود الذي واجهه المسيح في كل مكان. وإزاء غلظة قلوبهم واجههم المسيح بمعاملات
الله نحوهم قديماً؛ إذ اختار في أيام إيليا امرأة أرملة أُممية في صرفة صيداء
لتعول النبي أيام الجوع دون بقية أرامل إسرائيل، وفي أيام أليشع النبي كانت
إسرائيل مليئة بالبرص ولكن الله لم يشفِ على يديْ النبي إلاَّ رجلاً عدوًّا غريباً
من سوريا، قائداً عسكرياً وهو نعمان السرياني. “فامتلأ غضباً جميع الذين في
المجمع حين سمعوا (تعييره لهم) هذا. فقاموا وأخرجوه خارج المدينة وجاءوا به إلى
حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيَّة عليه حتى يطرحوه إلى أسفل. أمَّا هو فجاز في
وسطهم ومضى.” (لو 4: 2830)

وهكذا
كانت الناصرة مدينته التي تربَّى فيها ووطن صباه قاسية شريرة قاتلة من نحوه بصورة
طبق الأصل من إسرائيل ورؤسائها الذين
بالنهاية قتلوه. ويشهد عليهم بيلاطس أنهم
أسلموه إليه حسداً.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى