علم المسيح

21- المعمودية وماهيتها عند المعمدان وعند المسيح



21- المعمودية وماهيتها عند المعمدان وعند المسيح

21- المعمودية وماهيتها عند المعمدان وعند المسيح

+
الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت
الله”
(يو 5: 3)

الأمر
في معمودية يوحنا استوفته الأناجيل. فقد اتضح أن المعمدان إنما جاء ليعمِّد حسب
قوله، لكي يتقبَّل علامة من السماء أثناء العماد حينما يأتي المسيح إليه فيعرفه
ويقدِّمه للشعب. وكان قد سبق وأعلن ذلك حتى لا يختلط الأمر على الناس فيظنونه أنه
هو مسيَّا.

أمَّا
المعمودية بالنسبة للمسيح، أي لماذا اعتمد المسيح؟ فبحسب روح الإنجيل، إن كانت
خبرة المعمدان عن المعمودية هي كونه ينفتح على إعلان من السماء ليعلن له عن
المسيَّا القادم إليه، تكون المعمودية غير مقبولة بهذا الوصف بالنسبة للمسيح
وتتعارض كلية مع طبيعته وشخصه كابن الله. ولكن تعليل معمودية المسيح يتحتَّم أن
يبتدئ من نقطة جوهرية وأساسية وهي الإيمان المطلق بلاهوت المسيح، القائم فيه، وغير
المستحدث بأي حال من الأحوال. وحينئذ ممكن أن نرى أن اللوغس الإلهي باتخاذه جسد
البشرية لكي يجدِّده أو يخلقه خلقاً جديداً روحياً من طبيعته، كان يلزمه
بالضرورة قبل أن يتعامل معه بالروح القدس للميلاد الثاني من فوق أو الخلقة الجديدة
بالروح، أن يعبر به معمودية يوحنا التي بالماء. وواضح لدينا من حادثة عماد المسيح
أنه بعد أن أكمل معمودية الماء من يد المعمدان، انفتحت السموات للتو، ونزل الروح
القدس واستقر على المسيح. وبذلك يكون قد قَبِلَ المسيح الروح القدس من السماء
ليدعِّم به البشرية التي عبر المعمودية بها، والتي اتَّخذها لنفسه من العذراء
تمهيداً لدخوله الخدمة والمناداة بالملكوت.

ولكن
لا يُقبل بأي حال من الأحوال أن نفهم أن الروح القدس حلَّ على المسيح لأنه لم يكن
فيه الروح سابقاً فامتلأ من الروح القدس في المعمودية، لأن المسيح مولود بالروح
القدس وملء الروح القدس لم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين كونه هو الإله ابن الله
الذي أخذ ناسوته من العذراء. بهذا نفهم تماماً أن الروح القدس حلَّ على البشرية
التي يحملها المسيح كما هو حال فيه أصلاً، فكان حلوله على المسيح كالمثيل على
المثيل. فإن قيل كما في الإنجيل إن المسيح رجع من نهر الأُردن وهو ممتلئ من الروح
القدس، فهذا إشارة إلى امتلاء البشرية التي فيه؛ أمَّا هو فلم يوجد قط لا قبل
الميلاد ولا بعد الميلاد بدون ملء الروح القدس.

مقالات ذات صلة

وكما
جاز المسيح الآلام بالجسد فقيل إننا تألَّمنا معه، وأيضاً جاز الموت بالجسد فقيل
إننا متنا معه؛ هكذا جاز المسيح العماد بالجسد فينبغي أن يُقال إننا اعتمدنا معه.
فكون المسيح هو ابن الله الذي لا يموت، فهذه حقيقة مطلقة، ولكن لم تمنعه من أن
يموت بالجسد مشتركاً مع البشرية في عقوبة موتها ولعنتها حتى يوفي الموت واللعنة
معها ليرفعها عنها إلى الأبد بقيامته. كذلك فالمسيح لم يكن بحاجة أن يعتمد كما أنه
كان ليس بحاجة أن يتألَّم ويموت، ولكنه اعتمد من أجل البشرية التي فيه، وامتلأ
بالروح القدس النازل من السماء من أجل البشرية التي فيه. إذن، فكل ما جازه المسيح
في حياته على الأرض على المستوى البشري كان ضرورة لكي تَكْمُل البشرية التي فيه
بالكمال اللاهوتي الذي له. كذلك كل ما حصل عليه من الاستعلانات والإلهامات الإلهية
النابعة من أعماقه كانت أيضاً لكمال البشرية التي فيه. فالمسيح كان يحيا ويعمل
بانسجام كلِّي ومطلق بين اللاهوت والناسوت أي البشرية التي فيه.

فالمسيح
لمَّا تقدَّم للعماد كان على وعي كلِّي وإلهي أنه ابن الله المدعو للقيام بعمل
مسيَّا الدهور بحسب الأنبياء، وكان يعلم علم اليقين حينما ذهب إلى العماد أنه إنما
ذهب ليعتمد بهذا الجسد ليكمِّله إلى الكمال اللائق أن يجوز به الفداء. فكما كان
يتحتَّم على ذابح خروف الفصح أن يتأكَّد من غسله بالماء وتطهيره أولاً وإلاَّ لا
يذبحه، هكذا الفصح الذي قدَّمه المسيح بجسده كان يليق به أن يغتسل أولاً في
الأُردن. لقد نزل المسيح المعمودية، والمعروف عنه عند الناس أنه ابن مريم، وخرج من
المعمودية وقد عُرف يقيناً بصوت الله من السماء أنه ابن الله بشهادة الآب من
السماء والمعمدان يسمع ويشهد! الذي لم يكن إلاَّ مجرَّد استعلان عن واقع.

ماء
المعمودية وعمله:

إنه يُحسب كتعبير قوي وبليغ أن المسيح يحمل بشرية موحَّدة
ومصالحة معه بمعمودية واحدة للجميع فيه. وذلك بحسب جوهر القصد من معمودية يوحنا:
“أنا أُعمِّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني.. هو سيعمِّدكم
بالروح القدس ونار” (مت 11: 3). إذن، فمعمودية الماء هي إعداد وتمهيد
لمعمودية الروح القدس، تماماً كما نفهمها في العهد الجديد في طقس سر المعمودية في
الكنيسة، حيث معمودية الدفن في الماء باسم الثالوث تهيِّئ للخروج من الماء
(القيامة) وتَلَقِّي الروح القدس بالميرون.

فإذا
أخذنا معمودية المسيح نفسها كرمز نبوي، يكون اعتماده بالغطس تحت الماء ثم الخروج
لتقبُّل الروح القدس من السماء هو تصوير قوي لما سيجريه المسيح في نفسه بعبور
الموت ثم القيامة بقوة الروح القدس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى