علم المسيح

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل
الثاني

معمودية
المسيح

[وكانت
معمودية المسيح بالماء إعداداً لمعموديته بالدم،

كان
لابد للحمل أن يُغسل بالماء قبل أن يُقدَّم لذبيحة المحرقة،

وكان
لابد للمسيح أن يظهر بين الخطاة.

في
معمودية الأُردن شارك الخطاة، وفي معمودية الموت حمل خطاياهم.]
(شين)([1])

18-
المعمدان يُعطي المعمودية للمسيح

وأخيراً
وصل المسيح بعد رحلة طويلة من الناصرة حتى بيت عبرة. كانت الرحلة بأيامها الثلاثة
فرصة كبيرة ومهولة ليسترجع فيها المسيح كل ما سمع من أُمه عن كيف تقبَّلت البشارة
من الملاك، وكيف أن البشارة بميلاده هو شخصياً تقوم أساساً على إرساء عملية الخلاص
الكبرى على أكتافه ليخلِّص الشعب من خطاياهم.

كان
يسير وهو يتصوَّر ثقل الرسالة، ولكن الروح كان يعدّ فكره لتقبُّل حركات السماء
لتستعلن له كل ما يختص بإرساليته أولاً بأول وعملاً بعمل، بل وتوجيهاً دائماً
بالصوت الداخلي.

صحيح
أن إعطاء المعمودية بالماء للمسيح وهو بلا خطية يُربك القارئ البسيط إن لم يُسعفه
الشرح اللاهوتي الحقيقي والمناسب جداً. إذ لا يمكن أن يتصوَّر أحد أن المسيح يخضع
للمعمودية بالماء على مستوى فكر الآخرين وحالهم ونفس غرضهم؛ إذ تنعدم كلية أية
علاقة للتوفيق بين العماد بالماء من المعمدان ووجود الخطية أو حتى افتراضها في شخص
المسيح للتطهير، لأنه هو نفسه الفادي الذي جاء ليرفع الخطية ويبطلها بدمه.

ولكن
الحاصل أمامنا أن المسيح تقدَّم ليتقبَّل المعمودية من المعمدان تحت فرض هذه
المعاني! وإلى هنا كان يمكن للمعمدان أن يستمر في ظنه أن المسيح كان في حاجة إلى
معموديته لو لم ترتفع رؤيته باستعلان داخلي ليُدرك فيها مدى الهوَّة التي تفصله عن
قامة المسيح الإلهية. وهذا نراه بوضوح في إنجيل ق. متى وحده المحسوب أنه الإنجيل
الكنسي الطقسي الأول، عندما تمَّت المقابلة لأول مرَّة؛ إذ بادر المعمدان المسيح بقول
واضح اعترف فيه بعدم استحقاقه هو أن يُعمِّد المسيح، بل وبالتالي أنه هو نفسه الذي
يحتاج أن يعتمد من المسيح.

+
حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأُردن إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا
منعه قائلاً: أنا محتاجٌ أن أعتمد منكَ، وأنت تأتي إليَّ!
فأجاب يسوع وقال له:
اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل برٍّ. حينئذ سمح له.” (مت 3: 1315)

أمَّا
الشرح الكتابي، فالبر هو بر الاتضاع بالنسبة للمسيح.

أمَّا
الشرح اللاهوتي، فالمسيح جاء إلى المعمودية وهو حامل البشرية كلها في جسده، فهو
ليس من أجل نفسه جاء لأنه “القدوس ابن الله” بشهادة الملاك، ولكن من أجل
البشرية التي يحملها في نفسه. فبعماده يكون قد
أكمل للمعمدان عماد كل إنسان
قبل أن يعتمد منه يهوداً كانوا أو أُمماً!!

ولكن
قدَّم لنا المعمدان نفسه تفسيراً آخر غاية في الحبك والإبداع، يقوم على أساس أنه
إنما جاء ليُعمِّد حتى يُستعلن المسيَّا في شخص يسوع حينما يأتي إليه كإنسان عادي،
فتشهد السماء أنه المسيَّا وابن الله هكذا: “وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليُظهَر
لإسرائيل لذلك جئت أُعمِّد بالماء. وشهد يوحنا قائلاً: إني قد رأيت الروح نازلاً
مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأُعمِّد
بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يُعمِّد
بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله.” (يو 1: 3134)

وكما
عبر موسى بشعب إسرائيل
في البحر الأحمر لنقله من العبودية إلى الحرية، هكذا
عَبَرَ المسيح في مياه الأُردن(
[2]) وفي كيانه البشرية بأجمعها.
ولمَّا نزل عليه الروح القدس بشبه حمامة كان كأن الله يُقدِّمه ذبيحة للفقراء
معلناً أن “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”، فهو ذبيحة سماوية. وسواء
حمامة أو حمل فهو ذبيحة عن الخطية مقدَّسة بالروح القدس. وهو ارتضى أن يعتمد في
مائنا ليشترك فيما لنا من خطية، لنعتمد نحن في موته لننال ما له من فداء وخلاص.

ولمَّا
خرج من الماء وأخذ يصلِّي انفتحت السماء ونزل الروح بشبه حمامة واستقر عليه، فكان
وكأنه نوح الجديد(
[3]) والمياه الجديدة، مياه النجاة
للتجديد، والحمامة استقرت عليه كما على الأرض الطيبة. وكأنما نحن في طوفان جديد
ونجاة وسلام لحياة رضا من الله ومسرَّة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى