علم المسيح

المسيح والشاب الغنى



المسيح والشاب الغنى

المسيح والشاب
الغنى

 

«وَإِذَا
وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ،
أَيَّ صَلاحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ؟»
فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلا
وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ. وَلٰكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ
ٱلْحَيَاةَ فَٱحْفَظِ ٱلْوَصَايَا». قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ
ٱلْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «لا تَقْتُلْ. لا تَزْنِ. لا تَسْرِقْ. لا
تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ
كَنَفْسِكَ». قَالَ لَهُ ٱلشَّابُّ: «هٰذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا
مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ
أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَٱذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاكَكَ وَأَعْطِ
ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَتَعَالَ
ٱتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ ٱلشَّابُّ ٱلْكَلِمَةَ مَضَى
حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ يَسُوعُ
لِتَلامِيذِهِ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ
غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 19: 16-23).

 

فيما
المسيح خارج إلى الطريق، جاء رئيس يهودي غني جداً. وجثا له دلالة على أنه أتى
بإخلاص ليستفهم منه عن طريق الخلاص، وأكرمه بقوله: «أيها المعلم الصالح، أيَّ
صلاحٍ أعمل لأرث الحياة الأبدية؟» فأجابه المسيح بأن كل الناس حتى أصلحهم خالون من
الصلاح الكامل، وأنه لا يجوز أن ننسب الصلاح إلا للّه وحده. إمَّا أن يكون المسيح
صالحاً فعلاً، فيكون هو الله الذي ظهر في الجسد، أو يكون الشاب الغني مخطئاً.

 

لم
يكن المسيح يقبل تحيةً في غير مكانها، وكان دوماً يريد أن يوضّح أن كماله وصلاحه
ناتجان عن كونه «الله الذي ظهر في الجسد» – فليس بين البشر إنسان كامل الصلاح.

 

سأل
الشاب الغني عن أي إصلاح يعمله ليرث الحياة الأبدية، فأفاده المسيح أن الصلاح الذي
يؤدي إلى الحياة الأبدية هو الصلاح الكامل فقط. وهذا معقول، لأن شهادة النجاح التي
بها رسوب درس واحد تعني الرسوب كله، كما قال الرسول يعقوب: «مَنْ حَفِظَ كُلَّ
ٱلنَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي
ٱلْكُلِّ» (يعقوب 2: 10) ولما ادَّعى الرئيس أنه حفظ الناموس كله منذ
حداثته، نظر إليه المسيح وأحبه لإخلاصه واجتهاده، وأراد أن يكشف له أن حفظ الناموس
المقبول عند الله هو الحفظ الروحي لا الحرفي، فقال له: «يعوزك أيضاً شيء واحد. إن
أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبعْ كل أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء،
وتعال اتبعني حاملاً الصليب».

 

يلخّص
المسيح الوصايا بمحبة الله فوق كل شيء، ومحبة القريب كالنفس. فإن كان هذا الشاب قد
حفظ الوصايا كلها، فلا يصعب عليه أن يطيع ما أمره المسيح به. لكنه أثبت على نفسه
بطلان ادّعائه، لأنه اغتمَّ من هذا القول ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموالٍ كثيرة.
وبهذا أثبت أنه يحب ماله أكثر من الله، وأن المال هو ربُه الحقيقي. أحب المسيح هذا
الشاب وأسف جداً عليه لأنه فضَّل المال على ملكوت السماوات.

 

الدخول
إلى ملكوت الله يبدأ هنا في هذه الحياة. والذين يدخلونه يدركون أن كل مقتنياتهم
مكرَّسة للملك، فمتى طلب منها يقدِّمونه برغبة وسرور، فيزول بذلك كل تذمُّر
يسبِّبه عن الفقر أو الخسارة المادية. والذي يتعلق قلبه بأمور الدنيا لا يجد في
السماء ما يلذُّ له، وليس له كنز هناك، فذهابه إلى السماء يكون عبثاً، فضلاً عن
كونه مستحيلاً.

 

«فَقَالَ
يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ
يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً:
إِنَّ مُرُورَ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ
إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ». فَلَمَّا سَمِعَ تَلامِيذُهُ بُهِتُوا
جِدّاً قَائِلِينَ: «إِذاً مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ
يَسُوعُ وَقَالَ: «هٰذَا عِنْدَ ٱلنَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ،
وَلٰكِنْ عِنْدَ ٱللّٰهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ» (متى 19:
23-26).

 

بمناسبة
هذا قال المسيح لتلاميذه: «ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله».
ليبيّن أنه ليس فقط عسراً، قال إن دخول جمل من ثقب الإبرة أيسر من ذلك. ولما اعترض
التلاميذ بقولهم: «إذاً من يستطيع أن يخلُص؟» أفهمهم أن ترْكَ الدنيا مستحيل على
الطمع البشري، إنما كل شيء مستطاع عند الله. فمتى غيَّر الروح الإلهي قلب محبي
المال، يستطيعون أن يدخلوا الملكوت الروحي، لأن قلبهم الجديد سيحبُّ الله أكثر من
حبهم للمال.

 

«فَأَجَابَ
بُطْرُسُ حِينَئِذٍ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ.
فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي فِي
ٱلتَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ
مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً عَلَى ٱثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيّاً
تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ ٱلٱثْنَيْ عَشَرَ. وَكُلُّ مَنْ
تَرَكَ بُيُوتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ
ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاداً أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ ٱسْمِي، يَأْخُذُ
مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ. وَلٰكِنْ
كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ» (متى 19:
27-30).

 

حرَّك
ذِكْرُ المال بطرس ليسأل: «ها قد تركنا كل شيء وتبعناك. فماذا لنا؟» فأجابه المسيح
بما يفيد أنهم ينالون التفاتاً خاصاً من العناية الإلهية في هذه الدنيا، مع
اضطهادات لامتحان إيمانهم وزيادة ثوابهم. ثم في الدهر الآتي يرثون الحياة الأبدية.
وفي هذه القرينة أعاد ما قاله سابقاً وسيقوله ثالثة بعد حين: «كَثِيرُونَ
أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَٱلآخِرُونَ أَوَّلِينَ» (مرقس 10: 31).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى