علم المسيح

مَثَل الابن الأكبر



مَثَل الابن الأكبر

مَثَل الابن الأكبر

 

«وَكَانَ
ٱبْنُهُ ٱلأَكْبَرُ فِي ٱلْحَقْلِ. فَلَمَّا جَاءَ وَقَرُبَ
مِنَ ٱلْبَيْتِ، سَمِعَ صَوْتَ آلاتِ طَرَبٍ وَرَقْصاً، فَدَعَا وَاحِداً
مِنَ ٱلْغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هٰذَا؟ فَقَالَ
لَهُ: أَخُوكَ جَاءَ فَذَبَحَ أَبُوكَ ٱلْعِجْلَ ٱلْمُسَمَّنَ،
لأَنَّهُ قَبِلَهُ سَالِماً. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُلَ. فَخَرَجَ
أَبُوهُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ. فَقَالَ لأَبِيهِ: هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ
هٰذَا عَدَدُهَا، وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ، وَجَدْياً لَمْ
تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي. وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ
ٱبْنُكَ هٰذَا ٱلَّذِي أَكَلَ مَعِيشَتَكَ مَعَ
ٱلزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ ٱلْعِجْلَ ٱلْمُسَمَّنَ. فَقَالَ
لَهُ: يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ.
وَلٰكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ
هٰذَا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاً فَوُجِدَ» (لوقا 15: 25-32).

 

وبينما
كانت الأفراح قائمة في البيت عاد الابن الأكبر في آخر النهار من الحقل. وتعجب إذ
سمع أصوات الطرب وما يتعلق بها دون داعٍ يعلمه لذلك، فظهر على حقيقته السيئة، إذ
لم يدخل ببساطة قلب فرحاً لما سيجده في بيته، بل دعا أحد الخدم بسوء ظن وخبث،
وسأله عن الموضوع. وعند ذلك هاج حُمقاً وحسداً ورفض أن يدخل ليشترك في سرور أبيه
وأخيه.

 

حقاً
إنه لا يوجد في هذه الدنيا أفراح إلا وترافقها أكدار، كثيراً ما يسبّبها الأقربون.
صوَّر المسيح في الابن الأصغر العشارين والخطاة الذين فتح لهم الله باب التوبة
للخلاص فدخلوا. وصوَّر في الابن الأكبر أصحاب التديُّن الفارغ الذين بدلاً من
الفرح لاهتداء الضالين يتذمرون لأجل رجوعهم. لم يرَ الابن الأكبر في أخيه إلا
العيوب، حتى أنه لم يرضَ أن يسميه أخاه، بل قال لأبيه: «ابنك هذا الذي أكل معيشتك
مع الزواني».

 

قد
يكون كلامه صدقاً، لكن ليس الصدق كله، لأنه سلب أخاه فضيلة التوبة، وفي كبريائه لم
يرَ في ذاته إلا الفضائل، إذ قال لأبيه: «ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم
أتجاوز وصيتك». فلو فرضنا أنه صادق في هذا القول فإنه ليس الصدق كله، لأن أفكاره
في خدمته لأبيه ظهرت في قوله: «وجَدْياً لم تعطني قط لأفرح مع أصدقائي». استاء من
فرح أبيه، وسيطرت الأنانية على روحه وتصرفاته، فوضعت بينه وبين أبيه هوَّة
وابتعاداً أكثر مما وضعه الابن الأصغر في ذهابه إلى كورة بعيدة وشروره هناك. لكن
أباه لم يعامله حسب استحقاقه، بل خرج إليه، وتنازل بدلاً من أن يوبخه أو يتركه.
حتى بعد أن أهانه بتوبيخ مرّ، وبشيء من الاحتقار، أجابه بمحبة: «يا بنيَّ أنت معي
في كل حين. وكل ما لي فهو لك». فالدليل من هذا أن الله لا يمنع الحب الإلهي
والرحمة حتى عن المتكبرين القساة، بل يمتّعهم بكل وسائل التوبة والإيمان كما يفعل
مع الخطاة وأكثر. ما عليهم إلا أن يتوبوا ويتركوا شرورهم كما فعل العشارون والخطاة
قبلهم.

 

وتنتهي
رواية هذا المثل دون أن نجد ذكراً لتوبة الابن الأكبر. لكننا نعلم أن الذين
مثَّلهم (وهم الرؤساء والفريسيون) لم يتوبوا، بل استمروا مُصرِّين على خطئهم، وعلى
الحسد الذي جعلهم يسلِّمون المسيح إلى بيلاطس للصلب، وعلى البُغض الذي ظهر في
محاكمته أمام رؤسائهم، ومعاملتهم القاسية له.

 

نتعلم
من قصة الابن الأكبر أن المتكبر الذي يتكل على صلاحه ليتبرر أمام الله هو أبعد عن
الله وعن السماء من الشرير الذي شرُّه ظاهر ولا يدَّعي الصلاح، لأن الأمل في إصلاح
الشرير أقوى، فإن الرياء والكبرياء من أكبر الموانع في سبيل الخلاص. وبسببها امتنع
الفريسيون عن الإيمان والخلاص بالمسيح. وبسببها يعثر الكثيرون الآن. وفي مَثَل
الابن الضال نرى التعليم الإلهي أن الله يعتبر إصرار الضال على ضلاله خسارة عليه
كما أن رجوعه عن ضلاله ربحٌ وسرور لله. فما أعجب هذا الحب والتنازل الإلهي! وما
أعظم هذا الباعث للامتناع عن الخطية!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى