علم المسيح

أمثال المسيح

أمثال المسيح

 

المسيح
يعلّم بأمثال

علّم
المسيح كثيراً بالأمثال. وأمثاله خالية من القصص الخيالية كنطق الحيوان وحركة
الجماد، كما أنها اجتنبت كل إشارة هزلية، لأنها شرحت لسامعيه أسرار ملكوت
السماوات.

 

مثل الزارع

«هُوَذَا
ٱلزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ
عَلَى ٱلطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ ٱلطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. وَسَقَطَ آخَرُ
عَلَى ٱلأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ
كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. وَلٰكِنْ
لَمَّا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ ٱحْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
أَصْلٌ جَفَّ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى ٱلشَّوْكِ، فَطَلَعَ ٱلشَّوْكُ
وَخَنَقَهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى
ثَمَراً، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاثِينَ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ
لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (متى 13: 3-9).

في
المثل الأول المسمَّى مثل الزارع، قسم المسيح سامعي كلام ملكوته إلى أربعة أقسام.
قسم يسمعون بآذانهم فقط، ولا يفهمون بأذهانهم، وذلك إمَّا لانشغالهم بأمور أخرى،
أو لقساوة قلوبهم من جراء انصبابهم السابق على المعاصي. وهؤلاء يكونون كأنهم لم
يسمعوا. وتظهر عدم استفادتهم سريعاً، لأنهم لم يذوقوا من لذة هذا الطعام الروحي
شيئاً. شبَّه المسيح هؤلاء ببذار يقع على الطريق فيُداس ويخطفه الطائر بأقرب وقت،
فلا يأتي بثمر.

أما
القسم الثاني من سامعي التعليم، فهم الذين يفهمونه ويقبلونه بفرح. لكن فرحهم سطحي
ووقتي. هؤلاء لم يحسبوا حساب النفقة، ولم يستعدوا لاحتمال المقاومات الداخلية
والخارجية التي تترصد كل محبي كلام الله. لذلك عند وقوع الضيقات يرتدُّون عما
كانوا أولاً يتباهون ويفرحون به. ويشبّه المسيح هؤلاء بالزرع الذي يقع على الأرض
الخفيفة، التي قعرها صخر، هذا الزرع ينبت سريعاً لعدم عمق التربة، ثم يجف عند وقوع
حرارة الشمس عليه، فلا يأتي بثمر.

القسم
الثالث هم الذين يفهمون التعليم ويقبلونه بفرح، ويثبتون في وجه المقاومات غير
متزعزعين من الاضطهادات والخسائر التي تنتج عنها. لكن ثباتهم هذا ناتج عن عنادهم
الطبيعي، إذ يحسبون أنفسهم شهداء الدين، فلا يأتون بثمر – أي لا يمجدون الله ولا
يفيدون الناس – لأنهم منهمكون بأمور الدنيا.. إن كانوا من الفقراء فهمُّهم عوزهم،
أو من الأغنياء فهمُّهم مقتنياتهم وأشغالهم الكثيرة. ويشبّههم المسيح بالزرع الذي
ينمو جيداً وتظهر فيه للناظرين كل علامات الأثمار، ولا يُعرَف عدم إثمارهم إلا يوم
الحصاد، إذ تكون السنابل فارغة، لأن الأشواك والأعشاب البرية تغلَّبت على الزرع
وخنقته، فلم يثمر.

القسم
الرابع والأخير من سامعي التعليم الإلهي هم السالمون من العيوب التي مرّ ذكرها.
هؤلاء يطلبون أولاً ملكوت الله وبرّه، فلا يلتهون عنه بأمور العالم، أغنياء كانوا
أم فقراء. ولذلك لا يبالون بضيقاتهم (رومية 5: 3). وبالطبع يفهمون جيداً ما
يسمعونه، فيأتون بثمر كثير لمجد الله وخير الناس. أما أثمار هؤلاء فتكون على درجات
متفاوته، تتبع المواهب والفرص المتنوعة وموافقة الأحوال التي يوجدون فيها. فشبّه
المسيح هؤلاء بالزرع في الأرض الجيدة، الذي يثمر ثلاثين ضعفاً وبعضه ستين وغيره
مئة. وفي تفسير هذا المثل أعطى المسيح مفتاحاً يساعد كثيراً على تفسير سائر
الأمثال التي وردت بلا تفسير. لما ابتدأ بالمثل نبَّه السامعين بقوله: «اسمعوا،
هوذا الزارع قد خرج ليزرع». ولما انتهى المثل نبَّههم ثانية بندائه: «من له أذنان
للسمع فليسمع».

 

مثل
زوان الحقل

«قَالَ
لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً زَرَعَ
زَرْعاً جَيِّداً فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا ٱلنَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ
وَزَرَعَ زَوَاناً فِي وَسَطِ ٱلْحِنْطَةِ وَمَضَى. فَلَمَّا طَلَعَ
ٱلنَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَراً، حِينَئِذٍ ظَهَرَ ٱلزَّوَانُ أَيْضاً.
فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ ٱلْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعاً
جَيِّداً زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟. فَقَالَ لَهُمْ:
إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هٰذَا فَقَالَ لَهُ ٱلْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ
أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ فَقَالَ: لا! لِئَلا تَقْلَعُوا ٱلْحِنْطَةَ
مَعَ ٱلزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ
كِلاهُمَا مَعاً إِلَى ٱلْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ ٱلْحَصَادِ أَقُولُ
لِلْحَصَّادِينَ: ٱجْمَعُوا أَوَّلاً ٱلزَّوَانَ وَٱحْزِمُوهُ
حُزَماً لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا ٱلْحِنْطَةَ فَٱجْمَعُوهَا إِلَى
مَخْزَنِي» (متى 13: 24-30).

المثل
الثاني بناه المسيح على أن العدو إبليس يُدخِل في ملكوت المسيح الخارجي (أي
الكنيسة) أناساً ليسوا من شعب اللّه. وهؤلاء لا يعرفهم الناس في أول أمرهم. فلما
تظهر عليهم تدريجياً دلائل حقيقتهم، يريد رجال اللّه أن يفرزوهم ويخرجوهم من
الكنيسة المسيحية. لكن هذا الإِفراز محفوف بالخطر، لأن مدبّري الكنيسة لا يعلمون
ما في القلوب. فقد يُخرِجون بطرساً تائباً هو تلميذ حقيقي، بينما هم يحاولون أن
يخرِجوا إسخريوطياً خائناً فاقد كل الصفات المسيحية. ولذلك يطلب اللّه من قادة
شعبه التأني الكافي قبل طرد الضعفاء والساقطين، لئلا يخطئ حكمهم فيظلمون.

في
مثل زوان الحقل يشبّه المسيح نفسه بإنسان زرع في حقله زرعاً جيداً. ثم يشبّه عدوه
إبليس بإنسان آخر، زرع في ذات الحقل زواناً. ويشبّه الملائكة بالحاصدين، ويوم
الدين بيوم الحصاد. ويختم تفسيره هذا المثل بقوله: «كما يُجمَع الزوان ويُحرَق
بالنار، هكذا يكون في انقضاء العالم. يرسل ابن الإِنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته
جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير
الأسنان. حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم، من له أذنان للسمع فليسمع».

 

مثل
النمو الخفي للزرع

«وَقَالَ:
«هٰكَذَا مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ: كَأَنَّ إِنْسَاناً يُلْقِي
ٱلْبِذَارَ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَاراً،
وَٱلْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لا يَعْلَمُ كَيْفَ، لأَنَّ
ٱلأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلاً نَبَاتاً، ثُمَّ سُنْبُلاً،
ثُمَّ قَمْحاً مَلآنَ فِي ٱلسُّنْبُلِ. وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ
ٱلثَّمَرُ فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ ٱلْمِنْجَلَ لأَنَّ ٱلْحَصَادَ
قَدْ حَضَرَ» (مرقس 4: 26-29).

قدم
المسيح مثلاً ثالثاً بدون أن يفسره، وبناه على الحقيقة أن النمو في ملكوته الروحي
على الأرض أمر طبيعي لا بد منه، وأنه يأتي تدريجياً لا فجأة. وأن هذا النمو يكون
له أصل سري غامض، يعجز البشر عن فهمه وتفسيره.

 

مثل
حبة الخردل

«قَالَ
لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ
أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ ٱلْبُزُورِ.
وَلٰكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ ٱلْبُقُولِ، وَتَصِيرُ
شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ ٱلسَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي
أَغْصَانِهَا» (متى 13: 31، 32).

لما
كان الوقت الذي يتكلم فيه المسيح أول فصل الشتاء، وكان عمل الزرَّاع منتشراً حوله،
حكى لسامعيه مثلاً رائعاً زراعياً لإظهار حقيقة ضَعْف ملكوته في العالم عند
إنشائه، ثم عظمته أخيراً بواسطة نموّ خارجي مهم، حتى تمكّنه عظمته من خدمة الناس
خدمات عظيمة. شبَّه المسيح ملكوته بحبّة الخردل، أصغر جميع البزور التي يزرعها
الإِنسان، لكنها تنمو شيئاً فشيئاً إلى أن تصبح أكبر البقول، بل شجرة تأوي إليها
طيور السماء للاستفادة منها. ويناسب الخردل تشبيهاً للملكوت الجديد الذي أدخله
المسيح، بالنظر إلى صغر حجمه، ولاستعماله دواء في الأمراض، ولاتّصافه بشيء من
القساوة المؤلمة، ولأن مفعوله في الشفاء يتوقف على سحقه، كما تتوقف قوة المخلّص
للخلاص على سحقه على الصليب.

 

مثل
الخميرة

«قَالَ
لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً
أَخَذَتْهَا ٱمْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ
حَتَّى ٱخْتَمَرَ ٱلْجَمِيعُ» (متى 13: 33).

المثل
الخامس الذي قدّمه المسيح في هذا الوقت، هو مثل الخميرة، وهو مبني على ثلاث حقائق
مهمة. الأولى أن إنماء الملكوت لا يكون بواسطة الازدياد الخارجي كنمو الجماد، بل
بواسطة المفعول الداخلي كنمو الحي. ونجاح كنيسة المسيح لا يتوقف على أسباب خارجة
عنها، بل على الأسباب التي في داخلها. فالسطوة السياسية والثروة المادية وما
يشابههما، لا تنمّي كنيسة المسيح الحقيقية إلا قليلاً ونادراً، لا بل كثيراً ما
توقِفُ هذه ذلك النمو، مع أنها قد تنمّي جماعات ظاهرة تسمَّى خطأ كنيسة المسيح. لا
ينمّي الكنيسة إلا أعضاؤها الذين يحصلون على قوة إلهية تحل فيهم من الروح القدس.

والحقيقة
الثالثة هي أن الدين الحقيقي، من طبيعته أن يخترق كل دقائق حياة المؤمن ويتملَّك
فيها. فيكون جسمه وعقله وروحه كلياً تحت سطوة تأثير الدين الذي في قلبه… يمثّل
المسيح هذه الحقائق بالخميرة التي خبأتها امرأة في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر
الجميع. فيصحُّ تشبيه فعل المسيح في ملكوته بفعل الخمير، لأنه خفي ومتزايد، ويتوقف
على وضعه في قلب الذي يطلب تخميره، ولأنه من جنسه أيضاً. أي أن المسيح المخلص
يتّخذ لنفسه طبيعة البشر الذين أتى ليخلصهم.. وأخبار خلاص البشر لا تتم بواسطة
الملائكة، بل بواسطة الناس.

هذا
بعض ما حُفظ لنا من مجموع الأمثال الجميلة التي ألقاها المسيح على الجمهور المحتشد
على شاطئ البحيرة في ذلك النهار، لأن البشير يقول: «وبأمثال كثيرة مثل هذه كان
يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا. وبدون مثل لم يكن يكلمهم. «لِكَيْ يَتِمَّ
مَا قِيلَ بِٱلنَّبِيِّ: «سَأَفْتَحُ بِأَمْثَالٍ فَمِي، وَأَنْطِقُ
بِمَكْتُومَاتٍ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» (متى 13: 35).

 

لماذا
علم المسيح بأمثال؟

بعد
أن ترك المسيح وتلاميذه البحر وعادوا إلى البيت، سأله تلاميذه عن سبب اتّخاذه هذا
الأسلوب الجديد في الوعظ، الذي لغموضه يتطلَّب تفسيراً، فأجابهم أنه تعمَّد
الإغماض عن الذين يرفضون النور الذي لهم، ففقدوا كل حق بأن يزيدهم نوراً. ولما
طلبوا منه أن يفسر لهم مثل الزارع وبّخهم بقوله: «أمَا تعلمون هذا المثل؟ فكيف
تعرفون جميع الأمثال؟ فإني الحق أقول لكم إن أنبياء وأبراراً كثيرين اشتهوا أن
يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا».

ومع
أسف المسيح على غباوة تلاميذه، احتملهم وفسرّ لهم مثليْن تسهيلاً لفهمهم غيرهما..
من مثلي الزارع والزوان وحدهما قد نظن أن نجاح الملكوت يكون قليلاً. ولكن في مثلي
حبة الخردل والخميرة نقيضٌ لهذا الوهم، وتبشير بنجاح باهر لهذا الملكوت الذي نشأ
في ضعف.

 

مثل
الكنز المخفي

«أَيْضاً
يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ كَنْزاً مُخْفىً فِي حَقْلٍ، وَجَدَهُ
إِنْسَانٌ فَأَخْفَاهُ. وَمِنْ فَرَحِهِ مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ
وَٱشْتَرَى ذٰلِكَ ٱلْحَقْلَ» (متى 13: 44).

في
البيت زاد المسيح ثلاثة أمثال أخرى. أراد أن يبيّن أن ملكوته ذو قيمة تفوق كل شيء
في العالم. وحتى لو ضحَّى الإنسان لأجله يكون في ذلك حكيماً. أراد المسيح أيضاً أن
يبيّن أن البعض وإن لم يفتشوا عن كنز الدين الحق، يعثرون عليه كأنه بالصُّدفة،
بينما يشتغلون في أمور أخرى، كما حدث لشاول الطرسوسي في طريق دمشق (أعمال 9:
1-22). مثَّل ذلك بإنسان وجد كنزاً في حقل إنسان آخر، فذهب وباع كل مقتنياته
واشترى الحقل ليحصل على هذا الكنز.

 

مثل اللؤلؤة
الحسنة

«أَيْضاً
يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً تَاجِراً يَطْلُبُ لآلِئَ
حَسَنَةً، فَلَمَّا وَجَدَ لُؤْلُؤَةً وَاحِدَةً كَثِيرَةَ ٱلثَّمَنِ، مَضَى
وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَٱشْتَرَاهَا» (متى 13: 45، 46).

لكن
ليس هذا العثور العرضيّ هو القانون، بل السعي الجدّي وراء هذا الكنز. فالذي في
تفتيشه بين مذاهب العالم يعثر على ملكوت المسيح الروحي، ينسى كل ما سواه، ويبذل كل
نفيسٍ وغالٍ ليتمسّك به. وإظهاراً لهذه الحقيقة قدم المسيح مَثَل إنسانٍ تاجر يطلب
لآلئ حسنة، فلما وجد لؤلؤة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما له واشتراها.

 

مثل
الشبكة

«أَيْضاً
يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ شَبَكَةً مَطْرُوحَةً فِي
ٱلْبَحْرِ، وَجَامِعَةً مِنْ كُلِّ نَوْعٍ. فَلَمَّا ٱمْتَلأَتْ
أَصْعَدُوهَا عَلَى ٱلشَّاطِئِ، وَجَلَسُوا وَجَمَعُوا ٱلْجِيَادَ
إِلَى أَوْعِيَةٍ، وَأَمَّا ٱلأَرْدِيَاءُ فَطَرَحُوهَا خَارِجاً.
هٰكَذَا يَكُونُ فِي ٱنْقِضَاءِ ٱلْعَالَمِ: يَخْرُجُ
ٱلْمَلائِكَةُ وَيُفْرِزُونَ ٱلأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ
ٱلأَبْرَارِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ ٱلنَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ
ٱلْبُكَاءُ وَصَرِيرُ ٱلأَسْنَانِ» (متى 13: 47-50).

ختم
المسيح سلسلة أمثاله في هذا اليوم، بمثل يشير إلى انقضاء العالم، حين يفرز الديّان
الإلهي الأشرار من بين الأبرار، بواسطة الملائكة ثم يطرح الأشرار في أتون النار،
حيث يكون البكاء وصرير الأسنان، فلا يطمئن الخاطئ نفسه بأن التساهل الإلهي في عدم
سرعة قصاصه يدوم إلى الأبد، بل عليه أن ينتبه الآن. وإيضاحاً لهذه الحقيقة قدم
المسيح مَثَل الشبكة المطروحة في البحر، التي تجمع من كل نوع، فلما امتلأت،
أصعدوها على الشاطئ، وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية، وأما الأردياء فطرحوها
خارجاً.

«قَالَ
لَهُمْ يَسُوعُ: «أَفَهِمْتُمْ هٰذَا كُلَّهُ؟» فَقَالُوا: «نَعَمْ يَا
سَيِّدُ». فَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ
فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ
كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ» (متى 13: 51، 52).

العتقاء
هي أقوال الكتاب، والجدد هي الفوائد المستخرجة منها، التي تستدعي الدرس المدقق،
لأجل الوقوف على معانيها المقصودة. فالذي اعتدنا أن نسمعه من الصغر هو عتيق قديم،
ولكن الدروس التي نستفيدها منه هي جديدة تناسب حاجة كل يوم جديد. فكل حقائق كتاب
الله كنز ثمين، نستخرج منها الجديد الذي يقوي ضعيف الإيمان، وينير الجاهل، ويعزي
الحزين ويرشد الضال.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى