علم المسيح

التجربة الثانية: إبليس يطلب من المسيح أن يطرح نفسه إلى أسفل (تجربة حب الظهور)



التجربة الثانية: إبليس يطلب من المسيح أن يطرح نفسه إلى أسفل (تجربة حب<br /> الظهور)

التجربة الثانية:
إبليس يطلب من المسيح أن يطرح نفسه إلى أسفل (تجربة حب الظهور)

 

«ثُمَّ
أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ
عَلَى جَنَاحِ ٱلْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ
مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ
لِكَيْ لا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً:
لا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ» (متى 4: 5-7).

 

أسفرت
التجربة الأولى عن انكسار إبليس أمام المسيح. لكن إبليس لا ينثني بسهولة عن مشروعه
الخبيث، إنما لفرط ذكائه يجدّد الهجوم على صورةٍ تخالف الأولى على خطٍ مستقيم، فقد
ترك خُطة البساطة وأبدلها بخُطة الاحتيال، لأنه يعلم أن كل انتصار يفتح الباب
لغيره، فيتظاهر بالرضى التام عن تصريح المسيح أنه تحت حكم ما هو مكتوب، وسلّم
أيضاً بمبدأ أن المسيح لا ينفصل عن الآب، فطلب منه أن يتمسك بهذا الارتباط ويبرهن
على ذلك. وتظاهر أنه سلم للمسيح بأفضلية الأمور الروحية على الجسدية، فطلب منه
عملاً خطيراً خالياً من المنافع الجسدية، لكن فيه تعريض الجسد لخطرٍ عظيم.. طلب من
المسيح عملاً يكون له تأثير ديني عظيم، فيه إنكار للنفس وتمسُّك بخدمة الآخرين،
ليظهر لشعب الله المجتمع في الهيكل من رئيس الكهنة فما دون، أنه حقاً ابن الله
ليؤمنوا به. والنقطة الوحيدة في تجربته الأولى التي تكررت في التجربة الثانية هي
قوله: «إن كنت ابن الله».

 

يقول
الإنجيل إن إبليس جاء بالمسيح إلى المدينة المقدسة أورشليم، وأوقفه على جناح
الهيكل، وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل، لأنه مكتوب أنه
يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك».

 

نظن
أن الشيطان أخذ في هذه التجربة صورة ملاك نور، وأن بولس يشير إلى ذلك بقوله:
«لأَنَّ ٱلشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاكِ
نُورٍ» (2 كورنثوس 11: 14) وأنه ظهر كأحد الملائكة المشار إليهم في كلام المزمور،
المكلَّفين أن يحملوه على أيديهم، لئلا تصدم بحجر رجله. وهو هنا كأنه يضمن للمسيح
أن يصونه من الأذى في كل الأحوال، حتى ولو رمى بنفسه من هذا المرتَفَع، ولا سيما
لأنه بذلك يقدم للجمهور وللعالم برهان نزوله من السماء من عند الله.

 

من
جواب المسيح على هذه التجربة نستخلص ماهيتها. أجاب: «مكتوب أيضاً لا تجرب الرب
إلهك». إذاً ما كُتب في مكان من الكتاب يُفسَّر وفقاً لما كُتب في باقي الكتاب،
إذْ يجب أن نفسر كلام الوحي بمثله، فيكون مفتاح التفسير الصائب لكل آيات الكتاب ما
ورد في الموضوع ذاته من الآيات الأخرى، مع مراعاة روح الكتاب إجمالاً. ويدل
الاختبار على أن إِفراد بعض الآيات المقدسة، والتشبُّث بظاهر معناها فقط، قد أدى
ويؤدي إلى ضلالات كثيرة ومضرة.

 

دعا
إبليس المسيح في هذه التجربة ليفتخر بالقوة التي له، فيظهرها أمام الجمهور. لكن
روح الكتاب وفحوى آياته هي أساسٌ كافٍ للقول إن الله لا يسمح للإنسان أن يقتحم
المخاطر دون داعٍ يوجب ذلك، لأن الإتكال على حمايته في ذلك الاقتحام، يكون تجاسراً
مُنكراً. فهل يليق أن يطلب إنسان من الرب أن يحفظه من أضرار تعرَّض لها تطفُّلاً
أو افتخاراً أو امتحاناً؟ لقد تجنَّب المسيح في كل حياته المخاطر، إلى أن أتت
الساعة التي وجب أن يقدم حياته ذبيحة إثم.

 

ثم أن
الوجه الآخر في هذه التجربة هو دعوة إبليس للمسيح ليتخذ سياسة الإدهاش العقلي
وسيلةً بها يجعل الناس يؤمنون به، فيعتمد على قوة المعجزة لا على قوة الحق وعلى
الإقناع الفكري لا على الشعور القلبي، وعلى الإدهاش لا التعليم. ولو نجح إبليس في
تحويل المسيح عن الاهتمام بالتأثير الروحي في القلوب، يكون إبليس قد حفظ سلطته على
الناس، ولو شاهدوا من المسيح مدهشات كثيرة.

 

لم
يسقط المسيح في هذه الحفرة التي حفرها له المجرِّب. ومع أنه مزمع أن يصنع معجزات
كثيرة فيما بعد، فإنه لا يصنعها لأجل الإدهاش، ولا كوسيلةٍ لجذب الناس إلى الإيمان
به، بل سيصنعها تثبيتاً للذين قد آمنوا. فلا يُبنى إيمان الناس به على قوته بل على
قوة الحق، وعلى أساس صفاته المقدسة، وعلى أساس المحبة له. لأن مركز الدين هو القلب
لا الرأس. وعبثاً يستنير إن لم يُمَسّ القلب أيضاً. لذلك رفض المسيح كثيراً طلب
اليهود أن يريهم آيات السماء.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى