علم المسيح

مكانة وأهمية روايات الإنجيل لآلام السيد المسيح وقيامته



مكانة وأهمية روايات الإنجيل لآلام السيد المسيح وقيامته

مكانة
وأهمية روايات الإنجيل لآلام السيد المسيح وقيامته

1 فى الأناجيل.

2 في العمل التبشيرى للرسل.

3 في الحياة الليتورجية
للكنيسة.

مقالات ذات صلة

4 لعقائد الكنيسة.

5 في الحياة الروحية والأخلاقية للمؤمنين

 

مقدمة

مكانة وأهمية الروايات الإنجيلية لآلام السيد
المسيح وقيامته فى حياة الكنيسة

أولاً: فى الأناجيل

روايات
الآلام والقيامة للسيد المسيح، وكما سُجلّت بريشة الإنجيليين تمثل الجزء الأساسي
والرئيسي من حياته علي الأرض. إذ تشرح الهدف من تجسده. فالسيد المسيح وهو ”
صورة الله غير المنظور” (كو15: 1) ” لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله
لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا فى شبه الناس وإذ وُجد فى الهيئة كإنسان وضع
نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب ” (في6: 28)، لكي يأتي بالفداء إلي الإنسان
خليقته الذي عُذِّب كثيراً تحت سطوة الخطية وسلطان الشيطان: ” صادقة هي
الكلمة ومستحقَّة كلِّ قبولِ أن المسيح يسوع جاء إلي العالم ليُخَلص الخطاة الذين أوَّلهم
أنا” (1تى15: 1). أى إننا في هذه الروايات نجد الاكتمال لخطة التدبير الإلهي لخلاص
البشرية (أنظر يو28: 1930). ولهذا السبب صارت روايات الآلام والقيامة قمة كل
الروايات الإنجيلية واعتبرت كل الروايات السابقة عليها إنما هي تمهيد وتهيئة لها.

وإذا
أردنا أن نكتشف الأهمية البالغة التى يعطيها الإنجيليون الأربعة لأحداث آلام السيد
وقيامته، علينا بملاحظة الحقيقة التالية: إنه بينما كل الروايات الإنجيلية السابقة
لأحداث الآلام والقيامة والتى تتعلق بأحداث أخرى من حياة السيد المسيح على الأرض
أو بفترات أخرى منها، قليلة وموزعة فى الأناجيل دون تسلسل معين، بل والبعض منها
مجهول لنا مثل، حياته الطفولية والشبابية (أنظر يو30: 2031،25: 21)، نجد على العكس
تماماً في روايات الآلام والقيامة، أن الإنجيليين الأربعة يهتمون بعرضها وتقديمها بالتفصيل
وبتسلسل دقيق جداً، للدرجة التى تظهر فيها هذه الأحداث كاملة ومتتابعة وكأنها
سلسلة واحدة.

بالطبع
يجب أن نأخذ دائماً في اعتبارنا أن الإنجيليين لا يسجلون الأحداث موضع البحث تاريخياً
فقط، بل فوق هذا يقدمونها كأحداث لاهوتية. فالإنجيليون ليسوا بمؤرخين، بل هم رجال
لاهوتيون يهتمون أولاً بخلاص المؤمنين. وهذا يُفسر لنا سبب وجود بعض الاختلافات
القليلة بينهم من جهة التسلسل التاريخى للأحداث.

 

ثانيًا: فى العمل التبشيرى
للرسل

سفر
أعمال الرسل يعطى لنا دليلاً آخر للأهمية البالغة لأحداث الآلام والقيامة ليسوع
المسيح، وذلك من خلال العمل التبشيرى للآباء الرسل. إذ أن هذه الأحداث الخلاصية
التى انتظرتها البشرية آلاف السنين كانت بمثابة المحور الرئيسى، الذى صِيغت وتركزت
حوله جميع عظاتهم التى وجهوها لليهود (أنظر على سبيل المثال: أع22: 236 ” هذا
(يسوع الناصرى) أخذتموه مُسلَّمًا بمشورة الله المحتومة وعِلّمه السابق وبأيدى
أثمة صلبتموه وقتلتموه الذى أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن
يُمسك منه..”، أنظر أيضًا 12: 315، 29: 532، 26: 1337)؛ أو للأمم (أنظر أع39:
1043 ” ونحن شهود بكل ما فعل فى كورة اليهودية وفى أورشليم الذى أيضًا قتلوه
معلقين إياهُ على خشبة هذا أقامه الله فى اليوم الثالث..”، أنظر أيضًا 22: 1731،
1: 2624)، الأمر الذى جعل الشرط الأساسى لاختيار خليفة ليهوذا (يوستس أو متياس) هو
أن يكون (الرسول الخليفة) شاهداً لكل حياة السيد المسيح، من معموديته حتى صعوده، وشاهدًا
بالذات لآلامه وموته وقيامته ” فينبغى أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل
الزمان الذى فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذى ارتفع
فيه عنا يصير واحد منهم شاهدًا معنا بقيامته ” (أع21: 122).

 

ثالثًا: فى الحياة
الليتورجية للكنيسة

من
روايات آلام المسيح وقيامته وبسبب هذه الروايات دخلت بعض التأثيرات على الحياة
الليتورجية للكنيسة وعبادتها، وهى مازالت سارية المفعول منذ عصر الكنيسة الأولى
إلى الآن وستستمر هكذا حتى المجيء الثانى للسيد. فعلى سبيل المثال:

1 وفقاً
لوصية السيد المسيح الأخيرة لتلاميذه: ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم
الآب والابن والروح القدس” (مت19: 28)، تأسس فى الكنيسة سر المعمودية، والتى
(أى المعمودية) تفتح باب الدخول للحياة المسيحية، وتُفَسَرْ على إنها موت للمعتمد
مع المسيح وقيامة معه (أنظر رو3: 6-4).

2
بسب أن قيامة السيد المسيح حدثت فى اليوم الأول للأسبوع (انظر مت 1: 28، مر2: 16،
لو10: 24، يو1: 20) لهذا تحدد هذا اليوم من بداية الكرازة كيوم للعبادة واجتماع المؤمنين
معًا (أنظر أع7: 20) وقد سُمّى ب ” يوم الرب”
Kuriak» تمجيدًا للسيد
KÚrioj (أنظر رؤ10: 1).

3 فى
هذا اليوم أيضًا يُتمّم سر الشكر الإلهي، الذي أسسه المسيح نفسه أثناء العشاء
الأخير، وذلك بتسليمه لتلاميذه ومن خلالهم للكنيسة، جسده ودمه لمغفرة الخطايا وللحياة
الأبدية. (أنظر مر22: 14-25، مت26: 26-29، لو14: 22-20، اكو23: 11-25).

4
هذا ووفقاً لوصية السيد ” اصنعوا هذا لذكري” (لو19: 22) صار المؤمنون بتجمعهم
يوم الأحد أو فى أى يوم آخر من الأسبوع وبإتمامهم سر الإفخارستيا يبشرون بموت الرب
ويعترفون بقيامته وصعوده إلى السموات، مسبحين وعابدين إياه منتظرين مجيئه الثاني
المملوء مجدًا (أنظر1كو26: 11).

5 يضاف
إلى كل هذا أن آلام السيد المسيح وقيامته شكّلت في طقس الكنيسة:

أ
طقس للأعياد السيدّية مثل: أحد الشعانين، أحد القيامة، الصعود، وأعياد خاصة
بالصليب.

ب
طقس للخدمات الليتورجية وللألحان الكنسية مثل الصلوات، والألحان الخاصة بأسبوع
الآلام وألحان القيامة والخماسين المقدسة.

ج
طقس للقراءات الإنجيلية وقراءات الرسل المناسبة.

6
بل وبسبب الإكرام الكبير من قِبَل المؤمنين لآلام السيد وقيامته، أُدخلت قوانين في
حياة المؤمنين التعبدية تخص الأصوام ودرجات النسك فيها، على سبيل المثال صوم يومى
الأربعاء والجمعة على مدار السنة ماعدا فترة الخماسين، الصوم الأربعينى المقدس،
وصوم أسبوع الآلام.

7
أخيرًا هذه الأحداث الإلهية المؤثرة ألهمت العديد من الفنانين الرسامين في كل عصر،
الذين بدورهم أبدعوا في رسم الأيقونات الخاصة بها في الكنيسة مثل: العشاء السرى،
الصلب، النزول إلى الجحيم (القيامة)، الصعود، وغيرها.

 

رابعًا: لعقائد الكنيسة

روايات الآلام والقيامة للسيد المسيح هى فى ذاتها تُكَوِّن مركز الإيمان
للكنيسة، فقد تأسست عليها العقائد الأساسية للإيمان المسيحي، والتي تخص الخلاص
وطبيعة المخلص. فتجسد ربنا يسوع المسيح وآلامه وموته وقيامته وفقًا لخطة التدبير
الإلهي، أُخذت كنتيجة منح هبة الخلاص للبشرية. هذا الخلاص الذى نتج عنه تجديد خلقة
الإنسان ودخوله مرة أخرى فى حياة شركة مع الله ” إذن إن كان أحد في المسيح
فهو خليقة جديدة الأشياءُ العتيقة قد مضت هوذا الكلُّ قد صار جديداً ” (2كو17:
5).

بالطبع هذا الخلاص لم يكن من الممكن تحقيقه لا من شخص ما مخلوق
“خاطئ” حتى لو كان نبيًا (أنظر رو12: 5)، ولا بالحفظ الحرفى لبعض
الوصايا (أنظر غلا21: 2)، ولا بالممارسات الخارجية لبعض الطقوس (أنظر عب4: 10)، إذ
يجب أن يكون المخلص غير مخلوق وبلا خطية وهذا لم يكن من الممكن أن يكون في أحد غير
ابن الله وحده (أنظر أع 10: 4-12، عب26: 728).

من جانب آخر فإن روايات الآلام والقيامة صارت هى الأساس الكتابى للعقائد
الخاصة بشخص السيد المسيح وبوحدانية طبيعته، واستخدمت على مدى التاريخ كقاعدة
لمواجهة ومحاربة البدع المختلفة مثل على سبيل المثال: الدوكيتية ” الخيالية “،
الآريوسية، النسطورية، الأوطاخية. ولذا بسبب هذه الأهمية البالغة لأحداث الآلام
والقيامة للإيمان المسيحى نجد أنها قد دخلت فى اعترافات الإيمان الأولى للمسيحيين (أنظر
على سبيل المثال 1كو3: 154 ” فإننى سلمت إليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضًا
أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن وإنه قام فى اليوم الثالث حسب
الكتب”، أنظر أيضًا رو9: 1010). وفى قوانين الإيمان الأولى للكنيسة (أنظر
قانون إيمان نيقية القسطنطينية “.. وصُلب عنا على عهد بيلاطس البنطى، تألم
وقُبر وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب.. “).

 

خامسًا: فى الحياة الروحية
والأخلاقية للمؤمنين

عند قراءتنا للأناجيل يجذب
انتباهنا أن كل ما علّم به السيد المسيح شفهيًا أثناء فترة تجسده، وعلي الأخص في
موعظته علي الجبل (أنظر مت7،6،5)، كان يعيشه هو أول الكل عمليًا في كل حياته علي
الأرض عامةً، وفي فترة آلامه وقيامته خاصةً، صائرًا هكذا مثالاً لكل المؤمنين به وإلي
نهاية هذا العالم، “.. فإن المسيح أيضًا تألم لأجلنا تاركًا لنا مثالاً لكى
تتبعوا خطواته ” (1بط21: 2). كما أن أحداث الآلام والقيامة صارت هى نفسها
أساساً لحياة المؤمنين الروحية والأخلاقية. فعلي سبيل المثال:

1
فى تقديم السيد لنفسه ذبيحة حب، ليرفع خطايا العالم، نتعلم أن نضع أنفسنا لأجل
الاخوة (أنظر يو16:، 1يو16: 3).

2
فى قبوله للخطاة أمثال اللص التائب (أنظر لو39: 2343)، مسامحته لصالبيه (أنظر لو34:
23، أع 60: 7)، بطرس النادم (أنظر يو15: 2117، رو8: 5)، التلاميذ بعد تشتتهم (أنظر
مر28: 14، 7: 16)، وتوما بعد شكه (يو25: 2028)، مما يوجب علينا أن نغفر نحن أيضًا
للمذنبين إلينا (مت12: 6، 15).

3
غسل السيد أرجل التلاميذ، لنتعلم نحن منه أيضًا فضيلة التواضع (أنظر يو2: 1320،
في5: 27).

4
صلاة السيد المسيح في بستان جثسيماني صارت نموذجًا للصلاة من حيث الانفراد (وبدون
أن يمنع بالطبع من وجود الصلوات الجماعية)، الحرارة فيها، ارتباطها بالسهر، والثقة
الكاملة أنها ستسمع (أنظر مر32: 1439، مت36: 2644، لو39: 2246، عب7: 5).

5
في القبض عليه، لم يقاوم السيد ولكن سلّم نفسه وفقاً لمشيئة الآب (أنظر مر34: 1450،
مت47: 2656، لو47: 2253، يو1: 1811، أع22: 223، عب8: 5) معلمًا إيانا عدم مقاومة
الشر بل التسليم الكامل لإرادة الله فى حياتنا.

6
الشجاعة التى بها واجه السيد محاكمته الدينية أمام رؤساء اليهود الدينيين (أنظر
مر61: 1462، مت63: 2664، لو66: 2270، يو19: 1821) ومحاكمته المدنية أمام الوالى
الرومانى بيلاطس البنطى (أنظر مر2: 15، مت11: 27، لو3: 23، يو33: 18-37 أنظر أيضاً
رو35: 8-39، 1تيمو13: 6).

7
الصبر، والاحتمال والجَلد اللذان أظهرهما السيد أمام الاستهزاء البالغ والتعذيب
المؤلم الذى قبله من خُدَّام رؤساء كهنة اليهود ومن جند الرومان (أنظر مر57: 1461
و65، 3: 155و16و20و2930، مت 26،6063 و6768،12: 2714 و2731و3944،
لو22: 6365، 9: 2311و3537و39، يو22: 18،1: 193، 1بط2123).

8 الاهتمام بأمه بتسليمها
لتلميذه يوحنا، لكى نتعلم نحن أن نكرّم والدينا (أنظر يو26: 1927، أف2: 63).

9 حدث قيامته هو خاصة من بين
الأموات (أنظر مر6: 167، مت 6: 2810، لو6: 249، يو14: 2018) وحدث قيامة الأموات من
بعد تسليمه الروح على الصليب، يعطينا رجاءً أكيدًا للحياة الأبدية (أنظر مت 52: 2753،
اكو12: 1520، 1تس13: 418)

10 أوصى
تلاميذه بحفظ وصاياه ليعلمنا أهمية تفتيش الكتب (أنظر لو27: 24و4447، مت20: 28،
1تيمو14: 6، 2بط15: 3]

 

من
كل ما سبق وبقدر ما عرضنا ولأسباب أخرى كثيرة، يتضح لنا الأهمية العظيمة جداً
لروايات آلام السيد المسيح وقيامته؛ للإيمان الأرثوذكسى، للكنيسة، للإنسان المسيحى
خاصة، ولكل البشر عامة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى