علم المسيح

الفصل التاسع



الفصل التاسع

الفصل
التاسع

هل كان جسد
المسيح
حاملا للخطية أو قابلا لها؟

 

س 1: إذا كان المسيح، كلمة الله، وقد اتخذ جسدا حقيقيا كاملا، فهل
يعني هذا أنه كان حاملا للخطية أو قابلا لها؟

مقالات ذات صلة

& الكتاب المقدس يبين بوضوح وبلا لبس أن المسيح، كإنسان، بناسوته،
هو الوحيد الذي ظهر على الأرض وكان معصوما من الخطأ، وأنه طاهر وبلا خطية، فهو لم
يكن حاملا للخطية أو وارثا لها بأي حال من الأحوال. كان جسده خاليا من الخطية
تماما.

 قال
هو نفسه متحديا معترضيه من اليهود ” من منكم يبكتني علي خطية؟ ”
(يو46: 8)، أي من منكم يجرؤ أن ينسب لي، أو يقول لي، أنى فعلت خطيئة واحدة مهما
كانت، أو يقول أنه رآني افعل خطية واحدة مهما كانت، أو سمع أنني فعلت خطيئة واحدة
مهما كانت. ولم يجرؤ أحد بالفعل أن ينسب إليه أنه فعل خطية علي الإطلاق. قال هذا
في الوقت الذي أعلن فيه جميع الرسل والأنبياء أنهم خطاه بالفعل أو بالقول(1).


فها أيوب النبي يعترف بخطيئته قائلا ؛ ” أخطأت … لماذا لا تغفر ذنبي
وتزيل أثمي ” (أي20: 7-21).


وداود النبي يقول بالروح ؛ ” إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت
لأني هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي ” (مز3: 51،4).


واشعياء النبي يقول بالروح ؛ ” ويل لي أنى هلكت لأني أنسأن نجس الشفتين
” (اش5: 6).


وقال القديس بولس بالروح ؛ ” أما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية
(رو14: 7).


وقال القديس يوحنا بالروح ؛ ” أن قلنا أننا بلا خطية نخطئ وليس الحق فينا
” (1يو8: 1).

 اعترف
الجميع بخطيئتهم بل وبخطيئة البشرية كلها ” ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد
” (مز3: 53). عدا المسيح وحده الذي تحدي الجميع أنه قدوس وبار وأنه لم يعمل
الخطية. كان قدوسا وبارا برغم أنه أشترك معنا في كل ما للبشرية من صفات وخصائص
وطبيعة إنسانية ولكن ماعدا الخطية لأنه كما يقول الكتاب ” جاء في شبه جسد
الخطية
” (رو8: 3). وقد أعلن الجميع بالوحي أن المسيح قدوس وبار وأن
قداسته وبره تفوق السموات والأرض فقد اجتاز الأرضيات وصار أعلي من السموات.

 قال
داود النبي بالوحي ؛ ” أنت ابرع جمالا من بني البشر انسكبت النعمة علي شفتيك …
كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم من
اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج اكثر من رفقائك ” (مز8: 45،9)، وبعد أن
أعلن الروح القدس لاشعياء النبي أن المسيح هو عمانوئيل، الله معنا وأنه الإله
القدير ” قال عنه أيضا: ” أنه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش
” (اأش9: 53).


” جاء في شبه جسد الخطية ” (رو3: 8).


مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية ” (عب15: 4).


قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات
” (عب26: 7).


الذي لم يعرف خطية ” (2كو21: 5).


ليس فيه خطية ” (1يو5: 3).


” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر ” (1بط22: 2).

 وترجع
طهارة المسيح وبره وقداسته إلى عدة أسباب:

 

1- ولادته من عذراء بدون زرع بشر

فقد
ولد من أم بلا أب، لم يعرفها رجل ولم تعاشر معاشرة الأزواج. قال داود النبي ”
بالإثم صورت وبالخطية حبلت أمي ” (مز5: 51). وقال أيضا ” زاغ الخطاة من
الرحم، ضلوا من البطن ” (مز3: 57). ووصف الله إسرائيل ؛ ” من البطن سميت
عاصيا ” (اش8: 38).

 ولد الجميع من
أباء أما المسيح فقد ولد من أم بلا أب لكنه ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء.

 لم
يولد بصوره طبيعية ولكن ولد من العذراء بفعل الروح القدس، أعد لنفسه جسدا خاصا
” هيأت لي جسدا ” (عب5: 10؛ مز6: 39)، حل الروح القدس علي مريم العذراء
وطهرها وقدسها وقام بتهيئة وعمل الجسد ” الروح القدس يحل عليك وقوة العلي
تظللك “، ونتيجة لذلك فالمولود منها قدوس، بار، ابن الله ” فلذلك أيضا
القدوس المولود منك يدعي ابن الله ” (لو35: 1)، أنه العظيم وابن العلي.

 لم
يكن من زرع بشر ولكن من عمل الروح القدس ” وجدت حبلي من الروح القدس ”
(مت18: 1)، ” لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس ” (مت20: 1). ونحن
نؤمن أنه ” تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس ” (قانون
الإيمان النيقاوي). وإذا كان الروح القدس قد طهر مستودع العذراء، رحمها، كما قام
بعمل، وتهيئة الجسد، فيستحيل أن ” الذي من الروح القدس، ومن العذراء القديسة
مريم ” (القداس الإلهي) يكون قد حمل الخطية أو كان قابلا لها.


وقال القديس ديديموس الضرير:

أن خطيئة الأبوين
الأولين (أدم وحواء) هي الخطيئة القديمة التي طهرنا منها
يسوع المسيح
في المعموديته … أن جميع أولاد آدم ورثوها، وانتقلت إليهم
بالخلفة
والتوالد عن طريق المعاشرة الجنسية بين الوالدين، وهذا هو السبب في أن

المسيح
ولد من عذراء لم تتلوث أو تتلطخ بها. وبالمعمودية ييطهر الإنسان من

الخطيئة
الأصلية
(2) .

 

2 خلق الإنسان خاليا من الخطية

عندما
خلق الله الإنسان خلقه ” علي صورته ومثاله ” (تك27: 1) وذلك في البر
والقداسة، خلقه خاليا من الخطية والخطية ليست أصيلة فيه وإنما دخيلة عليه بغواية
الشيطان وبحسد إبليس له(3). دخلت
الخطية إلى العالم بحسد إبليس وغوايته ولم تكن مخلوقه مع الإنسان ولكنها دخلت إليه
من الخارج بعد خليقته علي صورة الله ومثاله، دخلت إليه بعد غواية آدم وحواء، دخلت
الخطية إلى آدم الذي كان مخلوقا بلا خطية ومن آدم انتقلت الخطية إلى كل الجنس
البشري ” كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا
أجتاز الموت إلى جميع الناس ذا اخطأ الجميع ” (رو12: 5).

والمسيح
هو آدم الثاني، الذي هو ” الرب من السماء ” (1كو47: 15)، الذي ولد بدون
زرع بشر بل من الروح القدس ومن مريم العذراء. لم تنتقل إليه الخطية من أمه العذراء
القديسة مريم التي تطهرت بالروح القدس، تطهر مستودعها الذي حل فيه اللاهوت وهيأ
لنفسه منها جسدا بعمل وفعل وزرع الروح القدس. لم تنتقل إليه الخطية لأنه ولد بدون
أب بشري، لكن ولد من الروح، ولد خاليا من الخطية ولم يرثها. والخطية لم تدخل إليه
من الخارج ولم يكن في الظن أنها تدخل إليه لأنه ولد قدوسا وبارا وبرغم كل ضعفات
الجسد إلا أنه لم يكن حاملا للخطية أو قابلا لها علي الإطلاق لاتحاد اللاهوت
بالناسوت.

 

3- اتحاد اللاهوت بالناسوت لا يسمح للخطيئة بالدخول
إليه

ولأن
المسيح هو الله الظاهر في الجسد، الذي يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديا، والذي اتحد
فيه اللاهوت بالناسوت منذ اللحظة الأولى التي قبلت فيها العذراء بشارة الملاك لها
” هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك ” (لو38: 1)، لذا لا يمكن أن يكون
فيه خطية أو أن يكون قابلا للخطية بأي حال من الأحوال. فجسده، ناسوته، هو جسد الله.

– ” لترعوا
كنيسة الله التي اقتناها بدمه ” (أع20: 28).


” لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ” (1كو8: 2).


” أنا هو الأول والأخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى ابد الآبدين
“(رؤ11: 1).

 وإذا
كان هو الله الظاهر في الجسد، الكلمة الذي صار جسدا، وجسده هو جسد الله فلا يمكن
أن يخطئ لأن ” الله نور وليس فيه ظلمه البتة ” (1يو5: 1).

 


قال القديس اثناسيوس الرسولي:

 ”
صار الجسد جسد الإله، ليس كمساوٍ له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة وإنما
” صار ” معه بالطبيعة جسده دون أن ينفصل اللاهوت عن الناسوت بسبب قوة
الاتحاد
(4).


وقال مدافعا عن خلو جسد المسيح من الخطية:

 ”
وحيث أن الرب صار إنسانا وأخذ طبيعة إنسان ولم يكن هذا مجرد خيال فلا معني لإثارة
موضوع الخطية كاعتراض علي التجسد، لأن الذي تجسد هو خالق الجسد. أما عن
الصراع الكامن في طبيعتنا فهو ما اخترعناه نحن من شرور نبتت من غواية الشيطان الذي
علمنا كيف نعصي الله وزرع هذه الغواية في طبيعتنا، هذا الصراع لا يزال يدور في
داخلنا بسبب ضعفنا. أما الرب فقد تجسد دون أن يتخلى عن ألوهيته، وهو ما
يعني أنه لا يوجد فيه صراع داخلي صادر من الطبيعة القديمة أي إنساننا القديم …
فقد صار الرب إنسانا وكان بلا خطية ” وصار بذلك الإنسان الجديد الكامل..
(5).

 


ويقول القديس كيرلس عمود الدين:

 ”
أن الجسد (جسد المسيح) هو الذي نال كمالا عظيما نتيجة اشتراكه مع الكلمة واتحاده
به “(6).

 ”
لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه، هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته
من قوه “(7).

 ”
ولكن علينا أن نلاحظ أنه عندما صار مثلنا قيل عنه أنه رفع معه الجسد إلى مجد
الألوهه “(8).

 


وقال الأنبا بولس البوشي:

 ”
واتحاد لاهوته غير المدرك بطبيعتنا، الطبيعة الضعيفة التي قد هلكت فجعلها قويه
غالبه الموت، وقاهره لإبليس وجنوده ” (مقالات الأنبا بولس البوشي: 12).

 

(1) يذكر
الكتاب أن جميع الناس، بدون استثناء سقطوا في الخطية ” الجميع زاغوا
وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد
” (مز3: 14 ؛رو12: 3)، وذلك
بما فيهم الأنبياء، فيذكر الكتاب أن نوح قد سكر وتعرى برغم وصفه له بأنه بار وكامل
(تك21: 9) وإبراهيم كذب على فرعون (تك11: 1220) وكذلك أسحق (تك7: 2611)، ويعقوب
كذب على أبيه (تك18: 2728)، وكذلك يهوذا ابن يعقوب (تك26: 37)، وموسى قتل المصري
(حر11: 215)، وداود زنى (2صم 11) 00 الخ

(2) كتابه (في الثالوث 12: 2) ؛ مع كتاب (أنت
المسيح ابن الله ج 93: 7).

(3) القداس
الإلهي مع سفر يشوع بن سيراخ.

(4) تجسد ربنا
يسوع المسيح: 12.

(5) المرجع
السابق: 17.

(6) في سر
التجسد.

(7) شرح تجسد: 9.

(8) السابق: 12.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى