علم المسيح

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

كيف صار
الكلمة جسدا؟

 

س 1: كيف صار الكلمة جسدا هل تحول اللاهوت إلى ناسوت وتغيرت الطبيعة
الإلهية وتبدلت أو استحالت إلى طبيعة ناسوتية؟
فالكتاب يقول
“والكلمة صار جسداً “ويقول عن امرأة لوط أنها نظرت وراءها ”
فصارت عمود ملح ” (تك26: 19)، ويقول عن عصاه موسى ” فصارت حية
” (خر3: 4). وقد تحولت امرأة لوط فعلا من لحم ودم وعظام إلى كتلة من الملح
وكذلك عصا موسى تحولت من عصاه يابسة جافة إلى حية تدب فيها حياة.

 

س 2: وهل تحول اللاهوت كذلك عن طبيعته إلى ناسوت فترة التجسد والوجود
على الأرض؟

س 3: وهل توقف الله عن كونه إلهاً وتوقفت صفاته الإلهية كالقدرة
الكلية، القدرة على كل شيء، والعلم الكلي، العلم بكل شيء، والمعرفة الكلية، معرفة
كل شيء، والوجود الكلي، الوجود في كل مكان فيما بين الحمل والقيامة والصعود؟

 

س 4: وهل عاد إلى طبيعته الإلهية بكونه الله بعد الصعود؟

& ج: لا يمكن أن نشبه الله بالبشر فالله طبيعته إلهية غير مرئية أو
محسوسة أو مدركه بالحواس، فهو روح ” الله روح ” (يو24: 4)، ” وأما
الرب فهو الروح ” (2كو17: 3)، وهو نور ” الله نور وليس فيه ظلمة البتة
” (1يو5: 1)، ” الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه
الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه
” (1تي 16: 6)، ” أبي
الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران ” (يع17: 1)، ولا يمكن أن يُري
” ملك الدهور الذي لا يفنى ولا يرى الإله الحكيم وحده ” (1تي17: 1)،
أو يُحس أو يُدرك ” القدير لا ندركه ” (أي23: 37)، ” هوذا
الله عظيم ولا نعرفه وعدد سنيه لا يفحص ” (أي26: 36)، ” عجيبة
هذه المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها ” (مز6: 139)، ” إلى عمق الله
تتصل أم إلى نهاية القدير تنتهي
” (أي7: 11)، ” عظيم هو الرب وحميد
جدا وليس لعظمته استقصاء ” (مز3: 145)، ” ليس عن فهمه فحص
” (اش28: 40)، ” يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه ما ابعد أحكامه عن الفحص
وطرقه عن الاستقصاء، لان من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا، أو من سبق فأعطاه
فيكافأ، لان منه وبه وله كل الأشياء ” (رو33: 11-36). ولا أحد يعرف ماهية
طبيعته سوي ذاته فقط ويعلنها بكلمته، الابن، صورة الله غير المنظور، والذي يقول ؛
ليس أحد يعرف الابن إلا الأب. ولا أحد يعرف الأب إلا الابن ومن أراد
الابن يعلن له
” (مت27: 11).

 والكتاب
المقدس يعلن لنا، أيضا، أن الله لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل ولا يصير عن كونه
إلى شئ آخر، فالله هو الله ولا يتغير:


” أنا الرب لا أتغير ” (ملا6: 3).

الله
ليس عنده تغيير
” (يع17: 1).


” إلى الدهر سنوك (يا رب). من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد
وأنت تبقي وكلها كثوب تبلي. كرداء تغيرهن فتتغير وأنت هو وسنوك لن تنتهي ”
(مز24: 102-27).

 كما
أن الله لا مثيل له لنشبهه بالمخلوقات أو نمثله بها:


” فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به ” (اش18: 440).


” بمن تشبهونني وتمثلونني لنتشابه ” (اش5: 46).


” ليس مثل الله ” (تث26: 33).


” أي اله عظيم مثل الله ” (مز13: 77).


” ليس مثلي في كل الأرض ” (حز14: 14).


” لا مثل لك يارب عظيم أنت ” (ار6: 10).

 

س 5: ولكن ما الذي يمنع أن يكون المسيح قد تغير فعلا بالتجسد، بمعني
أنه إذا كان الله غير متغير فما الدليل علي أن المسيح غير متغير أو متحول أو
متبدل؟

& ج: المسيح باعتباره كلمة الله وعقله النطق وصورة الله وابن الله
والإله القدير، الله الكلمة، فهو غير متغير أو متحول أو متبدل بطبيعة لاهوته:


” يسوع المسيح هو هو امسا واليوم والي الأبد ” (عب7: 13).

 أي
أنه كما هو منذ الأزل والي الأبد هو هو لم ولن يتغير فهو الذي قال عن نفسه ”
أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والأخر “. (رؤ13: 22). وخاطبه
القديس بولس باعتباره الله رب العرش الثابت والذي لا يفني ولا يتغير بنفس النصوص
التي خاطب بها داود النبي الله في المزامير قائلاً:


” وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور … وأنت يارب في البدء
أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقي وكلها كثوب تبلي وكرداء
تطويها فتتغير ولكن أنت أنت وسنوك لن تفني ” (عب7: 1-13). ويلاحظ، هنا،
أن الروح القدس يقول عنه ” هوهو ويخاطبه ” أنت أنت
أي هو كما هو أنت كما أنت منذ الأزل والي الأبد بدون تغيير.

 وقال
هو أيضا عن نفسه ؛ ” قبل أن يكون إبراهيم أنا أكون (كائن)
(يو58: 8) قالها بصيغة المضارع (أكون) أي أنه يكون دائما بدون تغيير.

 

س 6: إلا يعتبر ميلاده من العذراء ونموه في الجسم والقوه والحكمة
وأكله وشربه … الخ، وهو، بلاهوته، الأبدي الأزلي والكامل والغير محدود والذي لا
يأكل ولا يشرب نوعا من التغير؟

& ج: كلا فكل هذه من خصائص وصفات الطبيعة الإنسانية التي اتخذها،
كإنسان بعد التجسد(1).

 

س 7: فما معني صار إذا. ألا تعني أنه صار من شئ إلى آخر أي تحول
وتبدل؟

& ج: كلا. وسبق أن قلنا أن الله لا يتغير ولا يتحول ولا يتبدل. وقد
وردت كلمة ” صار ” بمعاني مختلفة سواء في العهد القديم أو العهد الجديد.
فقد جاءت في العهد القديم في الآيات التالية:


” وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا ” (تك22: 3).


” أحمدك (يارب) لأنك استجبت لي صرت لي خلاصا ” (مز21: 118).


صارت لي دموعي خبزا نهارا وليلا ” (مز33: 42).


” لأنه قال فكان. هو أمر فصار ” (مز9: 33).

 وفي
هذه الآيات الأربع نجد أن معني كلمة ” صار ” لا يعني بالضرورة
التحول أو التغيير ففي الآية الأولى لا يمكن أن يكون آدم قد ” صار ” مثل
الله بمعني تحول إلى الألوهية وصار ألها؟‍! وفي الثانية لا يعني التحول وإنما يعني
أنه أصبح (صار) مخلصا للمرنم عندما التجأ إليه، وفي الثالثة لا يعني المرنم أن
دموعه ” صارت ” خبزا بمعني أنها تحولت إلى خبز يؤكل وإنما يعني أنه كان
يبكي ليلا ونهارا، وفي الرابعة تعني ” صار” حدوث الشيء وكينونته بعد أمر
الله.

 وقد
وردت كلمة صار (
εγένετο egeneto) في العهد الجديد من الفعل (γίνομαι ginomai) والذي ترجم بمعنى ” يصير أو يكون ” وأيضا ” يحدث،
يجري، يحصل، يتفق يعرض، يكون، يتكون،يجعل، يصنع، مولود …الخ “، ونكتفي هنا
بذكر بعض الأمثلة التي تخص شخص السيد المسيح فقط:


” الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار (
εγένήθη egenethy) رأس الزاوية ” (مت42: 21).


” ما هذه الحكمة إلى أعطيت له حتى تجري (
γινόμεναι genomenai) علي يديه قوات مثل هذه ” (مر2: 6).


” وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة (
γενομένοις genomenois) منه ” (لو17: 13).


” كل شئ به كان (
εγένετο egeneto) وبغيره لم يكن شئ مما كان ” (يو3: 1).


” كان في العالم وكون العالم به (
εγένετο egeneto) ” (يو10: 1).


” قبل أن يكون (
γενέσθαι genesthai) إبراهيم أنا أكون ” (يو58: 8).


” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً (
γενόμενον genomenon) من امرأة مولودا تحت الناموس ” (غل4: 4).


” لكنه أخلي نفسه اخذاً صورة عبد صائرا (
γενόμενοςgenomenos) في شبه الناس ” (في7: 2).


صائرا (
γενόμενοςgenomenos) اعظم من الملائكة بمقدار ما روث اسما افضل منهم ” (عب4: 1).


” دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرا (
γενόμενοςgenomenos) علي رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد ” (عب20: 6).

 وفي
هذه الآيات العشر لا تعني أية منها التحول أو التغيير وقد ترجمت بمعاني عديدة: ”
صار ” ” تجري “، ” كان “، ” كون “، ”
يكون “، مولود “، وفي جميع الآيات التي ترجمت فيها بمعني ” صار
” لا تعني التحول أو التغيير مطلقا وإنما تعني الأولى الحصول علي الرتبة
الأولى (المقدمة)، رأس، أي الحجر الأساسي في البناء والسابعة تعني ” الولادة
من امرأة ” ليس بالتحول أو التغيير وإنما باتخاذ جسدا من امرأة والدخول تحت
حكم الناموس كإنسان. والثامنة تعني أنه اخذ صورة عبد بظهوره في شبه الناس بالجسد
الذي اتخذه وليس بالتحول إلى شبه الناس فالرسول بولس يقول بالروح عن الرب يسوع
المسيح ؛ ” الله الذي أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ” (رو3: 8). لاحظ (
εν
in) في شبه جسد وليس متحولا إلى جسد وإنما ” في ”
وكذلك القديس يوحنا يقول ؛ ” كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في
الجسد
فهو من الله ” (يو2: 4). هنا أيضا يقول أنه جاء ” في الجسد
وليس بالتحول أو التغيير إلى الجسد. ” والقديس بولس يقول بالروح أيضا ”
عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد ” (
εν
in) ظهور في الجسد وليس تحّول أو تبّدل أو تغيّر إلى جسد، لم يقل أنه
ظهر جسدا وإنما ظهر ” في –
εν
in ” الجسد.

 وهذا
أيضا ما يعنيه الكتاب بالروح القدس بقوله ؛ ” والكلمة صار جسدا ” أنه لا
يعني التحول أو التغير ولكن يعني الاتخاذ كقول الكتاب بالروح ؛ ” فأنه لم
يتخذ الملائكة قط بل إنما اتخذ نسل إبراهيم ” (عب16: 2). أو كما جاء
في كتاب
Reference chain Thompson ” أنه لم يتخذ له (on him) طبيعه الملائكة وإنما اخذ له (on him) نسل إبراهيم ” (عب16: 2).

 أنه
اتخذ جسدا أعده بنفسه من وفي أحشاء العذراء مريم كما قال لها الملاك ؛
” القدوس المولود منك يدعى ابن الله ” (لو35: 1)، وهو ثمرة بطنها
كما قالت لها اليصابات بالروح القدس ” مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة
بطنك
” (لو42: 1). وداخل أحشائها كما يقول الكتاب بالروح ؛ ” هيأت
لي جسدا
” لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربان لم ترد ولكن هيأت
لي جسدا
… لا فعل مشيئتك يا الله ” (عب5: 10).

 أعد
لنفسه جسدا وهيأه داخل رحم العذراء مريم وحل فيه بملء لاهوته منذ اللحظة
الأولى لبداية تكونه من أحشاء العذراء وداخل بطنها، ولم يوجد هذا الجسد، الطبيعة
الإنسانية الكاملة، بدون اللاهوت لحظة واحدة ولا طرفة عين، بل وجد متحداً باللاهوت
؛


” لأنه فيه (جسده) سر أن يحل كل الملء” (كو19: 1).


” قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ” (كو21: 1،22).


” فأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا ” (كو9: 2).

 لقد
اتخذ جسدا، هيأه وأعده لنفسه وحل فيه واتحد به منذ اللحظة الأولى لبدايته في بطن
العذراء وصار جسده، جسد الكلمة، جسد الله، الإله المتجسد، عمانوئيل الله معنا.

 

س 8: إذا كان الله الكلمة قد اتخذ جسدا بمعني أعده وحل فيه وهو متحدا
به فلماذا لم يقل والكلمة اتحد بجسدٍ وهيأ لنفسه جسدٍ واتحد به أو ما شابه ذلك؟

 &ج: لقد أكد الكتاب في مواضع عديدة، كما سنبين، أنه هناك
تمييز ما بين الكلمة ” الله ” وبين الجسد الذي اتخذه من حيث الطبيعة،
طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت كقوله: ” الله حلف له (داود) بقسم أنه من ثمره
صلبه
يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس علي كرسيه ” (أع30: 2).


” أبنه (ابن الله) الذي صار من نسل داود من جهة الجسد ” (رو3: 1).


” منهم (اليهود) المسيح حسب الجسد الكائن علي الكل الإله المبارك
” (رو5: 9).


” وقد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت ” (كو22: 1).



الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات ” (عب7: 5).


” فأن المسيح تألم مره واحدة … مماتا في الجسد ولكن محي في الروح
” (1بط18: 3).

 وفي
هذه الآيات يبين لنا الكتاب بالروح أن ناسوت (جسد) المسيح، طبيعته الإنسانية،
مأخوذ من صلب إبراهيم وداود، من نسل إبراهيم ونسل داود ” من ثمرة صلبه
“، ” من نسل داود حسب الجسد “، ” منهم (نسل إبراهيم)
” المسيح حسب الجسد ” كما أنه تألم في جسده، في جسم بشريته وكذلك
مات بالجسد.

 ولم
يقل الكتاب ” اتحد بجسد ” بدلا من ” صار جسدا ” لئلا يفهم أنه
كان هناك ” جسد ” ثم اتحد به، أو أنه حل علي إنسان كان موجوداً سابقاً
للحلول والاتحاد ثم حل عليه واتحد به. ولكنه قال ” صار جسدا ” بمعني أنه
حل في بطن العذراء بلاهوته أولا قبل أن يوجد ” الجسد ” واتخذ منها جسدا
واتحد به منذ اللحظة الأولى لحلوله وبداية الجسد ونما متحدا (متجسدا) باللاهوت.

 

س 9: هل كان اللاهوت موجوداً أولا وكان هناك وقت لم يكن فيه الناسوت؟

& ج: نعم اللاهوت أزلي أبدي لا بداية له ولا نهاية، ولكن الناسوت لم
يوجد قبل بداية تكونه من وفي أحشاء العذراء مريم برغم من أنه ناسوت الإله المتجسد.

 

س 10: هل أعد اللاهوت الناسوت ثم حل فيه؟ أو هل وجد الناسوت لفترة ثم
حل فيه العذراء القديسة مريم؟

& ج: حاشا وكلا: لم يوجد الناسوت لحظة واحدة ولا طرفة عين بدون
اللاهوت أو بعيدا عنه وإنما وجد ونما متحداً باللاهوت. كما نما الناسوت وهو جسد
كلمة الله ووجد وهو متحد باللاهوت. لقد كان هو الإله المتجسد ولم يوجد لحظة واحدة
ولا طرفة عين دون اللاهوت وإنما كان منذ اللحظة الأولى هو الإله المتجسد، منذ
البدء هو عمانوئيل، القدوس، رب العالمين. فبعد بشارة الملاك للعذراء مباشرة يقول
الكتاب ” فقامت مريم في تلك الأيام ” (لو39: 1)، ذهبت مريم إلى اليصابات
بعد حبلها بيوحنا المعمدان بسته اشهر وكانت العذراء حامل بالجنين الإلهي في
لحظاتها الأولي، وبمجرد دخولها على اليصابات ” أرتكض الجنين (يوحنا المعمدان)
في بطن أمه للإله المتجسد الذي في بطن العذراء والتي لم تتعد بشارة الملاك لها
بالحبل بعمانوئيل، القدوس أبن الله، سوي أيام تعد علي أصابع اليد. وقال عنه
المعمدان أيضا:


” الذي يأتي بعدي صار قدامي لأنه كان (اقدم مني) قبلي ومن ملئه نحن جميعا
أخذنا
” (يو15: 1،16).

 

(1) أنظر كتابنا ” هل المسيح إله أم هو إنسان
مثل آدم خُلق من تراب؟ “.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى