علم الملائكة

الباب الأول



الباب الأول

الباب
الأول

كلمة
عامة عن الملائكة

1 مقدمة

2 ما هو المقصود بكلمة ملاك

مقالات ذات صلة

3 استخدامات أخرى لكلمة ملاك

4 طبيعة الملائكة | هل للملائكة أجساد

5 قوة الملائكة

6 خِلقة الملائكة متى خُلِقَت الملائكة؟

7 عدد الملائكة

8 سقوط بعض الملائكة

 

1الملائكة مقدمة

بسم
الآب والابن والروح القدس الإله الواحد

“سبحوا
الرب من السموات، سبحوه في الأعالي..

سبحوه
يا جميع ملائكته، سبحوه يا كل جنوده..”

مبارك
الرب الإله الممجد والمقدس جدا, الذي يحق له كل سجود وإكرام وتسبيح منذ الأزل وإلي
الأبد..لأن رحمته عظيمة جدا ومحبته فاقت كل تصور..

لقد
خلق الملائكة الأطهار لكي تخدمه، ومع ذلك أمرها أن تخدم الإنسان أيضا..

لقد
كانت مخصصة للإله العلي الساكن في السموات, ولكن لمحبته العجيبة جعلها تنزل إلي
الأرض لمعونة الإنسان..

من
هم الملائكة، وما هي خدمتهم، وما هي علاقتنا بهم، وكيف سقط عددا منهم؟

هذا
البحث المتواضع يتكلم عن الملائكة الأخيار والأشرار, لنعرف حقيقتهم وطبيعة عملهم..
لنعرف أن الملائكة الأخيار هم أحباؤنا وأصدقاؤنا، يفرحون بتوبة الخطاة, ويسرعون
لإنقاذ المتضايقين والذين في كل شدة.

أما
الشياطين، فهم أعداؤنا لأنهم علي الدوام يحاربوننا ويتمنون سقوطنا وهلاكنا.

لذلك
فنحن نحب الملائكة، ونطلب من الله أن يخزي الشياطين.

يا
رب..

أحطنا
بملائكتك القديسين لكي نكون بمعسكرهم محفوظين ومرشدين لنصل إلي الإيمان الواحد,
وإلي معرفة مجدك غير المحسوس وغير المحدود, فانك مبارك إلي الأبد، آمين “.

 

2ما هو
المقصود بكلمة ملاك

معني
كلمة “ملاك” في الكتاب المقدس, في اللغة العبرانية واليونانية والعربية
هي “رسول”، لذلك إستخدمت في الكتاب المقدس بهذا المعني وهو تنفيذ أوامر
الله وإعلان حلوله وإجراء مقاصده وإظهار عظمته وقوته الجبارة.

 

ويمكن
تلخيص إستخدام كلمة “ملاك” في الكتاب المقدس كالآتي:

 

1رسول عادي:

ففي
سفر الخروج يتكلم عن الملاك أنه رسول مرسل من الله “ها أنا مرسل ملاكا أمام
وجهك ليحفظك في الطريق” (خر 23: 20).

 

2نبي:

“هأنذا
أرسل ملاكي يهئ الطريق أمامي” (ملاخي 3: 1) أيضا (مر 1: 2)، وكانت هذه
النبوءة نبوءة عن مجئ يوحنا المعمدان.

 

3أسقف أو
كاهن:

في
سفر الرؤيا جاء ذكر الملاك كثيرا في الرسائل إلي الكنائس السبع، وكان يقصد بها
أساقفة هذه الكنائس فيقول “اكتب إلي ملاك كنيسة أفسس..”، ويفسر هذا
الكلام قائلا “سر السبعة الكواكب التي رأيت علي يميني والسبع المناير الذهبية،
السبع الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس, والمناير السبع التي رأيتها هي السبع
الكنائس” (رؤ 2: 1, 1: 20).

وفي
سفر ملاخي يقول الرب “ولا تقل أمام الملاك أنه سهو” ويقصد هنا الكاهن،
لأنه ملاك أو رسول رب الجنود.

 

4قد يقصد بها
الله نفسه أو السيد المسيح:

فيقول
في سفر ملاخي النبي “ويأتي بغتة إلي هيكله السيد الذي تطلبونه ملاك العهد
الذي تسرون به, هوذا يأتي قال رب الجنود” (ملا 3: 1).

 

ويقول
بولس الرسول في رسالته إلي العبرانين “لا تنسوا إضافة الغرباء, لأن بها أضاف
أناس ملائكة وهم لا يدرون” (عب 13: 2, تك 18: 1, 2).

 

3استخدامات
أخرى لكلمة ملاك

وهناك
استخدمات أخري لكلمة “ملاك” جاءت في الكتاب نذكرها بمعانيها المختلفة
التي قصد بها وهي:

 

أعمود السحاب:

“فانتقل
ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم وانتقل عمود السحاب من أمامهم
ووقف وراءهم” (خر 14: 19). ويظهر هنا أن الله يستخدم الملائكة في أعمال كثيرة
منها عمل السحاب.

 

بالرياح:

يقول
سفر المزامير عن طبيعة الملئكة “الصانع ملائكته رياحا, وخدامه نار
ملتهبة” (مز 104: 4).

 

جالأوبئة
سميت فيه ملائكة أشرار:

“أرسل
عليهم حمو غضبه سخطا ورجزا وضيقا جيشا ملائكة أشرار.. لم يمنع من الموت أنفسهم, بل
دفع حياتهم للوباء” (مز 78: 49, 50).

 

دأمراض سماها
بولس الرسول بالشوكة في جسده:

“ولئلا
أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد, ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع”
(2كو12: 7).

 

الاستخدام
الشائع لكلمة “ملاك”:

أما
الإستخدام الشائع لهذه اللفظة في الكتاب المقدس علي نوع خصوصي للأرواح السمائية
الذين يستخدمهم الله لإجراء إرادته ومقاصده. لذلك إمتازوا باسم ملائكة الله, فيقول
الرب في مجيئه الثاني “ومتي جاء ابن الإنسان في حمده وجميع الملائكة القديسين
معه, فحينئذ يجلس علي كرسي مجده” (مت 25: 31).

 

أما
النطق اللفظي لهذه الكلمة فهي:

“ملاك”
في اللغة العبرانية والعربية.

“انجيل”
في اللغة الإنجليزية.

“أنجيلوس”
في اللغة اليونانية

“أنجيه”
في اللغة الفرنسية.

 

4طبيعة
الملائكة | هل للملائكة أجساد

تمهيد:

أن
أول ما يتبادر علي ذهننا هو معرفة طبيعة الملائكة.. هل هي أرواح فقط أم أجساد
نورانية؟! وما هي أشكالها وطبيعة تكوينها.. لأننا لا نراها بالعين المجردة, بل قد
نحلم بها، أو قد نسمع أوصافها في كتب الكنيسة، أو قد يراها بعض القديسين بأشكال
شتي.. وهل هي قوية أم ضعيفة.. كل هذه التساؤلات تثير إنتباهنا، وتجعلنا نبحث في
الكتاب المقدس عن طبيعة الملائكة.

 

هل
للملائكة أجساد؟

هذا
الموضوع الحساس ناقشته الكنيسة علي مر العصور والأجيال، وكحقيقة تاريخية نود أن
نورد هنا بعض المناقشات التي دارت بخصوص هذا الموضوع.. فقد ذهب الكثيرون إلي أن
للملائكة أجسادا روحانية غير منظورة تعمل بها كما يعمل الإنسان بجسده الحيواني
الكثيف (المادي), وقد أشار بولس الرسول في رسالته إلي أهل كورنثوس إلي أنه يوجد
جسم حيواني وجسم روحاني, وتكلم عن الفرق بينهما فقال “ليس كل جسد جسدا واحدا،
بل للناس جسد واحد وللبهائم جسد اّخر, وللسمك اّخر وللطير اّخر. وأجسام سماوية وأجسام
أرضية.. يوجد جسم حيواني ووجد جسم روحاني” (1كو15: 40
44).

 

وقال
أيضا في رسالته إلي العبرانيين “أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل
العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب 1: 14).

 

وقد
أيد هذا الرأي الاّباء الأولون أمثال كيوستينوس الشهيد وأثيناغورس وايريناؤس
واكليمنضوس الاسكندري وترتليانوس وأغسطينوس.

 

أما
الكنيسة الغربية فلم تكتف بهذا الرأي, بل نادت – في مجمع نيقية الثاني [لا تعترف
به الكنيسة القبطية الارثوذكسية] سنة 787 م – بأن للملائكة أجساد لطيفة من النار
أو الهواء إستناداً إلي بعض اّيات الكتاب المقدس الاّتية:

 

1في سفر
دانيال “فرأيت أنا دانيال.. فاذا برجل لابس كتانا.. ووجهه كمنظر البرق,
وعيناه كمصباحي نار..” (دا10: 6, 7). وكان هذا الرجل هو رئيس الملائكة
جبرائيل.

 

2في إنجيل
متى “وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء، وجاء دحرج الحجر
عن الباب وجلس عليه وكان منظر كالبرق ولباسه أبيض كالثلج” (مت 28: 3).

 

3في انجيل
مرقس يصف الملاك الذي ظهر للمريمات “ولما دخلت القبر رأين شابا جالسا عن
اليمين لابسا حلة بيضاء فاندهشن” (مر16: 5).

 

4ويصفه إنجيل
لوقا بأن ثيابه كانت براقة “وفيما هن محتارات في ذلك إذ رجلان وقفا بثياب
براقة” (لو 24: 4).

 

5وعند صعود
المسيح ظهرا ملاكان بلباس أبيض أمام التلاميذ (أع 1: 10).

 

6وفي حادثة
إنقاذ بطرس من السجن يقول سفر الأعمال “وإذ ملاك الرب أقبل ونور أضاء في
البيت. فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلا قم عاجلا. فسقطت السلسلتان من يديه” (أع
12: 7).

 

7ويوحنا
الرسول يصف ملاكا ظهر له في الرؤيا قائلا “ثم رأيت ملاكا اّخر قويا نازلا من
السماء متسربلا بسحابة، وعلي رأسه قوس قزح، ووجهه كالشمس ورجلاه كعمود نار..”
(رؤ 10: 1).

 

وفي
سنة 1215 م نقض المجمع اللاتراني هذا الحكم ونادي بعكسه، أي أنهم بدون أجساد. وقد
وافقه في ذلك “بطرس لومبارد” وكثيرون من علماء اللاهوت، وقالو بأن ليس
لهم أجسادا حقيقية، وان الأجساد التي ظهروا فيها أحيانا غير حقيقية.

 

وقد
تطرف البعض في وصف طبيعة الملائكة فانحرفوا عن العقيدة العامة للكنيسة، فقالوا
إنهم انبثاقات من اللاهوت زائلة، والبعض الاّخر وهم مذهب الغنوسيين قالوا بأنهم
انبثاقات من اللاهوت باقية، ولكن كلا الرأيين الأخريين لا تقبله الكنيسة عموما.

 

أما
الرأي السائد في الكنيسة أن لهم أجسادا روحية غير منظورة، وهذا الرأي مقبول وموافق
لكل المذاهب الكنسية تقريبا.

 

5قوة الملائكة

الملائكة
أكثر إقتدارا وقوة وسرعة ونشاطا من الإنسان، وكذلك هم أعلم من البشر [أنظر مقالة
“الملائكة” لنيافة الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، في مجلة مدارس
الأحد – العددان الأول والثاني (يناير وفبراير سنة 1970) السنة 24]، لأن طبيعة
الملاك روحانية ونارية ونورية، لذلك يمكنه أن يكتشف أشياء لا يمكننا نحن أن
نكتشفها بسبب كثافة أجسادنا, وبسبب ضعف هذا الجسم وما يصيبه من أمراض وعلل، وما
إلي ذلك من أشياء تعطل قدرة الروح علي أن تنفذ إلي صميم الأشياء.

 

أما
الملاك فهو أقدر علي معرفة الأشياء، وأسرع إلي الوصول إلي حقائق الأمور من
الإنسان, من أجل ذلك يكون الملاك دائما أعلم من البشر في معرفة الأشياء والحوادث
الجارية الماضية والحاضرة..

 

والملائكة
فوق ذلك لا يمرضون ولا يضعفون، ولا ينامون ولا يموتون, لأنهم كائنات روحانية, وهم
في حالة صحو ويقظة مستمرة، ولهم قدرة عجيبة علي النفاذ إلي طبيعة الأشياء. ويقول
المزمور “باركوا الرب يا جميع خدامه العاملين مرضاته” (مز 103: 20, 21).

 

وفي
هذا ينسب إلي الملائكة أنهم مقتدرون بالقوة.. وأنهم أقوياء، وهذا حق.. فان ملاكا
واحدا قتل في ليلة واحدة 185 ألف رجل من جيش سنحاريب ملك أشور (2مل 19: 35)، وملاك
اّخر قتل كل بكر في أرض مصر (خر 12: 29).

 

أليس
هذا دليلا علي قدرة الملاك، وعلي استطاعته وعلي إمكانيته التي يمكن بها أن يصنع ما
يريد، وما يكلفه الله به.

 

لذلك
فقد خلقهم الله في طبيعة روحانية أعظم من طبيعة الإنسان كما يقول المزمور “من
هو الإنسان حتي تذكره، وابن الإنسان حتي تفتقده، أنقصته قليلا عن الملائكة”
(مز8: 4).

 

وهم
أيضا لا يحتاجون إلي زمن كبير في إنتقالتهم من مكان إلي اّخر، لأن ليس لهم أجساد
مادية تعوق إنتقالاتهم, ففي لحظة واحدة يستطيعون أن يسافروا اّلاف الأميال.

 

وفي
نفس الوقت يستطيعون أن يمروا من الأجسام المادية، لأن طبيعتهم الروحية تسهل لهم
هذا الإنتقال من خلال المادة.

 

6متى خُلِقَت
الملائكة؟

ليس
في الكتاب المقدس كلام صريح عن ميعاد خلقة الملائكة, لأن ذلك من عل الله وحده, ولا
يعني الإنسان أن يعرف شيئا عن هذا الزمان. ولكن هناك دلائل واضحة في الكتاب المقدس
علي وجود ملائكة في السماء قبل خلقة الإنسان نستطيع أن نلخصها في الاّتي:

 

متي
خلقت الملائكة:

1حين خلق
الله الإنسان حاول كائن خبيث – كان موجودا قبله – أن يجربه ويهلكه وسقطه ونجح في
ذلك (تك 3: 1

7),
وإتضح أن هذا المجرب (الحية) هو إبليس اللعين وهو ملاك ساقط. ويقول عنه سفر الرؤيا
“وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين, وحارب التنين
وملائكته, ولم يقووا فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين العظيم الحية
القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله، طرح إلي الأرض وطرحت معه
ملائكته” (رؤ 12: 7
9).

 

2عند ما طرد
الإنسان بعد سقوطه من جنة عدن، أقام الله ملاكا حارسا علي الجنة لكي لا يرجع
الإنسان الساقط إلي هناك “فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم (رتبة من
رتب الملائكة) ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة..” (تك3: 24).

 

3يما أجاب
الرب أيوب من العاصفة قال له “أين كنت حين أسست الأرض.. عندما ترنمت كواكب
الصبح معا، وهتف جميع بني الله؟..” (أي 38: 1
7). ويقصد
بكواكب الصبح وبني الله بالملائكة وهذا القول صريح يثبت لنا أن الملائكة كانت
موجودة قبل خلقة الإنسان.

 

خلقتهم
في اليوم الأول:

وهناك
رأي يقوله نيافة الأنبا غريغوريوس عن خلقة الملائكة إستنتجه من بعض آيات الكتاب
المقدس فيقول: إن الرسول قال عن الله “إنه الصانع ملائكته أرواحا، وخدامه
لهيب نار” (عب 1: 7) , مبينا بهذا أن الله هو الذي خلق الملائكة من النور
الذي خلقه أول ما خلق، فقد قال الله “ليكن نور فكان نور” (تك 1: 3), ومن
النور خلق الله الملائكة، ومن هنا فهي كائنات نورانية طاهرة نقية صافية.. كائنات
روحية ليس لها أجساد كثيفة كأجسادنا, وإنما أجسادها لطيفة.

 

ويؤيد
هذا الرأي الأنبا ساويرس أسقف الأشمونيدس الشهير بابن المقفع قائلا “إنه في
يوم الأحد خلق الله السماء العليا التي فيها الملائكة وفيه خلق جميع مراتب
الملائكة الروحانين، وفيه خلق السماء وجميع من فيها وفيه خلق النور..”

 

7عدد
الملائكة

تمهيد:

لم
يذكر في الكتاب المقدس أي إشارة عن عددهم بالتحديد، ولا يعرف عددهم إلا الله وحده
الذي خلقهم وتبهم لخدمته، ولكن هناك أقوال كثيرة في الكتاب المقدس تدلنا علي كثرة
عددهم.

 

كثرة
عددهم:

سنورد
بعض هذه الأقوال لكي يأخذ القارئ فكرة عن كثرة عددهم..

 

1عندما نزل
الله علي جبل سيناء لإعطاء الشريعة لموسى النبي قيل اه “اتي من ربوات القدس
(أي الملائكة) وعن يمينه نار شريعة لهم” (تث 33: 2).

 

2في بستان
جثيسماني قال السيد المسيح لبطرس “أتظن أني لا أستطيع الاّن أن أطلب إلي أبي
فيقدم لي أكثر من إثني عشر جيشا من الملائكة” (مت 26: 53).

 

3قال دانيال
النبي “ألوف ألوف تخدمه, وربوات ربوات وقوف قدامه” (دا 7: 10).

 

4قيل في
بشارة الرعاة “وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي” (لو 2: 13).

 

5وبولس
الرسول يقول في رسالته إلي العبرانيين “بل قد أتيتم إلي جبل صهيون.. وإلي
ربوات هم محفل ملائكة” (عب 12: 22).

 

6ويوحنا
الرسول يصف منظرهم في رؤياه المشهورة قائلا “ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين
حول العرش والحيوانات والشيوخ, وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف” (رؤ 5: 11).

 

7وهناك أمثلة
كثيرة تذكر أن عددهم كبير جدا لا تستطيع أن تحصيه, وليست المسألة بالكثرة بل
بقوتهم وقدرتهم فقد عرفنا أن ملاكا واحد إستطاع أن يقتل 185 ألف رجل من جيش
سنحاريب ملك أشور في يوم واحد.

 

8وإن كنا نود
أن نستنتج عددهم التقريبي من كلام رب المجد نفسه، فنقول أن عددهم التقريبي أكبر من:

=
12 × 12500 = 150000.

وإن
كان رب المجد لم يذكر أن هذا العدد هو كل الملائكة بل قال انه ” يستطيع أن
يطلب من أبيه أكثر من إثني عشر جيشا ” ونستطيع في الختام أن نقول أن عددهم
كثير جدا لا يحصي ولا يعد، وأن ملاكا واحدا يستطيع أن يعمل أكثر من ألف إنسان.

 

9يقول القديس
ديونيسيوس الأريوباجيتي “ان عدد الملائكة أكثر من عدد الأشياء الجسمية
الهيولية، لأن الله تعالي حيث أنه في تكوين العالم – قصد كماله ولا حد لقدرته –
أراد أن يكثر من عدد الأشياء الأكثر كمالا, ولذلك قال أيوب البار “ألعل
لجنوده عددا؟” (أي 25: 3).

 

10هناك رأي
سائد في الكنيسة يقول أن الله عين لكل مؤمن ملاكا حارسا يهتم به ويرافقه إلي يوم
وفاته، وهو لديه كمعلم ومدبر ومرشد ليهديه طريق البر والفضيلة، ويحذره من حيل
أعدائه المنظورين وغير المنظورين (كقول رب المجد “انظروا احذروا ألا تحتقروا
أحد هؤلاء الصغار، فإني أقول لكم إن ملائكتهم في السموات كل حين يعاينون وجه أبي
الذي في السموات ” [مت 18: 10]).. والكتاب المقدس ملئ بأمثلة الملائكة التي
ساعدت البشر في أسفارهم وخدمتهم في كل وقت.. فالملاك رافائيل رافق طوبيا وخدمه في
سفره باذلا كل اعتنائه في الطريق بحفظه اياه من حوت كان يهم أن يبتلعه، ثم تحصيل
ماله من الناس وتزويجه إياه يأمرة صالحة ورد إلي أبيه.

 

“وإيليا
النبي أتاه الملاك وقدم له فطيرة يأكلها ليتقوي بها في الطريق”.. ويعوزنا
الوقت لو تكلمنا عن الملاك الذي سد أفواه الأسود في الجب الذي ألقي فيه دانيال
النبي، أو الذي نقل فيليبس الرسول من الموضع الذي عمد فيه الرجل الحبشي إلي مدينة
أشدود..

 

11ويقول توما
الإكويني “إن عدد الملائكة يفوق عدد البشر وسائر المخلوقات المادية, لأنهم هم
الذين يدبرون العناصر المادية, ويحرسون المدن والممالك، لذلك إتخذتهم الكنيسة
شفعاء لهم. ففرنسا وألمانيا إتخذت الملاك ميخائيل شفيعا لها وهكذا أيضا معظم كنائس
الشرق”.

 

8سقوط بعض
الملائكة

تمهيد:

إن
لطبيعة الملائكة – كما ذكرنا سابقا – خصائص صفات خلقها الله عليها لكي تحيا بها.
فقد خلقها الله عاقلة حرة.. بها العقل تستطيع أن تفكر، وبهذه الحرية تستطيع أن
تفعل ما تريده. وكما أن للبشر ناموس لطبيعتهم هكذا أيضا للملائكة ناموس لطبيعتهم..
وإن كان الله قد خلق الملائكة بقدرات تفوق قدرات الإنسان فان ناموسهم أيضا يفوق
ناموس الإنسان، لذلك فان سقوطهم يكون أخطر من سقوط الإنسان.. لأن جسم الإنسان مادي
يعوقه عن الإنطلاق والتحرك الكثير، أما أجساد الملائكة فهي غير مادية وتستطيع أن
تتحرك بسرعة فائقة..

وهكذا
أيضا أعطيت الملائكة معرفة وحكمة أكثر من البشر لذلك فهم يعرفون الله، امثر من
البشر لأنهم واقفين أمام عرشه الإلهي.. يسبحون الله, ليلا ونهارا، ويسجدون أمام
عرشه المقدس إلي أبد الأبدين.

 

كيف
سقط بعض الملائكة؟

والاّن
يتبادر إلي ذهننا هذا السؤال الهام.. إن كان الله قد أعطي قدرات كثيرة وعظيمة
للملائكة فلماذا سقطوا؟! وإن كان الله لم يخلق الشر، فمن أين أتي إليهم؟!

هذا
السؤال الهام ليس هو مجال بحثنا، ولكن سنتعرض للأجابة عليه باختصار شديد..

نقول
أولا كيف دخلت الخطية إلي العالم.. ليس عالم الأرض فقط، بل عالم السماء؟

 

الخطأ
والخطية:

ما
هي الخطية؟ وما هو الخطأ؟

كبداية
للأجابة يجب أن نعرف ما هو الخطأ؟

الخطأ
هو ما حاد عن الصواب, وهو أعم من الخطيئة, فالخطيئة هي الخطأ ضد الله وضد وصاياه.

وعندما
نفهم هذا التعريف البسيط عن الخطأ والخطيئة نلمس طريق سقوط بعض الملائكة.

فالملائكة
كائنات حرة وعاقلة, ولها أن تفكر في الصواب أو في الخطأ، وهي حرة فيما تريد وفيما
تفعل، والله أعطاها هذه الحرية بارادته وأوصاها بالصواب، كما أوصي الإنسان.

 

ولكن
بعض الملائكة وعلي رأسهم سطانائيل (الشيطان) إنحرف بفكره إلي غير الصواب أي إلي
الخطأ, بأن أرد أن يساوي نفسه بالخالق.. وهذا مستحيل وغير معقول وعين الخطأ نفسه..
فهل نستطيع أن نقول أن الخالق يكون مساويا للمخلوق؟.. وإن كان مساويا له فكيف يكون
الخالق إذن؟

 

فمعروف
عن صفات الخالق أنه لا يساويه أحد, ولا يدنو منه أحد.. بل هو وحيد في قدرته ووحيد
في عظمته..

 

وإذا
أخذنا مثلا في ذلك مع الفارق نجد أن المخلوق لا يستطيع أن يساوي الخالق بأي حال من
الأحوال.

 

فذا
إفترضنا مثلا أن إنسانا إخترع آلة ميكانيكية يستطيع أن يديرها كما يشاء عندما
بالتيار الكهربائي، ويوقفها إن فصل عنها هذا التيار، فهل تستطيع هذه الاّلة ان
تعمل بمفردها بدون هذا التيار؟

 

هكذا
الإنسان المخلوق لا يستطيع أن يعيش أو يتحرك أو يعمل بدون روح الله التي فيه، فان
خرجت الروح يصبح ميتا بل ويصبح كالاّلة التي لا تعمل..

 

هكذا
الملاك مخلوق ولا يستطيع أن يعمل بدون القوة التي منحها له الله عند خلقته وأودعها
فيه..

 

ولكن
الشيطان إنحرف عن قدرات طبيعته، وأراد أن يضيف قدرات الله إليه وأراد أن يكون مثل
الله، وبالتالي اخطأ وسقط عن رتبته..

 

اعتقد
أن مجده ذاتي، وليس مكتسبا من الله، فدخله المجد الباطل وأراد أن يصير مثل الله.
وحزقيال النبي يحدثنا بكل تفصيل ذلك فيقول “هكذا قال السيد الرب: أنت خاتم
الكمال وملاّن حكمة وكامل الجمال، كنت في عدن جنة الله. كل حجر كريم ستارتك.. أنت
الكروب المنبسط المظلل وأقمتك. علي جبل الله المقدس كنت، بين حجارة النار تمشيت.
أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتي وجد فيك إثم. بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما
فأخطأت، فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار. قد
ارتفع قلبك لبهجتك، أفسدت حكمتك لأجل بهائك..” (حز 28: 12
17).

 

ويؤكد
هذا الكلام أشعياء النبي فيقول “كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح؟ كيف
قطعت إلي الأرض يا قاهر الأمم؟. وأنت قلت في قلبك أصعد إلي السموات. أرفع كرسي فوق
كواكب الله , وأجلس علي جبل الإجتماع في أقصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب,
أصير مثل العلي، لكنك انحدرت إلي الهاوية إلي أسافل الجب..” (أش 14: 12
15).

 

فسقط
الشيطان وأغوي معه بعض الملائكة من الرتب السمائية المختلفة سقطت معه.

 

ومنذ
هذه اللحظة سمي المعاند أو المقاوم لله، لإنه لم يرجع عن سقطته ولم يشعر بخطئه ولم
يطلب التوبة إلي الله إلي وقتنا هذا.

 

ويقول
سفر الرؤيا “وحدثت حرب في السماء. ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب
التنين وملائكته ولم يقووا , فلم يوجد مكانهم بعد ذلك في السماء. فطرح التنين
العظيم الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان الذي يضل العالم كله، طرح إلي الأرض
وطرحت معه ملائكته ” (رؤ 12: 7
9).

 

وبعد
خلقة آدم تقدم إبليس الجرب لكي يسقطه, كما سقط هو أيضا بنفس الخطية التي أخطأ بها،
وهي خطية عدم الطاعة لله ورغبته في أن يكون كالله “فقالت الحية للمرأة لن
تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير
والشر..” (تك 3: 4
5).

 

وسقطت
المرأة ثم أغوت رجلها فسقط هو أيضا، ثم سقط الجنس البشري نتيجة لذلك ودخلت الخطية
إلي العالم إذ أخطأ الجميع كما يقول الرسول بولس “من أجل ذلك كأنما لانسان
واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ
أخطأ الجميع ” (رو 5: 12).

 

لذلك
صدق قول سفر الرؤيا عن حرب ابليس “ويل لساكني الأرض والبحر، لأن إبليس نزل
إليكم وبه غضب عظيم, عالما أنه له زمانا قليلا” (رؤ 12: 12).

 

والكتاب
المقدس يشهد أن هذا الملاك الساقط قد أغوي الجميع وحاول إسقاطهم بشتي الطرق
والأساليب بمقاصده الشريرة وتجاربه المتنوعة اللعينة. حتي أنه جرئ وتقدم لكي يجرب
السيد المسيح نفسه (مت4: 1), الذي كشفه وهزمه وكسر شوكته.

 

لذلك
يقول القديس بطرس “إن الله لم يشفق علي ملائكة قد أخطأوا” (2بط 2: 4).
ويؤيد هذا الكلام المقدس يهوذا الرسول قائلا “إن الملائكة الذين لم يحفظوا
رياستهم, بل تركوا مسكنهم حفظهم إلي دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت
الظلام” (يه 6: 6).

وقد
أفصح رب المجد نفسه عن مصيرهم ومصير كل الأشرار الذين يتبعونهم قائلا لهم
“اذهبوا عني يا ملاعين إلي النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته” (مت
25: 41).

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى