اللاهوت المقارن

كنيسة أنطاكية



كنيسة أنطاكية

كنيسة
أنطاكية

الخلاف
الفكرى بين مدرسة الأسكندرية ومدرسة أنطاكية

 

تزعمت
الإسكندرية الفكر المسيحي مدة من الزمن ثم شاطرتها أنطاكية في هذه الزعامة. وكان
لكل من هذين المركزين نهج خصوصي في التعليم المسيحى وكل منهما لها اصطلاح في
التعبير كثيراً ما خالف الأصطلاح التعبيرى فى إحدى المدرستين الآخرى في تأدية
المعنى الواحد.

 

العلاقة
بين مدرسة الإسكندرية ومدرسة أنطاكية

ينبغى
لنا أن نرجع إلى ما قاله لاعلامة اللاهوتى الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا
(1) الذى ذكر أن: الطابع العام الذى أصبح يميز الإتجاه الفكرى فى ألسكندرية
ومدرستها هو النظرة الصوفية , بينما أتجاه مدرسة أنطاكية وأتباعها كان إتجاهاً
عقلياً ومنطقياً.

 

ففى
مسألة طبيعة السيد المسيح:

كان
تفكير لاهوتى مدرسة الإسكندرية متركزاً بالأكثر فى لاهوت المسيح مع توكيد حقيقة
الإتحاد بين لاهوت المسيح إتحاداً ناماً , وقد عرفوا هذا الإتحاد بأنه إتحاد سرى
ولا يمكن إدراكه , وبعضهم نظر إلى الطبيعة الإلهية بنوع خصوصي فقال الكلمة التى
صارت جسداً وما عنى بذلك سوى الإتحاد الحقيقي بين لاهوت الكلمة وناسوته وأن الإله
المتأنس شخص واحد وليس اثنين لأن كلمة طبيعة عندهم بمعنى الشخص والأقنوم. ولكن
أحداً من لاهوتى الكنيسة الإسكندرية لم ينكر الطبيعتين بمعنى الجوهر اللاهوتي
والعنصر البشري فى هذا الوقت المبكر أيام البدعة النسطورية. ونظراً لامتداد بدعة
آريوس ووجوب محاربتها كان كلام الإسكندريين في لاهوت المخلص أكثر من كلامهم في
ناسوته. وهكذا فإنهم سموا سيدتنا مريم والدة الإله وقالوا أنها ولدت الكلمة
المتجسدة وأنه تألم وصلب – ويعرف العامة فى مصر أن الإله لا يتألم ولا يموت كما أن
الروح الإنسانية لا تتألم ولا تموت لأنها نفخة من الرب القدير.

 

 بينما
كان تفكير لاهوتيين مدرسة أنطاكية على العكس مرتكزاً بالأكثر فى ناسوت المسيح
أولاً , فقد أهتموا كل الإهتمام بإبراز كمال ناسوت المسيح , وفى هذا السبيل مالوا
إلى الفصل بين الطبيعتين فى السيد المسيح , ولكنهم أقروا بالوحدة بينهما لكنهم
كانوا يلحون على فكرة الآثينية ”

 

وتوخت
مدرسة أنطاكية البساطة والإيضاح فميزت بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح الواحد.
ومع أنها كانت تعتقد بأن المسيح واحد وليس اثنين فإنها كانت ترفض التعليم بالإتحاد
الطبيعي وبالمزاج بين الطبيعتين. وكانت تعتبر اتحادهما إضافياً بمعنى السكنى
والارتباط حفظاً لكمال الطبيعة البشرية، التي زعم ابوليناريوس أنها كانت ناقصة.
وكانت تنكر على الناسوت خواص اللاهوت، كالحضور في كل مكان والقدرة على كل شيء وما
شاكل ذلك، كما أنها أنكرت على اللاهوت أهواء الناسوت وآلامه كالولودة والتألم
والموت. ولهذا السبب ابتعد الأنطاكيون عن كل تعبير يؤدي على زعمهم إلى مثل ذلك
المعنى كتسمية العذراء والدة الإله وغيرها من العبارات التي عيَّنتها الكنيسة بعد
ذلك صيانة للتعليم القويم. وقالوا بوجوب كمال الطبيعة البشرية لأن لوقا يقول أن
يسوع “كان ينمو في الحكمة والقامة” وأوجبوا السجود للناسوت لأنه متحد
بالكلمة. ومن قولهم: “إنما نسجد للإرجوان من أجل المتردي به وللهيكل من أجل
الساكن فيه ولصورة العبد من أجل صورة الله وللحمل من أجل رئيس الكهنة وللمتخذ من
أجل الذي اتخذه وللمكوَّن من بطن البتول من أجل خالق الكل”. ولا يجوز القول
أن الأنطاكيين علموا بأقنومين فإنهم قالوا بأقنوم واحد ذي طبيعتين متحدتين بلا
امتزاج ولا اختلاط ولا تشويش.

 

ومع
أن معلموا أنطاكية حاولوا إبراز الطبيعتين: الإلهية والإنسانية في المسيح. إلا
أنهم في إطار ذلك كثيرا ما كانت يعمدون إلى التركيز بطريقة واضحة وفي كثير من
الأحيان بطريقة فاصلة بين الطبيعتين.

 

ولقد
رفضت كل مدرسة منهما الأخرى ورأت فيها خطرا وهرطقة تهدد الإيمان المسيحي. فكنيسة
أنطاكية رأت أن كنيسة الإسكندرية تتجاهل ناسوت المسيح وتضحي به , وكنيسة
الإسكندرية أعتقدت أن أنطاكية تشكل خطرا على لاهوت المسيح. وهكذا في تتبعنا لقضية
نسطور يصير من الجدير بالاهتمام تلمس هذا الاختلاف وتأثيره على رؤية كل من نسطور
وكيرلس لعقيدة المسيح كما سيتم تناولها في الأجزاء اللاحقة.

 

وعلى
كل يقول الأنبا إيسوذورس فى الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة ج 1: ” أن
نسطوريوس الذى من مرعش ترهبن فى دير مارابروبيوس بجوار أنطاكية ” ومن الطبيعى
أن يكون هذا من الأسباب التى دفعت يوحنا ألأنطاكى بطريرك أنطاكية للوقوف بجانب
نسطوريوس والدفاع عنه , كأنتماء لواحد لبنى جنسه الأنطاكى وكذلك من المدرسة
الأنطاكية.

 

وهكذا
فإن أساتذة المدرستين علّموا تعليماً مستقيماً ولكن بمناهج مختلفة وبانتقاء عبارات
معينة قضت باستعمالها ظروفهم الخصوصية. فالمصريون الإسكندريون توخوا العبارات التي
أوضحت كمال اللاهوت حذراً من بدعة آريوس والأنطاكيون طلبوا إيضاح كمال الناسوت
حذراً من بدعة أبوليناريوس. ولا عجب في ذلك إن عرفنا أن المبتدع الأول نشر وعلّم
بدعته في الإسكندرية أولاً والمبتدع الثاني نشر وعلّم بدعته في أنطاكية أولاً.

 

ويقول
الأسقف كاليستوس (تيموثي) وير: أن كل من هاتين النظريتين لو ذهبتا بعيداً كان
بإمكانهما الوصول إلى الهرطقة. ولكن الكنيسة كانت بحاجة لكل منهما لتثبت صورة
المسيح في تكاملها. وفي حين أنه كان بوسع كل من المدرستين أن تكمل الأخرى فقد دخلتا
في نزاع حوّل الأمر إلى مأساة بالنسبة للمسيحية.

 

فالبابا
كيرلس عمود الدين كان يقول عن المسيح أنه كائن مركب من الإله والأنسان ومع ذلك فهو
أقنوم واحد بل وطبيعة واحدة.

 

 {انطلق
كيرلس في دفاعه من وحدة شخص المسيح اكثر من انطلاقه من التمييز بين ناسوته ولاهوته
معتبرا ان القول بطبيعتين كاملتين في المسيح لا يعني التمييز بينهما الى حدّ الفصل
والتفريق، لان الطبيعة الانسانية فيه لم يكن لها كيان خاص اي لم تكن شخصا. ولذلك
اراد ان يفرض على خصومه القبول بعبارة “الاتحاد الشخصي ” في المسيح بين
العنصرين الإلهي والانساني. في حين إن لفظة “شخص” بحسب المدرسة
الانطاكية كانت تعني “الطبيعة”, والمبدأ السائد في الفلسفة الانطاكية
كان ان “كل طبيعة كاملة هي شخص”. اعتبر نسطوريوس وأتباعه ان قولة كيرلس
ان الإله والانسان اتحدا في يسوع اتحادا شخصيا تعني انهما اصبحا طبيعة واحدة.
فاتّهموا كيرلس بالسقوط في بدعة ابوليناريوس وقالوا ان كيرلس كان يستعمل مؤلفات
ابوليناريوس المزوَّرة وكأنها صحيحة, ويردد -بثقة- عبارتَهُ “طبيعة واحدة
للإله الكلمة المتجسد” على أساس انها لاثناسيوس الكبير. رفض نسطوريوس تطبيق
خصائص الطبيعتين على شخص واحد لانه – في زعمه –يؤدي الى القول بأن المسيح تألم
ومات في الطبيعة الإلهية.

 

وعلى
العكس من ذلك نسطور الذى كان يمثل أتجاه مدرسة أنطاكية فكان يرى أن المسيح انساناً
حمل الطبيعة إلهية أو هو اللوغوس مقترناً بطبيعة أنسانية – وبعبارة مبسطة هما
أقنومان وطبيعتان

الهراطقة
ومدرستى الأسكندرية وانطاكية

وقام
في المدرستين أناس تطرفوا فسقطوا في الضلال. فإن نسطوريوس تطرف في التعليم
الأنطاكي بالطبيعتين إلى حد قال عنده بشخصين وأقنومين. وتطرف أوطيخة الذى ينتمى
إلى التعليم الإسكندري -كما سنرى- باتحاد الطبيعتين إلى حد قال عنده باختلاطهما
طبيعة واحدة لا يميز بعدها بين اللاهوت والناسوت -الناسوت كنقطة خل في محيط
اللاهوت-. وهاتان البدعتان أدتا إلى عقد المجمع المسكوني الثالث للنظر في بدعة
نسطوريوس وعقد المجمع الرابع للبت في بدعة أوطيخة. وعقد المجمع السادس للنظر في
بدعة المشيئة الواحدة التي تفرعت عن بدعة الطبيعة الواحدة

 

====

المراجع

(1)
مذكرة علم اللاهوت المقارن – الكلية الإكليريكية اللاهوتية للقبط الأرثوذوكس –
بقلم المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات اللاهوتية العليا والثقافة
القبطية والبحث العلمى ص 87.

 

مدرسة
أنطاكية ومنشأ الفكر النسطورى

هرطقة
أبوليناريوس

أدانت
عدة مجامع مكانية فى روما (377م)، والإسكندرية (378م)، وأنطاكية (379م) تعاليم
أبوليناريوس. ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية (381
م).

كان
رأى آباء مجمع القسطنطينية أن السيد المسيح كان له روح إنسانية عاقلة لأنه جاء
لخلاص البشر وليس لخلاص الحيوانات. وأنه كان ينبغى أن تكون للكلمة الإلهية إنسانية
كاملة لكى يتم افتداء الطبيعة الإنسانية. فالمسيح لا يمكن أن يخلص جسد الإنسان
بمفرده بدون وجود الروح البشرية وأن الروح البشرية كونها مع الجسد تكون مسئولة حتى
لو كانت مسئولة بشكل ضئيل عن تصرف الطبيعة البشرية للإنسان فى حاجة إلى الفداء حيث
هى والإنسان واحد عن سقوط الإنسان. فبدون الروح البشرية العاقلة كيف يكون الإنسان
مسئولاً مسئولية أدبية عن خطيئته؟ فالروح البشرية الموجودة فى الجسد ككائن متكامل
فلا يوجد جسد بدون روح فإن المسيح نزل لخلاص الأنسان الذى يتكون من روح هى النفخة
الإلهية والجسد الذى يحتاج إلى الخلاص، ولهذا كان السيد المسيج إتساناً كاملاً
فحدد الكلمة الإلهية العلاقة بين الروح والجسد لأن الجسد يشتهى ضد الروح والروح
تشتهى ضد الجسد لهذا صار السيد المسيح عوناً لكل من هو ساقط فى الضعف البشرى أيضاً
أعطى عونا للروح البشرية بقوة الروح القدس فصار هناك عوناً للجسد وهو الفداء
والخلاص وعوناً للروح ألا وهو قبول لاروح القدس لهذا كان السيد المسيح هو الكلمة
للروح البشرية وللجسد حتى يتم الخلاص القوى لهذا يجب أن يتخذها (الروح البشرية)
كلمة الإله مع الجسد لأن ما لم يُتَخَذ لا يمكن أن يخلص , لأن السيد المسيح خلص
الأنسان جسداً وروحاً

مثلما
قال القديس غريغوريوس النازيانزى عبارته المشهورة ضد أبوليناريوس فى رسالة إلى
الكاهن كليدونيوس “لأن ما لم يتخذه (الإله الكلمة) فإنه لم يعالجه ؛ ولكن ما
تم توحيده بلاهوته فهذا يخلص”. (1) 
St. Gregory of Nazianza, Ep. to Cledonius the Priest Against Apollinarius,
N. & P.N. Fathers , Vol. VII, series 2, Epistle 101, p. 440, Eerdmans
Michigan, Sept. 1978
.

إن
أهم ما شغل الآباء ضد الأبولينارية هو “أن الروح الإنسانية العاقلة، بقدرتها
على الاختيار، كانت هى مقر الخطيئة؛ ولو لم يوحّد الكلمة هذه النفس بنفسه، فإن
خلاص الجنس البشرى لم يكن ممكناً”. (2)

 Kelly, J.N.D., Early Christian Doctrines,
Chapter XI -Fourth Century Christology – Fifth Edition- A. and C. Black- London
1977, p.296
.

 

ردود
الفعل ضد الأبولينارية:

ظهرت
ردود الفعل ضد الأبولينارية فى نفس منطقة أبوليناريوس (سوريا) فى شخص ديودور أسقف
طرسوس (394م)
Diodore of Tarsus وثيئودور الموبسويستى فى كيليكيا (428م) Theodore of Mopsuestia in Cilicia.

 

 العالم
الكبير ديودورس
Diodore of Tarsus – ????

يجمع
المؤرخين تقريباً على أن المعلم ديودورس الطرسوسى الذى توفى سنة 394 م هو الذى
انشأ تقاليد المدرسة الأنطاكية ومنهجها الفكرى.

وفى
سنة 378 م أصبح ديودورس أسقفا على طرسوس فعين ثيودوروس
Theodore of Mopsuestia مديراً لمدرسة أنطاكية ويعد ثيودورس من أشهر تلاميذة ومما يذكر
أنه قام هو وأستاذه ديودورس بمقاومة بدعة الأبيولينارية
Apollinaris ودحضها.

 

وابتدع
ديودور فكراً عن أن اللاهوت سوف ينتقص إذا كوّن الكلمة والجسد اتحاداً جوهرياً
substantial (أو أقنومياً) مشابهاً لذلك الذى ينتج عن اتحاد الجسد والنفس
(العاقلة) والروح فى الإنسان.

 قادته
نظريته الخاصة (للرد على فكرة تكوين الكلمة والجسد إتحاداً جوهرياً) إلى الفصل بين
اللاهوت والناسوت. وهذا أوصله إلى التمييز (3)

 

Cf.
Kelly, J.N.D., Early Christian Doctrines, Chapter XI-Fourth Centry christology-
Fifth Edition- A and C Black,
London 1977, p. 303, quoting R. Abramowski, Z.N.T.W. 42
(1949), E.g. frg. 42
.

 

بين
ابن الله وابن داود. وقال (4)

 Cf. ibid., quoting. Abramowski, Z.N.T.W. 42 (1949), E.g.
frg. 19: cf. frg. 42
.

 

إن
الكتب المقدسة تضع حداً فاصلاً بين أفعال الابنين… فلماذا يحصل من يجدفون على
ابن الإنسان على الغفران، بينما من يجدفون على الروح (الروح القدس) لا يحصلون على
الغفران؟ (5)

 Cf. ibid., p.303.

ثيودوروس
الموبسويستى (393-457 م)
Theodore
of Mopsuestia

فى
سنة 350 م ولد ثيودوروس فى أنطاكية من أسرة مشهورة وقد حمل على عاتقة إستمرار
المنهج الفلسفى الذى تبلور فيما بعد وأنتج الفكر النسطورى حيث تتلمذ نسطور على يدى
ثيودوروس وتشبع بفكره , ويعتقد أن ثيودوروس هو المؤسس الحقيقى للفكر الهرطوقى
النسطورى

 

إن
كان في القرن الثالث قد سيم على إيبارشية الميصة (ما بين النهرين) الأسقف تادرس
الذي اشتهر بمقاومته لبولس السموساطي، فإنه في النصف الثاني من القرن الرابع
وأوائل القرن الخامس كان أسقفها أيضًا يُدعى بذات الاسم (تادرس) أو ثيؤدور الذي
نال شهرة أعظم بسبب بلاغته وكتاباته. نشأته ولد في إنطاكية حوالي سنة 350م، ونشأ
في أسرة غنية جدًا، وكان والده الذي لا نعرف اسمه له مركزه المرموق، أما ابن عمه
Paeanius الذي كتب له القديس يوحنا ذهبي الفم عدة رسائل (95، 193، 204،
220) فكان يحتل مركزًا حكوميًا هامًا. وقد صار أخوه
Polchronius أسقفًا على إيبارشيةApamea. درس الخطابة والأدب في إنطاكية على يديْ الفيلسوف المشهور
ليبانوس حيث التقى بالقديس يوحنا الذهبي الفم وصارا صديقين. وفي سنة 369 التحق
الاثنان بمدرسة ديؤدور في دير بأنطاكيا حيث عاشا في حياة نسكية وتكريس لدراسة
الكتاب المقدس بالمنهج الأنطاكي الرافض للتفسير الرمزي لمدرسة إسكندرية، المنهج
الذي تبناه معلمهما ديؤدور. بعد فترة بردت روح ثيؤدور، وترك الحياة الرهبانية،
فصار محاميًا، وتعرف علي سيدة يهودية جميلة تدعى
Hermoine
تزوجها فتحطمت نفسه تمامًا باليأس. أسرع صديقه القديس يوحنا الذهبي الفم فأرسل
رسالتين يحثه فيهما على الرجوع إلي حياته الأولى بالتوبة الصادقة، مظهرًا له أن
يأسه في مراحم الله هي لطمة على وجه السيد المسيح أكثر مرارة من سقوطه في حبه لهذه
السيدة وكسره لنذر الرهبنة، محدثًا إياه عن التوبة وفاعليتها، فاتحًا أبواب الرجاء
أمامه، وقد سبق لي ترجمتهما تحت عنوان “ستعود بقوة أعظم”. وقد جاءت
الرسالتان بالنتيجة المرجوة، فعاد تادرس إلى الحياة الرهبانية، وفي سنة 383م سيم
كاهنًا بواسطة الأسقف فلافيان الأنطاكى. سيامته أسقفًا في سنة 392م سيم أسقفًا على
الميصة، وقد بقي حتى نياحته (سنة 428م) في كرسيه تلاحقه شهرة عظيمة بسبب بلاغته
وكتاباته. لكنه دين بعد وفاته ب 125 سنة كهرطوقي، بكونه انحرف إلى نوع من
البيلاجية (في مجمع القسطنطنية سنة 553م لا تعترف به كنيستنا). كتاباته خير من
يمثل مدرسة إنطاكية التفسيرية، الرافضة للفكر الإسكندري الرمزي، يعتبره النساطرة
أعظم مفسَر للكتاب المقدس. فسر تقريبًا جميع الأسفار بطريقة تاريخية نقدية. يُعتبر
أول من استخدم النقد الحرفي لحل مشاكل نصوص الكتاب، كما ضم تفسيره عددًا كبيرًا من
المقالات العقيدية والجدلية، مما يظهر انه قد انشغل بالأسئلة اللاهوتية التي سادت
في عصره. إذ دين كهرطوقي بادت أغلب كتاباته حتى اُكتشفت بواسطة بعض الدارسين
المحدثين. ملاحظة كان نسطور الهرطوقي تلميذًا له، بدأ الشك في أمره بعد مجمع أفسس
(431م)، وحُسب أنه هو العلة الأصلية لظهور النسطورية.
J. Quasten: Patrology, vol. 3, p. 401-42

 

أراد
ثيئودور الموبسويستى أن يؤكد الإنسانية الكاملة للمسيح واعتبر أن الإنسانية
الكاملة لا تتحقق إلا إذا كان المسيح شخصاً إنسانياً لأنه اعتقد أنه لا وجود كامل
بلا شخصية. وبهذا لم يكتف بتأكيد وجود طبيعة إنسانية كاملة للسيد المسيح، ولكنه
تمادى إلى تأكيد اتخاذ الله الكلمة لإنسان تام يستخدمه كأداة لخلاص البشرية (كدمية
يحركها الإله وهذا فى حد ذاته يسلب الإلرادة البشرية عند المسيح)، واعتبر أن الله
الكلمة قد سكن فى هذا الإنسان بالإرادة الصالحة، وأنه قد اتحد به اتحاداً خارجياً
فقط. واستخدم عبارة اتصال
conjoining (سينافيا) sunafeia بدلاً من كلمة اتحاد union (إينوسيس) enwsiV. وبهذا فقد جعل فى المسيح شخصين أحدهما إلهى والآخر إنسانى وقد
كونا معاً شخصاً واحداً هو شخص الاتحاد (اتحاد خارجى) مشبهاً إياه بإتحاد الرجل
بالمرأة.

قال
المؤرخ هيفلى (
C.J. Hefele (: “علاوة على ذلك، فقد نظر ثيئودور
الموبسويستى إلى اتحاد اللاهوت والناسوت فى السيد المسيح فقط بمعنى (انيكيسيس)
enoikhsiV أى سكنى، لأن بالنسبة له فكرة التجسد كانت تبدو مطابقة لفكرة تحول
اللوغوس (الكلمة) إلى إنسان، ولذلك رفضها كفكرة منافية للعقل. ومع ذلك هو يعتقد
بأنه عندما يحل الله فى أى شخص، فهو لا يسكن فيه بحسب طبيعته، وبالتالى ليس
بالتعبير عن قوته، ولكن بمسرته (إفذوكيا)
eudokia الصالحة. هذه
السكنى ليست متشابهة فى جميع الأبرار، ولكن مقياسها يتقرر بقياس مسرة
eudokia للاهوت. ولكنها لم تحدث أبداً لأحد بنفس الدرجة العالية التى
للسيد المسيح.”

وقال
المؤرخ (6)

 Hefele, C.J., A History of the Councils of the
Church, Vol III, p. 5 – AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883
Edinburgh.

هيفلى
C.J. Hefele: “يمكن لثيئودور أن يبقى على الطبيعتين فى كمالهما، ويعترض
أساساً على امتزاجهما. وهو يشرح أيضاً أن هذا هو غرضه، حينما قال “إن
الاختلاط لا يلائم الطبيعتين، فهناك فرق بين الشكل الإلهى وشكل العبد، بين الهيكل
المُتخَذ وبين ذاك الذى سكن فيه، بين ذاك الذى انحل بالموت وذاك الذى أقامه، بين
ذاك الذى صار كاملاً من خلال آلامه وذاك الذى صيّره كاملاً، إلى آخره. يجب أن يحفظ
هذا الفرق: فكل طبيعة تبقى غير ذائبة فى ذاتها من جهة جوهرها” (7)

 Ibid. pp. 6,7

 

.
لكن ثيئودور فى خطئه الجوهرى.. لم يحفظ فقط وجود طبيعتين فى المسيح، إنما شخصين
أيضاً، وهو نفسه قال ليس هناك كيان
subsistence يمكن أن يظن أنه كامل بدون شخصية. لكن كما أنه لم يتجاهل حقيقة أن
ضمير الكنيسة قد رفض هذا الازدواج فى شخصية المسيح، إلا أنه سعى إلى التخلص من
الصعوبة وكرر القول صريحاً: “إن الطبيعتين اللتين اتحدتا معاً كونتا شخصاً
واحداً فقط، كما أن الرجل والمرأة هما جسد واحد… فإذا أمعنا الفكر فى الطبيعتين
فى تمايزهما يجب علينا أن نعرف طبيعة الكلمة على أنه كامل وتام، وكذلك شخصه.
وأيضاً طبيعة وشخص الإنسان على أنها كاملة وتامة. وإذا -من ناحية أخرى- نظرنا إلى
الاتصال
sunafeia (سينافيا) نقول أنه شخص واحد”. (8)

 Cf. Hefele, C.J., p. 6, quoting Dorner, l.c. S. 52 and
§ 19 in Hardouin and Mansi, ll. cc
.

إن
نفس صورة الوحدة بين الرجل وزوجته تبيِّن أن ثيئودور لم يفترض اتحاداً حقيقياً
لطبيعتين فى المسيح، ولكن تصوره كان لصلة خارجية بين الاثنين. علاوة على ذلك فإن
التعبير “إتصال”
conjoining
– sunafeia
(سينافيا) الذى يختاره
هنا بدلاً من كلمة “اتحاد”
union
– enwsiV
(إنوسيس) التى يستعملها
فى مواضع أخرى، مشتقة من الفعل
sunaptw (سينابتو)) الراقصين الممسكين بأيدى بعضهم البعض – أى يصل بعضهم
بالبعض الآخر) تعبر فقط عن ارتباط خارجى، وتوطد معاً. لذلك فهو مرفوض بوضوح..
بواسطة علماء الكنيسة. كما أن ثيئودور قد عيّن مجرد صلة خارجية فى العبارة التى
اقتبسناها الآن “أن الكلمة سكن فى الإنسان المُتَخَذ كما فى هيكل”. وكما
أن الهيكل والتمثال القائم بداخله هما واحد فى المظهر الخارجى هكذا فإن اللاهوت
والناسوت فى المسيح يظهران من الخارج فقط فى حقيقتهما كشخص واحد (9)

Cf. Hefele, C.J., p.

 

 6-7,
quoting Hardouin and Mansi, ll.
cc. § 29; Dorner, l.c. p.52
.

ولكنهما
فى جوهرهما يستمرا شخصين.”

 

ليبانوس
الانطاكي

 قال
قال ليبانوس الانطاكي في القرن الرابع للميلاد: ((اننا نفتخر نحن السوريين بأننا
قدمنا للرومان رجالا ممتازين لينظموا شؤون الدولة). وقد كانت لغة هؤلاء الكتاب
الأصلية الآرامية والسريانية، والى جانب ذلك ساهموا في الكتابة ونظم الشعر باللغة
اليونانية

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى