اللاهوت المقارن

الفصل الثاني



الفصل الثاني

الفصل الثاني

المعمودية

4 الخلاف بيننا وبين البروتستانت
حول المعمودية

5 فاعلية المعمودية

6 المعمودية هي من عمل الكهنوت

7 لزوم المعمودية

8 المعمودية بالتغطيس

9 معمودية الأطفال

10 إن كانت المعمودية تجديداً،
فلماذا نُخطئ بعد المعمودية؟

10′ هل تسري مفاعيل المعمودية إذا
كان الكاهن الذي يجريها سيء السيرة؟

11 كيف خلص اللص اليمين دون
معمودية؟

12 المعمودية وآية آمِن بالرب
يسوع فتخلص

13 إن كانت المعمودية ضرورية، فهل
كل أنبياء العهد القديم اعتمدوا؟!

14 هل الخلاص هو بالكلمة وليس
بالماء؟

15 ما هو مركز الماء في الخلاص
والميلاد الثاني؟

16 أهمية الماء ورموزه في
المعمودية

17 الماء والدم

18 هل الماء في المعمودية له كل
هذه الفاعلية؟

19 أليس من الأفضل أن نقول أن
المعمودية قيامة مع المسيح وليس موتاً، لأن الموت لا يفيدنا بل يضرّنا، وإنما
القيامة هي التي تفيد؟

20 لماذا الموت في المعمودية، وما
أهميته؟

21 كيف يعتمد إنسان ليخلص من
الخطية الأصلية (الجديّة) إن كان قد وُلِد من والدين قد تعمَّدا وتخلَّصا من تلك
الخطية؟

22 هل المعمودية تُعاد؟

 

4- الخلاف بيننا وبين البروتستانت حول المعمودية

تتركز الخلافات فى المعمودية حول خمس نقاط هامة
هى:

1- ما هى أهمية المعمودية وفاعليتها فينا؟

هل حسب الإيمان الأرثوذكسى ننال بها الخلاص
والتطهير والتبرير والتجديد والميلاد الثانى والعضوية فى جسد المسيح؟ أم أن كل ذلك
يُنال بالإيمان حسب المعتقد البروتستانتى؟ وعندئذ ماذا تكون فائدة المعمودية؟ هل
هى مجرد علامة على المسيحية؟ أم هى مجرد طاعة للسيد المسيح الذى أمر بها؟ (مت 28: 19).

 

2- بواسطة من تتم المعمودية؟

نحن فى الأرثوذكسية نشترط أن الذى يجريها للمؤمن
لابد أن يكون كاهناً شرعياً. أما البروتستانت فلا يؤمنون بالكهنوت البشرى إطلاقاً.
وعندهم تتم المعمودية بواسطة خادم ليس كاهناً. من الجائز أن يكون شيخاً أو قسيساً،
أو شيخة أو قسيسة (عند الطوائف التى تسمح للمرأة بهذه الوظيفة). وعلى أية الحالات
فإن الشيخ أو القسيس ليس من الكهنوت حسب المعتقد البروتستانتى.

 

3- نحن نؤمن بالمعمودية سر من أسرار الكنيسة، والبروتستانت
لا يرونها كذلك.

 

4- نحن نجرى المعمودية بالتغطيس، وهى عندهم
بالرش.

 

5- نحن نعمد الأطفال على إيمان الوالدين، أما
البروتستانت فلا يؤمنون بمعمودية الأطفال، لأنهم يشترطون إيمان المُعَمَد ذاته.

 

ولكن بعض البروتستانت يوافقون على معمودية
الأطفال على إيمان والديهم، وهكذا اتفق معنا الإنجيليون فى مصر.

 

وتبقى بعد هذا اعتراضات يقدمونها وتحتاج إلى
إجابة، مثل:

أ- ما مدى كفاية الإيمان؟ ألا يكفى بدون
معمودية؟

ب- كيف خلص اللص اليمين بدون معمودية؟

ج- هل الماء له مثل هذه القيمة التى تلد وتجدد..؟

د- لماذا يلزم وجود كاهن؟.. وماذا إذا كان هذا
الكاهن الذى يعمد المؤمن هو نفسه سيئ السيرة؟

ه- إن كانت المعمودية تجديداً، فلماذا نخطئ
بعدها؟

و- كيف يرث الطفل خطية والديه اللذين سبق لهما
العماد وغفرت خطاياهما؟

ز- هل الماء فى المعمودية يرمز إلى الكلمة كما
يقول الرسول عن علاقة المسيح بالكنيسة: “مطهراً إياها بغسل الماء
بالكلمة” (أف 5: 26).

 

5- فاعلية المعمودية

 

1- المعمودية يتم بها الخلاص:

حسب قول السيد المسيح: “من آمن واعتمد،
خلص” (مر 16: 16). ولم يقل: “من آمن خلص”، وإنما اشترط المعمودية
إلى جوار الإيمان.

وقال القديس بولس الرسول “.. بل بمقتضى
رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس” (تى 3: 5). وقال القديس
بطرس الرسول عن الفلك “الذى فيه خلص قليلون أى ثمانية أنفس بالماء، الذى
مثاله يخلصنا نحن الآن أى المعمودية” (1بط 3: 20، 21).

 

2- بالمعمودية ننال الميلاد الثانى، من الماء
والروح:

أ) وذلك حسب قول السيد المسيح لنيقوديموس: “إن
كان أحد لا يولد من فوق، لا يقدر أن يرى ملكوت الله” (يو 3: 3) ثم فسرها له
بقوله “إن كان لا يولد من الماء والروح، لايقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو
3: 5).. وأضاف: “المولود من الروح هو روح.. هكذا كل من ولد من الروح”.
وهكذا اعتبر كل من ولد من الماء والروح، يكون قد ولد من فوق، أو يكون قد ولد من
الروح، هذا هو الميلاد الثانى.

والعجيب أن بعض البروتستانت يريد الهروب من هذه
الآية بقوله: لم يقل الرب كل من يعتمد من الماء والروح، بل قال كل من يولد..!

ولا شك طبعاً أنهما تعبير واحد، لأنه ما معنى
“يولد من الماء” سوى أنه “يُعَمَد” لأن المُعَمَد يخرج من بطن
المعمودية. كما أن كلام القديس بولس الرسول يؤكد نفس المعنى..

 

ب) يقول القديس بولس: “بمقتضى رحمته خلصنا
بغسل الميلاد الثانى” (تى 3: 5) وقال عن الكنيسة: “مطهراً إياها بغسل الماء
بالكلمة” (أف 5: 26) واعتبر الرسول أن غسل الماء (بالمعمودية) هو غسل الميلاد
الثانى، وهو غسل من الخطايا.

 

3- المعمودية هى غسل من الخطايا:

حسب الآيتين السابقتين.

وأيضاً حسب قول حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى
بعد أن دعاه الرب: “أيها الأخ شاول.. لماذا نتوانى؟ قم اعتمد واغسل
خطاياك” (أع 22: 16).

 

وهنا نرى أنه من نتائج المعمودية غسل الإنسان من
خطاياه. وفى مثال شاول الطرسوسى هذا نرى عجباً. لقد دعاه السيد المسيح بنفسه،
ليكون رسولاً للأمم، وإناءً مختاراً يحمل اسمه (أع 9: 15، 16). ومع ذلك لم تغفر
خطاياه بهذا اللقاء مع الرب، ولا بإيمانه ولا بصيرورته رسولاً، إنما ظل محتاجاً
إلى المعمودية لكى يغسل خطاياه.

ولعل بولس الرسول كان يتذكر باستمرار هذا الغسل
من الخطية بالمعمودية، فقال لأهل كورنثوس: “لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم
باسم الرب يسوع وبروح إلهنا” (1كو 6: 11) ذلك لأنهم اعتمدوا باسم يسوع المسيح،
فنالوا المغفرة، كما قال القديس بطرس لليهود.

 

4- المعمودية بها مغفرة الخطايا:

وذلك أنه لما آمن اليهود يوم الخمسين ونخسوا فى
قلوبهم، قالوا ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟ أجابهم القديس بطرس الرسول قائلاً: “توبوا
وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا.. ” (أع 2: 38).

 ولو كان
إيمان اليهود فى ذلك اليوم كافياً لمغفرة خطاياهم، ما كان الرسول العظيم يطلب منهم
أن يعتمدوا لمغفرة الخطايا..! وبخاصة فى ذلك اليوم التاريخى يوم تأسيس الكنيسة،
وهو يوم ترسى فيه مبادئ هامة للخلاص.

 

ولعل البعض يسأل: كيف تُغفَر الخطايا فى
المعمودية؟ فنجيب:

 

5- المعمودية هى موت مع المسيح وقيامة معه:

يقول الكتاب: “أجرة الخطية هى موت”
(رو 6: 23) وقد بدأ طريق الخلاص بالموت، إذ مات المسيح عنا. وكان لابد أن نموت مع
المسيح أو على الأقل نتشبه بموته حسب قول الرسول: “لأعرفه وقوة قيامته، وشركة
آلامه، متشبهاً بموته” (فى 3: 10). ونحن نفعل ذلك فى المعمودية. وكيف؟

 

يقول الرسول: “أم تجهلون أننا كل من اعتمد
ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت” (رو 6: 3، 4).
ويستمر فى تأكيد هذا التعبير فيقول: “متنا معه.. دفنا معه، قد صرنا متحدين
معه بشبه موته.. إنساننا العتيق قد صُلب معه.. “.

 

ويقول الرسول أيضاً فى (كو2: 12): “مدفونين
معه فى المعمودية” مؤكداً نفس المعنى..

ولماذا كل هذا؟ يقول الرسول: “فإن كنا قد
متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا معه” (رو 6: 3 8).

المعمودية إذن لازمة للخلاص، لأنها شركة فى موت
المسيح. لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة، واعتراف بأن أجرة الخطية هى موت.

 

وفى هذا الفصل من (رو 6) تبدو لنا ملاحظتان
هامتان:

أ- عبارة: “دُفنا فى المعمودية” تعنى
التغطيس، كوضع الإنسان داخل القبر.

ب- يبدو من نتائج المعمودية أيضاً “صلب
إنساننا العتيق”.

 

وفى هذا الفصل أيضاً نتيجة أخرى للمعمودية وهى:

 

6- فى المعمودية عملية تجديد:

يقول الرسول: “فدفنا معه بالمعمودية للموت،
حتى كما أقيم المسيح.. هكذا نسلك نحن أيضاً فى جدة الحياة” (رو 6: 4) أى فى
الحياة الجديدة.. هذه التى تُمنح لنا بالمعمودية. طبيعتنا إذن تتجدد فى المعمودية.
وكيف ذلك؟

 

7- فى المعمودية نلبس المسيح:

يقول الرسول: “لأنكم كلكم الذين اعتمدتم
بالمسيح، قد لبستم المسيح” (غل 3: 27) هل توجد عبارة أقوى من هذه تدل على عظم
فاعلية المعمودية؟!

تلبس المسيح.. تلبس ما فيه من بر، يهبه لك
كنتيجة للمعمودية، تلبس الخلاص الذى وهبه لك فى المعمودية بدمه.. تلبس الصورة
الإلهية (تك 1: 26) التى فقدناها بالخطية الأولى.

 

ورموز إلى المعمودية فى العهد القديم تعطى نفس
المعنى:

أ- فمن ضمن هذه الرموز كان الفلك. وفيه يقول
القديس بطرس الرسول: “.. إذ كان الفلك يبنى، الذى فيه خلص قليلون أى الثمانى
أنفس بالماء، الذى مثاله يخلصنا نحن أيضاً بالمعمودية” (1بط 3: 20، 21).

نشرح أن المعمودية فيها الخلاص، بالماء، كما حدث
فى الفلك مع الذين خلصوا من موت الطوفان بفلك نوح، مثال المعمودية.

وهذا يؤيد ما سبق أن قلناه عن الخلاص بالمعمودية
حسب قول الرب (مر 16: 16).

 

ب- ومن الرموز إلى المعمودية الختان.

 

ج- ومن الرموز للمعمودية فى العهد القديم أيضاً،
عبور البحر الأحمر.

 

وعن هذا الرمز يقول القديس بولس الرسول: “فإنى
لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا أن آباءنا جميعهم كانوا تحت السحابة، وجميعهم
اجتازوا فى البحر، وجميعهم اعتمدوا لموسى فى السحابة وفى البحر”.

 

والمعروف أن عبور البحر الأحمر كان خلاصاً للشعب
من عبودية فرعون. وهو هنا يرمز إلى الخلاص الذى نناله فى المعمودية من عبودية
الخطية والموت، وعنصر الماء واضح فى المثالين. وموسى يمثل هنا الكهنوت. كما كان
نوح فى مثال الفلك يمثل الكهنوت فى عهد الآباء البطاركة (رؤساء الآباء)..

 

د- ومن رموز العهد القديم إلى المعمودية أيضاً
ما ورد فى (حز 16: 8، 9) حيث يقول الرب لأورشليم الخاطئة التى ترمز هنا إلى النفس
البشرية فى سقوطها: “ودخلت معك فى عهد يقول السيد الرب فصرتِ لى. فحممتكِ
بالماء، وغسلت عنكِ دماؤكِ، ومسحتك بالزيت” وهذا الماء والغسيل رمز للمعمودية،
والزيت رمز لمسحة الروح القدس، وعبارة “صرتِ لى” تعنى انضمامها بهذا إلى
جسد المسيح (عضوية الكنيسة).

 

المعمودية إذن فيها خلاص ومغفرة للخطايا، ليس
حسب تعليم العهد الجديد فقط، انما حسب رموزها فى العهد القديم أيضاً فى الختان،
والفلك، والبحر الأحمر.

 

و-المغفرة التى ننالها فى المعمودية يُعبر عنها
قانون الإيمان تعبيراً واضحاً جداً فى قوله: “نؤمن بمعمودية واحدة لمغفرة
الخطايا”.

 

8- فى المعمودية انضمام لعضوية الكنيسة:

لا شك أن المعمودية كان يرمز لها الختان فى
العهد القديم. وفى ذلك يقول الرسول عن السيد المسيح: “وبه أيضاً ختنتم ختاناً
غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح، مدفونين معه بالمعمودية،
الذى فيه أيضاً أقمتم بإيمان عمل الله الذى أقامه من الأموات” (كو 2: 11، 12).

 

المعروف أنه فى الختان يقطع جزء من الجسد، فيموت،
إشارة فى المعمودية إلى الموت الكامل. وكما أن الختان علامة لا تُمحى هكذا أيضاً
فى المعمودية.

 

وكما أن فى الختان يسيل دم، كذلك الحياة الجديدة
التى أتت بالمعمودية، كانت باستحقاق الدم الذى سفك عنا.

 

وكما أن المختون كان يعتبر بختانه عضواً فى شعب
الله وفى جماعة المؤمنين (تك 17: 7) هكذا أيضاً المُعَمَد يصير عضواً فى الكنيسة
فى شعب الله، عضواً فى جسد المسيح. وكما أن غير المختون كان يهلك (تك 17: 14) هكذا
أيضاً كل من لا يولد من الماء والروح (يو 3: 3، 5) لا يدخل ملكوت الله، لأنه لم
يدخل فى المعمودية ولم يدفن مع المسيح ولم يقم معه.

 

وكما أن الختان كان لازما وضرورياً وبأمر إلهى،
هكذا أيضاً المعمودية لازمة للمغفرة ولعضوية جسد المسيح.

 

وكما أن الإنسان يموت مرة واحدة ويقوم، ويختن
مرة واحدة، هكذا أيضاً المعمودية واحدة لا تتكرر لأن المُعَمَد لا يموت مع المسيح
أكثر من مرة.

 

أما علاقة الختان والمعمودية بمغفرة الخطايا،
فيُعبر عنها الرسول فى حديثه عن الختان الروحى، ختان المسيح، غير المصنوع بيد الذى
فيه خلع جسم الخطايا، ويرمز للمعمودية، فيقول بعدها: “وإذ كنتم أمواتاً
بالخطايا وغلف جسدكم، أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا” (كو 2: 11 13).

 

6- المعمودية هي من عمل الكهنوت

المعمودية لابد أن يقوم بها كاهن شرعى.

والكتاب المقدس يرينا أن السيد المسيح لم يترك
مسألة المعمودية إلى عامة الناس، إنما تركها لرسله القديسين، كما ورد فى قوله
لتلاميذه قبل صعوده: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والإبن
والروح القدس” (مت 28: 19).

 

ويؤيد هذا أيضاً ما ورد فى (مر 16: 15، 16).

وواضح أن الرسل هم الذين قاموا بعمل التعميد كما
يروى لنا سفر أعمال الرسل فى كل انتشار الكنيسة الأولى. ثم تركوا العمل لتلاميذهم
من الآساقفة. ومنهم للكهنة.

 

ولهذا كله، نحن لا نقبل أية معمودية لا يقوم بها
كاهن.

ويُشترط فى الكاهن أيضاً أن يكون كاهناً شرعياً
, أى وُضعت عليه يد لها سلطان السيامة، ولا يكون هذا الكاهن محروماً أو مشلوحاً،
بل له السلطة الكهنوتية التى يمارس بها الأسرار.

 

ولعلنا بعد أن تكلمنا عن كل مفاعيل المعمودية
فينا، وهذه التى لا يؤمن بها إخوتنا البروتستانت، ناسبين كل ذلك إلى الإيمان وحده..
وبعد أن تحدثنا أيضاً عن أن المعمودية هى عمل الكهنة.. لعل البعض يسأل:

 

لماذا تعيدون معمودية البروتستانتى الذى ينضم
إلى الكنيسة الأرثوذكسية؟ نقول إننا نعطيه كل هذه الكنوز الروحية التى لم ينلها
حينما تعمد فى البروتستانتية.. نسأله: هل نلت فى المعمودية الخلاص؟ هل نلت فيها
التبرير والتجديد ومغفرة الخطايا؟ هل اغتسلت فيها من خطاياك؟ هل لبست فيها المسيح؟
هل ولدت فيها ولادة جديدة؟

 

فإن كنت لم تنل شيئاً من كل هذه النعم فى
المعمودية التى أخذتها فى البروتستانتية إذ لم تكن تؤمن بشئ منها يُنال بالمعمودية،
فنحن نعطيك هذه كلها بالمعمودية التى لها كل هذه المفاعيل.

 

وسبب آخر هام. وهو أننا لا نعترف بمعمودية إلا التى
تكون بواسطة كاهن شرعى كما قلنا. والبروتستانتية لا تؤمن بكهنوت للبشر يمارس
الأسرار كما أنها لا تؤمن بالمعمودية كسر.

 

لذلك لا نقبل هذه المعمودية. ولا نقول أننا
نعيدها، إنما نعمد المنضم إلينا بمعمودية على يد كاهن، تحمل فاعلية روحية لازمة
للخلاص، وبدونها لا يخلص.. مهما كانت المعمودية الأولى على اسم الثالوث القدوس،
مادامت تنقصها ثلاثة أمور هامة، إذ أنها:

 

أ- ليست على يد كاهن.

ب- ليست سراً.

ج- ليست لها فاعلية روحية.

 

7- لزوم المعمودية

نلاحظ منذ بدء المسيحية أن المعمودية كانت لازمة
جداً تتبع الإيمان مباشرة، ولم يستغنى عنها أحد. كانت كذلك فى تعليم الرب، وكانت
كذلك فى الممارسة العملية.

 

فمن جهة تعليم الرب قال لرسله: “تلمذوا
جميع الأمم.. وعمدوهم” (مت 28: 19) وقال أيضاً: “مَن آمن واعتمد
خلص” (مر 16: 16). ولو كانت المعمودية مجرد علامة، ما أعطاها الرب كل هذه
الأهمية..

 

وفى الممارسة العملية. لما آمن اليهود فى يوم
الخمسين، دعاهم القديس بطرس إلى المعمودية مباشرة، فقال لهم: “توبوا وليعتمد
كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا” (أع 2: 38) واعتمد فى ذلك
اليوم ثلاثة آلاف نفس. ولا شك أنها كانت عملية صعبة ومنهكة وتأخذ وقتاً. ولولا
أهميتها ما قام بها الآباء الرسل.

 

ولو كان الإيمان وحده يخلص، لماذا كانت الحاجة
إلى معمودية كل هذه الآلاف؟ ما كان أسهل أن يقول لهم الرسول: “مادمتم قد
آمنتم أيها الإخوة. اذهبوا على بركة الله فقد نلتم الخلاص، وهذا يكفى”.

 

ونفس الوضع نجده فى عماد الخصى الحبشى، الذى طلب
بنفسه المعمودية بعد إيمانه مباشرة. وعمده فيلبس، فمضى فرحاً (أع 8: 36).

 

وشاول الطرسوسى اعتمد بعد إيمانه ودعوته لكى
يغتسل من خطاياه (أع 22: 16)، وسجان فيلبى لما آمن، “اعتمد فى الحال هو
والذين له أجمعون” (أع 16: 23) وليديا بائعة الأرجوان لما آمنت اعتمدت هى
وأهل بيتها (أع 16: 15).

 

ولما آمن كرنيليوس، عمده بطرس هو وكل الذين
كانوا يسمعون الكلمة “قائلاً أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد
هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن” (أع 10: 44، 47).

 

فلو كان الخلاص بالإيمان فقط، لماذا اعتمد كل
الذين آمنوا؟

 

8- المعمودية بالتغطيس

1- واضح من الكتاب المقدس أن المعمودية كانت
بالتغطيس وليس بالرش، حتى فى أيام يوحنا المعمدان نفسه. فالسيد المسيح نفسه اعتمد
بالتغطيس. ولذلك يقول الإنجيل: “فلما اعتمد يسوع صعد من الماء” (مت 3: 16
؛ مر 1: 10). ولعله من الجميل ههنا أن كنيستنا تسمى عيد معمودية السيد المسيح بعيد
الغطاس، ليتأكد هذا المعنى فى أذهاننا.

 

2- نفس تعبير الصعود من الماء، نقرأ عنه أيضاً
فى قصة الخصى الحبشى لما عمده فيلبس. يقول الكتاب فنزل كلاهما إلى الماء، فيلبس
والخصى “فعمده ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس” (أع 8: 38، 39).
وهذا دليل على أن المعمودية كانت بالتغطيس ولو أنها كانت بالرش لاكتفى فيلبس بأن
يرش الماء على الخصى حتى وهو فى المركبة، دون الحاجة إلى أن “ينزلا كلاهما
إلى الماء”.

 

3- كلمة معمودية Baptism معناها صبغة. ولا يمكن أن تتم الصبغة إلا بالتغطيس.

 

4- المعمودية هى عملية موت مع المسيح ودفن مع
المسيح. كما يقول الرسول: “فدفنا معه بالمعمودية للموت” (رو 6: 4)،
“مدفونين معه بالمعمودية” (كو 2: 13) وعملية الدفن لا يمكن أن تتم إلا
بالتغطيس. والخروج من جرن المعمودية يشير إلى القيامة مع المسيح بعد الموت معه
والدفن معه. أما الرش فلا يمكن أن يعبر عن عملية الموت والقيامة.

 

5- والمعمودية ولادة ثانية. والولادة هى خروج
جسم من جسم، وتظهر فى المعمودية واضحة بخروج جسم الإنسان من جرن المعمودية. ولا
يعبر الرش مطلقاً عن عملية الولادة.

 

6- المعمودية هى غسل من الخطايا، كما قيل للقديس
بولس الرسول (أع 22: 16). وكما يقول فى رسالته إلى تيطس: “خلصنا بغسل الميلاد
الثانى” (تى 3: 5). وعملية الغسل تحتاج إلى غمر بالماء، ويمثله التغطيس ولا
يمثله الرش.

 

7- وكل من ينظر إلى أبنية الكنائس القديمة يجد
فيها جرناً للمعمودية. وهذا دليل على أنها كانت تتم بالتغطيس. لأن عملية الرش لا
تحتاج إلى جرن.

 

بقيت النقطة الأخيرة من خلافاتنا فى المعمودية
عن البروتستانت وهى عماد الأطفال.

 

9- معمودية الأطفال

البروتستانت لا يعمدون الأطفال، إصراراً على
لزوم الإيمان قبل المعمودية واعتماداً على قول الرب: “مَن آمن واعتمد
خلص” (مر 16: 16) وأيضاً اعتماداً على أن الطفل لا يدرك ماذا يحدث فى
المعمودية. فكيف تتم المعمودية بدون إيمان وبدون إدراك؟!

هذا رأيهم.

أما نحن فنصر على معمودية الأطفال للأسباب
الآتية:

1- حرصاً منا على أبدية هؤلاء الأطفال، لأن الرب
يقول: “إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت
الله” (يو 3: 5) فكيف يمكن أن نمنع عنهم العماد فنعرضهم لهذا الحكم الإلهى
الذى لم يحدث أن الرب استثنى منه الأطفال حينما قال هذا.

 

2- بالمعمودية نُعطى الأطفال فرصة لممارسة
الحياة داخل الكنيسة والتمتع بكل أسرارها الإلهية وبكل تأثيرها، وكل عمل النعمة
فيها وفاعليتها فى حياتهم. وبهذا نعدهم إعداداً عملياً لحياة الإيمان. وإن تركناهم
خارجاً، نكون قد حرمناهم من وسائط النعمة والإيمان.

 

3- أما قول الرب: “مَن آمن واعتمد
خلص”، فالمقصود به هو الكبار الذين فى سن يسمح بإدراك معانى الإيمان. ولهذا
نحن لا يمكن أن نعمد الكبار إلا إذا آمنوا عملاً بقول الرب (مر 16: 16). أما من
جهة الأطفال فنطبق عليهم قول الرب أيضاً: “دعوا الأولاد يأتون إلى ولا
تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات” (مت 19: 14)

 

4- ومن جهة الإيمان، ليس عند الأطفال ما يمنع
الإيمان مطلقاً، لأنهم لم يدخلوا فى مرحلة الشك والفحص والتفكير التى عند الكبار.
وهم فى إيمان يصدق كل شئ ويقبله فلا عندهم رفض الإيمان، ولا مقاومة الإيمان، ولا
سلبيات تمنع ملكوت الله.

 

وعمادهم يتفق مع نظرية (الخلاص المجانى) التى
يؤمن بها البروتستانت ويعلنوها بكل قوتهم.

 

5- ولو دققنا تماماً على شرط الإيمان، لكان من
الممكن أن نمنع من المعمودية أيضاً كل الكبار الذين ليس لهم النضوج العقلى أو
الفكرى الكافى لإدراك حقائق الإيمان وعمقها، مثل كثير من الريفيين ومن العمال ومن
الأميين وأشباه المتعلمين، والذين ليس لهم قدر من الذكاء يدخل فى عمق الحقائق
اللاهوتية.. ما نصيب كل أولئك من الإيمان..؟ فهل نمنعهم كما نمنع الأطفال ايضاً..؟!

 

6- يقول البعض: وماذا يحدث إن كبر الطفل ورفض
الإيمان؟

يكون مثل المرتد.. النعمة التى أخذها فى
المعمودية قد يرفضها بحرية إرادته. نحن نكون قد أدينا واجبنا من نحوه. ونتركه مثل
أى إنسان بدأ بالروح وكمل بالجسد (غل 3: 3) ولكن الاحتمال الأكبر هو أن الطفل الذى
نعمده فى صغره، ويحيا فى الكنيسة، ويذوق كل وسائط النعمة فيها، لا يكون عرضة
للإنحراف وترك الإيمان مثل الذى نتركه بلا عماد حتى كبره..

 

7- إن الذين ينكرون معمودية الأطفال، إنما
ينكرون لزوم المعمودية للخلاص (مر 16: 16). لأنهم لو آمنوا بلزوم المعمودية، لكان
من الخطورة أن يحرموا الطفل من الخلاص.

 

وماداموا يشترطون الإيمان للخلاص، ويرون الأطفال
بلا إيمان. فما مصير الأطفال فى نظرهم، وهم بلا معمودية، وبلا إيمان؟ هل يخلصون
بدونها؟.. ويبقى السؤال بلا جواب..

 

8- ونحن نعمد الأطفال، لأن فى الكتاب ما يشير
ضمناً إلى هذا، فيما ذكره الكتاب من عماد أسرة بأكملها، أو شخص وكل بيته، وليس من
المعقول أن كل هؤلاء الذين آمنوا، لم تكن فى عائلاتهم أطفال. والأمثلة على هذا
كثيرة فى الكتاب، نذكر من بينها:

 

أ- عماد سجان فيلبى، قال له القديسان بولس وسيلا:
“آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع 16: 31). والمقصود هو أن
إيمانه سيكون الخطوة الأولى التى تقود أهل بيته إلى الخلاص ولذلك قيل بعدها: “وكلماه
وجميع من فى البيت بكلمة الرب” ثم يقول الكتاب: “واعتمد فى الحال هو
والذين له أجمعون وتهلل مع جميع بيته” (أع 16: 32 34). ولم يستثن الكتاب
الأطفال من كل أهل بيت سجان فيلبى، بل قال عن عماده: “هو والذين له
أجمعون” بما فيهم طبعاً من أطفال..

 

ب- فى قصة ليديا بائعة الأرجوان قيل إنها
“اعتمدت هى وأهل بيتها” (اع 16: 15).

 

ج- قال بولس الرسول: “وعمدت أيضاً بيت
اسطفانوس” (1كو 1: 16). فهل كل هذه البيوت لم يكن فيها أطفال..

 

د- الذين اعتمدوا فى يوم الخمسين، لم يذكر
الكتاب أنه لم يكن بينهم أطفال.

 

9- وممارسة معمودية الأطفال قديمة فى التاريخ.
نذكر من بينها خلاف كان بين القديس أوغسطينوس والقديس جيروم حول أصل النفس وهل هى
مولودة أم مخلوقة، وكان القديس أوغسطينوس يقول إنها تولد مع الإنسان والقديس جيروم
يقول إنها مخلوقة. فقال القديس أوغسطينوس: [إن كانت مخلوقة فهى لم ترث خطية آدم.
وإذن فلماذا نعمد الأطفال؟]. ولم يجد جيروم إجابة على هذا السؤال.

 

10- والكتاب المقدس لا توجد فيه أية واحدة تنص
علي عدم معمودية الأطفال

 

11- أما من جهة الإيمان، فنحن نعمد الطفل على
إيمان والديه. وهذا الأمر – فى جوهره – له أمثلة كثيرة جداً فى الكتاب المقدس.

 

أ- كان الختان يرمز إلى المعمودية كما سبق أن
ذكرنا، وبه كان ينضم المختون إلى عضوية شعب الله. حسب العهد الذى أبرمه الله مع
أبينا إبراهيم (تك 17: 12) ومعروف أن الختان كان يتم فى اليوم الثامن حسب أمر الرب
(تك 17: 12).

 

فالطفل في اليوم الثامن من عمره، ماذا كان يدرى
عن العهد الذي بين الله وأبينا إبراهيم؟ وماذا كان يدرى عن عضوية شعب الله؟ لا شئ
بلا شك. لكنه كان يختن بإيمان والديه بهذا العهد، ويصير عضوا في شعب الله ومستحقا
الوعود التي منحها الرب لأبينا إبراهيم، كل ذلك بإيمان والديه.

 

ب – كان عبور البحر يرمز إلى المعمودية، أو كان
معمودية في حد ذاته كما شرح القديس بولس الرسول

 

(1كو 10). وكان يمثل الخلاص من عبودية فرعون،
رمزاً للخلاص من عبودية الخطية والشيطان والموت. وقد عبر البحر أشخاص كبار يعرفون
وعد الله لموسى النبي، ويعرفون ماذا كانت عبوديتهم لفرعون، وما معنى خلاصهم منها
بيد الله الحصينة. وبعبورهم البحر (أى بالعماد) خلصوا. ولكن ماذا عن الأطفال الذي
حملتهم أمهاتهم أو آبائهم عابرين البحر بهم. لقد نالوا الخلاص بلا شك من العبودية،
وتعمدوا، ولكن على إيمان الوالدين. لأن أولئك الأطفال ما كانوا يدرون عن هذه
الأمور شيئاً.

 

ج- مثال ثالث قوى جداً وهو خلاص الأطفال من سيف
الملاك المهلك بدم خروف الفصح، حسب قول الرب لموسى عن ذبح الخروف ورش الدم على
عتبات البيوت وقوائمها (فأرى الدم وأعبر عنكم). (خر 12: 13).

 

وكان دم خروف الفصح يرمز إلى دم السيد المسيح
الذى به نلنا الخلاص، وكما قال القديس بولس الرسول: (لأن فصحنا المسيح ذبح لأجلنا)
(1 كو 5: 7).

 

والسؤال الآن هو هذا: الأطفال الذين خلصوا بدم
خروف الفصح: ماذا كان إيمانهم؟

 

ما الذى يعرفونه عن العهد بين الله وموسى حول
الفصح والنجاة بدمه من الهلاك؟ لا شئ بلاشك ولكنهم خلصوا بايمان آبائهم، الآباء
الذين آمنوا بالدم وفاعليته وأهمية دم الفصح للنجاة من الهلاك.

 

ولكن هؤلاء الأطفال الذين خلصوا بالختان، وبدم
خروف الفصح، وبعبور البحر الأحمر فهموا معانى هذه الأمور فيما بعد عندما كبروا.
ولكنهم تقبلوا هذا الخلاص مجانا في طفولتهم بإيمان الوالدين بعهود الله واتفاقاته
مع البشر. ولما كبروا دخلوا في هذا الإيمان عمليا..

 

بعد هذا نجيب على الأسئلة التي يقدمونها حول
المعمودية.

 

إن كانت المعمودية تجديداً، فلماذا نُخطئ بعد
المعمودية؟

 

10- إن كانت المعمودية تجديداً، فلماذا نُخطئ
بعد المعمودية؟

المعمودية تجديد حسب تعليم الكتاب (رو4: 6).
ولكنها ليست عصمة، نأخذ في المعمودية تجديد حسب تعليم الكتاب، ونعماً جديدة، أو
نأخذ طبيعة جديدة،

كما قال الرسول: (بمقتضى رحمته خلصناً بغسل
الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس) (تي5: 3).

هذه الطبيعة لها قوة وقدرة علي الحياة الروحية.

ولكن لا عصمة لنا طالما نحن في الجسد. هنا في
أختيار. ومازلنا في حريتنا، نعمل الخير أو الشر، لأن نعمة التجديد التي أخذناها في
المعمودية لا تلغي نعمة الحرية التي لنا، والتي نحن بها علي صورة الله ومثاله
ولذلك فالصديق يسقط سبع مرات ويقوم.

أما العصمة أو إكليل البر، فنناله في الحياة
الأخري.

وفي ذلك يقول معلمنا بولس الرسول وهو ينسكب
سكيباً ووقت انحلاله قد حضر:

“وأخيراً وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي
في ذلك اليوم الديان العادل” (2تي8: 4).

 

10′- هل تسري مفاعيل المعمودية إذا كان الكاهن
الذي يجريها سيء السيرة؟

إن النعم التي تأخذها في المعمودية هي من الله،
وليست من الكاهن الذي هو مجرد خادم لله مانحها. تتوقف علي صدق مواعيد الله ومواهبه،
ولا تتوقف علي سيرة الكاهن. إن الكاهن مثل ساعي البريد، يحمل لك خطاباً مفرحاً.
سواء كان هذا الساعي جميل الخلقة أو دميمها، فالخطاب المفرح هو هو لا يتغير.

 أو هو
كالزارع الذي يلقي البذار في الأرض فتثمر، سواء كان هذا الزارع باراً أو مخطئاً.
المهم في البذرة وقوة الحياة التي فيها، وليس في يد الزراع التي تلقيها.

وأنت قد تشرب الماء في كوب من ذهب أو كوب من
نحاس. والماء هو هو بنفس طبيعته لم يتغير بنوع الكأس الذي يقدم لك الماء فيه.

وهنا نحن نتكلم عن المعمودية وفاعليتها. ولا
يجوز أن نخرج العقيدة من ناحيتها الموضوعية إلي نواح شخصية تتعرض لأدانة الآخرين،
دون النظر إلي ما منحه الرب للبشر في المعمودية حسب كلمته الصادقة في الإنجيل.

 

11- كيف خلص اللص اليمين دون معمودية؟

وفي إجابتنا عن هذا السؤال نقول إن اللص قد نال
معمودية هي أفضل معمودية وكلنا نحاول أن نعتمد علي مثالها. لأنه ما هي المعمودية
سوي موت مع المسيح كما شرح معلمنا بولس (رو6) واللص اليمين قد مات مع المسيح فعلاً،
وصار موته بهذا الوضع معمودية ومثال ذلك معمودية الدم التي نقولها عن الشهداء
الذين آمنوا بالمسيح، فقتلوهم في عصور الاضطهاد قبل أن ينالوا نعمة المعمودية
بالماء. فصار موتهم هذا معمودية. ماتوا مع المسيح كاللص.

 

12- المعمودية وآية آمِن بالرب يسوع فتخلص

إن كانت المعمودية لازمة هكذا، فلماذا قال الرسولان
بولس وسيلا لسجان فيلبي (آمن بالرب يسوع فتخلص..)

(أع31: 16).ولم يقولا له آمن واعتمد. وهذا دليل
علي كفاية الإيمان. أما الجواب هو أن الرسولين كان يكلمان إنساناً غير مؤمن، مهما
فعل لا يمكن أن يخلص بدون إيمان. لذلك كان عليهما أن يوجهاه إلي هذا الإيمان أولاً
لكي يخلص. فإن قبل الإيمان، يشرحان له باقي الأمور اللازمة.

ولذلك فإن بعد قول الرسول هذا حدث أمران هما:

أ- (كلماه وجميع أهل بيته بكلمة الرب) (أع32: 16).

ب- (اعتمد في الحال هو والذين له أجمعون) (أع33:
16).

 

هكذا لا يجوز أن نضع أمامنا آية واحدة، وننسي
باقي الآيات المتعلقة بالموضوع فإلي جوار إيمان سجان فيلبي، نضع عماد سجان فيلبي.
وإلي جوار قول الرسولين: (آمن.. فتخلص). نضع أمامنا أيضاً قول الرب نفسه: (من آمن
واعتمد، خلص) (1بط3: 21، تي 5: 3).

 

13- إن كانت المعمودية ضرورية، فهل كل أنبياء
العهد القديم اعتمدوا؟!

والإجابة هي: لو كانت وصية المعمودية موجودة في
أيامهم لكان يلزمهم العماد، كلن هذه الوصية وضعت في المسيحية فلماذا؟ لأن
المعمودية هي موت مع المسيح والمسيح لم يكن قد مات في العهد القديم.

ولكن أنبياء العهد القديم مارسوا من رموز
المعمودية ما أمكنهم ممارسته في أيامهم كالختان وعبور البحر. ومارسوا الاحتفال
بخروف الفصح الذي يرمز إلي دم المسيح.

ولا يجوز أن نطالب أشخاصاً بشريعة لم تكن موجودة
في أيامهم.

 

14- هل الخلاص هو بالكلمة وليس بالماء؟

 هل
الخلاص بالكلمة وليس بالماء؟

وهل قول الرسول عن الكنيسة: (مطهراً إياها بغسل
الماء بالكلمة) (أف26: 5). تعني أن هذا الغسل كان بالكلمة؟ أي الخلاص بالكلمة.

وماذا عن باقي الآيات التي تدل علي لزوم الكلمة
للخلاص مثل (مولودين ثانية لا من زرع يفني، بل مما لا يفني، بكلمة الله الحية
الباقية إلي الأبد) (1بط23: 1) وأيضاً (شاء فولدنا بكلمة الحق) (يع18: 1) ولم يقل
ولدنا بالمعمودية – أو خلصنا بالمعمودية!!

 

ما أهمية الماء للخلاص؟

مادام الرب قد قال (من آمن واعتمد خلص) إذن
الخلاص يكون هكذا..

ولكن عبارة من آمن، لابد أن يسبقها شئ آخر هو
التعليم أو الكرازة لان الرسول يقول (كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون
بلا كارز؟) (رو14: 10). من هنا جاءت أهمية الكلمة..

 

الكلمة أولاً، نتيجة لها يحدث الإيمان. ونتيجة
للإيمان تتم المعمودية، ونتيجة للمعمودية الخلاص والولادة الجديدة.

 

ومع أن الخلاص والميلاد كلاهما بالمعمودية، إلا
أنه لابد من الكلمة أولاً لأنها هي التي تقود إلي الإيمان، وبالإيمان المعمودية.
لذلك قال الرسول (ولدنا بكلمة الحق) (مولودين بكلمة الله).. علي أعتبار أن الكلمة
هي الأصل الذي قاد إلي كل هذا..

 

وقول الرسول عن الكنيسة: “مطهراً إياها
بغسل الماء بالكلمة” (أف26: 5). فمعناه أن هذا التطهير تم بالمعمودية (غسل
الماء).. بالكلمة أي التبشير والكرازة وخدمة الكلمة التي من نتيجتها كان الإيمان
ثم المعمودية.

 

نلاحظ هنا قوله (بغسل الماء بالكلمة) ولم يقل
بغسل الماء الذي هو الكلمة. ولو كان غسل الماء يعنى الكلمة، ما كان هناك داع لهذا
التكرار. إنما غسل الماء بالكلمة معناه غسل الماء التي تم نتيجة لعمل الكلمة،
فلولا الكلمة ومفعولها ما أقبل الناس إلى غسل الماء أى المعمودية.

 

أما من جهة عبارة ” مولودين بكلمة
الله” (1بط 1: 23) وعبارة”شاء فولدنا بكلمة الحق”(يع1: 18)، فنلاحظ
فيهما أنه لم يذكر الإيمان؟! إن هذا مستحيل. ولكنه لم يذكر الإيمان هنا لأنه مفهوم
ضمناً.

 

الأشياء المفهومة ضمناً، لا داعي لتكرارها في كل
مناسبة. لا نستطيع في كل مناسبة أن نكرر عبارات: الكلمة – الإيمان – المعمودية –
الميلاد الثاني..

 

إن الكرازة لها أهميتها. ولا ينكر أحد أهمية
خدمة الكلمة. ولكن لا نستطيع مطلقاً أن نقول إنه يمكن لأناس أن يكونوا
“مولودين بكلمة الحق” سواء آمنوا أم لم يؤمنوا هكذا أيضاً في المعمودية.

 

أما عبارة ” غسل الماء بالكلمة، فتعنى
الأمرين معاً: الكلمة والمعمودية ونلاحظ فيهما أيضاً أنه لم يذكر (الإيمان الذي هو
مفهوم ضمناً).

 

البروتستانت يركزون باستمرار على الإيمان. فهل
عدم ذكر عبارة الإيمان في (أف5: 26، يع1: 18؛ 1 بط 1: 23)

 

يعني عدم أهمية الإيمان ولزومه؟ طبعاً لا. ففي
بعض الأحيان عدم ذكر شئ لا يعني بالضرورة عدم لزومه، إنما قد يعني أنه مفهوم
ضمنناً، هكذا في المعمودية.

 

15- ما هو مركز الماء في الخلاص والميلاد
الثاني؟

إذا ما هو مركز الماء في الخلاص والميلاد
الثاني؟

أ – أن كان الماء لم يذكر في عبارة “ولدنا
بكلمة الحق ” وعبارة ” مولودين بكلمة الله ” إلا أنه قد ذكر صراحة
في قول الرب: ” أن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت
الله ” (يو5: 3). هنا ولادة صريحة من الماء.

 

المقصود بالماء أن يكون ماءاً حقيقياً وليس
رمزاً..

 

ب – وهذا واضح في قبول إيمان كرنيليوس وأصحابه
الأمميين وضمهم إلي عضوية الكنيسة.

 

هنا أشخاص أبرار. كان إيمانهم بدعوة من الله،
وظهور ملاك لكرنيليوس ورؤيا لبطرس، وأمر إلهي. وقد بشرهم بطرس بالكلمة، وحل الروح
القدس علي جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة (أع44: 10). وتكلموا بألسنة.

 

أكان كل هذا يكفي لميلادهم الثاني؟ أكان يمكن
لبطرس أن يقول لهم: مبارك لكم جميعاً هذا الميلاد الجديد؟ كلا بل أن القديس بطرس
قال بعد كل هذا: (أتري يستطيع أحد أن يمنع الماء حتي لا يعتمدوا باسم الرب) (أع10:
47،48).

 

ويعلق كاتب سفر أعمال الرسل علي هذا بقوله
مباشرة: (إن الأمم قبلوا كلمة الله) (أع1: 11). هنا إذن مكان الماء إلي جوار
الكلمة. وهنا الماء لا يعني الكلمة، كما ظن البعض في ظن (أف26: 5).

 

ج – وهناك مثال آخر واضح للماء، في معمودية
الخصي الحبشي؟:

 

لما آمن الخصي. يقول الكتاب: (وفيما هما سائران
في الطريق أقبلا علي الماء. فقال الخصي: هوذا ماء. ماذا يمنع أن اعتمد. فقال فيلبس:
إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال: أنا أومن أن يسوع المسيح هو أبن الله..
فنزلا كلاهما إلي الماء، فيلبس والخصي الحبشي، فعمده) (أع8: 36-38).

 

هنا المعمودية ماء، تماماً مثل معمودية كرنيليوس
والذين معه، معمودية ماء حقيقي، كانت لازمة بعد الكلمة مباشرة، ولم يكن الماء فيها
هو الكلمة.. فإن كان الخصي قد ولد بالكلمة، وغسل بالكلمة، ماذا كانت الحاجة إلي
الماء..؟!

 

16- أهمية الماء ورموزه في المعمودية

وفي هذا المجال أود أن أتحدث عن موضوع هام هو:

أهمية الماء ورموزه:

وذلك لنفهم لماذا اختير الماء للغسل والولادة
الجديدة في سر المعمودية المقدس.. منذ البداية، في قصة الخليقة، والماء له علاقة
بالحياة.

 

يقول الكتاب: (وروح الله يرف علي وجه المياه)
(تك2: 1). ويذكر أيضاً أن الله قال: (لتفض المياه زحافات ذات أنفس حية، وليطر طير..)
(تك20: 1). وهكذا خرجت الحياة من الماء، ونري ربطاً ما بين الماء وروح الله.

 

ونقرأ أيضاً أن الله يشبه ذاته بالماء. فيقول في
تبكيته للشعب: (تركوني أنا ينبوع المياه الحي، لينقروا لأنفسهم آباراً مشققة.)
(إر13: 2). وكما ذكر هذا في العهد القديم ذكر نفس المعني في العهد الجديد في قوله
السيد المسيح له المجد: (من آمن بي – كما قال الكتاب – تجري من بطنه أنهار ماء حي.
قال عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه) (يو7: 38،39).

 

ويشبه هذا قول السيد المسيح عن نفسه أنه المعطي
الماء الحي في حديثه مع المرأة السامرية عن الماء الحي، إذا يقول: (بل الماء الذي
أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلي حياة أبدية) (يو4 10-14). الماء إذا يرمز إلي
الحياة، وأحياناً إلي الروح القدس نفسه. وما أجمل قول الوحي الإلهي في المزمور
الأول عن الرجل البار إنه: (يكون كشجرة مغروسه علي مجاري المياه تعطي ثمرها في
حينه) (مز3: 1)أي ثمر الروح. ويعوزنا الوقت أن نربط بين الماء والحياة والروح
القدس في الكتاب المقدس. الذي يستمر من أول سفر التكوين (تك 3: 1). إلي آخر سفر
الرؤيا (أنا أعطي العطشان ينبوع ماء الحياة مجاناً) (رؤ6: 21) (وأراني نهراً
صافياً من ماء حياة لامعاً كبللور، خارجاً من عرش الله والخروف) (رؤ1: 22)

 

(من يعطش فليأت، ومن يرد فليأخذ ماء حياة
مجاناً) (رؤ17: 22).

 

وفي عبور البحر الأحمر كان الماء يرمز للحياة
والموت معاً. موت الإنسان العبد، وحياة الإنسان الحر، الخارج من الماء.

 

وفي لقان خميس العهد، كان الماء يرمز إلي
التطهير. لذلك قال الرب بعد غسل أرجل تلاميذه قال لهم: (أنتم طاهرون..) (يو10: 13).
ويقول المرتل في المزمور: (أغسل يدي بالنقاوة).

 

لعل هذا هو غسل الميلاد بالكلمة، التطهير الذي
نناله في حميم الميلاد الجديد. وينطبق عليه في المعمودية قول الرسول للعبرانيين: (مغتسله
أجسادنا بماء نقي) (عب22: 10).

 

ولا أريد أن أترك الحديث عن الماء، دون أن اذكر
معجزة عظيمة حدثت وقت صلب المسيح خاصة بالماء والدم.

 

17- الماء والدم

لما طعن الجندي جنب المسيح وهو علي الصليب، خرج
من جنبه (دم وماء) (يو24: 19).

 

 فما
الحكمة اللاهوتية من هذا؟

خرج من جنبه الدم الذي يعطي معني الفداء. ولكن
كيف ننال نحن هذا الفداء نناله بالماء (المعمودية) لذلك حسن أن أجتمع علي الصليب
الدم والماء، ليعطي الوسيلة للفداء.

 

إن دم المسيح الذي يطهرنا من الخطية نناله
بالماء. ما أجمل – في سر الأفخارستيا – أن نمزج الدم بالماء.

 

ولعل موضوع الدم والماء يظهر واضحاً في قول
القديس يوحنا الحبيب الذي شهد هذا الحادث (خروج الدم والماء) وهو إلي جوار الصليب:

 

(الذين يشهدون في الأرض هو ثلاثة: الروح والماء
والدم. والثلاثة هم واحد (1يو8: 5). إن الفداء الذي نناله توضحه هذه الآية.

 

الفداء قدمه لنا الدم (دم المسيح). ونحن ننال
استحقاقات هذا الدم بالميلاد من الماء والروح.

 

إذن في المعمودية تجتمع هذه الثلاثة في الشخص
الواحد المعمد: أعني الدم والروح والماء.

 

18- هل الماء في المعمودية له كل هذه الفاعلية؟

ولعل أحداً يسأل: هل الماء له كل هذه الفاعلية؟

أ) إن هذا السؤال يذكرني بالاحتجاج الذي احتج به
نعمان السرياني حينما طلب إليه إليشع أن يغتسل في الأردن لكي يطهر. فاستكثر هذا أن
يكون الأمر مجرد غسل في الماء، وعندهم أنهار في دمشق أفضل من أنهار إسرائيل (2مل5:
10-12) ولكنه لما أطاع واغتسل، نال الطهارة بهذا الإيمان. وملاحظة بسيطة هنا. ان
النبي أمره بالاغتسال في الأردن الذي صار فيما بعد نهر المعمودية أيام يوحنا
المعمدان (مت6: 3) فهل نستكثر علي الماء مفعوله، كما حدث مع نعمان السرياني؟!

 

إن الله يعطي النعمة بالطريقة التي يريدها. وهنا
لم تكن النعمة في مجرد ماء الأردن، إنما السر في القوة التي وضعها الله في هذا
الماء للتطهير.. ونفس الأمر نقوله إلي حد ما عن المعمودية كما سنشرح.

 

ب) مثال آخر: حينما شفي الرب الرجل المولود أعمي.
وضع طيناً في عينيه وقال له:

 

(أذهب اغتسل في بركة سلوام. فمضي واغتسل وأتي
بصيراً) (يو9: 6،7) كان يمكن بمجرد الإيمان أن ينال هذا الأعمي بصراً. ولكن الله
أراد أن يمنحه النور- والمعمودية استنارة – عن طريق الماء. فليكن مشيئة الرب فيما
يريد. إننا لا نرسم له خططاً ينفذها تبارك اسمه..

 

ج- ومع كل ذلك نقول في الإجابة على هذا السؤال
إن ماء المعمودية ليس مجرد ماء بسيط عادي. والإنسان المعمد لا يولد من الماء فقط،
إنما من الماء والروح.

 

الروح القدس يقدس هذا الماء لكي تصبح له طبيعة
خاصة يمكن بها لمن يغطس فيه أن يولد من الماء والروح. وبهذا يأخذ استحقاقات دم
المسيح في الفداء حينما – في هذا الماء – يدفن المعمد مع المسيح، ويشترك مع المسيح
في موته، لكي يستحق أن يشترك معه في قيامته.

 

ولذلك فنحن أثناء تقديس ماء المعمودية، نسكب
عليه من زيت الميرون المقدس الخاص بالمسحة المقدسة، مسحة الروح القدس، لكي يتقدس
الماء بالروح. ومن يولد منه يولد من الماء والروح.

 

وفي تقديس هذا الماء يصلي الكاهن صلوات معينة
خاصة بتقديس الماء وحلول الروح لتقديسه. وأيضاً يتلو تلاوات من كلمة الله. وهكذا
فإن ماء المعمودية الذي نغتسل به يكون قد تقدس بالكلمة.

 

19- أليس من الأفضل أن نقول أن المعمودية قيامة
مع المسيح وليس موتاً، لأن الموت لا يفيدنا بل يضرّنا، وإنما القيامة هي التي
تفيد؟

 

أليس من الأفضل أن تقول إن المعمودية قيامة مع المسيح
وليس موتاً، لأن الموت لا يفيدنا بل يضرنا، وإنما القيامة هي التي تفيد؟

 

المعمودية هي موت مع المسيح وقيامة معه، كما شرح
الرسول في رسالته إلي أهل رومية: (إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير
أيضاً بقيامته. إن كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه) (رو6: 5،8).

 

وفي هذا الأمر لا يجوز لإنسان أن يعتمد علي فكره،
ويخرج عن تعليم الكتاب، قائلاً إن الموت لا يفيدنا بل القيامة. وهوذا الكتاب يقول
عن المعمودية:

 

(أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح،
اعتمد لموته دُفِنّا معه بالمعمودية للموت) (رو6: 3،4).

 

ويكرر هذا المعني في رسالته إلي كولوسى فيقول
(مدفونين معه في المعمودية، التي فيها أيضاً أقمتم معه) (كو12: 2).

 

وفي هذا النص نري المعمودية موتاً وقيامة معاً..
حقاً إن الذين يحتقرون الموت مع المسيح، لا ينالون بركة قيامته.

 

20- لماذا الموت في المعمودية، وما أهميته؟

 

وهنا نسأل: لماذا الموت في المعمودية؟ وما
أهميته؟

أ) ليكون لنا شركة مع السيد المسيح. فالرسول لم
يقل فقط أنه يدخل في قوة قيامته وإنما قال: (لأعرفه وقوة قيامته، وشركة آلامه،
متشبهاً بموته) (في10: 3). وقال في هذا أيضاً: (مع المسيح صلبت) (غل20: 2).

 

وعبارة الموت مع المسيح تتكرر كثيراً في (رو6).

 

ب) لابد للإنسان في المعمودية أن تموت طبيعته
الفاسدة، لكي يأخذ طبيعة أخري جديدة. وهذا ما عبر عنه الرسول بصلب الإنسان العتيق
في المعمودية فيقول في نفس الفصل من الرسالة إلي رومية (عالمين هذا أن إنساننا العتيق
قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا تعود نستعبد للخطية. لأن الذي مات قد تبرأ من
الخطية) (رو6: 6،7) هنا فائدة الموت. وليس الموت ضرراً كما يظن البعض فإن طبيعتنا
الفاسدة من الخير لها ولنا أن تموت، لكي نقوم بطبيعة أخري علي صورة الله. أما
الطبيعة الفاسدة فليست لها قوة القيامة مع المسيح. فمن الضرورة أن تموت لتحيا.

 

ج- لأننا في شركة الموت، نعترف ضمناً أننا كنا
تحت حكم الموت (أمواتاً بالخطية) (وأن المسيح قد مات عنا ودفن، ولذلك فنحن نعتمد
لموته، مادامت أجرة خطيتنا هي الموت، مدفونين معه بالمعمودية. وذلك نستحق بركة
القيامة مع المسيح.

 

د- بديهي أن القيامة معناها القيامة من الموت.
فالذي يقوم مع المسيح في المعمودية. هو بالضرورة الذي مات ليقوم. لأنه إن لم يمت
فكيف يقوم إذن؟

 

21- كيف يعتمد إنسان ليخلص من الخطية الأصلية
(الجديّة) إن كان قد وُلِد من والدين قد تعمَّدا وتخلَّصا من تلك الخطية؟

إن حكم الموت لم نرثه من الوالدين المباشرين،
حتي نخلص منه بمعموديتهما. إنما حكم الموت قد ورثناه من آدم وحواء مباشرة، من
الإنسان الأول. وذلك لأننا كنا في صلب آدم حينما فسدت طبيعته وحكم عليه بالموت،
فأصبح كل ما في صلبه مائتاً، ونحن خرجنا من صلب آدم تحت حكم الموت.

 

ولذلك أصبح حكم الموت هو علي كل ذرية آدم، وليس
فقط علي قايين وهابيل وشيث.

 

وفي ذلك يقول الكتاب: (كأنما بإنسان واحد دخلت
الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ
الجميع) (رو12: 5). ويقول أيضاً: (لأنه في آدم يموت الجميع، هكذا أيضاً في المسيح
سيحيا الجميع) (1كو22: 15).

 

إذن الموت كان حكماً علي كل البشرية، لأنها ذرية
آدم. يولد كل إنسان محكوماً عليه بالموت، إذ كان في صلب آدم حينما حكم عليه الموت.

 

والخلاص من الموت هو خلاص شخصي، لكل فرد علي حده
أياً كان والداه، قد نالا الخلاص أم لم ينالاه. وهذا الخلاص يحتاج إلي التوبة
والإيمان بدم المسيح والمعمودية، وباقي وسائط النعمة. ومع ذلك لا يوجد والدان بدون
خطية..

 

وصدق المرتل في المزمور حينما قال: (لأني هانذا
بالإثم ولدت، وفي الخطية حبلت بي أمي) (مز50). إننا في الفساد نولد إلي أن نعتق من
عبودية الفساد (رو21: 8). ومتي سنعتق من هذا الفساد؟ يقول الرسول عن جسدنا (يزرع
في فساد، ويقام في عدم فساد لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت
يلبس عدم فساد) (رو21: 8). ومتي؟ حينما يبوق فيقام الأموات.

 

22- هل المعمودية تُعاد؟

هل المعمودية تعاد؟!

ألسنا نقول في قانون الإيمان (نؤمن بمعمودية
واحدة لمغفرة الخطايا)؟

ألم يقل الكتاب المقدس (معمودية واحدة) (أف5: 4).

 

الجواب:

نعم، قد قال الكتاب (معمودية واحدة). ولكن ليتنا
نقرأ الآية كاملة، حيث تقول (إيمان واحد، معمودية واحدة) (أف5: 4).

 

فحيثما يوجد الإيمان الواحد، توجد معه المعمودية
الواحدة.

 

ولذلك نحن لا يمكن مطلقاً أن نعيد معمودية إنسان
تعمد في كنيسة لها نفس إيماننا الأرثوذكسي.

 

كذلك المعمودية، ينبغي أن يقوم بها كاهن شرعي له
كل سلطانه الكهنوتي الذي يسمح له بإجراء سر المعمودية المقدس، مؤمناً بكل فاعلية
هذا السر..

 

فمثلاً الكنائس التي لا تؤمن بسر الكهنوت، وليس
لها كهنة، كما لا تؤمن بأن المعمودية سر، ولا تؤمن بفاعلية المعمودية كما نؤمن،
فكيف نقبل معموديتها.

 

ونفس الوضع مع الكنائس التي تؤمن بسر المعمودية
وفاعليته، وبسر الكهنوت ولكنها مغلقة علينا بحرم الآباء.

ينبغي أن تزال الحروم أولا، ثم نقبل أسرارها
الكنسية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى