اللاهوت العقيدي

الفصل العاشر



الفصل العاشر

الفصل
العاشر

المجئ
الثانى والحياة الأبدية.

تمهيد:

1
– المجئ الثانى للمسيح:

مقالات ذات صلة

أ
– يسوع نفسه: ‏

ب
– الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى: ‏

ج
– اليقظة والسهر: ‏

د
– صلاة يسوع: ‏

2
– نهاية العالم” الأرض الجديدة”‏

أ
– فى العهد القديم: ‏

ب
– فى العهد الجديد: ‏

ج
– الأرض الجديدة: ‏

3
– الموت‏

أ
– فى المزامير وعند الأنبياء: ‏

ب
– موت الأبرار فى سفر الحكمة:

ج
– الحياة الأبدية فى العهد الجديد: ‏

د
– ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟: ‏

ه
– صلاة: ‏

4
– قيامة الموتى والحياة الأبدية:

أ
– فى العهد القديم: ‏

ب
– فى العهد الجديد: ‏

5
– تجلى الجسد

أ
– الحوار مع موتوفيلوف: ‏

ب
– مغزى الحادثة: ‏

ج
– الجسد واسطة لتمجيد الله: ‏

د
– مجد القيامة الأخير: ‏

ه
– بدء جيل المستقبل: ‏

و
تجلى العالم: ‏

6
– الدينونة

أ
– عدل الله وحكمه: ‏

ب
– المسيح هو الديان: ‏

ج
– شرط الدينونة: ‏

7
– الصلاة من أجل الموتى


صلاة البار وشركة القديسين: ‏

————-

 

الفصل
العاشر

اَلْمَجِئ
اَلثَانِى وَالْحَيَاةُ اَلأبَدِيَّة

 

“..وأيضًا
يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات.. الذى ليس لملكه إنقضاء..وننتظر قيامة
الأموات وحياة الدهر الآتى. آمين..”

 

تمهيد

عندما
يفكّر المرء بآخر الأزمنة، تراوده فورًا مشكلة مصيره الشخصى، ويطرح على نفسه
السؤال:

 

ماذا
سيحدث بى بعد الموت؟..

 

هذا
التساؤل ناتج عن جعل الإنسان نفسه محورًا للعالم..

 

غير
أن الإعلان الإلهى والتقليد الكنسى يعلّمان أن ” الأنا” ليست محور
العالم، وأن محور العالم هو ذاك الذى قال:

 


أنا الألف والياء، البداية والنهاية”..

 

لذلك
فالسؤال الصحيح الذى يجب أن يُطرح هو:

 

ماذا
سيحدث عند مجئ المسيح الثانى؟..

 

الكنيسة
تعيش على إنتظار هذا المجئ، إذ حينئذ فقط يصير المسيح ” الكلّ فى الكلّ”
وتتم عملية الخلاص وإفتقاد الله للبشر..

 

فى
هذا الفصل سنبحث كل جوانب هذا السر محاولين، قدر المستطاع بنعمة الرب يسوع، الولوج
فى أعماقه..

——–

 

1
– المجئ الثانى للمسيح

أ
– يسوع نفسه:

أثناء
بشرته على الأرض، أعلن عن مجيئه الثانى فقال:

 

[
وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ
تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً عَلَى
سَحَابِ السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوقٍ
عَظِيمِ الصَّوْتِ فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ
أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا ] [ متى 24: 30، 31 ]..

 

و[
وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ
كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ
مِنَ اَلأَرْبَعِ اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ
اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13: 26، 27 ]..

 

و[
وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ
وَمَجْدٍ كَثِيرٍ ] [ لوقا 21: 27 ]..

 

وقد
ذكّرنا الرسول بولس بأقوال السيد هذه فى أول رسالة كتبها من كورونثوس إلى أهل
تسالونيكى:

 

[
فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ
الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ.
لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ
رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ
أَوَّلاً ] [ 1 تسالونيكى 4: 15، 16 ]..

———

 

ب
– الأحداث التى تشير إلى المجئ الثانى:

لم
يُعلن يسوع موعد مجيئه الثانى، لا بل أكّد على أن ذلك الموعد لا يعرفه أحد سوى
الله، ولكنه أشار إلى أحداث تسبق ذلك الموعد..

 

1
دمار الهيكل ومدينة أورشليم:

[
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هَذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هَهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ! ] [ متى
24: 2 ]..

 

و[
وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا
أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي
الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ وَالَّذِينَ فِي وَسَطِهَا فَلْيَفِرُّوا
خَارِجاً وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ فَلاَ يَدْخُلُوهَا لأَنَّ هَذِهِ أَيَّامُ
انْتِقَامٍ لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى
وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى
الأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. وَيَقَعُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْبَوْنَ
إِلَى جَمِيعِ الأُمَمِ وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ الأُمَمِ حَتَّى
تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ الأُمَمِ ] [ لوقا 21: 20 – 24 ]..

 

2
– ظهور الأنبياء الكذبة:

[
فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ الْمَسِيحُ
وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ.. وَيَقُومُ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ
وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ] [ متى 24: 5، 11]..

 

و[
فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ.
وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ ] [ مرقس 13: 6 ]..

 

و[
اُنْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ:
إِنِّي أَنَا هُوَ وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ. فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ ] [
لوقا 21: 8 ]..

 

3
– الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية:

[
وسَوَفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبِ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا لاَ تَرْتَاعُوا.
لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلٌّهَا. وَلَكِنْ لَيْسً اَلْمُنْتَهَى
بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةً عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٍ عَلَى مَمْلَكَةٍ
وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٍ وَزَلازِلُ فِى أَمَاكِنَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ
كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ ] [ متى 24: 6 – 8 ]..

 

و[
فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا لأَنَّهَا
لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ وَلَكِنْ لَيْسَ اَلْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ
أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ
وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاِضْطِرَابَاتٌ. هَذِهِ مُبْتَدَأُ اَلأَوْجَاعِ ] [ مرقس
13: 7، 8 ]..

 

و[
فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَقَلاَقِلٍ فَلاَ تَجْزَعُوا لأَنَّهُ لاَ بُدَّ
أَنْ يَكُونَ هَذَا أَوَّلاً وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ الْمُنْتَهَى سَرِيعاً }. ثُمَّ
قَالَ لَهُمْ: { تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ
وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ.
وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ] [ لوقا 21: 9 – 11
]..

 

4
– إضطهاد المسيحيين من أجل المسيح:

[
حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيقٍ وَيَقْتُلُونَكُمْ وَتَكُونُونَ
مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي. وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ
كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ]
[ متى 24: 9، 10 ]..

 

و[
فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ
وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي
شَهَادَةً ] [ مرقس 13: 9 ]..

 

و[
فَضَعُوا فِي قُلُوبِكُمْ أَنْ لاَ تَهْتَمُّوا مِنْ قَبْلُ لِكَيْ تَحْتَجُّوا
لأَنِّي أَنَا أُعْطِيكُمْ فَماً وَحِكْمَةً لاَ يَقْدِرُ جَمِيعُ مُعَانِدِيكُمْ
أَنْ يُقَاوِمُوهَ ويُنَاقِضُوهَا. وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ
وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ.
وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنَّ شَعْرَةً
مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ ] [ لوقا 21:
14 – 19 ]..

 

5
– فقدان المحبة والإيمان وطغيان الإثم:

[
وَلِكَثْرَةِ الإِثْمِ تَبْرُدُ مَحَبَّةُ الْكَثِيرِينَ ] [ متى 24: 12 ]..

 

[
وَسَيُسْلِمُ اَلأَخُ أَخَاهُ إِلَى اَلْمَوْتِ وَاَلأَبُ وَلَدَهُ وَيَقُومُ
اَلأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ] [ مرقس 13: 12 ]..

 

و[
وَلَكِنِ اِعْلَمْ هَذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ
صَعْبَةٌ، لأَنَّ اَلنَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ
لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ
لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضىً،
ثَالِبِينَ، عَدِيمِي اَلنَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ،
خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ
مَحَبَّةٍ لِلَّهِ، لَهُمْ صُورَةُ اَلتَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ
قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هَؤُلاَءِ ] [ 2 تيموثاوس 3: 1 – 5 ]..

 

6
– إنتشار الإنجيل فى كلّ العالم:

[
وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هَذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً
لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى ] [ متى 24: 14 ]..

 

و[
فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ
وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ
بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ] [ متى
28: 19، 20 ]..

 

و[
وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ اَلأُمَمِ ] [ مرقس
13: 10 ]..

 

7
– ظهور المسيح الدجال:

[
فَمَتَى نَظَرْتُمْ (رِجْسَةَ الْخَرَابِ) الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ
النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ – لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ –
فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ ] [ متى
24: 15، 16 ]..

 

و[
فَمَتَى نَظَرْتُمْ (رِجْسَةَ اَلْخَرَابِ) اَلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ
اَلنَّبِيُّ قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي – لِيَفْهَمِ اَلْقَارِئُ –
فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ اَلَّذِينَ فِي اَلْيَهُودِيَّةِ إِلَى اَلْجِبَالِ.
وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلَكِنْ
لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ قَصَّرَ اَلأَيَّامَ ] [ مرقس
13: 14، 20 ]..

 

و[
وَلَكِنَّ اَلرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحاً: إِنَّهُ فِي اَلأَزْمِنَةِ اَلأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ
قَوْمٌ عَنِ اَلإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحاً مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ
شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَالٍ كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ ] [ 1
تيموثاوس 4: 1، 2 ]..

 

و[
لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ
يَأْتِ الاِرْتِدَادُ أَوَّلاً، وَيُسْتَعْلَنَ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ
الْهَلاَكِ، الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلَه
ومَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلَهٍ مُظْهِراً
نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلَهٌ. أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ
كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هَذَا؟ وَالآنَ تَعْلَمُونَ مَا يَحْجِزُ حَتَّى
يُسْتَعْلَنَ فِي وَقْتِهِ. لأَنَّ سِرَّ الإِثْمِ الآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى
أَنْ يُرْفَعَ مِنَ الْوَسَطِ الَّذِي يَحْجِزُ الآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ
الأَثِيمُ، الَّذِي الرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ
مَجِيئِهِ. الَّذِي مَجِيئُهُ بِعَمَلِ الشَّيْطَانِ، بِكُلِّ قُوَّةٍ، وَبِآيَاتٍ
وَعَجَائِبَ كَاذِبَةٍ، وَبِكُلِّ خَدِيعَةِ الإِثْمِ، فِي الْهَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ
لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ الْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا ] [ 2 تسالونيكى 2: 3 – 10
]..

 

و[
أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اعْلَمُوا أَنَّنَا نَعِيشُ الآنَ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ.
وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي أَخِيراً «مَسِيحٌ دَجَّالٌ»، فَقَدْ
ظَهَرَ حَتَّى الآنَ كَثِيرُونَ مِنَ الدَّجَّالِينَ الْمُقَاوِمِينَ لِلْمَسِيحِ.
مِنْ هُنَا نَتَأَكَّدُ أَنَّنَا نَعِيشُ فِي الزَّمَنِ الأَخِيرِ.. وَكُلُّ مَنْ
يُنْكِرُ الابْنَ، لاَ يَكُونُ الآبُ أَيْضاً مِنْ نَصِيبِهِ. وَمَنْ يَعْتَرِفُ
بِالابْنِ، فَلَهُ الآبُ أَيْضاً ] [ 1 يوحنا 2: 18، 22]..

 

و[
وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، بَلْ مِنْ عِنْدِ
ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَوْفَ يَأْتِي، وَهُوَ الآنَ
مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ ] [ 1 يوحنا 4: 3 ]..

 

و[
لأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ إِلَى اَلْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ
بِيَسُوعَ اَلْمسِيحِ آتِياً فِي اَلْجَسَدِ. هَذَا هُوَ اَلْمُضِلُّ، وَاَلضِّدُّ
لِلْمَسِيحِ ] [ 2 يوحنا 7 ]..

—————

 

ج
– اليقظة والسهر:

العديد
من الأحداث التى ذكرناها حصل بالفعل، ومنها ما يحصل الآن..

 

وهذا
ما يحدو بالمؤمن أن يأخذ القضية بكثير من الجدية وأن يعتبر ما حصل ويحصل إشارات
لإقتراب موعد الملكوت، وأن يستعد لذلك..

 

كيف
يستعد؟..

 

بالسهر
والصلاة..

 

هكذا
أراد يسوع:

 

[
لِذَلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضاً مُسْتَعِدِّينَ لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ
تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ. فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ
الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ
فِي حِينِهِ؟ ] [ متى 24: 44، 45 ]..

 

و[
وَلَكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اَللَّيْلِ، يَوْمُ اَلرَّبِّ، اَلَّذِي فِيهِ
تَزُولُ اَلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً،
وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 10 ]..

 

وما
مثل العذارى العاقلات [ متى 25: 1 – 13 ] إلا ليعلمنا يسوع بكل وضوح ضرورة السهر
المستمر واليقظة الدائمة فى كل حياة روحية تَنْهدُ إلى الأصالة..

 

وأكّد
على ذلك فى مثل الخادم الأمين الذى عاد سيده فوجده ساهرًا..

 

كلّ
منّا مدعو لأن يكون إحدى العذارى العاقلات وذلك الخادم الأمين..

 

فبدون
حياة روحية واعية تفتش عن المسيح فى كلّ مواضع سُكْناه وتسعى إلى العيش باستمرار
فى ذكرى الله، وتعى أننا موجودون دوما فى حضرة الله تعالى، لا توجد أية حياة
مسيحية حقيقية..

—————

 

د
– صلاة يسوع:

يقول
الرسول بولس:

 

[
صَلُّوا بِلاَ اِنْقِطَاعٍ ] [ 1 تسالونيكى 5: 17 ]..

 

وكأنه
بذلك يدلّنا على الطريق لإستجابة طلب السيد: ” إسهروا”..

 

والتقليد
الأرثوذكسى يربط بين اليقظة والصلاة المستديمة..

 

هذا
التقليد، الذى لا يزال حيًا فى عالمنا اليوم، يدعو على تلاوة مستمرة لما يُسمّى ب
” صلاة يسوع” فى شكلها التالى:

 

[
يا يسوع ابن الله الحى إرحمنى أنا الخاطئ ]

 

هذه
الصلاة يمكن أن يمارسها المؤمن فى كل مكان..

 

وبإشراف
أب روحى ذى خبرة تنقلب الصلاة من حركات الشفاه إلى صلاة قلبية يرددها القلب دون
إنقطاع وأثناء أى عمل يقوم به الإنسان..

 

ونرى
فى كتاب ” سائح روسى على دروب الرب” كيف أن أبسط الناس يمكنهم التدرّب
على هذه الصلاة والدخول فى حضرة الله فيزداد شوقهم إلى لقياه ويترقبون بفرح مجيئه
الثانى:

 

[
آمينَ. تَعَالَ أَيُّهَا اَلرَّبُّ يَسُوعُ ] [ رؤيا 22: 20 ]..

—————-

 

2
– نهاية العالم” الأرض الجديدة”

يعلمنا
الكتاب المقدس، فى عهديه القديم والجديد، أن للعالم بداية ونهاية..

وها
هى بعض النصوص الأكثر أهمية المتعلقة بذلك:

 

أ
– فى العهد القديم:

[
منْ قِدَمٍ أَسَّسْتَ اَلأَرْضَ وَاَلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ. هِيَ
تَبِيدُ وَأَنْتَ تَبْقَى ‏وَكُلُّهَا كَثَوْبٍ تَبْلَى كَرِدَاءٍ تُغَيِّرُهُنَّ
فَتَتَغَيَّرُ. وَأَنْتَ هُوَ وَسِنُوكَ لَنْ تَنْتَهِيَ. أَبْنَاءُ عَبِيدِكَ
يَسْكُنُونَ وَذُرِّيَّتُهُمْ تُثَبَّتُ أَمَامَكَ ] [ مزمور 102: 25 – 28 ]..

 

[
اِرْفَعُوا إِلَى اَلسَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ وَاُنْظُرُوا إِلَى اَلأَرْضِ مِنْ
تَحْتٍ. فَإِنَّ ‏اَلسَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ وَاَلأَرْضَ
كَالثَّوْبِ تَبْلَى وَسُكَّانَهَا ‏كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي
فَإِلَى اَلأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ ] [ أشعياء 51: 6 ]..

 

[
اِنْسَحَقَتِ اَلأَرْضُ اِنْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ اَلأَرْضُ تَشَقُّقاً.
تَزَعْزَعَتِ ‏اَلأَرْضُ تَزَعْزُعاً. تَرَنَّحَتِ اَلأَرْضُ تَرَنُّحاً
كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ ‏كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا
فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. وَيَكُونُ فِي ‏ذَلِكَ اَلْيَوْمِ أَنَّ
اَلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ اَلْعَلاَءِ فِي اَلْعَلاَءِ وَمُلُوكَ اَلأَرْضِ
‏عَلَى اَلأَرْضِ. وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ
عَلَيْهِمْ ‏فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ.
وَيَخْجَلُ اَلْقَمَرُ وَتُخْزَى ‏اَلشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ اَلْجُنُودِ قَدْ
مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ‏وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ ]
[ أشعياء 24: 19 – 23 ]..

 

[
قُدَّامَهُ تَرْتَعِدُ اَلأَرْضُ وَتَرْجُفُ اَلسَّمَاءُ. اََلشَّمْسُ
وَاَلْقَمَرُ يُظْلِمَانِ وَاَلنُّجُومُ تَحْجِزُ لَمَعَانَهَا ] [ يوئيل 2: 10،
3: 15 ]..

—————-

 

ب
– فى العهد الجديد:

[
وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ
يُعْطِي ضَوْءَهُ وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ
تَتَزَعْزَعُ ] [ متى 24: 29 ]..

 

[
وَأَمَّا فِي تِلْكَ اَلأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ اَلضّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ
وَاَلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ وَنُجُومُ اَلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ
وَاَلْقُوَّاتُ اَلَّتِي فِي اَلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ
يُبْصِرُونَ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ
فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ اَلأَرْبَعِ
اَلرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ اَلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ اَلسَّمَاءِ ] [ مرقس 13:
24 – 27 ]..

 

[
وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَلَى الأَرْضِ
كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ وَالنَّاسُ يُغْشَى
عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأْتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ لأَنَّ
قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ
آتِياً فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هَذِهِ
تَكُونُ فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ ] [
لوقا 21: 25 – 28 ]..

 

[
وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ فَهِيَ مَخْزُونَةٌ
بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ.. اَلّذِي فِيهِ تَزُولُ اَلسَّماوَاتُ بِضَجِيجٍ،
وَتَنْحَلُّ اَلْعَنَاصِرُ مُحتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ اَلأَرْضُ
وَاَلْمَصْنُوعَاتُ اَلَّتِي فِيهَا ] [ 2 بطرس 3: 7، 10 ]..

 

[
ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ
وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!..
ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ
الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ]
[ رؤيا 20: 11، 21: 1 ]..

——————

 

ج
– الأرض الجديدة:

كل
النصوص التى ذكرناها تعطينا صورة رهيبة لنهاية العالم..

 

وأمّا
الحروب والكوارث الطبيعية، وإمكانات التدمير الحديثة، من أسلحة نووية على أسلحة
كيماوية وبيولوجية، فبإمكانها تقريب الصورة عن تلك النهاية وجعل تصوّرها سهلاً
علينا..

 

ولكن
علينا أن ننظر إلى الحدث بعينى الإيمان لا بالعين المجرّدة، لا سيما وأنه لا بدّ
من زوال العالم القديم ليحلّ عالم جديد دشنه المسيح فى مجيئه الأول وسيكمله فى
مجيئه الثانى..

 

إن
يوم نهاية العالم سيكون رهيبًا للأشرار:

 

[
فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا
أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ
مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً،
وَاَلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ ] [ 2بطرس 3: 11، 12 ]..

 

ولكنه
للمؤمنين يوم مجد..

 

هذا
اليوم هو المنتظر لأن فيه:

 

[
وَبَعْدَ ذَلِكَ النِّهَايَةُ مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ لِلَّهِ الآبِ مَتَى
أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ ] [ 1 كورونثوس 15:
24 ]..

 

وفيه
يتحقق العالم الجديد الذى تنبّأ عنه أشعياء، إذ قال:

 

[
لأَنِّي هَئَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً فَلاَ
تُذْكَر الأُولى وَلاَ ‏تَخْطُرُ عَلَى بَالٍ ] [ أشعياء 65: 17 ]..

 

ويقول
لنا بطرس الرسول بشأن هذا اليوم فى رسالته الثانية:

 

[
وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضاً
جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا اَلْبِرُّ ] [ 2بطرس 3: 13 ]..

 

وأمّا
يوحنا فيذكر فى رؤياه ” ثم رأيت سماء جديدة وأرض جديدة”، ويروى لنا قول
السيد:

 

[
وَقَالَ اَلْجَالِسُ عَلَى اَلْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً
] [ رؤيا 21: 5 ]..

 

إذًا،
آخر الأزمنة ليس مدعاة للخوف، فهو النهار الذى يلى الظلمة..

 

ونحن
بالمعمودية دخلنا العالم الجديد الآتى:

 

[
إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي اَلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ.
اَلأَشْيَاءُ اَلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا اَلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً ]
[ 2 كورونثوس 5: 17 ]..

 

وولدنا
ثانية لله وأصبحنا خليقة جديدة..

 

وكما
يقول الرسول بولس:

 

[
لأَنَّكُمْ قَدْ متُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ.
مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً
مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [ كولوسى 3: 3، 4]..

 

وكما
سنرى فيما بعد، عند مجئ يسوع المسيح الثانى، يقوم الموتى بأجسادهم للحياة
الأبدية..

———-

 

3
– الموت

ما
هو الموت، وبالتالى من هم الأموات؟..

هذا
السؤال أساسى جدًا فىحياتنا ولا بدّ من طرحه الآن..

الجواب
المباشر يعطينا إيّاه النبى داود:

[
تَحْجُبُ وَجهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا
تَعُودُ. تُرْسِلُ ‏رُوحَكَ فَتُخْلقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ اَلأَرْضِ‏ ] [
المزمور104: 29، 30 ]..

 

الحياة
هبة من الله..

وكما
رأينا فى الفصل الثالث الخاص بخلق الإنسان وسقوطه، فالموت ضد الطبيعة الإنسانية
الأصلية:

[
فَإِنَّ الله خَلقَ اَلإِنْسَانَ خَالِدً وصَنَعَهُ عَلَى صُورَةِ ذَاتِهِ ] [
حكمة 2: 23 ]..

وكذلك:

[
إِذْ لَيْسَ اَلمَوْتَ مِنْ صُنْعِ الله ولا هَلاكُ اَلأحْيَاء يَسُرَّه ] [ حكمة
1: 13 ]..

 

فالموت،
إذًا، نتيجة الخطيئة:

 

[
لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ وَأَمَّا هِبَةُ اَللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا
بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ وَبِالْخَطِيَّةِ
الْمَوْتُ وَهَكَذَا اِجْتَازَ اَلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ اَلنَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ
اَلْجَمِيعُ ] [ رومية 6: 23 و5: 12 ]..

 

دخل
العالم بواسطة الإنسان يوم لبَّى دعوة الشيطان الذى لديه قدرة الموت [ عبرانيين 2:
14 ]، من أجل الإبتعاد عن مصدر الحياة..

 

والآن
حرىّ بنا أن نطرح سؤالاً ثانيا:

ما
هو مصيرنا بعد الموت ودفن الجسد على رجاء القيامة العامة؟..

 

لنمعن
النظر جيدًا بالنصوص الكتابية لعلنا نلقى بعض النور على هذه المشكلة..

 

أ
– فى المزامير وعند الأنبياء:

الموت،
فى المزامير وعند الأنبياء، يوصف بأنه ” أرض سكوت”، ” عدم ذكر
الله”، ” أرض النسيان”، ” التراب”، ” الحفرة”،
” الجب” وكذلك ” الهاوية”..

 

[
لأَنَّهُ لَيْسَ فِي اَلْمَوْتِ ذِكْرُكَ. فِي اَلْهَاوِيَةِ مَنْ يَحْمَدُكَ؟ ] [
مزمور 6: 5 ]..

 

[
مَا اَلْفَائِدَةُ مِنْ دَمِي إِذَا نَزَلْتُ إِلَى اَلْحُفْرَةِ؟ هَلْ يَحْمَدُكَ
اَلتُّرَابُ؟ هَلْ يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟ ] [ مزمور 30: 9 ]..

 

[
أَفَلَعَلَّكَ لِلأَمْوَاتِ تَصْنَعُ عَجَائِبَ أَمِ اَلأَخِيلَةُ تَقُومُ
تُمَجِّدُكَ؟ سِلاَهْ. هَلْ ‏يُحَدَّثُ فِي اَلْقَبْرِ بِرَحْمَتِكَ وبِحَقِّكَ
فِي اَلْهَلاَكِ؟ هَلْ تُعْرَفُ فِي اَلظُّلْمَةِ ‏عَجَائِبُكَ وَبِرُّكَ فِي
أَرْضِ اَلنِّسْيَانِ؟‏ ] [ مزمور 88: 10 – 12 ]..

 

[
لَيْسَ اَلأَمْوَاتُ يُسَبِّحُونَ اَلرَّبَّ وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ
اَلسُّكُوتِ ] [ مزمور 115: 17 ]..

 

[
لأَنَّ اَلْهَاوِيَةَ لاَ تَحْمَدُكَ. اَلْمَوْتُ لاَ يُسَبِّحُكَ. لاَ يَرْجُو
اَلْهَابِطُونَ إِلَى ‏اَلْجُبِّ أَمَانَتَكَ ] [ أشعياء 38: 18 ]..

 

معظم
النصوص تُظهر الموت وكأنه مكان الهلاك، مكان السكوت والنسيان، وبالتالى، وكأن
الأموات ” ينامون”..

 

بيد
أن بعض النصوص تلقى على هذا النوم بصيصا من الأمل كالمزمور الذى استشهد به بطرس
الرسول فى سفر الأعمال:

 

[
لِذَلِكَ سُرَّ قَلْبِي وَتَهَلَّلَ لِسَانِي. حَتَّى جَسَدِي أَيْضاً سَيَسْكُنُ
عَلَى ‏رَجَاءٍ. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ
قُدُّوسَكَ يَرَى ‏فَسَاداً. عَرَّفْتَنِي سُبُلَ الْحَيَاةِ وَسَتَمْلأُنِي
سُرُوراً مَعَ وَجْهِكَ‏ ] [ أعمل الرسل 2: 26 – 28 ]..

 

ونجد
ذلك أيضًا فى سفر أشعياء:

 

[
تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا
سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ
اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]..

 

وسفر
أيوب:

 

[
أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ
يَقُومُ. وبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ ] [
أيوب 19: 25، 26 ]..

 

وبصورة
خاصة فى سفر حزقيال:

 

[
فَقَالَ لِي: تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ لِلرُّوحِ:
هَكذَا قَالَ ‏اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ
اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ عَلَى هَؤُلاَءِ اَلْقَتْلَى ‏لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ
كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا ‏عَلَى
أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا اِبْنَ آدَمَ،
‏هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ إِسْرَائِيلَ. هَا هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ
‏عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا. قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ تَنَبَّأْ وَقُلْ
لَهُمْ: ‏هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ
وأُصْعِدُكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ
إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ‏اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ
وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ
فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ ‏أَنِّي أنَا اَلربُّ
تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ، يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 9 – 14 ]..

 

وفى
سفر دانيال:

[
وَكَثِيرُونَ مِنَ اَلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ اَلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ
هَؤُلاَءِ إِلَى ‏اَلْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاَءِ إِلَى اَلْعَارِ
لِلاِزْدِرَاءِ اَلأَبَدِيِّ ] [ دانيال 12: 2 ]..

 

حيث
يبرز نوع من المقارنة بين ” نوم” الموت و” صحو” القيامة
المرتقبة..

 

ب
– موت الأبرار فى سفر الحكمة:

فى
أسفار العهد القديم المتأخرة التى كتبت باليونانية فى مصر خلال ال 150 سنة السابقة
لميلاد المسيح، خاصة فى سفرى الحكمة والمكابيين الثانى، يُبرز مظهر جديد لما سيحدث
بعد الموت..

فيدخل
سفر الحكمة فى التفاصيل إذ يبدأ مرحلة التفريق بين نوعين من الأموات، ويؤكّد أن
الأبرار منهم لا يموتون إلا ” ظاهريا”..

 

ولأن
حياتهم هى فى يدّ الله فإنهم يعيشون إلى الأبد..

 

[
أمََّا اَلْصِدَّيقُ فَإِنَّه وإنْ تَعَجَّلَهُ اَلمَوْتَ يَسْتَقِرَّ فِي
اَلرَاحَةِ ] [ حكمة 4: 7 ]..

 

[
أَمَّا نُفُوسَ اَلصِدِّيقِين فَهِي بِيَدِ الله فَلا يَمُسّّهَا اَلْعَذَاب. وفِي
ظَنْ اَلجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُو وقَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً. وذِهَابُهم
عَنا عطَبًا أمَّا هُمْ فَفِي اَلْسَلامِ. ومَعَ أنَّهُم قَدْ عُوقِبُوا فِي
عُيُونِ اَلْنَاسِ فَرَجَاؤُهُم مَمْلُوءٌ خُلُودًا. وبَعْد تَأدِيبٍ يَسِيرٍ
لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ لأنَّ الله إِمْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُم أَهْلاً لَهُ.
مَحَّصّهُم كّالذّهَبِ فِي البّوْتَقَةِ وقَبِلَهُم كَذَبِيحَةٍ مُحْرَقَةٍ.
فَهُمْ فِي وَقْتِ اِفْتِقَادِهِم يَتَلألأون ويَسْعُون سَعْيَ اَلشَرَارِ بَيْنَ
اَلقَصَبِ. ويَدِينُونَ اَلأمَمِّ ويَتَسَلَّطُون عَلَى اَلشِعُوبِ ويَمْلُك
رَبُّهُم إِلَى اَلأبَدِ. اَلمُتَوَكّلُون عَلَيْهِ سَيَفْهَمُون اَلحَقّ
والأُمَنَاءِ فِي اَلمَحَبّةِ سَيُلازِمُونَه لأنَّ اَلنِعْمَة واَلرَحْمَةَ
لِمُخْتَارِيه ] [ حكمة 3: 1 – 9 ]..

 

ويضيف:

 

[
لأنَّ رَجَاء اّلمُنَافِق كَغُبارِ تَذْهَبْ بِهِ اَلرِيحُ وَكَزَبَدِ رَقِيقٍ
تُطَارِدَه اَلزَوْبَعَة وكَدُخَّانٍ تُبَدِّدَهُ اَلرِيحُ وَكَذِكَرٍ ضَيْفٍ
نَزَلَ يَوْمًا ثُمّ إِرْتَحَلَ. أمّا اَلصِدّيقُون فَسَيَحْيُون إلَى الأبَدِ
وَعِنَد اَلَربِّ ثَوَابُهُم ولَهُم عِنَايَة مِنْ لُدُنِ اَلعَلِيّ ] [ حكمة 5:
15، 16 ]..

 

ج
– الحياة الأبدية فى العهد الجديد:

هذا
الرجاء بالحياة الأبدية، الذى بدأ بالظهور فى العهد القديم، توطد وغدا أكيدًا عند
مجئ السيد المسيح الذى هو أيضًا حياة العالم..

 

فى
إنجيل [ يوحنا10: 27، 28 ]، يقول يسوع مستخدما عبارة ” يد الله”
الكتابية:

 

[
خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا
حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ
مِنْ يَدِي ]..

 

ويؤكد
قيامة المؤمنين حين يقول:

 

[
لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اَلّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى
الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي
اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ ] [ يوحنا 6: 40 ]..

 

و[
اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ ] [ يوحنا 6: 47 ]..

 

و[
اَلْحَقَّ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كلاَمِي فَلَنْ
يَرَى اَلْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ ] [ يوحنا 8: 51 ]..

 

ويلفتنا
بشكل خاص قوله:

 

[
قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي
وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ
إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ ] [ يوحنا 11: 25، 26 ]..

 

هذه
النصوص كلّها تؤكد ما يلى:

 

 أن
حياة الإنسان تستمر بعد الموت بقدر ما هى مرتبطة بالله. لذلك يقول لنا السيد فى
الإنجيل:

 

[
وَلاَ تَخَافُوا مِنَ اَلَّذِينَ يَقْتُلُونَ اَلْجَسَدَ وَلَكِنَّ اَلنَّفْسَ لاَ
يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ اَلَّذِي يَقْدِرُ
أَنْ يُهْلِكَ اَلنَّفْسَ وَاَلْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. ] [ متى 10: 28
]..

 

 الموت
يحدث من جرّاء غياب الله. وحيث يوجد الله لا يوجد الموت. لذلك، فالنفس العطشى إلى
الله تسعى دائما إلى العيش فى حضرته لا تموت لأن توْقها إلى الله يحفظها حية..

 

 الذى
يعيش على هذه الأرض فى المسيح يستمر على هذه الحياة بعد موته. هذا ما يؤكده بقوة
الرسول بولس إذ يقول:

 

[
لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا
فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ،
أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا فِي هَذِهِ أَيْضاً نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ
نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا اَلَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا
لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ اَلَّذِينَ فِي اَلْخَيْمَةِ
نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ
فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ اَلْمَائِتُ مِنَ اَلْحَيَاةِ. وَلَكِنَّ اَلَّذِي
صَنَعَنَا لِهَذَا عَيْنِهِ هُوَ اَلْلَّهُ، اَلَّذِي أَعْطَانَا أَيْضاً
عَرْبُونَ الرُّوحِ. فَإِذاً نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا
وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ فِي اَلْجسَدِ فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ اَلرَّبِّ.
لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ. فَنَثِقُ وَنُسَرُّ
بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ اَلْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ اَلرَّبِّ ]
[ 2 كورونثوس 5: 1 – 8 ]..

 

وجاء
أيضًا قوله:

 

[
حَسَبَ اِنْتِظَارِي وَرَجَائِي أَنِّي لاَ أُخْزَى فِي شَيْءٍ، بَلْ بِكُلِّ
مُجَاهَرَةٍ كَمَا فِي كُلِّ حِينٍ، كَذَلِكَ اَلآنَ، يَتَعَظَّمُ اَلْمَسِيحُ فِي
جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. لأَنَّ لِيَ اَلْحَيَاةَ هِيَ
اَلْمَسِيحُ وَاَلْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَتِ اَلْحَيَاةُ فِي
اَلْجَسَدِ هِيَ لِي ثَمَرُ عَمَلِي، فَمَاذَا أَخْتَارُ؟ لَسْتُ أَدْرِي!
فَإِنِّي مَحصُورٌ مِنْ اَلاِثْنَيْنِ: ليَ اِشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ
مَعَ اَلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً ] [ فيليبى 1: 20 – 23 ]..

 

 المسيح
هو الحياة وواهبها. فالذى يعيش فى المسيح و[ حَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ
اَلْمَسِيحِ فِي اَللهِ ] [ كولوسى 3: 3 ]، هذا يكون [ مَتَى اُظْهِرَ اَلْمَسِيحُ
حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي اَلْمَجْدِ ] [
كولوسى 3: 4 ]..

 

د
– ماذا عن الذين لم يعرفوا يسوع ولم يقبلوه؟:

يجيب
بطرس الرسول قائلاً:

 

[
الَّذِي فِيهِ أَيْضاً ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ
عَصَتْ قَدِيماً، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ
نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ
ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. ] [ 1 بطرس 3: 19، 20 ]..

 

إن
الذين ” تمردوا” على السيد والذين سوف يتمردون عليه هم، بعد الموت
” أرواح سجينة”، ويسكنون الهاوية”، ” مكان الهلاك”
و” أرض النسيان”..

 

هذا
ما تكلمت عنه المزامير وأشعياء النبى..

 

وفى
مثل لعازر يشير يسوع نفسه وبعبارات رمزية إلى وضع هؤلاء المتمردين الحزين.

 

فيقول
بأن الغنى قد مات ودفن، بينما هو فى ” الجحيم يقاسى العذاب”، رفع عينيه
ورأى من بعيد غبراهيم ولعازر فى أحضانه، فصرخ قائلاً:

 

[
فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي اَلْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي اَلْعَذَابِ وَرَأَى
إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ فَنَادَى: يَا أَبِي
إِبْرَاهِيمُ اِرْحَمْنِي وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَِعِهِ
بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اَللهِيبِ. ] [ لوقا
16: 23، 24 ]..

 

ثم
يضيف السيد:

 

[
وَفَوْقَ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ قَدْ أُثْبِتَتْ
حَتَّى إِنَّ اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ اَلْعُبُورَ مِنْ هَهُنَا إِلَيْكُمْ لاَ
يَقْدِرُونَ وَلاَ اَلَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا ] [ لوقا 16:
26 ]..

 

ولكننا
نعلم أن السيد نفسه قال أن:

 

[
غَيْرُ اَلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ اَلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اَللهِ ] [ لوقا 18: 27
]..

 

ونعلم
أن المسيح – الله المتجسد – لم ينزل من السماء إلى الأرض فقط بل نزل أيضًا إلى
الجحيم وإلى الهاوية:

 

[
و{ مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟ } (أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ
الأَمْوَاتِ) ] [ رومية 10: 7 ]..

 

لكى
يفتقد الإنسان وهو فى أقصى درجات تعاسته، ويسكر ” القيود الدهرية”
ويحرّر الذين يتجاوبون مع محبته..

 

إذًا،
بالقيامة تفقد المسيح الذين هم فى الجحيم لأنه ” وطئ الموت بالموت ووهب
الحياة للذين فى القبور”..

 

وكل
من يلقى بمصيره بين يدى المسيح ” أذكرنى يا رب متى أتيت فى ملكوتك”،
يدخل فى لحظة مماته مع السيد إلى الفردوس:

 

[
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ اَلْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي اَلْفِرْدَوْسِ ] [
لوقا 23: 43 ]..

 

والفردوس
هذا هو:

 

[
لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا
فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اّلْلَّهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ ‏بِيَدٍ،
أَبَدِيٌّ] [ 2 كورونثوس 5: 1 ]..

 

وهناك
يبقى بإنتظار فرح القيامة..

 

ه
– صلاة:

وننهى
هذا الفصل عن الموت بذكر الصلوات التى تدعونا الكنيسة إلى تلاوتها، وهى توجز
ببلاغة تعليم الكنيسة عن غلبة السيد النهائية على الموت:

 

[
لقد قام المسيح من بين الأموات،

 

الذى
هو مقدمة الراقدين وبكر الخليقة ومبدع كل المخلوقات.

 

وقد
جدّد بذاته طبيعة جنسنا المنفسدة.

 

فلست
تتسلّط فيما بعد أيها الموت لأن سيد الكلّ قد أبطل قوتك وحلّها ].

—————–

 

4
– قيامة الموتى والحياة الأبدية

هل
سيقوم الأموات بأجسادهم؟..

وهل
القيامة هذه حقيقة واقعية أم هى ضرب من الخيال والوهم عفا الزمان على القول بها؟..

 

بادئ
ذى بدء نورد بعض النصوص الكتابية التى تلقى الضوء على موضوعنا هذا..

 

وسنجدها
تدعّم فكرة القيامة الفعلية للأموات..

 

وتجب
الملاحظة فى هذا المجال أن آراءنا الشخصية وتأويلاتنا لا قيمة حققبة لها..

 

فالقيمة
كلّ القيمة لما أعلنه الله عن هذا السرّ..

 

والروح
القدس هو دون سائر الأرواح قائدنا إلى الحققة..

 

والكتاب
المقدس يؤكد على ذلك ويحذرنا من محاولة الإتصال بالأرواح كائنة ما كانت:

 

[
لاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى اَلْجَانِّ وَلاَ تَطْلُبُوا اَلتَّوَابِعَ
فَتَتَنَجَّسُوا ‏بِهِمْ. أَنَا اَلرَّبُّ إِلَهُكُمْ ] [ لاويين 19: 31 ]..

 

ونجد
أيضًا فى:

 

[
مَتَى دَخَلتَ اَلأَرْضَ اَلتِي يُعْطِيكَ اَلرَّبُّ إِلهُكَ لا تَتَعَلمْ أَنْ
تَفْعَل مِثْل ‏رِجْسِ أُولئِكَ اَلأُمَمِ.لا يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ اِبْنَهُ
واِبْنَتَهُ فِي اَلنَّارِ ‏وَلا مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً وَلا عَائِفٌ وَلا
مُتَفَائِلٌ وَلا سَاحِرٌ. وَلا مَنْ ‏يَرْقِي رُقْيَةً وَلا مَنْ يَسْأَلُ جَانّ
وتَابِعَةً وَلا مَنْ يَسْتَشِيرُ اَلمَوْتَى. لأَنَّ كُل مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ
مَكْرُوهٌ عِنْدَ اَلرَّبِّ. وَبِسَبَبِ هَذِهِ اَلأَرْجَاسِ ‏اَلرَّبُّ إِلهُكَ
طَارِدُهُمْ مِنْ أَمَامِكَ ] [ تثنية 18: 9 – 12 ]..

 

أ
– فى العهد القديم:

 عندما
أعلن الرسول بطرس قيامة المسيح [ أعمال 2: 26 – 28 ]، استشهد بنص المزمور قائلاً:

 

[
لِذَلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَاِبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ
مُطْمَئِنّاً. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي اَلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ
تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ اَلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ
سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى اَلأَبَدِ ] [ مزمور 16: 9 – 11 ]..

 

بطرس،
إذً، يترجّى القيامة، قيامة الأجساد بالفعل، وليس نوعا من قيامة الأرواح فقط، كما
كانت تعلم فى المدارس الفلسفية..

 

 أشعياء
سبق وتكلّم عن نفسه قائلاً:

 

[
تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ اَلْجُثَثُ. اِسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا
سُكَّانَ اَلتُّرَابِ. ‏لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَاَلأَرْضُ تُسْقِطُ
اَلأَخْيِلَةَ ] [ أشعياء 26: 19 ]..

 

 وفى
سفر أيوب نجد الإيمان نفسه بالقيامة بالجسد إذ يؤكد أنه سوف يرى الله بأعين الجسد:

 

[
أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ وَاَلآخِرَ عَلَى اَلأَرْضِ
يَقُومُ وَبَعْدَ ‏أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هَذَا وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اَللهَ.
الَّذِي أَرَاهُ أَنَا ‏لِنَفْسِي وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى
ذَلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي ‏جَوْفِي ] [ أيوب 19: 25 – 27 ]..

 

 وهنا
لا بد من إثبات نبوءة حزقيال التى تتلى فى خدمة صلاة السحر للسبت العظيم المقدس
وهى ما يسمّى بجناز المسيح وتقام عادة مساء يوم الجمعة. هذه النبوءة تعطى صورة
واضحة ومؤثرة لقيامة الأجساد:

 

[
كَانَتْ عَلَيَّ يَدُ الرَّبِّ فَأَخْرَجَني بِرُوحِ اَلرَّبِّ وَأَنْزَلَنِي فِي
وَسَطِ ‏اَلْبُقْعَةِ، وَهِيَ مَلآنَةٌ عِظَاماً. وَأَمَرَّنِي عَلَيْهَا مِنْ
حَوْلِهَا وَإِذَا هِيَ ‏كَثِيرَةٌ جِدّاً عَلَى وَجْهِ اَلْبُقْعَةِ، وَإِذَا
هِيَ يَابِسَةٌ جِدّاً. فَقَالَ لِي: [ ‏يَا اِبْنَ آدَمَ، أَتَحْيَا هَذِهِ اَلْعِظَامُ؟
فَقُلْتُ: [ يَا سَيِّدُ اَلرَّبُّ أَنْتَ ‏تَعْلَمُ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ
عَلَى هَذِهِ اَلْعِظَامِ وَقُلْ لَهَا: أَيَّتُهَا اَلْعِظَامُ ‏اَلْيَابِسَةُ،
اِسْمَعِي كَلِمَةَ اَلرَّبِّ. هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ لِهَذِهِ
‏اَلْعِظَامِ: هَئَنَذَا أُدْخِلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ. وَأَضَعُ
عَلَيْكُمْ عَصَباً ‏وأَكْسِيكُمْ لَحْماً وَأَبْسُطُ عَلَيْكُمْ جِلْداً
وَأَجْعَلُ فِيكُمْ رُوحاً فَتَحْيُونَ ‏وَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا اَلرَّبُّ ].
فَتَنَبَّأْتُ كمَا أُمِرتُ. وَبَيْنَمَا أَنَا أَتنَبَّأُ كَانَ ‏صَوْتٌ وَإِذَا
رَعْشٌ فَتَقَارَبَتِ اَلْعِظَامُ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى عَظْمِهِ. ونَظَرْتُ
‏وَإِذَا بِاَلْعَصَبِ وَاَللَّحْمِ كَسَاهَ، وبُسِطَ اَلْجِلْدُ علَيْهَا مِنْ
فَوْقُ، ‏وَلَيْسَ فِيهَا رُوحٌ. فَقَالَ لِي: [ تَنَبَّأْ لِلرُّوحِ، تَنَبَّأْ
يَا اِبْنَ آدَمَ، وَقُلْ ‏لِلرُّوحِ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ:
هَلُمَّ يَا رُوحُ مِنَ اَلرِّيَاحِ اَلأَرْبَعِ وَهُبَّ ‏عَلَى هَؤُلاَءِ
اَلْقَتْلَى لِيَحْيُوا. فَتَنَبَّأْتُ كَمَا أَمَرَني، فَدَخَلَ فِيهِمِ
‏اَلرُّوحُ، فَحَيُوا وَقَامُوا عَلَى أَقدَامِهِمْ جَيْشٌ عَظيمٌ جِدّاً جِدّاً.
ثُمَّ ‏قَالَ لِي: [ يَا اِبْنَ آدَمَ، هَذِهِ اَلعِظَامُ هِيَ كُلُّ بَيتِ
إِسْرَائِيلَ. هَا ‏هُمْ يَقُولُونَ: يَبِسَتْ عِظَامُنَا وَهَلَكَ رَجَاؤُنَا.
قَدِ اِنْقَطَعْنَا. لِذَلِكَ ‏تَنَبَّأْ وَقُلْ لَهُمْ: هَكذَا قَالَ اَلسَّيِّدُ
اَلرَّبُّ: هَئَنَذَا أَفتَحُ قُبُورَكُمْ ‏وأُصْعِدُكُمْ مِنْ قُبُورِكُمْ يَا
شَعْبِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا
اَلرَّبُّ عِنْدَ فَتْحِي قُبُورَكُمْ وَإِصْعَادِي إِيَّاكُمْ مِنْ ‏قُبُورِكُمْ
يَا شَعْبِي. وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيُونَ، وَأَجْعَلُكُمْ فِي
‏أَرْضِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أنَا اَلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ وَأَفْعَلُ،
يَقُولُ اَلرَّبُّ ] [ حزقيال 37: 1 – 14 ]..

 

ب
– فى العهد الجديد:

ولنأت
الآن إلى العهد الجديد. نجد أن شهادة بطرس الرسول التى ذكرناها تعتمد أيضًا كلام
يسوع نفسه إذ أكد رجاء القيامة فقال:

 

[
اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآن حِينَ
يَسْمَعُ الأمْوَاتُ صَوْتَ ابنِ اللَهِ وَالسَامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ
كَمَا أَنَّ الآب لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً
أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ
أَيْضاً لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ. لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ
تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ فَيَخْرُجُ
الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ
عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ ] [ يوحنا 5: 25 – 29 ]..

 

هذا
هو النص الإنجيلى الذى يُقرأ فى صلاة الجناز..

 

وأمّا
نصّ الرسالة فهو للقديس بولس:

 

[
لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ
الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ
لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ اَلْبَاقِينَ
إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ
سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ
اللهِ، وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ
الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي اَلسُّحُبِ
لِمُلاَقَاةِ اَلرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ
اَلرَّبِّ. لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهَذَا اَلْكَلاَمِ. ] [ 1
تسالونيكى 4: 13 – 18 ]..

 

كلّ
النصوص التى ذكرناها، الواضحة والموافقة فيما بينها، تبين أن الإعلان الإلهى تكلّم
عن قيامة للموتى فى أجسادهم وقد علق على ذلك القديس إيريناوس، اسقف ليون 170 م،
مجيبا عن تساؤلات المشككين:

 

{
إن لم يخلص المسيح الجسد بالقيامة فذلك يعنى أنه لم يخلّص الإنسان أبدًا. فهل رأى
أحد إنسانا بدون جسد؟..}..

 

التمييز
بين روح الإنسان وجسده تمييز مصطنع..

 

والله
إفتقد الإنسان كما هو روحا وجسدًا..

 

ومن
أجل هذا الإنسان تجسّد المسيح وأخذ جسدًا، ثم مات وقام وجلس مع الطبيعة الإنسانية
التى تبنى إلى يمين الآب داعيا إليه الذين آمنوا به، والذيم يسلّمون أمورهم
وحياتهم للروح القدس ليسكن فى هياكل أجسادهم ويحوّلها إلى آنية صاحة لإقتبال
الحياة الأبدية..

 

والحياة
الأبدية هى ” أن يعرفوك أيها الآب القدوس”..

 

وتعطى
لمن يؤمن بالآب ويتقبّل الروح القدس [ يوحنا 6: 40، 47 و8: 51 و11: 25، 26 ]..

 

وبهذا
الصدد يقول الرسول بولس:

 

[
وَإِنْ كَانَ اَلْمَسِيحُ فِيكُمْ فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ اَلْخَطِيَّةِ
وَأَمَّا اَلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ اَلْبِرِّ ] [ رومية 8: 10 ]..

 

وكذلك:

 

[
وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ
مَوْتٍ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: { ابْتُلِعَ الْمَوْتُ
إِلَى غَلَبَةٍ }. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا
هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ
هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ
بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. إِذاً يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ كُونُوا
رَاسِخِينَ غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ
عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ ] [ 1 كورونثوس 15: 54
– 57 ]..

 

والآن
لا بدّ من طرح السؤال:

هل
يتمكّن الإنسان منذ الآن – أى فى حياته الأرضية – أن ينعم بسكنى الله فيه وأن يذوق
حلاوة عشرة الله؟..

 

للإجابة
عن هذا السؤال رأينا أن ننطلق من سرد حادثة واقعية حصلت للقديس الروسى سيرافيم
ساروفسكى (1759 – 1833) مع صديق له باسم موتوفيلوف، ثم نتبعها بدراسة أعدّها الأب
كاليستوس وير الإنجليزى والأستاذ فى جامعة أكسفورد وهو من أصل أنجليكانى إهتدى إلى
الأرثوذكسية..

—————

 

5
– تجلى الجسد

أ
– الحوار مع موتوفيلوف:

فى
إحدى ليالى الشتاء كان القديس سيرافيم ونقولا موتوفيلوف يتحدّثان فى الغابة. كانا
يتكلمان عن هدف الحياة المسيحيةالحقيقية. قال سيرافيم جازما:

 


إنه إمتلاك الروح القدس”..

 

فسأل
موتوفيلوف:

 


وكيف يمكن أن أتأكد أنى فى الروح القدس؟”..

 

وقد
جرى عندئذ بينهما الحوار التالى كما جاء على لسان موتوفيلوف”

 


عندئذ شدّ سيرافيم كتفى بيديه وقال: يا بنى! كلاا فى هذه اللحظة فى روح الله.
لماذا لا تتطلع إلى وجههى؟..

 

 لا
أستطيع. عيناك تلمعان بأشعة البرق الخاطف ووجهك يوج بنور أقوى من نور الشمس.
تؤلمنى عيناى إذا حدقتا فى عينيك..

 

 لا
تخف! فى هذه اللحظة بالذات يغمرك شعاع كالذى يغمرنى. إنك مثلى الآن. إنك ممتلئ
أيضا من روح الله..

 

ثم
أدار رأسه وقرّبه من أذنى وتمتم فيها كلمات فيها نعومة السحر: أشكر الرب الإله على
صلاحه معنا. إن صلاحه لا نهاية له. لكن لماذا لا تنظر إلىّ؟ حدّق! لا تخف فالله
معنا..

 

بعد
هذه الكلمات، إرتمت أنظارى فوق وجهه. شعرت خشية عظيمة قد تملكتنى. تصوّروا وجه، تصوّروا
الشمس، تصوّروا قلب الشمس، تصوّروا الأشعة الخاطفة، تجدون أنفسكم أمام هذا
الإنسان. تصوّروا هذا الوجه وهو يخاطبكم. إنك ترى حركات شفتيه وتلحظ تعابير عينيه
المتتابعة كأنها الموج، وتشعر بأن هناك من يشد كتفيك بيديه. إلا أنك، لن ترى، لا
يديه، ولا جسمه. إنك لا ترى إلا نورًا يكتنفك ويمتد بعيدًا عنك ويغمر بضيائه
الثلوج المبسوطة فوق أشجار الغابة، فينعكس ضياء على الرشوحات الثلجية المتساقطة
بإستمرار”..

 

الحوار
يستمر. يسأل سيرافيم موتوفيلوف عن الشعور الذى يعانيه فى داخله، فيجيبه، ويعلّق أن
حالة الذهول كانت بعد بعيدة عنهما. كلاهما كانا بعد على إرتباط بالعالم الخارجى.
ما فتئ موتوفيلوف يشعر بوجود الثلج ويشعر بالغاب، وحديثهما كان مترابطا. حتى هذه
اللحظة كان يلفهما نور يخطف الأبصار..

 

ماذا
حصل لهما؟..

 

ب
– مغزى الحادثة:


نور يخطف الأبصار”..

 

إن
لاهوت الكنيسة الأورثوذكسية الصوفى أوضح أن الضياء الذى ينبعث من وجه سيرافيم
وموتوفيلوف ما هو إلا قوى الله غير المخلوقة. النور الذى يلفهما هو النور الإلهى
نفسه الذى غمر السيد لمّا تجلّى على جبل ثابور..

 


فى عينيك خطف البرق، وفى وجهك ضياء أين منه ضياء الشمس”. كلمات موتوفيلوف هذه
تحمل إلى ذاكرتنا الآية الإنجيلية:

 

[
وَأَمَّا هذَا اَلْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَاَلصَّوْمِ ] [
متى 17: 21 ]..

 

كما
تجلّى المسيح فوق جبل ثابور كذلك تجلّى عبد المسيح سيرافيم فى غاب ساروف..

 

سيرافيم
وموتوفيلوف تجلّيا من مجد إلى مجد حسب تعبير الرسول:

 

[
وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ وفِعْلٍ، فَاعْمَلُوا اَلْكُلَّ بِاسْمِ
اَلرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اَللهَ وَاَلآبَ بِهِ. أَيَّتُهَا اَلنِّسَاءُ،
إِخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي اَلرَّبِّ ] [ كولوسى 3: 17، 18 ]..

 

إن
” الهادئين” (
Hésychastes) – وهم أتباع مدلاسة روحية واسعة الإنتشار فى الشرق المسيحى تشدّد
على الصلاة المستديمة كأداة للعيش الدائم فى حضرة الله – وخاصة القديسين سمعان
اللاهوتى (917 – 1022) وغريغوريوس بالماس (1296 – 1359) يكررون الكلام عن نور إلهى
واقعى ويعتبرونه ذروة وقمة الحياة فى الصلاة. لا توجد فى حالة سيرافيم رؤيا منظورة
بأعين الروح الداخلية. إنه نور طبيعى يُنظر بعينى الجسد خارجيًا..

 

أيمكن
أن تعتبر حالة سيرافيم شيئًا عارضًا فريدًا يمكن تنحيته ووضعه جانبا؟..

 

أيمكن
أن يكون حدثا وحدثا غير عادى خارقا وعجيبا؟..

 

هذا
النوع من التفسير يحمل كثيرًا من الأخطاء ويُعتبر معامرة..

 

يُروى
عن قديس روسى آخر سرجيوس رادونيج (1314 – 1392) أن العطر كان يفوح من جسده بعد
موته وأن النور كان يغمر وجهه وأن وجهه لم يكن يشبه وجه الأموات بل وجه الأحياء،
وقد برهنت الحياة المائجة فوق وجهه على عالم نفسه النقى..

 

مثل
هذه الأمثلة تنقلنا دائما إلى حقيقة التجلّى كحدث وقع فى الزمان والمكان: ”
وصارت ثيابه بيضاء كالثلج”..

 

عودة
إلى الوراء، عودة إلى آباء الصحراء، نجد أن هناك حالات كثيرة مشابهة..

 

فى
كتاب أقوال الرهبان وصف لموت الأنبا سيسويس. يقول الكتاب:

 


عندما كان تلاميذه يحيطون به، وهو على فراش الموت، كان وجهه يشع كالشمس وكان
الضياء يزداد تألقا ويغمر جسده حتى فارق الحياة، إذ ذاك، صار النور برقا خاطفا
وإمتلأ البيت من رائحة الطيب”..

 

فى
بعض الأحيان يتكلّم كتاب الأقوال عن النار أكثر مما يتكلم عن النور. إقترب أحد
تلاميذ البار أرسانيوس الكبير منه بصورة عفوية فوجده قائما يصلى وقد ظهر له الشيخ
وكانه وسط نار. ويُروى مثل هذا عن كثيرين من الآباء..

 

إن
فكرة التجلّى مع أنها غير واضحة ويكتنفها شئ من الغموض إلا أن حقيقتها تبقى قائمة.
فى بعض الأحيان تظهر القوى الإلهية غير المخلوقة بشكل ألسنة نارية كما فى يوم
الخمسين وبشكل نور كما حصل على جبل ثابور وفى طريق دمشق مع الرسول بولس..

 

إن
تكلمنا عن النار والنور فالحقيقة هى هى لا تتغيّر..

 

لم
يُحصر هذا التمجيد الجسدى فى الكنيسة الأرثوذكسية..

 

لقد
عرفته الكنيسة الغربية قديما وفى حالات كثيرة مماثلة..

 

إنه
نتيجة لحرارة الشركة مع الله، لحرارة الصلاة العميقة لله..

 

هذا
النوع من الصلاة الحارة يعطى إشعاعا للجسد فائق الطبيعة ويكون سبيلاً إلى التجلّى
الجسدى..

 

نرى
هذا التجلّى الجسدى فى حياة القديسة تيريزا، والقديسة كاترينا بولونيا وكاترينا
جنوا..

 

كما
أن جراحات القديس فرنسيس الأسيزى فوق جبل المبارنو هى إمتداد لصليب المسيح فى أحد
أعضاء جسده السرى:

 

[
الَّذِي الآنَ افْرَحُ فِي الاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ
الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ: الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ ] [ كولوسى
1: 24 ]..

 

ماهو
المعنى اللاهوتى لهذا التمجيد الجسدى الذى ظهر فى قديسين من الشرق والغرب؟..

 

وراء
هذه الأمثلة توجد نقطتان لهما معنى أساسى..

 

أولاً:
التجلى فى كلتا الحالتين، حالة تجلّى الرب وحالة تجلّى قديسيه، يؤكّد أهمية الجسد
الإنسانى فى اللاهوت المسيحى. عندما تجلّى المسيح على جبل ثابور ظهر مجده فى جسده
وعن طريق هذا الجسد. رأى التلاميذ بأعينهم الجسدية:

 

[
فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً ] [ كولوسى 2: 9 ]..

 

كما
أن مجد المسيح لم يكن داخليًا فقط بلّ ماديًا وجسديًا كذلك كان مجد قديسيه..

 

إن
تجليهم يؤكد أن تقديس الإنسان ليس أمرًا يستهدف الروح فقط بل أمرًا يشمل الجسد
أيضا، أى الإنسان روحا وجسدًا..

 

ثانيا:
التجلى فى كلتا الحالتين، فى تجلّى المسيح وفى تجلّى قديسيه، حدث أخروى. إنه سبق
مذاق وعربون الحضور الثانى. وتمجيد جسد القديسين يرمز بطريقة حية إلى منزلة
المسيحى، ويشير كيف أن المسيحى هو فى ” العالم وأنه ليس من العالم”.
وأنه قائم فى نقطة الفصل بين الجيل الحاضر والمستقبل ويعيش فى الجيلين معا.
الأزمنة الأخيرة ليست حدثا إستقباليا فقط. لقد إبتدأت بالفعل..

 

ج
– الجسد واسطة لتمجيد الله:

إن
بلاديوس (363 – 430)، فى رحلته الأولى إلى مصر عاش مع شيخ ناسك اسمه دوروثيوس وكان
هذا ينقل الحجارة طول النهار تحت أشعة الشمس المحرقة، لبناء القلالى. إحتج بلاديوس
على عمل الشيخ وقال له: ” ما هذا الذى تفعله طول النهار تحت أشعة الشمس
الكاوية وأنت فى هذه السن؟ إنك تقتل نفسك”..

 

فأجابه
دورثيوس ساخرًا: ” يا بنى يجب أن أقتل هذا الجسد قبل أن يقتلنى”..

 

هذا
القول يتعارض تماما مع قول بيمين أحد أباء الصحراء: ” نحن لم نتعلّم قتل
الجسد بلّ قتل الأهواء”..

 

وراء
هذين القولين الموجزين توجد، بعد التدقيق، طريقتان مختلفان فى النظرة إلى
الإنسان..

 

الطريقة
الأولى طريقة أفلاطونية أكثر مما هى مسيحية..

 

والثانية
مسيحية حقيقية ترتكز على الكتاب المقدس..

 

وراء
هاتين الطريقتين المختلفتين فى النظرة إلى الإنسان نظرتان مختلفتان عن الخليقة..

 

النظرة
الأفلاطونية عن الخليقة تقول بأزلية المادة. ليست المادة شيئًا خلقه الله من العدم
بل شيئًا سبق وأن كان موجودًا، ومع أن الله يستطيع أن يعطى للمادة شكلاً وترتيبًا
إلا أنها تبقى فى نهاية المطاف شيئًا خارج الله، مبدأ مستقلاً عن الله..

 

أما
الكتاب المقدس فلا يقبل بأيّة فكرة تقول بمبدأين..

 

المادة
حسب التفكير الكتابى ليست مستقلّة عن الله ولا مساوية له فى البدء، إنها ككل
الكائنات الهيولية خلقة من خلقته إذ:

 

[
ِفي اَلْبَدْءِ خَلَقَ اَللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ.. وَرَأَى اَللهُ كُلَّ
مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً ] [ تكوين 1: 1، 31 ]..

 

مقابل
هاتين الفكرتين عن الخليقة نجد نظرتين مختلفتين فى علم الإنسان (الأنثروبولوجيا).
ينظر أفلاطون (ومثله أكثر الفلاسفة اليونانيين) إلى الإنسان نظرة ثنائية ويعالجه
على هذا الأساس. يعتبر النفس إلهية أمّا الجسد فينظر إليه كسجن وكنبع للمآثم.
الإنسان عقل سجين فى جسد ترابى يخفق إلى الحرية. الجسد قبر. وهدف الفيلسوف هو أن
يبقى بعيدًا عن كلّ ما هو مادى..

 

هناك
من ينظر إلى الجسد نظرة معتدلة فيعتبرونه وشاحا لا بدّ للإنسان إلا وأن ينعتق
(فيثاغورث)..

 

وهناك
من ينظر إليه نظرة صارمة قاسية: ” أنك يا نفس فقيرة تحملين جثة” (مرقس
أوريليوس)..

 

إن
الكتاب المقدّس يدعو إلى نظرة إلى الإنسان تقوم على الوحدانية لا الثنائية كما هو
الحال فى الفلسفة اليونانية..

 

ليس
الإنسان سجينا فى الجسد إنه وحدة جسد وروح..

 

إنه
كلّ روح جسدى..

 

قال
أفلاطون ” الروح هى الإنسان”..

 

أمّا
الكنيسة فترد قائلة الروح ليست كل الإنسان. روحى ليست أنا..

 

عندما
خلق الله، عندما خلق الثالوث الأقدس الإنسان على صورته خلق كيانا كاملاً، خلق
الروح والجسد معا..

 

وعندما
أتى الله إلى الأرض ليخلص الإنسان لم يأخذ نفسًا بشرية فقط بلّ جسدًا بشريا أيضًا
لأن إرادته كانت، وهى، تخليص كل الإنسان، جسده وروحه..

 

فى
الواقع أن الجسد كما نعرفه ثقل..

 

إنه
شئ يسبب لنا التعب والشقاء وعذاب الولادة..

 

إنه
كما نعرفه فعلاً نبع لكل الأهواء الخاطئة وهذه كلها نتيجة للسقطة..

 

بعد
السقطة لم بيق الجسد البشرى على حالته الطبيعية بلّ صار إلى حالة مضادة للطبيعة..

 

لا
شك أن الجسد والروح سينفصلان وهذا الإنفصال إنفصال مؤقت ما دام المسيحيون يترجّون
قيامة الجسد وفى القيامة سيعود الإتحاد مرة أخرى..

 

ليس
الجسد قبرًا ولا سجنا بلّ قسم جوهرى من الإنسان..

 

إن
الجسد فى نظر الرسول بولس ليس عدوًا تجب محاربته وسحقه بلّ سبيلاً يمكن الإنسان أن
يمجّد به خالقه:

 

[
أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلروحِ اَلْقُدُسِ
اَلَّذِي فِيكُمُ اَلّذِي لَكُمْ مِنَ اَللهِ وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟
] [ 1 كورونثوس 6: 19 ]..

 

[
فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا اَلإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اَللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا
أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اَللهِ
عِبَادَتَكُمُ اَلْعَقْلِيَّةَ ] [ رومية 12: 1 ]..

 

الإرتباط
الجوهرى بين النفس والجسد، خلاصهما المشترك هو فكر واضح جدًا عند القديس إيريناوس:

 


بيدىّ الله أى بالابن والروح القتدس خُلق الإنسان على شبه الله. أقول الإنسان كله
لا قسمًا منه فقط خُلق على صورة الله. النفس والجسد معا يشكلان الإنسان بقسميه، لا
الإنسان بحد ذاته. لأن الإنسان ككل هو مزج ووحدة النفس بالجسد “..

 

إن
صورة الله، حسب قول إيريناوس، ليس ينحصر بالعقل بلّ شيئًا يتناول الجسد الإنسانى.
يعالج هذه الناحية يوستينوس الفيلسوف فى بحثه عن القيامة فيقول:

 


من الواضح، إذًا، أن الإنسان المخلوق على صورة الله هو جسدى. أليس القول: إن لا
قيمة للجسد المخلوق على صورة الله ولا شرف له قول غير صحيح ومشين؟..

 

فهل
الإنسان روحا فقط؟. كلا!.إنها روح الإنسان..

 

أيمكن
أن يكون الإنسان جسدًا فقط؟. كلا!. إنه جسد الإنسان..

 

الإنسان
هو وحدة من الإثنين..

 

لو
أخذ الإنسان بقسمه الواحد دون الآخر، لكان حياديًا”..

 

فى
عبارته ” نثبت إستنادًا إلى طبيعة الإنسان الكتابية أن الإنسان سمّى إنسانا
لا لأنه ذو نفس فقط وجسد فقط، بل لأنه وحدة من النفس والجسد ومن الناحيتين خُلق
على صورة الله ومثاله”..

 

بدلاً
من أن يستغل الكتبة المسيحيون النتائج التى يكتسبها الجسد والمادة من خلقة الإنسان
على صورة الله وقعوا فى نوع من الملائكية وإعتبروا الجسد كعائق ومانع، كشئ لا
علاقة له بالحياة الروحية، كشئ خارجى عن طبيعة الإنسان الحقيقية وأوحوا أن هدف
حياة الإنسان هو أن يتحرّر من ربط المادة وأن يحيا حياة روح بدون جسد..

 

هذه
النظرة لا تأخذ بعين الإعتبار الفرق الجوهرى بين الإنسان والملائكة.

 

خلق
الله الملائكة أرواحا خالصة، أما الإنسان فقد أعطاه جسدًا تماما كما أعطاه روحا
وهذان يشكلان وحدة جوهرية..

 

خلق
الله الإنسان بجسد ومن الكبرياء والجنون الفاضح أن يحاول الإنسان أن يخلع عنه جسده
ويصبح ملاكا..

 

كما
يقول باسكال:

 


ليس الإنسان ملاكا ولا حيوانا. من يريد أن يكون الملاك يكون الحيوان “..

 

لا
يجوز أن يتجاهل الإنسان، ولا أن يحاول أن يتجاوز الطبيعة المادية بل عليه أن يفتخر
بجسده وأن يستعمله كأشرف هدية من الله..

 

يعتقد
الكثيرون أن الإنسان دون الملاك لأنه يملك جسدًا..

 

الملاك
لا يملك إلا روحا والإنسان يملك روحا وجسدًا..

 

يقول
غريغوريوس بالماس: ” إن الإنسان هو فوق الملاك لأنه يملك جسدًا”..

 

الإنسان
حد وسط بين المادى واللامادى، إنه يشترك فى العالمين، لذلك يشكّل جسرًا ونقطة تماس
لكل الخليقة الإلهية..

 

 كل
هذا وأمور أخرى كثيرة تقوم وراء سرّ التجلّى، وراء إتساع هذا السرّ فى أعضاء
الكنيسة..

 

يقول
أسقف فاستكوت: ” إن التجلّى هو مقياس إمكانات الإنسان، هو كشف قدرة الحياة
الأرضية الروحية فى أسمى أشكالها الخارجية. إن تجلّى المسيح وتجلّى قديسيه يبرهن
لنا عن مقياس إمكانات الإنسان ويُظهر لنا الجسد الإنسانى كما خلقه الله فى البدء
وما هو مؤهل ليصبحه بنعمته وإرادتنا. التجلّى يكشف روحانية طبيعتنا المادية
الخاطئة، نرى الجسد الإنسانى فى حالته النهائية عندما يصبح جسدًا روحيا. إن تجلّى
الأجساد مظهر مدرك فقط ضمن إطار أنتربولوجيا تقبل بإمكانات الجسد الإنسانى الروحية
وترفض بقوة كل شكل من أشكال الثنائية الأفلاطونية”..

 

فلنا
أن نرى فى التجلّى الجسد البشرى كما خلقه الله فى البدء..

 

مجد
يسوع المسيح فوق جبل ثابور ليس مجدًا أخريا فحسب بل حدثا يشير إلى طبيعة الإنسان
فى البدء قبل أن تدميرها الخطيئة..

 

ولذلك
نرتل فى عيد التجلّى:

 

أيها
المسيح المخلص لقد جعلت طبيعة آدم المظلمة تزهو بتجلّيك معيدًا عنصرها إلى مجد
وبهاء لاهوتك..

 

إن
تجلّى جسد يسوع المجيد على جبل ثابور يكشف ” جمال الصورة الإلهية”
ويُظهر لنا كيف كانت طبيعتنا الإنسانية لو لم تتلوّث بخطيئة آدم ويوضح لنا ما
تستطيعه وما يجب أن تصيره طبيعتنا البشرية..

 

فى
حياة القديسين الذين لم يتمجدوا جسديًا كما تمجد سيرافيم، يمكننا أن نلحظ بطريقة
معدلة التعليم نفسه عن الجسد البشرى..

 

سنعرض
بعض الأمثلة من المتحدين القدامى..

 

بين
النساك القدماء فى الصحراء قد نجد ثنائية خاطئة بسبب صرامة الحياة الفائقة القياس
وقد نصادف فى أكثر الأحيان العكس..

 

عندما
خرج القديس أنطونيوس (251 – 356) من برجه الصحراوى حيث عاش متوحدًا مدة عشرين عاما
(كما ذكر أثناسيوس الرسولى) تعجّب الناس عندما رأوا جسده على حاله، ما أرهقته
الصيامات ولا هدته صراعاته مع الشياطين. كان منتصب القامة كمسير بالمنطق وكعائش
حسب الطبيعة، لا أثر لأى ثنائية فيه..

 

كان
أنطونيوس فى حالة طبيعية، إنه فى حياة حسب الطبيعة، لم يغيّر جسده الحياة
الصارمة..

 

يظهر
ان الناسك الذى ينشد الحياة التى قبل الخطيئة يستهدفها نفسًا وجسدًا..

 

فى
كتابه ” حياة أنطونيوس” يُبرز أثناسيوس الرسولى حفاظ الناسك أنطونيوس
على جسده بصورة تثير الإنتباه:

 


ومع إنه عاش مئة وخمس سنين فقد بقى محافظا على نظره وأسنانه كاملة وبقيت يداه
ورجلاه قويتين”..

 

هناك
فى مصر رعية من النساك معروفة عندنا، كانت أجساد متوحديها فى حالة صحية جيدة
كالقديس أنطونيوس ولم يمرض أحد منهم قبل موته..

 

عندما
كانت تحضرهم ساعة المنية كان المتوحد منهم يستعد ويخبر إخوته ثم يضطجع وينام نومته
الأخيرة..

 

لم
يكن مرض قبل الخطيئة..

 

هذا
ما يحدث أيضًا فى بعض الأحيان مع أولئك الذين حصلوا بقداستهم على الحالة
الفردوسية..

 

إنهم
يتحررون من الأمراض..

 

يكتب
يوحنا السلمى (579 – 649) عن هذا الموضوع فى سلمه المشهور ويشرح فى آخر الدرجة
الثلاثين من السلّم موضوع التجلّى..

 

يتكلم
عن تجلّى الجسد فيقول: ” عندما يبتهج القلب بمحبة الله يبتهج وجهه ويُشرق.
إذًا، عندما يندمج الإنسان كليًا بالمحبة الإلهية يكتسب الوجه نقاوة ونورًا ويصبح
مرآة مشعّة تعبّر عن الأنوار الداخلية القائمة فى أعماق النفس. بهذا البهاء شعّ
موسى ولمع لونه”..

 

ثم
يتابع: ” أولئك الذين يصلون إلى عمل المحبة الملائكى كثيرًا ما يسهون عن تذوق
لذة الطعام. إنى أعتقد أن الذين حازوا على هذه المحبة الإلهية شابهوا الملائكة
فكأنهم خالدون لا تمرض أجسامهم بسهولة، وصارت غير فانية وخالدة نقتها لهب المحبة
الإلهية النقية”..

 

يمكن
للجسد الإنسانى حتى فى الحياة الحاضرة وفى حالات معيّنة أن يحقق ضمن حدود معيّنه
عدم الفساد الذى كان لآدم قبل السقطة والذى هو نصيب كل الأبرار بعد قيامة الجسد..

 

 هذا
يساعدنا لنفهم كيف تبقى أجساد القديسن غير فانية بعد الموت فى بعض الأحيان..

 

د
– مجد القيامة الأخير:

إن
تجلّى ربنا وإلهنا يجيبنا على السؤال التالى:

 

كيف
أن كثيرًا من القديسين لا يرى جسدهم فسادًا؟..

 

مرة،
ومرة واحدة فقط، أثناء حياة المسيح على الأرض، ظهر المسيح لتلاميذه متجلّيًا
بالنور الإلهى وللحظة..

 

هذا
لا يعنى أن طبيعة الرب البشرية قبلت شيئًا لم يكن فيها من قبل ثم فقدته. بالعكس لم
يكن المجد الذى شعّ فى يسوع على جبل ثابور مجدًا فوق العادة بل شيئًا كان يملكه
دائما إلا أنه بحركة إخلاء ذات إرادية أخفى هذا المجد لظروف أخرى..

 

فى
حضوره الثانى سيأتى الرب بمجدٍ وقوة، والبشر سينظرون جسده كما هو فى الواقع بكل
جماله وعظمته. وأيضا قديسيه، عندما يقوم الأموات فى اليوم الأخير، سيظهرون ممجدين
جسديًا وروحيًا..

 

التجلّى
هو، إذًا، حقيقة أخروية، أى رجاء مجئ المسيح الثانى، عندما يظهر أيضًا بمجده كما
ظهر فى ثابور ويرمز إلى قيامة الموتى، عندما يخترق النور الإلهى ذاته الذى شعّ فى
جسد يسوع فوق جبل ثابور أجساد القديسين الناهضين من القبر.

 

يقول
غريغوريوس الناطق بالإلهيات:

 


أيعلن بالتجلى غير مجد القيامة الأخيرة؟، إن مجد ثابور هو عربون ووعد وظهور مجد
الفردوس”..

 

فى
مواعظ مكاريوس الكبير (فى بداية القرن الخامس) يجرى الكلام بصورة مفصّلة عن تجلّى
الإنسان العتيد بعد قيامة الجسد:

 


يتمجد جسد الإنسان على قدر ما يكون مالكا للروح القدس. ما يخزنه الإنسان فى أعماق
نفسه سينكشف وسيظهر خارج الجسد وسيأتى يوم القيامة. وبقوة شمس العدل، يخرج من
الداخل إلى الخارج مجد روح القدس ويغمر أجساد القديسين الذين إختبأ مجدهم داخل
نفوسهم. ما فيهم الآن يخرج خارج الجسد فتتمجد إذاك أجسامهم بالنور الذى لا يُدرك
والذى كان فيهم بقوة الروح “..

 

بعد
القيامة ستلمع أجساد القديسن بالنور كما يقول الكتاب..

 

هذا
البهاء مدين لمجد الروح الذى سينسكب فى الجسد ويجعله شفافا..

 

الجسد
يقبل أن يكشف البهاء الذى هو داخل النفس روحيًا وغير مادى..

 

سيُرى
مجد الروح فى الجسد المتجلّى كما ترى تماما لون الأشياء وسط الأوعية الزجاجية..

 

هذا
ما يحاول أن يفعله المصور الكنسى ويمثله سريا..

 

يحاول
أن يبرز جسد القيامة المتجلى المشع بنور الروح القدس..

 

ه
– بدء جيل المستقبل:

إن
ما يسميه القديس توما الأكوينى ” إنسكاب الروح فى الجسد” ليس شيئًا
مُعدًا فقط للمستقبل..

 

يتمتع
البعض (كما رأينا) بمجد جسدى من الآن (حتى لو كان التمتع لحظة)..

 

إن
حقيقة اليوم الأخير هى القيامة الشاملة وتجلّى الجسد..

 

ألا
نعيش كمسيحيين دُفنّا وقمنا مع المسيح بالمعمودية فى الجيل الآتى منذ الآن بدرجة
ما؟..

 

أليس
ملكوت الله حقيقة حاضرة وفى الوقت نفسه مستقبلة؟..

 

إن
القيامة كما يؤكد الإنجيلى يوحنا فى سرده لقيامة أليعازر شئ يشترك فيه المؤمن من
الآن..

 

إن
مرثا عندما تقول ” أنا أعرف أنه سيقوم فى اليوم الأخير” تقصد القيامة فى
المستقبل..

 

أمّا
المسيح فيؤكد حقيقة القيامة الحاضرة بجوابه لها:

 

[
قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: { أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي اَلْقِيَامَةِ فِي
اَلْيَوْمِ الأَخِيرِ }. قَالَ لَهَا يَسُوعُ: { أَنَا هُوَ اَلْقِيَامَةُ
وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً
وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ } ] [ يوحنا
11: 24 – 26 ]..

 

كل
الأمثلة عن التمجيد الجسدى وعن المذاق المسبق لقيامة الأموات الأخيرة تؤكد أن
التعليم المسيحى عن الآخرة ليس شيئًا إستقباليا فقط بل شيئًا محققًا من الآن وقد
كرّس..

 

يقول
القديس غريغوريوس بالماس:

 


إذا كان الجسد يشترك آنذاك مع الروح بالخيرات السرّية فإنه الآن يشترك بخيرات
الروح الذى يقطنه”..

 

هذا
هو المعنى اللاهوتى لحوار: سيرافيم وموتوفيلوف..

 

إنه
يعرض بوضوح الأهمية التى للجسد البشرى فى مخطط الله الخلاصى، ويدعونا لتوجيه
أنظارنا إلى قيامتنا العتيدة وفى الوقت نفسه يرينا كيف يمكن أن نتمتع بالثمار
الأولى، ثمار القيامة هنا ومن الآن..

 

و
تجلى العالم:

ليس
الجسد الإنسانى مدعوًا ليتجلّى، ليصير ” متشحا بالروح” وحسب، بلّ
الخليقة المادية كلها..

 

عندما
يبزغ اليوم الأخير لن ينسلخ الإنسان المُعْتق عن باقى الخليقة إذ أن الخليقة كلها
ستخلص وستتمجد معه..

 

يقول
الإنجيلى يوحنا:

 

[
ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضاً جَدِيدَةً، لأَنَّ اَلسَّمَاءَ
الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَاَلْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ ]
[ رؤيا 21: 1 ]..

 

ويقول
الرسول بولس:

 

[
لأَنَّ اِنْتِظَارَ اَلْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اِسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اَللهِ.
إِذْ أُخْضِعَتِ اَلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ – لَيْسَ طَوْعاً بَلْ مِنْ أَجْلِ
اَلَّذِي أَخْضَعَهَا – عَلَى اَلرَّجَاءِ. لأَنَّ اَلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا
أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ اَلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ
أَوْلاَدِ اَللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ اَلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ
وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى اَلآن ] [ رومية 8: 19 – 22 ]..

 

يمكن
أن تؤول هذه الفكرة عن خلاص العالم تأويلاً خاطئا إلا أنها عندما تُفَسّر
تُفَسيرًا صحيحا تُشكّل عنصرًا أساسيا من عناصر العقيدة الأرثوذكسية عن الأمور
المتعلّقة بالآخرة..

 

يستطيع
الآن أن ينظر الإنسان إلى الأيقونات المقدسة كثمار أولى لهذا الخلاص الجماعى الذى
يشمل حتى المادة..

 

فيها
نرى بوضوح ما للخشب واللون كمادة من إمكانات التقديس..

 

الأيقونات
هى كشوفات قوية للقوة الروحية التى يملكها الإنسان وبها يستطيع أن يخلّص العالم
بالجمال والفن..

 

إنه
عربون الظفر العتيد عندما يتوطد الخلاص الذى حمله المسيح لكل الخليقة لمحو نتائج
السقطة..

 

الأيقونة
مثال مادى إيجابى أعيد وضعه فى تناسقه وجماله الأولى يستعمل الآن كمتشح للروح
القدس..

 

الأيقونة
تؤلّف قسما من العالم المتجلّى..

 

كما
أن تجلّى يسوع يرمز إلى قيامة الجسد الأخيرة، كذلك يشير مسبقا إلى تحوّل كلّ
العالم..

 

إن
شخص السيد المسيح لم يتجلّ وحده فوق جبل ثابور بلّ ولباسه أيضا..

 

يقول
ف. دى موريس:

 


إن حدث التجلّى عاش خلال العصور وأنار جميع الأجيال. لقد حازت كلّ الوجوه، بسبب
ذلك النور وتلك الهيئة التى شعّت بمجد الله، بسبب تلك الأوشحة التى لمعت بيضاء
كالثلج، على هذا الإشعاع وكل الأشياء العامة تجلّت. تجلّى الرب يسوع يعنى تجلّى كل
المخلوقات تجليا كماله فى المستقبل ومقدماته لنا من الآن ويمكن أن يتذوقها
الإنسان. يكفى أن تكون له الأعين ليرى”..

 

يقول
القديس إيريناوس فى وصفه اليوم الأخير:

 


لا أقنوم ولا جوهر الخليقة يندثران، بل حجم هذا العالم يعبر، أى ما كان سببًا
للمعصية وصار به الإنسان عتيقا. بعبور هذا الشكل وتجدّد الإنسان وبنموه فى عدم
الفساد لا يستطيع أن يصير عتيقا.وتكون سماء جديدة وأرض جديدة ويبقى الإنسان فى
الجديد جديدًا يحدث الله ويكلمه”..

—–

 

6
– الدينونة

أ
– عدل الله وحكمه:

الله
طويل الأناة ومتحنن ومحب للبشر وهو بالمقدار نفسه عادل..

 

وكما
أن محبته للبشر وتحننه لا متناهيان، كذلك عدله..

 

ومع
التأكيد على أن الله رحيم غفتور يفتح صدره للذى ياتى إليه تائب، كالابن الشاطر،
فيعفو عنه ويخلّصه، فهو كذلك ديّان يدين بالقوّة نفسها من لا يتوب ويرفض الخلاص..

 

ولذا
كان لا بدّ من الكلام عن العقاب الأبدى بعد أن تحدّثنا عن الحياة الأبدية..

 

ويذكّرنا
بذلك الرسول بولس حيث يقول:

 

[
فَإِنَّنَا نَعْرِفُ اَلّذِي قَالَ: { ليَ اَلاِنْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي،
يَقُولُ اَلرَّبُّ }. وَأَيْضاً: { الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ }. مُخِيفٌ هُوَ
اَلْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اَللهِ اَلْحَيِّ! ] [ عبرانيين 10: 30، 31 ]..

 

ب
– المسيح هو الديان:

لنتأمل
مليا فى هذا النصّ الذى أعطانا يوحنا الرسول:

[
قَالَتْ لَهُ: { نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ
اَلْمَسِيحُ ابْنُ اَللَّهِ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ }. وَلَمّا قَالَتْ هَذَا
مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً قَائِلَةً: { اَلْمُعَلِّمُ قَدْ
حَضَرَ وَهُوَ يَدْعُوكِ }. أَمَّا تِلْكَ فَلَمّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً
وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى اَلْقَرْيَةِ بَلْ
كَانَ فِي اَلْمَكَانِ اَلَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا ] [ يوحنا 5: 27 – 30 ]..

 

ولنعد
إلى ما أورده القديس متى عن لسان السيد فى يوم الدينونة:

 

[
ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي
أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ منْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. لأَنِّي
جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً
فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي.
مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ ] [ متى 25: 34 – 36 ]..

 

ج
– شرط الدينونة:

نخْلُص
مما سبق إلى ما يلى:

 الحاكم
الديّان سيكون المسيح نفسه..

 هذا
الحاكم الديّان يحبنا ومات من أجلنا:

 

[
لأَنَّ الْمَسِيحَ إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ
لأَجْلِ الْفُجَّارِ. فَإِنَّهُ بِالْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لأَجْلِ بَارٍّ.
رُبَّمَا لأَجْلِ الصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. وَلَكِنَّ
اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ
اَلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. ] [ رومية 5: 6 – 8 ]..

 

 هذا
الحاكم الديان نفسه قال على لسان نبيّه:

 

[
قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ اَلسَّيِّدُ اَلرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ
بِمَوْتِ اَلشِّرِّيرِ، بَلْ ‏بِأَنْ يَرْجِعَ اَلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ
وَيَحْيَا. إِرْجِعُوا إِرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ‏اَلرَّدِيئَةِ. فَلِمَاذَا
تَمُوتُونَ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ ] [ حزقيال 33: 11 ]..

 

وقد
أكّد الرسول بولس هذا القول:

 

[
اَلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ اَلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ
اَلْحَقِّ يُقْبِلُونَ ] [ 1 تيموثاوس 2: 4 ]..

 

وذكرنا
به بطرس الرسول:

 

[
لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ،
لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ
أَنْ يُقْبِلَ اَلْجَمِيعُ إِلَى اَلتَّوْبَةِ ] [ 2 بطرس 3: 9 ]..

 

 وكما
أن هذا الحاكم الديّان محب ورحيم فهو عادل..

 

 وسوف
يعاملنا السيد حسب أعمالنا ونيّاتنا فى آن:

 

[
لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ اَلنَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ.
لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ اَلْخَطِيَّةِ ] [ رومية 3: 20 ]..

 

إذ
قال السيد:

[
فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضاً رَحِيمٌ. وَلاَ تَدِينُوا
فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا
يُغْفَرْ لَكُمْ ] [ لوقا 6: 36، 37 ]..

 

 وبالتالى
سيكون حسابنا عسيرًا ومرتبطا إرتباطا وثيقًا بمواقف داخلية تنمّ عن محبة وعطاء
يتجلّيان فى علاقتنا بالمرضى والغرباء والسجناء والمعذبين فى الارض لأن فى هؤلاء
يسكن السيد..

 

وهكذا،
فالمحك، فى النهاية، سيكون مقدار محبتنا وتكريس ذواتنا لخدمته وخدمة الذين خُلقوا
على صورته ومثاله:

 

[
إِنَّ مَحَبَّتَنَا لإِخْوَتِنَا تُبَيِّنُ لَنَا أَنَّنَا انْتَقَلْنَا مِنَ
الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ. فَالَّذِي لاَ يُحِبُّ إِخْوَتَهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي
الْمَوْتِ ] [ 1 يوحنا 3: 14 ]..

 

 ها
هو الطريق الذى يجب أن نسلكه لنحظى بالحياة الأبدية..

 

وقد
أصبح واضحا كلّ الوضوح..

 

فما
علينا إلا أن نَعْبُر من البغضاء إلى المحبة، لأن عبورًا كهذا يجعلنا نَعْبُر من
الموت إلى الله أى الحياة..

 

وهكذا،
نستبق، بشكل من الأشكال، الدينونة..

 

وكما
يقول ذهبى الفم:

 


السماء على الأرض نجدها فى الإفخارستيا وفى محبّة القريب”..

 

 المعرفة
والإيمان وليدًا المحبّة:

 

[
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً: لأَنَّ الْمَحَبَّةَ
تَصْدُرُ مِنَ اللهِ. إِذَنْ، كُلُّ مَنْ يُحِبُّ، يَكُونُ مَوْلُوداً مِنَ اللهِ
وَيَعْرِفُ اللهَ.أَمَّا مَنْ لاَ يُحِبُّ، فَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّفْ بِاللهِ قَطُّ
لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ! وَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لَنَا إِذْ أَرْسَلَ
ابْنَهُ الأَوْحَدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. ] [ 1 يوحنا 4: 7 – 9
]..

 

 الله
محبّة، فمن لا يحب لا شركة له مع الله، وبالتالى لا صلة له بالحياة التى هى من لدن
الله..

 

ومآله
الموت والزوال..

 

ومصيره
جهنم حيث ” لا يوجد الله” ولا يسمع له صوت..

 

وليس
العذاب الأبدى هو أن يعرف الخاطئ أنه سيحيا إلى الأبد بعيدًا عن حضرة الله، لا
يسمع صوته ولا ينعم بالملكوت الذى أعده الله منذ إنشاء العالم:

 

[
ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي
أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ ] [ متى
25: 34 ]..

—————–

 

7
– الصلاة من أجل الموتى

 صلاة
البار وشركة القديسين:

يوصينا
يعقوب الرسول فيقول:

 

[
وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ لِكَيْ تُشْفَوْا. طِلْبَةُ اَلْبَارِّ
تَقْتَدِرُ كَثِيراً فِي فِعلِهَا ] [ يعقوب 5: 16 ]..

 

وفى
كتاب المكابيين نجد أن صلاة البار تقتدر على الصفح عن الخاطئ حتى بعد وفاته:

 

[
لأنَّه لّوْ لَمّ يَكُنْ مُتَرْجَيًا قِيَامَةُ اَلَّذين سَقَطُوا لَكَانَتْ
صَلاتَه مِنْ أَجْلِ اَلمَوْتَى بَاطِل وعَبَثًا. ولاعْتِبَارِه أَنّ اّلَّذِين
رّقّدُوا بِالتَقْوَى قَدْ إِدْخَرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ. وَهُوَ رَأيٌ
مُقَدَّسٌ تَقْوَي ولِهَذَا قَدَّمَ اَلكَفَّارَة عَنْ اَلمَوْتَى لِيُحَلُّوا
مِنْ اَلخَطِيَّئةِ ] [ 2 مكابيين 12: 44 – 46 ]..

 

أمّا
يوحنا الإنجيلى فيعكس الآية ويقول لناك

 

[
وَلَمَّا أَخَذَ اَلسِّفْرَ خَرَّتِ اَلأَرْبَعَةُ اَلْحَيَوَانَاتُ
وَاَلأَرْبَعَةُ وَاَلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ اَلْحَمَلِ، وَلَهُمْ كُلِّ
وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ
اَلْقِدِّيسِينَ.. وَجَاءَ مَلاَكٌ آخَرُ وَوَقَفَ عِنْدَ اَلْمَذْبَحِ، وَمَعَهُ
مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَأُعْطِيَ بَخُوراً كَثِيراً لِكَيْ يُقَدِّمَهُ مَعَ
صَلَوَاتِ اَلْقِدِّيسِينَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَذْبَحِ اَلذَّهَبِ اَلَّذِي
أَمَامَ اَلْعَرْشِ ] [ رؤيا 5: 8 و8: 3 ]..

 

ويشبه
صلوات القديسين أمام عرش الحمل بكؤوس من ذهب مملوءة بالبخور..

 

فالموت،
إذًا، لا يفصم عُرى وحدة جسد المسيح..

 

والأحياء
فى هذا العالم والذين إنتقلوا على رجاء القيامة هم دائما جسد واحد..

 

وهذا
ما نسمّيه ب ” شركة القديسين”..

 

هذه
الشركة التى سبق وتحدثنا عنها فى الفصل الثامن تتجلّى على أفضل وجه فى حياة
الكنيسة الليتورجية..

 

فالكنيسة
جمعاء تصلّى وليس الأحياء فقط..

 

لأن
الأموات الموجودين معنا فى الكنيسة والذين تمثلهم أيقونات القديسين الموضوعة فى
الكنيسة هم أيضًا يشاركوننا التسبيح..

 

وشئ
آخر هام يحصل فى القداس الإلهى إذ أن الكاهن يذكر الأحياء ويضع قطعا من خبز
التقدمة على الصينية ثم يذكر الأموات ويضع على الصينية نفسها قطعا من خبز التقدمة،
وبعدئذ يضع ما تجمّع على الصينية فى الكاس فيغدو الأحياء والأموات جسدًا واحدًا
بالمسيح..

 

لذلك،
فالمكان الوحيد الذى يلتقى فيه الأحياء والأموات بكلّ معنى الكلمة هو الكنيسة
وبالتحديد فى الكأس المقدس أى فى المسيح يسوع..

 

لذا،
فنحن مدعوون إلى أن نحمل أمواتنا فى صلواتنا إلى الرب وهم أيضًا يشتركون معنا فى
التسبيح فيتمجد اسم الرب فيهم وفينا وينمو الجسد الذى يجمعنا والذى هو الكنيسة جسد
المسيح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى