اللاهوت العقيدي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل
الثالث

قوانين
إيمان ما قبل نيقية
[1]

كما
رأينا فى الأجزاء السابقة فأن الإيمان بلاهوت السيد المسيح كان واضحا جدا فى فكر
وكتابات آباء ما قبل نيقية، فكل كلمة او عبارة فى قانون إيمان نيقية تحدثت عن
لاهوت السيد المسيح كان لها وجود فى كتابات هؤلاء الآباء.

 

مقالات ذات صلة

و
الآن سنرى من خلال الجدول التالى مقارنة بين قانون الإيمان النيقاوى وقوانين
الإيمان التى كتبها آباء ما قبل نيقية والتى استخدمتها الكنيسة فى ذلك العصر
المبكر. لكى نتأكد من ان صيغة قانون إيمان نيقية وما حوته من اعتراف بلاهوت السيد
المسيح كانت مستندة بشكل واضح على صيغ إيمانية أقدم منها بكثير.

 

ففى
العصور المسيحية الاولى كانت توجد صيغ مُبسطة للإيمان المسيحى تُسلم بشكل أساسى
للمُقلبين على المعمودية بهدف تعليمهم الإيمان المسيحى السليم. ولكن مع زيادة
وانتشار الهرطقات، أصبحت هناك حاجة مُلحة لإستعمال قانون الإيمان فى العبادة
الليتروجية فى الكنيسة من أجل الدفاع عن الإيمان من ناحية، وتعليمه للشعب من ناحية
أخرى. لذلك فما فعله مجمع نيقية هو إعلان صيغة رسمية مُوحدة لقانون الإيمان يشترك
الجميع فى إستخدامها، مُستندا فى ذلك على ما سبقه من صياغات.

 

و
فيما يلى قوانين الإيمان التى سنقوم بعرضها:


قانون الرسل، روما، القرن الثانى


ايريناؤس، ليون، 180 م


ترتيليان، قرطاجنة، 200 م


كبريانوس، قرطاجنة، 250


نوفتيان، روما، 250 م


اوريجانيوس، الإسكندرية، 250 م


غريغوريوس، قيصرية الجديد، 270 م


لوقيانوس، أنطاكية، 300 م


يوسابيوس، قيصرية، 325 م


مجمع نيقية، نيقية، 325 م

 

 

1- قانون إيمان الرسل (القرن الأول):

1- أؤمن بالله الآب ضابط الكل (خالق السماء
والأرض) ؛ 2- وبيسوع المسيح، أبنه الوحيد، ربنا، 3- الذي (حبل) به بالروح القدس،
وُلد من العذراء مريم ؛ 4- (تألم) في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب (ومات) ودُفن ؛ 5-
(ونزل إلى الجحيم)، وفي اليوم الثالث قام من الأموات ؛ 6- صعد إلى السموات وجلس عن
يمين (الله) الآب (ضابط الكل) ؛ 7- من ثم يأتي ليدين الأحياء والأموات. 8- و(أومن)
بالروح القدس ؛ 9- والكنيسة المقدسة (الجامعة)، (وشركة القديسين) ؛ 10- وغفران
الخطايا ؛ 11- وقيامة الجسد ؛ 12- (والحياة الأبدية).

 

2- قانون إيمان القديس إيريناؤس بلاد
الغال، فرنسا حاليا، (عام 170م):

1- نؤمن بإله واحد
الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها ؛ 2- وبيسوع المسيح،
الواحد، ابن الله (ربنا)، 3- الذي صار جسداً (من العذراء) لأجل خلاصنا ؛ 4- وآلامه
(في عهد بيلاطس البنطي)، 5- وقيامته من الأموات ؛ 6- وصعوده إلى السموات جسديا ؛
7- ومجيئه من السموات في مجد الآب لكي يضم كل الأشياء في رأس واحد 00 ويجري حكما
عادلاً على الجميع. 8- وبالروح القدس … ؛ 11- وأن المسيح سيأتي من السموات ليقيم
كل جسد … وليدين الأشرار والظالمين في نار الأبدية، 12- ويعطي المستقيمين
والقديسين خلودا ومجداً أبدياً.

 

3- العلامة ترتليان، من شمال أفريقيا
(200م):

” 1- نؤمن بإله واحد، خالق العالم، الذي
أوجد الكل من عدم …؛ 2- وبالكلمة أبنه يسوع المسيح ؛ 3- الذي نزل إلى العذراء من
خلال روح الله الآب وقوته، وصار جسدا في أحشائها وولد منها ؛ 4- ثُبّت على الصليب
(في عهد بيلاطس البنطي)، مات ودُفن ؛ 5- قام في اليوم الثالث ؛ 6- رُفع إلى
السموات وجلس عن يمين الله الآب ؛ 7- سيأتي ليدين الأحياء والأموات. 11- وأن
المسيح سيتقبل قديسيه بعد استعادة الجسد ؛ 12- في متعة الحياة الأبدية، ومواعيد
السماء، ويدين الأشرار بنار أبدية.

 

4- القديس كبريانوس، من قرطاجنة
(250م):

1- نؤمن بالله الآب، 2- وبابنه المسيح، 8-
بالروح القدس، 9- أومن بغفران الخطايا، 12- والحياة الأبدية خلال الكنيسة المقدسة.

 

5- نوفاتيان، من روما (250م):

1- نؤمن بالله الآب والرب ضابط الكل. 2- بابن
الله، يسوع المسيح، الله ربنا، 8- بالروح القدس (الموعود به منذ القديم للكنيسة،
وأعطي في الوقت المعين والمناسب).

 

6- العلامة أوريجانوس، من الإسكندرية
(230م):

1 نؤمن بإله واحد، الذي خلق وأوجد كل شيء.
الذي في آخر الأيام أرسل 2- ربنا يسوع المسيح. مولودا من الآب قبل كل الخليقة. 3-
مولودا من العذراء ومن الروح القدس. تجسد وهو لا يزال الله. 4- تألم حقا، ومات، 5-
قام من الأموات 6- ورُفع 00 8- الروح القدس، متحدا في كرامة وجلال الآب والابن.

 

7- أغريغوريوس أسقف قيصرية الجديدة:

 1- نؤمن بالله الآب، 2- برب واحد. إله من إله،
صورة وشكل اللاهوت. الحكمة والقدرة التي أوجدت كل الخليقة، الابن الحقيقي للآب
الحقيقي. 8- بروح قدس واحد، خادم التقديس، فيه يعلن الله الآب، الذي فوق كل الأشياء،
ويعلن الله الابن الذي هو خلال كل الأشياء. ثالوث كامل، غير منقسم ولا مختلف في
المجد، والأبدية والسلطان.

 

8- لوقيانوس، أو لوسيان (مُعلم
أريوس)، إنطاكية (300م):

 1- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق كل
شيء، والمعتني بكل شيء ؛ 2- وبرب واحد يسوع المسيح أبنه، المولود من الآب قبل كل
الدهور، إله من إله،الحكمة، الحياة، النور. 3- الذي وُلد من عذراء حسب الكتب،
وتأنس ؛ 4- الذي تألم من أجلنا، 5- وقام من أجلنا في اليوم الثالث ؛ 6- وصعد إلى
السموات، وجلس عن يمين الله الآب ؛ 7- وسيأتي أيضا بقوة ومجد ليدين الأحياء
والأموات. 8- وبالروح القدس، المعطى للتعزية والتقديس والكمال للذين يؤمنون.

 

9- يوسابيوس، أسقف قيصرية (325م):

 1- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق
كل شيء، ما يرى وما لا يرى ؛ 2- وبرب واحد يسوع المسيح، كلمة الله، إله من إله،
نور من نور، حياة من حياة، الابن الوحيد، بكر كل الخليقة، مولود من الآب قبل كل
الدهور، به كان كل شيء. 3- الذي من أجل خلاصنا صار جسدا بين البشر ؛ 4- وتألم، 5-
وقام في اليوم الثالث ؛ 6- وصعد إلى الآب ؛ 7- وسيأتي بمجد ليدين الأحياء
والأموات. 8- نؤمن أيضا بالروح القدس.

 

10- كيرلس الأورشليمي (350م):

 1- نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق
السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى ؛ 2- وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد،
مولود من الآب قبل كل الدهور، إله حق، به كان كل شيء. 3- تجسد وتأنس ؛ 4- صلب
ودفن. 5- قام في اليوم الثالث ؛ 6- وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب ؛ 7-
وسيأتي في مجد، ليدين الأحياء والأموات، ليس لملكه انقضاء. 8- وبروح قدس واحد،
البارقليط الناطق في الأنبياء. 9- وبمعمودية واحدة للتوبة لمغفرة الخطايا، 10-
وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة، 11- وبقيامة الجسد، 12- وبالحياة الأبدية.

 

11- أقرار الإيمان كما قدمه أريوس
للملك قسطنطين
(2):

 1- نؤمن بإله واحد، الآب القدير ؛ 2-
وبالرب يسوع المسيح ابنه، المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة الذي به صنع كل
شيء، ما في السموات وما على الأرض. 3- الذي من نزل وصار متجسدا ؛ 4- وتألم، 5-
وقام ثانية ؛ 6- وصعد إلى السموات ؛ 7- وسيأتي ثانية ليدين الأحياء والأموات. 8-
[ونؤمن] أيضا بالروح القدس. 9- وبقيامة الجسد وحياة الدهر الآتي، وبملكوت السموات،
10- وبكنيسة الله الواحدة الجامعة، الممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها.

 الإيمان الذي استلمناه من الأناجيل المقدسة،
حيث يقول الرب لتلاميذه- ” اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب
والابن والروح القدس “. وإذا كنا لا نؤمن هكذا ونقبل حقا الآب والابن والروح
القدس، مثل كل الكنيسة الجامعة وكما تعلم الأسفار المقدسة (التي نؤمن بها ونوقرها
جدا)، فالله دياننا الآن وفي الدينونة الآتية “.

 وتبدو هذه الصيغ الإحدى عشرة للإيمان متشابهة
ومتماثلة في جوهرها، بما فيها إقرارات إيمان لوسيان ويوسابيوس أسقف قيصرية وأريوس،
إلى حد كبير، والفروق بينها طفيفة جدا وغير جوهرية. وجميعها مأخوذة من آيات الكتاب
المقدس، أو مبنية على أساس آياته الإلهية.

 

 فما هي المشكلة إذا، وكيف ظهرت هرطقة
أريوس إذا كان إقرار إيمانه مماثل لإقرار إيمان جميع آباء الكنيسة السابقين
عليه؟!!

 والإجابة هي أن الكنيسة ظلت تبشر بالمسيح في
العالم أجمع لكل الأمم بهذا الإيمان مع بساطته، وكانت مشغولة بالكرازة المصحوبة
باضطهادات عنيفة وقاسية ومريرة للدرجة التي حاول فيها أباطرة الرومان في القرون
الثلاثة الأولي القضاء على المسيحية وإبادة المسيحيين نهائيا من على وجه الأرض،
ولم تسمح لها الظروف بشرح عقيدتها في المسيح ووضعها في صيغ لاهوتية محددة. وكان
المؤمنون يكفيهم ما يسمعونه أو يقرءونه للرسل لثقتهم بأن الرسل يتكلمون ويكتبون
بالروح القدس، وفي الأجيال التالية كان يكفيهم أنهم تسلموا هذا الإيمان، سواء
المكتوب في الأسفار المقدسة أو المنقول إليهم شفويا، عن طريق تلاميذ الرسل
وخلفائهم. ولكن مع ظهور بعض الهرطقات كان آباء الكنيسة خاصة المدافعين منهم عن
الإيمان يردون على أصحاب هذه الهرطقات بالتركيز على آيات محددة في الكتاب المقدس
تبرز لاهوت المسيح وناسوته أو حقيقة التجسد، كما أوضحنا في الفصل الثالث، مع
استخدام بعض الصيغ اللاهوتية القليلة مثل عبارة التجسد.

 ولكن الأمور ظلت تسير في بساطة الإيمان حتى ظهر
أريوس وفجر، بهرطقته وتلاعبه بالألفاظ وتفسيره لآيات الكتاب المقدس بما يتناسب مع
فكره والمنهج الفلسفي الذي أتبعه والذي أخضع آيات الكتاب المقدس له بدلا من يخضع
هو للإعلان الإلهي وروح الله القدوس ويثق في التسليم الرسولي ” الإيمان
المسلم مرة للقدسيين “، قضية ضرورة بحث الإيمان ووضعه في صيغ لاهوتية محددة
تأخذ من جوهر ومضمون آيات الكتاب المقدس والتسليم الرسولي، الإيمان المسلم مرة
للقديسين.

 وكان أريوس، يقر بنفس إقرارات الإيمان المذكورة
أعلاه ولكنه انحرف في تفسيره لها وفسرها بغير معناها لتؤدي إلى نتائج ليست في
مضمونها ولا محتواها ولا جوهرها!! إذا المشكلة ليست في هذه النصوص والإقرارات
الإيمانية، إنما في تفسيره هو وزملائه من تلاميذ لوسيان لبعض عباراتها، ففسروا
عبارة ؛ ” المولود منه (الآب) قبل كل الدهور ” بمعنى ” المخلوق
منه قبل كل الدهور
“!! وفي سبيل تفسيرهم الهرطوقي هذا أضافوا عبارات أخرى
لم تأت لا في الكتاب المقدس ولا في التسليم الرسولي أو أقوال الآباء، مثل ” الكلمة
مخلوق من العدم، اللاوجود
“، ” الكلمة كان ولم يكن “،
كان هناك وقت لم يكن فيه ابن الله ” 00الخ

 وهنا كان على للكنيسة أن تأخذ موقفا حازما وتضع
الأمور في نصابها وتضع الإيمان المسلم مرة للقديسين، سواء ما تسلمته مكتوبا بالروح
القدس أو ما تسلمته عن طريق كتابات الآباء الرسوليين وتلاميذهم، خلفاء الرسل
وتلاميذهم، في القرنين الأول والثاني أو ما حفظته شفويا، في صيغ لغوية لاهوتية
محددة لا تقبل التأويل أو التفسير بأكثر من معناها. فالكنيسة لها إيمان واحد ورب
واحد ومعمودية واحدة وتستخدم كتاب مقدس واحد وتحفظ تقليد واحد، أو كما يقول الكتاب
رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة ” (أف5: 4).



[1] هذا الجزء مأخوذ بتصرف عن
كتاب “قانون إيمان الرسل – الديداكية” للقمص تادرس يعقوب.

(2) Socrates Church
History 1:26 .

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى