اللاهوت العقيدي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

جماعة مميزة بأعمال مميزة

21- هل الجميع متساوون؟ أم هناك جماعة مميزة
بالكهنوت؟

سؤال هام نضعه أمام محاربى الكهنوت، وهو:

هل جميع المؤمنين متساوون في كل شئ؟ أم أن هناك
كهنوت، لجماعة مميزة؟

باشتراطات وصفات خاصة وبأعمال مميزة تقوم بها،
وبرسامة: وضع يد، ونفخة الروح القدس، ولرجال الكهنوت سلطان، ولهم ألقاب ودرجات؟؟

 

إننا سنثبت أن هناك جماعة مميزة، كما كانت في
العهد القديم كذلك هى في العهد الحديد، فالله ” ليس عنده تغيير ولا ظل
دوران” (يع 1: 17). هنا ويقوم ضدنا إعتراض من محاربى الكهنوت:

 

الإعتراض الثالث

يقول المعترضون: كلنا متساوون. والكتاب يشهد على
ذلك بآيات نذكر من بينها:

(غل 3: 28) ” ليس يهودى ولا يونانى. ليس
عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى. لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع”.

 

(مت 20: 25- 28) ” فدعاهم يسوع وقال لهم: أنتم
تعلمون إن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم بل
من أراد أن يكون فيكم عظيما، فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون فيكم أولاً،
فليكن لكم عبداً. كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم، وليبذل نفسه فدية عن
كثيرين”.

 

ويرى أصحاب هذا الإعتراض أنه يفهم من هذه الآيات،
أن الكل متساوون ولا فارق بين مؤمن وآخر.

 

22- التساوي في البنوة واختصاصات الكهنوت

1- ونحن لا ننكر أن جميع المؤمنين متساوون في
البنوة لله، وفى أنهم هياكل للروح القدس، لا يتميز فيهم شعب على شعب، ولا يتميزون
من جهة الجنس أو اللون. وكلهم متساوون في المسئولية الأدبية.

 

ولكن هذا كله، لا يعنى مطلقاً أنهم متساوون في
الاختصاص ولا يعنى أنهم متساوون في الكهنوت..

 

2- وقد قيلت الآية الأولى (غل 3: 28) في نتائج
الإيمان والمعمودية، من حيث البنوة لله بالإيمان والمعمودية، ومن حيث الحياة
الجديدة التي نلبسها في المسيح يسوع. وهكذا قال القديس بولس الرسول:

 

” لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان
بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين أعتمدتم بالمسيح، قد لبستم. ليس يهودى ولا يونانى،
ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وانثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع” (غل 3: 26
– 28).

 

إذن ليس فارق بين المؤمنين بالمعمدين، من حيث
البنوة لله. في هذه البنوة لا يتميز يهودى على يونانى، ولا حر على عبد، ولا ذكر
على أنثى.. ولا ذكر على انثى.. ولا فارق بين هؤلاء فى بركات المعمودية.

 

ومع هذه المساواة في البنوة لله وميزاتها، هناك
فارق!!

 

3- ليس ذكر وانثى في البنوة لله وفى بركات المعمودية.
ومع ذلك يقول الكتاب: “رأس المرأة هو الرجل” (1كو 11: 3).

 

ويقول أيضاً: “أيها النساء اخضعن لرجالكن
كما للرب. لأن الرجل هو رأس المرأى، كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة” (أف 5:
22، 23). “أيها النساء اخضعن لرجالكن، كما يليق في الرب” (كو 3: 18)
” فإنه هكذا كانت قديماً النساء القديسات أيضاً.. خاضعات لرجالهن، كما كانت
سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها” (1بط 3: 6).

 

4- وعلى الرغم من المساواة بين العبد والحر في
البنوة لله وفى بركات المعمودية، إلا أنه هناك أيضاً فارق:

 

يقول السيد المسيح: “ليس عبد أعظم من سيده”
(يو 13: 16). ويقول الرسول: “أيضاً العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد، بخوف
ورعدة، في بساطة قلوبكم كما للمسيح في كل شئ سادتكم حسب الجسد” (كو 3: 22، تى
2: 9).

 

فى الإيمان والمعمودية لا فارق بين فليمون
وأنسيموس. ولكن بولس الرسول كان لا بد أن يستأذن فليمون في شأن انسيموس لأنه سيده.
لذلك قال له: “بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئاً” (فل 14).

 

5- وحقاً في البنوة لله لا فارق بين يهودى
ويونانى. ومع ذلك قال الرسول عن انسبائه هؤلاء أنهم ” لهم التبنى والمجد
والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد”
(رو 9: 4، 5).

 

أما في المعمودية فيقول الرسول: “لأننا
جميعاً بروح واحد، اعتمدنا إلى جسد واحد، يهوداً كنا أم يونانيين” (1كو 12: 13).

 

6- إذن قول بولس الرسول في (غل 3: 28) لا نأخذه
بالمعنى المطلق، بل في الحدود التي تكلم عنها الرسول. وفى غير هذه الحدود فوارق
كما ذكرنا.

 

فى البنوة وبركات المعمودية، كل المؤمنين
متساوون..

 

ولكنهم – في الاختصاصات وفى الكهنوت – غير
متساوين..

 

7- هنا ونناقش ما ورد في (مت 20: 25 – 28)
” من أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن عبداً. كما أن ابن الإنسان لم يأت
ليَخدِم بل لِيُخْدَم”.

 

السيد المسيح يتكلم هنا عن التواضع، وليس عن
الكهنوت. لا يريد أن يكون وسله لهم روح السيطرة والتعالى وحب العظمة.

 

8- ولقد ضرب في هذا مثلاً بنفسه ” ابن
الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم ” فهل هذا التواضع الذي سلك به، يعنى انه مساو
لتلاميذ؟‍ حاشا. إنه أتى ليخدمهم. ومع خدمته لهم هو سيدهم. ولذلك قال لهم بعد أن
غسل ارجلهم:

 

” أنتم تدعوننى معلماً وسيداً. وحسناً
تقولون لأنى أنا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأتتم يجب
عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض” (يو 13: 13، 14).

 

9- أقوال السيد المسيح هذه لتلاميذه، لا تعنى
إلغاء الكهنوت، إنما تعنى الاتضاع في كل أعمال الكهنوت التي هد بها إليهم.

 

ففى الكهنوت أيضاً: لا يجوز كاهناً يريد أن يكون
عظيماً، أو يريد أن يكون أولاً (مت 20: 26، 27).

 

بل يكون كاهناً ومتواضعاً. لا يتسيطر على الناس،
ولا يتعاظم، ولا يتعالى عليهم. وإن كان الله قد جعله أولاً، فلا يصح أن هذه
الأولوية ترفع قلبه، بل يتعامل مع الشعب كأنه آخر الكل، كأنه عبد لهم.

 

10- هنا واتذكر قول الشيوخ لرحبعام الملك:

” إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب، وخدمتهم
وأحببتهم،

وكلمتهم كلاماً حسنا، يكونون لك عبيداً كل الأيام.”
(1مل 12: 7)

فإن كان الملك مطلوباً منه أن يكون خادماً
وعبداً لشعبه، هكذا الكاهن ايضاً مطلوب منه كذلك. ويبقى الملك ملكاً، ولكاهن
كاهناً.

 

23- ليس الجميع متساوين

الإعتراض الرابع

11- يستشهد المعارضون بما ورد فى سفر يوئيل
النبى: (يؤ 2: 28) ” يكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر. فيتنبأ بنوكم
وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلاماً، يرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء،
أسكب روحى في تلك الأيام ”

ويقولون في ذلك: هوذا الكل على قدم المساواة: البنون
والبنات، والشيوخ والشبان، والعبيد والإماء.

 

12- و الرد بسيط. وهو أن هناك فرقاً بين المواهب
والكهنوت. المواهب يمكن أن تكون أحياناً للكل. بينما الكهنوت ليس للكل ومع ذلك
فالكل ليسوا متساوين فى المواهب..

يقول القديس بولس الرسول في أصحاح المواهب
المشهور (1كو12):

” لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة. فإنه
لواحد يعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم.. ولآخر إيمان.. وللآخر مواهب شفاء..
ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز أرواح، ولآخر أنواع السنة، ولآخر ترجمة
ألسنة.. قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء” (1كو 12: 7 – 11)

 

وقول أيضاً: “ألعل الجميع أصحاب قوات؟‍
ألعل للجميع مواهب شفاء؟‍ ألعل الجميع يتكلمون بألسنة؟‍ ألعل الجميع يترجمون؟‍”
(1كو 12: 29، 30).

 

ليس الجميع متساوين

13- إن كان الجميع يتساوون في أنهم أبناء الله،
وصورة الله، وهياكل لروحه لقدوس. ويتساوون من جهة المسئولية الأدبية.. إلا أنهم
ليسوا متساوين من جهة لعمل والاختصاصات، ومن جهة الكهنوت.

 

14- هذا هو التعليم الكتابى. وفيه يقول الرسول:

 

” وضع الله اناساً في الكنيسة. أولاً رسلاً،
ثانيا أنبياء، ثالثاً معلمين، ثم قوات، وبعد ذلك مواهب.. ألعل الجميع رسل؟‍ ألعل
الجميع أنبياء؟‍ ألعل الجميع معلمون؟‍..” (1كو 12: 28، 29).

 

إذن هنا لا مساواة. وليس العمل واحداً للكل.

فإن كان محاربو الكهنوت يبنون ادعاءهم على مبدأ
المساواة، تكون قضيتهم بلا شك قد سقطت..

 

15- ونفس تمايز العمل يكرره الرسول في رسالته
إلى افسس، فيقول عن الرب: “وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، وبالبعض أنبياء،
والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين. لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان
جسد المسيح” (أف 4: 11، 12)

 

هو أعطى البعض، وليس الكل. إذن لا مساواة..

 

16- هو اختار أشخاصاً معينين، لأعمال معينة
كلفهم بها. وهذا الاختيار ليس هو طبعاً لجميع الناس. فليس الجميع متساوين في
الاختيار والارسالية. وليس الكل مختارين للخدمة التي كلف بها الرب رجاله، وهى
أعمال معينة، نسميها أعمال الكهنوت. إذن رجال الكهنوت هم:

 

24- أشخاص اختارهم الرب

17- يقول الإنجيل في (لو 16: 12، 13) انه قضى
الليل كله في الصلاة. ولما كان النهار دعا تلاميذ، وأختار منهم اثنى عشر الذين
سماهم رسلاً”..

 

” وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً،
وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهة” (لو 10: 1).

 

إذن الكهنوت هذا وضع إلهى، أسسه الرب بنفسه،
وبدأه بالرسل.

 

بأشخاص اختارهم بنفسه، ورسم لهم عملهم، وعين لهم
المكان الذي الذى يعملون فيه، وأعطاهم سلطاناً وبركة. كما قيل في (مت 10: 1): “ثم
دعا تلاميذه الإثنى عشر وأعطاهم سلطاناً..”.

 

18- ووضع الرب بركة لمن يقبلهم، وعقوبة لمن
يرفضهم أو يرذلهم:

 

وقال لهم: “من يقبلكم يقبلنى. ومن يقبلنى
يقبل الذي أرسلنى” (مت 10: 40) ” الذي يسمع منكم يسمع منى. والذى يرذلكم
يرذلنى. والذى يرذلنى، يرذل الذي أرسلنى” (لو 10: 16). وجعل عقوبة الذين
يرفضونهم أصعب من عقوبة سدوم (لو 10: 10 – 12).

 

25- أشخاص أعطاهم سلطان التعليم والتعميد

19- قال لهم: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم،
وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم
به” (مت 28: 19، 20) ” اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل
للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص” (مر 16: 16)..

 

هؤلاء هم الذين أئتمنهم على خدمة الكلمة. ولم
يعط هذه الخدمة لجميع الناس.

 

بل أعطاها لهؤلاء الذين قال لهم: “من يسمع
منكم، يسمع منى” (لو 10: 16). ولم يقل الرب لجميع الشعب: “اذهبوا
وتلمذوا جميع الأمم” “اكرزوا بالإنجيل”.. لأن سلطان التعليم ليس
للجميع!

 

20- وفى هذا الأمر يشهد القديس بطرس الرسول
قائلاً:

 

” ليس لجميع الشعب، بل لشهود سبق الله
فانتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه.. وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد..”
(أع 10: 41، 42).

 

ما أعجب عبارة: “ليس لجميع الشعب”.

 

إن خدمة الكلمة، خدمة الكرازة، ليست أمراً يتطفل
عليه أى إنسان، إنما هى لأشخاص معينين أئتمنهم الرب على هذه الخدمة.. أما باقى
الشعب فتنطبق عليهم عبارة: “كيف يكرزون إن لم يرسلوا “(رو 10: 15).

 

على أننا ستطرق هذا الموضوع بالتفصيل حينما
نتكلم عن الكهنوت وخدمة التعليم. كذلك خدمة التعميد لم تكن لكل أحد، إنما للذين
قال لهم الرب ” وعمدوهم ” ثم لمساعديهم، ولخلفائهم من بعدهم.

 

26- أشخاص أعطاهم سلطان الحِل والربط

21- لم يعط الرب هذا السلطان لجميع الشعب، وإنما
أعطاه للرسل في شخص بطرس (مت 16: 18). ثم وجه الحديث لكل الرسل قائلاً: “الحق
أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على
الأرض يكون محلولاً في السماء” (مت 18: 18).

 

وبعد القيامة يقول الإنجيل أنه نفخ في وجوهم
وقال لهم: “اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. ومن أمسكتم خطاياه
أمسكت” (يو 20: 22، 23)

 

27- أشخاص أعطاهم ممارسة سر الافخارستيا

22- قال لهم، وليس لجميع الشعب: “هذا هو
جسدى الذي يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكرى” (لو 22: 19). قال هذا للرسل وهم
مجتمعون معه في العلية يوم خميس العهد. ولهذا فإن بولس الرسول حينما يتعرض لهذا
الأمر يقول:

 

” كأس البركة التي نباركها، أليست هى شركة
دم المسيح؟ الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح” (1كو 10: 15)..

فقال: “نبارك ونكسر ” ولم يقل: تباركون
وتكسرون.

لأن إقامة هذا السر ليست لكل أحد، بل للكهنوت.

 

أما التناول منه فهو للكل، لذلك قال: “لا
تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين.. لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب
ومائدة شياطين” (1كو 10: 21). الرسل لهم اقامة هذا السر، لأنهم باكورة
الكهنوت.

 

28- أشخاص لهم سلطان وضع اليد وإقامة الخدام

23- كان وضع اليد لإقامة الخدام، هو من عمل
الرسل وحدهم، ثم صار ايضاً من عمل خلفائهم الأساقفة.

 

1- ففى سيامة الشمامسة السبعة، قال الرسول
للمؤمنين: “انتخبوا أنتم سبعة رجال.. فتقيمهم (نحن) على هذه الحاجة.. الذين
أقاموهم أمام الرسل، فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى” (أع 6: 3- 6)..

 

ولو كان كل الشعب كهنة، ما كان هناك حاجة لإقامة
هؤلاء السبعة أمام الرسل ليضعوا عليهم الأيادى.

 

ب- وبولس الرسول يقول لتميذه تيموثاوس الأسقف: “فلهذا
السبب اذكرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التي فيك بوضع يدى” (2تى 1: 6).

 

ج- وقال لهذا الأسقف: “لا تضع يدك على أحد
بالعجلة، ولا تشترك في خطايا الآخرين” (1تى 5: 22).

 

ولو كان الكل كهنة، فما لزوم وضع اليد هنا؟!

 

د- كذلك أمر بولس الرسول تلميذه تيطس أسقف كريت
قائلاً: “من أجل هذا تركتك في كريت، لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة، وتقيم في
كل مدينة شيوخاً (قسوساً) كما أوصيتك” (تى 1: 5).

 

ما معنى اقامتهم قسوساً، مادام الكل كهنة في
عرفهم؟!

 

ه- أما العبارة التي قالها لتلميذه تيموثاوس: “لا
تهمل الموهبة التي فيك، المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدى المشيخة” (1تى 4: 14).

 

فبالاضافة إلى أن البروتستان يترجمون كلمة قسيس
أو كاهن بكلمة شيخ كانت تطلق على الأساقفة أحياناً، وعلى الرسل ايضاً..

 

فبطرس الرسول يقول: “أطلب إلى الشيوخ الذين
بينكم، أنا الشيخ رفيقكم والشاهد لآلام المسيح” (1بط 5: 1)

 

ويوحنا الرسول يقول في افتتاح رسالته الثانية
والثالثة: “الشيخ إلى كيرية” (2يو1) ” الشيخ إلى غايس الحبيب”
(3يو 1).

 

إذن وضع اليد لإقامة الخدام فى كل رتب الكهنوت،
لم يكن لكل أحد، إنما كان للرسل ولمساعديهم وخلفائهم من الأساقفة.

 

29- أشخاص لهم اختصاص منح الروح القدس

24- (أ) ففى قصة إيمان السامرة، كان أهلها قد
تعمدوا ولم ينالوا الروح. وهنا يقول الكتاب ان الرسل: “أرسلوا إليهم بطرس
ويوحنا، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس.. حينئذ وضعا الأيادى
عليهم، فقبلوا الروح القدس” (أع 8: 14 –17)

 

فلو كان الكل كهنة، لكان ممكنا لأى أحد من
المؤمنين أن يمنح أهل السامرة الروح القدس، ولا حاجة إلى أن يرسل إليهم الرسل بطرس
ويوحنا الرسولين.

 

(ب) نلاحظ نفس الوضع في منح الروح القدس لأهل
أفسس.

 

ما كانوا يعرفون شيئاً عن الروح القدس. ولكن
” لما وضع بولس يديه عليهم، حل الروح القدس عليهم..” (أع 19: 6).

 

إذن كان الرسل يمنحون الروح القدس، سواء لرتب
الكهنوت، أو الناس، الذي عرف فيما بعد بسر المسحة (1يو 2: 20، 27). ولم يكن هذا
عمل عامة المؤمنين، كما يعلمنا الكتاب.

 

وهذا الأمر أدركه حتى سيمون الساحر، ولكنه أخطأ
في الوسيلة. ويقول الكتاب: “ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح
القدس، قدم لهم دراهم” (أع 8: 18).

 

فلو كان الكهنوت للكل، لماذا كانت هناك حاجة أن
يطلب الروح القدس من هؤلاء الناس بالذات؟!

 

30- أشخاص لهم عمل الإرشاد والتدبير

 

25- يقول القديس بولس الرسول:

” اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة
الله” (عب 13: 7).

” اطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم ساهرون
لأجل نفوسكم، كأنهم سوف يعطون حساباً..” (عب 13: 7).

 

وطبعاً هذا الكلام ليس للكل، إنما للذين سيعطون
حساباً عن الاهتمام بنفوس الآخرين.

 

26- ويقول الرسول أيضاً:

“نسألكم أيها الاخوة أن تعرفوا الذين يتعبون
بينكم، ويدبرونكم في الرب، وينذرونكم، وأن تعتبروهم جميعاً في المحبة” (1تس 5:
12، 13).

وعبارة: “تعرفون الذين.. يدبرونكم ”
معناها أنها ليست لكل أحد.

 

31- لرجال الكهنوت اشتراطات معينة

27- شرحت الاشتراطات الخاصة بالقس والأسقف في
(1تى 3)، (تى 1: 5- 9). وشروط الشمامسة في (أع 6) وفى (1تى 3: 8- 13)

 

وهذه الاشتراطات فيها صفات روحية لازمة لجميع
المؤمنين. ولكن فيها أيضاً اشتراطات خاصة ليست لازمة لكل أحد، مثل أن يكون ”
بعل امرأة واحدة” (1تى 3: 12).9 ومثل عبارة: “ليختبروا أولاً ثم يتشمسوا،
إن كانوا بلا لوم” (1تى 3: 10).

 

وبالنسبة إلى السقف، عبارة أن يكون “صالحاً
للتعليم”، “غير حديث الإيمان” ” له شهادة. حسنة من الذين من
خارج” (1تى 3: 2، 6، 7). ” ويكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ
المناقضين” (تى 1: 9) كل هذه صفات ليست للكل..

وبالنسبة إلى قسيس يكون ” بعل امرأة
واحدة” (تى 1: 6).

فلو كان الكل كهنة، فما لزوم هذه الاشتراطات
إذن؟!

وأيضاً ما لزوم وضع اليد والصلاة لاقامتهم
للخدمة؟

 

32- يُقامون بوضع اليد: بصلاة وصوم ونطق

28- وذلك واضح في ارسال شاول وبرنابا ”
فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى، ثم اطلقوهما بسلام” (أع 13: 3).

 

وواضح وضع اليد والصلاة في سيامة الشمامسة
” فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى” (أع 6: 6).

 

وإن كان الأمر لجميع الناس، فما لزوم وضع اليد
والصلاة، اختيار مجموعة معينة ” انتخبوا أنتم سبعة رجال منكم” (أع 6: 3).

 

ما لزوم هذا الطقس: صلاة – صوم – وضع يد. وطبعاً
معه نطق خاص بالرتبة ويقام من شخص له سلطان؟!

 

33- الكهنوت وجماعة معينة

29- إن كان الكهنوت لكل أحد، فهل يستطيع كل أحد
من الشعب أن يعمد، ويمنح الروح القدس للآخرين، ويقيم الأساقفة والقسوس والشمامسة؟
ويعلم ويدبراً؟!

 

وهل كل أحد له سلطان الحل والربط، وأن يغفر
الخطايا أو يمسكها؟ وهل كل أحد له سلطان إقامة سر الافخارستيا.. وباقى الأعمال
التي تميز بها الكهنة؟

 

لم يحدث أن السيد المسيح أعطى السلطان على كل
هذا لجميع الناس كما سبق وذكرنا.

 

مثال تعميد كرنيليوس وشاول:

30- لما شاء الله قبول كرنيليوس، مع أنه كان
رجلاً تقياً، وقد صعدت صلواته وصدقاته إلى الله، واستحق أن يرسل له الله ملاكاً
يكلمه.. كان الارشاد الإلهى إليه هو:

 

“ارسل إلى يافا رجالاً، واستدع سمعان
الملقب بطرس.. هو يقول لك ماذا ينبغى أن تفعل” (أع 10: 5، 6).

 

وجاء بطرس الذي كان قد كلف بهذا العمل أيضاً من
الله نفسه (أع 10: 20).

 

إذن هناك أشخاص معينون لهذه الخدمة، وليست هى
لأى أحد أو للكل. وهذا بأمر من الله نفسه، وبرؤى، وبارشاد ملائكة..

 

31- نفس الوضع نراه بالنسبة إلى شاول الطرسوسى،
الذي صار اسمه بولس الرسول فيما بعد..

 

رأى اللمسيح شخصياً، وآمن، واختاره الرب رسولاً
للأمم (أع 9: 1- 18).

 

ومع ذلك أرسله الرب إلى حنانيا في دمشق، الذي
ظهر له الرب في رؤيا يكلفه بهذه المهمة. بيد حنانيا نال شاول نعمة العماد (أع 22: 16).

 

وقد حدث هذا التكليف الإلهى، برؤيا مقدسة كلم
فيها الرب حنانيا بالذات، وكلفه بالعمل..

 

34- الكهنوت المسيحي

هنا ونتذكر العبارة التي قالها القديس بولس
الرسول عن الكهنوت المسيحى، وهى شهادة فى العهد الجديد:

 

” لا يأخذ أحد هذه الوظيفة (الكرامة) من
نفسه، بل المدعو من الله كما هارون ايضاً” (عب 5: 4).

 

هذا هو الحق الإنجيلى، أو الحق الكتابى، لمن يريد
أن يعرف الحق ” ومن له اذنان للسمع فليسمع” (مت 13: 43).

 

ولعله مما تجدر ملاحظته: آن الكهنوت في العهد
الجديد – كما في العهد القديم – هو لجماعة مميزة، وليس لجميع الناس.. جماعة مميزة
بدعوة، ومسحة، واختيار، وإرسالية، ووضع يد، وصلوات، واشتراطات خاصة.. وجماعة لها
درجات، ولها ألقاب، ولها اختصاصات ليست لجميع الناس.

 

أن هذه الجماعة التي يختارها الرب للكهنوت، تقوم
بأعمال مميزة لم يعهد بها الرب لكل الشعب. فلا يظن أحد أن الشعب كله كهنة..!

وكذلك فإن أعضاء هذه الجماعة المدعوة من الله
كما هرون (عب 5: 4)

أعطاهم الرب سلطاناً خاصاً في أمور معينة:

فلهم سلطان العماد، ولهم سلطان التعليم، ولهم
سلطان الحل والربط،

ولهم تدبير الكنيسة ولهم وضع اليد لإقامة الخدام
والإكليروس، ولهم خدمة بيت الله.

 

وهم وحدهم وكلاء سرائر الله (1كو4: 1)، وهم
الذين يمنحون الروح القدس للمؤمنين (أع 8: 17، 18)، وليس عملهم مجرد تقديم الذبيحة،
بحيث يركز المعارضون للكهنوت على هذه النقطة وحدها، كما لو كانت عمل الكهنوت
الوحيد!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى