شروحات وتفسيراتمقالات

شرح بحث عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل

عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل ( 8 أمشير )

بحث متكامل للقمص مكسيموس وصفي

مقدمة

عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل هو أحد الأعياد السيدية الصغرى التي قد تمر على الكثيرين من المؤمنين دون أن يشتركوا في أفراحها الروحية أو ينالوا شيئا من بركاتها الإلهية. ولذلك فما أجمل هذه المناسبة المباركة للمؤمنين ليتلوها المؤمنون فيتأملون بركات هذا العيد المجيد المتنوعة والشخصيات المقدسة المتعددة التي اشتركت فيه ومنها والدة الإله القديسة مريم وخطيبها يوسف النجار البار و سمعان الشيخ و حنه النبية وغيرهم. حقا إن تقديم السيد المسيح إلى الهيكل كأحد الأبكار القديسين كان فرصة ليكمل الرب عنا كل مطالب الناموس، كما كان فرصة لإعلان فرح سمعان الشيخ. ذلك الرجل الوقور المتقدم الأيام إذ رأى بعينيه تحقيق نبوة إشعياء النبي بولادة المسيح من عذراء، وهي تلك النبوة التي وقف أمامها مندهشا حائرا عندما ترجمها من العبرية إلى اليونانية فكان أن وعده الرب أنه لن يعاين الموت حتى يرى تحقيقها! فرأى وفرح وتنبأ. كما شاركته الفرح والتسبيح حنه النبية التي عاشت في الهيكل عابدة الرب أكثر من ثمانين سنة. وهكذا تتهلل نفوسنا معهم في هذه المناسبة المباركة فنشترك معهم في الفرح والتسبيح قائلين مع المرنم: “عظم الرب العمل معنا وصرنا فرحين” (مز 126: 3).

الاحتفال الكنسي بالعيد

تحتفل الكنيسة في يوم 8 أمشير بتذكار دخول السيد المسيح إلى الهيكل و نياحة سمعان الشيخ. وهذا اليوم هو المرة الأولى التي دخل فيها السيد المسيح إلى الهيكل، فبعد ختانه في اليوم الثامن من بعد ثلاثة وثلاثين يوما حسب شريعة موسى، أي بعد أربعين يوما من ولادته، صعد يوسف البار و مريم العذراء إلى أورشليم وقدماه إلى الهيكل، حيث كان ينتظره الشيخان المباركان اللذان ظلا ينتظران لأكثر من قرن من الزمان بشيخوخة مباركة ” ولما دخل بالطفل يسوع أبواه ليصنعا عنه كما يجب في الناموس حمله سمعان الكاهن على يديه “. وعوضا عن أن يباركه مثل بقية الأطفال انحنى له ليتبارك منه “لأن الأصغر يبارك من الأكبر” (عب 7: 7).

شرح فيديو عيد دخول السيد المسيح الهيكل

وسأله أن يحله من رباط الجسد، فرقد بشيخوخته المباركة. و تحيا الكنيسة هذه الحادثة المباركة في أكثر من مناسبة ففي دورة الحمل في القداس الإلهي يلف الكاهن الحمل في لفائف من كتان ويرفعه فوق رأسه مع الصليب ويدور حول المذبح دورة واحدة كأنه يشارك سمعان الشيخ حمل المسيح والدوران به مسبحا وممجدا. وكذلك في كل دورة حول المذبح وقبل أن يقرأ الإنجيل، كما تذكر الكنيسة هذه الحادثة في إنجيل صلاة النوم وكأنها تحث أولادها أن يحملوا المسيح في قلوبهم في نهاية اليوم مرنمين مع سمعان الشيخ: “أطلق يا سيدي عبدك بسلام “. كما تذكر الكنيسة حادثة دخول المسيح إلى الهيكل في صلاة سر المعمودية و التسبحة و التماجيد. أما عن قراءات هذا العيد المقدس فقد ترتبت بحكمة روحية عالية:

أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل
أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل

المزامير:

مزمور العشية (115: 3-4) : “قطعت قيودي فلك أذبح ذبيحة التسبيح، أوفي للرب نذوري في ديار بيت الرب. قدام كل شعبه في وسط أورشليم”.

مزمور باكر (65: 12-13) : “أدخل إلى بيتك بالمحرقات. وأوفيك النذور التي نطقت بها شفتاي”.

مزمور القداس (49: 12، 18): ” اذبحوا لله ذبيحة التسبيح. و أوف العلي نذورك. ذبيحة التسبيح تمجدني وهناك الطريق حيث أريك خلاص الله”.

وتتحدث هذه المزامير بعذوبة فائقة عن الذبيحة والخلاص والنبوة عن دخول السيد المسيح مع أبويه إلى الهيكل ليقدما الذبيحة فداء وتطهيرا، فيأخذ سمعان الشيخ المسيح على ذراعيه معلنا هذا هو الذبيحة الحقيقية والذي يطهر العالم. كما نتحدث عن التسبيح مشيرة إلى صلاة سمعان الشيخ و تسبحة حنه النبية في هذا اليوم.

الرسائل:

البولس (في 3: 1-12) : يتحدث بولس الرسول عن ناموس موسى وكيف صار لنا بسبب مجيء المسيح الخلاص، فأصبحنا نعبده لا عن طريق الممارسات الطقسية والشرائع كالختان. ولكن نعبده بالروح فلا نتكل بعد على الجسد.

الكاثوليكون (2 بط 1: 12-21) : يشير معلمنا بطرس الرسول إلى نبوات الأنبياء التي تمت بمجيء المسيح وميلاده المجيد، فقد أشرق لنا نحن الجالسين في الظلمة نور الخلاص.

الإبركسيس (أع 15: 13-21) : يتحدث سفر الأعمال عن مجيء المسيح وكيف أنه بمجيئه سوف تنال جميع الأمم الخلاص لأنه سوف يعيد خيمة داود الساقطة ويقيمها ثانية.

أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل
أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل

الأناجيل:

إنجيل العشية (لو 2: 15-20) : يذكر فصل هذا الإنجيل حوادث ميلاد المسيح الابن البكر، ويوسف البار و مريم العذراء التي كانت تحفظ الأسرار في قلبها، فيقدم لنا الإنجيل أبوي المسيح يوسف البار و مريم العذراء اللذين باركهما سمعان الشيخ واللذين كانا يتعجبان بما يقال فيه من شهود الميلاد من أقوال الملائكة و اليصابات و زكريا والرعاة والمجوس و سمعان و حنه.

إنجيل باكر (لو 2: 40-52): يوضح لنا هذا الفصل علاقة السيد المسيح بالهيكل كإله الهيكل، ومجيئه إلى هيكله فكيف كان أبواه يذهبان كل سنة إلى أورشليم في عيد الفصح، ويخبرنا أيضا عن حادثة وجوده بين المعلمين وله من العمر اثنتا عشرة سنة “وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته” ويذكر قول المسيح لأمه: لماذا كنتما تطلباني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي” وبذلك يشير الإنجيل إلى خدمته التي بدأها وهو في سن الثلاثين كشريعة تكريس اللاويين (عد 4: 22).

إنجيل القداس (لو 2: 21-39) : يقص لنا حوادث هذا العيد المجيد فيذكر دخول السيد المسيح إلى الهيكل بعد أربعين يوما من ولادته حيث قدمه يوسف البار وأمه القديسة الطاهرة مريم إلى الهيكل باعتباره الابن البكر مع تقديم ذبيحة التطهير التي تنص عليها الشريعة وكيف استقبله سمعان الشيخ وحديثه عن الطفل ونبوته عن الأم العذراء، وعن القديسة حنه النبية التي ابتهجت بالطفل وأخذت تكرز بمجيئه وتسبح الله.

شريعة التطهير وتقديم البكر

أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل
أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل

“ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب. كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب. ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام” (لو 2: 22-24).

شريعة التطهير:

قضت شريعة موسى أن المرأة التي تلد تكون نجسة طقسيا أربعين يوما إذا ولدت ذكرا، وثمانين يوما إذا ولدت أنثى (تضاعفت المدة في حالة الأنثى لأن حواء هي التي أخطأت أولا) ولا تمس أي شيء مقدس ولا تجئ إلى القدس حتى تكمل أيام تطهيرها. وبعد انتهاء هذه المدة تأتي إلى الهيكل وتقدم خروفا ذبيحة محرقة أو فرخي يمام أو حمام ذبيحة خطية، تقدمهما للكاهن الذي يقدمهما أمام الرب فيكفر عنها لتطهيرها وإذا لم تستطع الأم أن تحضر خروفا بسبب الفقر فتقدم فرخي حمام أو زوج يمام (لا 12).

وكانت شريعة التطهير في العهد القديم رمزا لذبيحة المسيح الذي قدم نفس “وصنع بنفسه تطهيرا لخطايانا (عب 1: 3) لأن كل شيء يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب 9: 22) “فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي” (عب 9: 14).

لذلك فبالرغم من أن يسوع لم يكن محتاجا للختان لكنه اختتن في اليوم الثامن حسب الشريعة، ولم يكن فيه خطية فلا يحتاج للتطهير أو تقدمة ذبيحة لكنه صار “تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس” (غل 4: 4-5).

أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل
أيقونة دخول السيد المسيح إلى الهيكل

ومع أن العذراء مريم الطاهرة ولدت المسيح وهي عذراء وبتوليتها مختومة إذ صار حبلها بالروح القدس، لكنها خضعت لشريعة التطهير كإحدى النساء اللواتي يعتبرون بالولادة نجسات وقدمت تقدمتها فرخي حمام أو زوج يمام لقد خضعت السيدة العذراء بتواضع عجيب لتنفيذ الشريعة فلم ترد أن تكسرها وفوق ذلك فأنها كانت تخفي سر التدبير الإلهي في قلبها فأتت إلى الهيكل كإحدى النساء لتقدم الذبيحة عن تطهيرها وهي التي كانت في سمو طهارتها وبتوليتها كالملائكة

زر الذهاب إلى الأعلى