اللاهوت العقيدي

الباب السابع



الباب السابع

الباب السابع

التقليد الإفخارستي وأصالته في مصر

مقدِّمة

الإفخارستيا، كما سبق
وقلنا، دخلت مع الرسل والمبشِّرين في كافة البلاد التي ذهبوا إليها، قبل أن تُكتب
الأناجيل والرسائل جميعاً، ما عدا بعض أحكام وقوانين الرسل وأسفار العهد القديم.
لذلك كانت الإفخارستيا في البداية كأساس وحيد للعبادة والصلاة والشركة الجماعية.
فإذا تصورنا أن رسولاً ما دخل أي بلد، فهو يبشِّر أولاً بأخبار الرب السارة
بالفداء والخلاص والحياة الأبدية، وفي الحال ينشأ إيمان،
وكان
الإيمان يتبعه المعمودية، وبعد المعمودية تجتمع الجماعة لإقامة الإفخارستيا. وفي
خدمة الإفخارستيا تُقام الصلوات، والقراءة
(في أسفار العهد القديم وما وُجد من أسفار العهد الجديد أولاً
بأول)، والوعظ، والتوبة والاعتراف، والمصالحة، والشكر، والشركة!

مقالات ذات صلة

هكذا كانت ولا تزال
الإفخارستيا حتى اليوم هي مركز الخدمة الإلهية وسببها وقوتها وغايتها.

ولكن فوق ذلك كله كانت
الإفخارستيا مصدراً روحياً عميقاً للحياة مع المسيح شخصياً، سواء في حضوره الدائم
أو في موته أو قيامته أو في رجاء مجيئه، كما كانت أيضاً الإفخارستيا وخدمتها مصدر
إشعاع لاهوتي للفهم وللإيمان بالفداء والخلاص على أساس الممارسة الفعلية.

أي
أن الإفخارستيا كانت منذ البدء أساس عبادة الله، وأساس شركة مع الرب (اتحاد)،
وأساس عقيدة!

لذلك رأى العلماء منذ
بداية القرن التاسع عشر، كما يقول العالِم الكبير “جون ماسون نييل”، أنه ينبغي أن
تُبذل الجهود على أعلى ما يمكن من الدقة والأمانة والإخلاص للوصول إلى الصور
الأُولى للإفخارستيا وليتورجيتها عسى أن يكون ذلك، بحسب تعبير ج.م. نييل،
» سبباً في أن
ينتشر بيننا الإيمان الأول كما كان عن طريق الإفخارستيا
وفعلاً قضى
هذا العالِم الفاضل معظم حياته لدراسة الليتورجيات، هو وغيره عشرات من العلماء،
وكانوا مخلصين أقصى ما يمكن الإخلاص. ونذكر منهم على سبيل المثال: د. هانز ليتزمان
أستاذ التاريخ الكنسي في جامعة برلين الذي قام بمجهود يفوق الطاقة البشرية في
دراسة شاملة لكافة الليتورجيات في العالم، دراسة لا نقول كلمة كلمة ولكن دون
مبالغة حرفاً حرفاً!! كان تعليق العالِم الإفخارستي روبرت دوجلاس رتشاردسن عنها
وهو تلميذه الذي يشيد دائماً بفضله هكذا:

[إن أبحاث ليتزمان
الدقيقة جداً التي استغرقت أكثر من نصف كتابه جعلت الذي يريد أن يتابعها يقتنع في
النهاية بقراءة النتائج فقط].

ولكن هذا لم يزعجنا
عندما بدأنا ندرس أعمال هذا الرجل العظيم([1])، ولأنه
ركَّز بأهمية قصوى على الطقس القبطي
فإن هذا شجعنا أيما تشجيع على دراستها معه
كلمة كلمة وحرفاً حرفاً! وسيجدها القارئ في مواضعها من هذا الكتاب، إنما بتبسيط
يجعلها سهلة ومقبولة، أليست هي كلمات الرب يسوع وروحه؟

ولكن ماذا وجد ليتزمان
في التقليد الإفخارستي عامةً وفي التقليد القبطي خاصةً؟

يقول ليتزمان، كخلاصة
لأبحاثه، إن هناك تقليدين أصليين للإفخارستيا وُجدا في الشرق، أي هما شرقيان معاً:

الأول: تقليد
إفخارستية هيبوليتس،

الثاني: تقليد
إفخارستية سيرابيون القبطي أسقف تمي.

وهما أيضاً على درجة
كبيرة من التشابه والتآلف.

أمَّا تقليد هيبوليتس،
فبالرغم من أنه شرقي إلاَّ أنه لا يُعرف موطنه بالضبط وإن كان يمتُّ
إلى الإسكندرية أكثر من أي مكان آخر في العالم، بحسب رأي ليتزمان وكافة العلماء
فإنه ينتقل بسرعة إلى الغرب (روما) وإلى سوريا في نفس الوقت، حيث جرى له في الغرب
تحوير وتعديل أخفى معالمه تقريباً، وإن كان لا يزال قانون الأسرار في روما يحمل
سماته. أمَّا في سوريا فقد حدثت له تحسينات وإضافات وتخريجات كثيرة للغاية بلغت
في القرن الرابع نهايتها، كما هو واضح في الكتاب الثامن لقوانين الرسل
Apostolic Constitutions المسمَّى بليتورجية كليمندس (الروماني). لأن “ليتزمان” أثبت أن
تقليد هيبوليتس هو الأساس الذي بُني عليه الكتاب الثامن والثاني في قوانين الرسل،
وبالتالي كافة الليتورجيات السريانية والبيزنطية (ليتورجية القديس باسيليوس
وليتورجية القديس يوحنا ذهبي الفم).

وهذا نص تقرير ليتزمان:

[إن أصالة القِدَم التي
اعتبرناها من خصائص ليتورجية هيبوليتس بالإضافة إلى مميزاتها القانونية والرسمية
(كوثيقة محقَّقة ومحدَّدة المعالم) ومن حيث تركيبها، وأيضاً من حيث لغتها
(الليتورجية) هي واضحة معلَنة على مدى التاريخ بسبب تأثيرها الحاد الذي انتشر عنها
في كل الجهات. فليتورجية هيبوليتس هي النموذج لكل الليتورجيات الأخرى المعروفة
لدينا حتى اليوم. إذ أنه على أساسها تركبت كل الليتورجيات الأنطاكية في
القرن الرابع حيث توجد نصوصها جميعاً موجودة في الكتاب الثامن والكتاب الثاني
للقوانين الرسولية (الذي هو مبني أصلاً على ليتورجية هيبوليتس). ومن التركيب
الأنطاكي تكوَّنت الليتورجيا البيزنطية المستخدمة حتى اليوم في شكلها الموجود في
ليتورجية القديس باسيليوس، وهي الأقدم، وكذلك في ليتورجية القديس يوحنا ذهبي الفم،
وهي متأخرة عنها نوعاً.

ومن التركيب الأنطاكي
أيضاً خرجت ليتورجية يعقوب الرسول، وقد كانت هي الوثيقة المعتمَدة لبطريركية

أورشليم
والتي استقت منها الليتوروجيات السريانية تركيباتها المحلية بحسب تقليدها المكاني.
وكذلك فإن الليتورجية النسطورية وإن كانت ذات صلة بتقليد أقدم، إلاَّ أن صلتها
بليتورجية هيبوليتس أمر لا يُناقَش …]([2])

أمَّا بخصوص تقليد
الليتورجيا في مصر، فيقول عنه ليتزمان في نهاية كتابه هكذا:

[أمَّا
الطابع القديم لليتورجية أورشليم الأُولى (الرسل) على قدر ما نعلم، فلا وجود له
وجوداً

ممتداً وذا قيمة إلاَّ في مصر. وهذا
الطابع كان هو السائد في مصر وذو القيمة الرسمية، وذلك
بالنسبة للمفهومات
الإفخارستية وطبيعة تكوينها التي وصلت إلينا من أعمال كليمندس وأوريجانس.

وفي ليتورجية سيرابيون،
وبالرغم من ظهور زيادات فيها مثل الثلاثة التقديسات (في التسبحة الشاروبيمية) فإن
وراء صلواتها ذات الطابع الميستيكي (أي الروحي التصوُّفي) توجد آثار إفخارستية
أخرى أقدم، ذات صلة وثيقة بالديداخي (صلوات الأغابي والإفخارستيا الموجودة في كتاب
تعاليم الرسل الاثنى عشر المكتَشَف حديثاً). وفي نفس الوقت، فإن ليتورجية سيرابيون
تحمل من المواصفات القدر الذي يتيح لنا متابعة المراحل التي عبرت عليها الليتورجيا
المصرية، أي فيما يختص بتسرُّب الطقس البيزنطي السوري الذي ظهرت معالمه داخل الطقس القبطي وبدأت تسود عليه أكثر
فأكثر، كما هو الحال في
ليتورجية القديس مرقس الرسول ومتفرعاتها (ليتورجيتي
القديس باسيليوس والقديس غريغوريوس) إلى أن
بلغت في النهاية من الكثافة التي غطت الأصل ولم تترك منه إلاَّ بقايا غايةً في
الضآلة.]([3])

وجاء من بعده العالم ر.د.
ريتشاردسن سنة 1953م. وصادق على هذه الخلاصة العلمية الدقيقة لتاريخ وموطن التقليد
الإفخارستي والليتورجي في العالم، وأضاف إليه مبررات علمية غايةً في الدقة هي
الأخرى، لأنه أثبت أن وجود التقليد الإفخارستي والليتورجي الأول، أي
الأُورشليمي بحسب تسليم الرب نفسه وبحسب ممارسة تلاميذه له بعد صعود الرب
في مصر وحدها دون بقية دول العالم لم يكن صدفة،
ولكن عن أصالة فكرية وواقع
كتابي بسبب تقدُّم مصر في الدراسة الإنجيلية وحوزتها لأدق النسخ الكتابية لأسفار
الكتاب المقدَّس وخاصةً التي للعهد الجديد!! وهذا هو تحقيق ريتشاردسن:

[إن نظرية ليتزمان لأصل
الليتورجيا وانتشارها تدعونا مباشرةً إلى مقارنة ما وصل إليه هذا العالِم
الإفخارستي مع ما وصل إليه العالِمان وستكوت
Westcott
وهورت
Hort المتخصصان في دراسة أصول الأسفار المقدَّسة([4])
وعلى الأخص في مجال الأصول اليونانية لأسفار العهد الجديد، لأن ما وصل إليه هذان
العالِمان كخلاصة لأبحاثهما هو أنهما أعلنا أن ما وصل العالم من أصول العهد الجديد
هو ما كان موجوداً في أنطاكية في القرن الرابع، على أنه وراء هذا النص
الأنطاكي أي السرياني البيزنطي ومن خلاله اكتشف هذان العالِمان وجود
نصَّين للأسفار يعودان إلى عهد أقدم:

1 نص غير
متأثر، نقي على وجه العموم، كان محفوظاً في مصر وحدها([5])!
وذلك في نهاية القرن الثاني.

2 والنص
الثاني غربي غير منتظم أقدم قليلاً ولكنه غير دقيق على وجه العموم.

أمَّا
التحقيق النهائي لهذين العالِمين فهو أن النص المصري النقي غير المتأثر إذا
ما نقَّيناه
من الأخطاء الواضحة القليلة جداً التي فيه، فإننا نصل تواً إلى صورة العهد الجديد
بحروفه عينها المكتوبة بأيدي أصحابها! في حين أن النسخ الغربية الأخرى لا يمكن
الاعتماد عليها.

وعلى نفس المنوال، حقق
ليتزمان في مجال الليتورجيا أن الليتورجيات البيزنطية
الكبيرة هي تركيب متطور نتيجة مراجعة تمت في مناطق أنطاكية وفي القرن الرابع
بالذات! وإن وراء تركيبها المتطور الذي انتهى إلى الشكل المقنَّن الحالي قد اكتُشف
من خلاله نصَّان أو نوعان أكثر قِدماً: واحد محفوظ في مصر والآخر استوطن في
الغرب بعد أن انتشر في الشرق. أمَّا النص المصري (القبطي) فكان أصلاً طقساً
طابعه الشركة يتركز حول
كسر الخبز. وأمَّا الثاني (الغربي) فهو أصلاً طقس
كفَّاري يتركز أساساً حول تذكار صلب
المسيح.

وفي الختام يثبت
ليتزمان أن الطقس المصري إذا أخليت منه الأشياء الدخيلة وتحديدها أمر
سهل فإنه يكون قد حفظ لنا طقس ممارسة العشاء الذي أكمله الرب يسوع مع
تلاميذه في أورشليم بوجه عام.
أمَّا الطقس الآخر (الشرقي أصلاً والمنتقل إلى
الغرب، والممثَّل في استلام القديس بولس الرسول) فهو وُضع لكي يعطي فقط شرحاً
ذبائحياً للعشاء الأخير.]([6])

(انتهى نص ريتشاردسن)

ويُلاحَظ أن ما وصل
إليه العالِم ليتزمان في خلاصة أبحاثه عن الإفخارستيا بخصوص أصالته في مصر، جاء
منفصلاً تماماً عمَّا وصل إليه العالِمان الكتابيان “وستكوت” و“هورت” عن الأسفار
المقدَّسة وأصالتها في مصر، وهذا مما يثير الدهشة خصوصاً أن كلاً من الفريقين: فريق
ليتورجية الإفخارستيا وفريق الأسفار المقدَّسة، استخلص نتائجه بعد أبحاث علمية
غاية في الدقة والأمانة استناداً على أصول وبراهين قاطعة.

لذلك يعتبر ريتشاردسن
أن التطابق بين هاتين الخلاصتين من أوثق البراهين على أن ارتباط أصول الليتورجيا
في الكنيسة بأصول الأسفار المقدَّسة له صلة أساسية مباشرة بموطن
أو بلد كل من الليتورجيا والأسفار.

كذلك فإن القرن الرابع
يُعتبر بداية لمراجعة شديدة ودقيقة للغاية خصوصاً بالنسبة لليتورجيا حيث بدأ كل
بلد في جعل ليتورجيته تستوعب أكثر ما يمكن من أشكال الليتورجيات المحلية في البلاد
الأخرى، هذا مما جعل بعض الليتورجيات المحلية تفقد أصالتها وقانونيتها وتتوقف عن
الممارسة كما حدث (للأسف الشديد) في ليتورجية سيرابيون الشهيرة (وذلك بسبب توقُّفها
عن التطور وعدم تمشيِّها آنذاك مع الشكل العام لليتورجيات الأخرى).

ويعود ريتشاردسن
معتمداً على أبحاث كل من ليتزمان (الإفخارستي) ووستكوت وهورت (في الأسفار
المقدَّسة) إلى إثبات أن النصوص الإفخارستية والليتورجية (أي فيما يخص سر الشكر بالكتابة
وبالممارسة معاً) بقيت على درجة من النقاء والأصالة في مصر حتى نهاية القرن الثاني([7])
وذلك بالنسبة لغيرها من البلاد.
لقد اكتشفنا إفخارستية عشاء الرب نقية مقدَّمة
بفم رسول محفوظة سرًّا في الخولاجي تحت عنوان “تقديم الحمل”.

 

الإفخارستيا
والليتورجيا في مصر

 

إن ما استعرضناه حتى
الآن من شكل الإفخارستيا و
» ليتورجيتها « أي كيفية الخدمة الإلهية لتكميل سر الشكر سواء ما جاء في الديداخي
أو في تعاليم القديس يوستينوس الشهيد، أو قوانين الرسل لهيبوليتس، يُعتبر
تقليداً للإفخارستيا وليتورجيتها بالنسبة للكنيسة عامةً
حتى نهاية القرن الثاني.
أمَّا مصر، فنجد ملامح خاصة للإفخارستيا ونظام خدمتها تبتدئ منذ القرن الثاني
أيضاً:

1 وهي تبدأ
بظهور العلاَّمة كليمندس الإسكندري وتتأيد بنصوص وصلت إلينا من تعاليمه تُفيد بأن ليتورجية قبطية ذات مميزات خاصة كانت
قائمة في أيامه (سنة 150 سنة 215م).

2 ثم يأتي العلاَّمة
أوريجانُس
ويعطينا بيانات أكثر عن الليتورجيا القبطية التي كانت في أيامه (سنة
185 سنة 253م).

3 ثم يأتي القديس
ديونيسيوس الكبير
بابا الإسكندرية ويعطينا لمحات عن الإفخارستيا وليتورجيتها
في مصر (سنة 247 سنة 265م).

4 ثم يأتي القديس
أثناسيوس الكبير
ويغمرنا بتعاليم ووصايا وقوانين وتفاسير خاصة بالليتورجيا، في
كتابه القوانين الذي كان ولا يزال متداولاً في مصر كمرجع قانوني هام من مراجع
القوانين الكنسية، ومعظمه يدور حول الخدمة والمذبح باهتمام ودقة بالغة. وهذا
يعطينا صورة غاية في الوضوح عن خدمة المذبح ومفهوم الذبيحة كما كانت سائدة في
أيامه (سنة 295 سنة 373م).

5 ويأتي القديس
كيرلس الكبير
ويغمرنا هو الآخر بتعاليم لاهوتية غاية في السمو عن الإفخارستيا
وليس عن الليتورجيا لأنه يتكلَّم من وجهة لاهوتية عن الإفخارستيا
وصورها في العهد القديم ومفهوم السر ومفاعيله السمائية، وذلك بقدر ما تركزت
وتبلورت عنده كل تعاليم الآباء السابقين. وهو بذلك يعطينا آخر صورة لاهوتية جاهزة
ومكمِّلة عن سر الإفخارستيا في مصر (سنة 412 سنة 444م). وقد استخدم
قلمه في المرور على ليتورجية مرقس الرسول فأعطاها شكلها الذي يتناسب وليتورجيات
العصر، كما يؤكد لنا ذلك العالِم ابن كَبَر.

والآن قبل أن نستعرض
الإفخارستيا وليتورجيتها في مصر على مستوى النصوص، أي على مستوى القداديس المعمول
بها، ينبغي أولاً أن نضع أمام القارئ صورة كاملة لمفهوم الإفخارستيا وليتورجيتها
عند هؤلاء الآباء جميعاً، حتى نبني معرفتنا ودراستنا على أساس التقليد الذي
تسلَّموه لأن مثل هذا العرض الطقسي لتعليم الآباء سيكون بلا شك خلفية قوية نستوضح
من خلالها مفهوم الصلوات وتقليدها وترتيبها وشرحها بحسب معناه القريب والبعيد، كما
نستوضح منها كل حركة وكل زيادة حدثت في الليتورجيا على مدى السنين والتغييرات التي
حدثت في مواضع الصلوات، هذا بالإضافة إلى الاستنارة التي سنحصل عليها من تعاليمهم
في مفهوم السر وروحانيته وفي مستوى المخافة والوقار والتقوى المحيطة “بهذه الخدمة
المملوءة سراً”!

ولكن يتبقَّى أن نعرف
أن التقليد القبطي للإفخارستيا وليتورجيتها المنحدر إلينا من آباء الإسكندرية
الأوائل هو امتداد رسولي لكل ما سبق أن سجلناه من نصوص وتعاليم للقديسين الذين
استعرضنا أقوالهم وتعاليمهم عن الإفخارستيا وليتورجيتها.

 

أولاً: الإفخارستيا في
مصر

(سنة 190
سنة 200م)

الإفخارستيا
وليتورجيتها في أيام العلاَّمة كليمندس الإسكندري

مدير مدرسة الإسكندرية
بعد العلاَّمة بنتينوس (ولد سنة 153 وتنيَّح سنة 217م) وكانت فترة رئاسته ونشاطه
الكنسي مُركَّزة ما بين سنة 190م سنة 200م.

 

إن أهم ما يلزم القارئ
معرفته عن شخصية كليمندس الإسكندري بالنسبة لموضوعنا العام، أي الليتورجيا والإفخارستيا، هو أن كلمندس كان يعيش في
أحرج فترة مسيحية عرفتها الكنيسة،
وهي مرحلة
الانتقال من التقليد الشفاهي إلى التقليد المكتوب، أي تسجيل التقليد علناً وبصورة
دفاعية
مرة واحدة. فهو مضطر أن يشرح
التقليد ويدافع عنه في وقت واحد ويضع له اصطلاحاته ويحدِّد
معانيها.

وكليمندس يكرر مرات
عديدة أثناء تعرُّضه للأسرار وشرحها أنه إنما يحاول صياغة التقليد الشفاهي الذي
سمعه ورآه وتعلَّمه ويعيش به! ويؤكد أن هذا التقليد هو مسلَّم من فم الرب نفسه
أولاً لبطرس ويوحنا ويعقوب، ثم للقديس بولس بصفة خاصة. وتَسَلَّم إلينا، أَباً إلى
ابن، حتى وصل إلينا، وها نحن نسجِّله بالكتابة بعد أن كان محفوظاً بالكلمة([8]).

ولكنه يقول إن هذا
التقليد الذي ننقله إليكم مكتوباً، ليس هو مصدراً جديداً أو منفرداً للعقيدة،
ولكنه يقود إلى فهم ومعرفة العقيدة. وهو ليس قائماً بذاته ليتساوى مع الأسفار
ولكنه يشرحها([9]).

ونحن هنا نقدم مقتطفات
من أقواله وتعاليمه تحمل لنا صورة للحياة الكنسية، والخدمة والخدام ودرجة الخدمة،
مع ملاحظة أن الأقواس () والأرقام ليست هي من أصل الكلام، وإنما وُضعت من عندنا
للتوضيح.

مقتطفات من أقوال
العلاَّمة كليمندس الإسكندري:

1 [وبحسب رأيي
أن «الدرجات في الكنيسة التي للأساقفة والقسوس والشمامسة» هي اقتداء بالأمجاد
السماوية وبالتدبير الذي يقول عنه الكتاب
إنه ينتظر أولئك الذين يتبعون خطوات
الرسل الذين عاشوا في كمال البر بحسب الإنجيل([10])،
فإنهم سيخدمون أولاً شمامسة وحينئذٍ يُحسبون أهلاً أن يكونوا قسوساً بتغيُّرهم من
مجدٍ إلى مجد حتى يبلغوا إلى
» إنسان كامل «

وإن الضمير الصالح
يحتفظ دائماً بتقديس الله والبر تجاه الناس،
حافظاً النفس طاهرة
بأفكار لائقة وكلمات نقية وأعمال فاضلة، وهكذا ينال الإنسان قوة من الله، فتجتهد
النفس لتكون حسب الله حيث لا يكون لديها شيء نجس إلاَّ الجهالة والعمل ضد الحق.
معطيةً «الشكر لله في كل حال»
([11]) «بالاستماع
للبر، والقراءة الإلهية»
([12])،
«وبالدراسة
الصادقة
«[13]) » وبالصعيدة
المقدَّسة
«[14])، » وبصلاة
البركة
«» بالتسبيح «» والترتيل» «والبركة»
«والحمد»
([15])،
مثل هذه النفس لا يمكن في أي وقت أن تنفصل عن الله
]([16]).

ملاحظات:

(أ) يصف كليمندس
الإسكندري بوضوح درجات الكهنوت الثلاثة
» أساقفة،،
قسوس، شمامسة
« ويعطي تفسيراً
للدرجات أنها أولاً على غرار الطغمات الممجَّدة السماوية.

(ب) يعطي كليمندس صورة
دقيقة سرية
mystical لليتورجيا داخل الكنيسة لا يلمحها القارئ العادي إلاَّ بمنتهى
الصعوبة فهو يذكر:

1. صلاة الشكر،

2. نداء الكاهن (الشماس
حالياً) بالاستماع للإنجيل المقدَّس،

3. قراءة الكتب الإلهية،

4. خدمة الوعظ،

5. ثم تقديم الصعيدة
المقدَّسة على المذبح،

6. صلاة البركة التي
تشمل معها التسبيح لله،

7. الترتيل له،

8. مباركته،

9. وحمده،

10. وأخيراً الشركة مع
المسيح التي تجعله لا ينفصل عن الله.

لاحِظ أيها القارئ
السعيد أن هذه صورة واضحة ولكن في وضع سرِّي غامض لقداس
في القرن الثاني! ودقِّق تجد ترتيب أجزاء القداس جزءاً جزءاً بترتيب الصلوات في
القداس:

2[هذه
كنيسة الأبكار ذات الأولاد الكثيرة. هؤلاء الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماء،
الذين يعيِّدون مع ربوات الملائكة.]
([17])

ويُلاحَظ هنا العقيدة
باشتراك المؤمنين (أبكار المسيح) مع الملائكة في التعييد لله! هنا يصف كليمندس بدء
اجتماع الكنيسة معاً.

3[حينما
يتحد الكثيرون ويصيرون واحداً حيث أصنافهم وأصواتهم المتعددة يخرج منها بالانسجام
الإلهي
سيمفونية واحدة يقودها
قائد الخورس والمعلِّم، فتبلغ: «الكلمة» غايتها ويرتاح الحق فيها، فينطق أولاد
الله بالحق: يا أبا الآب،
ويتقبلها الله بسرور ونعمة كباكورات أثمار يتقبلها منهم.]([18])

يُلاحَظ هنا أنه يصف
خورس المسبحين في الكنيسة.

4[ونحن نشرب دم المسيح لكي نكون شركاء في عدم الموت الذي للرب، وكما أن الروح هو
الفعَّال بالنسبة للكلمة كذلك الدم بالنسبة للجسد
(يو 63: 6) … وكما
يُمزَج الخمر بالماء كذلك يكون “الروح” في الإنسان، ومزيج الخمر والماء يغذِّي
الإيمان وأمَّا الروح فإنه يقود
إلى عدم الموت. والاثنان الماء والكلمة
(أي دم ابن الله الكلمة) هما “الإفخارستيا” النعمة الفائقة المجيدة، الذي كل من يأكل منه بإيمان يتقدَّس بالجسد
والروح.]
([19])

يلاحَظ
قول كليمندس بخصوص شرب دم المسيح “لكي نكون شركاء في عدم الموت الذي للرب”.

5 [وفي
الخدمة الإلهية (الليتورجيا) يسبِّحون:

سبحوه بصوت البوق:

لأن بصوت البوق سوف
يدعو الراقدين إلى القيامة.

سبحوه بالمزمار:

أي اللسان الذي هو
مزمار الرب.

سبحوه بالقيثارة:

وهي الفم حينما
يحرِّكه الروح القدس كالوتر.

سبحوه بطبول ورقص:

يشير إلى الكنيسة
التي تتأمل القيامة من الأموات من خلال وقع الضرب على الجلد (الميت).

سبحوه بالأوتار
والأرغن:

الأرغن هو الجسد
وأعصابه هي الأوتار التي حينما تتقبَّل الانتعاش بانسجام من الروح القدس يوقِّع
عليها الأصوات البشرية!

سبحوه بصنوج حسنة
الصوت:

فهو يشير إلى الشفتين
في الفم حينما يوقِّع عليهما النغمات.

كل نسمة فلْتُسبِّح
اسم الرب:

هنا يدعو البشرية
كلها أن تسبِّح لأنه يعتني بكل مخلوق يتنفس والإنسان هو حقاً آلة السلام!!]([20])

[ولكن لأن الأجناس كل
جنس يستخدم آلة من هذه الآلات لإعلان الحرب، ولا توجد إلاَّ آلة واحدة للسلام وهي
“الكلمة” التي بها نكرِّم الله ونمجِّده، فلذلك لا نستخدم إلاَّ “الكلمة”([21])
وحدها. فنحن لا نستخدم البوق أو المزمار أو الطبل أو الصفارة التي يستخدمها
المختصون في الحروب، … وفي حفلاتهم …]([22])

[أليست القيثارة ذات
العشرة أوتار هي إشارة لكلمة “يسوع”.]([23])

[وكما أنه لائق أن
نبارك الخالق قبل أن نتناول “الطعام” كذلك وعند “الشرب” مناسب أن نشكره ونسبِّحه
لأننا نتناول من “خليقته”. والمزمور هو الواسطة الرزينة والحسنة النغم لتقديم
البركة (لله).
لذلك يسميه الرسول “أغاني روحية”.]([24])

6 [وإن
كنَّا نقول (في الكنيسة) إن الرب كرئيس كهنة أعظم يقدِّم إلى الله بخوراً ذا
رائحة زكية،
فلا نتصور أن ذلك يعني ذبيحة وبخوراً زكي الرائحة، ولكن ينبغي أن نفهم
أنها تعني أن الرب يصنع ذبيحة المحبة المقبولة كرائحة “روحية” عطرة على المذبح.
]([25])

يُلاحَظ هنا أن الإشارة
واضحة جداً إلى صلاة الكاهن في القداس. ربما هي الآن في رفع البخور في المساء
» هذا الذي
أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب من أجل خلاص جنسنا “فاشتمَّه” أبوه
الصالح وقت المساء على الجلجثة
« وهنا لا يمكن أن نتجاهل أن هذه إشارة إلى وجود بخور في الصلاة.
وهو في موضع آخر يقتبس من سفر حكمة يشوع بن سيراخ ويقول:
» اسمعوا لي
وانموا كوردة مغروسة على مجاري المياه تفوح رائحتها الزكية كالبخور. وباركوا الرب
على جميع أعماله
«(يشوع بن سيراخ 39:
13و14)

وهذا في الواقع يكشف عن
بداية استخدام كلمة “البخور” كطقس صلاة بدون البخور ذاته كمادة، الذي آل بعد ذلك
إلى استخدام البخور نفسه.

7 [ولكن
يوجد آخرون لا عمل لهم إلاَّ أن يجعلوا الكنيسة يتردد في أصدائها صوت “القُبلة”
وهم ليس فيهم المحبة ذاتها، لذلك صار استخدام القُبلة شيئاً مخجلاً (في الكنيسة)
مع أنها ينبغي أن تُفهم على مستوى سري
mystic فالرسول يدعو القُبلة “مقدَّسة”.]([26])

8 [النساء
والرجال عليهم أن يذهبوا إلى “الكنيسة” بهدوء ونظام وسكون
وفيهم محبة صادقة،
أطهاراً بالجسد وأطهاراً بالقلب لكي يكونوا لائقين للصلاة أمام الله.

وعلى النساء بوجه خصوصي
أن يلتفتوا إلى ذلك بالأكثر، ولتكن المرأة كلها مغطاة لأن ملبسها أمر خطير ويحميها
من نظرات الناس، والتي تضع التواضع أمامها لا تسقط أبداً …، وهكذا كل مَنْ كرَّس
نفسه للمسيح عليه أن يسلك خارج الكنيسة بنفس السلوك الذي كان عليه داخلها.]([27])

9
[وإن كان البعض يحدِّد ساعات للصلاة كالثالثة والسادسة والتاسعة، إلاَّ أن الإنسان
الحكيم يصلِّي على الدوام مدى الحياة. لكي باجتهاده الدائم في الصلاة يكون في شركة
دائمة مع الله…]

ولكن تقسيم الساعات إلى
ثلاثة أقسام (على مثال الثالوث) هي موضع احترام وتكريم كالصلوات الكثيرة، لأنها
رمز الثالوث المبارك.

[يرفع رأسه ويبسط يديه
نحو السماء واقفاً على أصابع رجليه ليشترك في ختام الصلاة وكأنه يتلهَّف أن ينطلق
بروحه إلى العالم الآخر غير المدرَك.]([28])

10
[(الإنسان الروحي) يُدرك سر صيام اليومين: الأربعاء والجمعة … ويحفظ يوم الرب
ممجِّداً قيامة الرب في قلبه … طاهراً دائماً باستعداد الصلاة، يصلِّي مع
جوقة الملائكة لأنه قد صار في رتبتهم ودائماً
محفوظ بعنايتهم … وعندما يصلِّي بمفرده لا يكون وحده، وإنما تكون صفوف القديسين
واقفين معه … صلاته تكون شكراً على ما فات وشكراً على الحاضر وشكراً على الآتي …
مقدِّماً الشكر لله دائماً أبداً على مثال ما قاله إشعياء بخصوص تسبيح الحيوانات.
]([29])

يُلاحَظ هنا أن كليمندس
الإسكندري هو أول مَنْ ذكر صوم الأربعاء والجمعة من الآباء عموماً، ومن بعده
أوريجانوس([30]).

11 [نحن لا
نرتبط قط بشيء يجعلنا نتعدَّى قوانين “الكنيسة”.]([31])

12 [لذلك
فإن الكنيسة القديمة الكاثوليكية (أي الجامعة) هي وحدها التي جمعت في وحدة
الإيمان الواحد هؤلاء الذين تمت رسامتهم كما سبق الله فعيَّنهم، عالِماً ومن قبل
إنشاء العالم أنهم سيكونون أبراراً في جوهر وفكر واستعلان واحد كحصيلة العهدين بل
حصيلة العهد الواحد في الأزمان المتعاقبة بإرادة الله وبالرب الواحد.]([32])

13
[إن إشعياء النبي تطهَّر لسانه بجمرة النار حتى يستطيع أن ينطق بالرؤيا، وكذلك نحن
يلزم أن نتطهَّر لا من جهة اللسان فقط بل والآذان أيضاً، إذا أردنا أن نكون
شركاء في معرفة الحق.
]([33])

يُلاحَظ أن هذه القطعة
موجودة بمعناها هذا في قسمة قداس مرقس الرسول.

14 [وقد
تحتَّم في قسمة وتوزيع الإفخارستيا أن كل واحد من الشعب
يأخذ نصيبه لنفسه حسب
التقليد (العادة)
kat¦ trÒpon.]([34])

هنا إشارة واضحة
لقوانين كنسية موضوعة، وهنا كلمة “حسب التقليد” أو “العادة” تعني الأساقفة أولاً
ثم القسوس ثم الشمامسة ثم النسَّاك ثم الشعب.

15 [وفي
حالة الأغابي العامة (الإفخارستيا مع الأغابي في الكنيسة) يوزَّع الخبز
المقدَّس والخمر المقدَّس الإفخارستيا أولاً
وذلك بواسطة الشمامسة وبعد ذلك يوزَّع العشاء.
]([35])

16 [لقد
بارك المسيح الخمر قائلاً: خذوا اشربوا هذا دمي،
هذه إشارة أيضاً إلى الكلمة
“اللوغس” التي انسكبت للكثيرين لمغفرة الخطايا نهراً مقدَّساً للبهجة.]([36])

(لاحِظ أن العلاَّمة
أوريجانوس سوف يتبنَّى أيضاً هذا الشرح فيما بعد، ولكن ليس بالنسبة للدم فقط بل
والجسد أيضاً).

17 [حينما
يتقدَّس الخبز بقوة “الإسم”
Invocation فهو ليس كما كان ولكنه يتغيَّر بالقوة إلى
قوة روحانية.
]([37])

يُلاحَظ هنا أن كلمة
“قوة الاسم” هي اصطلاح تقليدي معروف “الدعاء باسم الله”. وفي الإفخارستيا هو
“الاستدعاء”
Invocation.

18 [» أمَّا أنتم
فجنس مختار وكهنوت ملوكي
« أمَّا كوننا جنساً مختاراً بواسطة الله، فهذا واضح، أمَّا قوله “ملوكي”
فلأننا سنملك مع المسيح فيما له، “وأمَّا كوننا “كهنة” فبسبب الصعيدة
(الذبيحة) التي نقيمها بالصلوات بحسب التعليمات” والتي بها نربح نفوساً نقدِّمها
إلى الله.
]([38])

لاحِظ هنا الإشارة
المهمة إلى وجود تعليمات أو قوانين خاصة بإقامة الإفخارستيا، ثم لاحِظ الارتباط
بين الكهنوت والإفخارستيا باعتبار أن الثانية سبب للأُولى!

19 [» لأن ملائكة
مُخْضَعَة له
«هذه هي المرتبة الأُولى، و«الرئاسات» مُخْضَعَة أيضاً
له، هذه هي الرتبة الثانية، و«قوات» مخضعة له أيضاً، هذه هي الرتبة الثالثة.]([39])

20 [هؤلاء
الهراطقة الذين هجروا الكنيسة الأُولى يستخدمون الخبز والماء في «الصعيدة»
وليس حسب قانون الكنيسة
لأنهم يقيمون الإفخارستيا بماء فقط.]([40])

لاحِظ هنا الإشارة
الواضحة بوجود قانون كنسي ينص على أن الخمر مادة إفخارستية محتَّمة!

21 [ملكي
صادق ملك ساليم كاهن الله العلي الذي قدَّم خبزاً وخمراً مقدَّساً طعاماً، مثالاً
للإفخارستيا!]([41])

22 [وهكذا
أيضاً فإن “الأسرار” تُقام في أغلب الأوقات ليلاً، إشارة إلى مناسبة انطلاق
النفس من الجسد التي تحدث ليلاً.]([42])

هنا كليمندس ينفي أي
سبب آخر لإقامة الإفخارستيا في المساء مثل الخوف من الوثنيين أو الحكام أو خلافه.

23[وقيل
لنا أنه يتحتَّم علينا أن لا نتقدَّم إلى “الذبيحة” أو الصلوات إلاَّ ونحن مغتسلون
وفي نضارةٍ وبهاء.]
([43])

هذه إشارة إلى قانون
خاص بالخدمة الكنسية.

24 [المذبح
الذي معنا ههنا على الأرض يتكون من جماعة الذين يتكرَّسون للصلوات ويعطون
أصواتهم بانسجام كما من فم واحد.]([44])

25
[يصلُّون في اتجاه الشرق، لأن الشرق هو رمز لميلادنا (النور يولد من هناك) لأن منه
يخرج النور مشرقاً من الظلمة، وكذلك يوم المعرفة الحقيقية يشرق مثل الشمس على
المدفونين في الجهالة.]([45])

أمَّا رأي القديس
أثناسيوس الرسولي فسوف يأتي في مكانه.

كليمندس يخاطب النفس
بلسان المسيح:

26 [أنا
الذي أُغذِّيك، أعطي نفسي طعاماً لك، والذي يذوقني لا يذوق الموت بعد، وأعطي
نفسي لك شراباً كل يوم كدواء لعدم الموت.
]([46])

27 [إن دم
كرمة داود
¢mpšlou Dau…d aŒma tÁj معناه السري دم المسيح.]([47])

هنا كليمندس يشير إلى
إفخارستيا الديداخي.

فإذا استخلصنا من هذه
الأقوال نموذجاً لليتورجية التي كانت تقف خلف هذه الإشارات والتوجيهات والتوضيحات
في أيام كليمندس الإسكندري (سنة 153 217م)، تكون كالآتي:

أ الكنيسة
والخدمة داخلها:

1 المسيحي
يحفظ يوم الرب على الدوام، ممجِّداً قيامة الرب في قلبه.

2 وهو يكون
طاهراً دائماً باستعداد الصلاة.

3 طهارة
بالجسد وطهارة بالقلب ليكون لائقاً للصلاة أمام الله.

4 والنساء
والرجال يذهبون إلى «الكنيسة» بهدوء ونظام ولا يتكلَّمون في الطريق.

5 وعندما
يصلِّي فهو لا يكون وحده، إنما تكون صفوف القديسين واقفين تجاهه.

6 ودرجات
الكهنوت في الكنيسة هي: أساقفة وقسوس وشمامسة، وهي درجات تماثل نظام وتدبير
الأمجاد السماوية.

7 هؤلاء
الذين تمت رسامتهم بمقتضى سبق تعيين الله وعلمه، مختارون من قبل إنشاء العالم
كونهم أبراراً.

8 وقد
جمعتهم الكنيسة الواحدة الكاثوليكية (أي الجامعة) القديمة في وحدة الإيمان الواحد
في جوهر وفكر واستعلان واحد بحسب مجموع العهدين بل العهد الواحد في الأزمان
المتعاقبة بإرادة الله وبالرب الواحد.

ب بدء
الصلاة وقداس الكلمة (الموعوظين):

9 وحينما
يقف ليصلِّي يعطي الشكر لله في كل حال ومن أجل كل حال (صلاة الشكر).

10 ويعطي
أذناً صاغية للاستماع للبر.

11 وإن كان
إشعياء النبي لزم أن يتطهَّر لسانه بجمرة النار حتى يستطيع أن ينطق بالرؤيا، كذلك
يلزم أن نتطهَّر لا من جهة اللسان فقط بل والآذان أيضاً، إذا أردنا أن نكون شركاء
في معرفة الحق (الصلاة من أجل استحقاق سماع الإنجيل).

12
وللقراءات الإلهية (قراءة الأسفار المقدَّسة).

13
وللدراسة الصادقة (الوعظ).

14 فتجتهد
النفس لتكون حسب الله حيث لا يكون عندها شيءٌ نجساً إلاَّ الجهالة والعمل ضد الحق،
محتفظاً بضمير صالح، بتقديس الله، والبر تجاه الناس، حافظاً النفس طاهرة
بأفكار لائقة وكلمات نقية (الصلح).

15 ويتردد
في الكنيسة صوت القُبلة “المقدَّسة” وإلى الشرق انظروا.

ج تقديم
الذبيحة وصلاة الإفخارستيا:

16 وإن
كنَّا نقول إن الرب كرئيس كهنة أعظم يقدِّم إلى الله بخوراً ذا رائحة زكية،

17 فينبغي
أن نفهم أن ذلك يعني أن الرب يضع ذبيحة المحبة المقبولة كرائحة “روحية” عطرة على
المذبح.

18 ثم
“الصعيدة المقدَّسة”.

19 وقيل
لنا (في قوانين
الرسل) إنه يتحتَّم
علينا أن لا نتقدَّم إلى “الذبيحة” والصلوات إلاَّ ونحن مغتسلون وفي نضارة
وبهاء.

20 ثم صلاة
البركة (الإفخارستيا) بالتسبيح لله والترتيل والبركة والحمد (ربما على طقس
الديداخي).

21 شكراً
على ما فات، وشكراً على الحاضر، وشكراً على ما هو آتٍ (مضمون صلاة الإفخارستيا).

د التسبحة
الشاروبيمية:

22 يصلِّي
مع جوقة الملائكة لأنه قد صار من رتبتهم.

23 لأن هذه
هي كنيسة الأبكار ذات الأولاد الكثيرة، هؤلاء الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماء،
الذين يعيِّدون مع عشرات ألوف (= ربوات) الملائكة.

24 الرتبة
الأُولى ملائكة، والثانية رئاسات، والثالثة قوات.

25
مقدِّماً الشكر والتسبيح لله على الدوام على مثال الحيوانات (غير المتجسِّدة) التي
تكلَّم عنها إشعياء النبي.

ه تقديس
الخبز والخمر بكلمات الرب:

26وكما
يُمزج الخمر بالماء،
كذلك يتحد الروح بالإنسان،

27
والهراطقة يستخدمون الماء فقط في الصعيدة ليس حسب قانون الكنيسة.

28 والمسيح
بارك الخمر قائلاً خذوا اشربوا هذا دمي لمغفرة الخطايا.

29
وحينما يتقدَّس الخبز بقوة “الاسم”، فهو يصبح غير ما كان لأنه يتغيَّر
بالقوة إلى قوة روحانية.

30ونحن
كهنة بسبب الصعيدة
(الذبيحة) التي نقيمها بالصلوات بحسب التعليمات،
التي بها نربح نفوساً نقدِّمها إلى الله.

و القسمة
والتوزيع:

31   ويوزَّع
الخبز المقدَّس (جسد المسيح) والخمر المقدَّس (دم المسيح) بواسطة الشمامسة.

32  ويتحتَّم
في قسمة وتوزيع الإفخارستيا أن كل واحد من الشعب يأخذ نصيبه لنفسه حسب العادة
(أي بالترتيب
kat¦ trÒpon).

33  ونحن
نشرب “دم المسيح” لكي نكون شركاء “في عدم الموت” الذي للرب.

34   وكما
أن الروح هو الفعَّال في الكلمة، كذلك الدم بالنسبة للجسد
(يو 63: 6).

35   ومزيج
الخمر والماء يغذِّي الإيمان وأمَّا الروح فيقود إلى عدم الموت.

36   والاثنان
هما “الإفخارستيا” وهي النعمة الفائقة المجيدة.

37   وكل
مَنْ يأكل منها بإيمان يتقدَّس بالجسد والروح.

38   ومثل
هذه النفوس لا يمكن أن تنفصل عن الله في أي وقت (هذا هو الاتحاد بالله).

ز التسبيح
أثناء التوزيع:

39   وأثناء
“الخدمة الإلهية” يسبِّحون (باستخدام المزمور المائة والخمسين كما هو الحال
الآن تماماً!!).

40   سبِّحوه
بصوت البوق، سبِّحوه بالمزمار والقيثار، سبِّحوه بطبول ورقص،
سبِّحوه
بأوتار وأُرغن، سبِّحوه بصنوج حسنة الإيقاع، كل نسمة فلتسبِّح اسم الرب.

41   لأن
المزمور (أي بدون آلات) هو الواسطة الرزينة والحسنة النغم لتقديم البركة لله الذي
يسمِّيه الرسول
» أغاني روحية «

42   لأنه
حينما يتحد الكثيرون ويصيرون واحداً تخرج من أصواتهم المتعددة والمختلفة سيمفونية واحدة بانسجام إلهي، يقودها قائد
الخورس والمعلِّم
(خورس المرتلين والمعلِّم القائد).

43   فتبلغ
الكلمة غايتها ويرتاح الحق فيها وينطق أولاد الله بالحق:

44   يا
أبا الآب (أبانا الذي في السموات). (لاحِظ أن
» أبانا الذي
في السموات
«تأتي كفعل روحاني داخلي).

45
  وأخيراً يرفع المسيحي رأسه إلى فوق ويبسط يديه نحو السماء “ويقف على أطراف
أصابع رجليه”
مشتركاً في ختام الصلاة وكأنه يتلهَّف أن ينطلق بروحه إلى العالم
الآخر غير المدرَك.

 

ملاحظات:

1 ينبغي أن
نلاحِظ هنا أن سبب عدم استرسال كليمندس الإسكندري في شرح دقائق الصلاة والخدمة هو
بسبب أنه قد سبق وألَّف كتاباً خاصاً جمع فيه كل قوانين الكنيسة من جهة الصلاة،
وأسماه “القوانين الكنسية”. وينبغي أن نلاحِظ أن كلمة “قانون” في التعبير الكنسي
الآبائي تعني “دستور أو تعليم”. ولكن للأسف ويا للخسارة العظيمة فإن هذا الكتاب
فُقد ولم يُعثر عليه حتى الآن. كذلك أيضاً سبق وألَّف كتاباً عن خدمة الأساقفة
والكهنة والشمامسة والأرامل (الشمَّاسات)، وهذا أيضاً فُقد ولم يُعثر عليه حتى
الآن.

لذلك بصعوبة كثيرة
استطعنا أن نجمع هذه الأقوال من كتاباته القليلة المتبقية.

2 بالرغم
من قلة واختصار الأقوال التي وردت في تعاليم كليمندس الإسكندري عن الليتورجيا التي
كان يسميها “الخدمة الإلهية”، فهي تعطينا بلا شك صورة مشرقة عن القدَّاس في منتصف
القرن الثاني وأواخره، كما رآه واشترك فيه كرئيس لمدرسة الإسكندرية. وبالأخص من
جهة المفهومات الروحية العميقة للخدمة وللإفخارستيا.

3 نلفت
النظر إلى الاصطلاحات الكنسية والطقسية والصلوات التي وردت في أقواله، وهي على قدر
ما استطعنا جمعه من وسط آلاف السطور كالآتي:

كلمة “كنيسة”
™kklhs…a.

كلمة كنيسة
“كاثوليكية” (جامعة) واحدة.

كلمة درجات الكهنوت: وتحديدها بوضوح: أساقفة
وكهنة وشمامسة،
ثم شرحها روحياً!! وهو يشرحها على أساس أن الترقِّي فيها هو من
مجد إلى مجد، حتى يبلغوا إلى إنسانٍ كامل = الأسقف.

مضمون صلاة الشكر في كل حال وعلى كل حال، يوضِّح قِدَم صلاة الشكر
التي تُقال في افتتاح كل صلاة، وهي ليست صلاة شكر “الإفخارستيا” التي تُقال
بعد “ارفعوا قلوبكم” التي يكون مضمونها الشكر على الماضي والحاضر والمستقبل،
ويضمها أيضاً التسبيح والترتيل والبركة والحمد.

يُلاحَظ
تشديده على ضرورة الاستعداد لسماع كلمة الله، وهنا إشارة إلى صلاة الكاهن التي
يقولها قبل قراءة الإنجيل.

كلامه عن “القُبلة
المقدَّسة”
هو في الواقع انتقاد شديد على استخدام القُبلة بمعناها الجسدي، أي
قبلة فم لفم، وهو يلحُّ بشدة أن تبطل هذه العادة ويحل محلها مصافحة اليد، لذلك
يُعتبر زمان كليمندس هو بدء اختفاء القُبلة من الكنيسة وإحلال المصافحة محلها.

كلامه في
رقم 16 عن أننا نسمع في الصلاة عن المسيح كرئيس كهنة يقدِّم عنَّا لله بخوراً ذا
رائحة زكية، هو في الواقع مضمون صلاة داخل الليتورجيا. ثم محاولته نفي مفهوم
البخور أنه ذبيحة بحد ذاته يدل على أن البخور كان قد بدأ استخدامه في الكنيسة
بصورةٍ ما، وإذا تذكرنا أن كليمندس كان وثنياً وتنصَّر، نُدرك سبب عدم تشديده على
استخدام البخور، ولكن سوف نسمع من القديس أثناسيوس بعد ذلك عن ضرورة رفع البخور في
باكر وعشية ووقت إصعاد الذبيحة وبالذات وقت قراءة الإنجيل!

وعندما
يقول: [قد قيل لنا إنه يتحتَّم أن لا نتقدم إلى “الذبيحة” والصلوات إلاَّ
ونحن مغتسلون وفي نضارة وبهاء]، إشارة هامة إلى مفهوم الإفخارستيا أنها “ذبيحة” من
زمن سابق عليه. وهو يشير دائماً إلى قانون كنسي موجود ينظِّم كل هذا.

يُلاحَظ
أيضاً أنه يشير إلى تسبحة الشاروبيم بصفتها الواردة في إشعياء، وهي مضمون التسبحة
في التقليد القبطي التي وردت في قدَّاس القديس مرقس الرسول وسيرابيون: رَبْوات
الملائكة ورُتَبهم والرئاسات والقوات والأحياء غير المتجسِّدين (الشاروبيم
والساروفيم).

يُلاحَظ
أنه يشير إلى مزج الخمر بالماء: كقانون كنسي، ويشرحه روحياً.

كذلك من
المهم جداً أن نلاحِظ أنه يذكر الدعاء “بالاسم” الذي هو الاستدعاء أو صلاة الحلول.
وهنا “الاسم” تركه بلا
إضافة كلمة “الله”، فهو
“اسم الله”. واعتبر أن الدعاء باسم الله “قوة”، وهو قادر على تغيير الخبز
والخمر إلى جسد ودم المسيح.

كذلك من
المبدع جداً أن يشرح سبب كهنوتنا ويُرجعه أصلاً إلى الإفخارستيا باعتبارها ذبيحة،
أي لأنه يستحيل أن يقدِّم الذبيحة إلاَّ كاهن، لذلك أعطانا كهنوتاً. وهذا إشارة
إلى أصل مفهوم الصلاة التي يقولها الكاهن: “أعطيتني هذه الخدمة المملوءة سرًّا”.

يشير كليمندس بوضوح إلى أن إقامة الإفخارستيا وصلواتها هي أنها بحسب
تعليمات وقوانين.

كما يشير
إشارةً مبدعة إلى مفهوم الإفخارستيا أنها ذبيحة، لأن الكنيسة تقدِّم بواسطتها
نفوساً إلى الله!

لاحِظ أن
توزيع الإفخارستيا أي الجسد والدم كان من عمل الشمامسة
أيام كليمندس (لأن المتناولين كانوا بالآلاف). وقد انحصر دور الشمامسة بعد ذلك في
توزيع الدم فقط.

يُلاحَظ أن
كل واحد من الشعب كان يستلم نصيبه بنفسه (في يده) ولكن بالترتيب. لذلك كان
يُعتَنَى جداً أن تكون خارج الكنيسة مرحضة لغسل اليدين.

يُلاحَظ
أنه يصف الدم ب“عدم الموت” أي الحياة الأبدية.

يسمِّي
الإفخارستيا “النعمة الفائقة المجيدة”، ويسميها “الأسرار”، وأنها تقدِّس الجسد
والروح،
وتكمِّل الاتحاد مع الله.

لاحِظ أنه
يوضِّح أن الإفخارستيا كانت تُقام في معظم الحالات أثناء الليل حفظاً للتقليد
الإلهي أنها “عشاء الرب”.
وكانت في هذه الحالة فقط، أي عندما تكون أثناء الليل،
تُقام مع وليمة الأغابي. ولكن كانت الإفخارستيا تُكمَّل أولاً وبعدها الأغابي.

ومن الأمور
العجيبة حقاً أن المزمور المائة والخمسين الذي يُستخدم اليوم كان هو بذاته
المستخدَم في القداس في القرن الثاني!! وبدون آلات!

يشير إلى
خورس للمرتلين، وقائد الخورس والمعلِّم، وهذا يكشف عن منتهى النظام والدقة في
الكنيسة ودرجاتها.

يشير إلى صلاة “أبانا الذي” وإلى ختام الصلوات باعتبارها أعلى نقطة
روحانية يبلغها المسيحي، حيث يقف على أطراف أصابعه لينطق ختام الصلاة، وكأنه يرسل
روحه مع كلماته إلى السماء!

 

ثانياً: الإفخارستيا في
مصر

(بين سنة 200
سنة 254م)

مقتطفات من كتابات
العلاَّمة أوريجانوس تشير إلى الإفخارستيا والليتورجيا:

1 [الإنسان
يعيِّد بالحق إذا كان أميناً على ما هو واجب عليه (روحياً) مصلِّياً على الدوام،
مقدِّماً على الدوام «ذبائح غير دموية» في الصلاة لله. ونحن حسب العادة
نحتفظ بأيام محدَّدة كيوم الرب ويوم (الاستعداد) ويوم الفصح ويوم البنطيقستي]([48]).

2 [والذين
احتسبوا حقاً أن “المسيح فصحنا قد ذُبح لأجلنا” أصبح عليهم أن يحتفظوا بهذا
العيد بأكل جسد “الكلمة” مقيمين الفصح بذلك على الدوام. ولأن الفصح معناه
العبور فعليهم إذاً أن يَعْبُروا بأفكارهم، وكلماتهم وأعمالهم باستمرار من أمور
هذا العالم إلى الله، مسرعين نحو مدينة الله.]([49])

هنا تعبير واضح عن
عقيدة الكنيسة فيما يخص خبز الإفخارستيا المتحوِّل إلى جسد حقيقي.

3 [ونحن علينا
أن نجتهد بقدر استطاعتنا أن نشترك على الدوام في مائدة الرب]([50])

هنا تعبير واضح عن
عقيدة الكنيسة فيما يخص الانتظام في التناول.

4 [وعلى
ذلك، فنحن نعبد بكل قوتنا الله الواحد وابنه الوحيد الكلمة صورة الله، وذلك بالصلوات
والتضرعات،
مقدِّمين توسلاتنا لله خالق العالم بواسطة ابنه الوحيد([51]).
نقدِّمها أولاً للابن متضرعين إليه بصفته كفَّارةً لخطايانا “وككاهن أعظم لكي
يقدِّم اشتياقاتنا وذبائحنا”
وصلواتنا إلى الله العليِّ]([52])

[ونحن نتمسك باعتقادنا
أن ليست “ثمار الأرض” فقط، بل “مجاري الأنهار” و“الهواء” و“ينابيع المياه
التي تفرِّح الأرض” بمجاري الأنهار، والهواء يحتفظ بنقاوته (مزاجه الحسن).

ولكن ذلك يكون فقط بواسطة وبرعاية وضبط الخلائق المخصصة لذلك، وهم ما نسميهم
الوكلاء “والحرَّاس” (الملائكة) غير المنظورين([53]).والذين
يتناولون من هذه سواء كانت قمحاً أو خمراً أو ثمار الأشجار أو مياهاً أو هواءً،
إنما يعيِّدون مع الملائكة السمائيين المعينين لذلك. والذين يُستدعَوْن ليكونوا
شركاء على مائدة الأتقياء من بني الإنسان
الذين يطيعون القول القائل:
» فإذا أكلتم
أو شربتم أو عملتم أي عمل آخر فاعملوا الكل لمجد الله
«(1كو 31: 10)، » واصنعوا كل شيء باسم
الله
«(كو 17: 3).]([54])

لاحِظ هنا بوضوح أوشية
الثمار وأوشية المياه وأوشية الهواء واشتراك الملائكة في خدمة القداس.

[ونحن نقدِّم صلوات شكر
إلى خالق الجميع، مع تقديم الإفخارستيا والصلوات من أجل البركات التي نلناها، نأكل
أيضاً الخبز المقدَّم لنا، الخبز الذي يصير بواسطة الشكر والصلوات جسداً
مقدَّساً الذي يقدِّس الذين يتناولون منه بقلب طاهر.
]([55])

لاحِظ هنا أن التقديس
بتم بواسطة
صلاة الإفخارستيا
والصلوات.

[ونحن نقدم الباكورات
لله
الذي قال:
» لتُخرج الأرض عشباً يصنع بذراً والشجر المثمر
يصنع ثمراً كجنسه
«(تك
11: 1). والله الذي نقدِّم له باكورات الأثمار، له نقدِّم أيضاً الصلوات
» إذ لنا رئيس
كهنة أعظم قد عبر السموات يسوع ابن الله
« » متمسكين
بهذا الاعتراف
«(عب 14: 4) طالما
نحن أحياء، لأننا نرى الله وابنه الوحيد الذي ظهر لنا يسوع منعماً ورحوماً لنا.]([56])

قارن هنا مع أوشية
القرابين، وحضور المسيح كرئيس كهنة أعظم يقدِّم معنا القرابين.

[فإذا أردنا أن يكون
“معنا”: إلى جوارنا عدد كبير من الكائنات (السمائية)
التي تثبت على الدوام
صداقتها لنا، فنحن قد تعلَّمنا أن
» ألوف ألوف وقوف قدامه
وربوات ربوات يقدِّمون له الخدمة
«(دا
10: 7). هؤلاء ينظرون إلى الذين يقتدون بهم في تقواهم إلى الله ويصنعون معهم علائق
ود وصداقة.

وحينما يصلُّون إلى
الله بحرارة يؤازرونهم من أجل خلاصهم ويظهرون لهم باعتبار أن ذلك يدخل في نطاق
عملهم وواجبهم لكي يباشروهم ويعتنوا بهم.
ومعروف أنه، وكأنه
باتفاق عام، من الواجب عليهم (أي على هذه الكائنات السماوية) أن يفتقدوا كل الذين
يصلُّون إلى الله بكل وسائل اللطف لإنقاذهم، بل ويصلُّون أيضاً من أجلهم لأنهم
» أرواح خادمة
مُرسَلة لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص
«(عب 14: 1). لأن النبي يقول: » ملاك
الرب
حالٌّ حول خائفيه لينجيهم.
«(مز 7: 34)

و» الملائكة
التي ترى وجه أبي في السماء على الدوام
«(مت 10: 28) يقدِّمون صلواتهم إلى الله، بواسطة الوحيد
رئيس الكهنة الأعظم،
ويضمون صلواتهم إلى صلوات أولئك المنوط بهم حراستهم …
الموضوعين تحت عناية الله … لأن الله يرسل ملائكته الأخصاء ليكونوا دائماً فوق
خدامه الأتقياء الذين استودعوا أنفسهم له، حتى لا تؤذيهم الملائكة الأشرار ولا حتى
المدعو
» رئيس هذا العالم «]([57])

[وكل إنسان يصلِّي
ويرتِّل لله بتسابيح على قدر ما يستطيع بلغته التي يعرفها. والرب الذي هو إله كل
لسان على الأرض يسمع كل الذين يصلُّون إليه كُلاًّ بلسانه الخاص، وكان الجميع
لهم صوت واحد بصلاة واحدة،
إنما بلهجات هذا عددها.]([58])

أهمية أوشية الراقدين!!
بالنسبة للكنيسة والمؤمنين:

[وعندما تنطلق نفوس
المؤمنين بالمسيح الذين يموتون من أجل الإيمان بمجدٍ عظيم، فإنها (أي الصلاة على
الأموات) تحطِّم قوة الشيطان وتوقف كل خططه التي يدبرها ضد البشر.]([59])

لاحِظ هنا لهجة
إفخارستية سيرابيون.

[ونحن بالأكثر جداً
مسئولون لئلاَّ نكون غير شكورين لله الذي حمَّلنا أحمالاً من خيراته، ونحن قبل كل
شيء صنعة يديه، وهو الذي يعتني بنا في كل حال، والذي أعطانا الرجاء بالأمور التي
تتجاوز الحياة الحاضرة، لذلك لنا في خبز “الإفخارستيا” مثال الشكر الذي نقدِّمه
لله … حينما نشترك في هذه الخليقة.]([60])

[ونحن نعلم أن كل الذين
يحوزون على رضى الله، فإن الملائكة لا تكون فقط عند استعداد المعونة لهم، بل إنها
أيضاً تشترك معهم في جهادهم حسب مسرَّة الله وتتمم كل نعم الله عليهم، يشتركون
معهم في الصلاة والتضرعات بصلواتهم وتضرعاتهم من أجلهم.

فإن كل الذين قد جعلوا
كل أملهم في الأمور الصالحة، حينما يصلُّون إلى الله، يجدون عشرات الألوف من
القوات المقدَّسة بجوارهم، حتى وبدون أن يُطلب منهم نجدهم يصلُّون معهم وكأنهم
دروع لهم، لأنهم يكونون في اتفاق شديد مع جنسنا المائت هذا، وذلك لأنهم يبصرون
الشياطين وهم يتناحرون في حربهم ضد خلاص الذين كرَّسوا أنفسهم لله، وبالأكثر حينما يكتشفون مدى وحشية الحقد
والكراهية التي تحملها الشياطين ضد الإنسان.]([61])

أوشية الملك:

[نحن نقدِّم أكبر معونة
للملك، التي يمكن أن نسميها معونة إلهية … فبواسطة صلواتنا التي نقدِّمها نستطيع
أن نبطل بها عمل الشياطين التي تثير الحروب والتي تنقض المواثيق وتقلق السلام،
ونحن بالصلاة نكون أكثر معونة له من الذين يدخلون معه المعارك للحروب…

فنحن نحارب من أجله
بواسطة جيش خاص، بالتقوى وتقديم الصلوات.]([62])

وهنا ينقل لنا
أوريجانوس وصية مكتوبة يقولها المسئول (الأسقف) للذي يريد أن يحضر قداس الموعوظين:

[إن الذي قد أصبحت نفسه
عازفة عن كل شر لمدة طويلة وخاصة بالنسبة للذين يسمعون الكلمة، فمسموح لهؤلاء أن
يحضروا ليسمعوا تعاليم الرب يسوع لتلاميذه التي كان يقولها لهم خاصة وعلى انفراد.]([63]) (قداس
الموعوظين)

[وحينما يظهر الذين قد
سعوا وراء الحق أنهم في تقدُّم حقاً وأنهم قد “تطهَّروا بالكلمة” (
» أنتم أنقياء
بسبب الكلام الذي كلَّمتكم به
«= إشارةً إلى قداس الموعوظين والوعظ فيه)، وقد ساروا في حياة أفضل،
فعندئذ وليس قبل ذلك ندعوهم لكي يشتركوا معنا في
الأسرار.]([64])
(قدَّاس المؤمنين)

[وبواسطة الصلاة
والوسائل
الأخرى التي تعلَّمناها من الأسفار المقدَّسة نستطيع أن نطرد الشياطين من نفوس
البشر ومن الأماكن التي تسكن فيها، وحتى من أجساد الحيوانات التي قد تلجأ للاختباء
فيها.]([65])

[أمَّا كل الذين
تطهَّروا ليس فقط من النجاسة بل وأيضاً من التعديات المحسوبة أنها صغيرة، فهم
مدعوون لكي يتقدَّموا لأسرار المسيح بكل شجاعة، لأنها موضوعة ومعلنة فقط للأطهار
والقديسين([66])
… هناك فرق بين أن ندعو الأشرار ليبرأوا([67])، وأن ندعو
الذين قد انفتحت بصيرتهم وتطهَّروا للاشتراك في الأسرار المقدَّسة.]([68])

[ليس إلى الاشتراك في
الأسرار والانضمام إلى الحكمة المخفية في سر التي أسسها الله قبل العالم لمجد
قديسيه، نحن ندعو الأشرار واللصوص … ولكن ندعوهم إلى التطبيب والشفاء بالكلمة
أولاً، لأن في الكلمة الإلهية معونة لشفاء هؤلاء المرضى بحسب الكلمة القائلة:
» إن الأصحاء
لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى
«(مت 12: 9). أمَّا الآخرون الأطهار نفساً وجسداً فيليق لهم » إعلان السر
الذي كان مكتوماً في الأزمنة الأزلية ولكن أُظهر الآن وأُعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية
«(رو 25: 16و26).]([69])

يُلاحَظ أن أوريجانوس
يحاول دائماً أن يصبغ المعانى بالصبغة الرمزية. فالاشتراك في الأسرار أي التناول
يشير إلى الانضمام للحكمة أي الاتحاد بالمسيح.

[المسيحي يدعو اللصوص
إلى دعوة أخرى، يدعوهم ليعصب جراحاتهم بكلمة الرب، ويعالج النفس التي تقيَّحت
بالشرور، وذلك بالأدوية المستخلصة من الكلمة.]([70])

لاحِظ هنا أن المديحة
التي تُقال في الصوم المقدَّس باللغة العربية عن التوبة مأخوذة بنصها وحروفها من
هذا التعليم.

[الله الكلمة، أُرسل
إلى العالم بالحقيقة طبيباً للخطاة ومعلِّماً للأسرار السماوية للذين يتطهرون ولا
يعودون يخطئون.]([71])

[نحن لابد دائماً أن
نسأله، لأنه هو وحده القادر أن يمدَّنا بكل احتياجاتنا الجسدية]([72])

قارن مع: “بيوتهم
ومخازنهم املأها من كل الخيرات.” (أوشية القرابين)

[إن الساروفَيْن اللذين
يذكرهما إشعياء، موصوفان أن لهما ستة أجنحة ويصيحان الواحد قُبالة الآخر قائلَيْن:
» قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت «(إش 3: 6).]([73])

[إن الأسماء ليس هي
مسألة اختراعات جزافية، فإن الله العلي لا ينبغي قط أن يُدعى بأي اسم غير الأسماء
التي استعملها موسى والأنبياء ومخلصنا الرب نفسه مثل
» رب الصباؤوت « » أدوناي « » شدَّاي «وأيضاً » إله إبراهيم
وإسحق ويعقوب
« لأن هذه يقول
(الرب)
» أسماء أبدية وتذكار إلى جيل الأجيال «(خر 15: 3).]([74])

[وتسبحة حبقوق النبي: » يا رب سمعتُ
خبرك فجزعت، وتبصَّرت أعمالك فدُهشت “إنك تُعرف بين حيوانين”([75])
وتُدرك في مجيء السنين
«(حب 2: 3 ترجمة سبعينية)] ([76]) = “حيواناك
الكريمان جداً” (قداس القديس مرقس الرسول)

[كل الذين سبق تقديسهم
بالروح القدس يصيرون مؤهَّلين للاشتراك في قبول المسيح، باعتبار أن المسيح هو بر
الله]([77])

أي أن مسحة المعمودية
بالروح القدس تؤهِّل للإفخارستيا.

[الرب هو فوق كل رياسة
وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمَّى ليس في هذا الدهر فقط، بل في المستقبل أيضاً …
فالآن نحن نتبنَّى النظرة القائلة أن الملائكة المقدَّسين والقوات المقدَّسة
والعروش (الكراسي) المباركة
والسيادات الممجَّدة،
هي ذات قوة وكرامة ومجد باستحقاق طبيعتها…]([78])

لاحِظ أن نفس الجُمل
والكلمات واردة في صميم القداس في مواضعها.

[الفرق بين الصلاة
“الأوشية”
eÙc» والصلاة “الإبروسة” proseuc»

“الأوشية”
يصاحبها نذر، كصلاة يعقوب إلى الله ليصاحبه في رحلته إلى ما بين النهرين، أو كصلاة موسى من أجل فرعون عندما نذر أن يطلقهم لو
صلُّوا ورفع الله عنه ضربة الضفادع.

أمَّا
“الإبروسة” فهي مثل صلاة حنَّة (أُم صموئيل) بمرارة النفس (بانسحاق وتذلُّل) …
فحنَّة توسَّلت بالصلاة “الإبروسة” ونذرت بصلاة “الأوشية”…

ونحن ليس
بلا سبب نفرِّق بين النوعين
من الصلاة
من واقع الأسفار، بل لأن هاتين الكلمتين مستخدمتان بصورة عامة وبحسب العادة
(التقليد).
]([79])

لاحِظ أن في صلوات
القداس، كل ما يصليه الكاهن هو “أوشية” وكل ما يصليه الشعب هو “إبروسة”، لأن الكاهن يصلِّي وأمامه الذبيحة، فهو
يستمد منها معنى النذر، أي بمقتضى دالة الذبيحة هو
يصلِّي. وأمَّا صلاة
الشعب فلا تُحسب أنها مستمدَّة من ذبيحة بل بمقتضى الانسحاق والتذلُّل.

[اُطلبوا الأمور
الكبيرة، أمَّا الأمور الصغيرة فتُمنح لكم وتُزاد، اُطلبوا السمائيات، والأرضيات
تُزاد لكم …

+ » فأطلبُ أول
كل شيء أن تُقام طلبات وصلوات وتشفعات (ابتهالات) وتشكرات لأجل جميع الناس، لأجل
الملوك …
«(1تي 1: 2)

فالطلبات dšhsij هي سؤال من أجل احتياجات.

أمَّا
الصلاة
proseuc» فهي التي تُقدَّم على مستوى التكريم
مع تسبيح بواسطة الإنسان من أجل أمور هامة.

أمَّا
التشفعات (الابتهالات)
œnteuxij فهي ترجِّي الله بواسطة آخر، عنده مزيد من الثقة في الله!([80])

أمَّا التشكرات eÙcarist…a فهي مديح وصلاة من أجل بركات حصلنا عليها من الله، ونحن نعترف بها
بتقديم المديح اللائق بعظم هذه البركات.


زكريا الكاهن “طلب” وأعلمه الملاك جبرائيل أن طلباته استُجيبت.


عزارياس “صلَّى”
proseuc» وسط
النار وفتح فاه قائلاً…


حبقوق النبي “صلَّى” مُسبِّحاً
» يا
رب قد سمعت خبرك فجزعت. يا رب عملك في وسط السنين أَحْيِهِ. في وسط السنين عرِّف.
في الغضب أذكر الرحمة.
«(حب 2: 3)

أمَّا التشفعات فلأنها فوق طاقتنا، فإن الروح القدس هو
الذي يقدِّمها:
» الروح (القدس) نفسه يشفع فينا بأنَّاتٍ لا
يُنطق بها … لأنه يشفع في القديسين
«(رو 26: 8و27)


أمَّا الشكر فهو يُقدَّم للمسيح، لأنه قدَّم لنا كل ما ينفعنا حسب إرادة الله.
]([81])

شفاعة الملائكة في
تقليد الكنيسة سنة 200م:

[إن الملائكة في السماء
» الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب «يقدِّمون
الصلوات مع الذين يصلُّون بإخلاص، وكذلك أيضاً أرواح القديسين. وهذا يتضح من
الشهادات الآتية:

فالملاك روفائيل قدَّم
صلاة (ذبيحة معقولة) لله
ƒerourg…an عن
كل من طوبيا وسارة بينما كانا هما يصليان معاً!!
» والآن
لمَّا كنت تصلِّي أنت وسارة كَنتكَ أنا قدَّمتُ “ذكر” صلواتكما أمام القدوس (الرب)،
وحينما كنت تدفن الموتى أنا كنتُ مرافقاً لك، ولأنك مقبول أمام الله كانت هذه التجربة تمتحنك، وإذ كنتَ لم تنسَ الله ولم تفتر
عن عمل الصدقات كنتُ معك. والآن أرسلني الرب حتى أشفيك أنت وسارة كَنَّتُكَ.
«(طو 12: 1215)

» أنا
هو روفائيل الملاك أحد السبعة الوقوف أمام الله الذين يقدِّمون صلوات القديسين
ويجوزون عابرين أمام مجد القدوس (الرب)
«(طو 15: 12).]([82])

شفاعة القديسين في
تقليد الكنيسة سنة 200م:

[أمَّا عن أرواح
القديسين وصلواتهم، فيقول سفر المكابيين:

» أن حونيا
الذي صار كاهناً عظيماً (رئيس كهنة) وكان رجلاً صالحاً … رأى رؤيا وقد ظهر له
رجل في عمر مهيب ومجد فائق حتى
أنه كان محاطاً بهيبة
وجلال … وإذا واحد من القديسين الذين رقدوا يشير إليه ويشهد قائلاً: هذا هو
إرميا نبي الله الذي يصلِّي كثيراً عن الشعب وعن المدينة المقدَّسة…
«(2مك 15: 13و14).]([83])

وهنا مفهوم الشفاعة
بأرواح القديسين واضحة كعقيدة كتابية في الكنيسة في زمن أوريجانوس.

[ليس
بالنسبة لهذا العمر فقط تُطبَّق الكلمات
» إذ كان عضو واحد يتألَّم فكل الأعضاء تتألم معه، وكل عضو يُكرَّم فكل
الأعضاء تفرح معه
«.. فإن هذا الكلام وغيره يسري أيضاً على الذين هم الآن خارج هذا العمر: » الاهتمام بالكنائس «» مَنْ يضعف وأنا لا أضعف « » مَنْ يعثر وأنا لا ألتهب « وحتى المسيح أيضاً يقول فيما يخص كل
قديس أنه إذا مرض فهو أيضاً يصير
مريضاً بالمثل، وكذلك بالنسبة للمسجونين والعرايا
والجياع والعطاش، وهكذا يلحظ قارئ الكتاب المقدَّس أن المسيح ينسب إلى نفسه كل ما
يحدث للمؤمنين معتبراً أن آلامهم هي آلامه.]([84])

أي المشاركة العضوية
الحية الفعَّالة في جسد المسيح.

[يوجد مكان لائق للصلاة
له روعته وبهاؤه، “الموضع” الذي يجتمع فيه المؤمنون (أي الكنيسة) حيث تقف القوات
الملائكية مع المجتمعين، مع قوة الرب المخلِّص وكل الأرواح القديسة أرواح الذين
رقدوا وأيضاً الذين لا يزالون أحياء، أمَّا كيف يتم ذلك فهذا ما يصعب الإجابة عليه،
… حيث تحضر
أعداد من الملائكة
المقدَّسين لتسبيح المسيح، حيث ينضم إليهم ملاك كل واحد من الملائكة الملازمين
لخائفي الرب. فيخيمون جميعاً
معاً، وهكذا عندما
يجتمع القديسون يصبح هناك “كنيستان” “كنيسة” البشر مع “كنيسة” الملائكة.

أمَّا كون المسيح يكون
حاضراً أيضاً، فهذا معلوم من قول بولس الرسول:
» أنتم
المجتمعون معاً (في كنيسة كورنثوس) وروحي مع قوة ربنا يسوع.
«(1كو 4: 5)

فإذا كان بولس وهو لا
يزال لابساً هذا الجسد يشهد أنه كان حاضراً بالروح مع كنيسة كورنثوس، فلا نفقد
الإيمان أنه هكذا يكون الأمر مع أرواح القديسين المباركة الذين انتقلوا إذ تحضر بأسرع من الذي هو لا يزال بالجسد (أي بولس)
لتشترك مع الجماعات في الكنيسة.

فلا نحتقر إذاً،
الصلوات التي تُقام في الكنيسة … لأن الملائكة تقف لحراستها … فبخصوص مكان
الصلاة فيا لمجد المكان ويا لسموِّه فوق كل مكان آخر حينما يجتمع القديسون معاً
بالتقوى في كنيسة!]([85])

[الشرق هو الاتجاه
الملائم الذي نتجه إليه عند الصلاة، حيث تتطلَّع النفس بالرمز إلى “النور الحقيقي”
من حيث يشرق النور.]([86])

[وكما بدأنا الصلاة
بتمجيد الله، فمن المناسب أن نختمها بتمجيد وبتسبيح: “نمجِّد الآب بالمسيح يسوع في
الروح القدس”.]([87])

يُلاحَظ هنا تلميح
أوريجانوس لبداية القداس: “مجداً وإكراماً، إكراماً ومجداً للثالوث الأقدس الآب
والابن والروح القدس”. ثم إلى ختام الصلاة المعروفة “هلليلويا ذوكصا باتري إلخ.”

يُلاحَظ أن هذا هو أصل
“الذكصا” كما كشفها وشرحها لنا القديس كيرلس عمود الدين والقديس باسيليوس في كتابه
عن الروح القدس.

[يوجد مَنْ ينكر أصلاً
كل الأمور الحسية، فلا يستخدم المعمودية ولا الإفخارستيا، وبافتراء يعتبرون أن
الكتاب المقدَّس يعتبر الصلاة لموضوع آخر.]([88])

[يوجد دَيْن مستحق على
الشماس وآخر على الكاهن، ولكن الدَيْن المستحق على الأسقف هو أثقلهم، وهذا الدَين
يطالب به مخلِّص الكنيسة كلها، والمجازاة مستعدة.]([89])

[يوجد كهنة هم بالحق
كهنة للكاهن الأعظم، هؤلاء تقبَّلوا معرفة الشفاء الذي ينحدر من الله، وتعلَّموا
من الروح القدس عمَّا يختص بالخطايا التي ينبغي أن يرفعوا عنها ذبيحة، ومتى يكون
ذلك وبأي كيفية. كما تعلَّموا أي الخطايا التي لا ينبغي أن يصنعوا لها هكذا. ولكن
يوجد آخرون لا أعلم كيف ادَّعوا لأنفسهم بغير وجه حق قدرة شخصية على الحِلّ أكثر
من سلطانهم الكنسي الذي بحسب الطقس، ربما لعدم تمكنهم من معرفة حدود اختصاص
الكهنوت الذي لهم، فافتخروا أنهم قادرون أن يغفروا خطايا مثل عبادة الأوثان أو
الزنا أو النجاسة، على أساس أنه بواسطة صلواتهم عليهم يحلُّونهم منها، حتى ولو
كانت
» خطاياهم للموت «(1يو 16: 5، 2بط 20: 222)]

ونورد هنا خُلاصات
للمواضيع التي تعرَّض لها أوريجانوس بالشرح في كتاباته الأخرى والتي تمتُّ بصلة
إلى موضوع الخدمة الإلهية (ليتورجيا) والإفخارستيا، مع ذكر مواضعها:

1 ليتورجية
الموعوظين تسبق ليتورجية المؤمنين، والموعوظون يحضرون العظة([90]).

2 القراءات
تشمل فصولاً من العهد القديم والجديد يتبعها عرض دراسي مفصَّل ثم عظة على موضوع
القراءات([91]).

3 يتبع
العظة مباشرةً مجموعة صلوات ينهض فيها كل الشعب وقوفاً([92]).
وبعد الصلوات تُقدَّم القرابين([93])
t¦ ¢parc¦j ¢pod…domen ثمَّ تكون قبلة
السلام
([94]).

يقدِّم لنا أوريجانوس
نص صلاة تُقدَّم لله:

[لكي نكون مستحقين أن
نقدِّم لله القرابين لكي يقبلها الله ويردَّها لنا ويمنحنا بواسطة يسوع المسيح
السمائيات عوض الأرضيات.]([95])

وهذه الصلاة نجدها
قريبة من أوشية القرابين الواردة في ليتورجية القديس مرقس، فأوريجانوس ينقل لنا من
الذاكرة كلمات هذه الليتورجيا.

وأيضا ينقل لنا
أوريجانوس صلاة أخرى قريبة من ليتورجيا القديس مرقس الرسول:

[وأعطنا يا الله ضابط
الكل نصيباً مع أنبيائك، وأعطنا أيضاً نصيباً مع رسل مسيحك.]([96])

وأوريجانوس في عظة له
على سفر اللاويين يذكر كيف نقيم ذكر “آلام” الرب في الإفخارستيا بحسب وصية الرب:
» اصنعوا هذا
لذكري
« وذلك حتى نجعل
الله يتعطَّف علينا. ويستعرض المقارنة القائمة بين تقديم خبز
الوجوه
قديماً عند اليهود وتقديم الإفخارستيا عند المسيحيين([97]).

[الخبز يتقدَّس “بكلمة
الله”
والصلاة.]([98])

[والخبز المقدَّس يصير “نافعاً”
بمقتضى الصلاة التي قيلت عليه.]([99])

[وخبز الإفخارستيا هو
الذي فوقه يُدعى باسم الله والمسيح والروح القدس.]([100])

تقديم الصعيدة:

[يلزم أن تكون الصعيدة
باسم يسوع، ولكن لا تُقدَّم له مباشرة([101])]([102])

[إن التقدمة (تقديم
الصعيدة) ينبغي أن تكون على وجه العموم باسم الله ضابط الكل بواسطة يسوع المسيح،
وذلك على قدر ما إن المسيح هو مساوٍ للآب في الألوهة. وبذلك لا تكون هناك تقدمة
مزدوجة بل تقدمة واحدة لله بواسطة الله!]([103])

[فإن كان الشخص قديماً
لا يُسمح له بأن يأكل من خبز الوجوه إلاَّ إذا كان متعفِّفاً عن النساء (1صم 4: 21)،
فماذا إن كان سيتناول من الخبز الذي هو أعظم من خبز الوجوه، ذلك الذي استُدعي عليه
اسم الله والمسيح وبالروح القدس؟ ألا ينبغي أن يكون هذا الإنسان أكثر طهارةً؟ حتى
يتناول بالحق من الخبز للخلاص وليس للدينونة.]([104])

[وتقديم الصعيدة يكون
بخبز وخمر.]([105])

عن الاعتراف بالخطايا:

[ولكن دقِّق باهتمام
عند مَنْ تعترف بخطاياك، عليك أولاً أن تضع الطبيب تحت الاختبار حتى تعرف إن كان
قادراً أن يكون ضعيفاً مع الضعفاء وباكياً مع الباكين، وانظر إن كان يعتقد أن وجعك
(خطيتك) هي من النوع الذي ينبغي أن يُعرف ويُشفَى في حضرة الجماعة المجتمعة
(الاعتراف العلني في الكنيسة)، فاتبع المشورة إن كان الطبيب متمرساً ومختبراً.]([106])

[وأنتم الذين أُعطي لكم
أن تساعدوا في إقامة الأسرار الإلهية، احرصوا وأنتم تحملون جسد الرب أن
تكونوا في انتباه شديد لئلاَّ يقع جزء منه على الأرض أو أن تضيع منكم أجزاء من
القرابين المقدَّسة عن نظركم، احسبوا هذا جريمة، وهي كذلك بالحق إن كان عن إهمال
يسقط منكم شيء.]([107])

[فانظروا
كيف أن المذابح لم تَعُدْ بعد يُرشُّ عليها دم عجول، ولكنها تقدَّست بدم
المسيح الثمين.
]([108])

[إن الأصوام التي نلتزم
بها هي الأربعين المقدَّسة والأربعاء والجمعة.]([109])

[يوجد أشخاص اعتادوا أن
ينحنوا برؤوسهم للكهنة، ويهتمون بتقديم العطايا لتزيين المذابح في الكنيسة.]([110])

[لقد بطُلت عند
الغالبية عادة غسل الأرجل قبل إقامة الأسرار.]([111])

[وكي تصبح توبة الخاطئ
كاملة يتحتَّم الاعتراف على “كاهن الله”.]
([112])

[وإن الاعتراف
العلني بالخطايا
™xomolÒghsij (على
الكنيسة المجتمعة)
من الوسائل الناجعة والمؤثرة]([113])
(بَطُلت من الكنيسة بأوامر مشدَّدة).

استخدام الخولاجيات
وكتب للصلوات:

يرد أوريجانوس على
ادعاءات كلسوس بخصوص أنه رأى في أيدي الكهنة كتباً فيها أسماء الشياطين وتعاويذ
خاصة بها:

[إن هذه الكتب تحوي
الصلوات التي يستخدمونها في الصلاة بحسب الأوامر المرسومة والأنظمة المحدَّدة.

وهذه الصلوات هي التي تجعلهم محصَّنين ولا يُقهرون قط أمام الشياطين وكل قوى السحر.]([114])

[وإن عادة الكنيسة منذ
القدم (نحن هنا في سنة 203م) استخدام سفر أيوب دائماً في الأربعين (الصوم) وعلى
وجه الخصوص في أسبوع الآلام، لأنه هو أيضاً مناسب بالأكثر لهذه الأيام.
]([115])

[والخبز الذي خصصه الله
“الكلمة” (اللوغوس أي المسيح) ليكون جسده، هو “الكلمة” الذي
يغذِّي النفس، هو كلمة من الله الكلمة، وخبز من الخبز السمائي موضوعاً على
المائدة،
والشراب الذي في الكأس الذي خصَّصه الله “الكلمة” (اللوغوس أي
المسيح) ليكون دمه هو الكلمة الذي يُسكر القلب ويُشبعه. الخبز المنظور … يحمل
سر الجسد المكسور، والشراب المنظور يحمل سر الدم المسفوك.
]([116])

 [لأن دم المسيح يمكن
أن نشربه على حالين، أي شرباً سرائرياً في الطقس السرائري، وحينما نقبل كلماته
المحيية.]
([117])

يُلاحظ
هنا أن أوريجانوس يستخدم نفس المفهوم التفسيري التأملي الذي قال به كليمندس
الإسكندري.

[وإنهم يصنعون
تذكاراً بخشوع للقديسين الذين رقدوا في الإيمان
لكي ينالوا عزاءً وسروراً،
طالبين أن يكون لهم معهم أيضاً كمالٌ في الإيمان.]([118])

[ويعتقدون
أنه من اللائق أن يذكروا القديسين في صلواتهم ويعزُّوا أنفسهم بذكراهم.]([119])

 

إعادة ترتيب أقوال
أوريجانوس عن الليتورجيا

مرتَّبة حسب حدوثها
داخل القداس

 

الكنيسة والخدمة في
داخلها:

ونحن حسب العادة
(التقليد) نحتفظ بأيام محدَّدة (للعبادة وإقامة الليتورجيا): يوم الرب، ويوم السبت
(الاستعداد) ويوم الفصح ويوم البنتيقسطي.

(والمسيحي يوجد فيه)
معيِّداً بالحق إذا كان أميناً فيما هو واجب عليه مُصلِّياً على الدوام.

ويُوجد مكانٌ لائقٌ
للصلاة له روعته وبهاؤه، وهو “الموضع” الذي يجتمع فيه المؤمنون، حيث تقف
القوات الملائكية مع المجتمعين مع قوة الرب المخلِّص وكل أرواح القديسين، أرواح
الذين رقدوا وأرواح الذي لا يزالون أحياء، حيث تحضر أعداد من الملائكة القديسين
لتسبيح المسيح. ينضم إليهم ملاك كل واحد من الملائكة الملازمين لخائفي الرب،
يجتمعون جميعاً معاً.

وهكذا حينما يجتمع
المؤمنون يصير هناك كنيستان، كنيسة البشر مع كنيسة الملائكة.

فبخصوص مكان الصلاة،
فيا لسموِّه ويا لمجده فوق كل مكان آخر حيثما يجتمع القديسون بالتقوى جميعاً في
الكنيسة.

والشرق هو الاتجاه
الملائم الذي نتجه إليه عند الصلاة، حيث تتطلَّع النفس بالرمز إلى “النور الحقيقي”
من حيث يشرق النور (الطبيعي).

وكل إنسان يصلِّي ويرتل
لله بتسابيح على قدر ما يستطيع.

وكأن الجميع لهم صوت
واحد وصلاة واحدة.

ومسئولية الكهنة كبيرة،
يوجد دَيْن مستحق على الشماس وآخر على الكاهن ولكن المستحق على الأسقف أثقلهم.

وتبدأ الصلاة بتمجيد
الله.

ليتورجية الموعوظين
(خدمة الكلمة):

ليتورجية الموعوظين
تسبق ليتورجية المؤمنين،

والموعوظون الذين تصبح
نفوسهم عازفة عن الشر لمدة طويلة، وخاصة الذين يسمعون للكلمة، نسمح لهم أن يحضروا
تعاليم الرب يسوع لتلاميذه التي كان يقولها لهم خاصةً وعلى انفراد.

ليس للاشتراك في
الأسرار ندعو الأشرار واللصوص، ولكن هؤلاء ندعوهم للتطبيب والشفاء بالكلمة أولاً،
لأن في الكلمة الإلهية معونة لشفاء هؤلاء المرضى بحسب الكلمة القائلة:
» إن الأصحاء
لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى
« ندعوهم لنعصب جراحاتهم بكلمة الرب، ونعالج النفس التي تقيَّحت
بالشرور بواسطة الأدوية المستخلَصة من الكلمة.

والقراءات تشمل فصولاً
من العهد القديم والعهد الجديد، يليها عرض دراسي مفصَّل.

وقد اعتادت
الكنيسة أن تقرأ سفر أيوب في أيام الأربعين المقدَّسة وبالأخص في أسبوع الآلام.

ثم عظة على موضوع
القراءات.

صلوات نهاية قداس
الموعوظين:

ويتبع العظة مباشرة
مجموعة صلوات ينهض لها الشعب كله وقوفاً.

وبواسطة
الصلاة نستطيع أن نطرد الشياطين من نفوس البشر (الصلاة على الذين بهم أرواح
نجسة).

فالله الكلمة أُرسل إلى
العالم بالحقيقة طبيباً للخطاة.

والكتب (التي يحملها
الكهنة = الخولاجيات) تحوي الصلوات التي يستخدمونها في الصلاة بحسب
الأوامر المرسومة والأنظمة المحددة، وهذه الصلوات تجعلهم محصَّنين لا يُقهرون قط
أمام الشياطين وكل قوى السحر.

صلوات المؤمنين
“الأواشي”:

وبعد ذلك نحن نعبد الله
الواحد بكل قوتنا مع ابنه الوحيد الكلمة صورة الله، وذلك بالصلوات والتضرعات
مقدِّمين توسلاتنا لله خالق العالم بواسطة ابنه الوحيد، ونحن لا بد دائماً أن
نسأله، لأنه هو وحده القادر أن يمدَّنا بكل احتياجاتنا الجسدية.

اطلبوا الأمور الكبيرة،
والأمور الصغيرة تُزاد لكم.

اطلبوا السمائيات،
والأرضيات تُزاد لكم.

فالطلبة هي سؤال من أجل
احتياجات.

والصلاة هي تكريم
وتسبيح بسبب الأمور الهامة.

والتشفعات هي ترجِّي
الله بواسطة آخر عنده مزيد من الثقة في الله.

والفرق بين الأوشية
والإبروسة أن الأُولى تُقدَّم بنذر والثانية بمرارة قلب.

ونحن نتمسك باعتقادنا
أن ليست “ثمار الأرض” فقط بل و“الأنهار” و“الينابيع التي تفرِّح الأرض”
والهواء واعتداله ونقاوته (مزاج
حسن)، كل ذلك يُحفظ
برعاية وضبط بواسطة الخلائق المخصَّصة لذلك، وهم الذين نسميهم بالوكلاء
“والحرَّاس” (الملائكة) غير المنظورين.

والذين يتناولون من هذه
(بعد الصلاة عليها وبعد التناول حسب الطقس القديم) سواء كانت قمحاً أو خمراً أو
ثمار فاكهة أو مياهاً أو هواءً، إنما يعيِّدون مع الملائكة السمائيين المعيَّنين
لذلك، والذين يُستدعون ليكونوا شركاء على مائدة الأتقياء من بني الإنسان الذين
يطيعون القول القائل:
» فكل ما أكلتم أو شربتم
أو عملتم أي عمل آخر فاعملوا الكل لمجد الله
«(1كو 31: 10)، و» اصنعوا كل شيء باسم
الله.
«(كو 17: 3)

ونحن نقدِّم الباكورات
لله الذي قال:
» لتُخرج الأرض عشباً يصنع بذراً والشجر يثمر كجنسه. «(تك 11: 1)

والله الذي تُقدَّم له
الباكورات، له أيضاً تُقدَّم الصلوات. إذ لنا رئيس كهنة أعظم قد عبر السموات يسوع
ابن الله “صلُّوا لكي نكون مستحقين أن نقدِّم لله القرابين! لكي يقبلها الله
ويردَّها لنا ويمنحنا بواسطة ربنا يسوع المسيح السمائيات عوض الأرضيات.” (أوشية
للشماس)

الصلاة من أجل الراقدين:

يصنعون تذكاراً بخشوع
للقديسين الذين رقدوا في الإيمان لكي ينالوا عزاءً وسروراً، طالبين أن يكون لنا
معهم أيضاً كمالٌ في الإيمان.

ويعتقدون أنه من اللائق
أن يذكروا القديسين في صلواتهم ويعزُّوا أنفسهم بذكراهم.

الصلاة من أجل الرؤساء:

نحن نقدِّم أكبر معونة
للملك، التي يمكن أن نسميها معونة إلهية … بواسطة صلواتنا التي نقدِّمها لله
والتي نستطيع أن نُبطل بها عمل الشياطين التي تثير الحروب والتي تنقض المواثيق
وتقلق السلام … ونحن بالصلاة نكون أكثر معونة له من الذين يدخلون معه المعارك في
الحرب … فنحن نحارب من أجله بواسطة جيش خاص بالتقوى والصلوات.

الاعتراف:

ولكي تصبح توبة الخاطئ
كاملة يتحتَّم الاعتراف على “كاهن الله”.

ولكن دقِّق باهتمام في
مَنْ تعترف عنده بخطاياك. عليك أولاً أن تضع الطبيب تحت الاختبار حتى تعرف إن كان
قادراً أن يكون ضعيفاً مع الضعفاء وباكياً مع الباكين. وانظر إن كان يعتقد أن وجعك
(خطيتك) هو من النوع الذي ينبغي أن يُعرف ويُشفَى في حضرة الجماعة المجتمعة
(الاعتراف العلني في داخل الكنيسة، وكان موضعه بعد الأواشي وقبل صلاة الصلح)، فاتبع
المشورة إن كان الطبيب متمرساً ومختبراً.

وإن الاعتراف العلني
بالخطايا
™xomolÒghsij (داخل الكنيسة) من الوسائل الناجعة والمؤثرة.

يوجد كهنة
هم بالحق كهنة الكاهن الأعظم، هؤلاء تقبَّلوا معرفة الشفاء الذي يأتي من الله،
وتعلَّموا من الروح القدس عمَّا يختص بالخطايا التي ينبغي أن يرفعوا عنها ذبيحة،
ومتى يكون ذلك، وبأية كيفية. كما تعلَّموا أيضاً أي الخطايا التي لا يصح أن يُصنع
لها هذا.

ولكن يوجد آخرون لا أعلم كيف ادَّعوا لأنفسهم بغير وجه حقٍّ قدرةً على
الحِلّ فوق
سلطانهم الكنسي حسب الطقس، ربما لعدم معرفتهم بحدود الكهنوت
واختصاصهم، فافتخروا أنهم قادرون أن
يغفروا خطايا مثل عبادة الأوثان والزنا
والنجاسة (يشير إلى زفرينيوس بابا روما وكالليستوس خَلَفِه) على أساس أنه بواسطة
صلاتهم عليهم تُغفر لهم، حتى ولو كانت “خطاياهم للموت”!

قُبلة السلام:

وبعد
الصلوات
تكون قبلة السلام، وذلك عند بدء إعطاء الأسرار.

وكل الذين
تطهَّروا ليس فقط من النجاسة بل وأيضاً من التعديِّات المحسوبة أنها صغيرة، فهم
مدعوون لكي يتقدَّموا إلى أسرار المسيح بكل شجاعة، لأنها موضوعة ومعلنة فقط
للأطهار والقديسين، لأن هناك فرقاً بين أن ندعو الأشرار ليُشفَوْا بالتعليم، وأن
ندعو الذين قد انفتحت بصيرتهم (تعمَّدوا) وتطهروا إلى الاشتراك في الأسرار
المقدَّسة.

لقد بطلت
عادة غسل الأرجل (قبل الدخول لبدء الإفخارستيا) عند الغالبية قبل إقامة الأسرار.

تقديم
الصعيدة:

تقديم
الصعيدة يكون بخبز وخمر.

يوجد أشخاص
يهتمون بتزيين المذابح.

والتقديم
ينبغي أن يكون على العموم باسم الله ضابط
الكل وبواسطة يسوع المسيح، ذلك على قدر ما أن
المسيح هو مساوٍ للآب في الألوهة. وبذلك لا تكون هناك تقدمة مزدوجة بل تقدمة واحدة
لله بواسطة الله!

ونحن نقدِّم صلوات شكر لله خالق الجميع، وذلك مع تقديم الإفخارستيا من أجل
البركات التي نلناها.

ونحن
بالأكثر مسئولون جداً لئلا نكون غير شكورين لله الذي حمَّلنا أحمالاً من خيراته،
هذا ونحن قبل كل شيء صنعة يديه الذي يعتني بنا في كل حال، والذي أعطانا الرجاء
بالأمور التي تتجاوز هذه الحياة الحاضرة، لذلك لنا في خبز الإفخارستيا مثال الشكر
الذي نقدِّمه لله. فإن كل الذين جعلوا كل أملهم في الأمور الصالحة، حينما يصلُّون
إلى الله يجدون عشرات الأُلوف من القوات المقدَّسة بجوارهم، حتى وبدون أن يُطلب
منهم نجدهم يصلُّون معنا.

التسبحة
الشاروبيمية:

إن
الملائكة في السماء
» الذين
يفرحون بخاطئ واحد يتوب
«يقدِّمون
الصلوات مع الذين يصلُّون بإخلاص، ألوف ألوف وقوف قدامه وربوات ربوات يقدمون له
الخدمة، وحبقوق النبي يصرخ:
» إنك
تُعرَف بين كائنين حيَّين حيوانين
«(حب 2: 3 حسب السبعينية) الذي هو فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة
وكل اسم ليس في هذا الدهر فقط بل وفي المستقبل أيضاً.

فالآن نحن
نتبنَّى النظرة
القائلة
أن الملائكة المقدَّسين والقوات المقدَّسة والعروش المباركة والسيادات الممجَّدة، هي ذات قوة وكرامة ومجد
ليس باستحقاق طبيعتها (ولكن بسبب الذي أعطاها).

والساروفان
اللذان يذكرهما إشعياء، موصوفان أن لكل منهما ستة أجنحة، وأنهما يصيحان الواحد
قبالة الآخر قائلين:
» قدوس قدوس
قدوس رب الصباؤوت
«

التقديس:

متوسلين لله خالق العالم بواسطة ابنه الوحيد ككاهن أعظم، لكي يقدِّم ذبائحنا
وصلواتنا إلى الله العلى.

فالخبز
الذي خصَّصه الله “الكلمة” (المسيح) ليكون جسده هو الكلمة الذي يغذِّي النفس. كلمة
من كلمة وخبز من خبز سمائي موضوع على المائدة…

والشراب
الذي في الكأس الذي خصَّصه الله الكلمة (المسيح) ليكون دمه هو الكلمة الذي يُسكر
القلب ويُشبعه.

فالخبز
المنظور يحمل سر الجسد المكسور، والشراب المنظور يحمل سر الدم المسفوك.

الاستدعاء:

وخبز
الإفخارستيا هو الذي يُدعى فوقه باسم الله والمسيح والروح القدس.

وخبز
الإفخارستيا يتقدَّس
“بكلمة” الله
والصلاة.

فالخبز
يصير
“نافعاً” بمقتضى الصلاة التي قيلت عليه.

ودم المسيح
نشربه على حالين: نشربه سرائرياً بالطقس (أي في سر الإفخارستيا) ونشربه حينما نقبل
كلماته المحيية.

فانظروا كيف أن المذابح لم تعد بعد يُرشَّ عليها دم عجول، ولكنها تقدَّست
بدم المسيح
“الثمين”.

والخبز الذي (عليها) يصير بواسطة الصلاة
جسداً مقدَّساً الذي يقدِّس الذين يتناولون منه بإخلاص.

القسمة،
والتناول:

أنتم الذين
أُعطي لكم أن تساعدوا في إقامة الأسرار الإلهية، احترسوا وأنتم تحملون جسد الرب أن
تكونوا بانتباه شديد لئلا يقع جزء منه على الأرض، أو أن تضيع منكم أجزاء من
الصعيدة المقدَّسة، احسبوا هذا جريمة، وهي كذلك بالحق إذا كان عن إهمال يسقط منكم
شيء.

نأكل أيضاً
الخبز المقدَّم لنا، الخبز الذي صار بواسطة الصلاة جسداً مقدَّساً، الذي يقدِّس
الذين يتناولون منه بإخلاص.

صلاة:

“واعطنا يا
الله ضابط الكل نصيباً وميراثاً مع أنبيائك، مع رسل مسيحك وتفضَّل أن نكون عند
أقدام ابنك الوحيد”.

وكما بدأنا
الصلاة بتمجيد الله، فمن المناسب أن نختمها بالتمجيد والتسبيح:
» نمجِّد الآب بالمسيح يسوع في
الروح القدس
«

 

ثالثاً: الإفخارستيا في
مصر

(بين سنة 246
سنة 265م)

 

القديس ديونيسيوس
الكبير
بابا الإسكندرية (246265م):

[إن في أمور أخرى (غير
عقيدة الألف سنة الزمانية التي كان يؤمن بها نيبوس أسقف الفيوم “أرسينوي”) أُرحِّب
بأعماله وأحبه بسبب أمانته وجهاده ودراسته العميقة والصبورة للأسفار المقدَّسة “وجهاده الكبير في عمل الأبصلمودية”([120]) التي
أصبح يستخدمها الكثيرون بابتهاج…]([121])

 

من الرسالة إلى
باسيليدس أسقف بنتابوليس، ليبيا، بخصوص ميعاد إقامة قداس الفصح والإفطار، وقد
اعتبرت الكنيسة الجامعة رد ديونيسيوس قانوناً كنسياً في الكنيسة عامةً بعد ذلك:

 

قانون رقم 1:

[فالذين يتسرَّعون
بلهفة وينهون صيامهم قبل منتصف الليل، فهؤلاء قد أخطأوا ويستحقون التوبيخ،
لأنهم غير أَعِفَّاء وقد كسروا منهجهم التَقَوي بسبب تسرُّعهم. أمَّا الذين يمسكون
أنفسهم ويتجلَّدون وقتاً أطول مداومين حتى الهزيع الرابع (قبل بزوغ الفجر)
الذي هو أيضاً الوقت الذي ظهر فيه الرب لتلاميذه ماشياً على المياه
الذين كانوا في العمق، فنحن نرحب بهؤلاء كتلاميذ للمسيح مجاهدين. وأمَّا
الذين يتوقفون عن المسيرة ويدلِّلون أنفسهم وهم قادرون، فهؤلاء لن نتشدَّد بخصوصهم.
لأن ليس الجميع يحفظون الستة أيام (أسبوع الآلام) صوماً بالتساوي، فالبعض
يصومونها جميعاً بدون أن يذوقوا الطعام، والبعض يكتفي بيومين،
والبعض ثلاثة
أيام
فقط، والبعض أربعة أيام. وآخرون ولا حتى يوماً واحداً …
وآخرون لا يصومون الأربعة أيام الأُولى وعندما يأتون إلى اليومين الأخيرين أي
الجمعة والسبت يصومون بشدة فيهما فقط
معتقدين أنهم إنما يعملون عملاً كبيراً
ورائعاً صائمين حتى الفجر، ولكن مثل هؤلاء لا يكونون في مساواة الذين صاموا
الأيام كلها بتعقُّل.
]([122])

قانون رقم 2:

[بخصوص السؤال فيما
يختص بالنساء في فترة الامتناع (الحيض)، فهذا السؤال غير ذي معنى، لأني أعتقد أنهن
لو كنَّ مؤمنات وتقيَّات فإنهن سيجدن أنفسهن في ذلك الوقت جزعات من أن يقتربن من
المائدة المقدَّسة أو يلمسن جسد ودم الرب (قدس الأقداس).
والحقيقة أن المرأة
نازفة الدم لم تلمس الرب نفسه، ولكن لمست فقط هُدْب ثوبه، لأنها كانت ترى في ذلك
كفاية لشفائها!! لأن الإنسان أيا كان إذا لم يكن طاهراً تماماً بالنفس وبالجسد،
فإنه يُمنع بالأمر من أن يقترب إلى قدس الأقداس (الجسد
والدم).
]([123])

قانون رقم 3:

[وفيما يختص بالمجاهدين
الذين بلغوا سناً متقدمة، فعليهم أن يحكموا من أنفسهم في هذه الأمور، لأنه جيد
أن يمتنعوا عن بعضهم البعض باتفاق حتى يكونوا أحراراً لفترة يكرِّسون أنفسهم فيها
للصلوات،
وبعد ذلك يجتمعون، كما سمعوا من بولس الرسول.]([124])

قانون رقم 4:

[وبخصوص الذين يحصل
لهم فيض (استحلام) ليلي بدون إرادتهم، فعليهم أن يتبعوا شهادة الضمير. فالذي
يتشكَّك كما في أمر أكل اللحم، فإنه يُدان إذا أكل،
لذلك في مثل هذه الأمور،
كل واحد يريد أن يقترب من الله يلزم أن يكون بضمير طاهر وثقة حسنة على قدر ما يحكم
هو نفسه.]([125])

* بخصوص
إنسان تعمَّد من الهراطقة ودخل الكنيسة الجامعة ودون أن يدري اشترك في جسد الرب
ودمه لسنواتٍ طويلة جداً، ثم سمع بخبر الإيمان الصحيح وما يُقال في المعمودية
الصحيحة فتألمت نفسه جداً وذهب إلى البابا ديونيسيوس:

[… وقال لي إن نفسه
طُعنت بإحساس مرير وألم حتى إنه لم يستطع أن يرفع عينيه إلى الله لأنه قَبِلَ
معمودية الهراطقة ونطق فيها بكلمات شريرة، وكان يرجو ويتوسَّل أن ينال المعمودية
الطاهرة لكي يحصل على التبني والنعمة، ولكني لم أجرؤ أن أصنع له هذا، ولكني قلت له
إن مداومة الاشتراك أي التناول فيه الكفاية لهذا الأمر، لأني لم أجرؤ أن أجدِّد من
جديد إنساناً قد سبق وأن “سمع صلاة الإفخارستيا” واستجاب مع الجميع بكلمة “آمين”،
“ووقف بجوار المائدة المقدَّسة”،
“ومدَّ يده واستلم الطعام المقدَّس”
و“تناوله”
وظل مدة طويلة (منذ ما قبل رسامة البطريرك السابق هيراكلاس) وهو
“يشترك في جسد ودم ربنا يسوع المسيح”.

فأمرته أن يتشجَّع
ويتقدَّم إلى القرابين المقدَّسة بإيمان ثابت وضمير حسن
ويشترك
فيهما، ولكنه لم يكفّ عن النحيب وخاف أن يتقدَّم إلى المائدة، وبصعوبة كان يقتنع
أن يحضر الصلوات.]([126])

إشارة إلى أوشية الملك
التي تصلِّيها الكنيسة من أجل الملوك والولاة:

[نحن نعبد الله الواحد
الذي خلق كل شيء، وهو الإله الذي أعطى السلطان ليدي صاحِبَيْ الجلالة فاليريان
وجاللينوس، فهذا هو الله الذي نكرمه ونعبده كلانا والذي نصلِّي إليه بصورة
دائمة من أجل سلطان هؤلاء الرؤساء حتى يدوموا بثبات.
]([127])

الوالي إمليانوس يحاكم
البابا ديونيسيوس ويقبض عليه ويرسله أسيراً إلى سفرو بليبيا:

[إني سأمنعكم ولن
أعطيكم أي حق أن تعقدوا اجتماعات أو “تدخلوا الأماكن التي تسمَّى المقابر”].

في وقت الاضطهاد كانت
الكنيسة تطالب بشدة كل أسقف أن يجمع شعبه بغاية السرعة لكي يعمِّد جميع الأطفال
والموعوظين ويقيم إفخارستيا عامة ويناول فيها جميع الشعب حتى يعدَّهم للشهادة وهم
معمَّدون ومتناولون، والبابا ديونيسيوس يقدِّم هنا الدليل على أنه لم يتمكن من أن
يجمع الشعب لأن الاضطهاد قام فجأة، وأُخذ هو في الأسر بدون أن يستطيع أن يقيم
الإفخارستيا. ويُلاحَظ هنا أن الاجتماعات العامة كانت تُعقَد في المقابر حيث تُقام
الإفخارستيا سرًّا.

[ولكننا في سفرو
(ليبيا) استطعنا أن نعقد “اجتماعاتنا المقدَّسة” على نطاق أوسع].

[وكل موضع شهد
آلامنا التي وقعت علينا أصبح مقراً “لاجتماعاتنا المقدَّسة”
سواء كان حقلاً أو
صحراء أو مركباً أو فندقاً أو سجناً على حدٍ سواء! وأمَّا أعظم عيد بلغ السرور فيه
أَوَجَهُ، فهو الذي أقامه الشهداء منا الذين كملوا وذهبوا وجلسوا في عيد السماء.]([128])

[وكان الاتصال بالرسائل
محالاً، مع أنه كان في غاية الضرورة بالنسبة لي، لأنهم أحشائي وأقرب ما أملك
إلى نفسي، إخوتي المتحدون بنفسي أعضاء الكنيسة الواحدة.
]([129])

[كان معنا رجل مؤمن
متقدِّم في الأيام يُدعى “سيرابيون”، قضى عمره الطويل بلا لوم، ولكنه في زمن
التجربة سقط بسبب الاضطهاد (أي قدَّم الذبيحة للأوثان). وعبثاً حاول هذا الإنسان
بصلاة وتوسُّل دائم أن ينال الحِلّ ولكن أحداً قط لم يلتفت إليه باعتبار أنه ذبح
للأوثان! وأخيراً وقع مريضاً وظل إلى ثلاثة أيام وهو في حالة إغماء لا يسمع ولا
يحس. وفي اليوم الرابع انتعش قليلاً فاستدعى ابن بنته وقال له: “يا ابني إلى متى
تمنعونني؟ أتوسَّل إليك أسرع واحصل لي على الحِلّ واستدعي لي أحد الكهنة”. وإذ قال
ذلك ذهب في غيبوبة طويلة مرة أخرى، فجرى الولد إلى أحد الكهنة، ولكن كان الوقت
مساءً وكان الكاهن مريضاً فلم يستطع الحضور معه. ولكن لأني كنتُ قد أصدرتُ
وصيةً أن الأشخاص الذين يبلغون حالة الموت، إذا طلبوا الحِلّ وخصوصاً إذا كانوا قد
أَلحُّوا في ذلك مخلصين، يلزم إعطاؤهم الحِلّ حتى ينطلقوا من الحياة في رجاءٍ
بفرح … أعطاه الكاهن جزءاً صغيراً من الإفخارستيا
([130])
وأوصاه أن ينقع هذا الجزء في الماء ويُسقطه في فم الرجل، فعاد الولد حاملاً
“الجزء”.
ولمَّا اقترب الولد وهو لم يدخل بعد المنزل أفاق سيرابيون مرةً أخرى وقال (وهو لم
يَرَ الولد بعد): “ها قد حضرت يا ابني والكاهن لم يحضر … أسرع يا بني واصنع ما
أوصاك به ودعني أنطلق!!”. أمَّا الولد فنقع “الجزء” في ماء وأسقطه في فم الرجل
فبلعه للحال، وللحال أسلم الروح. أليس من الواضح جداً أن هذا الإنسان ظل
محفوظاً (بالنعمة) وأنه لم يصرَّح له بمغادرة الحياة حتى نال الحِلّ!! وأنه انتظر
حتى تُمسح خطاياه حتى تُزكَّى أعماله الصالحة السابقة؟
]([131])

[لا أحد يستطيع أن
يشترك “في المائدة الروحانية” إلاَّ الإنسان الذي دعاه الله والذي استمع
إلى “الحكمة”:
» خذوا كلوا «]([132])

يُلاحَظ أن ديونيسيوس يحاول
أن يطبق مائدة الإفخارستيا على ما جاء في سفر الأمثال (5: 9) بخصوص الحكمة التي
» بَنَتْ
بيتها ونحتت أعمدتها السبعة وذبحت ذَبْحَها ومزجت خمرها ورتبت مائدتها وأرسلت
جواريها لتنادي هلموا كلوا من طعامي
« وهكذا يأتي القديس أثناسيوس الرسولي ويكمِّل التطبيق بوضوح وجرأة
ونعمة.

وهكذا بهذه الأقوال
يكشف لنا القديس ديونيسيوس الكبير بابا الإسكندرية صورة لمفهوم وأوضاع الإفخارستيا
في منتصف القرن الثالث (سنة 246 سنة 265م) أي مدة رئاسته.

ونستطيع أن نجمع الصورة
الآتية من الأقوال المتفرقة التي بقيت لنا من كتاباته:

الكنيسة
كانت تلتف حول أسقفها بمحبة وتكريم فائق، وكان الأسقف يعتبر رعيته كجسده وكأحشائه
وأعضائه المتحدين بنفسه.

إن
الاجتماعات التي كانت تقيمها الكنيسة أيام الاضطهاد لم تكفّ، وكانت الإفخارستيا
تقام في المقابر خلسةً. فكان التئام الجماعة في أي مكان بحضور الأسقف يُعتبر
اجتماعاً مقدَّسا. وتُقام الإفخارستيا
سواء كان في السجن أو في فندق أو في حقل
أو صحراء أو في مركب.

كان
التدقيق على أشده بالرغم من كل هذه الظروف الصعبة، فكان لا يُصرَّح لأحد أن
يقترب إلى المائدة المقدَّسة إلاَّ إذا كان طاهراً جسداً ونفساً.
والنساء
يمتنع عليهن التناول في أيام دورتهن الشهرية.

الصوم قبل التناول يوضحه التدقيق في صوم أسبوع الآلام وخصوصاً ليلة الفصح
حتى قبل الفجر.

مجرد أن
يحضر الإنسان القدَّاس ويسمع صلاة الإفخارستيا ويجاوب بكلمة “آمين”، هذا
يُحسب ممارسة فعلية لحالة تجديد. وكلمة “آمين” في القداس معناها شركة وإيمان
في كل مضمون الصلاة التي قيلت ودخلت آذان الإنسان وقلبه!

كان
المؤمنون يقفون بجوار المائدة المقدَّسة ليأخذوا نصيبهم في الإفخارستيا.

كان
التناول يتم على مرحلتين: الأُولى يستلم فيها المؤمن نصيبه من الجسد المقدَّس في
يده، وبعد ذلك يتناوله هو بنفسه.

كان
التقدُّم إلى المائدة المقدَّسة وهي المائدة الروحانية أمراً تجزع منه النفس
وترتعب إذا أحست أنها غير مؤهَّلة. لأن الشعور كان يحتسبها أنها قدس أقداس: أي
حضرة إلهية بكل تأكيد. لذلك كان المؤمنون يحتاجون التائبون إلى تشجيع لكي
يتقدَّموا.

“الاشتراك
في جسد ودم ربنا يسوع المسيح” كان عمل الأتقياء الذي يداومون عليه بنشاط.

كانت أوشية
الملك تُقال في القداس على الدوام.

كانت أجزاء
من الإفخارستيا تُحفظ في بيت الكاهن لحالات الطوارئ.

من أقوال
القديس ديونيسيوس يتضح إيمان الكنيسة الواضح أن “الحِلّ الذي يناله التائب من
الكاهن”،
ثم “تناوله من الجسد والدم”، هما معاً “يمسحان الخطية”.
وأيضاً يُحسبان ضرورة حتمية لتزكية الأعمال الصالحة السابقة.

كذلك يتضح
من أقوال القديس ديونيسيوس أن نوال الحِلَّ من الخطايا والتناول لازمان
جداً جداً قبل الموت.

واضح أيضاً من الأقوال السابقة أن “نيبوس” أسقف أرسينوي (الفيوم) ألَّف
أبصلمودية للتسابيح داخل الكنيسة
وانتشرت ألحانه وحُفظت وكانت محل موافقة
وتقدير ومديح من ديونيسيوس الكبير بابا الإسكندرية. وذلك كان قبل أيام رئاسة
ديونيسيوس التي بدأت سنة 246م.

وهكذا تكشف لنا سيرة
ديونيسيوس الكبير عن تاريخ بدء ترتيب الألحان الكنسية داخل القداس ووضعها في
كتاب خاص.

 

من سيرة القديس البابا
بطرس خاتم الشهداء

(301
311م)

 

في تشييع جسده:

[وحملوا سعف النخيل
كعلامة للنصرة، ومشاعل (الوقت كان ليلاً) وبتسابيح حلوة، “وبخور عطر الرائحة”
خرجوا محتفلين بانتصاره السمائي، واستودعوا جسده في المقبرة التي كان قد أقامها هو
بنفسه والتي صارت منها عجائب لم تكفَّ …]([133])

[الرب الابن الوحيد،
خالق ما يُرى وما لا يُرى، الكلمة المساوي للآب في الجوهر والروح القدس، ربنا
وإلهنا يسوع المسيح الذي في آخر الدهور وُلد بحسب الجسد من سيدتنا العذراء
على الدوام القديسة والممجَّدة والدة الإله مريم التي هي بالحقيقة والدة الإله،
ورُئي على الأرض كإنسان متحدثاً حديثاً حقيقياً مع الناس…

في ذلك اليوم الذي فيه
كان اليهود على وشك أن يأكلوا الفصح في المساء صُلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح،
فصار بذلك الضحية بالنسبة للعتيدين أن يشتركوا بالإيمان في السر الخاص به (سر
الإفخارستيا)
بحسب ما قاله بولس الرسول:
» لأن المسيح
أيضاً فصحنا قد ذُبح لأجلنا
« وليس كما يقول البعض المساقون بالجهل مؤكِّدين كأنهم واثقون أن
المسيح بعد أن أكل الفصح أُسلم! الأمر الذي لم نتعلَّمه من الإنجيليين الأطهار
ولا أحد من الرسل المباركين سلَّمه لأحد منا! بل إنه في الوقت الذي تألم فيه ربنا
من أجلنا بحسب الجسد لم يأكل من الفصح الشكلي، ولكن كما سبق وقلت، إنه هو نفسه
كحمل حقيقي ذُبح من أجلنا في العيد
الذي هو الفصح القانوني الذي كان في يوم
الجمعة (الاستعداد) الرابع عشر من الشهر القمري الأول. ومن أجل ذلك أبطل الفصح
الشكلي، لأن الفصح الحقيقي قائم
» المسيح فصحنا ذُبح من
أجلنا
« كما قال وعلَّم
بولس الرسول الإناء المختار.]([134])

وهكذا بكل وضوح تتحقق
العقيدة الأرثوذكسية القائلة بأن عشاء الخميس السري لم يكن فصحاً، وأن المسيح بارك
فيه خبزاً عادياً مختمراً الذي صار هو خبز الإفخارستيا.

[نحن نحتفظ بيوم الرب
(الأحد) كيومٍ للفرح، لأن فيه قام الرب من الأموات، وتقليدنا يمنع إحناء الركب في
ذلك اليوم.]([135])

ويُلاحَظ أن مجمع نيقية
أخذ بكلام القديس بطرس خاتم الشهداء وجعله قانوناً عاماً للمسكونة كلها تحت رقم
(20).

 

رابعاً: الإفخارستيا في
مصر

(سنة 318
373م)

القديس أثناسيوس
الرسولي

 

رسالة إلى سيرابيون بخصوص الجسد والدم في الإفخارستيا:

1 [وهنا
أيضاً يستعمل الرب الإصطلاحين فيما يخص نفسه.
الجسد
والروح،

وهو يميز الروح مما للجسد حتى يؤمنوا ليس فقط بما هو منظور منه بل وأيضاً لكي
يؤمنوا بما هو ليس بمنظور. وهكذا يفهمون أن ما يقوله ليس جسدياً بل روحياً، وإلاَّ
فالجسد([136])
إذا أُخذ على أنه طعام فكم يكفي من الناس؟ وإن صار طعاماً فهل يكفي العالم كله؟
ولكن لهذا السبب عينه يذكر الرب صعود ابن الإنسان إلى السماء، وذلك لكي يجذب
أفكارهم بعيداً عن مستوى الجسديات، ومن هنا يستطيعون أن يفهموا أن الجسد الذي
يذكره هو سمائي، من فوق، وأنه طعام روحاني يُعطَى على يديه،
لأن
» الكلام الذي
قلته لكم هو روح وحياة
« وهذا يمكن أن يُقال هكذا: أن ما استُعلن لكم (مني) وما سيُعطى من
أجل خلاص العالم هو جسدي الذي أنا لابسُه، وهذا الجسد والدم الذي منه، سوف
يُعطَى لكم روحياً على يديَّ كطعام حتى ينتقل إلى كل واحد روحياً ويصير
للجميع حافظاً للقيامة التي للحياة الأبدية]([137])

هنا واضح في كلام
القديس أثناسيوس أن الجسد والدم في الإفخارستيا هما جسده الحقيقي ودمه الحقيقي
يمنحان الإنسان انتقالاً روحياً ويهبان الإنسان قوة القيامة العتيدة.

من خطاب إلى مكسيموس
(سنة 371م):

2 [ونحن
نتألَّه باشتراكنا ليس في جسد إنسان بل بتناولنا من جسد “الكلمة” نفسه.]([138])

3 [انظر
أيها الشماس لئلاَّ تعطي جوهرة الجسد الذي بلا خطيئة لغير المستحقين.]([139])

هنا
يتعامل القديس أثناسيوس مع خبز الإفخارستيا المتحوِّل كتعامله مع جسد المسيح الحي
تماماً.

4
[إن هياكلنا الآن، وكما كانت دائماً، طاهرة ومكرَّمة ومزيَّنة بدم المسيح وبعبادته
بالتقوى.]([140])

5 وصف لهجوم
الوثنيين على الكنيسة في الإسكندرية:

[وأخذوا المقاعد، و
“الثرونوس”
([141])
والمائدة التي كانت مصنوعة من الخشب، وستائر الكنيسة
([142])،
وكل ما استطاعوا أخذه أخذوه وحملوا الكل خارجاً وحرقوه أمام الأبواب في الشارع
الكبير وألقوا بالبخور في النار.]([143]).

لاحِظ أن البخور موجود
من قبل عصر البابا أثناسيوس بالضرورة، ومذكور في وصف جنازة البابا بطرس خاتم
الشهداء. إذاً، فهو موجود وله طقسه وصلواته.

6 خطاب
الاحتجاج المقدَّم من شعب الإسكندرية إلى الإمبراطور قسطنطيوس على أعمال
الأريوسيين الوحشية:

[من شعب كنيسة
الإسكندرية الكاثوليكية (الجامعة) الخاضعة لتدبير الكُلِّي الاحترام الأسقف
أثناسيوس، يقدِّمون هذا الاحتجاج العام:

إنه في اليوم التاسع من
شهر فبراير الموافق للرابع عشر من شهر أمشير بينما كنَّا نقيم السهر في “بيت
الرب”، ومهتمين بالصلوات، لأنه كان مزمعاً إقامة تناول (اشتراك) في يوم الاستعداد
(السبت) . وفجأة في منتصف الليل
هجم علينا وعلى الكنيسة الدوق العظيم الشرف
سيريانوس بمجموعات كبيرة من عساكره مسلَّحين بسيوف شاهرة وسهام وحراب وعصي ولابسين
خوذات على رؤوسهم، هذا ونحن كنا بالحقيقة نصلِّي وكانت الفصول تُقرأ، وإذ
بهم يكسرون الأبواب، … ودخلوا حتى إلى الأماكن التي لا يُسمح بالدخول فيها
لأي مسيحي …]
([144])

7 القديس
أثناسيوس يروي القصة بنفسه، في دفاعه لدى الإمبراطور قسطنطيوس:

أ [لقد
هجم سيريانوس على الكنيسة بعساكره بينما كنَّا مشغولين في الخدمة …، إذ كان
سهرٌ تحضيراً للشركة في الغد …
]([145])

هنا يُلاحَظ أن السهر
كان الجمعة مساءً والتناول سيكون السبت صباحاً.

ب في دفاعه
عن سبب هربه:

[وأحاط سيريانوس وأوقف
عساكره على أهبة الاستعداد حتى لا يفرَّ أحد من الكنيسة … أمَّا أنا فجلست
على الثرونوس
([146])،
وأشرت إلى الشماس ليقرأ مزموراً والشعب يجاوبه:
» لأن إلى
الأبد رحمته
«حتى يخرج([147])
الشعب ويذهب كلٌّ إلى بيته، ولكن الجنرال هجم بعنف ودخل الكنيسة وأحاط الجند
“بالهيكل”
([148])
Sanctuary ليتعرَّفوا علينا، والكهنة وبقية
العلمانيين الموجودين صرخوا علينا لكي ننسحب … أمَّا أنا فوقفت وأمرت بالصلاة،
وبعد ذلك رجوتهم في الخروج … ولمَّا كان الجزء الأكبر قد خرج خارجاً
وكان الباقي يتبعونهم، وإذا بالرهبان الذين كانوا معنا وبعض الإكليروس صعدوا
إلينا
([149])
وجرُّونا خارجاً. وهكذا
والحق شاهد علينا بينما كان العسكر واقفين أمام الهيكل والآخرون

كانوا يجوبون الكنيسة مررنا بينهم تحت قيادة
الله وعنايته، وانسحبنا دون أن يلحظنا أحد …]([150])

يُلاحَظ في الأصل
اليوناني أنه يذكر أن الثرونوس موجود في مكان اسمه
ƒerate‹on
أي الهيكل، وهو المكان المخصَّص للإكليروس
([151]).

8 [وواحد
من شبان الآريوسيين المنحلِّين دخل الكنيسة وتجرَّأ وجلس فوق “الثرونوس” وأخذ
يُخرج أصواتاً بذيئة، وقام وأراد أن يجرَّ
الثرونوس ليقلبه ولم يَدرِ أنه يجرُّ على نفسه غضب
الله، كما تجرَّأ قديماً أهل قرية أزوتس (أشدود) ومسكوا “التابوت”
الذي لم يكن يحِلّ لهم حتى
ولا أن ينظروه، فكان جزاؤهم أنهم ضُربوا
بالبواسير ضربةً شديدة، هكذا حصل لهذا الشاب، فحينما جرَّ الثرونوس مُريداً أن
يحمله وقع عليه وضربه في أحشائه وقضى على حياته.]([152])

وهنا نلاحِظ أن القديس
أثناسيوس يعطي لكرسي البطريرك تقييماً مهيباً ويرفعه إلى مستوى قداسة الأدوات التي
كانت داخل قدس أقداس بيت الله قديماً. كما نلاحِظ أن الثرونوس كان من الخشب العادي،
وكان يمكن حمله وجرّه، ولأنه كان على درجة أعلى من مستوى الأرض، لذلك كانت أية
محاولة لجرِّه كفيلة بأن تجعله ينكفئ ويقع هكذا.

9 ويصف
القديس أثناسيوس الإفخارستيا في إحدى مقالاته هكذا:

[هذه هي الذبيحة غير
الدموية التي للشفاعة.]
([153])

10 وفي وصف
القديس أثناسيوس لأعمال أحد أتباع آريوس العلمانيين واسمه استيريوس، وكان قد ذبح
للأوثان أيام الاضطهاد، يأتي القديس أثناسيوس ضمناً على ذكر المكان المخصَّص
للكهنة في الكنيسة (الهيكل):

[ومن جرأة هذا الرجل
كان يحشر نفسه في الأماكن الممنوعة على العلمانيين، فكان يجلس في مكان
الإكليروس
.]([154])

11[وهكذا بواسطة الاعتراف المصحوب بالتوبة على يدي كاهن، فإنه ينال المغفرة بنعمة
المسيح.]
([155])

واضح هنا أن الاعتراف
والتوبة لمغفرة الخطايا على يد كاهن هما عقيدة كنسية ثابتة في زمن القديس أثناسيوس.

12دفاع
القديس أثناسيوس لدى الإمبراطور قسطنطيوس:

بخصوص التهمة التي
وجهها الآريوسيون إلى القديس أثناسيوس أنه أرسل كاهناً يُدعى مكاريوس إلى مريوط
فدخل إلى كنيسة للآريوسيين وحطَّم كأس الإفخارستيا.

[وبخصوص
الكأس الخاصة بالأسرار، ماذا كانت هذه الكأس وأين كُسرت بواسطة
مكاريوس؟ … ألا يخجلون من عرض الأسرار
المقدَّسة أمام الموعوظين؟
وما هو أردأ أيضاً
أمام الوثنيين؟ أما كان يجدر بهم أن يستمعوا إلى ما هو
مكتوب:
» إنه
جيدٌّ أن نحتفظ بسر
الملك «(طوبيا 7: 22)؟ أو كما أوصانا الرب: » لا تُعطوا
القدس للكلاب ولا ترموا درركم أمام الخنازير
«(مت
6: 7)؟
أما كان يجب علينا أن لا نستعرض ونشهِّر بالأسرار المقدَّسة أمام غير المعمَّدين حتى لا يسخر منها
الوثنيون ولا نُعثر الموعوظين؟
فالمكان
الذي

يقولون أن الكأس كُسرت فيه لم يكن كنيسة،
ولم يكن هناك كاهن يرعى المكان،
واليوم الذي
قالوا إن مكاريوس عمل فيه هذا الأمر لم يكن يوم الرب، إذاً، فلم تكن
هناك كنيسة
إذ لم يكن موجوداً مَنْ يتمم الخدمة المقدَّسة ولا كان هذا
اليوم يحتاج إلى كأس، فكيف تكون هذه كأس
أسرار؟ وأين وكيف كُسرت؟ توجد كؤوس كثيرة في البيوت الخاصة
والأسواق، وإذا كسر إنسان كأساً مثل هذه فلا
يُقال عنه أنه “بلا تقوى”. أمَّا الكأس التي تخدم الأسرار فهذه وحدها إذا كُسرت
وكُسرت عن عَمْدٍ، فكاسرها يُدعى “بلا تقوى”. ومثل هذه الكأس يلزم أن تكون موجودة
في حيازة أشخاص قانونيين، وهؤلاء يكونون قد استلموها بمقتضى القانون الكنسي،
([156])
بحيث تكون في حيازة مَنْ يرأس الكنيسة
الكاثوليكية
(الجامعة) لأن لهم
وحدهم يحق أن يوزِّعوا دم المسيح وليس آخر
معهم.

وكيف يبكون على (كسر) “كأس”
مَنْ يَسْعَون لقتل الأسقف([157])
الذي يقيم الإفخارستيا بواسطته؟

وكيف يبكون على فقد ثرونوس
مغطَّى بغطاء أسقفي
([158])
مَنْ يسعون إلى قتل الأسقف الذي يجلس عليه، حتى يبلغوا قصدهم أن يبقى الثرونوس
بدون أسقف، ويبقى الشعب بدون التعليم الإلهي الصحيح؟]([159])

13[وبجوار
الثرونوس عن يمين ويسار مقاعد الكهنة.]
([160])

14 [يقول
الرب “تقدماتي هي عطاياي” (عد 2: 28 ترجمة سبعينية)([161])،
أي أن الذي تقدمونه لي هو أصلاً عطيتي لكم، فلنقدم له كل فضيلة وقداسة التي هي فيه.
وفي التقوى نحفظ العيد([162])
له بالأشياء التي قدَّسها لنا…

فلتكونوا أرفع من
الوثنيين في حفظ العيد بإخلاص النفس وطهارة الجسد، وأرفع من اليهود، لأنكم لستم
بعد تتناولون المثال والظل بل كأناس استنرتم بالمجد بنور الحق في بيت واحد في
الكنيسة الجامعة لنأكل فصح الرب
([163]) الذي وقد
أسس قانونه المقدَّس
([164])
قادنا إلى الحق، وأعطانا
مشورة التعفُّف والإمساك في هذا العيد، لأن الفصح هو
بالحقيقة إمساك عن الشر لنتمرَّن على الفضيلة … لأنهم قديماً جاهدوا ليعبروا مصر
حتى يبلغوا أورشليم، أمَّا نحن (فبفصح الرب) نعبر من الموت إلى الحياة، هم
انتقلوا من سلطان فرعون إلى موسى ونحن ننتقل من الشيطان إلى المخلِّص.
وكانوا قديماً يقيمون تذكار هذا الخلاص كل سنة، هكذا نحن الآن نذكر خلاصنا … علينا
أن نصلِّي حتى لا نأكل الفصح بغير استحقاق، لئلا نتعرَّض للخطر لأن الفصح بالنسبة
للذين يحفظون العيد بطهارة يكون طعاماً
سماوياً،
أمَّا كونهم يمارسونه
بنجاسة أو استصغار فهذا يكون
خطراً
وتوبيخاً لأنه مكتوب: «كل مَنْ يأكل ويشرب بدون استحقاق يجرم في موت الرب».

لذلك
ينبغي أن لا “نقيم طقوس العيد” كيفما اتفق، ولكن علينا أن “نستعد لكي
نقترب من الحَمَل السمائي”
وأن “نلمس الطعام السمائي”، فلنغسل أيدينا([165])،
ونطهِّر أجسامنا
ونحفظ العقل من أي شر … حتى إذا كنا كلنا أطهاراً نستحق
أن “نتناول من الكلمة”
]([166])

15
[والآن يريد الرب أن يُقام الفصح (الإفخارستيا) في كل مكان «لأن في كل مكان
يُقدَّم لي بخور وذبيحة»
([167])والمسيح المخلِّص بينما هو يغيِّر
ما كان “مثالاً”، إلى ما هو “روحاني”
وعدهم أنهم لن يأكلوا بعد لحم خروف وإنما
لحمه هو
قائلاً: «خذوا كلوا واشربوا هذا جسدي ودمي» فحينما نغتذي
نحن بهما
نكون يا أحبائي قد حفظنا عيد الفصح.]([168])

16 [أمَّا
هم فكانوا يحفظون العيد بأن يمتلئوا بلحم الخروف الأخرس ويمسحوا قائمتي
الباب والعتبة بالدم ملتمسين المعونة ضد
المهلك، أمَّا
الآن فنأكل من “كلمة الآب” خاتمين عتبة القلب بدم العهد الجديد.]([169])

17 (سنة
339م):

[عظيمةٌ
هي جماعة ملكوت السموات، لأن ألوف ألوف وربوات ربوات يخدمون الرب هناك.]([170])

18 (سنة
339م):

“الذبيحة”
لا تُقدَّم في مكان واحد، ولكن
» في كل أُمة يُقدَّم بخور وذبيحة طاهرة لله «[171])، وكذلك من الكل وفي كل مكان يرتفع تسبيح وصلاة للآب الصالح
والمنعِم عندما تقيم
الكنيسة الجامعة الموجودة في كل مكان معاً، نفس الخدمة لله
ببهجة وسرور عندما يشترك كل الناس في
إرسال ترنيمة التسبيح ويقولون “آمين” … حينئذ تسقط أسوار كل قوة شريرة مثل
أسوار أريحا، وحينئذ تنسكب عطية الروح القدس بغنى على كل الناس.

… لأنه هو رب
المخلوقات “وهو أيضاً موضوع هذا العيد”([172])
غير المائت.

لأن المسيح فصحنا قد
ذُبح لأجلنا، لذلك إذ قد ذُبح، فعلى كل واحد منا أن يغتذي به، وبغيرة ونشاط نتناول
منه كمعين.
لأنه يُعطى للجميع بلا حدٍّ، وهو في كل واحد
» ينبوع ماء
ينبع إلى حياة أبدية
«

ونعطي
المجد لله قائلين: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه…
]([173])

هنا يتجه فكر القديس
أثناسيوس إلى مفهوم ذبيحة الفصح أنها ذات أثر خلاصي فعَّال بالأكل منها! بجوار
أثرها الفعَّال للخلاص كذبيحة مقدَّمة للآب بدم الابن.

19 يسمَّى
عيد الفصح “العيد المخلِّص”([174])
(عيد الفصح الذي للخلاص).

20 [ونحن
نغتذي بكلمات الحق ونشترك في تعاليمه الحية، حتى نستطيع بعد ذلك أن نتقبَّل أفراح
السماء، لأنه كما دُعي تلاميذه إلى العِلِّية هكذا يدعونا “الكلمة” معهم إلى
الوليمة السمائية غير الفاسدة
]([175])

21 [لأن
الفردوس أُغلق منذ أن طُرد آدم من أفراحه، وعُيِّن الشاروبيم بسيف لهيب نار
متقلِّب ليحرس طريق شجرة الحياة، أمَّا الآن فقد فُتح واسعاً. لأن الجالس على
الشاروبيم ظهر بفرح عظيم
ورحمة وأخذ اللص الذي اعترف ودخل السماوات كسابق من
أجلنا فاتحاً الأبواب للجميع …
» ولكن قد أتيتم إلى جبل
صهيون وإلى مدينة الله الحيِّ أورشليم السمائية، وإلى ربوات بلا عدد هم محفل
ملائكة، وإلى جماعة عظيمة وكنيسة أبكار مكتوبة أسماؤهم في السماء
« فمن ذا الذي لا يشاء أن يشترك في هذه الشركة
العالية التي لهؤلاء؟…]
([176])

من أجل الاستحلام
الليلي، خطاب إلى القديس آمون رئيس نتريا:

22 [لأنه
بالنسبة للموضوع الذي سبق وأن تكلَّمت عنه الذي يشتِّت أفكار النسَّاك من تأملاتهم
السلامية اليومية حتى ظهر وكأنه قد غلبهم، فالعدو يثير مثل هذه الأفكار المربِكة
مع أنها بلا أية قيمة من جهة الحياة، ويضع أمامهم أسئلة بلا أي معنى ونزاعات ينبغي
أن يتركها الإنسان ويهملها، لأنه هل تخبرني أيها الصديق التقي المحبوب ما هي
الخطيئة أو ما هي النجاسة في الإفرازات الليلية؟ إنه فقط يمكن أن نقول: إذا كنا
نقترف خطية فإن هذه نجاسة، ولكن إذا حدث إفراز جسدي بدون إرادة الإنسان، فنحن
نعتبر ذلك أنه حاجة الطبيعة.]
([177])

23 [ونحن
نعلم أنك بمقتضى اعتراف إيمانك ترغب أن تمسك بالتقليد الرسولي وتعيش بحسب وصايا
الناموس الإلهي،
حتى نُوجَد نحن معك أيضاً في الجماعة التي هي الآن تضم البطاركة
والأنبياء والرسل والشهداء
في الابتهاج … وقد استلمنا الكتب التي هي من عمل
حكمتك العالية ونفسك التقية والتي فيها رأينا صورة رسول وثقة نبي وتعليم الحق،
تعليم الإيمان الحقيقي، طريق السماء، ومجد الشهادة والظفر على الآريوسية وتقليد
الآباء بلا أدنى نقص، والقانون الصحيح لنظام الكنيسة …]([178])

24 [وأنا
أعلم وأؤمن أن الرب نفسه سيعوضك بالعِوَض الذي في ملكوت السموات …

ونحن نسأل الرب في
الصلاة لكي برحمته يتراءف وينظر من عُلُوِّه إلى الكنيسة الجامعة
وينجِّي خدَّامه
من أيدي المضطهدين، ولكي يقوم كل الذين سقطوا بسبب الخوف الوقتي، ويعودوا إلى
طريق التقوى،
ويردهم من طريق الضلالة.]([179])

25
[وعندما سمع بذلك الأسقف أَلِكْسَنْدر([180])
حزن حزناً عظيماً، ودخل الكنيسة رافعاً يديه إلى الله معطياً الويل لنفسه، وسقط
على وجهه داخل الهيكل وصلَّى وهو واقع على الرصيف([181]).]([182])

26 القديس
أثناسيوس يشير إلى أن تسبحة الشاروبيم كانت قد انتشرت في أيامه في كل كنائس الشرق
والغرب([183])
ويُسمى: الساروفيمان “الحيوانان الكريمان”([184]).
وهذا الوصف نجده وارداً في قداس القديس مرقس الرسول. والعلاَّمة الإسكندري ديديموس
الضرير يقول عنهما
» يسبِّحون بأفواه لا تسكت وأصوات لا تهدأ «[185]) ويقول
عنهما القديس إيسيذوروس البيلزيومي:
» الممتلئون أعيناً. «[186])

ويُلاحَظ أن هذه
الأوصاف جميعاً ترديد لما هو وارد في قداس القديس مرقس الرسول.

يوم الخميس 13 يونية
سنة 356م.

27 [واجتمع
الشعب في الكنيسة الكبيرة([187])لأنه كان يوم الأربعاء … وفي اليوم التالي دخل القائد هيراكليوس ومعه
والي البلاد وجماعة غوغاء من عابدي الأوثان وهجموا على الكنيسة … وكان وقت
الانصراف
dismissal قد حان]([188])

كان طقس الإسكندرية
يحتِّم على الشعب حضور الكنيسة يومي الأربعاء والجمعة لسماع القراءة والوعظ
والانصراف بدون قداس.

القديس أثناسيوس يكتب
عن أهمية الوعظ بعد الإنجيل في القداس، موبِّخاً الأسقف دراكونتيوس لأنه أراد أن
يتخلَّى عن وظيفته:

28 [والآن
وقد صِرْتَ أسقفاً والشعب ينتظر أن يتغذَّى على يديك وحدك من تعاليم الكتب
المقدَّسة،
فأي عذر يكون لك عندما يأتي الرب يسوع ويجد خرافه تعاني المجاعة
بسبب عدم التغذية.]([189])

ويقول سوزومين المؤرِّخ:

29 [منذ
أيام آريوس مُنع الكهنة من الوعظ في مدينة الإسكندرية، وصار الأساقفة وحدهم هم
المسئولين عن الوعظ
].

وكان في هذا الوقت
بالذات أيام القديس أثناسيوس الرسولي لا يوجد وعظ على الإطلاق في روما لا بواسطة
أساقفة أو كهنة، حسب شهادة سوزومين، حتى إلى أيام البابا لاون، أي أوائل

القرن
الخامس([190]).

30 يمتدح
القديس غريغوريوس النزينزي بثناءٍ كثير القديس أثناسيوس الرسولي، لأنه حينما كان
يعظ كان يراعي أن يتوافق دائماً مع مستوى سامعيه([191]).

31 وكان
التقليد لدى الإسكندرية منذ أيام ما قبل كليمندس وأوريجانوس وحتى أثناسيوس ومَنْ
بعده، أن يختموا العظة بالذوكصا للثالوث الأقدس، وذلك بحسب تحقيق القديس باسيليوس([192]).

32 وكان
القديس أثناسيوس وكل الأساقفة في مصر يعظون وهم جالسون وفي النهاية يقفون للذوكصا
والصلاة ويقف معهم الشعب بأجمعه([193]).

من خطاب إلى أرسيزيوس
رئيس أديرة باخوم في نياحة ثيؤذوروس:

33[أطلب
إليكم جميعاً أن تصلُّوا معاً لكي يمنح الرب سلاماً للكنيسة.]
([194])

34 [ويوجد
أسفار أخرى بجوار هذه (الأسفار القانونية)، وقد عيَّنها الآباء لكي يقرأها الذين
ينضمون حديثاً إلينا والذين يريدون معرفة بكلمة الحق: حكمة سليمان وحكمة سيراخ
وأستير ويهوديت وطوبيت وتلك التي تُدعى “تعاليم الرسل” (الديداخي) والراعي.]([195])

القديس أثناسيوس يثبت
بطلان التهمة القائمة ضد الكاهن مكاريوس أنه اقتحم الكنيسة وكسر كأس الإفخارستيا:

35 [وكيف
يمكن تقديم الصعيدة والموعوظون موجودون؟ يتحقق من هذا أنه لم يكن وقت تقديم
الصعيدة لأن الموعوظين كانوا موجودين.]([196])

وفي دفاعه أيضاً ضد نفس
الإدعاء معتمداً على أن علمانياً لا يمكن أن يقيم ذبيحة:

36 [أن
قوانين الرسل لا ينبغي أن تُطرح هكذا جانباً.]([197])

37 [هذا
ليس قانوناً كنسياً ولا هو تقليداً انتقل إلينا من الآباء قط، أولئك الذين استلموه
بدورهم من الرسول العظيم بطرس المطوَّب.]([198])

38 [لقد أشعلوا
النار في المعمودية المقدسة
وفي أجزاء من الكنيسة … وقبائح أجروها فوق
المائدة المقدَّسة … واقتحموا مخازن الأباركة والزيت وقلعوا قضبان
الهيكل
([199])
والشمعدانات المثبتة في الحوائط …
وعرَّوا العذارى … وكان بينهن عذراء تحتفظ
بكتاب الأبصلمودية في يديها
فتمزَّق الكتاب في يديها بينما هم يضربونها.]([200])

39 يقول
المؤرِّخ سوزومين إنه سمع أن رئيس الشمامسة في طقس الإسكندرية كان له الحق وحده أن
يقرأ الإنجيل، وأثناء قراءة الإنجيل لا يقوم الأسقف عن كرسيه بخلاف كل عوائد
الكنائس الأخرى
([201]).

40 وأمَّا
القديس إيسيذوروس البليوزيومي سنة 450م (بالوظة أي الفرمة
بجوار بورسعيد الآن)، فيقول: إن وقت قراءة الإنجيل يقوم الأسقف عن كرسيه ويخلع
الأموفوريون احتراماً للإنجيل
([202]).

41 [وإن
المزمور الخمسين (الذي هو الواحد والخمسون في تقسيمنا الآن) هو مزمور
اعتراف
™xomolog»sewj.]([203])

إلى المعمَّدين الجدد:

42 [كما
سترون اللاويين (الشمامسة) يُحضرون أرغفة الخبز وكأس الخمر ويصعدونهما على المائدة.
وطالما لم تبتدئ التوسلات والصلوات فالموجود هو مجرد خبز وخمر. ولكن بعد
الصلاة الكبيرة يصير الخبز جسد ربنا يسوع المسيح والخمر يصير دمه.

ولنأتِ الآن إلى صلوات
تكميل الأسرار، فطالما أن الصلوات والتوسلات لم تبدأ، فهذا الخبز وهذا الخمر هما
ساذجان أي مجرد خبز وخمر ولكن بعد أن تُتلى الصلوات
الكبيرة والتوسلات المقدَّسة ينزل “الكلمة” في الخبز والخمر فيكون جسد الكلمة.]([204])

[إذا سُئل المسيحي
لماذا نصلِّي ناحية الشرق؟ فيكون الجواب بالنسبة له كالآتي: لأننا ننظر
ناحية الفردوس
متوسلين إلى الله أن يردَّنا إلى وطننا الأول الذي خرجنا منه.

أمَّا إذا كان السائل
رجلاً وثنياً فيكون الجواب بالنسبة له كالآتي: لأن الله هو النور الحقيقي. لذلك
فحينما نتَّجه ناحية مصدر النور المخلوق نعبد خالق هذا النور.

أمَّا إذا كان السائل
رجلاً يهودياً فيكون الجواب بالنسبة له
كالآتي: لأن
الروح القدس قال بواسطة داود (مز 7: 132)
» اسجدوا ناحية
موطئ قدميه!
أي ناحية ميلاد الرب المكان الذي عاش فيه وصُلب وقُبر وقام ثانية
وصعد إلى السموات، ناحية المشارق
«(مز 34: 68 حسب السبعينية).]([205])

 

أقوال القديس أثناسيوس
الرسولي عن الإفخارستيا وليتورجيتها

(مع إعادة ترتيبها حسب
وضعها في القداس)

 

أولاً: الكنيسة والخدمة
فيها:

(أ) الكنيسة، (ب)
خدَّامها، (ج) شعبها.

(أ) الكنيسة:

[إن البيت الذي أؤتمنتَ
عليه أيها الأسقف هو “بيت السماء” الكنيسة التي على الأرض التي قال عنها
يعقوب: إن هذا هو «بيت الله»، وهذا هو «باب السماء».

لأن جميع الملائكة
الذين يأتون من عند الله يتقدمون أولاً إلى الكنيسة “ويمجِّدون” بيت الله «الذي
على الأرض».
]([206])

والتسبحة السنوية تقول:
[السلام للكنيسة بيت الملائكة] وهو تحمل من المعنى.

[اسمع لأُعرِّفك كيف
ينبغي أن تمجِّد الكنيسة بكل مخافة، لأنها مبنية في السموات. فإن كان الجبل
الذي وقف عليه الرب (في سيناء) دفعة واحدة عندما أعطى الناموس للشعب قد «انتقل»
إلى حالٍ آخر أفضل بالطهر، إذ صار الموضع الذي تحت قدميه مثل عقيق وأسمانجوني مثل
السماء في قدسه، فكم بالحري الموضع([207])
الذي يقف عليه كل يوم
.]([208])

[لأن موسى قال: أنا
خائف ومرتعد، لأن هذا هو الموضع الذي يقوم فيه الرب،
وداود أيضاً يعرف هذا إذ
قال: أنت مخوف يا الله، مَنْ الذي يستطيع أن يقف أمامك … لذلك لا يقترب إلى
المذبح إلاَّ الذي اختاره الرب لهذه الخدمة،
وهذا يخدم بخوف ورعدة.]([209])

[لأن
افتخار المدينة هي الكنيسة، واسمها قد ملأ كل الأرض والسماء أيضاً، لأنها
صارت في مرضاة عريسها المسيح، هذه، التي لم يشفق هو على ذاته من أجلها، ولكن بذل
نفسه عن خرافها.]([210])

[لأن بسبب (الكنيسة)،
السماء تفرح معنا وكل كنيسة الأبكار المكتوبة في السموات تفرح معها.]([211])

(ب) خدَّام الكنيسة:

[كل مَنْ كان تحت ظل
المذبح الذين هم الأساقفة، الكهنة، الشمامسة، النصف شمامسة، الأغنسطسيون، المرتلون،
البوابون. لأنه بسبعة أعمدة دعَّمت الحكمة بيتها، وسبعة أرواح الله الكاملون …
هؤلاء الذين دعاهم زكريا النبي سبعة أعين الله … هؤلاء السبع طغمات هم سبع عيون
البيعة،

فالآن أيها الأسقف،
اعلم أن البيعة ليست ثابتة عليك وحدك بل بالست رتب الأخرى التي في البيعة([212])،
فلا ترفضوهم ولا تحتقروهم، بل كرِّموهم لأنهم شركاؤكم والخدام معكم … فهل
علمتَ أيها الكاهن أن أعضاءك هم البيعة
([213])؟
فاهتم بها كاهتمامك بجسدك …
فأنتم سبعة أعين الله، فاخدموا خدمة الله جيداً
كل واحد في رتبته من الأسقف إلى البواب عالمين أن موهبة الله هي التي أدركتكم، إذ
لا يجسر أحد أن يلمسكم كقول زكريا النبي أن مَنْ يمسُّكم هو كمن يُمسُّ حدقة
“عينه”. أنتم “أعين” البيعة،
فماذا تقول أيها الكاهن من أجل الاسم الذي
استُودِعته وشكل الله الذي أنت لابسه؟ وإذا لم يخدم الأسقف المذبح كاستحقاق
مجده (ومجد المذبح من كرامة خدَّامه)، ولكن يحتقر القسوس، والقسوس
يحتقرون الشمامسة، والشمامسة يحتقرون الشعب، ويكسل كل واحد عن عمله، فماذا تقول؟
هل الله يسكت إلى الأبد؟]([214])

[الأساقفة لأنهم لا
يُقامون بشيء (رشوة)، من أجل هذا ينبغي أن يكونوا بكل كرامة الله، فلتُضاعَف لهم
الكرامة وبخاصةً الذين يتعبون في الكلام والتعليم]([215])

[فالآن الهيكل
والمذبح المقدَّس لا يجب لأحد أن يقترب إليهما إلاَّ الذين يتطهَّرون كما يليق
“بالموضع المقدَّس”
topoc eqouab من أجل هذا أيها الكاهن، قد أُعطي لك أن تتسلَّط على هذا جميعه،
لذلك يريدك الله أن تكون بغير خطية، فابتعد من الأخذ والعطاء لأن بهذه تأتي
الخطايا، تفرَّغوا واعلموا أني أنا الله.
]([216])

[لأن مَنْ تقدَّم قط
إلى المذبح بدون خوف ونجا؟
» عزَّة «مد يده بغير
طقس ومسك تابوت عهد الرب ولذلك أهلكه الرب ومات للوقت قدام الرب، وقورح وداثان
وأبيرام ابتلعتهم الأرض هم ورجالهم بسبب أنهم اشتهوا مجد الكهنوت. فالله يريد بهذا
أن يعلِّمنا المخافة الكائنة في المذبح والمخافة الكائنة في أواني([217])
المذبح، كما قيل إن الرب كلَّم موسى وأليعازار قائلاً: خذ النحاس الذي قدَّموه
قدام الرب (المجامر) من وسط الرجال المحترقين([218])،
لأنهم ظهروا([219])
بنفس خاطئة وقدَّموها قدام الرب.]([220])

[إنما الكهنة قد
اختيروا ليكونوا أطهاراً أكثر من الشعب،
وأن تُعطَى لهم القرابين ليكونوا أطهاراً
مصلِّين عن الشعب،
طالبين عن خطاياهم، فإذا أخطأ الكاهن مثل الشعب فمَنْ الذي
يصلِّي عن الشعب، لأن شعباً كهنته أنجاس لا تكون له صلاة تصعد إلى الله كما قيل
إن الرب لا يسمع صلاة الخاطئ،
لأن عشرات المرات أتى غضب الله على الشعب في
البرية وكان قريباً أن يستأصلهم، ولكن موسى صلَّى عليهم والرب صرف غضبه عنهم. وهكذا
أشفق الله على الشعب الخاطئ من أجل إنسان واحد صدِّيق لم يُحزن قلب الله.
]([221])

[فإن كنت ساهراً عن
الشعب ومُصلِّياً عليهم، فبالحقيقة أنت ستُحاسَب (يقصد: “تُكافأ”) عن أنفسهم،
هؤلاء الذين أكلت قرابينهم. وإن لم يكن لك هذا وتكاسلت، فكيف وبأي نوع تُحاسَب
عنهم، وإذا كنتَ لم توجد شفيعاً لهم في أتعابهم فلا يحل لك أن تأكل قرابينهم …
فإن كنت لا تقدر على مثل هذا، فلماذا حملتَ هذه الدينونة العظيمة عليك، هل من أجل
ربح مُهان؟

لهذا يقول الرب: فليتطهَّر
الكهنة القريبون من الله لئلاَّ يُهلك الرب قوماً منهم.

ولماذا تنظر إلى المذبح
والبخور بعين غير محتشمة؟ … ما أرهب الوقوع في يدي الله الحي … فالآن
الذي يريد أن يلتصق “بالمذبح بخوف”، فلْيَسْعَ كاستحقاق الموضع المقدَّس.

وقد قلتُ مرة أخرى إنه
ليس أحد من الناس خدم المذبح بنجاسة ومات موتاً حسناً([222]).
كل مَنْ ازدرى بالمذبح مات موتاً ردياً؛ هو المذبح أي ذبَّاح، فهو محل الأفراح
لمَنْ يُمسك بنواميسه، ولكنه هلاك لمَنْ يتوانى بسبب الخوف الكائن فيه.
فإن
كانت لك القدرة أن تمشي بحسب قوانين الرسل فسوف تنال الكرامة معهم، وإن كان
ليست لك القدرة فاهرب بعيداً.]

[انظر أيها الشماس
لئلاَّ تُعطي جوهر الجسد الذي بلا خطيئة لغير المستحقين.]([223])

[ثياب الكهنة التي
يقدِّسون بها تكون بيضاء مغسولة، وتوضع في خزائن([224])
في الموضع المقدَّس إلى الوقت الذي يتقدَّمون فيه إلى المذبح فيجدونها في الموضع
المقدَّس في الخزانة التي تُحفظ فيها الأواني، كما أُمِرَ حزقيال النبي.]([225])

[الكهنة يجلسون في مكان
الإكليروس
ƒer£teion([226])
ومقاعد الكهنة بجوار الثرونوس (أي كرسي الأسقف) عن يمين ويسار.
]([227])

[الثرونوس يكون مغطَّى
بغطاء أسقفي (أي له شكل ورسم ولون (أحمر) خاص؟).]([228])

[البوابون فليقيموا على
الأبواب الخارجية يحرسونها، وأمَّا الشمامسة فيحرسون أبواب المكان المقدَّس جيداً،
وإذا دخل واحد بغير حشمة بغير معرفة البوابين، يعزله الشمامسة المتفرغون لهذا
الأمر، ويجعلونه مع الموعوظين.]([229])

[البوابون أيضاً،
فليُقيموا على الأبواب كل يوم هؤلاء الذين يحفظون أبواب موضع الدخول ويحرسون أبواب
الموضع المقدَّس (من الخارج)، هؤلاء الذين تعطيهم الكلمة «طوبى للذين يحفظون
عتبات موضع الدخول»
([230])
ويحرسون الموضع المقدَّس في الليل، ولا يدعون المصباح ينطفيء طول الليل، وهل
الله يحتاج إلى نور سراج؟ لا، لأنه نور العالم ونور الأنوار، وليعلم البواب أنه
مثل العين في الرأس وهو السراج السابع في عدد السُرُج المقدَّسة التي للمنارة،
إذ
قد رآها زكريا النبي وقال: إني رأيت منارة ذهب جميعها، التي هي الكنيسة، وعليها
مصباح الذي هو المسيح.
]([231])

[والشمامسة فليتفرقوا
على الشعب طائفتين يساعدون بعضهم البعض، والبوَّابون يحرسون الباب الخارجي وعند
الباب
الثاني، لكي لا يكون اختباط في الباب الخارجي،
والشمامسة يساعدون الأمنوتين أي البوابين … اصنعوا هذا جميعه لتتمجَّد كلمة الله،
والشعب يسمع بهدوء، ويكون صمت في البيعة كلها حتى يكمِّلوا كلمة الله بالبركة.]([232])

(ج) شعبها:

[لا يكسل أحد من
المسيحيين عن القداسات في السبت والأحد.]([233])

[ونحن نجتمع يوم السبت
لا كأننا متأثرون بالسبت اليهودي، ولكن لكي نعبد يسوع رب السبت.]
([234])

[وكذلك أيضاً في صوم
الأربعاء والجمعة يجب على الذين في المدينة أن يأتوا إلى البيعة في كل يوم.]([235])

[وفي أعياد الشهداء،
لتكن باحتفاظ عظيم وترتيب عظيم، ولتُعْمَلْ لهم “اجتماعات” ويُقيموا الليل
كله ساهرين في التزمير والصلوات والقراءة الطاهرة.
]([236])

[إن شعب كنيسة
الإسكندرية الكاثوليكية (الجامعة) الخاضعة لتدبير الكلي الاحترام الأسقف أثناسيوس
يقدِّمون هذا الاحتجاج العام: إنه في اليوم التاسع من شهر فبراير (الشتاء) الموافق
للرابع عشر من شهر أمشير، بينما كنَّا نقيم السهر في بيت الرب ومهتمين بالصلوات،
لأنه كان مزمعاً إقامة تناول (الاشتراك) في يوم الاستعداد (السبت). وفجأة وفي نصف
الليل … وكانت الفصول تُقرأ
(قداس
الموعوظين قد ابتدأ) وإذا بهم يكسرون الأبواب…]([237])

[لأنه كان سهر تحضير
للشركة
في الغد (السبت)].

انظر أيها القارئ كيف
كانت الكنيسة في منتصف القرن الرابع تحضِّر للشركة بالسهر طول الليل!! لقداسي
السبت والأحد؟

[واجتمع الشعب في
الكنيسة الكبيرة (كنيسة البابا ثيئوناس) لأنه كان يوم الأربعاء.]([238])

[وكان بينهن عذراء
تحتفظ بكتاب الأبصلمودية
في يديها فتمزَّق الكتاب في يديها بينما هم يضربونها.]([239])

انظر أيها القارئ
اهتمام الشعب باقتناء الأبصلمودية في القرن الرابع.

[ولكن علينا أن نستعد
لكي نقترب “من الحَمَل السمائي” أن نؤهَّل لنلمس الطعام السمائي،
فلنغسل أيدينا([240])
ونطهِّر الجسم ونحفظ العقل من أي شر حتى إذا كنَّا كلنا أطهاراً نستحق أن
نتناول من الكلمة.
]([241])

أمَّا
الفرق الوحيد بين يوم السبت ويوم الأحد عموماً فقد حدده مجمع اللاذقية في أن
المسيحيين ليسوا مُجْبَرين على الراحة وتوقيف الأعمال يوم السبت كما هو الحال يوم
الأحد. ([242])

ثانياً: بدء الخدمة:

[يحب على الكهنة أن يخدموا
المذبح بالطهر وبالبخور الطاهر النقي الذي يبخره القسيس حول المذبح وحول نفسه
ببهاء الروح القدس، …
ليست (أدوات المذبح) بعد فضة أو ذهباً أو حجارة أو
خشباً، أليست هي روحانية لأن الرب قائم على المذبح؟ كذلك المذبح نفسه وإن كان
من خشب أو حجارة أو فضة أو ذهب فإنه ليس ميتاً كطبعه الأول بل حي، هو روح لأن الله
الحي قائم عليه!! والملائكة محيطون بالمذبح! …
لهذا على القسوس أن يتطهَّروا
بكل طهارة عند اقترابهم من المذبح الذي قُسِّم عليه الجسد المقدَّس والدم المحيي، ولأنه لا يمكن أن يبقى المذبح بلا ملاك في
وقت
من الأوقات ولا
إلى لحظة يسيرة.]([243])

[لا يقلق أي لا يستعجل
أحد الكهنة عندما يريد أن يقدِّس قبل أن يجتمع الشعب ويسمعوا هلليلويا([244])!!
ولكن طوِّل روحك أيها الكاهن حتى يجتمع الشعب.]([245])

[إذا تأخر أحد الكهنة
وجاء بعد قراءة المزمور، لا يُعطَى له من خبز الأنصبة بل يأكل فقط([246])،
أمَّا إذا كان بقية الكهنة والشمامسة “قد وقفوا على الهيكل”([247])
قبل أن يأتي، فلا يمضي بالمرة إلى موضع الأكل معهم.]([248])

واضح هنا أن بداية
الصلاة تبدأ بكلمة “هلليويا” وهي التي لا يزال حتى اليوم معمولاً بها، ثم يبتدئ
خورس المرتلين مع القائد تسبحة خدمة القداس وهي تسبحة رفع البخور، إمَّا عشية أو
باكر، لأن القداس كان يُقام بعد سهر.

[وقد عدَّل القديس
أثناسيوس في طريقة الألحان وأدخل طريقة التسبيح باللحن المعتدل، إذ أعطى أمراً
لقراء المزامير أن ينطقوا الكلمات بأقل ما يمكن من الهزات وبدون تغيير في الطبقة،
حتى تُسمع بوضوح كأنها قراءة منغمة أكثر منها ألحاناً مطولة.]([249])

ولا تزال هذه الطريقة
سارية حتى اليوم في ألحان رفع البخور وبقية التسبحة.

القراءات:

 وفي
أيام كاسيان (سنة 360 سنة 435م) وهي لاحقة للقديس أثناسيوس الرسولي
(سنة 296 سنة 373م) كان نظام الأقباط (المصريين) يكمِّلون قراءة
العهد الجديد كله على مدار السنة في القداس.

وبين الأقباط عامةً
(المصريين) خدمة ليتورجية السبت وخدمة ليتورجية الأحد متساويتان تماماً في كل
شيء، حيث نقرأ في هذين اليومين الفصول كلها من العهد الجديد فقط،
فصلاً واحداً
من الإنجيل وفصلاً آخر إمَّا من الرسائل وإمَّا من سفر الأعمال. أمَّا في باقي
أيام الأسبوع فتنقسم القراءة إلى قسمين قسم للعهد القديم وقسم للعهد الجديد.
([250])

ويقول كاسيان أيضاً:

[وفي عموم أديرة مصر
وكل الوجه القبلي لا توجد اجتماعات للكنيسة خلاف السبت والأحد، وعشية وباكر
لجميع الأيام. وفي يوم السبت ويوم الأحد يجتمعون الساعة الثالثة من النهار (
أي
الساعة التاسعة صباحاً) لإقامة القداس.]([251])

ويقول
البابا تيموثاوس (سنة 382 سنة 388م) وهو البابا الثاني بعد القديس
أثناسيوس الرسولي:

[يوم السبت ويوم
الأحد هما اليومان الوحيدان اللذان تُقدَّم فيهما الذبيحة الروحانية للرب
t¾n pneumatik¾n qus…an ¢nafšresqai
tù Kur…J
.]([252])

وسقراط المؤرِّخ الكنسي
يقول:

[إن المصريين في
المناطق المجاورة للإسكندرية وفي كل صعيد مصر (طيبة) يقيمون اجتماعاتهم في يوم
السبت ويشتركون في الأسرار ولكن بطريقة تختلف عمَّا يتبعه سائر المسيحيين. لأنهم
بعدما يأكلون ويشبعون يقدِّمون القرابين في المساء ويشتركون في الأسرار
.]([253])

ويقول سقراط أيضاً:

[إن طقس الإسكندرية في
يومي الأربعاء والجمعة من أسبوع الآلام يمتاز بالتطويل الكثير في القراءات
والتسبيح والوعظ حتى يغطوا مدة الاجتماع (
ربما للساعة الثالثة
بعد الظهر؟؟)، ولكن بدون إقامة ذبيحة أو تناول.]([254])

أمَّا في أيام السهر
فتظل الكنيسة ساهرة طول الليل بالقراءات والتسابيح حتى مطلع الفجر حيث تُقام
الذبيحة ويُصرَف الشعب في مطلع النور، وذلك بالنسبة ليومي السبت والأحد، كما ذُكر
سابقاً في وصف القديس أثناسيوس لسهر الجمعة الذي كان إعداداً لذبيحة السبت.

وفي قوانين مجمع
اللاذقية (عُقد ما بين سنة 343 وسنة 381م) وهو معاصر للقديس أثناسيوس، يحدِّد
القانون 51:

[إنه لا تُقام أعياد
للشهداء في الأربعين المقدَّسة، ولكن تُذكر سيرة الشهداء في خدمة السبت والأحد.]
([255])

وهذه إشارة إلى قراءة
السنكسار في الكنيسة ضمن القراءات في الخدمة اليومية وفي خدمة السبت والأحد في
باقي أيام السنة.

ومعروف أن كافة البلاد
أخذت عن مصر طريقة السهر الليلي وهو أصلاً كان من صناعة الرهبان. والقديس باسيليوس
يذكر ذلك بوضوح، وأمَّا القديس يوحنا ذهبي الفم (سنة 377 سنة 407م)
فيصف السهر الذي استلموه من مصر كالآتي (وهو زمن القديس أثناسيوس الرسولي):

[اذهبوا
إلى الكنيسة وانظروا إلى الفقراء وهم ساهرون من منتصف الليل حتى الفجر، اذهبوا
وانظروا السهارى كيف يضمون الليل إلى النهار، انظروا شعب المسيح كيف لا ينامون
الليل، لا يهابون النوم ولا العوز … يتشبهون بيقظة الملائكة حينما يقدِّمون
الأبصلمودية والألحان بلا
توقف إلى
الخالق، يا لمواهب المسيح العجيبة، فالملائكة فوق يسبِّحون لمجد الله، والمسيحيون
على الأرض يداومون السهر مع الخوارس يسبِّحون بنفس التمجيد على طقس الملائكة.
الشاروبيم فوق يصرخون قدوس قدوس قدوس في تسبحة القدوسات الثلاثة ومجمع البشر في
الكنيسة على الأرض يقدِّمون نفس التسبحة، وهكذا تكمل شركة الاجتماع العام بين سكان
السماء وسكان الأرض معاً. شكرهم واحد وتمجيدهم واحد وخورس الفرح الساهر واحد على

الدوام.]([256])

[والقارئ عليه أن لا
يقرأ شيئاً إلاَّ من الكتب الجامعة (الكاثوليكية) لئلا يستهزئ الشعب بالكتب. ولا
يقرأ من الكتب العالمية التي هي ليست من أنفاس الله.]([257])

[الأسقف يفحص القارئ
والمرتلين مرات كثيرة حتى لا يقرأوا شيئاً من الكتب إلاَّ من الكتب الجامعة التي
يتعلَّم منها الشعب عمل الله العظيم المتحنن.]([258])

[الذين يقرأون يلزم
أن يعرفوا ما يقولونه.
والذين يريديون أن يعرفوا منهم يعلِّمونهم ويفهِّمونهم
بغير حسد،
لكن بالأكثر بنشاط لأنه جيد أن يسألوا عن الأمر.]([259])

[لا يرتبط القراء بخدمة
الإيبوذياكونيين، ولكن عليهم أن يتفرغوا لكتبهم].

[وينبغي أن يُكرَّم
القارئ، لأن الكلام المقدَّس يخرج من فمه.]
([260])

كيفية القراءة:

[وفي نصف الليل …
وكانت الفصول تُقرأ.]([261])

[أمَّا أنا فجلست على
الثرونوس وأشرت إلى الشماس أن يقرأ المزمور.]([262])

[ورئيس الشمامسة في طقس
الإسكندرية كان له الحق وحده أن يقرأ الإنجيل، وأثناء القراءة لا يقوم الأسقف عن
كرسيه بخلاف كل عوائد الكنائس الأخرى.]

هذا في القرن الرابع
ولكن في أوائل القرن الخامس نسمع أن الأسقف وقت قراءة الإنجيل يقوم عن كرسيه ويخلع
الأموفوريون احتراماً للإنجيل (المقولة رقم 38و39).

رفع البخور أثناء
القراءة:

[يُرفع البخور …
ولاسيما قبل الإنجيل، يأخذ رئيس الشمامسة مجمرة بيده ويملأها جمراً ويقف قدَّام
المذبح أمام الإنجيل، ويرفعون له فيها البخور ويُصعده حتى يقرأ الإنجيل، ثم يمشي
بالمجمرة قدَّام الإنجيل إلى داخل الموضع المقدَّس.]
([263])

[وكان أثناسيوس وكل
الأساقفة في مصر يعظون وهم جالسون.]
([264])

[ومنذ أيام آريوس منع
أثناسيوس الكهنة من الوعظ، وصار الأساقفة وحدهم هم المسئولين عن الوعظ.]([265])

[وكان أثناسيوس الرسولي
حينما يعظ يُراعي مستوى سامعيه ويتوافق معهم.]([266])

[والتقليد حتى إلى ما
قبل أيام كليمندس الإسكندري كان أن تُختم العظة بالذوكصا للثالوث الأقدس.]
([267])(مقولة رقم
30)

[وفي نهاية العظة يقف
الأسقف للذوكصا والصلاة ويقف معه جميع الشعب.]
([268])

[لا يُقام أسقف لا
يحفظ الإنجيل عن ظَهْرِ قلب،
وإذا لم يحفظه فهو لم يؤمن بعد بالثالوث الأقدس.]([269])

[أسقف يُبطل الخدمة
الإلهية اليومية (
أي بخور باكر وعشية) بدون سبب مرض، يموت
بالحزن.]
([270])

علاقة قداس الكلمة
بقداس الذبيحة:

[ونحن نغتذي بكلمات
الحق، ونشترك في تعاليمه الحية حتى نستطيع بعد ذلك أن نتقبَّل أفراح السماء، لأنه
كما دعا تلاميذه إلى العلية، هكذا يدعونا “الكلمة” معهم إلى الوليمة السمائية غير
الفاسدة.]([271])

[والآن وقد صرتَ أسقفاً،
فالشعب ينتظر أن يغتذي على يديك من تعاليم الكتب المقدَّسة. فإن كان وهو بهذا
الانتظار يستمر جائعاً ويعاني من العوز وأنت تُطعم نفسك وحدك، فأي عذر يكون لك
عندما يأتي الرب يسوع ويجد خرافه تعاني المجاعة بسبب عدم التغذية؟]([272])

[فما هو صلاح الكاهن
إذا لم يكن شاهداً لآلام المسيح، وهو يشهد للشعب كله بالآلام التي قبلها عنا السيد
المسيح حتى خلَّصنا من الموت بموته، ويشهد للشعب كله بالمجد المعلَن من السماء
الذي يحلّ على أبناء الله؟ ولا يعلِّم بالإرهاب كأرباب الرهبة بل كالأب، لأن بطرس
يعلِّم ويقول إنكم أساقفة الشعب! وكل واحد ينظرهم وينظر تواضعهم كرجال الله وليس
كالمسلَّطين على الرعية التي تحت أيديهم بالكبرياء.]([273])

المناداة لخروج
الموعوظين:

[وكيف يمكن تقديم
الصعيدة والموعوظون موجودون؟ …]([274])

[إن قوانين الرسل لا
ينبغي أن تُطرح جانباً.]([275])

الصلوات التي تسبق
تقديم الذبيحة:

الصلوات يقولها الكاهن
وهو واقف في “موضع الغفران” أي المذبح:

[إني نظرت الربَّ
واقفاً على المذبح … والخَدَم محيطين بموضع الغفران يقولون الطلبة في الموضع
الذي تُغفر فيه الخطايا … يصلِّي الكاهن على الشعب … والشعب يصلِّي على الكاهن كما هو مكتوب:
» أعطِ قوةً لهذا الذي أعددت لنا([276])،
لكيلا توجد فيه خطية
«]([277])

[وإذا كنتَ أيها الكاهن
لا توجَد شفيعاً لهم في أتعابهم([278])، فلا يحلَّ
لك أن تأكل قرابينهم…]([279])

[لماذا أيها الكاهن
تنظر إلى المذبح والبخور بعين غير محتشمة([280])
(باستهانة)؟]([281])

[إنما الكهنة اختيروا
ليكونوا أطهاراً أكثر من الشعب، وأن تُعطَى لهم القرابين ليكونوا أطهاراً مصلِّين
عن الشعب طالبين عن خطاياهم … فالشعب يعطيك
البكور من
كل شيء،
يعطونك
القرابين عن الموتى والأحياء، لأنه هكذا يشفق الله على شعب خاطئ من أجل
إنسان واحد صدِّيق لم يُحزن قلب الله.]([282])

أوشية السلام:

[أطلب إليكم أن تصلوا
لكي يمنح الرب سلاماً للكنيسة.]([283])

أوشية الملك:

[وحينما يقول الكاهن
(أو الأسقف) صلُّوا من أجل سلامة الإمبراطور الكلي التقوى قسطنطيوس يردّ الشعب
في الحال بصوت واحد مجيبين، المسيح يحفظ قسطنطيوس.
]([284])

يُلاحَظ هنا أن نشيد
الإنجليز الآن من أجل الملك:
God
Save the King
هو أصلاً مرد
الأوشية التي تُقال في الكنيسة.

أوشية الخدَّام:

[ونحن نسأل الرب في
الصلوات (الأواشي) لكي برحمته يتراءف من عُلوِّه وينظر إلى الكنيسة الجامعة
وينجِّي خدَّامه من أيدي المضطهدين.

وكل الذين سقطوا بسبب
الخوف الوقتي([285])
أن يقوموا ليعودوا إلى طريق التقوى ويردَّهم من طريق الضلال.]([286])

يُلاحَظ هنا أنه يدمج
أوشية سلامة الكنيسة مع أوشية الأساقفة والكهنة والشمامسة، ثم أوشية من أجل الذين
سقطوا في ضلال الإيمان. وهذه الأوشية انتقلت الآن من الأوشية إلى الطلبة. والمعروف
أنه في زمن القديس أثناسيوس كانت الأواشي تقال كلها معاً بدون مرد الشماس،، وفي
نهايتها كلها يرد الشعب “آمين”.

أوشية المرضى:

[من أجل المرضى في الموضع
المقدَّس([287])،
لأن الله يسأل عنهم أكثر من الأواني المقدَّسة، لأنهم صورته ومثاله، وقد صار
إنساناً وتجسَّد من أجل هؤلاء لكي يخلِّصهم وينجِّيهم، ولاسيما وأنهم سكان معه في
بيته حتى يشفيهم. من أجل هذا صارت الكنيسة هي افتخار المدينة.]

يُلاحَظ أن التجاء المرضى
إلى الكنيسة جاء نتيجة حتمية للإيمان بقوة الشفاء في الجسد والدم باعتبارهما أنهما
المسيح نفسه.

أوشية القرابين:

[الرب ليس محتاجاً إلى
قرابين، ولكنه يعطينا فرصة لنطلبه، وهو لا يتعلَّق بالأشياء ولكنه متعلِّق بنا،
فماذا نصنع بما لنا إذا لم نُشْرِك الله فيما هو لنا، حتى ولو كان الإنسان فقيراً
مثل الأرملة التي أعالت إيليا، أو حتى المقعد الذي كان يتصدَّق لنفسه يجب عليه أن
يكون له ما يقدِّمه لله نفسه، حتى ولو كان الذي يعطيه قليلاً، ليكون له تذكاراً([288]).
لأن ليس الذي يعطي الذهب للهيكل هو الذي يُذكر فقط، بل والذي يُعطي كوز فخار أو
خبزاً أو قليلاً من الأباركة أو وعاءً للماء أو حتى الذي يملأ حوض الماء
“للتغطية”
([289]).
فإن الله يذكره مثل الذي يعطي مالاً كثيراً.]([290])

أوشية الراقدين وتقديم
القرابين عنهم:

[لأنه قد يكون غني مات
ولده وأن الأب يعطي عنه مالاً كثيراً ويعطي أيضاً نذوراً للرب كثيرة من أجل
خلاص نفس ابنه، بالحقيقة إن الله يقبلها منه ويخلِّصه من خطاياه بسبب تحننه على
المساكين،
لأن سليمان يقول إن خلاص نفس الإنسان من غناه!!

هذه الأمور قلناها
باعتبار أن الحي يستطيع أن يخلِّص خطايا الذين ماتوا، كما يقول بولس الرسول، إن
كان الموتى لا يقومون فلماذا يعتمدون عنهم، فإن كانوا يعتمدون عن الموتى لأجل خلاص
أجسادهم! فيعطون أيضاً عنهم لأجل خلاص نفوسهم!
فإن كنت أنت فقيراً([291])
وتريد أن تخلِّص نفس الذي مات، اتَّخذ لك فكراً صالحاً وأنت تخلِّص نفسك ونفس
الميت … فإن كنت لا تقدر أن تقيت المساكين لكنك تقدر أن تحفظ قداسات الكنيسة وتطلب عن نفسك وعن ابنك إن كنت تحبه. أمَّا
الغني فإنه أعطى هذا جميعه عن ابنه لأنه كان يحبه، وأمَّا أنت فقدِّم لله طلبتك عن
ابنك فإنك تقدر بالحقيقة أن تخلِّص نفسه
حية.]([292])

التوبة والاعتراف والحل:

[وهكذا
بواسطة الاعتراف المصحوب بالتوبة على يدي كاهن ينال المغفرة بنعمة المسيح.
]([293])

[لأن موسى قام وصار
رأساً مِنْ قِبَل الله، وقيل له ما ربطته على الأرض يكون مربوطاً في السموات([294])،
لأن الله قد أعطى كهنة الشعب أن يغفروا خطايا التائبين.]([295])

[وأنت أيها الكاهن قد
أخذت رتبة ابن الله على الأرض([296]).
فتأمل مَنْ منهم الذي تُمسك خطاياهم عليهم ومَنْ الذي تُغفر لهم. لأنك تقدِّم
قرابينهم لله([297]).
ولولا أنهم يعرفون أنهم يصلُّون لله لما أعطوها لك. ولكن الله جعلك وسيطاً بينه
وبين الناس
(في تقديم المغفرة وقبول ورفع القرابين والنذور لله).]([298])

تقديم الصعيدة على
المذبح:

[لا يُرفع قربان قد
فضل من أمس ولا شيء مشقوق
في إحدى الكنائس بل خبزٌ ساخنٌ طَرِيٌّ.]([299])

[الخمر الذي يُرفع
قرباناً لا يذوق أحد منه شيئاً حتى تكمل الصعيدة … وليكن الذي

يُصعده قدام الرب خمراً
زكياً وخبزاً ساخناً نقياً،
لأنه مكتوب هكذا إني أعطي نذوري لله وأيضاً أقدم
لك صعيدة دسمة ومحرقات مختارة وقرابين طاهرة الذي هو جسد ودم ربنا يسوع المسيح،
هذا هو الإله بالحقيقة.]([300])

القديس أثناسيوس
يتكلَّم إلى المعمَّدين الجدد:

[وسترون اللاويين
(الشمامسة) يحضرون أرغفة الخبز وكأس الخمر ويضعونها على المائدة، وطالما لم يبتدئ
(الكاهن) بالتوسلات
والصلوات فالموجود هما
مجرد خبز وخمر، ولكن بعد الصلاة الكبرى العجيبة (صلاة الإفخارستيا)، يصير الخبز
جسد ربنا يسوع المسيح والخمر يصير دمه.]([301])

[أواني المذبح أليست هي
محسوبة من الأشياء الروحانية وليست بعد فضة أو ذهباً أو حجارة أو أخشاباً، لأن
الرب قائم على المذبح.]([302])

[كذلك المذبح، وإن كان
من خشب أو حجارة أو ذهب أو فضة، فإنه ليس بطبعه الأول … لأن الله الحي قائم عليه
… لهذا فليتطهَّر القسوس بكل طهارة عند اقترابهم من المذبح، لاسيما أنه قد
قُسِّم عليه الجسد المقدَّس والدم المحيي … الموضع الذي يقف عليه كل يوم، الموضع
الذي ظهرت قدماه عليه! … لا يمكن أن يبقى المذبح بدون ملاك في وقت من الأوقات
ولا إلى لحظة واحدة، لذلك يجب (على الكهنة) أن يخدموا بالطهر والبخور الطاهر النقي
الذي يبخره القسيس حول المذبح ببهاء الروح القدس لأن المذبح المنصوب قدَّام
الرب في السماء هو روح ناطق ومتكلِّم
يعرف مَنْ هو مجتهد له على الأرض([303])،
لأن موضعاً يكون فيه جسد المسيح يجب أن يكون جميع خدامه بغير خطية كالنسور.]([304])

غسل الأيدي:

القديس أثناسيوس
الرسولي يتكلَّم عن إفخارستيا عيد الفصح:

[علينا أن نصلِّي حتى
لا نأكل “الفصح” بغير استحقاق لئلاَّ نتعرَّض للخطر، لأنه بالنسبة للذين يحفظون
الفصح بطهارة يكون الفصح “طعاماً سماوياً”، أمَّا الذين يمارسونه بنجاسة أو
استصغار فهو يكون خطراً وتوبيخاً، لأنه مكتوب:
» إن كل مَنْ
يأكل ويشرب بدون استحقاق يجرم في موت الرب»!! لذلك ينبغي أن لا نقيم
طقوس الفصح كيفما اتفق، ولكن علينا أن نستعد لكي نقترب من الحمل السمائي وأن
نلمس الطعام
السمائي، لذلك فلنغسل
أيدينا
([305]) ونطهر الجسم
ونحفظ العقل من أي شر…]([306])

مناداة الشماس: “تقدَّموا
تقدَّموا. وقفوا بخوف”:

[المذبح
محل الأفراح لمن يمسك بنواميسه، ولكنه هلاك لمن يتوانى بسبب الخوف الكائن فيه،
فإذا لم تكن لكم قدرة أن تكونوا ودعاء، فابتعدوا لئلاَّ تحترقوا، لأن الذي
على المذبح نار لا تُطفأ، كما قال الرب إن نار المذبح لا تُطفأ (كناية
وإشارة للنار الإلهية غير المنظورة المستقرة عليه.).]([307])

[الاقتراب إلى
الموضع المقدَّس مخوف جداً،
مكتوب أن إلهنا نار آكلة ليس مثل نار هذا العالم،
ولكن الروح القدس علمنا أن الخطاة الذين يلتصقون (بخدمة الله) وهم مقيمون ومداومون
في خطاياهم يهلكون مثل القش الذي تحرقه النار.]([308])

[الله أراد أن يعلِّمنا
المخافة الكائنة في المذبح والمخافة الكائنة في جميع الأواني الخاصة بالمذبح …
لأنه مَنْ تقدَّم قط إلى المذبح بدون خوف ونجا؟]([309])

ما قبل صلاة
الإفخارستيا:

[يقول
القديس كيرلس الكبير (البطريرك 24) إن التقليد الجاري في الكنيسة منذ البدء يستخدم
في
بداية
كل الخدمات والأسرار نداء “السلام لجميعكم” ويُردُّ عليه “ولروحك أيضاً”.
وإن المسيح إذ كان يقولها لتلاميذه على الدوام جعلها بذلك قانوناً للكنيسة كلها.]([310])

[هذا هو اليوم الذي
صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه.]([311])

ارفعوا قلوبكم:

هذه المناداة كما يقول
القديس أغسطينوس هي عامة في جميع كنائس العالم شرقاً وغرباً.

صلاة الإفخارستيا:

وتُسمَّى إما فقط
“بالإفخارستيا” أو “صلاة الإفخارستيا”، أو كما يسميها القديس أثناسيوس الرسولي “الصلاة
الكبرى”.
وهي تُعتبر جزءاً من صلوات التقديس بحسب عقيدة الكنيسة الأُولى،
وأيضاً بحسب تعليم القديس أثناسيوس إذ يقول:

[ولنأتِ الآن إلى صلوات
تكميل الأسرار، فطالما أن الصلوات والتوسلات لم تبدأ، فهذا الخبز وهذا الخمر هما
ساذجان، أي مجرد خبز وخمر. ولكن بعد أن تُتلى الصلاة الكبرى والتوسلات المقدَّسة
ينزل “الكلمة” اللوغوس في الخبز والخمر فيصيران جسد الكلمة.]([312])

وهنا تتضح العقيدة في
الكنيسة القبطية حتى إلى أيام القديس أثناسيوس فيما يختص بالتقديس أو بالتغيير أو “الانتقال”
(أو التحوُّل) الذي يحدث للخبز والخمر عندما يصيران جسداً ودماً للمسيح. فهذا
أولاً يحدث بواسطة الصلاة الكبرى أي “صلوات الإفخارستيا” التي تُقال بعد
» ارفعوا قلوبكم « وثانياً بواسطة
التوسلات
لكي يحل أو ينزل “الكلمة” في الخبز والخمر
ويجعلها جسداً ودماً له.

وهذا يفيد أن عقيدة
استدعاء الروح القدس على الخبز والخمر لتحويلهما إلى جسد ودم، لم تكن بعد قد دخلت
في زمن القديس أثناسيوس في طقس الإفخارستيا في مصر بمعناه كحلول للتحول
لأن عقيدة حلول الروح القدس على الخبز والخمر دخلت التقليد القبطي
بعد القديس أثناسيوس مباشرةً في أيام البابا بطرس بطريرك الإسكندرية الواحد
والعشرين([313])،
وذلك تدعيماً للاهوت الروح القدس الذي كان قد بدأت المنازعة اللاهوتية عليه في ذلك
الوقت.

وقد تسجَّل عن القديس
بطرس بابا الإسكندرية الواحد والعشرين القول بهذه العقيدة كالآتي:

[المذبح المقدَّس الذي
نستدعي عليه الروح القدس للحلول.]
([314])

ولكن لم تتبلور عقيدة
التقديس بواسطة حلول الروح القدس لتصير قانوناً إفخارستيا في مصر إلاَّ على لسان
البابا ثاوفيلس البطريرك 23، حيث يقول:

[إن تقديس الخبز والخمر
يتم بواسطة استدعاء وحلول الروح القدس عليهما.]
([315])

فإذا عدنا مرة أخرى
لزمان القديس أثناسيوس الرسولي، نجد أن عقيدة تقديس الخبز والخمر كانت محصورة في
صلوات الإفخارستيا والتوسلات. ويُلاحَظ أن القديس أثناسيوس يصف هذه الصلوات بأنها الصلوات العجيبة([316])
أو الصلاة الكبرى، فهو يركز على أهميتها جداً وعلى
قدرتها العجائبية في التحويل، فصلاة
الإفخارستيا كانت طويلة وتشمل كل مستلزمات الشكر الإفخارستي من خلق وفداء وخلاص،
ثم التسبحة الشاروبيمية، ثم الدخول في كلمات الرب يسوع ضمناً.

ولكن القديس أثناسيوس
يذكر بوضوح حلول الروح القدس أثناء الصلاة والتسبيح على كل الناس عند إقامة الخدمة
الإلهية في الذبيحة.

التسبحة الشاروبيمية:

[عظيمة هي جماعة ملكوت
السموات، لأن ألوف ألوف وربوات ربوات يخدمون الرب هناك.]([317])

[الجالس على الشاروبيم
ظهر بفرح عظيم … فمَنْ ذا الذي لا يشاء أن يشترك في هذه الشركة العالية التي
لهؤلاء …]([318])

والقديس أثناسيوس يقول
إن تسبحة الشاروبيم قد انتشرت في كل الكنائس شرقاً وغرباً.

وقد
ورد في مقالة للقديس أثناسيوس عن الثالوث والروح القدس ما يفيد أن النص الذي صار
معمولاً به لهذه التسبحة هو نفس النص الوارد في ليتورجية سيرابيون: «قدوس قدوس
قدوس رب الصباؤوت
السماء والأرض مملوءتان من مجدك، السماء مملوءة،
والأرض أيضاً مملوءة من مجدك الفائق».
([319])

والعلاَّمة ديديموس
الضرير وهو معاصر للقديس أثناسيوس يقول:

[يسبِّحون بأفواه لا
تسكت وأصوات لا تهدأ.]
([320])

[… إني أَظهر لك في
ذلك الموضع بين أجنحة الشاروبيم وأخاطبك … لذلك لا ينبغي بالجملة أن يقترب جميع
الناس إلى المذبح، إلاَّ الذي يختاره الرب لهذا العمل، وهذا يخدم بخوف ورعدة!]
(القانون الأول)

[ولكن الآن لا تُقدَّم
الذبيحة في مكان واحد بل
» في كل مكان يُقدَّم
بخور وذبيحة طاهرة لله
« وكذلك من الكل وفي كل مكان يرتفع تسبيح الصلاة للآب الصالح
المنعِم عندما تقيم الكنيسة الجامعة الموجودة في كل مكان معاً نفس الخدمة الإلهية
(ليتورجيا) ببهجة وسرور، عندما يشترك كل الناس في إرسال ترنيمة التسبيح ويقولون
“آمين”: حينئذ تسقط أسوار كل قوة شريرة مثل أسوار أريحا.]([321])

التقديس والاستدعاء:

[والمسيح
المخلِّص بينما هو يغير ما كان مثالاً إلى ما هو روحاني، وعدهم أنهم لن يأكلوا
لحم خروف فيما بعد بل لحمه هو قائلاً: «خذوا كلوا واشربوا هذا جسدي ودمي».
]([322])

[تقدماتي هي عطاياي، أي
أن الذي تقدِّمونه لي هو أصلاً عطيتي لكم، فلنقدِّم له .. الأشياء التي قدَّسها
لنا …
لنأكل فصح الرب الذي قد «أسس قانونه المقدَّس بنفسه»([323]).]([324])

[إن ما استُعلن لكم مني
وما سيُعطى من أجل خلاص العالم هو جسدي الذي أنا لابسه، وهذا الجسد والدم الذي منه
سوف يُعطَى لكم روحياً على يدي كطعام حتى ينتقل إلى كل واحد روحياً ويصير
للجميع حافظاً للقيامة التي للحياة الأبدية.
]([325])

الاستدعاء والتحوُّل:

[وبعد أن تُتلى الصلوات
الكبيرة والاستدعاءات المقدَّسة، ينزل “الكلمة” في الخبز والخمر فيصيران
جسد الكلمة.]([326])

هنا واضح عقيدة حلول
“الكلمة” في الخبز والخمر لتقديسهما ولصيرورتهما جسداً للمسيح الكلمة، أي جسداً
حقيقياً ودماً حقيقياً، كما سنراه واضحاً في قداس سيرابيون.

وهذه العقيدة، كما
سنبحثها في موضعها، هي التقليد الكنسي منذ البدء لا في مصر وحدها بل وفي كنائس
أخرى من العالم حتى إلى بداية القرن الرابع: عند القديس إيرينيئوس وغريغوريوس
النيسي والعلاَّمة أوريجانوس والقديس أثناسيوس.

ولكن لا ننسى أن القديس
أثناسيوس قال إن الروح القدس يحل على المؤمنين الحاضرين الصلاة:

[وحينئذ تنسكب عطية
الروح القدس بغنى على كل الناس.]
([327])

ثم يصف القديس أثناسيوس
فاعلية الذبيحة بعد التحوُّل هكذا:

[والمسيح المخلِّص،
بينما هو يغير ما كان مثالاً إلى ما هو روحاني … وعدهم أنهم يأكلون لحمه
هو
قائلاً: خذوا (كلوا) واشربوا هذا جسدي
(وهذا) دمي …]([328])

هذا التحوُّل السري
واضح ضمناً، فالخبز والخمر صارا جسد المسيح ودمه، لحمه هو كحمل فصح للخلاص الجديد:

[علينا أن نستعد لكي
نقترب من الحمل السمائي وأن نلمس الطعام السمائي.]([329])

واضح هنا أن
الإفخارستيا أي الخبز والخمر المتحوِّلان سرًّا هما
“المسيح المذبوح”، الحمل السمائي، وهما غذاؤنا الموعود لحفظ القيامة فينا ولنوال
الحياة الأبدية:

[سوف يُعطَى لكم على
يدي كطعام، حتى ينتقل (جسدي) إلى كل واحد منكم روحياً ويصير للجميع حافظاً للقيامة
التي للحياة الأبدية.]([330])

[ونحن نتألَّه
باشتراكنا
ليس في جسد إنسان بل بتناولنا من جسد الكلمة “نفسه”.]([331])

هنا وفي عقيدة القديس
أثناسيوس الرسولي واضح أن الإفخارستيا هي واسطة للاتحاد بالله والشركة في الطبيعة
الإلهية:

[هذه الذبيحة غير
الدموية التي للشفاعة.]([332])

هنا الإفخارستيا واضحة
في عقيدة أثناسيوس أنها واسطة لمغفرة الخطايا، لأن شفاعة المسيح لدى الآب بدمه
الذي نشربه هو مسح خطايا وغفران وتطهير.

[أمَّا نحن فبالفصح
(الإفخارستيا) نعبُر من الموت إلى الحياة، ومن الشيطان إلى المخلِّص … الآن نحن
نذكر خلاصنا.]([333])

القسمة والتحليل
والتوزيع والتناول:

القسمة:

[هكذا فليتطهر القسوس
بكل طهارة عند اقترابهم من المذبح، لا سيما أنه قد قُسِّم عليه الجسد المقدَّس
والدم المحيي.]([334])

[يداوم
الشمامسة الترويح بالمراوح حتى يقسِّموا الجسد وهم ملازمون الصلاة. وإذا فرغوا من
القسمة يبقى واحد يروِّح ب“البوميس” الذي هو لابسه من البداية حتى كمال الصعيدة.]([335])

التحليل:

[قيل لبطرس: » ما ربطته
على الأرض يكون مربوطاً في السموات
« وإن الله قد أعطى كهنة الشعب أن يغفروا خطايا التائبين، ولكنهم هم
أنفسهم أيضاً أُناس لابسون جسداً ويجب عليهم أن يقدِّموا القرابين عن خطاياهم،
لأنه يقول في إشعياء:
» إذا قدَّمتم عن خطاياكم
سترى أنفسكم ذُرِّية طويلة الأعمار في الدهر الذي ليس له انقضاء
« كما قال لهرون: » أعطِ تقدمتك أولاً
وارفع قربانك عن نفسك وأهل بيتك، وبعد ذلك ارفع قرابين تقدمتك عن الشعب وعن
خطاياهم.»]([336])

التوزيع والتناول:

[من أجل هذا خافوا من
المذبح ومجِّدوه، ولا تتقدَّموا إليه بدون حشمة، بل بكل طهارة وخوف، لأن المذبح هو
روح كما سبقت وقلت لكم فكل النفوس التي تتقدَّم إليه
وهي في نجاستها يسألون ويتضرعون من أجل طهارتهم، فهذا المذبح هو طهارتهم!!]([337])

[علينا أن نصلِّي حتى
لا نأكل بغير استحقاق لئلاَّ نتعرَّض للخطر، لأن كل مَنْ يحفظ الفصح بطهارة([338])
يكون الفصح طعاماً سماوياً. أمَّا الذين يمارسونه بنجاسة أو استصغار فهو يكون
خطراً وتوبيخاً، لأنه مكتوب:
» كل من يأكل ويشرب بدون
استحقاق يجرم في موت الرب!
« لذلك لا ينبغي أن نقيم الطقوس كيفما اتفق، ولكن علينا أن نستعد
لكي نقترب من الحَمَل السمائي وأن نلمس الطعام السمائي
([339])،
فلنغسل أيدينا، ونطهِّر أجسامنا ونحفظ العقل من أي شر حتى إذا كنَّا أطهاراً نستحق
أن نتناول من “الكلمة”.]([340])

[في نفس الوقت الذي
يبدأ فيه التناول يبدأ الترتيل خارجاً.]
([341])

[هذا الجسد والدم الذي
منه، سوف يُعطَى لكم روحياً على يدي كطعام حتى ينتقل إلى كل واحد روحياً.]([342])

[وكأس الأسرار يكون في
حيازة مَنْ يرأس الكنيسة الجامعة، لأن لهم وحدهم يحق أن يوزِّعوا دم المسيح، وليس
آخر معهم
(أي
للكهنة القانونيين).]([343])

[خذوا كلوا واشربوا هذا
هو جسدي (وهذا هو) ودمي، فحينما نغتذي نحن بهما نكون قد حفظنا الفصح.]([344])

[أمَّا الآن فنأكل من
“كلمة” الآب خاتمين عتبة القلب بدم العهد.]([345])

[لأنه كما دعا تلاميذه
إلى العلِّية هكذا يدعونا “الكلمة” معهم إلى الوليمة السمائية غير الفاسدة.]([346])

ملاحظة:

واضح جداً من أقوال
القديس أثناسيوس الرسولي أن المسيح يحضر بنفسه تقديم الصعيدة، وكذلك جماعة تلاميذه،
وأنه يوزع جسده ودمه بيديه غير المنظورتين، وأن الاستعداد للتناول هو في الحقيقة
استعداد لملاقاة الرب والاقتراب إليه ولمس جسده ودمه، ثم أكل وشرب لحمه ودمه، لأن
القديس أثناسيوس يقول إن اشتراكنا في جسده ودمه هو اشتراك في لاهوته، وأن الدم وإن
كنَّا نشربه بالفم ولكنه يختم القلب بعهد الله الجديد، فلا يكون للشيطان المهلك
نصيب فيه ولا قدرة على دخوله، وبالتالي لا يدخله الموت. ومن هذا، فالدم هو “عدم
الموت”.

التراتيل أثناء التناول:

[وما دامت السرائر على
المذبح قبل أن تُرفع (أي قبل أن ينتهي التوزيع) لا تسكت
القراءة
والتراتيل قدامه([347])،
يرتلون بكلام الله أو يقولون المزامير، لأنه مكتوب إني رتبت حرَّاساً على أسوار
أورشليم الليل والنهار، هؤلاء لا يسكتون كل حين من ذكر الرب، ولأنهما جسده ودمه
فلا يُفْتر من تسبحته إلى الوقت الذي يخلو فيه الموضع تماماً.]([348])

[لا يرتل المرتلون
بالكتب التي للميليتيين([349]).
هؤلاء الذين يرتلون بغير حكمة، ليس مثل داود (بالمزامير) ولا بالروح القدس، بل مثل
أغاني الأمم. هؤلاء الذين يجب أن تُسدَّ أفواههم. فإن كانوا لا يرتلون بالروح
القدس([350])،
فلا يرتلوا. مكتوب لا تزيدوا عليهم ولا تنقصوا منهم.]([351])

[من أجل السرائر
المقدَّسة جسد المسيح ودمه لا تفضلوا منهما شيئاً من المساء إلى باكر، ولكن
كلما أرادوا يصنعونه (يعملونه) فها المذبح المقدَّس مستعد.
]([352])

الانصراف:

[وأمَّا أنا فوقفت
وأمرت بالصلاة وبعد ذلك رجوتهم في الخروج.]([353])

[وكان وقت الانصراف Dismissal قد حان …]([354])

 

خامساً: الإفخارستيا
وعمقها اللاهوتي

عند القديس كيرلس
الكبير

 

وإذ كان الرب عالماً
ببطء القلوب في الإيمان على مستوى الحوادث، وثقل الآذان في السمع والفهم على مستوى
الأخبار وشرحها، وضع في تدبيره هذا السر بعمقه الإلهي وأسسه لهم يوم الخميس ليلة
العشاء الأخير ليكون هو بذرة الإيمان الحية الباقية لهم إلى نهاية الدهور حتى وإن
كانوالم يفهموا آنئذ، إلاَّ أنهم على مدى الأيام استطاعوا من خلال هذا السر
وممارساته أن يشرحوا كل الحوادث، بل كل الأقوال والأعمال التي قال وصنع:

+ » لست تعلم
أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد!
«(يو 7: 13)

وعلى نفس مائدة العشاء
السري التي أكلوا عليها مع الرب الوليمة الأخيرة، وفي نفس العلية جلس التلاميذ بعد
القيامة وبعد الصعود مراراً وتذاكروا وفهموا كل شيء! نعم فهموا كل شيء! لأن سر
الإفخارستيا أضاء لهم فعلاً طريق الحياة والخلود، وخبز السماء فتح أعينهم ليدركوا
الآتي من السماء مع كل أسرار السماء.

فمن خلال الإفخارستيا
وكلمات العشاء الأخير أدركوا معنى الصليب وعمق الصليب ودم الصليب، ثم انعكس نور
الجلجثة مرة أخرى على جلسة العشاء الأخير فأضاء معاني الكلمات واستوضح سرَّها سرُّ
الإفخارستيا، سرُّ العهد الجديد بدم المسيح!!

كذلك أيضاً فمن خلال
الإفخارستيا والجسد المأكول أدركوا سر القيامة بالجسد التي قامها المسيح وأدركوا
عدم الموت الذي أحسوه بإيمانهم، وذاقوا عمق الحياة الأبدية ومعناها أكثر فأكثر!!
وبالتالي فإن القيامة التي قامها المسيح بالجسد أمام عيونهم عادت فألقت نورها على
سر الإفخارستيا فأدركوا في أكل الجسد الحي والمحيي قوة القيامة والحياة، وأدركوا
أن في دم الإفخارستيا دواء عدم الموت وأدركوا عمق الحياة الأبدية وصدَّقوا المجيء
الثاني وترجوه!

لقد بدت أحاديث المسيح
عن الموت وقت العشاء الأخير مساء الخميس غير مفهومة وثقيلة جداً جداً على قلوبهم التي
تعلَّقت به أشد التعلُّق، فهل الموت إذاً سيفصل بينهم وبين مَنْ أحبوه:
» … أحبَّهم إلى المنتهى؟ «(يو 1: 13)، كما بدت لهم أقوال الرب وأحاديثه عن القيامة والملكوت
الآتي في مساء الخميس أيضاً أنها شيء يختص باليوم الأخير كما قالت مريم أخت لعازر.
لقد كانت أحاديث باهتة جداً زادت الإحساس بموت الرب ثقلاً على ثقل في هذه الليلة.
ولكن المسيح وهو عالم أن القيامة قائمة وعلى الأبواب وأن الملكوت رهن الصعود، لم
يكترث كثيراً لحزنهم وثُقل قلوبهم:
» لأني قلت لكم هذا قد
ملأ الحزن قلوبكم؟ … أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح … لكني سأراكم
أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم … في ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً
«(يو 16: 6و20و22و23). وفعلاً صارت اجتماعاتهم حول الإفخارستيا بعد
صعود الرب وبحضور الروح القدس مصدر فرح لا يوصف بسبب إحساسهم بحضور الرب، وبسبب
النور الذي أضاء قلوبهم وأذهانهم فأدركوا به كل شيء! لقد ذاقوا من خلال
الإفخارستيا ليس فقط كل معاني الحياة والملكوت والخلود بل
» وذاقوا قوات
الدهر الآتي
«(عب 5: 6)، ذاقوا
المسيَّا بالروح والحق وعاشوا أيامه مُجدَّداً إنما فوق الزمان والتاريخ.

ولكن لولا الإفخارستيا
التي جمعتهم في المسيح وجعلت من اجتماعهم جسماً حيًّا متحداً بالروح القدس استُعلن فيه المسيح واستُعلن بواسطته،
ما كانت كنيسة وما كان قد استُعلن شيء من أعمال الرب.

لذلك نستطيع أن نقول
بيقين أنه بعملين تم استعلان المسيح للعالم: بالإفخارستيا، وبوحدة التلاميذ
الروحية في جسد
المسيح السري.
فبالإفخارستيا استُعلن الجسد والدم! وبوحدة التلاميذ الروحية في الإفخارستيا
استُعلن المسيح بالروح وحُفظت أقواله وتعاليمه في قالب واحد أي في الكنيسة التي
بواسطتها استُعلنت كافة أعمال الرب وصفاته الإلهية برأي واحد وفكر واحد متحد كما
رأيناه في الأناجيل والرسائل. إذاً، يمكن أن نقول إن الإفخارستيا حققت وجود المسيح
الحي. أمَّا وحدة التلاميذ بالروح في جسد المسيح فقد أمَّنت الكنيسة ضد الخلافات
والآراء الفردية والنظريات والذاتيات بالنسبة للكنيسة الأُولى الأُم أي كنيسة
الرسل!!

لقد نجحت الكنيسة
الأُولى ومنذ أول اجتماع كرازي لها أي منذ أول ممارسة لها لوصية الرب
أن
» تخبر بموته « نجحت في الشهادة للمسيح على مستوى كل ما قاله
المسيح ليلة العشاء، وذلك حينما وقف بطرس الرسول يقول:
» فليعلم
يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًّا ومسيحاً.
«(أع 36: 2)

هنا شهادة من عمق سر
الإفخارستيا، الصليب هنا فهمه بطرس الرسول بصورته الإرادية كمشيئة الآب ومسرة
المسيح، ألم يسبق المسيح وقدَّم لبطرس جسده مكسوراً ودمه مسفوكاً قبل الصليب في
مساء الخميس على العشاء؟ إذاً، فالصليب رسالة وطريق لاستعلان ربوبيته وواسطة حتمية
للإيمان بالمسيا! كان لا يمكن بدون سر عشاء الرب وتقديم الجسد مكسوراً والدم
مسفوكاً مسبقاً وقبل الصليب أن يدرك بطرس هذا الإدراك العالي والإلهي والأُخروي
لمفهوم الصليب الإرادي ورسالة الصليب الكرازية للإيمان بالمسيَّا!

هكذا خرجت الكنيسة
الأُولى كارزةً بمجد الصليب وبموت الرب الكفَّاري وعمل الدم للمغفرة والتطهير
والمصالحة والفداء من وراء خلفية قوية صلبة، أي الإفخارستيا التي تشرح كل هذا
بجرأة كجرأة النبي الذي يتكلَّم عن المستقبلات وعيناه تريان الحقيقة!

ونحن نقدِّم هنا صورة
حيَّة للمفهوم الأرثوذكسي عند كنيسة القرن الخامس:

 

أقوال القديس كيرلس عن
الإفخارستيا

+ [فلنبحث بكل طاقتنا
معنى سر الإفخارستيا:

لقد خلق الله كل شيء
للخلود …

ولكن الموت دخل إلى
العالم بحسد إبليس.

فقد دفع المجرِّب
الإنسان الأول للخطية والعصيان وأوقعه تحت لعنة الله

فكيف يمكن للإنسان الذي
صار تحت سلطان الموت أن يستعيد الخلود؟

كان لابد من أن يدخل
جسده الميت في شركة القوة المحيية لله.

أمَّا قوة الله المحيية
فهي الكلمة (اللوغوس) …

لذلك فقد صار اللوغوس
إنساناً …

واتحد بجسدٍ قابل للموت
وأعطاه مناعة ضد الفساد وجعله جسداً محيياً.

لكن كان ينبغي أن يحل
فينا إلهياً
qeoprepîj بواسطة الروح القدس،

وأن يمتزج
بطريقة ما بأجسادنا بواسطة جسده المقدَّس ودمه الكريم.

وهذا هو ما
نناله في “الأولوجية المحيية” (= الإفخارستيا) كما بخبز وخمر.
]([355])

+ [أعطانا شركة
“الأُولوجية المحيية” التي بجسده ودمه المقدسين.]([356])

+ [شركة المسيح هي حياة
وقداسة.]([357])

+ [يشير سيدنا إلى نفسه
قائلاً لليهود: أنا هو خبز الحياة.

ليعلِّمهم أنهم إذا
أرادوا أن يتحصَّنوا ضد الفساد والموت، فعليهم أن يشاركوا ذاك الذي له القدرة على
الإحياء وعلى إبطال الفساد والموت …

فالذين يتناولون خبز الحياة،
جزاءهم الخلود.

فإنهم يرتفعون بعيداً
عن الفساد وكافة الأوجاع إلى الأجواء العليا الأبدية التي للحياة بحسب المسيح.]([358])

+ [الذين يأخذون المسيح
في التناول

قد يذوقون موت الجسد
بحسب طبيعتهم؛

ولكن هذا لا يُحزنهم

فإنهم يخضعون لهذا
الانتهاء العام مثل بقية الناس،

ولكنهم بحسب تعبير
القديس بولس هم
» أحياء لله إلى الأبد «]([359])

+ [إذا صُهرت الفضة غير
النقية مع الرصاص فإنها تتطهَّر به تماماً، لأن الرصاص يمتص كل شوائب المعدن
المنصهر،

وبنفس هذه الطريقة يعمل
فينا المسيح.

فبينما كنَّا غير
طاهرين، امتزج هو بنا جسدياً وروحياً،

وأبطل بذلك النجاسات
التي كانت فينا.

فهو يرفع خطايانا حتى
أننا به وبواسطته نصير أنقياء مصقولين.]([360])

+ [كان ينبغي، نعم كان
ينبغي، ليس فقط أن النفس تتجدَّد في جدة الحياة بالروح القدس؛ بل أن هذا الجسد
أيضاً الكثيف الأرضي يتقدَّس بتناول جسد مناسب لطبيعته حتى ينال هو أيضاً عدم
الفساد.]([361])

+ [» وأنا أقيمه
في اليوم الأخير
«

هو لا يقول “جسدي سيقيم
من يأكل منه” بل
» أنا أُقيمه «ليُظهر
جيداً أنه هو وجسده واحد، فهو (أي المسيح) يقول:
» إني أنا (أي
المسيح)
«الذي أكون فيه بجسدي أُقيمه في اليوم الأخير،

فمن المستحيل أن ذاك
الذي هو الحياة بطبيعته لا ينتصر على الفساد ولا يُبطل الموت.

لذلك فمع أن الموت
يُخضع الجسد البشري للفساد، إلاَّ أنه بسبب أن المسيح فينا بجسده فإننا نقوم
بالضرورة.

فإن شظِيَّة مشتعلة
مخفية في كوم من القش تحتفظ بأصل النار.

وهكذا يُخفي سيدنا
حياته فينا بجسده ويحفظها فينا كبذرة خلود.]([362])

+ [ولكن قد يسأل سائل: هل
الذين لم يقبلوا الإيمان بالمسيح ولم يشتركوا في جسده لا يحيون في زمن القيامة؟
فماذا إذاً؟ ألا تعود كل خليقة إلى الحياة؟

طبعاً، كل
خليقة ستقوم … جميع الناس سيقومون على مثال ذلك الذي قام من أجلنا وكان يحمل في
نفسه جميع الناس … الجميع سيقومون، الذين فعلوا البر إلى قيامة الحياة كما هو
مكتوب، والذين فعلوا الشر إلى قيامة الدينونة. والقيامة للعقاب أي العودة إلى
الحياة من أجل العذاب تبدو لي أفظع من الموت. فالحياة الحقيقية في المسيح هي حياة
القداسة والسعادة والفرح بلا نهاية … وهذه هي الحياة الموعودة للذين اشتركوا في
الجسد المحيي.]([363])

+ [أولئك الذين لم
يقبلوا الابن بواسطة “سر الأولوجية” (الإفخارستيا) يبقون بدون أية مشاركة على
الإطلاق ولا أي تذوُّق لحياة القداسة والسعادة.]([364])

+ [ياليتهم يفهمون ذلك،
أولئك المؤمنون المعتمدون الذين ذاقوا النعمة الإلهية، فإنهم بإهمالهم للمجيء إلى
الكنائس وبتسويفهم في التقرُّب من “أولوجية المسيح” (الإفخارستيا) وعلى الرغم من
الأعذار التقوية المغلوطة التي يقدمونها لكي لا يتناولوا؛ فإنهم بذلك يعزلون
أنفسهم عن الحياة الأبدية ويرفضون فعل الإحياء. وهذا الامتناع على
الرغم من مظهره التقوي يؤول إلى بؤسهم وهلاكهم.

فكان ينبغي بالأحرى أن
يُنهضوا عزيمتهم وكل طاقة نفوسهم ليتطهروا من خطاياهم، وأن يبذلوا جهدهم ليعيشوا
حياة صالحة فيتقدموا حينئذ بثقة إلى التناول المحيي.]([365])

+ [إن كان لنا اشتياق
شديد للحياة الأبدية وإن كنَّا نريد أن نستقبل داخلنا ذاك الذي يعطي الخلود فلا
نتمثلنَّ بإهمال أولئك الذين يرفضون أن يتناولوا “الأولوجيا” (أي الإفخارستيا) ولا
ننخدعنَّ بأعذار التقوى الغاشة التي يخترعها إبليس بمكر من أجل هلاكنا.

ولكنك تقول: مكتوب أن
مَنْ يأكل من هذا الخبز ويشرب من هذه الكأس بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه،
لقد امتحنتُ نفسي فوجدت نفسي غير مستحق.

وأنا أجيب مَنْ يقول
مثلك قائلاً: ومتى توجد مستحقاً؟ ومتى تتقرَّب من المسيح؟

إذا كانت سقطاتك تمنعك
من أن تتقرَّب وإذا كان لا يمكنك أن تكفَّ عن السقوط فأنت إذاً ستبقى على الدوام
بدون أن تشترك في هذا التقديس الذي يُحيي إلى الأبد؟

هيا بك، تعهد بأن تحيا
حياة أفضل واشترك في “الأُولوجية” (الإفخارستيا) واثقاً أنك تجد فيها علاجاً ليس
فقط للموت بل لكافة أمراضك أيضاً.]([366])

يقول القديس كيرلس في
تفسير إنجيل يوحنا ما معناه عن تلخيص العالِم
Mah:

[هذا التحوُّل الفائق
لكل كياننا لا يُرى ولا يُحس، فهو سر غير مادي ولا هو محسوس ولكنه حقيقة بكل تأكيد.
إنه ركن أساسي لإيماننا باعتراف التقليد كله، وينبغي أن نؤمن به بشكر بدون أن نفحص
كيفيته كما فعل اليهود قائلين:
» كيف يستطيع هذا أن
يعطينا جسده لنأكل؟
«أليس الله حرًّا في عطاياه؟ والذي خلق الإنسان
في البدء خالداً ألا يستطيع أن يعيد له الخلود؟ الذي هو الحياة بطبعه أيمكن أن
يتَّحد ويمتزج بنا بدون أن يعطينا الحياة؟]

+ [إن الماء بارد بطبعه،
ولكنه إذا سُكب في إناء وقُرِّب من النار فكأني به ينسى صفاته الخاصة ويكتسب صفات
النار.

وهكذا نحن أيضاً
الفاسدون بحسب طبيعة جسدنا،

فإننا نترك ضعفاتنا
حينما نمتزج بالحياة الحقيقية ونقبل صفات الحياة.]([367])

وبخصوص هذا الاتحاد بين
المسيح والإنسان المتناول، كتب القديس كيرلس صفحات بديعة لا تُجارَى في جمالها.
فمثلاً بخصوص تفسير يوحنا 57: 6:
» مَنْ يأكل جسدي ويشرب
دمي يثبت فيَّ وأنا فيه
«يقول:

+ [إذا مزجنا معاً
قطعتين من الشمع فإن كلاًّ منهما تبدو مسبوكة تماماً في الأخرى، وهكذا في رأيي
مَنْ يقبل جسد المسيح مخلِّصنا ويشرب دمه الكريم يصير واحداً معه كما يقول الرب
نفسه. فإنه يصير مسبوكاً وممتزجاً معه بالتناول حتى أنه يكون في المسيح والمسيح
يكون فيه. وهذا ما يعلمنَّا إياه الرب في إنجيل القديس متى حينما يقول: يشبه ملكوت
السموات خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع …
والقديس بولس يقول إن خميرة قليلة تخمِّر العجين كله.

وهكذا فإن أقل جزء من
“الأولوجيا” (
= الإفخارستيا) ينتشر في
جسدنا كله ويملأه بطاقته الخاصة، وهكذا يصير المسيح فينا ونحن فيه.]([368])

+ [صحيح حقاً أننا
متحدون بالمسيح روحياً بالمحبة الكاملة والإيمان البسيط المستقيم والنية
الصالحة النقية.

هذا هو اعتقادنا ونحن
لا ننكره …

ولكن إن تجاسر أحد وقال
إن ليس لنا معه أية علاقة بحسب الجسد
sunafe…aj tÁj kat¦ s£rka فهو يقع في مخالفة صريحة لأقوال الكتب الملهمة. فمن الواضح بدون
أدنى شك أنه بسبب هذا الاتحاد بحسب الجسد قيل أن المسيح هو الكرمة ونحن الأغصان
وأننا منه وبه نستمد الحياة داخلنا …

فلماذا
إذاً تدخل “الأولوجية السرية” (الإفخارستيا) داخلنا؟

أليس لكي
تجعل المسيح يسكن فينا
جسدياً بالتناول
وبشركة جسده المقدَّس؟
]([369])

+ [فإن المخلِّص نفسه
يقول:
» مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه «

ومن الجدير أن نلاحِظ
بتدقيق أن المسيح لا يقول أنه سيكون فينا بعلاقة وجدانية فقط بل بالشركة في
الطبيعة
kat¦ mšqexin fusik»n.]([370])

+ [لا يقُل أحد بعدم
إيمان: إذا كان الكلمة الذي هو الحياة بطبعه يسكن فينا ألا يصير بذلك جسد كل منَّا
مُحيياً؟

لا، فإن
هناك فرقاً كبيراً بين الشركة النسبية
mšqexij scetik» التي بها يحلُّ
الابن فينا، وبين الاتحاد الذي به جعل خاصّةً له الجسدَ المولودَ من القديسة
العذراء عندما تجسَّد. فالكلمة حينما يحل فينا لا يتأنَّس (من جديد) فإنه لم
يتجسَّد إلاَّ مرة واحدة.
]([371])

يقول القديس كيرلس في
تفسيره لصلاة المسيح:
» ليكون الجميع واحداً
كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا
«

+ [إن سيدنا يطلب من
أجل المؤمنين أن يكون بينهم رباط المحبة والوفاق والسلام ليكونوا جميعاً متحدين بوحدة
روحية
على مثال الوحدة الطبيعية الجوهرية الكائنة بين الآب والابن … هذا حق،
ولكن إذا تأملنا هذا النص بتدقيق أكثر:
» كما أنك أنت
أيها الآب فيَّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا
«فإننا نجد
أنه على مثال المساواة في الجوهر الموجودة في الثالوث هكذا ينبغي أن تكون الوحدة
التي تربطنا بعضنا ببعض ومع الله وحدة في الطبيعة
fusik¾n
t¾n ˜nÒthta
.]([372])

ولكن كيف تتحقَّق هذه
الوحدة في الطبيعة (الإلهية) بين كل تلاميذ المسيح على الرغم من تمايزهم في
الأجساد والنفوس؟

+
[إن الابن الوحيد الذي هو حكمة الآب ومشورته لمَّا أراد أن يُقيم هذه الوحدة بين
بعضنا البعض ومع الله وأن يمزجنا بعضنا ببعض بنوع ما على الرغم من اختلافنا في
الأجسام والأرواح، ابتكر لذلك وسيلة عجيبة: فقد أعطى المؤمنين به جسده ليأكلوه في
“الأولوجية السرية” (الإفخارستيا).

وبذلك جعلهم متحدي
الجسد معه وبين بعضهم البعض.

فمن ذا يستطيع أن
يفرِّق ويفصل هذه الوحدة التي في الطبيعة
fusikÁj
˜nësewj
أولئك الذين
ارتبطوا ببعض بوحدة المسيح بواسطة الاشتراك في جسده المقدَّس؟ إن كنا جميعاً نشترك
في خبز واحد فنحن جميعاً جسد واحد لأن المسيح لا يمكن أن ينقسم.
]([373])

لقد قال المسيح في
العشاء الأخير:
» هذا هو جسدي « و» هذا هو دمي « والقديس كيرلس يريدنا أن نقبل شهادة المعلِّم الإلهي بدون أدنى
تردد، لأنه هو الحق ولا يستطيع أن يكذب، فطالما هو يؤكِّد لنا أن هذا هو جسده ودمه
ينبغي أن نصدِّقه بلا فحص([374]).

ويقول القديس كيرلس
أيضاً بخصوص هذه الكلمات التأسيسية في
تفسيره لإنجيل القديس متى:

+ [بعد خروج يهوذا
سلَّم الرب الأحد عشر سر الخلاص …

وإذ كان عتيداً أن يصعد
لأبيه بجسده ..

أعطانا جسده الخاص ودمه
حتى لا نُحرم من حضور ذاك الذي يخلِّصنا.]([375])

+ [لقد شكر الرب على
الكأس، وبذلك اتصل بأبيه بواسطة الصلاة لكي يشتركا معاً في إعطائنا “الأولوجية
المحيية” (الإفخارستيا)، وبذلك أيضاً علَّمنا بمثاله أنه ينبغي أن نشكر قبل أن
نكسر الخبز ونوزعه. ولذلك حينما نضع القرابين (الخبز والخمر) أمام الله نصلِّي
بلجاجة لكي يتحولا لنا إلى “أولوجية روحية”، حتى أننا إذ نتناول منهما نتقدَّس في
أجسادنا وأرواحنا. ثم يقول (الكاهن) مشيراً إلى القرابين:
» هذا هو جسدي «» هذا هو دمي «لكي لا تظن
أن ما يظهر أمامك هو مجرد رمز، بل لكي تعرف جيداً أنه بفعل الله الضابط الكل
الفائق لكل وصف قد تحوَّلت القرابين بالحقيقة إلى جسد المسيح ودمه.]([376])

إن كلام القديس كيرلس
هنا
في منتهى الصراحة والوضوح بخصوص حقيقة تحوُّل القرابين: فالخبز والخمر المقدَّسان
ليسا مجرد رمز ولكنهما تحوَّلا بالحقيقة إلى جسد المسيح ودمه.

ولكن أسقف الإسكندرية
لا يسترسل في برهنة ذلك، فإن فكره يميل كما رأينا إلى اتجاهٍ آخر.

إن حقيقة التحوُّل في
الإفخارستيا تتبرهن لديه من قدرة الإفخارستيا على الإحياء.

+ إذا كان سر الأولوجية
(الإفخارستيا) يقدِّسنا بمثل هذه القوة،

وإذا كانت
الإفخارستيا توحِّدنا بالمسيح بمثل هذا الاتحاد الوثيق، فلا بد أن
تكون بالحقيقة هي الجسد المحيي والدم الكريم اللذين للكلمة المتجسِّد!

فأي صورة أو رمز، سواء
كان المنُّ أو الماء الخارج من الصخرة أو خروف الفصح، يكون لها مثل هذا الأثر
التقديسي الفعَّال؟ ولكن أسرار العهد الجديد تفوق بلا حدود طقوس العهد القديم من
جهة الكرامة والأثر الفعَّال. ففي القديم كان ظل الأشياء وأمَّا الآن فالحقيقة.([377])

+ [آباؤكم أكلوا المن
في البرية وماتوا … كان اليهود يعظِّمون موسى لأنه أعطى آباءهم المن في البرية،
ولكن المن لم يكن سوى رمز لسر الأولوجية (الإفخارستيا)، لذلك نرى ربنا يسوع المسيح
يقلِّل من أهمية الرمز بحكمة كبيرة لكي يجعلهم يدركون عظمة الحقيقة (المرموز
إليها). لم يكن المن هو خبز الحياة بل
» أنا هو خبز الحياة « أنا الذي نزلت من السماء لأُحيي مَنْ يأكلني بأن أدخل فيه بجسدي الخاص … إن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق.]([378])

+ [العبرانيون شربوا
الماء من الصخرة، ولكن هذا الماء لم يكن هو المشروب الحق. المشرب الحق هو الدم
الكريم الذي للمسيح الذي يُبطل فينا تماماً الفساد والموت.]([379])

+ [إن تلاميذ المسيح لا
يتقدَّسون بعد بحملٍ مختار من الحظيرة، ولكنه المسيح نفسه الذي يُقدَّم كذبيحة في
“سر الأولوجية” (الإفخارستيا) هو الذي يصير لنا ينبوع بركة وحياة. فقد جعل نفسه خبزاً
حيًّا ليعطي حياةً للعالم.]([380])

+ [إن طبيعة الجسد بحد
ذاتها ليست محيية. كل الأشياء المخلوقة ليست محيية بل على العكس تحتاج أن تستمد
الحياة من آخر.]([381])

+ [ونحن حينما نشترك في
“سر الأولوجية” (الإفخارستيا) ونتناول الجسد المقدَّس الذي للمسيح مخلِّصنا، لا
نتناوله بصفته جسداً عادياً حفظنا الله من مثل هذا التجديف!
ولا بصفته جسد إنسان تقدَّس واقترن باللوغوس باتحاد معنوي … فإن الرب يقول: الحق
الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليست لكم حياة في أنفسكم
… فلا تحسبنَّ جسد ابن الإنسان هذا مجرد جسد إنسان مثلنا! (فكيف يكون جسد إنسان
محيياً؟!) بل إنه الجسد الخاص لذلك الذي صار ودُعي ابن الإنسان من أجلنا.]

+
[ينبغي أن نكرر ذلك القول: الجسد بحد ذاته بطبيعته الخاصة لا ينفع شيئاً من جهة
تقديس وإحياء الذين يتناولون منه. ولكن إذا اعتبرنا وإذا آمنَّا أن
الجسد هو هيكل الكلمة (اللوغوس)، فإننا
ندرك أنه قادر أن يمنح
القداسة والحياة ليس من ذاته بل بسبب اللوغوس المتحد به.]([382])

+ [إذا تأملنا سر
التجسُّد وإذا أدركنا مَنْ هو الحالُّ في هذا الجسد، فإننا لا نجد أية صعوبة في
تصديق قدرة هذا الجسد على الإحياء، مع أن الجسد من نفسه لا ينفع شيئاً.]([383])

+ ولكن إذا أضعفنا معنى
التجسُّد ومغزاه، وصرنا لا نعتبر الجسد المولود من العذراء سوى جسد عادي مقترن
بالكلمة الإلهي باتحاد معنوي، فإن هذا يجعل من الإفخارستيا طقساً بلا منفعة ومجرد
تذكار عابر لموت الرب([384]).

وهذا من الأسباب التي
جعلت القديس كيرلس يجاهد بمثل هذه الشدة ضد تعاليم نسطور. لأن إنكار الاتحاد
الجوهري الطبيعي القائم بين الكلمة وناسوته إنما ينقض أساس فاعلية جسد الرب في
الإفخارستيا. فالاتحاد الأقنومي هو أساس هذه الفاعلية، فإن الكلمة لمَّا وحَّد
بنفسه الجسد المولود من العذراء مريم وجعله خاصةً له، فقد أحياه بذلك بالحياة
الإلهية وجعله مُحيياً([385]).

+ [إذا وضعتم حديداً في
النار، فإنه يمتلئ كذلك بقوة النار … وهكذا الكلمة المحيي لمَّا وحَّد جسده
بنفسه بالكيفية التي هو وحده يعلمها جعل هذا الجسد
محيياً.]([386])

+ [إذا كانت النار المادية
تستطيع أن تمنح خواصها للماء البارد بطبعه، أفلا نصدِّق أن كلمة الله الآب الذي هو
الحياة بطبعه يستطيع أن يجعل الجسد محيياً هذا الذي وحَّده بنفسه وجعله

خاص
اله؟]([387])

+ [فمن غير المعقول
حقاً أن نعترف أن العسل حينما يمتزج بالأشياء المرَّة يمنحها حلاوتها وفي نفس الوقت نرفض أن نؤمن بأن الكلمة المحيي قادر أن
يمنح حياته للجسد الذي يسكن
فيه.]([388])

وعلى الرغم من كل هذه
التشبيهات فإن قدرة جسد المسيح على التقديس والإحياء تبقى على مستوى السر الذي لا
يمكن فهمه أو تعليله:

+ [بأية كيفية يصير جسد
الرب محيياً؟

هذا سر لا يستطيع فكر
الإنسان أن يَسْبُرَ غَوْره،

ولا أي لسان أن يعبِّر
عنه.

ولكنه جدير بأن يُعبَد
في صمت وإيمان.]([389])

+ [حقاً إن كل أثر
(روحي) فعَّال ينبغي أن يُنسب للاهوت،

فحتى جسد الرب نفسه قد
تقدَّس بفعل اللاهوت (الكلمة) المتحد به، ولكنه صار (بدوره) فعَّالاً، حتى إنه في
“الأولوجية” (الإفخارستيا) يمنحنا قداسته الخاصة.]([390])

إن دقة هذا التعبير
وقوته جديران بالملاحظة. فالذي يقدِّسنا في الإفخارستيا هو جسد الكلمة، ولكنه ليس
الجسد في حد ذاته إذا كان منفصلاً عن الكلمة، لأنه بذلك لا ينفع شيئاً، ولكنه
الجسد المتحد أقنومياً بالكلمة حتى صار محيياً بسبب هذا الاتحاد. وهو لا يملك هذه
القوة المحيية من ذاته ولكنه يكتسبها بكونه
جسد الكلمة. غير أنه يمتلكها بالحقيقة، فهو حقاً الذي يحيينا، وبفعله نحن

نتغيَّر.

+ ولكي يقنعنا الرب أن
جسده فعَّال،
استخدمه في عمل
المعجزات. لذلك شفى المرضى وأقام الموتى بلمسهم بيديه ([391]).

+ [في إقامة الموتى لا
يكتفي المخلِّص بأن ينطق بكلمات وأوامر كما كان يليق به بصفته إلهاً، ولكن يستعين
أيضاً بجسده المقدَّس لكي يُظهر لنا قدرة جسده على الإحياء … فمثلاً عند إقامته
لإبنة رئيس المجمع يقول لها
» يا ابنة قومي «وفي نفس
الوقت يمسك يدها. فهو يحييها بأمره بصفته إلهاً، وفي نفس الوقت أيضاً يُحييها بلمس
جسده المقدَّس.]([392])

+ [فإن كان قد أحيا ما
قد فسد بمجرد لمس جسده فما أوفر المنافع الروحية التي ننالها في (الإفخارستيا)
التي بها لا نلمس فقط هذا الجسد بل ونأكله أيضاً.]([393])

فالجسد الذي نأخذه في
التناول هو الجسد المولود من العذراء الذي تألم ومات وقام، أو بمعنى آخر هو جسد
المسيح التاريخي. فالجسد الإفخارستي هو هو الجسد التاريخي في فكر القديس كيرلس.
وهذا واضح على الخصوص في جداله مع نسطور حيث ينتقل باستمرار من أحدهم للآخر
معتبراً أنهما واحد: فإليك مثلاً نص الحرم الحادي عشر:

+ [إن رفض أحد أن يعترف
أن جسد الرب محيي وأنه هو الجسد الخاص لكلمة الله الآب بل ادعى أنه جسد إنسان آخر
متميز عنه ومتحد به فقط اتحاداً معنوياً، أي أنه جسد إنسان مجرد يسكن فيه اللاهوت
بدلاً من أن يعترف أنه محيي كما قلت لأنه الجسد الخاص
للكلمة القادر أن يحيي كل شيء، فليكن أناثيما.]([394])

+ [كان ينبغي أن المسيح
يحل فينا روحياً بالروح القدس ويمتزج بطريقة ما بأجسادنا بواسطة جسده المقدَّس
ودمه الكريم.

وهذا هو ما نلناه في
“الأولوجية المحيية” كأنه بخبز وخمر.

ولكن إن رأينا لحماً
ودماً معروضين على الموائد المقدَّسة في كنائسنا لكنا نجزع، ولذلك فالله إذ يشفق
على ضعفنا يمنح القرابين قوة حياة، ويحولها إلى قوة جسده الخاص لتكون لنا شركة
محيية، وليكون جسد الحياة فينا كبذرة محيية.

اثبتوا في هذا الإيمان
فهو الحقيقة. فإن الرب قال بوضوح:
» هذا هو جسدي «و» هذا هو دمي « فاقبلوا كلام المخلِّص بإيمان لأنه هو الحق وهو لا يكذب!]([395])

+ [نؤمن أن كلمة الله
الآب الذي هو الحياة بطبعه اتحد بجسد ذي نفس عاقلة مولود من القديسة العذراء،
وجعله محيياً بهذا الاتحاد السري الفائق الوصف، حتى
أنه إذ
يجعلنا نشترك فيه روحياً وجسدياً يرفعنا فوق
الفساد ويُبطل ناموس الخطية المالك على أعضاء
جسدنا.]([396])

+ [حيث أن جسد المخلِّص
صار محيياً بسبب اتحاده بذلك الذي هو الحياة بطبعه، أي بكلمة الله، لذلك فحينما
نأكل هذا الجسد، فنحن ننال فيه الحياة داخلنا لأننا نتحد به بمثل ما هو متحد
بالكلمة الساكن فيه.]([397])

+
[ولذلك فحينما نتناول من هذا الجسد، فهو يحوِّلنا إلى حالته الممتازة أي إلى خلود …
وإلى حياة.]([398])

+ [نحن جميعاً بحسب
الطبيعة منحصرون في شخصياتنا،

ولكن من جهة أخرى نحن
جميعاً متحدون،

فعلى الرغم من كوننا
منقسمين إلى شخصيات متميزة بعضها عن بعض بحيث أن أحدنا يكون بطرس والآخر يوحنا أو
توما أو متى،

لكننا جميعاً ننصهر في
جسد واحد في المسيح إذ نأكل جسداً واحداً،

والروح الواحد يشكِّل
وحدتنا.

وكما أن المسيح واحد
وغير قابل للإنقسام،

هكذا نحن أيضاً نكون
واحداً فيه،

ولذلك طلب من أبيه
السماوي
» ليكونوا (المؤمنين) واحداً كما أننا نحن (الآب والابن) واحد «]([399])

+ [لمَّا أراد ابن الله
الوحيد أن يُدخلنا في الوحدة مع الله ومع بعضنا البعض، ويصيِّرنا ممتزجين بعضنا
ببعض على الرغم من كوننا مختلفين ومفترقين بالأجسام والأرواح بسبب الكيان الذاتي
لكل واحد منا، ابتكر لذلك وسيلة هي ثمرة حكمته ومشورة الآب. فقد بارك المؤمنين به
بواسطة التناول السري من جسد واحد وهو جسده الخاص وجعلهم بذلك جسداً واحداً معه
بالكمال ومع بعضهم البعض.

فمن ذا يستطيع أن
يفرِّق ويفصل من هذا الاتحاد الطبيعي أولئك الذين اتحدوا بوحدة المسيح بواسطة هذا
الجسد المقدَّس الوحيد؟

فالمسيح لا يمكن أن
ينقسم، لذلك تُدعى الكنيسة جسد المسيح ونحن أعضاء بحسب فكر القديس بولس (1كو 27: 12).

وحيث أننا جميعاً
متحدون بالمسيح الواحد بواسطة جسده المقدَّس، إذ نتناوله في أجسادنا وهو واحد وغير
منقسم، فنحن بذلك نكون أعضاء المسيح، وأعضاؤنا تصير له أكثر مما هي لنا. فإذ نحن
جميعاً متحدون بالجسد
sÚsswmoi (أف 6: 3) بعضنا ببعض في المسيح، وليس فقط
بعضنا ببعض بل ومعه أيضاً إذ أنه يحل فينا بجسده الخاص، فكيف لا تُستعلن منذ الآن
بطريقة منظورة وحدتنا بعضنا ببعض وفي المسيح؟ فالمسيح هو بالفعل رباط الوحدة
Ð tÁj
˜nÒthtoj sÚndesmoj
لأنه هو هو نفسه في كيان واحد إله وإنسان!]([400])

+ [الذي نأخذه في سر
الأولوجية ليس هو مجرد طعام مثل بقية الأطعمة ولا هو جسد قديس، ولكنه الجسد المحيي
ذاته الذي لله الكلمة.]([401])

+ [الخالق نفسه يعطي
ذاته مأكلالخليقته.

الحياة نفسها تعطي
ذاتها مأكلاً ومشرباً للإنسان المائت.]([402])



اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى