عهد قديم

الإصحاح الرابع عشر



الإصحاح الرابع عشر]]>الإصحاح الرابع عشر

 

يستمرأيوب هنا في التحدث مع الله، ومناجاة نفسه

الأيات1-6:- “الانسانمولود المراة قليل الايام وشبعان تعبا، يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف،فعلى مثل هذا حدقت عينيك واياي احضرت الى المحاكمة معك، من يخرج الطاهر من النجسلا احد، فاقصر عنه ليسترح الى ان يسر كالاجير بانتهاء يومه، فاقصر عنه ليسترح الىان يسر كالاجير بانتهاء يومه”.

 الإنسان.. . قليل الأيام= فالإنسان ضعيف يتألم علي الأرضلفترة قليلة ثم يموت. أما الذي ولد من الله فله حياة أبدية. يو 13:1. ولاحظ قولهقليل الأيام فلأن الحياة قصيرة يقيسها بالأيام وليس بالسنين. أما في السماءفحياتنا أبدية وبلا ألام. يخرج كالزهر ثم ينحسم= هذه هي طبيعة الحياةالبشرية، يولد الإنسان كزهرة ثم سريعاً ما يذبل (ينحسم= يقطع). ويبرح كالظل=الظل يسير بسرعة، ولا يترك وراءه أثراً. فعلي مثل هذا حدقت عينيك= هلتحضرني أنا الإنسان التافه للمحاكمة معك. من يخرج الطاهر من النجس. لا أحد=إن كان الإنسان يولدمن إمرأة خاطئة فهل يمكن أن يولد طاهر من أم خاطئة نجسة “بالخطايا ولدتنيأمي” وهذا معني أننا نرث الخطية الأصلية (خطية أبوينا الأولين). ولا أحديمكنه أن يجعل مولوداً طاهراً، لكن الروح القدس كوَن جسداً طاهراً في بطن العذراء،جسد المسيح الذي صار خطية ليحمل خطايانا، ونولد طاهرين من أم طاهرة هي الكنيسة ومنالروح القدس بالمعمودية. ولكن معني كلام أيوب هنا، يارب أنت تعرف ضعف طبيعتي فلاتحاسبني علي خطاياي بهذا الشكل، فأنا خاطئ بطبيعتي. إن كانت أيامه محدودة=الله حدد أعمار كل البشر. والله يعرف أن أيام الإنسان قليلة، فهل تسمح يارب بأنيقضي الإنسان أيامه القليلة في عذاب خاصة لو كان باراً مثلي. فأقصر عنه= أرفع هذه الألام. وحول نظرك عن تعذيب شخص ضعيف مثلي.إسمح لهذا الإنسان الضعيف أن يلتقط أنفاسه إلي أن يسر كالأجير بإنتهاءيومه= أي إمنحني فرصة لإلتقاط الأنفاس قبل أن أموت. وهنا نلاحظ شعاع من رجاءفي أجر سماوي بعد الموت فهو يصور حياة الإنسان هنا كيوم الأجير، بعد أن ينتهي يومهيحصل علي أجرته.

الأيات7-15:- “لان للشجرة رجاء ان قطعت تخلف ايضا ولا تعدم خراعيبها، ولو قدمفي الارض اصلها ومات في التراب جذعها، فمن رائحة الماء تفرخ وتنبت فروعا كالغرس، اماالرجل فيموت ويبلى الانسان يسلم الروح فاين هو، قد تنفد المياه من البحرة والنهرينشف ويجف، والانسان يضطجع ولا يقوم لا يستيقظون حتى لا تبقى السماوات ولا ينتبهونمن نومهم، ليتك تواريني في الهاوية وتخفيني الى ان ينصرف غضبك وتعين لي اجلافتذكرني، ان مات رجل افيحيا كل ايام جهادي اصبر الى ان ياتي بدلي، تدعو فانا اجيبكتشتاق الى عمل يدك”.

 فكرة القيامة بعد الموت غير واضحة عند القدماء. وأيوب هنا يقول أنالشجرة لها أمل، فحتي أن قطعت (جزء من جسمها) تخلف أيضا= تنبت ثانيةأغصاناً صغيرة. ولا تُعدمخراعيبها= الخراعيب هي الأغصان. والشجرة سيكون لها ثانية أغصان نابتة من الجذعالموجود في الأرض. ومهما بدا أن الشجرة ذبلت وماتت= ولو قدُم في الأرض أصلها=ومهما كان عمرها. فلها رجاء في خروج أغصان جديدة. فمن رائحة الماء تفرخ=فالموت هو إنقطاع الماء عن الشجرة. أما الرجل فيموت ويبلي= يموت ويتحولجسده إلي تراب ولا رجاء له في عودة أخري بعكس الشجرة. ولكن بعد المسيح تغيرالمفهوم. فهناك شجرة قطعت هي شجرة عائلة داود ولكن نبت غصن منها هو المسيح إبنداود. (أش 1:11) وهذا رمز لما حدث لكل البشرية، التي كانت الشجرة الأصلية التيقطعت بالموت، حتي خرج منها غصن ليحييها ثانية. وكيف عادت الحياة لشجرة أيوب؟بالماء آية (9). وكيف عادت الحياة للإنسان؟ كان هذا بالروح القدس الذيإنسكب علي الكنيسة بإستحقاق دم المسيح، والروح القدس رمزه الماء الذي أحيا الشجرةالمائتة القديمة التي قدُم في الأرض أصلها ومات في التراب. وشرحبولس الرسول الموت الآن بأنه البذرة (الجسد الميت) التي توضع في التراب حتي تكونهناك شجرة (1كو 35:15-38) وهذا بسبب حياة المسيح التى فيه. قد تنفذ المياه منالبحرة= البحرة هي مستنقع الماء المنخفص عن الأرض. وهنا يشبه أيوب حياةالإنسان بالمياه التي تطفو فوق الأرض، سرعان ما تجف ويبتلعها التراب ثانية. هكذا الإنسانيضطجع ولا يقوم والنهر هنا. . . النهر ينشف ويجف= ليس نهر كبير كنهرالنيل ولكنه ما سبق وأسماه غدير (أي 15:6). والآية (12) لا يستيقظون حتيلا تبقي السموات= حسب الترجمة اليسوعية الإنسان يضجع فلا يهب إلي أن تزولالسموات¨. أي هو موت نهائي بلا أمل في رجوع،حتي لو زالت السموات¨.وعاد بعد ذلك أيوب يطلب الموت= ليتك تواريني الهاوية*= هو يطلب مخبأ في القبر من عذاب آلامه. والهاوية تعني في نظر الأقدمين المكان الذييذهب له الأموات. وهناك مكانين كهاوية، أولهما للأبرار وثانيهما للأشرار ولكنالأشرار في الهاوية الخاصة بهم لا صلة بينهم وبين الله أو بين الأبرار في هاويتهم.وتخفيني إلي ينصرف غضبه*= أيوب يتصور أن الله في غضبه جلبعليه كل هذه الآلام، وهنا يطلب منه أنيكمل غضبه بأن يميته حتي ينصرف غضبه. ونحن نعلم أن الموت هو آخر عدو يبطل وطالمانموت فهناك غضب. فوجود أجساد القديسين في القبور معناه أن هنالك بقية من الغضبالذي كانوا أبناء له بالطبيعة، وهنالك يبقون خاضعين لبعض نتائج الخطية، ولكن عندما يقوم الجسد ينتهي كلغضب الله، حين ينتهي آخر عدو ويبطل. وتعين لي أجلاً فتذكرني*= كما ذكر نوح في الفلك الذي خبأه الله فيه، ليس فقط لإهلاك العالم القديم، بل حفظهفيه لإعداد عالم جديد وهنا نجد إشراقة ثانية في إيمان أيوب بحياة بعد الموت فيهايذكر الله أيوب بعد أن عاقبه علي خطاياه [أيوب إذا عبر في كلامه عن فناء الإنسانبعد الموت يكون متكلماً بلسان الإنسان أيوب الذي هو محدود في معلوماته، وإن نطقبأقوال نجد فيها رجاء القيامة يكون الروح القدس هو الذي ينطق علي لسانه لتكون كلماتهكنور يشرق في ظلمات العهد القديم، فيري الناس بصيصاً من ضوء يعزيهم بأن هناك رجاءفي حياة بعد الموت. ولولا هذه الكلمات وأمثالها ما فهم الفريسيين أن هناك قيامة]

إنمات رجل أفيحيا= هذا تساؤل من عقل إلتبس عليهالفهم، فأيوب لم يري في حياته رجل قام بعد أن مات. لكنه يشعر بإيحاء من الله أنهناك رجاء في ذلك وهو لا يفهم كيف. كل أيام جهادي أصبر إلي أن يأتي بدلي=هو تساءل مثلاً إن مات رجلأفيحيا، وهو هنا يقول لو ثبت هذا لكنت أصبر إلي أن يتبدل حالي من حال الشقاء الذيأعاني منه الأن إلي حال المجد الذي أنتظر أن أجده بعد ذلك. والمسيح أجاب هذاالسؤال قائلاً “من آمن بي ولو مات فسيحيا يو 25:11 وهذا الإيمان الراسخبالقيامة الأن هو الذي يدفع القديسين علي إحتمال آلامهم بصبر ويدفع الشهداء عليإحتمال عذاباتهم بصبر. أما أيوب فكان في مرحلة التساؤل؟ هل ما أشعر به بأن هناكتبديل لحالي بعد الموت، هل هذا الشعور حقيقة أم خيال؟! إذا كان حقيقة فبالتأكيدسوف أصبر. وحين وصل أيوب لهذا صرخ بفرح تدعو فأنا أجيبك= إن كنت ستبدل حاليفأنا أجيبك إلي أي مكان تأخذني إليه، إذا سمحت بألم أو موت فأنا مستعد أن أجيبك إلى أى مكان تأخذنى إليه، إذا سمحت بألم أو موت فأنا مستعد أن أجيبك. ولقد توصل أيوب لهذا بعد أن شعر بصوت في داخله يكلمه عن محبة اللهوإشتياقه له= تشتاق إلي عمل يدك ولنلاحظ تضارب المشاعر داخل نفس أيوب،فالله لم يتركه في ضيقته بل كان يعطيه مشاعر معزيةأبوية وأن الله فى إشتياق إليه، ومن ناحية أخرى كان إبليس يصيب أيوب بضربات متلاحقة ويُصور له قسوة الله وتخليه. وكم من مرة كانالله يريد أن يغمرنا بمشاعر محبته الأبوية في ضيقتنا ونحن نرفض بسبب إصرارنا عليأن الله سبب مصائبنا فنخاصمه، فنحرم أنفسنا من تعزياته أثناء ضيقنا.

الأيات16-22:- “اما الان فتحصي خطواتي الا تحافظ على خطيتي، معصيتي مختوم عليهافي صرة وتلفق علي فوق اثمي، ان الجبل الساقط ينتثر والصخر يزحزح من مكانه، الحجارةتبليها المياه وتجرف سيولها تراب الارض وكذلك انت تبيد رجاء الانسان، تتجبر عليهابدا فيذهب تغير وجهه وتطرده، يكرم بنوه ولا يعلم او يصغرون ولا يفهم بهم، انماعلى ذاته يتوجع لحمه وعلى ذاتها تنوح نفسه”.

 قلناأن مشاعر أيوب كانت متضاربة مثل كل واحد منا في ضيقته وللأسف إستجاب لصوت إبليس،وعاد يكرر الشكوي من الله ثانية. وبهذا خسر صوت التعزية الذي كان قد بدأ يسمعه،وعاد يتألم ويصرخ ثانية. هو شئ يدعو للأسف أن الله كان يحيطه بهذه المشاعر، مشاعرإشتياق الله له ثم يستجيب لصوتالتذمر علي الله ثانية. أما الأن فتحصي خطواتي= لتجد لي خطية

ألاتحافظ علي خطيتي= ترصد خطاياي (الترجمة اليسوعيةوالإنجليزية) معصيتي مختوم عليها في صرة= أنت حفظت خطاياي السابقة والحاليةووضعتها في صرة، كا يحفظ دليل الإتهام ضد المجرم. وتلفق عليَ فوق إثمي=أي بعد أن وضعت خطاياي في صرة خَيَطت عليها حتي لا تضيع خطية. والمعني أنك لا تقبلأن تغفر أبداً بل تعاقب علي كل خطية وتحاسبني علي كل شئ. وحسناً فعل أيوب هنا حينإعترف بأن له خطايا يمكن أن يعاقب عليها، ولكنه أساء إلي صلاح الله إذا حسبهقاسياً مترصداً لكل خطية رافضاً أن يغفر وهو لم يعرف أن الله يعاقبنا، إن عاقب، بأقل مما نستحق وحفظ العقوبة كلها لتقع عليالمسيح، وأما ما يسمح به ضدنا فهو للتأديب فقط. وتصل قمة غضب أيوب للآية 18، 19.فإذا بدأ الإنسان الشكوي والتذمر لا يوقفه شئ وقد يصل الأمر للصدام مع الله كماحدث هنا. فأيوب قال هنا كلام في منتهي القسوة عن الله “أنت تبيد رجاءالإنسان. . . تتجبر عليه أبداً فيذهب. . . وأن الله في قسوته يبيد رجاءالإنسان كما لو كان غضبه سيول تجرف تراب الأرض. هو هنا ينظر لثروته التيذهبت نتيجة غضب الله (في نظره) وقال أن غضب الله أضاع كل رجائي (ثروتي/ أولادي/ صحتي. . . كل ما كان لي). والله عمل ما عمله بتجبره بلارحمة. فلو كنت جبلاً لما إحتملت، ولو كنت صخراً لكانت مياه الآلام التي أصابتني قدجعلت هذا الصخر يبلي ويتزحزح عن مكانه. . . إن الجبل الساقط ينتثر= أي كما يتفتت الجبل الساقط ويبلي الحجر، هكذا ما حدث لي.تغير وجهه وتطرده= لقد غضبت عليَ يارب فغيرت وجهي (حتي أصحابه لم يعرفوه مننتائج مصائبه). ثم تطرده من هذا العالم نهائياً. يكرم بنوه ولا يعلم أويصغرون ولا يفهم بهم. إنما علي ذاته يتوجع من شدة الألم الذي يلحق بالإنسانالذي يغضب الله عليه يتوجع، ولا ينشغل بشئ حوله سوي ألمه، فإن أكرم أحد بنيه لن يفرح بسبب غمه، وإن أهان أحد بنيه فلن يغتم بأكثر مما هو مغتم، فغمه وصل إلي حدالتشبع.



¨ والسموات في نظر أيوب لا تزول. إذنالموت نهائي

 * يظهر هنا الأفكار المتضاربة عن مصير النفس بعدالموت (راجع المقدمسة نقطة 11 )

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى