سفر اعمال الرسل

الإصحَاحُ السَّابعُ وَالْعِشْرُونَ



الإصحَاحُ السَّابعُ وَالْعِشْرُونَ]]>

الإصحَاحُالسَّابعُ وَالْعِشْرُونَ

 

*محاكمته أمام رؤساء اليهود (متى 57:26-10:27)

*محاكمته أمام بيلاطس (متى 2:27، 11-31)

* صلبيسوع (متى 32:27-56)

* دفنيسوع (متى 57:27-61)

*الحراس على القبر يوم السبت (مت62:27-66)

 

(الآيات1:27-10) يأس يهوذا وإنتحاره

الآيات(1،2): “ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتىيقتلوه. فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي.”

أنظرالمحاكمة المدنية للمسيح.

 

آية(3): “حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضةإلى رؤساء الكهنة والشيوخ.”

كانيهوذا في طمعه يظن أنه يقتني ربحاً بالثلاثين من الفضة وإذا به يقتني هماً وغماً،فذهب يرد الفضة في ندامة بلا توبة ومرارة بلا رجاء. وهكذا كل خاطئ فهو يظن أنالخطية ستعطيه لذة وإذا به يقتني هماً وغماً ويأساً.

 

الآيات(4-6): “قائلاً قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً فقالوا ماذا علينا أنت ابصر.فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه. فاخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لايحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم.”

ماذاعلينا= عبارةتعني عدم إهتمامهم بما يقول، فقد حصلوا على ما يريدون. عجيب أن هؤلاء القتلةيقولون ليهوذا أنت أبصر، أما هم قاتلوه فليس عليهم أن يبصروا. ثم يقولون”لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم” فإذا كان وضع ثمنالدم في الخزانة يعتبر إثماً فكم يكون إهدار الدم. وإذا كنتم قد رأيتم عذراً لصلبالمسيح فلماذا ترفضون قبول الثمن، حقاً قال عليهم السيد “يصفون عن البعوضةويبلعون الجمل” إذ يشترون صاحب الدم الزكي بالمال ليقتلوه، ويرتابوا من وضعثمن الدم في الهيكل.

ثممضى وخنق نفسه= لعلهتصوَّر أن المسيح سوف يخرج من بين أيديهم كما كان يفعل سابقاً. ولما لم يفعل ندميهوذا. ولكن التوبة ليست مجرد ندم، ولكنها إيمان يملأ القلب بالرجاء، ويدفعه الحبللإرتماء في أحضان الله. ولكن يهوذا كان أعمى عن رحمة الله الواسعة. إن الشيطانالذي أغواه بالخطية دفعه لليأس بعد السقوط مصوراً له أن خطيته لن تغفر (2كو10:7).وفي (أع18:1) نفهم أنه في شنقه لنفسه سقط على وجهه فإنشق من الوسط وإنسكبت أحشاؤهكلها، ويبدو أنه بعد أن خنق نفسه سقط على شئ حاد أو بارز فشقت بطنه.

 

آية(7): “فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء.”

حقلالفخاري= سمىهكذا لأن فخارياً كان يمتلكه ويستغله، وكان ثمنه زهيداً إذ لا يصلح للزرع ولاللرعي بسبب إستعمال الفخاري له. وهذا الحقل الذي إشترى بالثلاثين من الفضة وصارمدفناً للغرباء يشير للعالم الذي إفتداه الرب بدمه لكي يدفن فيه الأمم فينعمون معهبقيامته (الذين ماتوا مع المسيح وأيضاً سيقومون معه) وهذا ما يحدث في المعمودية.

 

آية(9): “حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل واخذوا الثلاثين من الفضة ثمنالمثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل.”

ماقيل بإرمياء النبي= الذيتنبأ هذه النبوة هو زكريا. ولكن كان سفر إرمياء في التلمود أول أسفار الأنبياء لذاكان إسم إرمياء يطلق على كل النبوات (زك12:11،13). فاليهود يقسمون العهد القديمثلاثة أقسام الأول هو الشريعة والثاني يبدأ بالمزامير ويسمونه المزامير والثالث هوالأنبياء ويسمونه إرمياء.

 

المحاكمة المدنية (مت 2:27 ،11-31 + مر1:15-20 +لو1:23-25 + يو28:18-16:19)

(مت2:27 ،11-31)

الآيات(1،2): “ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتىيقتلوه. فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي.”

لقدحوكم المسيح دينياً أمام رؤساء اليهود، ومدنياً أمام بيلاطس حتى ينجوا الجميع يهودوأمم من دينونة اليوم الأخير. فأوثقوه أية (2) فهو قبل أن يربط ليحل الجميعمن رباطات الخطية. أماّ هم فربطوه لأنهم خافوا أن يهرب كما كان يختفي من وسطهم منقبل.

ونلاحظأن بيلاطس كان يقيم في قيصرية شمال أورشليم. لكنه في الأعياد الكبرى كان يوجد فيأورشليم ليخمد أي ثورة أو فتنة وسط التجمعات في الأعياد.

واليهودلم يكن لهم سلطان على تنفيذ حكم الموت فهذا من إختصاص الوالي الروماني ولأن الواليلن يحكم على المسيح بالموت بسبب تهمة دينية، فهم تشاوروا ليقدموه بتهمة أخرى وهيأنهم إدعوا أن المسيح يطلب الملك ويقاوم قيصر. وكانت خطتهم أن يصلب فهذه هيالعقوبة الرومانية. وبارا باس كان محكوماً عليه بالصلب فأخذ السيد عقوبته، رمزاًلأنه حمل عقوبة الموت المحكوم بها علينا.

وكان خطيراً أن يطلب اليهود حكم الرومان علىالمسيح، إذ أن نفس الحكم الروماني قد نفذ فيهم هم على يد تيطس سنة 70م حين صلبمنهم عشرات الألوف وقتل مئات الألوف وهم الذين بدأوا بالإلتجاء للحكم الروماني.(مز4:28)

 

الآيات(11-14): “فوقف يسوع أمام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود فقالله يسوع أنت تقول. وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. فقالله بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك. فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الواليجداً.”

كانتإجابة السيد لبيلاطس مقتضبة للغاية. في الحدود التي يكشف فيها له عن الحق فلا يكونله عذر. وعندئذ توقف عن الكلام سواء مع القادة الدينيين أو الوالي إذ لم يرد أنيدافع عن نفسه.وهو لو أراد لأمكنه، بل يأمر السماء فتشهد لهُ. ولكنه لم يكنمحتاجاً إلي هذه الشهادة والدفاع عنه.

صمتالسيد يعلمنا أن لا نثور لكرامتنا ونضطرب، فهو إتهم ظلماً وأهين وصمت. بل حتى الآنيهاجمه كثيرين وهو صامت، بل يضع دفاعه في حياة تلاميذه الحقيقيين. هو جاء ليحملخطايا البشرية فلماذا يدافع عن نفسه بأنه لم يخطئ.

 

الآيات(15-26): “وكان الوالي معتاداً في العيد أن يطلق للجمع أسيراً واحداً منأرادوه. وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى باراباس. ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطسمن تريدون أن أطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح. لأنه علم انهم أسلموهحسداً. وإذ كان جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البارلأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله. ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموععلى أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم من من الاثنين تريدونأن أطلق لكم فقالوا باراباس. قال لهم بيلاطس فماذا افعل بيسوع الذي يدعى المسيحقال له الجميع ليصلب. فقال الوالي وأي شر عمل فكانوا يزدادون صراخا قائلين ليصلب.فلما رأى بيلاطس انه لا ينفع شيئا بل بالحري يحدث شغب اخذ ماء وغسل يديه قدامالجمع قائلاً أني بريء من دم هذا البار ابصروا انتم. فأجاب جميع الشعب وقالوا دمهعلينا وعلى أولادنا. حينئذ أطلق لهم باراباس وأما يسوع فجلده وأسلمه ليصلب.”

بارأباس = بار= إبن أباس = الأب. لقد أنقذ السيد بموته حياة بارا باس كما أنقذ حياة كل خاطئمحكوم عليه بالموت. لأنه علم أنهم أسلموه حسداً = كان بيلاطس يعلم شرهمونيتهم الخبيثة. أرسلت إليه امرأته = الله لا يترك نفسه بلا شاهد. وأيشرٍ عمل = كان هذا درساً لرؤساء اليهود أن هذا الوالي الوثني غريب الجنس يشهدببراءة المسيح. ولمن بيلاطس خاف من ثورة الجماهير وخاف أيضاً من قتل من يرى أنهبار فغسل يديه. ولكن هو بلا عذر فقد أرشده الله عن طريق زوجته بل هو نفسه رأى أنالمسيح بار وليس هناك ما يدينه بسببه. بيلاطس كان قاسياً وسفك دماء كثيرين(لو1:13) ولكنه كان ضعيفاً أمام الحق لتمسكه بكرسيه.

جلده = من عذاب الجلد كان يموتالبعض فكان الجلد بصورة بربرية بسوط به قطع عظم ورصاص وقد تصيب الضربات الرأسوالعين.

أبصروا أنتم = أنتم المسئولون عنقتله.

 

الآيات(27-31): “اخذ عسكر الوالي يسوع إلى دار الولاية وجمعوا عليه كل الكتيبة.فعروه وألبسوه رداء قرمزياً. وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة فييمينه وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك اليهود. وبصقوا عليهواخذوا القصبة وضربوه على رأسه. وبعدما استهزئوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوهثيابه ومضوا به للصلب.”

عروهلأجلنا (وتمثيلاً لذلك تعرى المذابح في أسبوع الآلام) نحن الذين نزعت عنا الخطيةثوب القداسة ليعيد لنا لباس البر. وضع على رأسه إكليل شوك ليزيل عنا لعنة الخطيةالتي بسببها حصدنا الشوك (تك18:3). سجدوا له في هزء ولم يعلموا أن أمم العالم سوفتسجد له في فرح. البسوه ثوب أرجوان وضربوه على رأسه.

لقدظن بيلاطس أن منظر المسيح بعد هذه الآلام وهو مضرج بدمائه سيثير شفقة اليهود ويحركقلوبهم فيكفوا عن طلب صلبه ولكنهم أصروا (يو5:19،6). لقد سخروا منه كملك فأعطوهقصبة في عينه كصولجان وجثوا أمامه كملك

 

صلبيسوع مت32:27-56+ مر21:15-41 + لو26:23-49 + يو16:19-37

(مت32:27-56 )

صُلِبَالمسيح يوم الجمعة، اليوم السادس، يوم سقط آدم وفيه تعرى من لباس البهاء وصار فيهذا الجسد غير القادر أن يعاين بهاء الله ولا أن يراه، صار هذا الجسد لهُ حاجزاًكثيفاً. والظلمة التي حدثت تشير لظلمة عيون اليهود وعلامة على عقوبات قادمة كماعاقب الله فرعون بضربات منها الظلام. والظلمة هي مكان عقاب الأشرار. وكان الصلبيتم بأن يمدد المصلوب على خشبة الصليب إلى أقصى الحدود ثم يسمر بالمسامير. ويرفعالصليب ويضعونه في حفرة معدة بطريقة عنيفة. وكانوا يستخدمون عقوبة الصلب مع العبيدوالمجرمين. ولكن بالصلب ملك السيد على قلوب المؤمنين به. لذلك قال إشعياء”وتكون الرئاسة على كتفيه” (إش6:9). وإبراهيم قدَّم إبنه إسحق في نفسالمكان، وإسحق كان رمزاً للمسيح. وهذا المكان نفسه هو مكان الهيكل الذي كان يقدمفيه الذبائح رمزاً لذبيحة الصليب.

 

آية(32): “وفيما همخارجون وجدوا إنساناً قيروانياً اسمه سمعان فسخروه ليحمل صليبه.”

قيروانياً= القيروان توجد في شمالإفريقيا، ومنها سكن كثير من اليهود وكان لهم مجمع في أورشليم (أع9:6). وقد صارإبنا سمعان وهما الكسندرس وروفس من المسيحيين المعروفين جداً (مر21:15). وفيالطريق حيث حمل ربنا الصليب سقط عدة مرات فسخروا سمعان القيرواني ليحمل معه صليبه.فكان سمعان رمزاً للكنيسة التي تحتمل صليبها وتحمله لتشارك ربها صليبه وبالتاليتشاركه مجده. واضح أن المسيح لم يستطع حمل الصليب بسبب جروح الجلدات.

سخروه = يفهم من الكلمة أن سمعانأجبر على ذلك، وربما قال أنا برئ فلماذا أحمل الصليب. ولم يدرى وقتها ربما أيكرامة ومجد حصل عليهما إذ إشترك مع المسيح في صليبه. وهذا ما يحدث مع كل منا إذتواجهه تجربة فيقول “أنا برئ” “أنا لم أفعل شئ” فلماذا هذهالتجربة. ولكن لنعلم أن كل من تألم معه يتمجد أيضاً معه (رو17:8).

 

آية(33): “ولما أتوا إلىموضع يقال له جلجثة وهو المسمى موضع الجمجمة.”

يقاللُه الجمجمة=لأنه يقال أن آدم كان مدفوناً في هذا الموقع. أو أن الصخرة تشبه الجمجمة أو لكثرةالمصلوبين في ذلك المكان وكثرة جماجمهم. المهم أن المسيح صُلِبَ ومات ليعطى حياةلآدم وبنيه (صُلِبَ على شجرة لأجل من مات بسبب شجرة).

 

آية(34): “أعطوه خلاممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يرد أن يشرب.”

خلاًممزوجاً بمرارة=هذا كان نوع من الشراب الذي يشربه الرومان عادة وهو خمر ممزوج بأعشاب مرة ولهتأثير مخدر. وكان يعطى للمصلوبين لتخفيف آلامهم. لكن السيد رفض أن يشرب حتى يحملالألم بكماله بإرادته الحرة.

 

آية(35): “ولما صلبوهاقتسموا ثيابه مقترعين عليها لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلىلباسي القوا قرعة.”

قسمواثيابه أربعةأقسام (يو23:19) إشارة لإنتشار الكنيسة لأربعة جهات المسكونة. وقميصه لم يقطعويقسم لأن كنيسته واحدة، وغرض المسيح أن تكون بلا إنشقاقات ولا إنقسام. ثوبهمنسوج من فوق= أي كنيسته طبعها سماوي، هي منسوجة بيد الله نفسه ومن عمل روحهالقدس (مزمور18:22)

 

آية(37): “وجعلوا فوقرأسه علته مكتوبة هذا هو يسوع ملك اليهود.”

هذهالجملة تختلف في البشائر ولكن البشيرين كتبوا الجملة وإهتموا بالمعنى دون الحروف(راجع نش11:3)

 

آية(38): “حينئذ صلب معهلصان واحد عن اليمين وواحد عن اليسار.”

جلسمعلمو اليهود على كراسي يعلمون كمن هم من فوق، يوبخون وينتهرون يخشون أن يلمسوانجساً فيتنجسوا، أماّ السيد فقدم مفهوماً جديداً إذ ترك الكرسي ليحُصى بين الأثمةوالمجرمين، يدخل في وسطهم ويشاركهم آلامهم حتى إلى الصليب ويقبل تعييرا تهم،معلناْ لهم حبه العملي لينطلق بهم إلى حضن أبيه

 

الآيات(39-44): “وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم. قائلين يا ناقضالهيكل وبانيه في ثلاثة أيام خلص نفسك أن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وكذلكرؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا. خلص آخرين وأما نفسهفما يقدر أن يخلصها أن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به. قداتكل على الله فلينقذه الآن أن أراده لأنه قال أنا ابن الله. وبذلك أيضاً كاناللصان اللذان صلبا معه يعيرانه.”

هنانرى الإستهزاء بالسيد فمن ناحية تكاتفت كل قوى الشر ضد السيد لتقديم أَمّر صورةللصلب ومن ناحية أخرى فلقد بدأ الشيطان فيما يبدو يتحسس خطورة الصليب فأثار هؤلاءالمجد فين ليثيروا المسيح فينزل من على الصليب ليوقف عملية الفداء وما كان أتعسحال البشرية لو نزل المسيح فعلاً من على الصليب.

 

آية(45): “ومن الساعةالسادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة.”

كانتالظلمة ظلمة إعجازية ولم تكن كسوفاً فالقمر كان بدراً لا هلالاً (عيد الفصح يأتيفي اليوم الرابع عشر من الشهر القمري) ومن المعروف أن الكسوف لا يحدث إلاّ والقمرمحاق أي في نهاية الشهر القمري. والشمس قد حجبت نورها عدة ساعات لأن إله الطبيعةمتألَمّ. لذلك فأحد علماء الفلك والفلسفة اليونانية علَّق على هذا الكسوف غيرالطبيعي بقوله “إماّ أن إله الكون يتألَّم وإماّ يكون كيان العالمينحل”. ولماّ ذهب بولس الرسول إلى أثينا وذهب إلى أريوس باغوس وتكلم عن أنالمسيح مات وقام وأنه هو الله كان هذا الفيلسوف الوثني حاضراً وهو ديونيسيوسالأريوباغى (أع22:17-34). وذلك لأن ديونيسيوس خرج وراء بولس وسأله متى تألَّم يسوعالذي يبشر به ومتى مات فلماّ حدّد لهُ الوقت والسنة تذكر قوله المذكور سابقاً وآمن.والظلمة التي سادت كانت إعلاناً عن الظلمة التي سادت العالم منذ لحظة السقوط ثمأشرق النور ثانية بعد أن مات المسيح وتمت المصالحة. وهذه الساعة التي أظلمت فيهاالشمس في وسط النهار تنبأ عنها الأنبياء (زك6:14،7+عا9:8،10). وفيه نرى أن عيدفصحهم صار نوحاً لهم إذ بكت النسوة وغابت الشمس. بل بدأ في نهاية أمتهم وإنشقاقحجاب هيكلهم إذ تخلى عنهم الله.

 

آية(46): “ونحو الساعةالتاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلاً إيلي إيلي لما شبقتني أي الهي الهي لماذاتركتني.”

صرخيسوع بصوت عظيم=كان المسيح في النزع الأخير، ولو كان إنساناً عادياً ما إستطاع أن يصرخ بصوت عظيم.فهذا يدل على لاهوته. وهو قال إلهي إلهي وهذا يدل على ناسوته. وبهذا دلَّالمسيح على أنه الإله المتأنس أو الله ظهر في الجسد. وصياحه هذا يدل على أن آلامهحقيقية وجسده حقيقياً لا خيال فالمصلوب المتألّم لا يستطيع الصراخ بصوت عظيم،وقوله إلهي إلهي لماذا تركتني إشارة إلى أنه إنسان كامل تحت الآلام. فهذه الآيةتشير للاهوته وناسوته. إيلى= كلمة عبرانية معناها “إلهي”وبالسريانية إلوى (مر34:15)

إلهيإلهي لماذا تركتني=المسيح هنا كممثل للبشرية التي سقطت تحت سلطان الظلمة يصرخ في أنين من ثقلها كمنفي حالة ترك، فإذ أحنى السيد رأسه ليحمل خطايا البشرية كلهما صار كمن قد حجب الآبوجهه عنه حتى يحطم سلطان الخطية بدفع الثمن كاملاً، فيعود بنا نحن البشر إلى وجهالآب الذي كان محتجباً عنا. وبهذا تكون صرخة المسيح إلهي إلهي لماذا تركتني تحملالمعاني الآتية.

1-  إحتجاب وجهالأب عن الإبن كحامل خطايا العالم، وهذه يصعب فهمها على مستوانا البشرى، كيف حدثهذا لن نفهم ولكن كان هذا سبباً لألام المسيح غير المحتملة.

2-  إلهي إلهيلماذا تركتني هو الإسم العبري (لمزمور22) الذى يتنبأ عن ألام المسيح ولو تذكراليهود الذين يهزأون بالسيد كلمات هذا المزمور لوجدوها تنطبق عليه.

3-    إذا فكَّر أيٌمناّ في هذه الكلمات، ولماذا ترك الآب إبنه لهذه الآلام، تكون الإجابة .. لأجلىأنا فهو لا يستحق هذه الآلام.

لقدقبل الإبن أن ينظر الآب إليه كخاطئ لأجلنا وهو حمل الخطية في جسده وحمل لعنتها.ونلاحظ أن المارة أخطأوا فهم أو سمع ما يقول المسيح فالمسيح قال ما قاله بالآراميةفكان “إيلى إيلى لما شبقتنى” وهم أخطأوا السمع فظنوه ينادى إيليا.وقولهم إنه ينادى إيليا فيه سخرية منه إذ المعروف أن إيليا يسبق المسيح.

 

آية(48): “وللوقت ركضواحد منهم واخذ إسفنجية وملأها خلاً وجعلها على قصبة وسقاه.”

هورفض أن يشرب الخل الممزوج بمرارة الذي له مفعول تسكين الألم. لكنه شرب الخل فقط.ولاحظ أن الخل يزيد من إحساس بالعطش.

 

آية(50): “فصرخ يسوعأيضاً بصوت عظيم واسلم الروح.”

وأسلمالروح= يدلذلك أن سلم روحه بإختياره لا عن قهر صالبيه وكان المصلوب ربما يستمر أياماً علىالصليب. لذلك وبسبب الفصح كسروا سيقان اللصين ليموتوا سريعاً. أماّ المسيح فلمينتظر أن يكسروا ساقيه فيكونوا هم الذين تسببوا في موته سريعاً بل هو بسلطانه أسلمروحه (يو17:10،18). لقد مات السيد قبل كسر رجليه ليعلم الجميع أنه مات بإرادتهوليس بكسر رجليه. وكان هذا تحقيقاً للنبوات. وكان موته سبباً في طعن جنبه بالحربةليتحققوا من موته، فكان هذا أيضاً لتحقيق نبوة زكريا “لينظروا إلى الذيطعنوه” (زك10:12). ولقد تعجب بيلاطس من موته سريعاً. ونلاحظ صراخه ثانية بصوتعظيم. وهذا لا يحدث مع من يُسِلمْ الروح بطرية عادية، ولكنه أسلم الروح وهو في ملءحياته.

 

آية(51): “وإذا حجابالهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى اسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت.”

حجابالهيكل إنشق=إنشقاق الحجاب الذي يفصل القدس عن قدس الأقداس يكشف عن عمل المسيح الخلاصى، إذ بموتهإنفتح باب السموات للمرة الأولى، لكي بدالة ندخل قدس الأقداس الإلهية خلال إتحادنابالمسيح. وكان قدس الأقداس لا يدخله سوى رئيس الكهنة ولمرة واحدة في السنة يوم عيدالكفارة، والحجاب كان ليحجب مجد الله الذي يظهر ما بين الكروبين المظللين لتابوتالعهد. وكان مذبح البخور الذي يرمز لشفاعة المسيح خارج قدس الأقداس، هو موجود فيالقدس. ولكن بعد شق الحجاب تراءى مذبح البخور لقدس الأقداس وهذا معناه أن المسيحبموته على الصليب دخل إلى السماء ليشفع فينا أمام الآب شفاعة كفارية. ولذلك قالبولس الرسول أن شق الحجاب يرمز لموت المسيح على الصليب بل أن الحجاب نفسه يرمزلجسد المسيح (عب19:10+عب24:9)

ومنناحية أخرى فشق الحجاب كان يدل على نهاية الكهنوت اليهودي “هو ذا بيتكم يتركلكم خراباً (مت38:23)”. ويوسيفوس المؤرخ اليهودي يقول أنه في وقت صلب الرب منالهيكل أصوات قوات سمائية تقول “لنرحل من هنا” أماّ الحجاب في الكنائسالمسيحية فهو ليس ليحجب مجد الله عن أحد، بل بحسب إسمه اليوناني إيكون ستاسيس أيحامل الأيقونات. ووضع الأيقونات عليه إشارة لأن هؤلاء القديسين هم في السماء،فالهيكل هو رمز للسماء في الكنيسة. ويوجد ستر يفتحه الكاهن حينما يبدأ الصلاة، وفييده الصليب، بمعنى أنه بالصليب إنفتح الحجاب ولم تعد السماء محتجبة عنا.

الأرضتزلزلت والصخور تشققت=عجيب أن تتحرك الطبيعة الصماء ولا تتحرك قلوب اليهود. ولكن ما حدث كان إشارة لأنالأرض كلها ستتزلزل بالإيمان المسيحي، ويترك الناس الأمم وثنيتهم وتتكسر قلوبهمالصخرية وتتحول إلى قلوب لحمية تحب المسيح وتؤمن به (حز19:11). وبموت المسيح تزلزلإنساننا العتيق الأرضى داخل مياه المعمودية إذ نموت معهُ وننعم بالإنسان الجديدالمقام من الأموات.

 

الآيات(52،53):”والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين. وخرجوا من القبور بعدقيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين.”

غالباًتفتحت القبور بفعل الزلزلة ولم يستطيعوا إغلاقها لأن اليوم يوم سبت، وعند قيامةالمسيح قام الأموات علامة إنتصار المسيح على الموت. وبقيامة هؤلاء الأموات تتكاملالصورة السابقة فلقد تحطم القلب الحجري أي مات الإنسان العتيق وقام الإنسان الجديد(هذا ما يحدث مع المعمودية والتوبة) وقيامة الأموات كما تشير لقيامتنا الروحيةتشير أيضاً لقيامة الأجساد في يوم الرب العظيم. فهناك خطاة موتى يسمعون صوت المسيحالآن فيتوبون ويحيون .. وفي اليوم الأخير يسمع من في القبور صوته فيقومون(يو25:5-29) وكان خروج الموتى من قبورهم آية لليهود وكثيرون آمنوا. وهم لم يظهروالكل الناس بدليل قوله وظهروا لكثيرين= ظهروا لمن هو متشكك ولكن قلبه مخلصلله، يطلب الله ولا يعرف فالله يساعده برؤية مثل هذه. ولكن من قلوبهم متحجرة لنتنفعهم مثل هذه الأدلة فهم حين أقام السيد لعازر فكروا في قتله ثانية.

 

آية(54): “وأما قائدالمئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جداً وقالوا حقاًكان هذا ابن الله.”

قائدالمئة سمع سخرية اليهود على المسيح وقولهم “إن كنت إبن الله” ولماّ حدثما حدث آمن بالمسيح، وكان إيمانه إيذاناً بدخول الأمم للإيمان.

 

دفنالمسيح مت57:27-61+مر42:15-47+لو50:23-56+يو38:19-42

(مت57:27-61):”ولما كان المساء جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف وكان هو أيضا تلميذاًليسوع. فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع فأمر بيلاطس حينئذ أن يعطى الجسد. فاخذيوسف الجسد ولفه بكتان نقي. ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثمدحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المجدلية ومريم الأخرىجالستين تجاه القبر.”

كانيوسف الراعي تلميذاً للمسيح في الخفية بسبب الخوف من اليهود (يو38:19) ومرقس يقولعنه أنه مشير شريف (مر43:15) أي أنه عضو في السنهدريم. وظهور يوسف في لحظات المحنةومعه نيقوديموس (يو39:19) عندما تخلى الكل عن المصلوب. وتقدم يوسف في شجاعة يطلبجسد يسوع ووضعه في قبره الجديد فصار قبر يوسف الرامي أقدس مكان على الأرض. شجاعةيوسف الرامي تتضح أنه بعمله هذا سيعزل من مناصبه اليهودية وسيحتقره الرومان.

·     في لحظات الضيقوالألم يظهر القديسون، فبينما تجف الأوراق الصفراء وتتساقط من حرارة الشمس تزدادالأوراق الخضراء حيوية، والشمس هي شمس التجارب، وهي بينما تحرق العشب هي بعينيهاتهب نضوجاً للثمر.

·     كان من الممكنأن يفضل يوسف الرامي نفسه عن المسيح ويحتفظ بقبره لنفسه ولكن كان قد تحوَّل القبرإلي مكان نجاسة كسائر القبور، ولكن إذ قدّمه للسيد المسيح صار كنيسة مقدسة يحجإليها المؤمنون من كل العالم عبر كل العصور.

·           هكذالو أردنا أن نحتفظ بجسدنا لنتلذذ بلذات وخطايا العالم لتحول إلى قبر نجس أماّ لووهبناه للمسيح فهو يقدسه (يو25:12)

·     سبق إشعياءوتنبأ أن المسيح يدفن في قبر رجل غنى (إش8:53،9). ولو كانوا قد تركوا جسد يسوع(يوسف الرامي ونيقوديموس) لكان اليهود قد دفنوه في مدافن المجرمين واللصوص. =”وجعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته”.

·           كانالقبر يبعد مسافة قصيرة جداً(عدة أمتار) عن مكان الصليب.

·           لماكان السيد قد وُلِدَ من مستودع جديد طاهر لم يتقدمه فيه غيره، حسن دفنه في قبرجديد لم يوضع فيه غيره.

·     وُضِعَ في قبرلم يوضع فيه أحد حتى حينما يقوم لا يظن أحد أن غيره هو الذي قام. وكونه قبر لميوضع فيه أحد سَهَّلَ مجيء تلاميذه لهُ، وصار سهلاً أن يعاينوا ما حدث من أحداثالقيامة، وحتى الأعداء صاروا شهوداً على ما حدث بوضعهم الأختام على قبره وإقامةجنود حراسة صاروا شهود قيامته.

·     كان يوسفونيقوديموس قد أحضرا حنوطاً كثيراً، ومع هذا خرج المسيح من كفنه تاركاً إياه مكانهولم يُعَوِّقه كل هذا الحنوط الذي جعل الجسد يلتصق بالأكفان، وكان هذا دليلاً علىأن القيامة إعجازية.

·           لكنلنلاحظ أنهم لفوا جسد المسيح بكتان، وهذا لبس الكهنة. فهو رئيس كهنتنا الذي قدمذبيحة نفسه.

·           مريمالأخرى. هيمريم أم يوسي (راجع مر47:15)

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى