سفر اعمال الرسل

الإصحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ



الإصحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ]]>

الإصحَاحُالسَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ

 

*خطاب السيد المسيح عن خراب أورشليم وإنقضاء الدهر يوم ثلاثاء البصخة (متى 24، 25؛1:26، 2)

*أربعاء البصخة: متى 3:26-5؛ 14:26-16

*مريم تدهن يسوع بالطيب في بيت عنيا (مت6:26-13+ مر3:14-9+ يو55:11-11:12)

*العشاء الأخير (متى 17:26-30)

* خطبالمسيح الوداعية (متى 31:26-35)

*يسوع في جثسيماني (متى 30:26؛ 36:26-46)

*تسليم يسوع والقبض عليه (متى 47:26-56)

*محاكمته أمام رؤساء اليهود (متى 57:26-10:27)

 

(مت26 : 1-2): “ولما اكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه. تعلمون انه بعد يومينيكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب.”

هنانرى السيد يعين ويتنبأ عن يوم موته.

بعديومين يكون الفصح وابن الإنسان يسلم ليصلب= لقد صار إبن الإنسان فصحنا الحقيقي وكانالفصح رمزاً له.

 

مت3:26-5،14-16 + مر1:14،2،10،11+ لو1:22-6

بالنسبة للسيد المسيح فقد إعتزل في هذا اليوم.غالباً في بيت عنيا. وفي هذا اليوم إجتمعت السلطات الدينية معاً ليدبروا قتلالمسيح، وتآمر معهم يهوذا. وتهتم الكنيسة بهذا الأمر وتكرس يوم الأربعاء على مدارالسنة فيما عدا أيام الخمسين، لكي يصوم المؤمنون تذكاراً لهذا التشاور الرديء.

وفييوم أربعاء البصخة تقرأ القراءات عاليه مع قصة المرأة التي سكبت الطيب على قدميالمسيح وهي مريم أخت لعازر، ليظهر الفرق بين ما عملته مريم وما عمله يهوذا.

 

(مت3:26-5): “حينئذ اجتمع رؤساء الكهنةوالكتبة وشيوخ الشعب إلى دار رئيس الكهنة الذي يدعى قيافا. وتشاوروا لكي يمسكوايسوع بمكر ويقتلوه. ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.”

رؤساءالكهنة أيمن يمثلون الكهنة. حنان وقيافا+ رؤساء الفرق (فرق الكهنة الأربعة والعشرين). وشيوخالشعب هم رؤساء العائلات ومنهم نجد مجمع السنهدريم أي المجمع الأعظم الذي لهالسلطة العظمى في كلا الأمور الروحية والمدنية. قيافا= هو رئيس الكهنةالفعلي. وكان حنان الذي عزله بيلاطس هو حما قيافا. ولكن غالباً كان حنان له تأثيرونفوذ كبير. ولذلك في محاكمة المسيح فحصه حنان أولاً أي سأله عن تلاميذه وخدمته،ثم أرسله إلى قيافا. وقيافا هذا كان صدوقياً. قالوا ليس في العيد= ولكنالله دبَّر أن يكون صلبه أمام يهود العالم كله لينتقل الخبر للعالم كله. ولماذا لميكتشف رؤساء الكهنة شخص المسيح ويفرحوا به كرئيس الكهنة الأعظم؟!

كانهذا بسبب إهتمامهم بالكرامات الزمنية وخوفهم على مصالحهم الشخصية وشكلية عبادتهم.وهذا قد فهمه بيلاطس أنهم “أسلموه حسداً” (مر10:15). فالحسد أعمىعيونهم.

 

(مت26 : 6-13): “وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص. تقدمت إليهامرأة معها قارورة طيب كثير الثمن فسكبته على رأسه وهو متكئ. فلما رأى تلاميذه ذلكاغتاظوا قائلين: «لماذا هذا الإتلاف؟ لأنه كان يمكن أن يباع هذا الطيب بكثير ويعطىللفقراء». فعلم يسوع وقال لهم: «لماذا تزعجون المرأة؟ فإنها قد عملت بي عملا حسنا!لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين. فإنها إذ سكبت هذاالطيب على جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني.  الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذاالإنجيل في كل العالم يخبر أيضا بما فعلته هذه تذكارا لها».

 

فكسرت=كل من يقبلكسر جسده ويقدمه ذبيحة حية يكون له رائحة الطيب. فقارورة الطيب تشير للحياة التيطالما كانت مغلقة فلا فائدة منها، وعندما تنفتح بالحب للمسيح، بل عندما يهلكهاالإنسان ويحطمها لأجل الرب تفوح منها رائحة مباركة أبدية. متكئ= هذه عادةرومانية وتعني الإستناد على المائدة. فكانوا يجلسون على الأرض ويتكئون بيدهماليسرى على المائدة ويسندون رأسهم على يدهم اليسرى ويأكلون باليد اليمنى. فيماهو في بيت عنيا= بيت عنيا تعني بيت العناء والألم. فالمسيح أتى إلى بيت عنياإستعداداً لأسبوع آلامه وللصليب ولكنه الآن في بيت أحبائه يفرح بحبهم له ونحن الآنفي العالم في بيت الألم ولكنه مازال وسطنا يفرحنا ويعزينا بوجوده معنا. جاءتامرأة= نلاحظ أن متى ومرقس لم يذكرا إسمها. ولكن يوحنا ذكره وحده. كما نلاحظأن متى ومرقس لم يوردا القصة في مكانها الزمني، بل في سياق قصة الآلام وبدءالمشاورات لقتل المسيح. فهما أرادا أن يظهرا التضاد بين موقف الخيانة لليهود وموقفالحب من مريم (CNOTRAST) ومتىومرقس لم يذكرا إسمها لأنهم خافوا أن يقتلها اليهود ولأنهم أرادوا أن يجعلوها كرمزلكل نفس أحبت المسيح وعلى إستعداد أن تكسر نفسها وحياتها (2كو10:4،11) +(رو35:8-39) لأجل المسيح الذي أحبها. صارت مريم تشير لكل نفس صادقة في لقائها معالسيد، صادقة في حبها وفي إحتمالها للآلام لأجله، تشير لكل نفس بل وللكنيسة كلهاالتي تقدم حياتها مبذولة كقارورة منكسرة لتعلن رائحة محبتها. ولاحظنا أن يوحنا قالأن الطيب سُكِبَ على قدميه أما متىومرقس فقالا أنه سُكِبَ على رأسه. وفي هذا إشارةلطيفة هي أن الحب يمكن أن يقدم للمسيح نفسه (في جلسة هادئة في الصلاة.. وهذا تمثلهمريم..= سكب الطيب على رأسه) ويمكن أن نقدم الحب لأولاد المسيح.. وهذا تمثله مرثاالخادمة..= سكب الطيب على القدمين). فالمسيح رأس الكنيسة والكنيسة تحت قدميه.

 

(مت14:26-16): “حينئذ ذهب واحد من الاثنيعشر الذي يدعى يهوذا الاسخريوطي إلى رؤساء الكهنة. وقال ماذا تريدون أن تعطونيوأنا أسلمه إليكم فجعلوا له ثلاثين من الفضة. ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصةليسلمه.”

ثلاثينمن الفضة= ثمنشراء العبد حسب الناموس (خر32:21) المسيح بيع كعبد لكي يحررنا من العبودية. وتحققتبهذا نبوة زكريا (13:11). وكان الهدف من خيانة يهوذا أن يسلمه منفرداً بعيداً عنالجموع (لو6:22)، إذ هو يعرف الأماكن التي ينفرد فيها مع تلاميذه سراً. لقد أعمىالطمع أعين التلميذ، أمّا مريم فقد فتح الحب قلبها. وغالباً فقد كان رؤساء الكهنةقد دبروا أنهم يلقون القبض على المسيح بعد الفصح ولكن عرض يهوذا سهل عليهم الأمروعدلوا خطتهم لتصير قبل الفصح. وربما هم إهتموا بأن يتعجلوا القضاء عليه، حتى لاتثور الجماهير ويملكوه فيثير هذا الرومان ويسلبوا الرؤساء اليهود ما تبقى لهم منسلطة.

 

العشاء الأخير

(مت17:26-30): “وفي أول أيام الفطير تقدمالتلاميذ إلى يسوع قائلين له أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح. فقال اذهبوا إلى المدينةإلى فلان وقولوا له المعلم يقول أن وقتي قريب عندك اصنع الفصح مع تلاميذي. ففعلالتلاميذ كما أمرهم يسوع واعدوا الفصح. ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر. وفيماهم يأكلون قال الحق أقول لكم أن واحد منكم يسلمني. فحزنوا جداً وأبتدأ كل واحدمنهم يقول له هل أنا هو يا رب. فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني.أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابنالإنسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد. فأجاب يهوذا مسلمه وقال هل أنا هو ياسيدي قال له أنت قلت. وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذوقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. واخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً اشربوا منها كلكم.لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا. وأقوللكم أني من الآن لا اشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما اشربه معكمجديداً في ملكوت أبي. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون.”

كانطقس الفصح اليهودي يشمل أكل خروف الفصح على مستوى عائلي. فرب الأسرة يجتمع معأسرته ويشتركون في أكل الخروف، وإن لم تكن الأسرة قادرة على شراء خروف تجتمع معهاعائلة أخرى. ويأكلون خبز مع أعشاب مرة. وكان رب البيت يمسك الخبز في يده ويقول هذاهو خبز الغم والمحنة الذي أكله أباؤنا في مصر. ثم يقدم ثلاث كئوس خمر للحاضرينوكانت الكأس الثالثة تسمى كأس البركة. وكانوا بعد الكأس الأولى يغسلون أيديهموأرجلهم. وفي الفصح يستخدمون خبزاً غير مختمر أي فطير. ومنذ هذه الليلة ولمدة7أيام لا يأكلون سوى الفطير. ومساء الخميس أي عشية يوم الجمعة أسس السيد المسيح سرالعشاء الرباني، قدًّم نفسه لكنيسته فصحاً حقيقياً، قدّم جسده ودمه مأكلاً حقومشرباً حق. كان اليهود سيقدمون الفصح يوم الجمعة، أمّا المسيح فسبق وأسس هذا السرلأنه كان يعلم أنه وقت الفصح اليهودي سيكون معلقاً على الصليب فالتلاميذ في العشاءالسري لم يأكلوا خروف الفصح بل أكلوا جسد المسيح فصحنا الحقيقي. والمسيح بكلماتههنا غيًّر مفهوم العيد تماماً:-

1. كانوافي عيد الفصح يذكرون ما حدث لهم في مصر من غم ومشقة. فصرنا لا ننظر للوراء أيللفداء الرمزي بل صرنا نذكر موته وجسده الذي أعطاه لنا.

2.    عوضاًعن كأس الخمر صرنا نشرب دمه غفراناً للخطايا ولننال حياة أبدية.

3. لميَعُدْ الفصح على مستوى عائلي كما كان عند اليهود، بل تغير مفهوم العائلة، وصارتالعائلة هي كل المؤمنين والمسيح رأس هذه العائلة. فالمسيح أكل الفصح مع تلاميذهدون النظر لأن يجتمع كل منهم مع عائلته. قدّس المسيح العلاقات الروحية على العلاقةالجسدية.

4.    لاحظأنهم كانوا كغرباء يبحثون عن مكان يأكلون فيه الفصح.

(الآيات17-19): إعداد الفصح يستغرق وقتاً كبيراً في تنظيف وإعداد البيت لئلا يكون فيهكسرة خبز مختمر+ شراء ما يحتاجونه، لذلك كان التلاميذ يحتاجون لوقت كبير ليعدواالفصح يوم الجمعة. والمسيح تركهم يعدوا كيفما شاءوا دون أن يخبرهم صراحة عن أنهسيصلب غداً ولن يأكل معهم هذا الفصح، بل إستخدم الخبز والخمر في تأسيس الفصحالجديد، سر الإفخارستيا. وقتي قريب= لن يتمكن من اللحاق بالفصح فهو سيصلب. إلىفلان= السيد لم يحدد الإسم حتى لا يعرفه يهوذا فيتم تسليمه قبل أن يؤسس سرالفصح. والسيد لم يحدد الإسم لكنه حدَّد لهم علامة أنه شخص حامل جرة ماء (لو10:22)وكان هذا العمل تقوم به السيدات، وكان غريباً أن يحمل رجل جرة. وغالباً كان الشخصهو معلمنا مرقس كاروز ديارنا المصرية. وكان العشاء الرباني في منزله (أع13:12،14).وفي هذه العلية قضى التلاميذ العشرة أيام بعد صعود السيد وحتى حلول الروح القدس.

(الآيات20-25): المسيح هنا يعطي يهوذا فرصة أخيرة ويحدثه برقة ويعلن له أنه يعلم بنيتهالشريرة، كان مهتما بخلاص نفسه، ولذلك تكلم وسطهم دون أن يشير إليه حتى لا يجرحمشاعره. وإذ رأي السيد أن تلاميذه حزنوا وتشككوا في أنفسهم خاف عليهم وأعطى إشارةأن من يفعل هذا هو يهوذا يغمس يده في الصحفة= هو طعام عادي. ومع كل هذا لميتب ولقد خرج دون أن يتناول الجسد والدم. ولقد أعلن السيد بؤسه المنتظر، ومع أن ماحدث كان بتدبير إلهي إلاّ أن يهوذا فعل كل شئ بإرادته. أنت قلت= تعبيريهودي يعني الموافقة، ومع هذا فكانت الخيانة قد أعمت عيني يهوذا. كان يهوذا شريراًوقد إستخدم الله شره لتحقيق الأمور الإلهية. سؤال: ما ذنب يهوذا والخلاصالذي تم هو كل الخير للبشر؟ والرد أن نيته كانت شراً وليست خيراً.

(الآيات26-28): أخذ يسوع الخبز= الكلمة تشير للخبز المختمر. والإخوة الكاثوليكيستخدمون الفطير بدعوى أن السيد المسيح بلا خطية والخمير يشير للخطية. وكنيستناتستخدم الخبز المختمر ولها رأي آخر أن المسيح حامل لخطيتنا ولكنه كما أن نار الفرنأفسدت الخميرة وقتلتها، فإن المسيح بنيران ألامه وصليبه وموته قتل خطيئتي. وشكر=لذلك يسمى السر سر الشكر. للعهد الجديد= هو تعاقد إلهي بدم الرب والسيدحول الخبز والخمر إلى جسده ودمه بطريقة سرية. ونحن عندما نأكل جسد الرب ونشرب دمه.ننال الحياة فينا، إذ نكون كما لو أننا واحد معه، نسكن فيه وهو يملك أيضاً فينا. مغفرةالخطايا= مع التوبة والإعتراف فسر الشكر يغفر الخطايا.

(آية29):ما هو هذا الجديد الذي نشربه معه في ملكوت الآب، إلاّ تمتعنا بشركة الإتحاد معالله في إبنه في السموات على مستوى جديد. إنه إمتداد لليتورجية الحالية (أي مايحدث في القداس الإلهي من صلاة وتناول) ولكن بطريقة لا ينطق بها. وقوله جديد أنيكون جديداً كل يوم، نستمر في فرحة هذا الإتحاد كأنها جديدة دائماً. بالمقارنة بمانحصل عليه على الأرض فنحن نشتهي الشئ وبمجرد حصولنا عليه يفقد لذته، أمّا الإتحادبالله في السماء فيظل جديداً مفرحاً منعشاً وللأبد.

(آية30):هكذا تسبح الكنيسة المزمور 150 بعد نهاية القداس وأثناء التناول (عب12:2) فماذانقدم لله على عطية جسده ودمه سوى التسبيح والشكر. وكان اليهود يسبحون المزامير115-118 بعد أكل الفصح والتلاميذ سبحوا بعد أن أكلوا الفصح الجديد.

 

خطب المسيح الوداعية مت31:26-35 + مر27:14-31 + لو31:22-38

(مت31:26-35)

آية(31): “حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضربالراعي فتتبدد خراف الرعية.”

فيآية (30) رأينا السيد وقد أخذ تلاميذه وذهب إلى جبل الزيتون، رأيناه ذاهباً للموتبإرادته، وفي الطريق يحدثهم عن صلبه، ونرى في حديث السيد أن الشيطان أراد بضربالمسيح أن يضرب تلاميذه ويشتتهم، والسيد يخبرهم حتى لا ينهاروا ويفاجئوا بماسيحدث، ويشجعهم حتى لا يتبددوا. تشكون= لأنهم مازالوا يتصورونه ملكاًأرضياً ويشكون إذ يرونه مصلوباً.

 

آية(32): “ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل.”

أسبقكمإلى الجليل= قضىالسيد معظم وقت خدمته مع تلاميذه في الجليل، وعرفوه كمعلم مقتدر، صانع معجزات،عرفوه بحسب ما أبصرته عيونهم الجسدية، وكأن المسيح يريد أن يقول سنتقابل في الجليلمرة أخرى لتعرفونني كإله ظهر في الجسد وإنتصر على الموت فتكمل رؤيتكم (مت7:28)وهذا ما قاله الملاك.. هناك ترونه. أي هناك تعرفونه برؤية صحيحة تكمل فيهامعلوماتكم عنه والتي سبق وعرفتموها في الجليل سابقاً.

 

آية(33): “فأجاب بطرس وقال له وإن شك فيك الجميع فأنا لا اشك أبداً.”

منيثقون في ذواتهم هم أسرع ناس للسقوط، ولذلك نرى بطرس وقد أنكر المسيح بعد هذاالقول بساعات قليلة. لقد كان بطرس واثقاً في ذاته بغير أساس. والعجيب أن بطرسيجادل المسيح، فهل بعد ما رأى من المسيح 3سنوات وأنه يعلم كل شئ، هل يتصور بطرسأنه يعلم أكثر من المسيح خالقه. ما أحوجنا أن نرتمي في حضن الله العارف بضعفنا فلانثق بذواتنا بل في نعمة الله القادرة أن تقيمنا من الضعف.

 

يسوعالمسيح في جثسيماني (مت30:26 ،36-46+ مر26:14 ،32-42+ لو39:22-46+ يو1:18)

(مت30:26 ،36-46)

الآيات(30،36): “ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون. حينئذ جاء معهم يسوع إلي ضيعةيقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى امضي واصلي هناك.”

سبحوا=كان اليهودمعتادين أن يسبحوا بالمزمورين (115،116) في نهاية أكلهم الفصح وهنا هم قدموا تسابيحبعد تناولهم سر الشكر. وهذا ما تعمله الكنيسة أثناء التوزيع أنها تسبح بالمزمور(150).

جثسيماني=كلمة آراميةتعني معصرة زيت، وهي كانت في بستان للزيتون علي جبل الزيتون، وغالباً كان يملكهمارمرقس. وكان هذا البستان مفضلاً عند الرب يسوع ليجتمع فيه مع تلاميذه للصلاةوالتعليم. ولقد أتى السيد مع تلاميذه إلى هذا المكان كمن يدخل بإرادته إلىالمعصرة، ولقد رآه إشعياء بروح النبوة يجتاز المعصرة الحقة (أش1:63-3). رآه إشعياءيجتاز المعصرة وحده. وصلى يسوع ليس لأنه محتاج بل ليعلمنا الصلاة في ضيقاتنافيسندنا الله.

 

الآيات(37،38): “ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وأبتدأ يحزن ويكتئب. فقال لهمنفسي حزينة جداً حتى الموت امكثوا ههنا واسهروا معي.”

بطرسوإبني زبدي= همرأوه أيضاً في حالة التجلي، فمن رأى التجلي يكون مستعداً أن يعاين الآلام دون أنيشك. يحزن ويكتئب= ليس خوفاً من الآلام الجسدية وإنما لأجل ثقل الخطية التيلا يقبلها ولا يطيقها، ولكنه أتى ليحمل موت الخطية فيه. نفسي حزينة جداً حتىالموت= هو كإنسان كاد يموت لو لم يلقي معونة جسدية ليحتفظ بحياته لذا ظهر لهملاك يقويه. ونرى أن تلاميذه لم يستطيعوا حتى أن يشاركوه في أحزانه وصلاته بلناموا.. حقاً لقد جاز المعصرة وحده. وشدة الحزن قد تؤدي للموت فعلاً.

 

آية(39): “ثم تقدم قليلاً وخر على وجهه وكان يصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكنفلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت.”

إنإرادة الآب وإرادة الإبن واحدة فهما روح واحد، ولكنه جاء نيابة عنا نحن الذينرفضنا إرادة الله فخضع للصليب بسرور من أجل الطاعة للآب. وفي نفس الوقت كان المسيحيريد ذلك. ونرى في كلام المسيح أنه يعلن إرادة الآب المحب (يو16:3). لماذا طلبالمسيح أن تعبر عنه الكأس [1] هل خاف؟ [2] هل هو لا يعلم أنه سيقوم؟ [3] هلإرادته غير الآب؟

1) لقدسلَّم المسيح نفسه بإرادته، فهو كان يمكنه الهرب وقت أن سقط الجند عند قوله أنا هو(يو6:18)، بل هو كان في إمكانه أن يؤذيهم كما سبق وفعل بشجرة التين بل هو قاللتلاميذه “قد إقترب الذي يسلمني” فلو أراد الهرب لهرب. وكان يمكنه أنيجتاز كما إجتاز من قبل دون أن يمسه أحد (لو29:4،30+ لو53:22+ يو10:10+ في6:2-8+يو17:10+ يو1:17+ مت21:16-23+ مت46:21+ يو44:7+ يو59:8) بل هو ثبت وجهه لينطلق إلىأورشليم حين تمت الأيام لإرتفاعه (لو51:9). من هنا نفهم أنه لم يخاف الموت. وهناكمن يسأل لماذا ذهب إلى بستان جثسيماني في جبل الزيتون ألا يعتبر هذا هروباً؟والإجابة أن اليهود كانوا لا يريدون إلقاء الأيدي عليه وسط المدينة حتى لا يحدثشغب كثير بسببه. والدليل أن يهوذا كان يريد أن يسلمه خارجاً عن الجمع، والمسيح كانيعلم أن يهوذا كان عارفاً بأنه يذهب إلى بستان جثسيماني (يو2:18). ولو حدث قتلوشغب لكان هذا دليلاً لليهود أن بسببه صار شغب وقتل وبالتالي فهو يستحق الموت،وتكون حجتهم أنهم قتلوه ليمنعوا الشغب. وهو ذهب للبرية أيضاً ليعطي فرصة لتلاميذهأن يهربوا بعد إلقاء القبض عليه (يو8:18،9). فكان التلاميذ في ضعفهم سينكرونالإيمان كلهم كما فعل بطرس، فضلاً عن أن السيد كان قد إعتاد أن يصلي في البرية وهولم يرد أن يصلي في العلية فيسمعونه، أي تلاميذه. ولو حدث القبض عليه في المدينةفسيدافع عنه أحباؤه، وهو لا يريد لأحد أن يدافع عنه. فهو يسلم نفسه بإرادته ولايريد كرامة بشرية من أحد.

2) هوأعلم تلاميذه بقيامته (مت21:16)، بل كان يعلم كل شئ، وعلم أن بطرس سينكره 3مرّات،وعرف أن بطرس يصطاد سمكة بها استاراً (مت27:17) وهو علم حال السامرية وكان يعلمضمائر الناس وتنبأ بما سيحدث لأورشليم وأعظم شئ في هذا المقال قوله ليس أحد يعرفالآب إلاّ الإبن (مت27:11). إذاً هو كان عارفاً بما سيحدث له، فلماذا إذاً صلّىلتعبر عنه هذه الكأس؟ هو بهذا أظهر أنه إنسان كامل يضطرب ويحزن، كما كان يجوعويعطش.. وهو بسماحه أظهر إضطرابه لنعرف إنسانيته ثم أظهر شجاعته بعد ذلك مع الجند.وكان إظهار إضطرابه ليستدرج الشيطان ليقترب منه فيغلبه الرب، فهو كان يخفي عنإبليس تدبيره. وهو صلَّى هكذا لنتعلم أن نصلي “لتكن مشيئتك”.

3) السيدقال أنا والآب واحد (يو30:10) وكل ما للآب هو لي (يو15:16). فإذا كانا واحدا فيالذات فهما واحداً في المشيئات. والمشيئة الإلهية إتحدت أيضا بالمشيئة الإنسانيةحين إتحد اللاهوت بالناسوت. وحتى قوله ما جئت لأصنع مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني(يو19:5،38:6) لا يعني وجود مشيئتان بل أن الجسد في ضعفه العادي يريد شيئاً ولكنالمسيح لا ينفذه، لأن مشيئته هي أن يصنع مشيئة الآب. بل حتى القديسين صار لهم نفسالوضع فهم لا يصنعون سوى مشيئة الله ولا يستجيبون لنداءات الجسد. فكم بالأكثر منإتحد لاهوته بناسوته. لكل هذا نرى أنه أطاع حتى الموت موت الصليب. أي إنسان منا إذعلم أن هناك ضيقة تنتظره من المؤكد سيضطرب ويتمنى ألا تحدث، ويصلي. وبعد فترة منالصلاة يقنعه الروح القدس بأن يسلم الأمور لله، فيقول “لتكن مشيئتك”والمسيح لأن إنسانيته كانت كاملة إضطرب إذ أتت الساعة بينما هو كان يعرفها. وصلى.ولكن لم يأخذ الأمر معه وقتاً ما بين “إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس”وبين “ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت” لقد أختزل الوقت إلى لا شئ.فإرادته هي إرادة الآب هي الإرادة الإلهية التي فيه.

 

قصصحزن المسيح تختلف من إنجيل لآخر فلماذا؟

لقدأخبر كل واحد من الإنجيليين بحال من أحواله، وبعضهم إشترك في بعض الأخبار. وعموماًهم إقتسموا الأخبار ومن هنا نرى تكامل الأربعة أناجيل.

لماذاكانت آلام المسيح رهيبة؟

كانتأحزان المسيح لا تحتمل، فأضف لآلام الجسد آلام النفس أيضاً، فهو تألَّم بسبب خيانةيهوذا تلميذه وهروب باقي تلاميذه وصراخ الجموع ضده وهو الذي كان يجول يصنع خيراً،وهلاك اليهود الذين أتى لخلاصهم. وهو كان عالماً بكل الآلام والإهانات التي ستقععليه. ونضيف لهذا أن المسيح كان سيحمل خطايا البشر، وهذا ما فاق إحتماله لقداستهالمطلقة، وكان سيتذوق الموت وهو الحياة نفسها، بل كان يعلم أن الآب القدوس سيحجبوجهه عنه حينما يحمل خطايا البشر، وهذه النقطة بالذات يصعب علينا أن نتصورها لأننالا نعلم حقيقة العلاقة بين الآب والإبن. والمسيح أراد إظهار ضعفه وحزنه وإضطرابهليطمع فيه الشيطان ويظن أنه قادر أن يغلبه، فيغلبه المسيح. وأيضاً كونه أظهر ضعفهفقد أظهر إنسانيته الكاملة.

لماذاصلّى المسيح 3 مرّات أو لماذا أيقظ السيد تلاميذه 3 مرّات؟

هذافيه إشارة إلى رقم (3) رقم القيامة وهذا ما قاله بولس الرسول (رو11:13-14 +أف14:5) وكان المسيح يصلي ليعلم تلاميذه أن يصلوا عند أي تجربة، وهو كان يطلب منهمالصلاة في هذه الساعة بالذات والتي إقترب فيها إلقاء القبض عليه حتى لا يقلإيمانهم فيه ويضربهم إبليس بالشك. والسيد كما علّم تلاميذه التواضع بأن غسل أرجلهمعلمهم الصلاة في الضيقات في هذه الليلة. وكما علمهم أن يصلوا منفردين، إنفرد عنهمليصلي، ولكنه لم يبتعد كثيراً ليتعلموا طريقة الصلاة. وهم أخذ (3) تلاميذ فشهادةالثلاثة قانونية. وهم كانوا أقرب التلاميذ لنقاوتهم ومحبتهم الكاملة. وهو أرادهمأن يشهدوا حزنه على العالم الذي فسد وإسرائيل إبنه البكر الذي رفضه، وأن آلامهكانت حقيقية. ويشهدوا بهذا أمام العالم فيكره الناس الخطية التي سببت كل هذا للرب.

 

آية(41): “اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة أما الروح فنشيط وأما الجسدفضعيف.”

لاحظكلمات التشجيع الروح نشيط والجسد ضعيف= أي أن السيد يعطيهم عذراً في نومهم،أن جسدهم ضعيف، لكن روحهم نشيطة.

 

آية(45): “ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا هوذا الساعة قداقتربت وابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة.”

نامواالآن وإستريحوا= هوتوبيخ لطيف المقصود به ناموا الآن إن إستطعتم فلقد أتت الساعة التي تتفرقون فيها.والسيد يعاتبهم فهم لم يفهموا قوله إسهروا لذلك قال لهم ناموا. وربما قصد أنه غيرمحتاج إليهم في الأمور التالية التي ينبغي أن يحتملها وحده.

 

آية(46): “قوموا ننطلق هوذا الذي يسلمني قد اقترب.”

هنانرى السيد هو الذي يذهب ليقابل يهوذا= قوموا ننطلق. وهذا يثبت أنه سلم نفسهبإرادته.

–        المسيححمل كل خطايا البشر في جسده ليموت بها ليلغيها بقوة قيامته وقدوسيته.

يوم الجمعة (الجمعة العظيمة)

تسليميسوع والقبض عليه (مت47:26-56+ مر43:14-52+ لو47:22-53+ يو2:18-12)

(مت47:26-56)

آية(47): “وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الإثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوفوعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب.”

كاناليهود قد زعموا لبيلاطس أن المسيح مقاوم لقيصر، وشخص هذه صفاته ربما يكون معه جيشمن الثوار، لذلك أرسل بيلاطس جماعة عظيمة من الجند ولكن السيد بقوله أنا هو(يو6:18) جعلهم يسقطون على وجوههم. وربما ظن اليهود أن عنده شعب يسمع تعاليمه.وأنهم ربما يجدون مقاومة. شيوخ الشعب= أعضاء السنهدريم.

 

آية(48): “والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً الذي اقبله هو هو امسكوه.”

المسيححمل كل آلامنا، ولكي تكمل آلامه كان عليه أن يشرب كأس الخيانة من أحد أحبائه(مز12:55-14) وبقبلة غاشة (زك6:13). فالجراح تزداد حينما تأتي من الأحباء. والقبلةكانت علامة للجنود الرومان فهم لا يعرفونه، أمّا اليهود فهم يعرفونه تماماً.

 

آية(50): “فقال له يسوع يا صاحب لماذا جئت حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوعوامسكوه.”

المسيحيعطيه الفرصة الأخيرة ويعاتبه برقة= يا صاحب لماذا جئت. لعله يتوب.

 

الآيات(51،52): “وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيسالكهنة فقطع أذنه. فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيفبالسيف يهلكون.”

يوحناذكر إسم العبد وأنه ملخس (يو10:18) ولوقا أكمل القصة بأن السيد شفى أذن العبد(لو51:22). ومن هذه القصة نفهم أن إستخدام العنف مرفوض في الدفاع عن الدين، فحينمايستخدم الإنسان العنف في خدمته تحت ستار الدفاع عن السيد المسيح يكون كبطرس الذييضرب بالسيف أذن العبد فيفقده الإستماع لصوت الكلمة، من نستخدم معهم العنف نغلقأمامهم باب الإيمان، بل كلمات العنف تزيدهم عناداً. ولكن قول المسيح= لأن كلالذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون= هي نبوة بخراب أورشليم بالسيف نظير صلبهمللمسيح. وهذا الكلام موجه للناس وليس للحاكم الذي له سلطة إستخدام السيف. وكانبطرس قاصداً ضرب عنقه ولكن الله لم يسمح بل سمح بقطع أذنه، وفي هذا إشارة لأن سيدهوهو رئيس الكهنة قد إنغلقت أذنيه عن فهم النبوات. ولقد سمح الله بما حدث [1] إظهارحب بطرس [2] إظهار محبة المسيح وقدرته وشفاؤه لمن يريد أن يلقي القبض عليه ويظهربالتالي أنه يسلم نفسه بإرادته [3] درس للجميع أن السيف ليس هو طريق المسيحيين [4]الآن يفهم تلاميذه قوله السابق “ليكن لكم سيف” وأنه يقصد بهذا الإستعدادالروحي وليس سيوفاً حقيقية. وبالإستعداد الروحي والذهني يكونون مستعدين لإحتمالالآلام القادمة. وبطرس الصياد لا خبرة له في إستعمال السيف، فكل ما إستطاعه قطع إذنملخس العبد.

 

آية(53): “أتظن أني لا أستطيع الآن أن اطلب إلى أبي فيقدم لي اكثر من اثني عشرجيشاً من الملائكة.”

أطلبإلى أبي= والسيدلم يقل أرسل أنا لأن التلاميذ لم يكونوا بعد قد تحققوا من ألوهيته. وهو قال”كل ما للآب هو لي بل هو قال سأرسل الروح القدس” فمن يُرسِلُ روح اللهألا يكون له سلطان أن يُرسِلُ ملائكة.

 

المحاكمات

تمتمحاكمة المسيح دينياً ومدنياً. دينياً أمام حنان وقيافا ومدنياً أمام هيرودسوبيلاطس. وبيلاطس كان يميل لتبرئه المسيح (يو38:18 + 4:19،6) ولكنه حكم ضده تحتتأثير اليهود. ويوحنا يميز بدقة ما دار في المحاكمات الدينية وقدر العلماء وقوفالمسيح أمام حنان حوالي الساعة الثانية صباحاً.

 

محاكمةالمسيح أمام رؤساء كهنة اليهود (مت57:26-10:27 + مر53:14-72،1:15 + لو54:22-71 +يو13:18-27)

(مت57:26-10:27)

 

آية(59): “وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكييقتلوه.”

يطلبونشهادة زور= إذاًهم أتوا بشهود معروف عنهم سوء السمعة فهم شهود زور معروفين، فالكتاب لم يقل أنهمشهدوا زوراً بل هم أصلاً شهود زور، هذه هي طبيعتهم السابقة قبل محاكمة المسيح.واليهود إحتاجوا لهم ليقفوا أمام بيلاطس.

 

الآيات(61-64): “وقالا هذا قال أني اقدر أن انقض هيكل الله وفي ثلاثة أيام ابنيه.فقام رئيس الكهنة وقال له أما تجيب بشيء ماذا يشهد به هذان عليك. وأما يسوع فكانساكتاً فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيحابن الله. قال له يسوع أنت قلت وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساًعن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء.”

يتضحفي (61) طريقة التزوير في الشهادة، فالمسيح لم يقل أنا أنقض هيكل الله. بل قال عنهيكل جسده (يو19:2،21). وهو لم يقل أنا أنقض بل قال لهم أنقضوا.. وأنا أقيمه.فالمسيح يتكلم عماّ سيفعلوه بصلبهم له (انقضوا..) ثم قيامته بعد 3 أيام. وهم فهمواكلامه وهم كانوا يعلمون أنه قال أنه سيقوم بعد 3 أيام وقالوا هذا لبيلاطس(مت63:27). وهم لأنهم شهود زور فهم لم يشهدوا بأن المسيح صنع معجزات أكبر من إقامةالهيكل في 3أيام، فهو أقام لعازر بعد أن أنتن وكان سؤال رئيس الكهنة للسيد أستحلفك.. هل أنت المسيح إبن الله هو يسأل لا ليعرف الإجابة، بل ليسقط المسيح فيمشكلة

1.     إن رفض الإجابةيتهمه بأنه يستهين بالحلف بإسم الله.

2.     إن قال نعم فهوسيدينه بتهمة التجديف.

3.     إن قال لا فهويكذب نفسه لأنه أعلن هذا أمام الجموع.

وفيالحالات الثلاث سيدينه ويحكم عليه أنه مستوجب الموت. فلأن شهادة الزور فشلت فهويريد أن يصطاده بكلمة من فمه. والسيد عرف خبث ضمائرهم ووجد أن سكوته لا يصح فأجاببأنه إبن الله حتى تكون الفائدة عامة للكل. والسيد عموماً كان صامتاً أثناءمحاكمات اليهود والرومان له، فمن يتكلم كثيراً يشير إلى ضعفه، وهو يعلم نيتهمالمسبقة، وأن حكمهم سيكون ظالماً فلماذا كثرة الكلام. ولكنه هو وحده يعلم متى يكونالكلام ومتى يكون الصمت. والسيد كان هنا واضحاً في إجابته أنت قلت أي كلامكصحيح بل زاد أنهم لن يعودوا يرونه في ضعف بل هو سيصعد للسماء وسيأتي للدينونة فيالمجيء الثاني.

–        وإنكان رئيس الكهنة يبغي حقاً أن يعرف، كان عليه أن يفتش الكتب والأنبياء فيعلم.

–    وهم يعرفون مندانيال أن عبارة “جالساً عن يمين القوة” تشير للمسيح. ويعني كلامالمسيح أيضاً أنه بعد أن تصلبوني أقوم وينتشر الإيمان وترون معجزات على يد الرسلستعرفون إنني أنا الذي قصده دانيال. عموماً من نبوة دانيال هم يعرفون أن لقب إبنالإنسان المقصود به المسيح.

 

آية(65): “فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدف ما حاجتنا بعد إلى شهودها قد سمعتم تجديفه.”

تمزيقرئيس الكهنة لثيابه علامة يهودية تشير للحزن والغيرة على الله لأن إسمه قد جُدِّفَعليه. وهنا نرى علامة على نزع الكهنوت اللاوي ليظهر كهنوت جديد على طقس ملكي صادق.ولكن رئيس الكهنة فعل ذلك ليثير الموجودين كلهم فيؤيدوه على قراره بقتل المسيح.

 

آية(67): “حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه وآخرون لطموه.”

فعلواهذا به لحسدهم (مت18:27). وما أفظع خطية الحسد والبغضة وهذا ما جعلهم يصرخون أصلبهأصلبه لما أراد بيلاطس أن يؤدبه (يجلده) ويطلقه. بل أن الحسد هو الذي دفع إبليسليسقط آدم فيموت، وهذا ما حدث مع قايين.

 

الآيات(69-75): “أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار فجاءت إليه جارية قائلة وأنتكنت مع يسوع الجليلي. فأنكر قدام الجميع قائلا لست ادري ما تقولين. ثم إذ خرج إلىالدهليز رأته أخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري. فأنكر أيضاً بقسمأني لست اعرف الرجل. وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقا أنت أيضاً منهم فانلغتك تظهرك. فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف أني لا اعرف الرجل وللوقت صاح الديك. فتذكربطرس كلام يسوع الذي قال له انك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج إلى خارجوبكى بكاء مراً.”

إنكاربطرس: كانبطرس جالساً خارجاً في الدار الخارجية (الحوش) فإصطادته جارية لتتهمه أنه كان معيسوع فأنكر، وإذ خرج إلى الدهليز رأته أخرى وإتهمته كالأولى ثم عرفه الجالسون فيالمكان من لغته، فالجليليين لهم لكنة مختلفة عن اليهود. فهم ينطقون السين مثلالثاء. ومن بقية الأناجيل يبدو أن كثيرين حاصروه بإتهاماتهم بأنه تلميذ المسيح.ولنلاحظ أن الخطية تبدأ بالتهاون في الصلاة في البستان، ثم كبرياؤه وثقته في ذاته،ثم هروبه مع التلاميذ، ثم جلوسه الآن مع من يبغضون الرب ثم الإنكار ثم القسمالكاذب ثم اللعن. فكل إنسان يسقط في الخطية يبدأ سقوطه في خطية صغيرة ثم يتدرج إلىالأكبر. ونلاحظ أن الخوف يفقدنا الرؤية والتمييز.

صياحالديك= يشيرلصياح صوت الضمير فينا، أو صوت الروح القدس الذي يبكت على خطية. ونلاحظ أن الديكصاح مرة بعد أن أنكر أول مرة، وكان هذا كإنذار ليكف عن الإنحدار ولكن هذا لم يحدث،ثم صاح الديك بعد إنكاره ثالث مرة. ثم خرج إلى خارج= تشير لضرورة خروجالخاطئ من مكان الخطية وإعتزال شهوات العالم. إن بكاء بطرس غسل خطيته دون أن يقولكلمة إعتذار فالدموع تنال الغفران.

لغتكتظهرك= غالباًلأنه جليلي ولكن هناك رأي بأنه تشبه بالسيد في كلامه.

 

لماذالم تتدخل العناية الإلهية وتحمي بطرس من الإنكار؟

لماقال المسيح لتلاميذه كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، قال بطرس “أنا لاأشك” وكان في هذا كبرياء من بطرس، فهو شك في كلام المسيح بكبرياء، بينما هوراي من سابق عشرته للسيد معرفته بكل شئ، وهنا المسيح تركه ليشفيه وليتأدب. وكان منالمفروض أن يقول بطرس للسيد، أعنى حتى لا أشك ولكنه أخطأ فتركه السيد ليسقط فيعرفضعفه ولا يعود يثق في ذاته. ونلاحظ أنه بعد هذه السقطة وبعد أن تأدب قال للسيد حينسأله “أتحبني” أجاب “أنت تعلم أني أحبك” فهو أصبح لا يثق فيذاته، وقارن هذا القول بأنه سيبذل نفسه عن السيد بينما سيده يقول له ستشكون فيّ فيهذه الليلة، فهل كان يتصور أن السيد لا يعلم. ونلاحظ أن المسيح كان يعلم مستقبلبطرس وأنه سيصنع معجزات ويؤمن على يديه ألوف، وهو سمح بسقوطه حتى لا يتكبر، كماسمح لبولس بشوكة في الجسد لئلا يرتفع. ونلاحظ أن المسيح لم يجعله يسقط بل هو رفعالعناية الإلهية التي تحفظه. وهذا يفسر كلام المسيح له “وأنا طلبت إلى الآبحتى لا يفنى إيمانك” فالمسيح هو الذي يعتني بنا أما بطرس ففي كبريائه الأولظن أن قوته وسيفه هما اللذان يحميانه. وبطرس صار لنا مثالاً، لذلك قال له المسيح”وأنت متى رجعت فثبت إخوتك”.

 

لماذاأخبره السيد بما سيقع مقدماً؟

1.     ليعلم أن السيديعرف كل شئ فلا يعود يراجعه في شئ بل يثق أن عنده المعرفة الكاملة.

2.     حتى لا يقول أنالسيد لو أعلمني بما سيكون لتحذرت ولم أنكر.

3.     حتى إذا تذكرمعرفة السيد وأنه أخبره تزداد توبته وندامته.

 

الفرقبين يهوذا وبطرس

كانإنكار بطرس عن خوف طبيعي، أمّا يهوذا فقد خان دون مبرر وأخذ الثمن. وبطرس تاب وندمأمّا يهوذا فيأس وهلك ولما رآهم حكموا عليه بالموت وكان يظنهم يؤدبونه ويطلقونهتملكته الحيرة واليأس والندم وبدل التوبة إنتحر يأساً.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى