انجيل لوقا

الإصحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ



الإصحَاحُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ]]>

الإصحَاحُالثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ

 

نطقيسوع بالويلات للكتبة والفريسيين (متى 23)

 

نطقالمسيح بالويلات للكتبة والفريسيين مت23 + مر38:12-40 + لو45:20-47

الآيات(1-3): “حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه. قائلاً على كرسي موسى جلس الكتبةوالفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم لاتعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون.”

بينماصوب الكتبة والفريسيين سهامهم ضد المسيح نجده في لطف يقول “كل ما قالوالكم أن تحفظوه فإحفظوه” فهو يحث الشعب على الخضوع لهم، لا من أجل سلوكهملكن من أجل كرسي موسى الذي جلسوا عليه، ومن أجل ناموس موسى الذي يشرحونه. والمقصودبكرسي موسى الذي جلسوا عليه أنهم تسلموا ناموسه لكي يسجلوه ويقرأوه ويفسروه. وكانمن عادتهم أن يقرأوا التوراة من على المنبر كما فعل عزرا. ولكن للأسف كانوا يقدمونتعاليم موسى كوعظ جيد لكنهم لا ينفذونه (وهذا حال بعض الخدام). ونلاحظ أن اللهأعطاهم عظات يقدمونها للشعب فكل عطية صالحة هي نازلة من فوق.. (يع17:1) وأن اللهأعطاهم هذا كثمرة للكرسي الذي يجلسون عليه. لذلك علينا أن نسمع لمن يجلس علىالكرسي فهو يخبرنا بكلام الله، والله يعطيه ليقول لنا. وللأسف فهؤلاء الكتبةوالفريسيين لم يستفيدوا حتى مماّ قالوه. لذلك يدعو السيد الشعب أن يسمعوا لهم إذأن الله أعطاهم ما يقولون، ولكن إذا رأوا في كلامهم ما يناقض الناموس فعليهم أن لايعملوه فهم بتقليد أبائهم خالفوا الناموس (مت1:15-20+ يو10:5-17). وعلى الشعب أنلا يفعل ما يرونهم يعملونه من شرور. والمسيح أعطانا أن نتمثل ونقتدي بالله لابإنسان “كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل”. فلا يصحأن نعمل الخطأ مبررين ذلك بأن هذا أو ذاك مهما كان منصبه يفعل هذا الخطأ.

 

آية(4): “فأنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهملا يريدون أن يحركوها بإصبعهم.”

الوصيةفي حد ذاتها ليست صعبة، وذلك لأن الله يعطي معونة على أن ننفذها ولكن لن يدرك هذاإلاّ من حاول تنفيذ الوصية. لذلك فالسيد يقول إحملوا نيري فهو هين وحملي فهو خفيف،والنير هو ما يربط ثورين يجران معاً والمعنى أن السيد يحمل معنا، بل هو يحمل كلشئ. وإذا وقف الإنسان ليحكم على الوصية يتصور أنها ثقيلة جداً، من يقدر أن ينفذها،والسبب أن الله غير مرئي ولكن الحمل مرئي وثقيل. ولكن من يحاول أن يزحزح هذا الحملحتى بأطراف أصابعه سيجد أن الحمل خفيف فالله هو الذي يحمل عنه. وهؤلاء المعلموناليهود لم يختبروا هذا ولذلك فهم يتصورون أن الوصايا ثقيلة عسرة ويعلمون الناسهذا، أمّا المعلم المختبر الذي عَرِف معونة الله ولذة الوصية يكون تعليمه مشوقاًللناس لأنه هو نفسه قد إختبر (تث11:30-14).

 

آية(5): “وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهدابثيابهم.”

تركمعلمي اليهود الإهتمام بتنفيذ الوصايا إلى الإهتمام بالمظهريات وماذا يقول عنهمالناس. طلبوا الزينة الخارجية التي تخفي حياة داخلية فارغة بلا عمل. وهكذا كلمرائي يهتم بما يجلب له المديح غير مهتم بحقيقة حياته الداخلية وخلاص نفسه. والعصائب=عندما أعطى الله شريعته لموسى أوصى “أربطها علامة على يدك ولتكن عصائببين عينيك (تث8:6) والمعنى ليكن كل عمل تعمله بيدك هو بحسب وصاياي، وتأملها بعينيكنهاراً وليلاً. ولكن الفريسيين فسروا الوصية حرفياً وكتبوا الوصايا العشر وبعض منكتابات موسى ووضعوها على أربطة صغيرة من الجلد ويطوونها على أياديهم اليمنى وعلىرؤوسهم (يربطونها كما نلبس الساعة الآن) ويربطونها على جباههم، متصورين أنهاتعطيهم حماية خاصة، ولم يفهموا أنه يجب حمل الوصية في القلب (هم تعاملوا معالعصائب كما يعمل بعض الجهلة اليوم أحجبة تحميهم) بل صاروا يتنافسون في وضع عصائبأعرض= يعرضون عصائبهم يراهم الناس فيظنوا أنهم متمسكين بالناموس وتنفيذالوصية أكثر من الجميع. ويعظمون أهداب ثيابهم= الأهداب هي حواشي إسمانجونيةفي أذيال ثيابهم تنفيذاً لما جاء في (عد38:15،39). وهي تذكرهم بأهمية تنفيذالوصايا كمن يربط خيطاً على إصبعه ليتذكر شيئاً مهماً. والمقصود بهذا أن يظل لهمالفكر السماوي فاللون الإسمانجوني هو لون أزرق سماوي، وأذيال الثياب تحتك بالأرضعند السير والمقصود أننا في أثناء إحتكاكنا بالعالم يجب أن يكون لنا الفكرالسماوي. أمّا هم فطلبوا الكرامة الزمنية. ولنعلم أن كل من يسلك لكي ينظره الناسهو فريسي ينطبق عليه كلام السيد هنا.

الطيالسة(مرقسولوقا) هي ملابس فضفاضة طويلة تشبه ملابس الملوك ليجذبوا احترام الناس.

 

الآيات(6،7): “ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع. والتحياتفي الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي.”

هؤلاءعوضاً أن يقدموا للناس خدمة في محبة مهتمين بالضعيف طلبوا الأماكن الأكثر كرامة.وكانوا يطلبون أن الشعب حين يراهم من مسافة يبدأ الشعب في عمل حركات كلها تواضعأمامهم لإعلان كرامتهم. والمسيح فعل عكس هذا إذ غسل أرجل تلاميذه، هو أتىليَخْدِمْ لا ليُخْدَمْ.

 

الآيات(8-12): “وأما انتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وانتم جميعاًاخوة. ولا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوامعلمين لأن معلمكم واحد المسيح. وأكبركم يكون خادماً لكم. فمن يرفع نفسه يتضع ومنيضع نفسه يرتفع.”

هليريد السيد أن نكف عن إستخدام الألقاب سيد/ أب/ معلم؟! بالنسبة للأشخاص الروحيين؟قطعاً لا يمكن أن نفهم هذا بمفهوم حرفي:-

1- بولسدعا نفسه أب (1كو15:4 + فل10،11+ 1يو1:2+ 3يو4). ولكن نفهم من كلام بولس”لإني أنا ولدتكم في المسيح بالإنجيل” معنى الأبوة المطلوبة فخارجالمسيح يفقد بولس أبوته، ويفقد الكاهن أبوته، وتصير دعوته أباً إغتصاباً أمّا فيالمسيح فيحمل أبوة الله لأولاده، يحمل لهم ما هو لله لا ما هو لذاته.

2- بولسدعا نفسه معلم وقال إن الله وضع للكنيسة معلمين (رو7:12+ 2تي11:1) وبنفس المفهومنقبل المعلم المختفي في الرب. فالمعلم الحقيقي يُعَلِّم لحساب مجد الله.

3- قبلبولس الرسول من سجان فيلبي هو وسيلا قوله يا سيدي (أع30:16) والمهم أنهما لم يهتماباللقب بل بخلاص نفس الرجل وأهل بيته. والله أعطى للقادة الروحيين سلطان بالروحالقدس ليدبروا أمور الكنيسة بالمحبة. (فل8،9،19).

4- عندمايكون القائد له حياة روحية لن يهتم باللقب إنما بخلاص النفوس. ولن يكون للألقابخطورتها على حياته، فشوقه لخلاص كل نفس يملأ قلبه فلا يجد الرياء أو الكبرياءموضعاً فيه، بل تزيده الألقاب إنسحاقاً وإحساساً بالمسئولية. ولا يشعر في نفسه سوىأنه خادم للكل كما قال السيد على نفسه.

5-   المسيحلا يقصد إلغاء الألقاب بل أراد أن نلتقي بالقادة الروحيين خلاله شخصياً، ولا نرتبطبهم خلال التملق والمجاملات.

6- إذافهمنا هذا الكلام حرفياً فهل لا أقول لأبي الجسدي يا أبي وأقول له يا أخي. إعتماداًعلى قول المسيح هنا “وأنتم جميعاً إخوة“. وهل لن يتعارض هذا معوصية أكرم أباك وأمك.

7-   والمسيحيحذر هنا من أن يرتفع القادة ويسعون للعظمة فيسقطون.

 

آية(13): “لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوتالسماوات قدام الناس فلا تدخلون انتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.”

هذاالويل الأول هو في مقابل التطويب الأول “طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوتالسماوات” أمّا هؤلاء المتكبرين فهم يغلقون ملكوت السموات أمام الناس. همأغلقوا الباب أمام الناس بكبريائهم وبعدم تنفيذ الوصايا التي يعلمونها لهم، أي بسلوكهمالخاطئ. وكانوا يقدمون مفتاح للكتبة عند قبولهم وظيفتهم. والسيد يقصد أن يقول أنهعوضاً عن أن تفتحوا للناس باب ملكوت السموات بأن تفتحوا عقولهم وقلوبهم فيقبلونالله، فأنتم أغلقتم هذا الباب (لو52:11). ولو كنتم متضعين ومساكين بالروح لكانالروح القدس ملأكم وكان تعليمكم قد فتح لهم ملكوت السموات، ولكم أيضاً.

 

آية(14): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأراملولعلة تطيلون صلواتكم لذلك تأخذون دينونة اعظم.”

هم أصبحوا لا يبحثون سوى عن أنفسهم ويجرون وراءالماديات ليس من الأغنياء فقط، بل من بيوت الأرامل (كانوا يصلون ويطيلون صلواتهمفي بيت الميت ليأخذوا أجراً كبيراً من أرملته)، هم طلبوا الكرامة أولاً والآنيطلبون الأموال حتى إن صار في هذا ضيق وحزن في بيوت الأرامل والأيتام. ونقارن هذامع التطويب الثاني “طوبى للحزانى. لأنهم يتعزون”. وبينما كان واجب هؤلاءالخدام أن يعزوا الأرامل أكلوا بيوت الأرامل. وبأعمالهم الرديئة هذه اعثروا الناس.في الويل الأول نجدهم متعظمين بمعارفهم وعلمهم فأغلقوا باب المعرفة على الناس. وفيالويل الثاني نجدهم متعظمين بأموالهم فأغلقوا باب التعزية على الناس الحزانى.ونلاحظ أن المسيح لا يهاجم الصلوات الطويلة، بل العلة في إطالة الصلوات.

 

آية(15): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبرلتكسبوا دخيلاً واحداً ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم اكثر منكم مضاعفاً.”

كانوايتعبون ليكسبوا دخيلاً يدخل للإيمان اليهودي، ولكن هذا الدخيل حينما يدخل ويرىريائهم، يتعلم هذا الرياء، وهو إذ لم يرى نموذج طيب يحتذى به يرتد لوثنيته ويصبحأسوأ حالاً فهو تعلم ريائهم وصار مرتداً عن الإيمان وقد عاد لقيئه ووثنيته، وهذاحتى إن جاءه رجل فاضل مبارك يدعوه للإيمان بعد ذلك فمن المؤكد أنه سيرفض إذ صاريشك في الجميع وبهذا يصير حاله أردأ ويصير إبناً لجهنم أكثر. وكان اليهوديحاولون زيادة المؤمنين ويطوفون البر والبحر ليأتوا بمؤمنين ليزداد عددهم ويزدادعدد المقاتلين فيرثوا أرض كنعان بل يمتدوا إلى أكثر. والمسيح في التطويب الثالثالمقابل لهذا الويل الثالث يقول أن الودعاء هم الذين يرثون الأرض، وليس هؤلاءالمتكبرين المتغطرسين المرائين.

 

الآيات(16-22): “ويل لكم أيها القادة العميان القائلون من حلف بالهيكل فليس بشيءولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان أيما اعظم الذهب أم الهيكلالذي يقدس الذهب. ومن حلف بالمذبح فليس بشيء ولكن من حلف بالقربان الذي عليهيلتزم. أيها الجهال والعميان أيما أعظم القربان أم المذبح الذي يقدس القربان. فانمن حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. من حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه.ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.”

يفسد الرياء بصيرة المعلمين فعوض أن يحكمواروحياً في أمور الماديات إذ بهم يحكمون بمنظار مادي حتى في الروحيات. فيرون في ذهبالهيكل أنه أفضل من الهيكل، والقربان أثمن من المذبح. فالذي يحلف بالذهب يلتزمبدفع ذهباً لو حنث في قسمه. هذا ليشجعوا الشعب أن يأتوا للهيكل بذهب يستفيدوا همبه. والهيكل مدشن بالزيت المقدس وهو لله لذلك فهو الذي يقدس الذهب. والمذبح كل مايسمه يكون مقدساً (خر37:29). ومن أقسم بالقربان يلتزم بدفع قرابين. أمّا من يحلفبالمذبح ويحنث في قسمه فلا يشغل قلبهم في شئ. هؤلاء لا يهتمون بمجد الله بل بشبعبطونهم وإمتلاء خزائنهم. والمفهوم طبعاً ما يقدمه السيد هنا أن من يحلف بالمذبحفهو يحلف بكل ما عليه من قرابين وذبائح ونار مقدسة، وفوق الكل بالله. فالمذبح يخصالله نفسه والمفهوم أن كل الأقسام ملزمة ولا معنى لوضع هذه الفروق، وأن كل قسم منأي شخص هو إلتجاء إلى الله. وفي مقابل هؤلاء الجوعى للأمور المادية من ذهب وأموالوكل ما يشبع بطونهم يقدم المسيح التطويب الرابع “طوبى للجياع والعطاش إلىالبر لأنهم يشبعون”. هذا في مقابل الويل الرابع للجياع للمادة والعالم والغنىوالطمع.

 

الآيات(23،24): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشرون النعنعوالشبث والكمون وتركتم اثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان كان ينبغي أن تعملواهذه ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان الذين يصفون عن البعوضة ويبلعونالجمل.”

الويل الخامس لهم إذ هم يظهرون كمدققين للغاية فيعشرونالنعناع والشبث والكمون وهي نباتات تزرع بكميات صغيرة في حدائق البيوت. وتدقيقهمهذا هو لصالحهم، فهم يركزون في تعاليمهم على دفع العشور مهما كانت قليلة كالنعنعوالشبث والكمون، والمعنى الاهتمام بالعشور كلها لأن هذا سيعود عليهم بالفائدة،فالدقيق هنا في وصية العشور ليس هدفه مجد الله بل مصالحهم الشخصية. وبينما يفعلونهذا أهملوا أهم وصايا الناموس “الحق والرحمة والإيمان” لم يوصوا الشعببالرحمة تجاه الأرامل والأيتام والفقراء فهذا لن يعود عليهم بمنفعة. ولذلك نجدالتطويب الخامس المقابل لهذا الويل الخامس، طوبى للرحماء لأنهم يرحمون.

تعملواهذه= تدفعونالعشور في كل شئ. ولا تتركوا تلك= الرحمة. إذاً ليس معنى كلام المسيح عدمدفع العشور بل الإهتمام بالرحمة. يصفون عن البعوضة= يصفون مشروباتهم لئلايكون بها بعوضة تنجسها، والبعوضة هي أصغر الحشرات النجسة أي التدقيق في الأمور الصغيرة.ويبلعون الجمل= الجمل هو من الحيوانات النجسة وهو أكبرها والحيوانات النجسةتشير للخطايا. والمقصود أنهم يقبلون أعظم الخطايا إن كان في هذا مصلحة لهم. أيهاالقادة العميان= هم رأوا البعوضة ولكنهم لم يروا الجمل. وهم كان السيد المسيحأمامهم وبسبب بصيرتهم العمياء وحسدهم وطمعهم لم يروه ولا عرفوه بل صلبوه، لقد أظلمالرياء وحرفية العبادة عيون قلوبهم.

 

الآيات(25،26): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تنقون خارج الكأسوالصحفة وهما من داخل مملوءان اختطافاً ودعارة. أيها الفريسي الأعمى نق أولاً داخلالكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضاً نقياً.”

هنايلومهم السيد أنهم يتمسكون بمظهر التقوى مثل كأس أو صحفة ينظفانها من الخارج دونالداخل، والمقصود الممارسات الطقسية التي بلا روح وبلا توبة وبلا محاولة لتطهيرالقلب. هؤلاء يطهرون الجسد ولا يهتمون بقلوبهم. ومن الخطر أن يهتم أحد بشكلياتالعبادة الخارجية دون أن يلتقي بالسيد المسيح نفسه جوهر عبادتنا وهو الذي يطهرناحقيقة. وفي مقابل هذا الويل السادس نجد التطويب السادس “طوبى لأنقياء القلبلأنهم يعاينون الله” أمّا هؤلاء فلم يروا الله ولا عرفوه.

 

الآيات(27،28): “ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراًمبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتمأيضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثماً.”

كانلليهود عادة أن يغسلوا القبور قبل الفصح أولاً للزينة وثانياً حتى لا يحتك بهاالمارة فيتنجسون، وكانوا يدهنوها باللون الأبيض لتصير واضحة (راجع عد16:19). هنايشرح السيد أن هؤلاء المظهريين صاروا أمواتاً. فكل من لا يتطهر من خطاياه تقتلهالخطية “لك إسم إنك حي وأنت ميت” (رؤ1:3) والعكس فمن يقدم توبة كالإبنالضال يحيا “إبني هذا كان ميتاً فعاش”. من يهتم بالظاهر والداخل ميتيكون كالقبر المبيض من الخارج له إسم أنه حي، والناس يمدحونه. بينما داخله ميتاًوالله هو الذي يري الداخل (رؤ18:2،23). وفي مقابل هذا الويل نجد التطويب السابع”طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله”. الإبن الضال بتوبته عاد لحضنأبيه فحصل على الحياة وصار إبناً لله.

 

الآيات(29-36): “ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبورالأنبياء وتزينون مدافن الصديقين. وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم فيدم الأنبياء. فانتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء. فإملأوا انتممكيال آبائكم. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم. لذلك ها أناأرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة فمنهم تقتلون وتصلبون ومنهم تجلدون في مجامعكموتطردون من مدينة إلى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيلالصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح. الحق أقول لكم إنهذا كله يأتي على هذا الجيل.”

ببنائهملقبور الأنبياء فهم يشهدون أن أباءهم قتلة الأنبياء، وها هم يكملون مكيال أبائهمبتدبيرهم المؤامرات لقتل المسيح. وكان الأهم من بناء قبور للأنبياء أنهم يحفظونأقوالهم ويفهمونها، ولو كانوا قد فعلوا لعرفوا المسيح إذ هو هدف النبوات (رؤ10:19)”فإن شهادة يسوع هي روح النبوة”. ونلاحظ تصاعد الخطايا فأولاً هم تكبرواوتعظموا (الويل الأول) ثم صاروا جشعين يأكلون أموال الأرامل (الويل الثاني) ثمصاروا سبب عثرة بريائهم للدخلاء (الويل الثالث) ثم إهتمامهم الكامل بالماديات حتىأنهم شوهوا التعاليم الروحية (الويل الرابع) ثم في سبيل إمتلاء بطونهم إهتموابوصية العشور لأنهم يكسبون منها وسكتوا عن الخطايا الكبيرة التي كالجمل (الويلالخامس) ثم ريائهم (الويل السادس) وأخيراً وصلوا لحالة الموت الداخلي (الويلالسابع) وماذا بعد ذلك إلاّ أنهم يقاومون الحق ويهدرون ويسفكون دماء الأبرياء وعلىرأسهم السيد المسيح (الويل الثامن) وفي مقابل هذا الويل نجد التطويب الثامن.. طوبىلكم إذا طردوكم وعيرَّوكم .. فإنهم هكذا طرودا الأنبياء الذين قبلكم. وهل نفلت مننار جهنم لو فقدنا التقوى الحقيقية. أيها الحيات= فالحيات تقتل حتى من لايؤذيها وهي تزحف على الأرض إشارة للأفكار الأرضية فهو صلبوا المسيح وإضطهدواتلاميذه. أولاد الأفاعي= فأبائهم أيضاً قتلوا الأنبياء.

ولنلاحظأن كل إنسان مسئول عن نفسه، وهم غير مسئولين عن خطايا أبائهم، لكنهم إذ يعملون نفسالشئ= فإملأوا أنتم مكيال أبائكم، وهم ملأوه بشرورهم ثم بقتلهم للمسيح، هناتأتي عليهم العقوبة وهي دينونة جهنم. والمسيح يخبرهم بأنه سيرسل لهمتلاميذه= أرسل إليكم أنبياء وحكماء.. ويتنبأ لهم بأنهم سيضطهدونهم= فمنهمتقتلون وتصلبون يا لمحبتك يا رب فقبل أن يعاقب وتخرب أورشليم يعطيهم فرصةأخيرة. وبسبب إستمرارهم في خطايا أبائهم سيعاقبون لأنهم لم يتعظوا بما حدث لأبائهممن مصائب بسبب خطاياهم. لذلك فعقوبة هؤلاء الأبناء أعظم= يأتي عليكم كل دم= أيعقوبة مضاعفة وهذا ما حدث في خراب أورشليم.

 

منهو زكريا بن برخيا: هناك3 آراء:

1.    هوزكريا النبي فإسمه فعلاً زكريا بن برخيا (زك1:1). ولكن الكتاب لم يذكر شيئاً عن أندمه سفك بين الهيكل والمذبح.

2. هوأبو يوحنا المعمدان الذي إذ أتى إليه جنود هيرودس ليأخذوا يوحنا الطفل ليذبحوه،ذهب به للمذبح وقال من حيث أخذته أعيده. فخطفه ملاك الرب إلى البرية فقتل الجندزكريا.

3. إنهزكريا الذي قتله يوآش ملك يهوذا كما جاء في (2أي21:24). ولكن إسم أبيه يهوياداع.ويرى القديس جيروم أن برخيا تعني بركة ويهوياداع تعني قداسة. وأن الشخص يحملالإسمين. وهذا هو الرأي الأصوب. فالمسيح ذكر هابيل كأول شهيد يذكر في الكتابالمقدس بسبب بره. وزكريا هو آخر شهيد يذكر في الكتاب المقدس، في العهد القديم(ونلاحظ أن الكتاب المقدس اليهودي ينتهي بسفري أخبار الأيام.) ويكون قصد المسيحأنهم يتحملون دم كل الشهداء الأبرياء الذين إحتواهم الكتاب المقدس، فهم أشر منأبائهم لقتلهم المسيح.

الحقأقول لكم إن هذا كلّه يأتي على هذا الجيل= وفعلاً فخراب أورشليم على يد تيطسالروماني سنة 70م تم بعد كلام السيد المسيح بحوالي 37سنة.

 

الآيات(37-39): “يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كممرة أردت أن اجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذابيتكم يترك لكم خراباً. لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مباركالآتي باسم الرب.”

كممرة أردت .. ولم تريدوا= لنلاحظأن إرادتي يمكنها أن تعطل إرادة الله في أمر خلاص نفسي. فالله يريد أن الجميعيخلصون.. (1تي4:2). لذلك قال القديس أغسطينوس (الله الذي خلقك بدونك لا يستطيع أنيخلصك بدونك). والمسيح بكى على أورشليم إذ رأى مستقبلها وما سيحدث لها(لو42:19-44) ويبكي على كل نفس ترفضه لأنها ستهلك ويحاصرها الأعداء ويخربونها. هوأتى لأورشليم عارضاً رحمته وحمايته فرفضوه، فَخَرِبوا، وهو عارِضْ حمايته ورحمتهلكل نفس ومن يرفض سيخرب. يبدأ بالتعليم والتطويب ومن يرفض تنصب عليه الويلات. هوذابيتكم يترك لكم خراباً= لقد خرب الهيكل فعلاً وكل أورشليم وسيظل خرباً للنهايةوحتى يؤمنوا بالمسيح ويقولون مبارك الآتي بإسم الرب. النداء الذي رفضهاليهود يوم أحد الشعانين وجن جنونهم بسببه. وسيكون إيمان اليهود علامة نهايةالأيام. والسيد هنا يشبه نفسه بالدجاجة التي تحتضن بيضها حتى يفقس وتخرج الفراخللحياة، فهو يريد الحياة لهذا الشعب، ولكن بإختيارهم. إنكم لا ترونني من الآنحتى.. تنطبق على كل منّا، فكل من يسبح الله يراه ويعرفه. ولكنها نبوة عن نهايةالأيام ومجيء المسيح الثاني. ولنلاحظ أن البيت تحول خراباً لأن الله تركه بسببخطاياهم وهكذا كل نفس تخرب إذا إنغمست في الخطية والعكس إن تابت يعود لها اللهوتراه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى