سفر اعمال الرسل

الإصحاح الرابع



الإصحاح الرابع]]>الإصحاح الرابع

 

(مت1:4-11) (مر12:1،13) (لو1:4-15)

نجدالإنجيليين الثلاثة الذين أوردوا قصة تجربة المسيح، أنهم يأتوا بها بعد معموديتهوحلول الروح القدس عليه. إذ أن حلول الروح القدس على المسيح يعني مسحه أي تكريسهلعمل الفداء وهذا يعني حتماً الدخول في صراع مع الشيطان.

وماالذي أثار الشيطان ليبدأ المواجهة مع المسيح؟

منالمعروف أن الشيطان هو رئيس هذا العالم كما أسماه المسيح (يو30:14). وهو يستخدمإغراءات وملاذ العالم في إبعاد أولاد الله عنه. الله خلق العالم بما فيه لنستعمله،ولكن إبليس حوَّل العالم إلى هدف عند الناس. والمسيح بدأ حربه ضد إبليس بأنه صاموالصوم هو زهد في ملذات هذا العالم، وكأن المسيح يعلن لرئيس هذا العالم أنه لايهتم بأسلحته وملذاته، وبهذا أثار الشيطان.

مقالات ذات صلة

ولكنكما نفهم من أقوال السيد المسيح أن الصوم والصلاة أقوى أسلحة ضد الشيطان(مت21:17). ولذلك فالكنيسة الأرثوذكسية تضع أصواماً كثيرة لتسلح أولادها ضد إبليس،فإن كان المسيح قد احتاج للصوم فكم وكم أنا الخاطئ الضعيف.

نعودونقول أن الصوم هو سلاح ضد الشيطان ولكننا نجد هنا أن الصوم أثار الشيطان ضدالمسيح فحاربه، فهل نصوم ليحاربنا الشيطان؟ نقول نعم فنحن في حروبنا لسنا نحارببقوتنا بل أن المسيح الغالب يغلب فينا (يو33:16+ رؤ2:6). والروح الذي فينا هو روحقوة ونصرة ضد إبليس، فلماذا الخوف من حروبه!! بل أننا إذا غلبنا إبليس برفضنالملذات العالم وجهادنا في صلواتنا وأصوامنا نمتلئ بالروح أكثر، وهذا ما حدث معالمسيح إذ يقول الكتاب أن المسيح بعد التجربة رجع بقوة الروح إلى الجليل (لو14:4).لذلك فالله يسمح بالتجارب الشيطانية ضدنا ولكن هذا لنغلب به، وحينما نغلب نمتلئأكثر بالروح وبهذا يعظم انتصارنا (رو37:8) وهناك قصة من العهد القديم تشرح هذهالفكرة تماماً. فقد جاء يهوشافاط كملك قديس على يهوذا، فأثارت قداسته ثائرة إبليسفأهاج الأعداء ضده واجتمع عليه جيش عظيم. إذاً سمح الله بتجربة هذا الملك القديس.فماذا فعل يهوشافاط؟ نجده يصلي ويسبح ويصرخ لله، ونجد الله يتدخل ويزيل العدو منأمامه ويعود يهوشافاط وشعبه ومعهم غنائم كثيرة، عادوا أعظم من منتصرين(2أي1:20-30) (أي لم ينتصروا فقط بل عادوا ومعهم غنائم). والمسيح أتى ليفتتح ملكوتالله في صميم العالم وهذا معناه اقتحام سلطة الشيطان رئيس هذا العالم ونهب دارهأولاً، داره الذي سلَّحه بأسلحة الخطية المتعددة من شهوات وملذات العالم(مت28:12،29). إذن فقد لزمت المواجهة.

ولقدتقدم المسيح أعزل من سلطانه الإلهي، إذ تخلى عمداً عماَّ له ليستطيع أن يقف موقفناويأخذ دورنا، ففي كل ما انتصر فيه المسيح معناه أننا انتصرنا، لقد انتصرت البشريةفيه. ولنلاحظ أن المسيح بلاهوته لا قوة تقف أمامه ولا معنى أن نتكلم عن انتصارهعلى إبليس أو غيره، فقوة الله لا يفوقها قوة أخرى.

لقدأتى المسيح ليحارب الشيطان بعد أن حل عليه الروح القدس والروح القدس هو قوة رادعةللشيطان، والمسيح أرسل لنا الروح القدس لنغلب الشيطان وندوسه، فالشيطان قويوخداعاته قوية، لكننا بالروح القدس الذي فينا نكتشف ألاعيبه ونهزمه ونرفض عروضهالخبيثة.

ونكررأنه علينا أن لا ننزعج إذا حاربنا الشيطان إذا زهدنا العالم وصمنا وصلينا وذهبناللكنيسة وواظبنا عليها، فهو لا يحتمل كل هذا والله يسمح بهذه التجارب إذ نخرج منهاببركات كثيرة وغنائم عديدة، بل نمتلئ بالروح أكثر وأكثر. وهذا ما يحدث وحدث مراراًمع الرهبان والمتوحدين، إذ حينما تركوا العالم وذهبوا للبرية أثاروا الشيطانبزهدهم ورفضهم لأدوات إغراءاته وأسلحته، أي ملاذ هذا العالم، فكان أن زادت حروبهضدهم، حتى أنه كان يظهر لهم في صورة وحوش ضارية تحاربهم، ولكن لنراجع سيرة هؤلاءلنرى البركات التي حصلوا عليها، فعادوا أعظم من منتصرين.

والمسيحدخل التجربة وهو حامل البشرية فيه وممثلها بقصد مباشر، هو أن يجيز البشرية التيفيه كل تجارب الشيطان ثم يغلب الشيطان بجسده الضعيف، وبهذا فهو يحطم أسلحته وقوتهلحساب الإنسان الجديد أو الخليقة الجديدة التي هو رأسها التي ستقوم به وفيه من بينالأموات.

بعدهذه التجربة ربط المسيح إبليس بعد أن هزمه، ثم بعد ذلك على الصليب جرده من كلسلطانه، ثم نزل ليهزم الشيطان في الناس ويشفيهم ويخرج الشياطين منهم إعلاناً لأنهأتي ليحرر البشرية من إبليس. المسيح بموته على الصليب كحامل لخطايانا أبطل أقوىأسلحة الشيطان أي الخطية، فصارت الخطية فينا ميتة أي مدانة (رو3:8) صارت الخطيةمدانة في المؤمنين إذ ماتوا مع المسيح، وجرد المسيح إبليس وتابعيه من رتبهموسلطانهم ليوم الدينونة (كو15:2). ولكن بقى لهم عمل يتناسب مع ضعفهم حتى إلى ذلكاليوم، فهم ما زالوا يحاربون المؤمنين ولكن في ضعف، وشرح هذه الفكرة نجده في عدةأماكن في العهد القديم:

1-  (حز24:30)فالله يكسر ذراعي فرعون (رمز إبليس) ولكنه لا يكسر رقبته. سيظل له رأس ولكن بلاقوة الذراعين. فإبليس مازال يستخدم رأسه في بث أفكاره المسمومة من تشكيك، وإثارةشهوات في المؤمنين، لكن لنثق أنه بلا ذراعين أي بلا قوة، الشيطان هو قوة فكريةولكنه هو لا يستطيع أن يرغم أحد على قبول أفكاره، بل أن المؤمنين حين يصرخون للهيطردون هذه الأفكار سريعاً.

2-  نسمعفي قصة فرعون والخروج أن جيش فرعون قد غرق في البحر الأحمر، ولكننا لم نسمع أنفرعون نفسه قد غرق. وفرعون رمز لإبليس الذي بقي بعد معركة الصليب بلا قوة (بلاجيش).

المسيحكرأس للخليقة الجديدة دخل المعركة وغلب لأن آدم رأس الخليقة القديمة دخل المعركةوهُزِمَ.

بالمعموديةوحلول الروح القدس على المسيح تكرس المسيح للصليب، وفي التجارب عروض من إبليس كماسنرى ليبتعد عن الصليب في خدمته.

ربمااستخدم إبليس سلاح الأفكار ضد المسيح، فهو تارة يشككه في محبة الآب الذي تركهجائعاً ولم يحول له الحجارة إلى خبز، وتارة يثير فيه شهوة امتلاك العالم، وهذا مايصنعه إبليس معنا. ولكن لنلاحظ أن التعرض للتجربة الفكرية ليس خطية وليس هوالسقوط، بل أن انتصارنا على هذه التجارب يعقبها نصرة وبركة، لكن أن نتلذذ بالفكرفهذه هي الخطية، أن نتحاور مع إبليس، هذا هو الخطأ. لذلك قال الآباء “ليسالخطأ أن تحوم الطيور حول رؤوسنا، بل الخطأ أن تتخذ الطيور من رؤوسنا أوكاراً لها.

اللهيسمح إذاً بالتجارب ويعيننا في أثنائها لنخرج مملوئين من الروح ونخرج منها أكثرقوة وصلابة وخبرة، واثقين في وعود الله، مختبرين قوته ونصرته، الله بهذا يكون كأمتعلم أولادها المشي، وكالنسر الذي يحمل أفراخه على جناحيه ويرتفع لأعلى ثم يتركهمليتعلموا الطيران ولكنه يهبط ويصير تحتهم حتى لا يسقطون على الأرض بل عليه.

بلنخرج من هذه التجارب أكثر تواضعاً إذ ندرك ضعفنا وندرك أيضاً قوة الله، بل ندركأننا بالمسيح أقوى من الشيطان وأسلحته.

المسيحهو الطريق، ففيه اعتمدنا وفيه نلنا قوة الروح القدس وفيه نصوم ونزهد في العالم،وفيه نُقْتاد إلى التجارب غير هيابين وفيه نغلب ونخرج من التجارب أعظم من منتصرين.

نتعلمأيضاً من المسيح أن نستخدم كلمة الله في حروبنا للرد على إبليس وعلينا أيضاً أننستخدم اسم يسوع، فحينما تهاجمك الأفكار أصرخ قائلاً “يا ربي يسوع المسيحارحمني أنا الخاطئ، يا ربي يسوع المسيح أعني” فتهرب منك الأفكار. ارشم نفسكبعلامة الصليب التي يفزع منها إبليس، استعن بالقديسين وشفاعتهم فيأتوا لمعونتك.

إبليسهو المجرب ومن أسمائه أي صفاته أنه الشيطان أي المقاوم. وهو المعاند والمشتكيوالمتمرد. هو خصم لا يكف عن الحرب.

كلماتالسيد المسيح التي استخدمها مقتبسة من سفر التثنية (تث3:8+ تث16:6+ تث13:6)بالترتيب

ملحوظة: في طقسالمعمودية نجحد الشيطان وهذا معناه أن المؤمن سيدخل في تحد مع الشيطان يرفضه ويرفضأعماله وإغراءاته. وكما أن التجربة للمسيح ارتبطت بالمعمودية هكذا نحن بالمعموديةندخل في معركة مع إبليس العمر كله، لكنها معركة ستنتهي حتماً بانتصار أولاد اللهالذين قبلوا المسيح رأساً لهم وحل عليهم الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يقودنابعد المعمودية.

 

(مت1:4-11)

آية(1): “ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس.”

ثم=هذهالكلمة هنا بعد المعمودية تعني أن التجربة أمر طبيعي كان لزاماً على السيد أن يدخلفيه نيابة عنا، فاتحاً لنا طريق الملكوت. ولنلاحظ أن إبليس حارب السيد بعد حلولالروح عليه، فنحن أيضاً معرضين لحروب إبليس بعد كل نعمة ننالها (فهو يحسدنا)

أصعديسوع.. من الروح= الروح يقتاد المسيح وفق خطة إلهية ليهزم إبليسويربطه، وتحسب إمكانياته إمكانيات البشرية بعد ذلك. والمسيح لم يقتاده الروح عنوة،بل أن المسيح كان في اشتياق لهزيمة إبليس. لكن نفهم من كلمة أصعد يسوع، أن الروحالقدس يدفع الإنسانية التي في المسيح. حقاً الروح القدس والابن واحد مع الآب،ومشيئتهم واحدة، إلاً أن هذا يعني أن الروح يحرك ويدفع الإنسانية التي في المسيح،وهذا ما يعمله الروح القدس فينا الآن فهو يحركنا ويدفعنا ويبكتنا ويتوبنا ويدفعنادفعاً للأحضان الإلهية.

البرية=بحسبالمفهوم اليهودي فالبرية هي مسكن للشياطين، فهي أماكن خربة وقبور، والمسيح ذهببهذا للشيطان في عرينه ليحاربه.

والإنسانقبل المسيح كان كبرية خربة، حولها الروح القدس لجنة مثمرة. (الروح القدس يرمز لهبالمياه). كان الإنسان مسكناً للشياطين، ميتاً كقبر، رائحته نتنة فصرنا رائحةالمسيح الزكية. إذاً فالإنسان هو أرض المعركة بين المسيح وإبليس. ومن المؤكد أنالشيطان جرب المسيح كثيراً لكن الإنجيليين لم يذكروا سوى ثلاث تجارب.

آية(2): “فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً.”

نلاحظأن الحرب بدأت أو اشتدت حينما جاع المسيح، ومع الجوع تشتد شهوة الإنسان للطعام، هيلحظة ضعف للجسد، والشيطان متمرس في إسقاط الإنسان بعراكه مع شهوة الجسد. لقد كانجوع المسيح أو زهده وتركه للطعام ولملذات العالم هو استدراج الشيطان لمنازلته.ولقد صار الصوم والزهد سلاحاً به نهزم إبليس مع الصلاة. ولنلاحظ أن المسيح بصومهقدس أصوامنا وشجعنا عليها، كالأم التي تتذوق الدواء أمام طفلها المريض حتى يشربمنه. بدون ضبط البطن طرد آدم من الفردوس. وبضبط البطن والصوم هزم المسيح إبليس.

وكانجوع المسيح إعلاناً وتأكيداً لحقيقة ناسوته، فهو ليس خيالاً. فجسد المسيح كانجسداً كاملاً حقيقياً يجوع ويعطش ويتألم.

أربعينيوماً= رقم(40) يشير لفترة ما يعقبها خير أو عقوبة فموسى صام 40يوماً ليستلم شريعة العهدالقديم، والطوفان كان 40 يوماً. وإسرائيل جُرِّب في سيناء 40 سنة لكنهم تذمروا،أما المسيح فذهب بإرادته ليجوع ويجرب ولم يتذمر. وهذه الأربعين يوماً تشير لمدة غربتناعلى الأرض، إن قضيناها في زهد وأصوام وبلا تذمر نذهب للسماء.

الآيات(3-10): “فتقدم إليه المجرب وقال له أن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارةخبزا. فأجاب وقال مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فمالله. ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل. وقال له أن كنتابن الله فاطرح نفسك إلى اسفل لأنه مكتوب انه يوصي ملائكته بك فعلى أياديهميحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك. قال له يسوع مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك. ثمأخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له أعطيكهذه جميعها أن خررت وسجدت لي. حينئذ قال له يسوع اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للربإلهك تسجد وإياه وحده تعبد.”

لخص معلمنا القديس يوحنا في رسالته الأولىالخطايا التي في العالم في ثلاث فئات هي شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة(1يو16:2) وهي بعينها نفس الثلاث التجارب التي قام بها إبليس ضد آدم الأول وضدالمسيح آدم الأخير.

شهوة الجسد (البطن)

آدم: الأكل من الشجرة

المسيح: تحويل الحجارة لخبز

شهوة العيون

الشجرة شهية للنظر بهجة للعيون

أعطيك كل هذه

تعظم المعيشة

تكونان كالله

يلقي نفسه ولا يصاب

والسيدالمسيح قهر الشيطان بعدم إبلاغه مراده واحتقاره لوسائل الإغراء التي اتبعها معه.ولاحظ أن المسيح يستخدم سلاح كلمة الله بقوله مكتوب. فالكلمة المقدسة هي سيف ذوحدين وهي سيف الروح (أف17:6+ عب12:4)

التجربةالأولى: تجربة شهوة البطن (الخبز)    آيات (3،4):

ماذايقصد إبليس بهذه التجربة؟

1-  هويشكك المسيح في محبة الآب، فهو يقصد أن يقول، إن كان الآب أي الله هو أبوك حقاً،وهو إله خير محب، فلماذا يتركك جائعاً. إذاً فليحول لك الحجارة إلى خبز. والمقصودمن التشكيك هو تخريب العلاقة مع الله. وهذا ما يصنعه إبليس مع كل منا، فهو يأتيليهمس في أذن من له مشكلة أو مصاب بمرض “أطلب من الله إن كان يحبك أن يصنعمعك معجزة ويشفيك، أو يحل لك المشكلة. وإذا لم تحل المشكلة يأتي إبليس ليقول لكالله لا يحبك فهو يشفي كل الناس إلا أنت وهذا معنى تخريب العلاقة مع الله وكان ردالمسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. وهذايعني ليس بالخبز  وحده يحيا الإنسان بل إن أراد الله لي الحياة حتى بدون خبزفسأحيا. وعلينا أن نستخدم نفس الرد على إبليس “إن حاول أن يشككنا في محبةالله قائلين “ليس بحل المشكلة أو بالشفاء من المرض وحده يحيا الإنسان، بلبإرادة الله. ونتعلم من رد المسيح:

‌أ-                 أن لا نطيع إبليس فيما يقترحه علينا.

‌ب-             أن لا نطلب ونلتمس المعجزات في امورنا ومطالبنا.

‌ج-     الجسد يطعم بالخبز ولكن لا ننسى أن لنا روحاًتطعم بكلمة الله. فالجسد المأخوذ من التراب يتغذي على ما تخرجه الأرض، أما الروحلأنها على صورة الله فهي تتغذى بكلمة الله. ومن لا يتغذى بكلمة الله هو ميتروحياً.

2-  الشيطانرأي ولادة المسيح المعجزية وسمع الآب السماوي يشهد عن المسيح قائلاً “هذا هوابني الحبيب” وهو يريد أن يتأكد من شخص المسيح فيقول له “إن كنت ابنالله” فهو تشكك فيه إذ رآه جائعاً.

3-  إنكان المسيح هو ابن الله فليستخدم لاهوته لعمل معجزة، أو يطلب من أبيه عمل المعجزة،لكن المسيح أثبت هنا أنه لا يريد هذا لنفسه، لأن إرادته كإرادة أبيه أي خلاصالنفوس، هو أتى لأجل هذا، وليس لعمل معجزات تفيده هو شخصياً. فالمسيح لا يريد أنينحصر في ذاته بل هو يسلم بكل ما يريده الآب، هو لا يريد أن يستخدم مشيئته بعيداًعن مشيئة الله ليكمل شهوة جسده. وبهذا انتزع سلاح الشيطان الذي يقوم على استخداممشيئة الإنسان بعيداً عن مشيئة الله (يو38:6)

وكانتالتجربة الأولى هي تجربة الخبز، ولكن لنلاحظ أن النفس الشبعانة تدوس العسل، أي أنعدو الخير لن يجد له مكاناً داخلنا ما دامت نفوسنا شبعانة بالله.

آدمغلبه إبليس إذ أكل والمسيح هزم إبليس إذ امتنع عن الأكل.

التجربةالثانية: تجربة جناح الهيكل      آيات (5-7):

كانرد المسيح على الشيطان في التجربة الأولى أنه بكلمة الله يحيا الإنسان أي أنالمسيح استخدم كلمة الله. وهنا نجد أن الشيطان يتقدم بمشروعه الثاني القائم علىالاعتماد على كلمة الله. هو يستخدم كلمة الله بطريقة مضللة ويجعلها أساساًللتجربة، وكان رد المسيح أيضاً بكلمة من كلام الله. ففي كلام الله كل الكفاية للردعلى تشكيك إبليس ومحاولاته.

ماهو هدف إبليس من هذه التجربة؟

1)     إمايموت المسيح فَيُسَّرْ إبليس بموته، أو على الأقل يتألم.

2)  أويفعلها المسيح وينجو فعلاً فيقع في الإفتخار والكبرياء. ولاحظ أن المسيح لو فعلهذا وقت احتشاد الجماهير لآمن الجميع به بسبب هذه المعجزة الخارقة ولكن طريقالمسيح هو طريق الصليب وليس هذه الأساليب الصبيانية التليفزيونية.

3)     أوأن المسيح لا يجيب خوفاً من الموت فيعيره إبليس بأنه غير قادر.

4)  إبليسيقنع المسيح باستخدام حقه كابن لله بطريقة فيها تهور، طريقة خاطئة وفيها تجربةللآب ولكن محبة الآب لنا لا تحتاج لإثبات بهذه الأساليب فهو يحفظنا في كل طرقناالصالحة، ولا داعي أن نضعه موضع الامتحان.

5)     قولإبليس أطرح نفسك يعبر عن شهوته لسقوط كل إنسان.

6)  لاحظأن إبليس يحارب المسيح في المدينة المقدسة وعلى جناح الهيكل أي في الأماكنالمقدسة، والشيطان لا يكف عن أن يحاربنا حتى في أقدس الأماكن.

7)  قدتكون حرب الشيطان هنا ذهنية فقط أي هو يغري المسيح بأن يذهب ويفعل هذا ليصيرالكارز المشهور بالأعاجيب وهذا هو تعظم المعيشة أما المسيح فاختار طريق الصليب.

8)  الشيطاناستخدم آيات من (مز91) ولكنه لم يكملها، فالباقي ليس في مصلحته، إذ أن بقية الآياتتقول “تطأ الأفعي” .. كناية عن إبليس ونرى في رد السيد المسيح.

[1]لم يسخط ولم يثور ولم يهتاج ضد إبليس بل يرد في ثقة وهدوء.

[2]الله يحفظنا من التجارب التي أتعرض لها وليس التي اصنعها بنفسي حتى أجرب محبته.وعلينا أن نثق في محبة الله دون طلب إثبات.

[3]المسيح اختار طريق الصليب ورفض طريق استعراض إمكانياته بطلب ملائكة تحفظه. وعليناأن نختار طريق الألم واحتمال الألم دون أن نطلب معجزات تسهل لنا الطريق، أو بقصدالمباهاة والمجد الباطل.

التجربةالثالثة: شهوة العيون       آيات (8-10):

الشيطانهو رئيس هذا العالم، وهو يغوي المؤمنين بملذات وأمجاد هذا العالم الباطلة التييملكها ويتحكم فيها والثمن هو للأسف السجود له أي التبعية الكاملة له التي تصل لحدعبادته.

وقدتكون التجربة هنا هي مجرد تجربة ذهنية فكرية في داخل العقل أي أن الشيطان يصورللمسيح كل مباهج الدنيا وأنه قادر أن يعطيه ملك كل العالم، أي يسهل له تكوين مملكةمن العالم كله دون الحاجة للصليب وكان هذا هو طلب اليهود.

هذهالتجربة هي تجربة كل يوم للمؤمنين، أن يدخلوا من الباب الواسع لذلك ينبهنا الكتاب”لا تحبوا العالم..” ولاحظ أن إبليس كذاب وأبو الكذاب” (يو44:8)فهو يغوي المؤمنين بعالم فانٍ زائل.

ونجدالمسيح هنا ينتهر إبليس وهذا يعلمنا أن لا نساوم الشيطان بل ننتهره صارخين”كيف نفعل هذا الشر أمام الله”. نحن بالمسيح الذي فينا قادرين أن ننتهرالشيطان قائلين له “إذهب يا شيطان” هذا معنى أن المسيح غلب ويغلبفينا، أنه أعطانا فيه هذا السلطان. والأفضل أن نقول حين نحارب “يا ربي يسوعالمسيح أبعد الشيطان عني” فأنا لا سلطان لي على الشيطان مثل المسيح، لكن باسمالمسيح نطرده.

خداعإبليس هنا خطير إذ يوهمنا أنه لا داعي للصليب أو للألم، بل يكفي الخضوع له أوالسجود له، وهو سيعطينا الكثير، لكن على أولاد الله أن يرفضوا هذا الفكر وينتهروه،راضين بالصليب.

بعدأن هُزِمَ إبليس في التجارب الثلاث اتضح أن المسيح قد حطم سلاحه. وهذا ما يعنيهبأنه ربطه، إذ أن ربطه هو نتيجة حتمية لتحطيم سلاحه الكامل الذي اعتمد عليه وهوإغراءات العالم (التي رفضها السيد) وسلاح المراوغة والخداع لاسقاط الإنسان بعيداًعن الله ووصاياه (وهذه استخدم السيد ضدها سلاح كلمة الله)

والخطوةالتالية للسيد هي نهب أمتعته (مت29:12). وهذه تمتت بخدمة المسيح وعمله طيلة ثلاثةسنوات ونصف، كان فيها يجذب النفوس لله ويحررها من سلطة إبليس ليؤسس ملكوت الله إذكنا قبل المسيح أمتعة إبليس (كان يسكن فينا سكنى المتاع).

والمسيحهزم إبليس في التجارب الثلاث فلم يعد له قدرة أن يواجه المسيح. ثم نزل المسيحللعالم ليخرجه من البشر الذين كان قد استولى عليهم فبعد أن أكمل ردع الشيطان علىالجبل نزل ليردعه في الناس. هو دائماً يخرج غالباً ولكي يغلب.

 

آية(11): “ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه.”

الملائكةتخدم هذا المنتصر على إبليس، ربما هي أتت له بطعام والأغلب أن الملائكة جاءتتسبحه. فالملائكة تفرح بكل نصرة وتأتي لتخدم لتثبت كرامة المنتصر. وإذا غلبت إبليستأتي الملائكة لتمدحك وتخدمك كحراس لك.

 

آية(12):

ولماسمع يسوع أن يوحنا اسلم انصرف إلى الجليل.

بعد معمودية يسوع فى الأردن والتجربة فى البرية،ذهب يسوع إلى الجليل وهناك حول الماء إلى خمر (يو 11:2) ثم ذهب ليقيم فى كفر ناحوم(يو 12:2). وبعد هذا عاد يسوع لأورشليم وطهر الهيكل لأول مرة (يو 13:2-22) وتقابلمع نيقوديموس (يو 1:3-21). وفى هذه الآية (مت 12:4) نسمع أن يسوع يغادر اليهوديةمنصرفاً إلى الجليل وقارن مع (مر 14:1 + يو 1:4-3).

 

آيات(13-17):-

وترك الناصرة واتى فسكنفي كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم. لكي يتم ما قيل باشعياءالنبي القائل. ارض زبولون وارض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم. الشعبالجالس في ظلمة ابصر نورا عظيما والجالسون في كوره الموت وظلاله اشرق عليهم نور.من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات.

بعدعودة السيد المسيح إلى الجليل اتى إلى الناصرة، والجليل كان اليهود فيها قليلىالعدد من سبطى زبولون ونفتالى وأكثر سكانها من الفينيقيين واليونان والعرب ولهذاسميت جليل الأمم + أش 1:9. وكأن إشعياء كان يتنبأ بما سيحدث لمنطقة الجليل.وكان الوثنيون قد ملأوا الجليل لما كان إسرائيل فى السبى. ولإختلاط اليهودبالوثنيين صار حالهم ردئ لذلك قيل عنهم الشعب الجالس فى الظلمة= ظلمةالخطية والجهل وإنقطاع الأمل فى الخلاص أبصر نوراً عظيماً= هو المسيح الذىأتى نوراً للعالم. طريق البحر = بحر الجليل. عبر الأردن= أى غربالأردن. من ذلك الزمان= أى بعد القبض على يوحنا، آية (12).

والمسيحترك الناصرة وذهب إلى كفر ناحوم.

1.    لأن الناصرة رفضته…. إذاً لنحذر أن نرفضهوإلاّ سيتركنا.

2.  ليختارتلاميذه من بين صياديها لأن كفر ناحوم عند البحر أى ساحلية. وفى آية 17 نجدأن دعوة المسيح هى التوبة، نفس دعوة المعمدان، فالتوبة هى المدخل، والبشارةالمفرحة بأن من يتوب يدخل الملكوت.

 

آيات (18-22):-

وإذ كان يسوع ماشيا عند بحر الجليل ابصر أخوينسمعان الذي يقال له بطرس واندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فانهما كانا صيادين.فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه. ثم اجتازمن هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهمايصلحان شباكهما فدعاهما. فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه.

المسيح لا يستخدم قوى سحرية لجذب الناس، بل أننانفهم أنه قضى يوماً تقريباً فى إقناع يوحنا وأندراوس بعد أن شهد المعمدان لهما بأنيسوع هو المسيا (يو 35:1-42). ويوحنا وأندراوس أقنعا أخويهما بطرس ويعقوب فأتياللمسيح فأقنعهم أولاً ( أر 7:20) وبعد هذا دعاهم هنا. والمسيح إختار صيادين بسطاءليحولهم إلى صيادين للناس، ولم يختار حكماء وفلاسفة، حتى تظهر قوته الإلهية العاملةفيهم (1كو 17:1-31)

بحر الجليل= هو بحيرة عذبة طولها 13ميلاً، وهى شرق مقاطعة الجليل يصب فيها نهر الأردن الآتى من الشمال. وتسمى بحيرةجنيسارت وأيضاً بحر طبرية، وهذا الإسم أطلقوه عليها إكراماً لطيباروس قيصر.

ملحوظة: إختار الله فى العهدالقديم رعاة غنم ليرعوا شعبه كموسى وداود وغيرهم، لاّن فى العهد القديم، كان الشعباليهودى هو شعب الله والله هو راعيهم الأعظم، وأرسل لهم الله رعاة يرعون شعبه الذىكان داخل حظيرة الإيمان فعلاً، أمّا فى العهد الجديد فإختار الله صيادين ليصطادواالأمم الذين كانوا غارقين فى بحر هذا العالم والمسيح إختار صيادين بسطاء من الجليلالمحتقر ليعمل بهم، فيكون المجد لله لا للبشر.

تركا الشباك. تركا السفينة = تركا مصدررزقهم وأطاعا. لذلك كانوا رسلاً جبابرة.

 

آيات (23-25):-

وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم ويكرزببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سورية فاحضرواإليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجينفشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبرالأردن.

مجامعهم= المجامع هى قاعات فىالمدن الإقليمية حيث كان اليهود مجتمعون للصلاة والتسبيح يوم السبت، وللتعليمأيضاً، أما باقى الأيام فكانت تستخدم للقضاء. لكن لا يوجد سوى هيكل واحد فىأورشليم. ونلاحظ أن السيد المسيح صنع معجزات كثيرة ليظهر بها نفسه فتقبله الجموعويذيع صيته، فيجمتعون حوله، فيبدأ يعلمهم.

العشر المدن= كانوا عشر مدن قريبة منبعضها على الشاطئ الشرقى من بحر الجليل، وإسمها باليونانية ديكابوليس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى