علم

المناظرة الحادية عشر



المناظرة الحادية عشر

المناظرة
الحادية عشر

الكمال
[1] – الإيمان – الرجاء – المحبة للأب شيريمون

Abbot Chaeremon

 

1-
وصف لمدينة
Thennesus

إذ
كنا ونحن في طفولة إيماننا مقيمين في دير بسوريا، وقد تقدمنا روحيا إلى حد ما،
اشتقنا بالأكثر إلى نعمة الكمال، فعزمنا للحال أن نذهب إلى مصر ونتوغل في صحراء
طيبة
Thebaid، لكي نزور كثير من القديسين، هؤلاء الذين انتشرت سيرتهم ومجدهم في
كل بقاع العالم. وقصدنا من هذا أن نقتدي بهم أو على الأقل أن نتعرف عليهم.

قمنا
بهذه الرحلة الطويلة إلى مدينة في مصر تدعى
Thennesus[2]، يحيطها البحر أو البحيرات المالحة من كل جانب، ويشتغل أهلها
بالأعمال البحرية، حيث يفتقرون إلى أرض حتى لأجل البناء، فعندما كانوا يرغبون في
بناء بيت كانوا يحضرون ترابًا بالقوارب للردم.

 

2-
بخصوص الأسقف أرشيبوس
Archebius

عندما
وصلنا إلى هناك، حقق الله أمانينا عن طريق ذلك الرجل العظيم المبارك الأسقف
أرشيبوس[3]، هذا الذي أُخذ من مجمع النساك ورُسم أسقفًا على مدينة
Panephsis[4]. وقد قضى عمره مشتاقًا إلى حياة الوحدة بتدقيق شديد، حتى أنه لم
ينحرف قط عن اتضاعه السابق، ولا كان يفتر بسبب المركز الذي ناله (إنما كان يدعى
بأنه أستبعد من النظام الديري لعدم استحقاقه، قائلاً بأنه لم يقدر أن يبلغ النقاوة
السامية التي للإيمان رغم بقائه سبعة وثلاثين عامًا في الدير).

استقبلنا
بلطف زائد وكرم عظيم في مدينة
Thennesus سالفة الذكر، حيث يقوم بأعمال اسقفيته. وإذ عرف غرضنا واشتياقنا
أننا نبحث عن الآباء القديسين الذين في مصر القائمين حتى في الأماكن النائية، قال:
“تعالوا لنرى الآباء الشيوخ الكبار الذين يعيشون ليس بعيدًا عن ديرنا، هؤلاء
الذين يظهر طول جهادهم من أجسادهم المنحنية، وتشرق قداستهم على ملامحهم، حتى أن
مجرد التطلع إليهم يعطينا درسًا عظيمًا. فإنكم سوف لا تتعلمون من كلماتهم كثيرًا
قدر ما تتعلمون من حياتهم المقدسة الأمر الذي أحزن على فقدانه، وفاقد الشيء لا
يقدر أن يهبه لكم. وإن افتقاري هذا سيقل نوعًا ما بهذه الغيرة التي لكما إذ وأنتما
تطلبان لؤلؤة الإنجيل التي ليست معي، فأنني على الأقل أتمتع بها معكما وأنتما
تنالانها.

 

3-
وصف الصحراء التي يقطنها شيريمون
Chaeremon

هكذا
أخذ عكازه ومزوده كعادة الرهبان، وبدأ معنا الرحلة، مرشدًا إيانا الطريق إلى
مدينته أي
Penephysis، الأرض التي هي أعظم جزء في المنطقة المجاورة (إذ كانت قبلاً أغنى
منطقة، وكما يُقال أن مائدة الملك كانت تُعد من منتجاتها). هذه الأرض طغى عليها
البحر وصارت خرابًا، وتحولت إلى مستنقعات مالحة، حتى أن من يراها يظن أنها هي التي
قيل عنها في المزامير: “يجعل الأنهار قفارًا، ومجارى المياه مَعطشةً، والأرض
المثمرة سبخةً من شرّ الساكنين فيها” (مز 33: 107، 34).

في
هذه البقاع دُمرت مدن كثيرة وهجرها سكانها، وتحولت إلى جزائر، وصارت مسكنًا لراغبي
الوحدة النساك القديسين، من بينهم ثلاثة متقدمين في السن هم: شيرمون ونسطوروس
Nesteros ويوسف Joseph حيث قطنوا فيها زمانًا طويلاً.

 

4-
بخصوص الأب
Chaeremon

هكذا
رأى الأب المبارك أرشيبوس أنه من الأفضل أن يأخذنا أولاً إلى الأب شيريمون[5]،
لأنه كان أقربهم إلى ديره وأكبرهم سنًا، جاوز المائة من عمره، نشيطًا في الروح،
(أما من جهة جسده) فقد انحنى ظهره بعامل الزمن مع الصلاة الدائمة، وكأنه قد رجع
مرة أخرى إلى الطفولة يزحف بيديه المتدليتين اللتين تلمسان الأرض.

بالتطلع
إلى وجه هذا الرجل العجيب وطريقة سيره… سألناه بانسحاق أن يقول لنا كلمة ويعطينا
تعليمًا. وإذ أخبرناه أن غاية مجيئنا الوحيدة هي اشتياقنا إلى التعليم الروحي،
تنهد تنهدًا عميقًا وقال:

“أي
تعاليم يمكنني أن أعلمكم بها، وأنا قد وهن بي ضعف السن، وتراخيت في تدقيقي السابق،
واُنتزعت ثقتي مني في أن أعلِّم، لأنه كيف يمكنني أن أعلم ما لا أعمله؟ إذ كيف
أرشد آخر فيما أعلم أنني أمارسه الآن في ضعف وفتور؟!

من
أجل هذا لا أسمح لأي راهب شاب أن يسكن معي وأنا في هذا السن المتقدم، لئلا تفتر
غيرته متمثلاً بي، لأن سلطان المعلم لن يكون قويًا ما لم يثبته في قلوب سامعيه عن
طريق التنفيذ العملي.”

 

5-
عند هذا ارتبكنا ليس بقليل، وأجبناه قائلين: “بالرغم من أن قسوة المكان وحياة
العزلة نفسها التي بالكاد يمكن للشاب القوى أن يحتملها هي بنفسها تعلمنا كل شئ (من
غير أن تحدثنا بشيء، لأنها تؤثر فينا تأثيرًا عظيمًا) إلا أننا لانزال نسألك أن
تترك صمتك قليلاً، وتزرع فينا المبادئ التي يمكننا أن نعتنقها، فيصير لنا الصلاح
الذي نراه فيك، ليس فقط بالاقتداء بك وإنما عن طريق اشتياقنا بتعليمك.

إننا
نعلم فتورنا وعدم استحقاقنا أن ننال ما نسألك إياه، لكن على الأقل من أجل مشقة
الرحلة الطويلة إذ أسرعنا باشتياق للمجيء هنا من ديارنا في بيت لحم لأجل الاستماع
إلى تعاليمك والانتفاع بها.

 

6-
الإيمان والرجاء والمحبة

عندئذ
قال المبارك شيريمون:

هناك
ثلاثة أمور تمكن الإنسان أن يقمع أخطاءه:

(أ)
إما الخوف من جهنم أو خشية القوانين المفروضة.

(ب)
أو الرجاء في ملكوت الله والرغبة فيه.

(ج)
أو محبة الصلاح أو حب الفضيلة.

لأننا
نقرأ أن الخوف من الشر يجعلنا نشمئز من التدنس. “مخافة الربّ بغض الشر”
(أم 13: 8).

وأيضًا
الرجاء يصد هجوم كل الأخطاء لأن “كل من اتكل عليهِ لا يُعاقَب” (مز 22: 34).

والمحبة
أيضًا لا تخاف من هلاك الأشرار. “المحبَّة لا تسقط أبدًا” (1كو8: 13)،
وأيضًا “المحبَّة تستر كثرةً من الخطايا” (1 بط 8: 4).

ويجمل
الرسول الطوباوي مجموع الخلاص وبلوغ هذه الفضائل الثلاثة قائلاً: “أمَّا الآن
فيثبت الإيمان والرجاءُ والمحبَّة” (1كو13: 13). فالإيمان هو الذي يجعلنا
نتحاشى وصمات الخطية خوفًا من الدينونة المقبلة. والرجاء هو الذي ينزع عن عقولنا
محبة الأمور الزمنية، محتقرين كل الملذات الجسدية مقابل ما ننتظره من البركات
السماوية. والمحبة تشعل فينا حب السيد المسيح وحب ثمار الروح، كارهين بقلب ثابت كل
ما يتعارض مع ذلك.

هذه
الأمور الثلاثة، ولو أن ظاهرها يشير إلى هدف واحد ونهاية واحدة (لأنها تحثنا على
الابتعاد عن الأمور غير اللائقة) إلا أنها تختلف فيما بينها في السمو. لأن الإيمان
والرجاء يليقان بالأكثر للذين لم يكتسبوا بعد محبة الفضيلة أثناء هدفهم نحو الصلاح.
أما المحبة فتتعلق بالله، وبالذين نالوا في داخلهم أن يكونوا على صورة الله ومثاله.
لأن الله وحده هو الذي لا يصنع الصلاح خوفًا ولا ابتغاء كلمة شكر أو نوال جزاء،
إنما يصنع الصلاح ببساطة من أجل محبة الصلاح. وذلك كقول سليمان: “الرب صنع
الكل لغرضهِ” (أم 4: 16). فبصلاحه يغدق بالخير على المستحقين وغير المستحقين،
لأنه لا ينفعل غضبًا بسبب الأخطاء، ولا يتأثر بانفعالات خطايا البشر، إذ هو على
الدوام كلى الصلاح غير متغير.

 

7-
ارتباط الإيمان والرجاء والمحبة بالعبودية والأجرة والبنوة

متى
رغب إنسان في الكمال، يلتزم أن يتقدم من المرحلة الأولى التي للخوف والتي دعيت بحق
“عبودية”، إذ قيل عنها: “متى فعلتم كلَّ ما أُمِرتم بهِ فقولوا
أننا عبيد بطَّالون” (لو10: 17)، متقدمًا خطوة تالية، صاعدًا إلى طريق الرجاء
المرتفع، حيث لا يُدعى بعد عبدًا بل أجيرًا ينتظر المكافأة، متحررًا من الاهتمام
بخصوص التبرئة من خطاياه أو الخوف من العقوبة، متيقظًا للأعمال الصالحة.

وإذ
يظهر الإنسان في هذه المرحلة كأجير ينتظر الأجرة الموعود بها، لا يقدر أن يدرك حب
الابن الواثق من محبة أبيه وسخائه وعدم شكه في أن كل ما للأب هو له. لهذا فإن ذاك
الضال الذي خسر اسم “الابن” (رغم بنوته لأبيه) لم يقدر أن يتجاسر ويطمع
في أن يطلب ما للبنوة عندما قال: “لست مستحقًّا بعد أن أُدعَى لك ابنًا”،
لأنه بعدما أكل خرنوب الخنازير… إذ “رجع إلى نفسهِ” غلب عليه خوف مفيد،
مشمئزًا من قذارة الخنازير، خائفًا من عقوبة الجوع القارس. كما لو كان يعمل عبدًا
اشتاق أن يكون أجيرًا، وفكر في الأجرة: “كم من أجيرٍ لأبي يفضل عنهُ الخبز
وأنا أهلك جوعًا؟! أقوم وأذهب إلى أبى وأقول لهُ يا أبي أخطأْت إلى السماءِ
وقُدَّامك0 ولست مستحقًّا بعد أن أُدعَى لكي ابنًا. اجعلي كأحد أَجْراك”
(لو17: 15-19).

مع
كلمات التوبة المملوءة انسحاقًا ركض إليه أبوه وقابله بعطف عظيم أكثر مما طلب
الابن، قاطعاً حديثه لكي لا ينطق بما هو أقل (إذ لا يريد أن يجعله أجيرًا).

إذ
قطع الضال المرحلتين الأوليتين بغير توان (أي مرحلة العبد والأجير أو الإيمان
والرجاء)، أعاده الأب إلى كرامة بنوته السابقة.

نحن
أيضًا يجدر بنا أن نسرع هكذا بغير توانٍ بواسطة نعمة الحب الثابتة لنصعد إلى
المرحلة الثالثة التي للبنوة، حيث نؤمن أن كل ما للأب هو لنا، ويمكننا أن نقتدي
بالابن في قوله: “كلُّ ما للآب فهو لي” (يو15: 16).

هذا
ما يعلنه الرسول الطوباوي قائلاً: “فإن كل شيءٍ لكم. أَبولس أم أَبُلُّوس أم
صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كلُّ شيءٍ
لكم” (1كو21: 3، 22). وتحثنا وصايا مخلصنا بما يشبه ذلك إذ يقول: “فكونوا
أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل” (مت48: 5).

يجدر
بنا أن نبذل كل طاقتنا لكي نرتقي في اشتياق كامل من الخوف إلى الرجاء، ومن الرجاء
إلى محبة الله ومحبة الفضائل نفسها، وهكذا إذ نعبر بثبات إلى محبة الصلاح ذاته،
نثبت في الصلاح قدر ما تستطيع الطبيعة البشرية.

 

8-
يا لعظمة المحبة!

يوجد
فرق شاسع بين من يخمد نيران الخطية في داخله خوفًا من جهنم أو مترجيًا الجزاء
المقبل، وبين من يبغض الخطية ذاتها ودنسها بدافع الحب الإلهي. فبالحب يحافظ على
فضيلة النقاوة ببساطة غير منتظرٍ أي جزاء مقبل، إنما يبتهج بمعرفة الصلاح الحاضر،
صانعًا الخير ليس عن خوف من العقاب، بل ابتهاجًا بالفضيلة.

مثل
هذا لا يمكن أن ينتهز أي فرصة ليخطئ في غياب شهود بشريين، ولا ينزعج بإغراءات
الفكر الخفية، إنما يحتفظ في أعماقه بمحبة الفضيلة ذاتها، ولا يسمح لأي شيء مضاد
أن يدخل إلى قلبه، إنما يكره ذلك فعلاً كراهية شديدة.

هناك
فارق بين من يكره وصمات الخطية وشهوات الجسد ابتغاء التمتع ببركات زمنية، أو يمتنع
عنها رغبة في الجزاء السماوي. وأيضًا بين من يصنع هذا خشية فقدان الأرضيات، أو
خوفًا من العقاب الأبدي.

أخيرًا
أنه لأمر عظيم أن يرغب الإنسان في ألا يهمل الصلاح لأجل الصلاح ذاته، عن أن يمتنع
عن الشر خوفًا من الشر، لأنه في الحالة الأولى يكون الصلاح اختياريًا، أما الثانية
فيكون فيها اضطراريًا. لأن من يمتنع عن إغراءات الخطية بسبب الخوف يعود إليها متى
نزع عنه حائل الخوف، وبهذا لا يكتسب أي ثبات في الصلاح، ولا يستريح من الهجمات،
لأنه لا يتحصن بفضيلة السلام الدائم. أما من جهة قهر هجوم الخطايا، فيتمتع بحالة
ثابتة من الأمن، ويبلغ إلى محبة الفضيلة نفسها، وبهذا يحتفظ بالصلاح بصفة مستمرة،
إذ يعكف على المداومة عليها، ويؤمن بأنه لا يوجد شئ أسوأ من أن يفقد الطهارة
“النقاوة” الداخلية، ويرى أنه لا يوجد أعز وأثمن من الطهارة الحاضرة،
معتبرًا فقدانهاعقابًا محزنًا…

مثل
هذا الإنسان يحمل في الداخل ضميره كقاضٍ يحكم على أعماله بل وأفكاره، محاولاً أن
يرضيه على الدوام، إذ يعلم أنه لا يستطيع أن يغش ضميره أو يخدعه أو يهرب منه.

 

9-
بالمحبة نصير على صورة الله ومثاله

من
يتكل على معونة الله وليس على مجهوده الذاتي، يوهب له أن يبلغ هذه الحالة، فينتقل
من حالة العبودية التي يسودها الخوف، ومن حالة الطمع “الأجراء” حيث لا
يطلب كثيرًا مجد الواهب كجزاء، عابرًا إلى حالة التبني حيث لا يعود هناك خوف ولا
طمع، بل يكون الحب الذي لا يسقط أبدًا. هذا الخوف أو الحب اللذين من أجلهما يوبخنا
الله، كل واحد حسب ما يتناسب معه، قائلاً: “الابن يكرم أباهُ والعبد يكرم
سيدهُ، فإن كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟ وإن كنت سيّدًا فأين هيبتي؟” (مل 6: 1).
فالعبد يلزمه أن يخاف: “وأمَّا ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيدهِ ولا يستعدُّ
ولا يفعل بحسب إرادتهِ فيُضرَب كثيرًا” (لو 47: 12).

ومن
يصير بالمحبة على صورة الله ومثاله، يبتهج في الصلاح من أجل الصلاح ذاته، ويكون له
مثل هذا الشعور من جهة الصبر والوداعة. فلا يغضب بسبب أخطاء الخطاة، إنما في حنو
وترفق يطلب لهم الصفح لأجل ضعفهم، متذكرًا أنه هو نفسه إلى وقت طويل كان مجربًا
بأشواك شهوات مشابهة حتى افتقدته مراحم الله. وإذ أُنقذ من الهجوم الجسداني بواسطة
عناية الله وليس بمجهوده الذاتي، لهذا لا يظهر بغضًا على الذين ضلوا بل رحمة،
مترنمًا بكل سلام عقلي قائلاً: “حللتَ قيودي. فلك أذبح ذبيحة حمدٍ” (مز
16: 116، 17). “لولا أن الرب معيني لسكنت نفسيْ سريعًا أرض السكوت” (مز
17: 94). وإذ يكون عقله دائم التواضع، يستطيع أن ينفذ الوصية الإنجيلية بكمالها: “أَحِبُّوا
أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم
ويطردونكم” (مت 44: 5). بالتالي ننال الجزاء الذي يلحق بهذه الوصية، إذ لا
نكون فقط على صورة الله ومثاله، بل وندعى أبناء الله، إذ يقول الرب: “لكي
تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين
ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت 45: 5). بهذا الإحساس عرف يوحنا المبارك ما
ناله إذ قال: “أن يكون لنا ثقة في يوم الدين لأنهُ كما هو في هذا العالم هكذا
نحن أيضًا” (1يو17: 4).

فيم
يمكن للطبيعة البشرية أن تتشبه بالله سوى أن تظهر محبة هادئة في الداخل نحو
الصالحين والطالحين، الأبرار والأشرار متمثلة بالله الذي يفعل الصلاح حبًا في
الصلاح ذاته، فتبلغ إلى التبني الحقيقي الذي لأولاد الله، الذي يتكلم عنه الرسول
الطوباوي، قائلاً: “كل مَنْ هو مولود من الله لا يفعل خطيَّة لأن زرعهُ يثبت
فيهِ ولا يستطيع أن يخطئَ لأنهُ مولود من الله” (1يو9: 3)، وأيضًا: “نعلم
أن كلَّ من وُلِد من الله لا يخطئُ بل المولود من الله يحفظ نفسهُ والشرير لا
يمسُّهُ” (1يو18: 5)؟! ويجدر بنا ألا نفهم هذا عن كل أنواع الخطايا، إنما
الخطايا التي للموت فقط (1يو16: 5).

فمن
لم يتخلص من هذه الخطايا “التي للموت”، ولا تطهر منها، فان الرسول
المذكور يعلمنا في موضع آخر ألا نصلى لأجلهم قائلاً: “إن رأَى أحد أخاهُ
يخطئُ خطيةً ليست للموت يطلب فيعطيهِ حيوةً للذين يخطئُون ليس للموت. تُوجَد خطية
للموت. ليس لأجل هذه أقول أن يطلب” (1يو16: 5).

أما
عن الخطايا التي ليست للموت، فانه لا يستطيع أحد أن يتجنبها أو يخلو منها حتى
أولئك الذين يخدمون السيد المسيح بأمانة. “إن قلنا أنهُ ليس لنا خطية نُضِلُّ
أنفسنا وليس الحقُّ فينا” (1يو8: 1)، وأيضًا: “إن قلنا أننا لم نخطئْ
نجعلهُ كاذبًا وكلمتهُ ليست فينا” (1يو10: 1).

فيستحيل
على أي قديس ألا يخطئ بكلمة أو فكر أو عن جهل أو نسيان أو عن ضرورة أو عن إرادة أو
تعجب… وهذه تختلف كلية عن الخطية التي للموت، لكنها لا تعنى أنها تخلو من الخطأ
أو الملامة.

 

10-
الصلاة من أجل الأعداء هو كمال المحبة

عندما
يكتسب أي إنسان محبة الصلاح التي تكلمنا عنها، والتي بها نتشبه بالله، حينئذ يوهب
له قلب الله الحنون، فيصلي من أجل المسيئين إليه، قائلاً على نفس المثال: “يا
أبتاهُ أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 34: 23).

هناك
علامة واضحة تكشف النفس التي لم تتطهر بعد كلية من رواسب الخطية، وهى عدم حزنها من
أجل أخطاء الآخرين في حنو، إنما تحكم عليهم كديان في لوم عنيف.

لكن،
كيف يقدر أن ينال كمال نقاوة القلب من لا ينفذ الوصايا التي يظهرها الرسول
“احملوا بعضكم أثقال بعضٍ وهكذا تّمموا ناموس المسيح” (غل 2: 6)، ومن
ليس لديه فضيلة المحبة التي هي: “لا تُقبِح… ولا تحتدُّ… ولا تظنُّ السوءَ…
وتحتمل كلَّ شيءٍ… وتصبر على كل شيءٍ” (1 كو 4: 13-7)؟! لأن “الصدّيق
يراعى نفسه بهيمتهِ، أما مراحم الأشرار فقاسية” (أم 10: 12).

هكذا
يسقط الإنسان (الراهب) في نفس الأخطاء التي يدين فيها غيره بقسوة بغير ترفق، لأن
“الرسول الشرير يقع في الشر” (أم 17: 13)، و”مَن يسدُّ أذنيهِ عن
صراخ المسكين فهو أيضًا يصرخ ولا يُستجَاب” (أم 13: 21).

 

11-
سؤال: كيف تقول أن المحبة كاملة، والخوف من الله والرجاء في الجزاء المقبل غير
كاملين؟

جرمانيوس:
إنك تحدثت بوضوح عن محبة الله الكاملة، ولكن هذه الحقيقة لازالت تؤرقنا، وهي أنك
إذ مدحتها قلت بأن الخوف من الله والرجاء في الجزاء السماوي أمران غير كاملين، مع
أن النبي يقول: “خافوا الربَّ يا قديسيهِ لأنهُ ليس عوز لخائفيهِ” (مز9:
34). وأيضًا يعلن لنا أن نصنع أعمال الله الصالحة من أجل رجاء المكافأة، إذ يقول: “عطفت
قلبي لأصنع فرائضك إلى الدهر لأجل المجازاة” (مز112: 119). ويقول الرسول: “بالإيمان
موسى لمَّا كبر أَبَى أن يُدعَى ابن ابنة فرعون، مفضّلاً بالأحرى أن يُذلَّ مع شعب
الله على أن يكون لهُ تمتُّع وقتيّ بالخطيَّة، حاسبًا عار المسيح غنًى أعظم من
خزائن مصر لأنهُ كان ينظر إلى المجازاة” (يقول الشعب24: 11-26).

إذن
كيف يمكننا أن نفكر فيهما أنهما غير كاملين، بينما يفتخر داود بأنه يعمل أعمال
الله الصالحة من أجل المجازاة، وقيل عن مستلم الشريعة أنه كان ينظر إلى المجازاة
المقبلة، مستغنياً عن شرف التبني الملوكي مفضلاً الذل المريع عن كنوز
المصريين؟![6]

 

12-
شيريمون: يلخص لنا الكتاب المقدس رغباتنا الحرة في درجات مختلفة من الكمال، حسب
حالة كل ذهن وقياسه، لأنه لا يُتوج كل البشر بتاج موحد من الكمال، إذ ليس للكل نفس
الفضيلة ولا نفس الهدف أو الغيرة. هكذا أشارت الكلمة الإلهية بطريق ما إلى درجات
الكمال المختلفة وقياساته المتنوعة.

الدليل
على هذا تنوع التطويبات (مت 5). فقد طوب الذين سيرثون ملكوت السماوات، وطوبى
الوارثين الأرض (طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض)، كذلك الذين يرحمون، والذين
يشبعون… ومع هذا فإننا نؤمن بأن هناك فارق شاسع بين وارثي ملكوت السماوات ووارثي
الأرض، وبين الذين يرحمون والذين يشبعون من البر وبين الذين يعاينون الله (طوبى
للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله). و”مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد
النجوم آخر، لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد، هكذا أيضًا قيامة الأموات” (1
كو 41: 15، 42).

طبقًا
لهذا المبدأ يمدح الكتاب المقدس من يخاف الله قائلاً: “طوبى لكل مَن يتَّقى
(يخاف) الرب، ويسلك في طرقهِ” (مز 1: 128)، واعدًا إياهم بسعادة سماوية. ومع
هذا يرجع فيقول: “لا خوفَ في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح الخوف إلى
خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمَّل في المحبَّة” (1 يو 18: 4).

مرة
أخرى بالرغم من أن عبادة الله بخوف شيء عظيم وقد قيل: “اعبدوا الربَّ
بخوفٍ” مز11: 2، و “طوبى لذلك العبد الذي إذا جاءَ سيّدهُ يجدهُ يفعل
هكذا” (مت46: 24)، إلا أنه قيل للرسل: “لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن
العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ، لكني قد سمَّيتكم أحبَّاءَ، لأني أَعلمتكم بكلّ ما
سمعتهُ من أبى” (يو15: 15). مرة أخرى يقول: “أنتم أحبَّائي إن فعلتم ما
أوصيكم بهِ” (يو14: 15).

ترون
إذن أن هناك درجات مختلفة من الكمال، وأن الرب يدعونا من الأشياء السامية إلى
الأسمى بطريقة تجعل ذاك الذي صار مطوبًا وكاملاً في مخافة الله يسير كما هو مكتوب
من قوَّة إلى قوَّة (مز7: 84)، أي من كمال إلى آخر. بمعنى أن يصعد بغيرة الروح من
الخوف إلى الرجاء، وأخيرًا إلى المحبة التي هي آخر مرحلة. فهذا الذي كان
“العبد الأمين الحكيم” (مت45: 24)، يبلغ إلى مرحلة الصداقة ثم التبني
كابن.

من
ثم يمكن فهم كلامنا بالمعنى التالي: إننا لا نقول أن الخوف من العقوبة المنتظرة أو
رجاء الجزاء المبارك الذي وعد به القديسين ليس بذي قيمة، لكن وإن كان هذا نافعاً،
إذ يدفع أولئك الذين يتبعونها للتقدم خطوة مباركة، إلا أنه في المحبة ثقة كاملة وفرح
دائم، تبعدهم عن خوف العبيد ورجاء الأجير إلى محبة الله، وتجعلهم أبناء وتنقلهم من
كمال إلى كمال أعظم.

يقول
المخلص إن في بيت أبيه منازل كثيرة (يو2: 14) ومع أن الكواكب تظهر في السماء، لكن
مجد الشمس شيء ومجد القمر شيء آخر، وهكذا بقية الكواكب. لهذا لا يفضل الرسول
المبارك المحبة عن الخوف والرجاء فحسب بل وفوق كل العطايا التي تحسب عظيمة ومدهشة…
فبعد ما عدد مواهب الروح من الفضائل أراد أن يصف عناصرها فبدأ يقول “وأيضًا
أريكم طريقًا أفضل. إن كنت أتكلَّم بأَلسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبَّة
فقد صرت نحاسًا يطنُّ أو صنجًا يرن. وإن كانت لي نبَّوة وأعلم جميع الأسرار وكلَّ
علمٍ وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئًا. وإن
أطعمت كلَّ أموالي وإن سلَّمت جسدي حتى أحترق ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع
شيئًا” (1كو31: 12، 1: 13-3). أترون إذن كيف أنه لا يوجد شئ أقيم أو أكمل أو
أشرف منها!!

إن
أمكنني أن أقول، إنه لا يوجد شيء أبقى من المحبة. لأنه “أما النبوات فستبطل،
والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل” ولكن “المحبَّة لا تسقط أبدًا”
(1 كو 8: 13). بدونها لا تنجح معظم أنواع المواهب الثمينة بل ويفقد الاستشهاد عظمته.

 

13-
الخوف الكامل

من
يثبت في هذا الحب الكامل، بالتأكيد يتدرج إلى درجة أعلى وهي الخوف النابع من الحب،
الذي هو ليس الخوف من العقوبة أو فقدان المجازاة، إنما الخوف من الحب العظيم. فأي
ابن في محبته للأب اللطيف لا يهابه، أو الأخ لا يخاف أخاه، أو الصديق صديقه أو
الزوجة زوجها، ولكن ليس خوفًا من الضرب، بل حرصًا على مشاعر الحب لكي لا تجرح.
فيحرص في كل كلمة وكل تصرف لئلا تفتر محبته تجاهه.

يصف
أحد الأنبياء عظمة هذا الخوف بدقة قائلاً: “حكمة ومعرفة هما عن الخلاص، مخافة
الرب هي كنزه”[7]، فلم يستطع أن يصف قيمة الخوف بوضوح أكثر من أن يقول إنه
غنى خلاصنا الذي يتكون من حكمة الله ومعرفته الحقيقية اللتين لا يمكن حفظهما إلا
بواسطة مخافة الرب.

تدعو
الكلمة الإلهية على لسان النبي في المزامير، ليس فقط الخطاة، بل والقديسين أيضًا
قائلة لهم: “اتَّقوا (خافوا) الربّ يا قديسيهِ لأنهُ ليس عوز لمتَّقيهِ
(خائفيهِ)” (مز 9: 34). فمن يخاف الله بهذا الخوف بالتأكيد لا يعتاز شيئًا قط
من الكمال.

 واضح
أن ما تحدث عنه الرسول يوحنا هو الخوف من العقوبة إذ قال: “الذي يخاف لم يكمل
بعد في المحبة”، لأن الخوف له عذاب[8].

يوجد
فرق بين الخوف الذي لا ينقصه شيء، والذي هو كنز الحكمة والمعرفة (إش 6: 33) والذي
هو رأس الحكمة (مز 10: 111)، وبين الخوف من العقوبة، هذا الذي يُستبعد عن قلوب
الكاملين بملء المحبة. لأنه “لا خوف في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح
الخوف إلى خارج” (1 يو 18: 4).

لذلك
يوجد خوف مزدوج:

1-
أحدهما للمبتدئين، أي الذين لازالوا تحت العبودية المرعبة، التي نقرأ عنها: “العبد
يكرم سيدهُ” (مل 6: 1)، وفي الإنجيل يقول: “لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن
العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ” (يو 15: 15). “والعبد لا يبقى في البيت
إلى الأبد، أمَّا الابن فيبقى إلى الأبد” (يو 35: 8). لذلك يعلمنا الله أن
ننتقل من الخوف من القصاص إلى ملء حرية المحبة وثقة الأحباء أبناء الله.

أخيرًا
فإن الرسول المبارك بقوة حب الله عبر مرحلة عبودية الخوف، لكي يحتقر الأشياء
الأرضية، ويعلن أنه فد اغتني بأمور الله الصالحة إذ يقول: “لأن الله لم يُعطنا
روح الفَشَل، بل روح القوَّة والمحبَّةِ والنصحِ” (2تي7: 1).

هؤلاء
أيضًا الذين التهبوا بحب كامل نحو أبيهم السماوي، والذين بالتبني الإلهي صاروا
أبناءً لا عبيدًا، يخاطبهم الرسول: “إذ لم تأْخذوا روح العبوديَّة أيضًا
للخوف بل أخذتم روح التبنّي الذي بهِ نصرخ يا أَبا الآب” (رو 15: 8).

2-
أما عن الخوف الآخر فيتكلم النبي عن الروح ذو السبع جوانب، الذي بحسب سرّ التجسد
يحل بكمالٍ على الإله المتجسد: “ويحلُّ عليهِ روح الرب، روح الحكمة والفهم،
روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب” (إش 2: 11). بل ويضيف على وجه
الخصوص: “ولذَّتهُ تكون في مخافة الرب” (إش3: 11). نلاحظ أنه لم يكمل
قائلاً، “يحلَّ عليك روح الخوف”، بل “لذَّتهُ تكون في مخافة
الرب”. لأن هذا هو عظمة غنى هذا الخوف أنه إذ يستقر على أحد بقوته لا يستحوذ
على جزء من عقله بل كل عقله. وليس ذلك بغير إدراك، لأنه مرتبط ارتباطا وثيقًا
بالحب الذي “لا يسقط أبدًا”.

إنه
ليس فقط يملأ الإنسان، بل ويبقى على الدوام ويستمر في الإنسان الذي بدأ فيه، فلا
تؤثر فيه إغراءات الفرح العالمي كما في حالة الخوف المنبوذ (الأول).

هذا
هو الخوف الذي ينتمي للكمال، إذ الإله المتجسد الذي جاء ليس فقط ليخلص البشرية،
وإنما لكي يرسم لنا أيضًا صورة الكمال ومثال الصلاح، لأنه ابن الله الحقيقي
“الذي لم يفعل خطيَّةً ولا وُجِد في فمهِ مكر” (1بط22: 2) لا يشعر بخوف
العقوبة المرعب[9]…

 

ملخص
المبادئ

 هناك ثلاثة
أمور تساعد الإنسان للسلوك في طريق الرب:

(أ)
الخوف من العقاب الأبدي… أي الإيمان بيوم الدينونة ومجازاة الأبرار والأشرار.

(ب)
الرجاء في ملكوت الله والاشتياق إليه.

(ج)
محبة الصلاح نفسه أو حب الفضيلة من أجل الله ليس خوفًا من عقاب ولا ابتغاء مكافأة.

 ليصعد
الإنسان مبتدأ بالخوف، خوف العبد الذي يخشى سيده، ثم ينطلق إلى الرجاء، رجاء
الأجير الذي ينتظر مكافأة صاحب العمل في آخر يومه، ليبلغ إلى قمم الحب كابن لا
يطلب من أبيه شيئًا سوى أن يكون في حضنه.

  الحب هو غاية إيماننا، بدونه تفقد العبادة كيانها، بل تصير حجر
عثرة وحجابًا يفصلنا عن الله، الحب المطلق.


المحبة الكاملة تطرد الخوف خارجًا… لتحمل في طياتها روح مخافة الرب الكاملة…
خوف من صنف آخر هو خوف الابن الذي يحب أباه ويخشى لئلا تجرح مشاعر الحب التي تربطه
بالأب.

 

__________________

[1]
ترجمة: نادية أمين.

[2]
هذه المدينة بجوار بحيرة المنزلة.

[3]
لم يعرف شيئًا عن هذا الأسقف سوى في كتابات كاسيان (مناظرة 26: 7، وكتاب المؤسسات
37: 5،38).

[4]
وهى في الدلتا وحقق شامبليون أنها “المنزلة الحديثة”.

[5]
ربما يكون نفس الأب الذي ذكره بلاديوس في تاريخه (92: 100).

[6]
هنا إشارة إلى رفض الإنسان لغنى العالم وكراماته الزمنية حاملاً عار الصليب لأجل
الأبدية.

[7]
الترجمة الحرفية لما ورد في النص (إش6: 23).

[8]
الترجمة الحرفية لما ورد في النص (1يو18: 4).

[9]
سأل القديس جرمانيوس بخصوص إمكان دوام الإنسان في حياة الهدوء بغير اضطراب شهواني…
وأجابه الأب عن قوة المحبة التي بها نلتصق بالله، تاركًا إجابة السؤال إلى
المناظرة التالية الخاصة ب (الطهارة)

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى