علم

المفلوج يعلمنا عدم التذمر بين الغنى المادي والغنى الروحي



المفلوج يعلمنا عدم التذمر بين الغنى المادي والغنى الروحي

المفلوج
يعلمنا عدم التذمر بين الغنى المادي والغنى الروحي

يوحنا
ذهبي الفم

في
حديثنا عن موضوع المفلوج الملقي علي سريره بجوار البركة. نكتشف كنزاً وفيراً
وعظيماً. لا بالحفر في الارض بل بالتعمق في داخل القلب، نجد كنزاً لا من الفضة أو
الذهب أو الحجارة الكريمة، بل من الاحتمال والحكمة والصبر والرجاء العظيم في الله.
الأمور التي تفوق كل صنوف اللآلي ومصادر الغني. فمادة الغني يمكن أن يسلبها اللصوص
وتكون موضع حيل المحتالين الاشرار ودناءة الخدم.. بل وتسبب عواصف من المتاعب لا
حصر لها. أما الغني الروحي فليس فيه مجال للتعرض لمثل هذه المساوئ، بل يسمو علي كل
فساد من هذا النوع، ويضحك مستهزءاً باللصوص وسراق المنازل والقتلة والمحتلين
الأشرار بالموت ذاته.

 

فالغني
(الروحي) لا يعرض صاحبه للموت بل يعطيه صوناً منه، فيرحل معه في رحلته إلى العالم
الاخر… ويسير مدافعاً عجيباً عنه، يحنن قلب القاضي عليه.

 

لاتتذمر

لنتأمل
في إلهنا الرحوم. ونتطلع متفرسين في عبده المريض هذا الذي له ثمانية وثلاثون عاماً
يناضل مع ضعف يستصعي شفاءه… ومع ذلك لم يتذمر قط،ولا قوه بكلمة تجديف. لم يتهم
خالقه بل في شجاعة ووداعة عظيمة جداً احتمل كارثته

 

قد
نقول ومن أين يظهر ذلك لان الكتاب المقدس لم يذكر لنا شيئاً بوضوح في حياته الأولى،
وكل ما قاله عنه أن له ثمانية وثلاثين عاماً في ضعفه؟ أنه لم يذكر كلمة تأكد أنه
لم يظهر تذمراً أو غضباً أو حده. ومع ذلك فمن يمعن النظر جيداً في الكتاب المقدس
يجده قد أوضح هذا..

 

عندما
اقترب منه السيد المسيح الذي كان بالنسبة له غريب وينظر إليه كانسان عادي، تحدث
معه بوداعة عظيمة، منها تدرك مقدار حكمه السابقة (قبل المرض). لأنه عندما قال له
يسوع ” أتريد أن تبرأ ” لم يجبه بهذه الايجابية الطبيعية ” ها أنت
تراني هكذا ملقي منذ أمد طويل بمرض الفالج، ومع هذا تسألني إن كنت أريد أن ابرأ؟!
هل أتيت لكي تزيد من كارثتي وتوبخني وتضحك علي وتحتقرني هازءا بمصيبتي؟

 

أنه
لم يقل شيئاً من هذا ولا فكر بهذا، بل بوداعة أجاب: نعم يا سيد

 

أن
كان له هذه الوداعة وذلك النبل بعد ثمانية وثلاثين عاماً ينهار فيها نشاطه وقوته
التي لقتدراته النبيلة، فتأمل كم كانت وداعته وكم كان نيله قبل ان تحل به هذه
الالام؟! لأنه بالتأكيد لا يكون رضي المرضي في بداية مرضهم مثله بعد ما يطول بهم
المرض… بل يزيدادون شراسة.

 

ولكن
ان كان لهذا المريض هذه الحكمة ويجيب بصبر عظيم هكذا بعد مرض طال سنوات هذا عددها،
فأنه بالتأكيد كان قبلاً يحتمل التجربة بشكر عظيم.

 

فالنقتقد
بالصبر هذا العبد زاميلنا، لأن الفالج الذي به يكفي لأنعاش روحنا. لأنه من يلاحظ
عظم هذه الكارثة.. ويبقي في جسده منبطحاً علي ظهره؟أما يحتمل بشجاعة كل ما يحيق به
من شرور ولو كان أثقل بكثير مما نعرفه؟

 

لقد
صار هذا المفلوج لنا فيه نفع عظيم لا في صحة جسدة بل وفي مرضة. فشفاؤه يبعث في
أرواح المستمعين أن تمجد الله، أما مرضه وضعفه فيشجعانك علي الاحتمال، ويحثانك علي
الإقتداء بغيرته، اذ بالحري يكشفان لك عن حب الله

 

الله
يحبك!

شفاء
هذا الرجل من مثل هذا المرض بعد ما طال به المرض، انما هو احدي علامات العناية
(الإلهيه) العظيمة لأجل نفعه:

 

فكما
يلقي ممحص الذهب بقطعة الذهب في الفرن لتحتمل النار الى حين حتي يراها قد تنقت.
هكذا يسمح الله بامتحان البشر بالضيقات حتي تتنقي وتحصل علي نفع عظيم من عملية الغربلة.
وهذا من أعظم المنافع التي ننالها. فليتنا لا نضطرب ولا نيأس عندما تحل بنا
التجارب لانه كما ان ممحص الذهب يعلم الزمن الذي ينبغي أن يترك فيه الذهب في الفرن
فيخرجه في الوقت المعين ولا يتركه بعد في النار حتي لا يفسد ولا يحترق هكذا كم
بالأكثر يعلم الله ذلك، عندما يرانا قد تنقينا بالأكثر، يعنقنا من تجاربنا حتي لا
ننطرح ونطرد بسبب تزايد شرورنا.

 

فعندما
يحل بنا أمر ما لم نكن نتوقعه،لانتذمر ولاتخور قلوبنا،بل نتحمل الله الذي يعرف هذه
الأمور بدقه،حتي يمتحن قلوبنا بالنار كيفما يسر،إذ يفعل هذا بهدف نافع وبقصد فائدة
المجربين لذلك يوصينا الحكيم قائلاً بأن نخضع الله في كل الأمور،لأنه يعرف تماماً
متي يخرجنا من فرن الشر. حكمة يشوع 1: 1،2

 

الله
طبيب نفسك!

لنخضع
له علي الدوام،ونشكره باستمرار،محتملين كل شيء برضي،سواء عندما يمنحنا بركات أو
يقدم لنا تأديبات. لأن هذه الأخيرة هي نوع من انواع البركات.

 

فالطبيب
ليس فقط عندما يسمح لنا بالاستحمام (في الحمامات) أو الذهاب الي الحدائق المبهجة
بل وايضاً عندما يستخدم المبعض والسكين، هو طبيب!

 

والأب
ليس فقط عندما يلاطف إبنه،بل وعندما يؤدبه ويعاقبه.. هو أب!

 

وإذ
نعلم أن الله أكثر حنواً من كل الأطباء،فليس لنا أن نستقصي عن معاملته،ولاأن نطلب
منه حساباً عنها،بل ما يحسن في عينيه يفعله، فلا نميز إن كان يعتقنا من التجربة أو
يؤدبنا لأنه بكلا الطريقين يود ردنا الي الصحة،ويجعلنا شركاء معه،وهو يعلم
احتياجاتنا المختلفة،وما يناسب كل واحد منا وكيف،وبأي طريقة يلزمنا أن نخلص،وخلال
هذا الطريق يقودنا.

 

لنتبعه
حيثما يأمرنا،ولانفكر كثيراً إن كان يأمرنا أن نسلك طريقاً سهلاً وممهداً،أو
طريقاً صعباً وعراً كما في حالة المفلوج.

 

الله
يعين أثناء التجربة

 

عندما
كانت نفس المفلوج تعاني لفترة طويلة من الأتعاب، فأن أحد منافعها الحقيقية هو
تسليمها للتجربة المتقدة المحزنة كأحد أنواع الأفران،وأما النفع الأخر الذي لايقل
عن هذا فهو أن ” الله كان حاضراً مع المفلوج في وسط بلاياه مقدماً له عزاء
عظيماً “

 

الله
هو الذي قواه وسنده وأمسك بيده لايسقط فإننا إن كنا حكماء بلا حدود،حتي وإن كنا
قادرين وأقوياء أكثر من كل البشر، لكن في غياب النعمة الإلهية لانقدر أن نقف حتي
أمام التجارب العادية جداً.

 

ولماذا
أتكلم بخصوص من كلا شيء (في مستواهم الروحي)مثلنا،لأنه حتي بولس أو بطرس أو يعقوب
أو يوحنا،لو نزعت العناية الإلهية عن أحدهم لسقط للحال في العار وطرح مستلقياً
أرضاً.

 

أمثلة:
عن هؤلاء أقرأ لك كلمات المسيح نفسه. إذًا يقول لبطرس: “هوذا الشيطان طلبكم
لكي يغربلكم كالحنطة. ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك “لو31: 22،32

 

ماذا
يعني بقوله ” يغربلكم”؟ أي يدور بكم ويثنيكم ويثيركم ويحطمكم ويقلقكم،
الأمور التي تحدث أثناء الغريلة.

 

يقول:
لكنني أصده،عارفاً بعجزك عن احتمال التجربة،لأن قوله ” لكي لا يفني إيمانك
” ينطق بها ذاك الذي يعني أنه لو سمح بها لهلك إيمانه.

 

فإن
كان بطرس، الذي كان هكذا غيوراً في حبه للرب، مقدماًً حياته عنه مرات كثيرة،
نائلاً رتبة الرسولية،ودعاه سيدة ” مطوباً “، ولقبه ” بطرس ”
لحفظه ايماناً ثابتاً قوياً وتمسكه به، بطرس هذا كان يمكن أن يهلك وتنزع عنه
وظيفته لو سمح المسيح للشيطان أن يجربه بالقدر الذي كان الشيطان يريده فمن يقدر أن
يثبت بدون معونة المسيح؟

 

لذلك
يقول بولس ايضاً ” ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون بل
سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ فقط أنه لا يسمح بالتجربة فوق طاقتنا،بل وحتي لتلك
التي هي قدر طاقتنا فانه يحملنا معنا ويسندنا، فقط إن كان من جانبنا نعمل قدر
استطاعتنا،مظهرين الغيرة والرجاء في الله والشكر والاحتمال والصبر.

 

فليس
فقط في التجارب التي هي فوق استطاعتنا،بل وتلك التي هي في قدرتنا. نحتاج الي العون
الإلهي،ان كنا ثابتين بشجاعة،فقد قيل في موضع اخر أنه كلما كثرت ألام المسيح فينا،حتي
نعزي الذين هم في أي ضيقة بالتعزية التي فينا من الله(كو5: 1،4)

 

هكذا
اذاً الذي عزي المفلوج،هو نفسه الذي سمح له بالتجربة أن تحدق به.

 

يسوع
يهتم بنا!!

 

انظر
بعد شفائه، أي حنو قدمه المسيح له. لأنه لم يتركه أو يتخلي عنه بعد الشفاء، بل اذ
وجده في الهيكل قال له “ها أنت قد برئت فلا تخطيء ايضاً لئلا يكون لك أشر
” يو14: 5.

 

فلو
أن يسوع كان قد سمح له بالتأديب لأنه يكرهه ما كان قد أبرأه،ولما كان قد دبرله
سلامه المقبل قائلاً له: ” لئلا يكون لك أشر ” إنما نطق بهذا ذاك الذي
يرغب أن يصد عنه شروراً مقبلة تلحق به. لقد وضع حداً للمرض. لكنه لم يضع حداً
للصراع (للجهاد)

 

نزع
الضعف لكنه لم ينزع الخوف من الضعف. حتي تبقي الفائدة التي قدمها له ثابتة. هذا هو
عمل الطبيب طيب القلب ليس فقط ينزع الألام الحالية بل ويحتاط للمستقبل بالوقاية.
هذا هو ما صنعه السيد المسيح مشدداً روح المفلوج بتذكيره الأحداث الماضية،لأنه
بنظره أن الأشياء التي تضايقنا قد انتهت،وان ذكراها ينتهي،يود أن يذكرنا بها
دائماً قائلاً ” فلا تخطيء ايضاً لئلا يكون لك أشر “

 

الله
يستر علينا!!

 

علاوة
علي هذا،فانه يمكننا أن نفطن الي بعد تفكيره،لا في هذا الأمر فحسب بل وفي كون يسوع
يظهر كمنتهر. لأنه لم يشهر بخطاياه علناً ومع ذلك فقد اخبره أن ما عاناه كان بسبب
خطاياه. أما ما هي خطاياه فلم يكشفها يسوع، ولاقال له ” أنت مخطيء” او
” أنت عاصي ” بل اشار الي حقيقة كخاطيء بتعبير واحد بسيط “لاتخطيء
ايضاً “

 

وبقوله
هذا مذكراً اياه اخطاياه السابقة، ينبهه بالأكثر ان يحتاط في المستقبل. وفي نفس
الوقت أعلن لنا جميعاً صبره وشجاعته وحكمته… دون أن يكشف خطاياه عناً.

 

فكما
نرغب نحن في ستر خطايانا،كذلك يريد الله أن يستر علينا أكثر مما نريد نحن لهذا شفي
المفلوج علناً في حضرة الجميع لكنه قدم له النصيحة خفيه. فانه لن يفضح خطايانا
علناً، اللهم إلا إذا رأي الانسان مستهترأ لا يشعر بخطاياه.

 

يوبخ
لكنه يحب!!

 

عندما
يقول ” لأني جعت فلم تطعموني، عطشت فلم تسقوني” مت42: 25،ينطق بهذا في
الوقت الحاضر حتي لا نسمعها في العالم الأتي.

 

انه
يهددنا،انه يفضحنا في هذا العالم حتي لا يفضحنا في العالم الأخر. وعندما هدد أهل
نينوي بهلاك مدينتهم (يونان 2: 1) هدد لهذا السبب،أي لكي لا يهلكها.

 

فلو
أنه يود التشهير بخطايانا ما كان يهددنا بالتشهير،إنما ينطق بذلك لكي يرتقي بنا،حتي
يخفينا من الفضيحة وان لم نرتدع يستخدم التخويف بالعقاب، بهذا نتنقي من خطايانا.

 

هذا
ايضاً ما يحدث في حالة العماد،فان يسوع يقود الإنسان الي بركة الماء من غير أن
يفضح خطايا أي إنسان منا لكنه يقدم النعمة علناً ويظهرها للجميع..

 

هذا
ايضاً ماقدحدث في حالة هذا المفلوج،فأن يسوع وبخه في غير حضرة شهود،بل بالحري ان
كلماته لم تكن توبيخاً بل ايضاً تبريراً. يسوع بررنفسه.. مؤكداً له أنه حمله هذا
الحزن لمدة طويلة ليس بلا سبب أو بلا هدف. فاذ ذكره بخطاياه،اعلن له سبب ضعفه،اذ
نقرأ “بعد ذلك وجده يسوع في الهيل وقال له.. فلا تخطيء ايضاً لئلا يكون لك
أشر”.

 

حكمة
يسوع في المعجزتين

 

والأن
بعدما استخلصنا نفعاً عظيماً من جهة المفلوج السابق فلنحول انظارنا تجاه المفلوج
الذي قدمه لنا الإنجيلي متي (الذي دلوه أربعة من السقف) لأنه عندما يجد انسان قطعة
ذهبية ينقب في نفس المكان أكثر..

بقي
لنا أن نعود الي بدايه القصة وننظر كيف شفي المسيح الواحد ولأخر،فاختلفت الطريقة
في حالة عنها في الأخري.

 

لماذا
شفي واحد يوم السبت والأخر في غير السبت.

 

لماذا
جاء الي أحدهما بنفسه،بينما انتظر الأخر يحضره اصدقاؤه.

 

لماذا
شفي جسد أحدهما أولاً، بينما شفي روح الثاني اولاً!! فيسوع لم يصنع شيئاً اعتباطاً
بغير معني.. بل لنصغي اليه ونلاحظه وهو يهب الشفاء..

 

اولاً:
الايمان والشفاء

تقديم

يسوع
في شفائه للمفلوج أبرز لنا عدم تذمره،وفي نفس الوقت علمنا أنه ساتر الخطايا، يظهر
ما للمفلوج من حسنات بينما ينتهره خفية.

والدرس
الثالث الذي يقدمه لنا،انه رغم عدم ايمانه لكنه لم يحرمه من الشفاء. فالله الخالق
يحب الكل ويعطي البركات الجسدية بلا حساب حتي للذين يسيئون اليه ” فانه يشرق
شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين “مت54: 5

 

لكنه
في الشفاء الروحي لا يهبه إلا للمؤمنين به كفادي ومخلص لنفوسهم.

 

شفاء
رغم عدم الايمان!!

 

دعنا
نتأمل السيد المسيح وهو يشفي المفلوج ” فدخل السفينة واجتاز الي مدينته واذا
مفلوج يقدمونه اليه مطروحاً علي فراش فلما رأي يسوع ايمانهم قال للمفلوج ثق يابني
مغفورة لك خطاياك ” مت 1: 9،2.

 

إنه
كان أقل إيماناً من قائد المئة، لكنه أكثر ايمانا من المفلوج الملقي بجوار البركة
لأن قائد المئة لم يدعو الطبيب لزيارته ولا جاء بالمريض اليه بل تلامس معه كإله
قائلاً ” قل كلمة فيبرأ غلامي ” لو 7: 7.

 

هؤلاء
الرجال (حاملوا المفلوج) لم يدعوا الطبيب (لزيارة المريض) في البيت وكانوا أبعد ما
يكون عن أن يتساووا مع قائد المءة اذ احضروا المريض الي الطبيب ولم يقولوا ”
قل كلمة فقط “.

 

غير
أن هؤلاء كانوا أكثر إيماناً من المريض الملقي عند البركة لأن هذا قال ” يا
سيد ليس انسان يلقيني في البركة متي تحرك الماء “يو6: 5. أما هؤلاء الرجال
فعرفوا السيد المسيحانه ليس بمحتاج الي ماء أو بركة أو شيء من هذا القبيل.

 

وقد
شفي يسوع غلام قائد المئة من مرضه،وكذلك الإثنين الأخرين،ولم يقل لأحدهما
“لأنك قدمت درجة قليلة من الإيمان يكون شفاؤك قليلاً “إنما صرف الرجل
الذي أعلن ايماناً عظيماً بمديح وكرامة.. أما الذي أظهر إيماناً أقل فلم يمدحه لم
يحرمه من الشفاء. لا بل حتي لم يظهر إيماناً بالمرة شفاه!!

 

وكما
أن الاطباء عندما يعالجون نفس المرض،يأخذون من شخص مئة قطعة من الذهب،ومن اخرين
نصف المبلغ، واخرين لا ياخذون منهم شيئاً بالمرة. هكذا ايضاً المسيح أخذ من قائد
المئة ايماناً عظيماً لاينطق به (لو9: 7) والثاني ايمان أقل والثالث لم يأخذ منه
حتي الإيمان العادي.. لكنه شفي الجميع

 

لماذا
وهب الشفاء لمن يقدم ايماناً بالمرة؟ لأن فشله في اظهار الإيمان،لم يكن عن كسل أو
عدم احساس في الروح، انما عن جهله بالمسيح وعدم سماعه قط عن أي معجزة صنعها،لاكبيرة
ولاصغيرة.

 

لهذا
السبب نال هذا الرجل ترفقاً. وقد أشار الإنجيلي عن ذلك بطريقة غامضة بقوله
“فلم يكن يعلم من هو” يو 13: 5. انما عرفه فقط.. عندما أضاء عليه في
المرة الثانية.

 

ثانياً:
يسوع يريد ايمانك انت

 

يقول
البعض بان هذا الرجل قد شفي لمجرد ايمان الحاملين له ولكن هذه ليس الحقيقة لأن
القول ” فلما رأي يسوع ايمانهم ” مت 2: 9 لا يشير الي ايمانهم وحده بل
وايمان الذين كانوا يحملونه لماذا؟

 

تقول:
ألم يشفي أحد لاجل ايمان أخر؟

 

في
رأيي ما أظن هذا إلا في حالة عدم نضج السن (القاصر) أو الضعف الشديد لدرجة عدم
القدرة علي الايمان.

 

تقول
كيف هذا فإنه في حالة المرأة الكنعانية،الأم أمنت والبنة شفيت،وفي حالة غلام قائد
المئة أمن القائد أن يسوع قادر أن يقيم الغلام من فراش المرض وقد تم ذلك.. ذلك لأن
المريضين في الحالتين كانا عاجزين عن أن يؤمنا.

 

أما
في الحالة التي أمامنا فلا نقدر أن نقول هذا،لأن المفلوج أمن. كيف يظهر هذا؟من
طريقة إقترابه للسيد المسيح فلا تصغي بلا اهتمام الي العبارة القائلة انهم دلوه من
السقف بل تأمل كيف أن مريضاً يمكن أن يكون له الثبات علي مكابدة إنزاله مدلياً من
السقف. أنت تعلم أن المرضي قلوبهم واهية حتي أنهم غلباً ما يرفضون المعاملة التي
يلاقونها وهم علي أسرة مرضهم غير راغبين في إحتمال ألام العلاج مفضلين احتمال الام
المرض عنها. أما هذا الرجل فكان له من العزم أن يخرج من المنزل ويحمل وسط السوق
ويصير منظراً وسط الجماهير. مع أن عادة المرضي أنهم يفضلون الموت عن أن تنفضح
مصائبهم الخاصة.

 

هذا
المريض لم يفعل هذا فحسب،بل وعندما رأي أن مكان الاجتماع مزدحم والمقربين متكتلين،وميناء
الأمان معاق،خضع للتدلية من السقف.

 

لم
يقل لأصدقائه: مامعني هذا؟لماذا هذا الإزعاج؟ لماذا هذا التعجل؟لننتظر حتي يفرغ
البيت وينفض الإجتماع وتنصرف الجموع. فنقترب اله علي إنفراد متداولين في هذه الأمور.
لماذا تعرضون مصائبي وسط كل المشاهدين وتدلونني من قمة السقف سالكين طريقاً شاذاً؟

 

لم
ينطق هذا الرجل بشيء من هذا في فكره ولا علي لسانه لحامليه،بل نظر علي كرامة في أن
يشهد كثيرون شفاءه.

 

ونحن
نتفطن الي ايمانه لا من هذا فحسب،بل ومن كلمات السيد المسيح ايضاً. لأنه بعدما
ألقوا به وقدموه للسيد،قال له ” ثق يابني مغفورة لك خطاياك ” وعندما سمع
هذه الكلمه لم يغتظ ولا تذمر،ولاقال للطبيب ” ماذا تقصد بهذه الكلمات؟إنني
أتيت لتشفيني من شيء وها أنت تشفيني من شيء أخر هذا عذر وإدعاء واخفاء للعجز. هل
تغفر الخطايا لأنها غير منظورة؟”

 

انه
لم يفكر في هذا ولانطق به، بل انتظر تاركاً للطبيب أن يتبني طريقة الشفاء التي
يريدها.

 

لهذا
السبب ايضاً لم يذهب السيد المسيح اليه بل انتظره حتي يأتي اليه،لكي يعلن ايمانه
أمام الجميع. لأنه ألم يكن في قدرة يسوع أن يسهل له طريق الدخول اليه؟ لكنه لم
يفعل شيئاً من هذا حتي يعلن غيرة هذا الرجل وإتقاد ايمانه أمام الجميع.

 

فكما
ذهب السيد المسيح الي الرجل الذي كان يعاني من المرض ثمانية وثلاثين عاماً اذ ليس
له إنسان يعينه،هكذا انتظر هذا المريض أن يأتي اليه،لأن له اصدقاء كثيرون حتي يعلن
ايمانه.

 

وهكذا
يعلمنا عن وحدة الرجل الأخر (المخلع) بذهابه هو اليه كاشفاً صبره واحتماله،ويكشف
عن غيره الأخر أمام الجميع خاصة بالنسبة للذين كانوا حاضرين.

 

ثالثاً:
شفاء الروح أولاً!!

 

اعتاد
بعض اليهود الحاقدين أن يحسدوا أقرباءهم علي البركات التي تُوهب لهم. محاولين
إيجاد خطأ يوجهونه ضد السيد المسيح في صنعه للمعجزات. فأحيانًا من جهة الزمن (أنه
كاسر للسبت) وأحيانًا من جهة سلوك من تصنع معهم المعجزة. لو كان هذا نبياً لعلم من
هذه المرأة التي لمسته وما هي (إنها خاطئة)” (لو 39: 7)، غير عارفين أن هذه
هي علامة الطبيب أنه يضم الضعفاء ويراعي المرضي دون أن يجتنبهم أو يهرب منهم. وهذا
ما عبَّر عنه بقوله للمتذمرين: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضي”
(مت 12: 9).

 

فلكي
يصدهم عن توجيه الاتهامات ضده مرة أخري أكد قبل كل شيء أن الذين يأتون إليه ينالون
الشفاء بالايمان،فاعلن انعزال الأول (أي له عذره في عدم ايمانه)وكشف اتقاد ايمان
الثاني وغيرته. كذلك شفي الأول في السبت والثاني في غير السبت حتي إذا ما اتهموه
في الرة الثانية تنكشف نيتهم انهم لم يتهموه (ككاسر للسبت) من أجل احترامهم لفظ
الشريعة بل لأنهم لم قدروا أن يضبطوا خبثهم.

 

ولكن
لماذا لم يقدم للمفلوج الشفاء بل قال له ” ثق يا بني مغفورة لك خطاياك ”
مت 2: 9.

 

لقد
صنع هذا بحكمة،لأن هذه عادة الأطباء أن ينزعوا أصل المرض قبل أن ينزعوا
(أعراض)المرض ذاته. فكمثال عندما تكون العين موعوكة بسبب مرض مفسد،فان الطبيب قد
لا يصنع بالنظر شيئاً بل يهتم بالرأس الذي عن طريقة أصل الضعف. هذا ما صنعه يسوع،أذ
أزال اولأ مصدر الشيء لأن الخطية هي أصل كل الشرور ومصدرها،هذه التي (قد) تتعب
أجسادنا. لهذا قال له ” ثق يابني مغفورة لك جطاياك ” وفي موضوع أخر قال
” ها قد برأت فلا تخطيء ايضاً لئلا يكون لك أشر ” موعزاً الينا أن هذه الأمراض
ينبوعها الخطية..

 

وقد
أكد بولس هذا عندما وبخ اهل كورنثوس عن خطية معينه قائلاً ” من أجل هذا فيكم
كثيرون ضعفاء ومرضي ” 1كو30: 11.

 

لهذا
أزال السيد المسيح سبب الشر وقال ” ثق يابني مغفورة لك خطاياك “. لقد
رفع الروح وأقام النفس المطروحة،لأن قوله هذا كان كافياً.. فلا شيء يخلق السرور
ويعيد الثقة قدر التحرر من العذاب الداخلي (الناجم عن الخطية)، وحيثما توجد مغفرة
للخطية توجد البنوة،لذلك لا نقدر أن ندعو الله الأب إلا بعدما تزال خطايانا في
بركة الماء المقدس (المعمودية).. فنقول “ابانا الذي في السموات “

 

ولكن
في حالة الرجل الذي كان له ثمانية وثلاثين عاماً في مرضه لماذا لم يفعل معه شيء من
هذا بل شفي جسده أولاً؟

 

لأنه
لم يحصل بعد علي أي درجة عالية من الايمان بخصوص السيد المسيح (إذ لم يسمع عنه قط)،فقدم
له إحتياجه الأقل الشيء الواضح والمكشوف،أي صحة جسده أما الثاني فلم يفعل معه ذلك
إذ له ايمان أعظم وروح ألطف فحدثه أولاً بخصوص مرضه الأكثر خطورة،هذا مع هدف أخر
هو إعلان مساواته للأب.

 

رابعاً:
الكشف عن مساواته للأب

 

في
الحالة السابقة (شفاء مخلع بيت حسدا) شفاه يوم سبت إذ أراد أن يقود الناس بعيداً
عن طريقة اليهود في حفظهم للسبت ولكن ما يهيء بتوبيخاتهم مجالاً لتأكيد مساواته
للأب. هكذا ايضاً في هذه الحالة… نطق بالكلمات التالية ” ثق يابني مغفورة
لك خطاياك ” ليستخدمها كنقطة بداية وعلة ليؤكد بها مساواته في الدرجة مع الأب.

 

وقد
كان يمكن للسيد المسيح أن يناقش هذه الأمور تلقائياً من غير أن يتهمه أحد بشيء،
لكن هذا يختلف عما اذا هيأ للأخرين مجالاً للحديث حتي ينطق بما يريد في شكل دفاع
فالطريقة الأولي للبرهنة يكون فيها حجر عثرة للسامعين،أما الطريقة الثانية فانها
تكون اكثر قبولا وأقل مقاومة،لهذا يستخدم المسيح هذه الطريقة في كل مكان مساواته
للأب بالأعمال أكثر منها بالكلام

 

هذا
ما أكده الإنجيلي عندما قال بأن اليهود أرادوا قتل يسوع ليس فقط لأنه كسر السبن بل
ايضاً لأنه قال بأن الله هو أبوه (يو16: 5) الأمر العظيم جدأ الذي،تبينوه من
أعماله.

 

إذ
كيف حاول الحاسدون والأشرار والمتذمرون علي الأعمال الحسنة أن يجدوا فرصة للأهتمام
في أي جانب؟ لقد قالوا ” لماذا يتكلم هذا بتجاديف من يقدر أن يغفر خطايا إلا
الله وحده “مر7: 2.

 

وكما
أرادوا قتله لأنه كسر السبت (يو 16: 5) فأوجدوا فرصة من إتهاماتهم للأعلان عن
مساواته للأب في شكل دفاع قائلاً ” أبي يعمل حتي الأن وأنا أعمل ” يو 17:
5 هكذا هما ايضاً باتهاماتهم التي وجهوها ضده يؤكد مساواته التامة للأب لأنهم ماذا
قالوا ” من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده ” وبقدر ما وضعوا هذا
التعريف،فإنهم قد وضعوا بأنفسهم مقدمة الجكم،معلنين بأنفسهم القانون،اذ جعلهم
يرتبكون بواسطة كلماتهم ذاتها. فكأنه يقول لهم ” لقد إعترفتم أن غفران
الخطايا من اختصاص الله وحده،إذا مساواتي له أكيدة لا تحتاج الي استفسار ”
وليس فقط هؤلاء الرجال فحسب بل والنبي ايضاً أعلن هذا إذ يقول ” من هو إله
مثلك ” ميخا 18: 7 وعندئذ يشير الي ما يخص الله وحده قائلاً “غافر الإثم
وصافح عن الذنب” فإن كان اخر يظهر هذا صانعاً نفس الشيء يكون هو الله ايضاً
مع انه واحد الله.

 

لكن
دعنا نلاحظ كيف باحثهم السيد المسيح بوادعة ولطف وكل حنو. فقد نظر قوماً من الكتبة
يفكرون في قلوبهم قائلين ” لماذا يتكلم هذا بتجاديف ” مر6: 2. انهم لم
ينطقوا بكلمة بل فكروا بها داخل قلوبكم. فأعلن يسوع ما في أفكارهم قبل أن يؤكد
شفاءه لجسد المفلوج، راغباً في البرهنة لهم علي قوة لاهوته،لأن هذا من اختصاص الله
وحده إذ يقول الكتاب ” لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر ” 1مل
39: 8.

 

تأمل
كلمة ” وحدك ” لا تعني التباين بين الإبن والأب. لأنه لو كان الأب وحده
الذي يعرف قلوب البشر،فكيف يعلم الإبن أفكارهم؟ فقد قيل عنه ” لأنه علم ما
كان في الإنسان ” يو 25: 2. وبولس الرسول يؤكد معرفة الأسرار انها من اختصاصه
قائلا “ولكن الذي يفحص القلوب ” رو 27: 8، مظهراً أن هذا التعبير ”
فاحص القلوب ” مساو للقلب ” الله ” تماماً، كأن أقول ” الذي
يمطر ” قاصداً الله لاغيره و”الذي يشرق الشمس ” بدون أن أضبف اليه
كلمة ” الله “، مشيراً اليه بالعمل الذي من اختصاصه وحده هكذا بولس
الرسول عندما يقول ” الذي يفحص القلوب ” يؤكد أن فحص القلوب هو من
اختصاص الله وحده. لأنه لو أن هذا التعبير ليس له نفس قوة السم ” الله ”
مشيراً بذلك اليه،فأنه ما كان يستخدم هذا التعبير أو لا يكتفي به وحده. فلو كان
العمل (السلطان) مشتركاً بين الله وكائنات مخلوقة لما كنا نعرف عمن يعني الرسول،إذ
اشتراك السلطان يسبب ارتباكاً في ذهن السامع.

 

وبقدر
ما ظهر أن هذا من إختصاص الأب،فإن مساواته للأب لا تحتاج الي نقاش،لذلك نقرأ قوله
” لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك. أم أن
يقال قم أحمل سريرك وامش ” مر8: 2،9

 

أنظر
فأنه وضع بذلك برهاناً أخيرا عن سلطانه لمغفرة الخطايا. لأن مغفرة الخطايا عمل
أعظم بكثير من شفاء الجسد فكما أن الفالج مرض الجسد،هكذا الخطية هي مرض الروح ولكن
بالرغم من أن هذه أعظم لكنها غير ملموسة،أما تلك فرغم قلة أهميتها عن الأولي لكنها
واضحة. لذلك إستخدم الأقل كبرهان علي حدوث الأعظم،مؤكداً أن هذا صنعه لأجل ضعفهم،
ومن باب تنازله لحالهم الضعيف قائلاً ” أيما أيسر أن يقال قم واحمل سريرك
وامش “مر9: 2. فلماذا أصنع الشيء الأقل إلا بسببهم،لأن ما هو واضح يتأكد في
صورة مميزة لذلك لم يعطي الرجل القدرة علي القيام إلا بعدما قال لهم ” ولكن
لكي تعلموا أن لإبن الإنسان سلطاناً علي الارض أن يغفر الخطايا (قال للمفلوج) لك
أقول قم واحمل سريرك واذهب الي بيتك ” مر11: 2.

 

وكأنه
يقول إن ما هو أقل ايضاً لكي تكون برهانا على الأخرى

 

فكما
أنه في حالة مدحه لقائد المئة القائل ” قل كلمة فيبرأ غلامي أنا أنسان أقول
لهذا إذهب فيذهب ولأخر أئت فيأتي ” لو 8: 7 قد أكد فكرة قائد المئة عن طريق
مدحه له.

 

وهكذا
عندما وبخ اليهود أو أمسكوا عليه خطأ بخصوص يوم السبت أكد سلطانه علي الشؤيعة،هكذا
ايضاً في هذه الحالة (مخلع بيت حسدا) عندما قال البعض ” قال ايضاً أن الله
أبوه معادلاً نفسه بالله ” يو 18: 5. فإنه عن طريق اتهاماتهم أكد لهم بأفعاله
أنه لم يجدف بل أمدنا بشهادة لانزاع فيها أنه يعمل نفس الأعمال التي يعملها الأب.

 

خاتمة

لنتمسك
إذاً بهذه الأمور جيداً تلك التي تحدثنا عنها بالامس وأول أمس،ملتمسين من الله أن
يثبتها في قلوبنا ويجعلنا من جانبنا نساهم بالغيرة واللقاء الدائم في هذا المكان

(الكنيسة)
لأنه بهذه الطريقة نحافظ علي الحقائق التي تحدثنا عنها قبلا ونضيف الي مخازننا
أشياء أخري، وإن نسينا شيئاً منه بحكم الزمن،فبالتعليم المستمر يمكن استعادة ما
نسيناه بسهولة.

ونحن
لا نبقي أصحاء وغير فاسدين بالتعليم وحدها،بل وبطريقة الحياة التي نعيش بها يكون
لنا نفعاً.. فنقدر أن نعبر الحياة الحاضرة بفرح ومسرة. لأنه عندما نعاني من أي نوع
من المتاعب التي تضايق روحنا،فانه عندما نأتي الي هنا نتخلص منها بسهولة،ناظرين
الان أن يسوع حاضر أيضاً،وأن من يقترب اليه بايمان يقبل الشفاء منه للحال.

 

فان
افترضنا أن البعض يعاني من فقر دائم،ومحتاجين الي القوت الضروري،وغالباً ما يذهبون
الي مخادعهم جائعين،فانه ان جاء هنا وسمع عن بولس يقول عن نفسه أنه عبر حياته في
جوع وعطش وعري،لايوم أو يومين أو ثلاثة بل علي الدوامهذا علي الأقل ما أشار اليه
في قوله ” إلي هذه الساعة نجوع ونعطش ونعري” 1كو11: 4 فانه ينال عزاء
وفيراً،متعلماً من هذه الكلمات أن الله لم يسمح له بالفقر لأنه يكرهه أو لأنه تخلي
عنه. فلو كان ذلك من قبيل الكراهية لما سمح به لبولس الذي كان من اعزائه الاخصاء
انما يسمح به من قبيل حنو حبه وعنايتة كطريق لقيادته نحو حكمة روحية سامية.

 

هل
يكتنف أحد جسده مرضاً والاماً لا حصر لها؟ فان حال هذين المفلوجين ينبوع تعزية
واسعة،هذا بجانبهم تلميذ الرسول بولس الطوباوي الشجاع الذي كان يعاني من الامراض
علي الدوام من غير ان تتوقف ضعفات جسده،حتي قال له الرسول بولس ” إستعمل
خمراً قليلاً من أجل معدتك واسقامك الكثيرة ” 1تي 23: 5.

 

أو
هل خضع انسان لإتهام باطل،فصارت له سمهة رديئة عند الناس،فدائم الانزعاج وروحه
متضايقة فليدخل الي هذا المكان ويسمع ” طوبي لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا
عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لأن اجركم عظيم في السموات
” مت 11: 5،12. عندئذ يلقي بكل قنوطة ويمتليء فرحاً إذ مكتوب ” اذا..
اخرجوا اسمكم كشرير افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا ” لو 92: 6،23 بهذا يريح
الله الذين ينطقون عليهم بالشر بينما يخيف الناطقين بالشر قائلاً ” إن كل
كلمة بطالة يتكلم بها الناس يعطون عنها حساباً ” مت 36: 12.

 

أخر
ربما يكون قد فقد ابنته الصغيرة أو ابنه أو أحد اقاربه هذا ايضاً بمجيئه الي هنا
يستمع الي بولس الرسول متنهداً علي الحياة الزمنية مشتاقاً ان يري الحياة المقبلة
ويراه متضايقاً بكونه نزيلاً في هذا العالم ويريد أن يرحل، عندئذ سيجد علاجاً
كافياً لحزنه اذ يسمعه يقول ” ثم لا أريد أن تجهلوا ايها الأخوة من جهة
الراقدين. لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم 1تس 13: 4. فلا يقول ”
من جهة الأموات ” بل

 


من جهه الراقدين،مؤكداً أن الموت هو رقاد ”

 

فكما
اننا عندما نري انساناً نائماً لا نضطرب ولا نقلق متوقعين استيقاظة بالتاكيد هكذا
عندما نري احداً ميتاً،لا نضطرب ولا نغتم لهذا: فانه مجرد نائم،نوماً طويلا بحق
لكنه مع ذلك هو نوم.

 

فباعطائه
لقب ” رقاد ” يريح الحزاني وينزع شكوي غير المؤمنين. فان كنت تحزن
بافراط علي ذاك الذي رحل عنك فتكون كغير المؤمنين الذين لا يترجون القيامة.

 

حقاً
انه يحزن،لكنه بقدر عدم قدرته علي ادراك الحكمة الروحية بخصوص الأمور المقبلة.
,أما انت يا من اخذت البراهين الأكيدة بخصوص الحياة المقبلة لماذا تسقط معه في
ضعفه؟ لذلك مكتوب ” ثم لا أريد أن تجهلوا ايها الأخوة من جهة الراقدين لكي لا
تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم ” 1تس 13: 4.

 

ليس
ذلك في العهد الجديد فحسب بل وفي العهد القديم ايضاً يمكن أن نأخذ منه تعزية كبري،
لأنك عندما تسمع عن أيوب بعدما فقد ممتلكاته وخسر قطعانه، وفقد لا ابنا أو اثنين
أو ثلاثة من أولاده بل جميعهم وهم في ريعان شبابهم، ولم يكن حاضرا لحظات كان الموت
يصارعهم،اذ لم ينظرهم وهم يسلمون انفاسهم الأخيرة… ماذا قال ” الرب اعطي
الرب أخد ليكن اسم الرب مباركاً “.

 

ليكن
هذا القول هو نطقنا في أي حادث يحل بنا سواء في فقدننا لممتلكات أو ضعف جسدي أو
اهانتنا بشتائم أو اتهامات باطلة أو اصابتنا بأي شر من جهه الناس..

 

ان
طبقنا هذه الحكمة السمائية فأنه لن يصيبنا شر مهما سقط علينا من ألام لا حصر لها
انما سيكون ربحاً أعظم من الخسارة والخير يزيد علي الشر.

 

بهذه
الكلمات تجعل الله يترفق بك ويدافع عنك قبال ظلم الشيطان.

 

حالما
ينطق بها لسانك يهرب من أمامك الشيطان وإذ يهرب من أمامك تتبدد عنك سحابة الحزن
وتهرب الأفكار التي تدخل معنا في حرب بالاضافة الي هذا فانك ستربح كل وسائل
التطويب هنا وفي السماء.

 

وها
هو لك في أمثلة مناسبة في حالة أيوب وحال الرسول الذي احتقر كل متاعب هذه الحياة
لأجل الرب، طالباً البركات الأبدية

 

اذا
لنكن مؤمنين ولنفرح في كل الأمور التي تحل بنا ونشكر الله الرؤوف حتي نعبر هذه
الحياة الزمنية بهدوء وننال البركات المقبلة بنعمة ورأفة ربنا يسوع المسيح الذي له
المجد والكرامة والقدرة دائماً الأن وكل أوان والي دهر الداهرين. أمين

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى