علم

العظة الثانية



العظة الثانية

العظة الثانية

للقديس يوحنا الذهبي الفم عن
لعاز والغني

تأثرت
كثيرًا بشعوركم الجميل عندما ألقيت العظة السابقة عن لعازر. وإذ قد استحسنتم صبر
الرجل المسكين، ومقتُّم بشدة قسوة الرجل الغني وعدم إنسانيته، فهذه دلالات ليست
بسيطة على نزعة الفضيلة لديكم. وإن كنا لا نجد في السعي لطلب الفضائل ولكن على
الأقل نحبذها، فربما يجعلنا هذا قادرين على الوصول إليها وإحرازها، وحتى إن كنا لا
نتجنب الإثم ولكن على الأقل نمقته، فربما يجعلنا هذا قادرين على الإقلاع عنه.

ومن
أجل ذلك الغرض فإنكم إذ تلقيتم العظة بشكل إيجابي وبإطراء، فلنستمع إذن إلى
تكملتها.

لقد
رأيتموه عندما كان ملقى عند بوابة الغني… انظروه اليوم وهو في حضن إبراهيم.
ورأيتموه في الفقر… والآن انظروه في النعيم، ورأيتموه وهو في الجوع… والآن
انظروه وهو في فيض الغنى، ورأيتموه وهو يجاهد في صراع… والآن انظروه وهو يكافأ،
فليتأمل هذا كل من الأغنياء والفقراء.

الغني
لكي يتجنب الاعتقاد بأن الغني الذي يستحق لكل شيء بدون صلاح، والفقير لكي يتجنب
الاعتقاد بأن الفقر هو شر. فهذا الرجل يقدم نفسه كمعلم للجميع، أنه لم يتذمر عندما
كان فقيرًا، فأي عزر سيكون لمن يتذمرون وهم أغنياء؟ أنه قدم الشكر وهو في الجوع
وهذا الكم من المتاعب، فأي مبرر لهؤلاء الذين لا يحاولون الدنو من نفس هذه الفضيلة
وهم يتمتعون بفيض الغنى، وأيضًا أي عزر سيكون للفقير الذي يتذمر ويشكو لأنه مضطر
للاستجداء ليعيش، في حين أن هذا الرجل الذي يعيش دائمًا في جوع وفقر ووحدة ومرض في
منزل رجل غني، مهمَل من الكل، لا يرى أحد آخر يتحمل مثله هذه الآلام، وعلى الرغم
من ذلك يبدي هذه الحكمة؟ ليتنا نتعلم من هذا الرجل ألا نعتبر ونعتقد أن الغني
محظوظ وأن الفقير مبتلى. وبالأحرى إن كنا نقول الحق، فإن الرجل الغني ليس هو الذي
لديه العديد من الممتلكات، ولكنه الذي يحتاج ويقنع بالقليل منها، والفقير ليس هو
الذي ليس لديه أي ممتلكات، ولكنه الذي له رغبات كثيرة[1].
يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا التعريف عن الفقر والغنى، لهذا فإنك إن رأيت
شخصًا ما جشع لأشياء كثيرة فاعتبره أفقر الكل حتى وإن حصل على ثروات الجميع. ومن
ناحية أخرى الذي له احتياجات بسيطة فاعتبره أغنى الكل حتى وإن لم يكن لديه شيء،
وإننا إذ تعودنا أن نحكم على الفقر والغنى بمقياس العقل وليس بمقياس جوهر الفرد.
إن الشخص الذي هو في ظمأ دائم لا نعتبره صحيحًا وسويًا حتى وإن كان يتمتع بالثراء،
وحتى إن كان يعيش بجانب الأنهار والينابيع، إذ ما هي فائدة وفرة المياه إذا كانت
لا تطفئ هذا الظمأ؟

مقالات ذات صلة

دعونا
نطبق المثل في حالة الناس الأغنياء، فإننا لا نعتبر أبدًا هؤلاء الناس الذين
يتوقون ويتعطشون لممتلكات الآخرين هم ناس أصحاء، ولا نعتبرهم متمتعون بأي شيء من
غناهم. إذا كان الشخص لا يستطيع السيطرة على أطماعه، فحتى إن هو استولى على كل ما
يملكه الآخرين فهل يمكن أن يكون أبدًا غني؟

لكن
هؤلاء القانعون بما لديهم، وراضون بما يملكون، لا ينظرون ولا يتطلعون لأشياء
الآخرين، فحتى إن كانوا أفقر الكل فيجب اعتبارهم أغنى الكل، فالذي لا يشعر أنه
محتاج لما يملكه الآخرين ولكنه سعيد بما لديه من اكتفاء ذاتي هو أغنى الجميع.

فلنعود
إلى موضوعنا إذا وافقتم وأذنتم، قال يسوع: “فمات المسكين وحملتهُ الملائكة
إلى حضن إبراهيم”[2]، عند هذه
النقطة أتمنى أن تنزعوا من نفوسكم أي فكر شرير، فكثير من الناس البسطاء يعتقدون أن
نفوس الذين يموتون بطريقه قاسية غير طبيعية يصبحون شياطين أو تحل بهم، هذا مستحيل
تمام الاستحالة، ليست نفوس هؤلاء الذين يموتون بطريقة قاسية هي التي تصبح شياطين
أو تحل بها، بل نفوس هؤلاء الذين يعيشون في الخطية. إن طبيعتهم كجنس بشري لا تتغير
ولكن طريقة حياتهم تماثل شرور الشياطين. وبالفعل أوضح السيد المسيح هذا فيما يتعلق
باليهود عندما قال: “أنتم من أبٍ هو إبليس”، فقد دعاهم أبناء إبليس ليس
لأن طبيعتهم قد تغيرت إلى طبيعة إبليس ولكن لأنهم يعملون أعمال إبليس، ولهذا السبب
أضاف “وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا”[3].
وبالمثل قال يوحنا: “يا أولاد الأفاعي مَنْ أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي.
فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة. ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم
أبًا”[4]. ويتكلم
الكتاب المقدس كثيرًا عن قوانين العلاقات، ليست العلاقة في الصفات ولكن العلاقة
بين الخير والشر.

فالكتاب
المقدس يعتبر(ما تشكيلها) الابن أو الأخ لشخص هم اللذان؟؟ يشاركونه
صفاته، لكن لماذا أدخل الشيطان هذا التعليم الشرير؟ لكي يحاول أن يلغي المجد
المُعَد للشهداء، ولأنهم يموتون هذه الميتات القاسية، فإنه يريد أن ينشر شبهة
الشر ضدهم. ولكن ليس له القوة الكافية لكي يحقق ذلك إذ أنهم مازالوا يتمتعون
بأمجادهم. وبدلاً من ذلك فقد أنجز شيئًا آخر أكثر إيلامًا، إذ أنه بهذه التعاليم
حث وحصن السحرة الذين يخدمونه على ذبح كثير من أجساد الأطفال بأمل أن يجعلوهم بذلك
شياطين وخدام لهم. ولكن هذا مستحيل تمام الاستحالة. ماذا عن ما تتفوه به أحيانًا
الشياطين “إنني نفس هذا الراهب أو ذلك”. أنا لا اصدق هذا لسبب واضح، أن
الشياطين هي التي تقوله لتخدع هؤلاء الذين يستمعون لهم. لهذا فقد أخرسهم وأسكتهم
بولس حتى وإن كانوا يتكلمون بالحق، خشية أن ينتهزوا الفرصة ليخلطوا الأكاذيب مع
الحقيقة ما أن جعلوا من أنفسهم موضوع ثقة. فعندما يقولون: “هؤلاءِ الناس هم
عبيد الله العليّ الذين ينادون لكم بطريق الخلاص”
[5]. صرع بولس الروح التي بالعرَّافة، اِنتهرها وأمرها أن تخرج منها،
وبعد كل هذا ماذا قال الشرير؟ “هؤلاء الناس هم عبيد الله العليّ”، ولكن
لأن الكثير من الناس لا يعرفوا في معظم الأحيان أن يميزوا الأشياء التي تقولها
الشياطين، فلذلك فقد أوقفهم نهائيًا وبشكل حاسم لئلا تصدقونهم إذ قال لهم:
“ليس لكم أي كرامة وليس لكم الحق أن تتكلموا”. وقال: “اصمتوا،
اِخرسوا ليس لكم الحق أن تعظوا”؛ هذه الميزة هي للرسل. لماذا تزعموا وتنتحلوا
ما ليس لكم؟”، اسكتوا لقد فقدتم كل مجد وكرامة.

وقد
فعل السيد المسيح أيضًا نفس الشيء فعندما قال الشيطان له: “أنا أعرفك مَنْ
أنت قدوس الله”[6]، فقد
اِنتهره بشدة معلمًا إيانا ألا نثق أبدًا في الشيطان حتى وإن قال لنا شيئًا
صحيحًا. ونحن نتعلم من ذلك ألا نثق في الشيطان على الإطلاق، ليتنا نتجنبه
ونتفاداه. فنحن يمكننا أن نتعلم التعاليم الصحيحة والمفيدة بكل أمانة ليس من
الشياطين، لكن من الكتب المقدسة الإلهية، ونتعلم أنه من غير الممكن للنفس التي
غادرت الجسد أن تسقط تحت سيطرة الشياطين، وهنا فلنستمع لقول بولس: “لأن الذي
ماتَ قد تبرَّأَ من الخطيَّة”[7]. وهذا يعني
لا يعود بعد يُخطئ. فإذا كان الشيطان سوف لا يكون قادرًا على استعمال القوة على
النفس أثناء سكونها الجسد، فمن الواضح أنه أيضًا لن يستطيع فعل هذا إذا تركت
الجسد. قد يسأل سائل: كيف إذن يرتكب الناس الخطايا وهم لا يعانون الخضوع لها
بالقوة؟ طواعية وعن عمد وتسليم أنفسهم ليس قسرًا أو إلزامًا أو اضطرارًا. قد اِتضح
هذا من كل هؤلاء الذين انتصروا على حيل الشيطان، وعلى سبيل المثال أنه لم يكن
بالقوة بحيث يضع أيوب أن يتفوه بأي كلمة تجديف، على الرغم من كثرة تحريضه له، فمن
هذا يتضح أننا لدينا القوة لكي نتبع أو لا نتبع مشورته.

إننا
لا نخضع لأي اضطرار أو إلزام منه، ليس فقط فيما ذكرته لكن من المثل الذي نناقشه،
يتضح أنه عندما ترحل الأنفس عن أجسادها لا تلبث هناك ولكنها تنطلق فورًا. استمع
لقول المسيح: “فمات المسكين وحملتهُ الملائكة إلى حضن إبراهيم”[8].
وليس فقط أنفس الأبرار لكن أيضًا أنفس هؤلاء الذين عاشوا في الشرور تُسَاق بعد
الموت، وهذا يتضح من رجل غني آخر. “إنسان غنيُّ أخصبت كورتهُ. ففكر في نفسهِ
قائلاً ماذا أعمل لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري. وقال أعمل هذا. أهدم مخازني
وابني أعظم وأجمع هناك جميع غلاَّتي وخيراتي”[9].
ليس هناك موقف أكثر تفاهة من هذا. فالحقيقة أنه قد هدم مخازنه إذ أن المخازن
الآمنة التي يعتمد عليها هي بطون الفقراء وليست حوائط المخازن.

فإنه
وقد أهمل هذه لأشياء ليس في احتياج أن يقلق نفسه بالمخازن، ماذا يقول الله له؟
“ياغبيّ في هذه الليلة تُطلَبْ نفسك منك؟ هنا يقول: “حملته الملائكة
وهناك يقول: “تُطلَبْ نفسك”، أحد يساق والآخر يُحمل على الأكتاف كمنتصر،
تمامًا مثل المصارع في حلبة المصارعة الذي يتلقى جروحًا عديدة تقطر دمًا عندما
يكلل بإكليل النصر. فهؤلاء الواقفون في حلبة المصارعة يحيونه بالهتافات العالية
ويشيعونه إلى منزله بالتصفيق وصيحات الإعجاب، هكذا اقتادت الملائكة لعازر. ولكن من
جهة الرجل الآخر فإن نفسه قد طُلِبَت من بعض القُوى البغيضة التي ربما تكون قد
أُرسلت من أجل هذا الغرض فقط.

إذ
أن النفس لا تصعد أتوماتيكيًا للعالم الآخر، فهذا مستحيل. فإننا نحتاج إلى مرشد
عند الانتقال من مدينه إلى أخرى، فبالأحرى الأنفس التي تنطلق من الأجساد منتقلة
إلى العالم الآخر تحتاج إلى مرشدين لتقودها، ومن أجل هذا فإنها ترتفع ثم تهبط
ثانية متجهين للجحيم وهي ترتعد خوفًا، إذ أنها على وشك الانطلاق من الجسد. إذ أن
إدراك خطايانا يؤخرنا، خاصة في هذا الوقت ونحن على وشك المثول للمحاسبة أمام تلك
المحكمة الرهيبة، عندئذ إن كان هناك من هو مذنب بسبب سرقة، أو جشع، أو من لعن، أو
بغض أي إنسان بدون سبب، أو اقترف أي خطأ آخر، فإن جميع خطايانا تعود فتحيا قائمة
أمام أعيننا توخز ضمائرنا. تمامًا مثل هؤلاء المحبوسين في السجن، فهم في ضيق وكرب
دائم، لكن يزداد هذا على الأخص في ذلك اليوم الذي فيه يقتادون للمحاكمة، يقفون
أمام باب المحكمة، يسمعون صوت القاضي من الداخل فيرتعدون خوفًا، ويكون الموت أفضل
حالاً. وهكذا أيضًا النفس تكون في ضيق وقلق طالما هي في الخطايا، لكن بالأكثر
عندما تدنو النهاية والانطلاق من هذا العالم.

هل
لكم أن تستمعوا في سكون؟ إنني أكون أكثر سعادة في سكونكم أكثر من التصفيق. إذ أن
هذا التصفيق والمديح يجعلني أكثر شهرة ولكن السكون يجعلكم أكثر إصلاحًا.

إنني
أعرف أن مما أقوله موجع، لكن كم هو يحتوي على فائدة عظيمة، لو كان الرجل الغني قد
وجد من يسدي له مثل هذه النصيحة بدلاً من تملقه وقول ما يود سماعه وجره للانزلاق
في حياه الإسراف، ما كان ليسقط في تلك الهاوية. وما كان ليقع تحت هذا العذاب الغير
محتمل، نادمًا بعد فوات الأوان، طالبًا المواساة لكن كان الجميع يعملون من أجل
إمتاعه مُسلِّمين إياه إلى جحيم النار.

إنني
أتمنى أن نعظ ونتحدث دائمًا وباستمرار في هذا الموضوع، إذ يقول الكتاب المقدس:
“في جميع أعمالك اُذكر أواخرك فلن تخطأ إلى الأبد” (سي 7: 40)، وكذلك
يقول: “هَيّئْ عملك لرحيلك وأعدَّ كل شيءٍ للطريق” (راجع أم 24: 27).
فلو كنت سرقت أي شيء من أحد فرُده إليه وردد ما قاله زكا: “فوقف زَكَّا وقال
للربِّ ها أنا ياربُّ أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنتُ قد وشيتُ بأحدٍ أردُّ
أربعة أضعافٍ”[10].

إن
كنت قد خدعت أي شخص في شيء بالغش، وإن أبغضت أي شخص، فأصلح الأمور قبل يوم
المحاكمة، وسوِّي كل أمورك هنا حتى إذا ما اقتربتَ من منصة الحكم لا يكون هناك ما
يُؤخذ عليك.

فبينما
نحن لا نزال هنا فإن الآمال العريضة تحدونا، لكن إذا ما غادرنا هذا المكان فإنه لا
يعود لنا حق التوبة ومحو ذنوبنا، فلهذا السبب يجب علينا أن نعد أنفسنا دائمًا لوقت
رحيلنا من هنا. ماذا لو أراد الرب طلب نفوسنا هذه الليلة؟ أو غدًا؟ إن المستقبل
مجهول وهذا يبقينا دائمًا في جهاد حتى نعد أنفسنا للانتقال.

تمامًا
مثل لعازر في صبره على الاحتمال الذي بسببه اِنتقل في تكريم كبير. ومات الغني
ودفن، تمامًا مثلما تظل النفس مدفونة في جسدها مثل قبر لها، ولابسه الجسد مثل كفن
لها.

إن
السكر والنهم يكبلان الجسد كما بسلاسل ويؤديان به إلى أن يصبح هالك لا فائدة له[11].

لا
تمر ببساطة على هذه العبارة… “ودفن”. يا حبيبي أن الموائد المطعمة
بالفضة والأرائك والسجاجيد والملابس الفاخرة وغيرها من مختلف أنواع الرياش والزيوت
المعطرة والأطياب والكميات الكبيرة من الخمور المعتقة وكميات الطعام الكبيرة
وأدوات المائدة الفاخرة والمتملقين والحراس والخدم وكل مظاهر التفاخر والتباهي،
تخبو وتذوي… كل شيء رماد. كل لأشياء تراب ورماد، ألحان حزينة وحداد، لأنه لا أحد
يستطيع تقديم العون بعد فوات الأوان أو أن يسترجع النفس التي رحلت. عندئذ تختبر
قوة الذهب والثراء الفاحش، فمن بين زحام الموجودين فإنه قد أُخذ عاريًا وحيدًا،
ولم يستطع أن يأخذ معه أي شيء من فيض غناه، لكنه أُخذ بدون رفيق أو معين. لم يستطع
أحد من هؤلاء الذين كانوا يخدمونه أن ينقذه من العقاب والمجازاة، لكنه رحل بعيدًا
عن حاشيته، فقد أُخذ بعيدًا بمفرده ليتحمل العذاب الذي لا يُطاق، “كل جسدٍ
عشب وكل جمالهِ كزهر الحقل. يبس العشب، ذبل الزهر، لأن نفخة الرب هبَّت عليه. حقَّا
الشَّعب عشب. يبس العشب ذبل الزهر، وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد” (إش 6:
40-8).

حقًا
أتى الموت وأخمد كل هذه الرفاهية واقتاده كأسير منكسر الرأس، يئن خزيًا لا يستطيع
الكلام، يرتعد خائفًا وكأنما تمتعه بكل هذا الترف كان حلمًا.

حقًا أتى الموت وأخمد كل هذه الرفاهية
واقتاده كأسير منكسر الرأس، يئن خزيًا لا يستطيع الكلام، يرتعد خائفًا وكأنما
تمتعه بكل هذا الترف كان حلمًا.

أخيرًا أصبح الغني يتضرع إلى الفقير متوسلاً له،
وهو الذي كان من قبل ملقى جائعًا يتعرض لأفواه الكلاب. انعكس الوضع وعرف الجميع
من هو الغني الحقيقي ومن هو الفقير الحقيقي، وهكذا أصبح لعازر أغنى
الجميع
والآخر هو أفقر الجميع
. وكما هو الحال في المسرح حيث يدخل الممثلون بأقنعة
مستعارة لملوك وقادة وأطباء ومعلمين وحكماء وجنود بينما هم في حقيقتهم ليسوا كذلك
هكذا في الحياة الحاضرة، فالفقر والغنى ليست إلا أقنعة، فإنك إن جلست في المسرح
ورأيت أحد الممثلون يرتدي قناع ملك فإنك لا تحسبه محظوظًا لذلك ولا تعتقد أنه ملك
فعلاً، ولا تتمنى أن تكون مثله، ولكن لأنك تعرف أنه تاجر أو ربما صانع حبال أو
صانع براميل أو شيء من هذا القبيل، فإنك لهذا لا تحسبه محظوظًا بسبب قِناعه المستعار
أو زيِّه الذي يرتديه ولا أن تحكم على وضعه الاجتماعي بسبب رخص زيه الآخر فليست
هذه علامة تعتمد عليها.

وهنا
أيضًا نفس الشيء الجلوس هنا في العالم كما لو أنك بالمسرح، وبالنظر إلى الممثلين
على خشب المسرح ترى العديد من الناس الأغنياء ولكنك لا تعتقد أنهم فعلاً أغنياء
ولكنهم يرتدون أقنعة مستعارة للأغنياء.

 تمامًا
مثل الرجل الذي يقوم بدور ملك أو قائد على المسرح، فإنه غالبًا ما ينقلب إلى خادم
بمنزل أو بائع تين أو عنب بالسوق، فهكذا أيضًا الرجل الغني غالبًا ما ينقلب ليصبح
أفقر الكل، فإنك إن نزعت عنه قناعه وكشفت ضميره ودخلت إلى عقله فإنك غالبًا ستجد
به فقر شديد وافتقار لأي صلاح، وستجد أنه ينتمي إلى أفقر الطبقات. تمامًا كما يحدث
بالمسرح عندما تنتهي الأُمسية وينصرف المشاهدون ويذهب هؤلاء الملوك والقادة
فيخلعون أزياء أدوارهم، عندئذ يظهر للجميع ما هم فعلاً. هكذا أيضًا عندما يحين
الموت وينتهي المسرح ويتخلص الجميع من أقنعة الغنى والفقر، ويغادرون إلى العالم
الآخر حيث يحاكم الجميع حسب أعمالهم فقط، سيتضح أن البعض غني فعلاً والآخر فقير،
البعض ذو مرتبة عالية والآخر لا قيمة له. غالبًا وفي الواقع فإن الذي يكون غني في
هذه الحياة فإنه يتحول ليصبح أفقر الكل في الحياة الأخرى، مثل هذا الرجل الغني، إذ
أنه عندما فاجأه الليل الذي يعني الموت وغادر مسرح هذه الحياة الحاضرة، وطَرح عنه
قِناعه اتضح أنه أفقر الجميع في العالم الآخر. وفي الحقيقة فقر جدًا لدرجة أنه لا
يتحكم حتى في قطرة مياه، لكن عليه أن يتوسل ليحصل عليها، حتى بتوسله لم يستطيع أن
يحصل عليها. هل هناك فقر أكثر من هذا؟ فلنستمع: رفع عينيه فنادى إبراهيم وقال:
“يا أبى إبراهيم ارحمني واَرسل لعازر ليبلَّ طرف إصبعهِ بماءٍ ويبرِّد
لساني”[12]. أرأيت كم
هي كبيرة محنته؟ عندما كان لعازر قريبًا منه فإنه اعتاد أن يتجاهله، لكن الآن
عندما أصبح بعيدًا عنه فإنه ينادي عليه، هذا الرجل الذي كان لا يراه في ذهابه
وإيابه، أصبح الآن يراه بوضوح وهو يبعد عنه بمراحل.

لماذا
يراه
؟
ربما في الغالب قال الرجل الغني “لماذا احتاج إلى التقوى والصلاح؟ فإن كل شيء
يتدفق عليَّ كما من نبع، وأتمتع بثراء وفير ورخاء عظيم وأنا لا أعاني من أي محنه،
فلماذا التمس الفضيلة؟

هذا
الرجل الفقير الذي كان يعيش في صلاح وتقوى بالرغم من معاناته لكثير من المتاعب.
وحتى الآن أيضًا فإن كثير من الناس يعتنقون هذه الأفكار، لهذا فإنه من أجل اقتلاع
هذه الآراء الخاطئة، فإن الله قد أوضح له العقاب الذي ينتظره الأشرار وأكاليل
المجد التي تنتظر من جاهدوا للتقوى. والغني لم يرى لعازر لهذا السبب فقط ولكن
لأنه أصبح يعاني الآن معاناة شديدة أكثر مما كان يعانيه الفقير من قبل
.

وإذا
كان عذاب الفقير مؤلمًا لكونه مطروحًا أمام بوابة الغني يرى مدى رفاهية الآخرين،
لذلك فإن عقاب الغني كان أكثر إيلامًا وهو مطروحًا في الهاوية يرى لعازر يتنعم.
فإن عقابه كان غير محتمل ليس فقط بسبب عذابه ولكن أيضًا بسبب المقارنة لما ناله
الفقير من مكافأة، تمامًا مثلما طرد الله آدم من الجنة وأنزله ليسكن في مقابل
الحدائق حتى يجدد هذا المنظر الدائم معاناته ويعطيه إدراك أوضح لسقوطه.

أيضًا
أنزل الغني في مواجهة لعازر حتى يرى مدى الخير الذي حرم نفسه منه قائلاً: لقد
أرسلت لعازر الفقير إلى بابك حتى يعلمك الفضيلة والبرّ ويتلقى حبك، ولكنك تجاهلت
المنفعة ورفضت أن تستخدم مساعدته لأجل خلاصك. وفي الآخرة سوف تجلب على نفسك بسببه
عقاب وعذاب كبير. ومن الفقير تعلَّمنا أن كل من يعاني بلاء وظلم بيننا سوف تكون له
أولوية الوقوف قبلنا في الحياة الأخرى. وفي الحقيقة أن لعازر لم يعاني ظلم من
الرجل الغني إذ أن الغني لم يسلبه أمواله، لكنه لم يشركه معه فيما له. فإذا كان
الغني قد أدين بسبب عدم رحمته للفقير وعدم إشراكه معه في الخير الذي عنده، فأي عذر
سيكون للذي يسرق أشياء الآخرين عندما يصبح محاطًا بهؤلاء الذين أخطأ في حقهم؟ في
ذاك العالم لن تكون هناك حاجة إلى شهود أو مدعين أو بينة أو دليل، إنما الأفعال
نفسها كما فعلناها تظهر أمام أعيننا. فإنه يقول انظر إلى الإنسان وإلى أعماله، في
الواقع إن عدم إشراك الآخرين فيما تملكه هي أيضًا سرقة. ربما تدهشك هذه العبارة،
لا تندهش فإني سوف أُحضر لك شهادة من الكتاب المقدس تقول أن السرقة ليست سرقه
أشياء الآخرين، ولكن أيضًا عدم جعل الآخرين يشاركونك
ما لديك هي أيضًا سرقه
واحتيال
.

ما
هي شهادة الكتاب؟ إن النبي يقول متهمًا اليهود، يقول الرب:

 “The
Earth has brought forth her increase, and you have not brought forth your
Titles but the Theft of the poor in your houses.”[13]

أنه
يقول: لأنكم لا تعطون الصدقات المفروضة فإنكم بهذا تسرقون ما للفقير. وقد قال هذا
ليوضح للأغنياء أنهم يقتنون ممتلكات وخيرات الفقراء، حتى وإن كانوا ورثوها عن
آبائهم أو ثرواتهم، بصرف النظر بأي طريقة جمعوها. وفي موضوع آخر يقول الكتاب:
“يا بنيّ لا تحرم المسكين ما يعيش به”[14].
أن تحرم، هو أن تأخذ حق الآخرين، الحرمان هو عندما نأخذ ونمنع عن
الآخرين ما هو حق لهم
. من هذا نتعلم إننا عندما لا نبدي رحمة فإننا سنعاقب
تمامًا مثل هؤلاء الذين يسرقون. إن أموالنا هي للرب بصرف النظر كيف جمعناها، فإننا
لو أعطينا المحتاجين سوف نحصل على مزيد من الخيرات، لهذا السبب يسمح لك الله
بالمزيد ليس من أجل أن تبدده في الزنا أو السكر أو الأطعمة الفاخرة أو الملابس
الغالية وكافه الأشياء المؤدية إلى الرخاوة، لكن من أجل توزيعها على المحتاجين.
تمامًا مثل القائم على الخزانة الإمبراطورية، فإن أهمل توزيع ما أُمر به، وبدلاً
من ذلك أنفقه في ملذاته الشخصية، فإنه يدفع الثمن ويجازى بالموت. كذلك أيضًا الرجل
الغني فإنه يُعتبر كوكيل على الأموال المستحقة للتوزيع على الفقراء، فإنه تكلف
بتوزيعها على إخوانه المعوزين والمحتاجين، لهذا فإنه إذا انفق على نفسه أكثر من
احتياجاته فإنه سوف يُجَازى جزاءًا مؤلمًا في الآخرة.

وذلك
لأن ممتلكاته ليست ملكه، لكنها ملك إخوانه الفقراء، لذلك علينا أن نستخدم ما نملكه
باقتصاد لأنه مِلك للآخرين كيف نستخدمه باقتصاد وهو مِلك للآخرين؟ عندما لا ننفقه
فيما هو غير لازم كذلك لا ننفق على احتياجاتنا فقط ولكن نعطي أيضًا نصيبًا مساويًا
للفقراء، إنك إن كنت غنيًا ولكنك تنفق فيما لا تحتاجه فإنك سوف تحاسب على ما
أؤتمنت عليه من أموال كما يحدث في إدارة المنازل الكبيرة، فكثير من الناس يعهدون
إلى مديري منازلهم بالشئون المالية، وهؤلاء الذين يتسلمون هذه الأمانة يحافظون على
ما أعطي لهم ولا يسيئوا استخدام النقود، لكن يوزعونها في المكان والوقت حسب أوامر
أسيادهم. وأنت أيضًا يجب أن تفعل هكذا، فإنك إن كنت حصلت على أكثر مما للآخرين
وتسلمته ليس لكي تنفقه على نفسك، إنما لكي تكون وكيل صالح للآخرين.

ومما
هو جدير بالسؤال ويستحق البحث، لماذا لم يرى الغني لعازر مع أبرار، لكنه في حضن
إبراهيم؟ إبراهيم كان مضيفًا للغرباء، فقد رأى الغني لعازر مع إبراهيم لأن لعازر
قد يدينه لعدم ضيافته له.

إن
أب الآباء كان يلتقط ويتصيد المارة الغرباء ويحضرهم إلى منزله، لكن هذا الرجل
الغني تغافل عن هذا الذي يرقد عند بابه، وبالرغم من وجود هذا الكنز لديه يمكن أن
يساعد في خلاصه، لكنه كان يمر عليه كل صباح ولم يستغل مساعدة الفقير لمساعدة
احتياجات نفسه. لم يكن أبو الآباء كمثل هذا الرجل، بل كان على العكس تمامًا، يجلس
أمام باب بيته يُصر على دعوة كل من يمر به، تمامًا مثل الصياد الذي يلقي شبكته في
البحر فيسحب ليس السمك فقط بل أيضًا الذهب واللآلئ. فها هو أبو الآباء يلح على
دعوة الناس، فمرة يمسك بملائكة بدون أن يعرف من هم، وهذا هو الجزاء الرائع. وفي
هذا يقول بولس في انبهار: “ولا تنسوا إضافة الغرباءِ لأن بها أضاف أناس
ملائكةً وهم لا يدرون”[15].

فلو
كان يعرف ما يفعله عندما استقبلهم بهذا الحماس والشعور الوِدي ما كان يعتبر هذا
الذي فعله شيء حسن ورائع، إن سبب هذا الإطراء أنه لم يكن يعرف من هؤلاء المارة فقد
ظن أنهم مسافرون عاديون، ودعاهم للدخول مُرحبًا بهم في حفاوة.

إنك
إن استقبلت شخص مشهور أو شخصية لامعة بحفاوة بالغة فإنك بهذا لا تكون قد فعلت شيء،
إذ أهمية وضع الضيف عادة ما تجبر الشخص الغير مضياف أن يظهر ترحاب كبير، إنما
الشيء العظيم والرائع عندما تستقبل أي عابر سبيل حتى وإن كان متشردًا أو عديم
الشأن بترحاب كبير. ولهذا قال السيد المسيح مطوبًا من يسيرون على هذا المنهج:
“الحقَّ أقول لكم بما أنكم فعلتموهُ بأحد إخوتي هؤلاءِ الأصاغر فبي
فعلتم”[16].

وأيضًا
يقول: “هكذا ليست مشيئَةً أمام أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤُلاءِ
الصغار”[17].

وأيضًا
يقول: “ومَنْ أَعثَرَ أحد هؤُلاءِ الصغار المؤمنين بي فخير لهُ أن يُعلَّق في
عنقهِ حجر الرَّحَى ويُغرَق في لُجَّة البحر”[18].
وفي كل مكان كان لدى السيد المسيح الكثير ليقوله عن الصغار الذين ليس لهم شأن.

وإذ
عرف إبراهيم هذا فإنه لم يسأل هؤلاء الذين مروا به من هم؟

فإنك
إن أردت أن تضع معروفًا مع شخص فيجب ألا تطلب كشف حساب عن حياته، لكن حسبك أن تصلح
فقره وتكفي احتياجاته.

إن
الإنسان الفقير ليس له إلا طلب واحد هو احتياجه وعوزه، فلا تطلب منه شيئًا آخر،
حتى وإن كان
أشر الرجال، ولكنه يفتقد احتياجاته الضرورية فتخلصه
أولاً من جوعه.

السيد
المسيح أيضًا دعانا أن نفعل ذلك عندما قال: “لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في
السموات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على أبرار والظالمين”[19].

فإن
معطي الصدقة هو ميناء وملاذ لكل المحتاجين
، فالميناء
يستقبل كل الذين تحطمت سفنهم وينقذهم من الخطر سواء كانوا أشرار أم أبرار، أيًا
كان هؤلاء الذين في خطر فإنه يمنحهم حمايته. وأنت أيضًا عندما ترى إنسان على الأرض
يلاقي متاعب غرَّقت سفينته بسبب الفقر، فلا تحاكمه أو تطلب كشف حساب عن حياته، لكن
خلصه أولاً من متاعبه، لماذا تجلب القلق لنفسك، الله يساعدك على هذا الفضول. كم
كان معظمنا سيتذمر إذا كان الله يدعونا أن نختبر أولاً حياة كل إنسان بدقة، وأن
نتدخل في تصرفاته وأفعاله لكي نعطيه صدقه؟ ولكن إذ كنا قد تحررنا من هذا القلق
فلماذا نجلب على أنفسنا المزيد من القلق؟ إن القاضي شيء والمتصدق شيء آخر.

فقد
سُمي الإحسان هكذا لأننا قد نعطيه لغير المستحقين، وقد نصحنا القديس بولس أيضًا أن
تفعل هكذا عندما قال: إذا كنت تتطفل وتتدخل في هؤلاء الغير مستحقين
فحتى المستحقين سوف لا يأتون إلينا تلقائيًا، ولكن إن كنّا نمنح الغير مستحقين
فبغير شك فإن المستحقين وأيضًا المقتدرين سوف يأتون إلينا.
هذا مبدأ
أبونا متى لماذا كنا نُخطئه؟؟؟؟

وهذا
ما حدث لإبراهيم البار الذي لم يتطفل أو يتدخل في هؤلاء المارة، لهذا استطاع أن
يستقبل الملائكة، ليتنا نقلده ونسير مثله على هذا النحو، مثلما حاكى هو بتدقيق كرم
وسماحه أسلافه القدماء، لهذا قال: “غريب لم يبيت في الخارج. فتحت للمسافر
أبوابي
[20]. لم تكن
مفتوحة لأحد ومغلقة للآخر، لكنها ببساطة مفتوحة للجميع. ليتنا نفعل هكذا، أتوسل
إليكم، بدون بحث أو تحقيق أكثر من اللازم. إن عوز الفقير هي تزكية استحقاقه، فإذا
جاء إلينا أي شخص بهذه التزكية فيجب علينا ألا نتدخل ونسأل عن أكثر من هذا. إننا
نعطي للشخص نفسه وليس لسلوكه ونصنع معه الرحمة ليس بسبب فضائله ولكن لعوزه
واحتياجه، ومن أجل هذا يرحمنا السيد برحمته العظيمة مع كوننا غير مستحقين للتمتع
بمحبته للبشرية.

فإذا
كنا سوف نفحص ونسأل بتدقيق عن مدى استحقاق إخواننا الفقراء فإن الله سوف يفعل نفس
الشيء معنا. وإذا كنا نطلب كشف حساب من إخواننا الفقراء فسوف نفقد نحن أنفسنا محبه
البشرية الآتية من فوق، فقد قال: “بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل
الذي به تكيلون يكال لكم”[21].

ولكن
نعود إلى الحديث عن موضوعنا، انظروا إلى لعازر وهو في حضن إبراهيم والغني يقول:
“يا أبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبلَّ طرف إصبعهِ بماءٍ ويبرّد لساني
لأني معذَّب في هذا اللهيب”[22].

لماذا
لم يوجه كلامه إلى لعازر
؟ يبدو لي أنه استيحاءً وخجلاً، وقد ظن أنه لِما
حدث منه فإن لعازر يحمل ضده حقد وضغينة، فقد قال: “إنني عندما كنت مستمتعا
برغد العيش ولم يكن هناك أي شيء رديء أو متاعب، تجاهلت الرجل الذي كان في عناء ولم
أشاطره ولو بشيء يسير، فمع كل ما لاقاه من تجاهل مني فإنه لن يوافق على أي عطف
عليَّ”، إنني لا أقول هذا لنتهم لعازر، فبالتأكيد أن هذا الاتجاه كان بعيدًا
عنه، ولكننا نقول إن الغني لم يدعوه لأنه تخوَّف من هذا، لكنه دعا إبراهيم
اعتقادًا منه أنه يجهل ما حدث. لقد استجدى شيء من هذا الإصبع الذي كان دائمًا يسمح
للكلاب أن تلعقه.

ماذا
أجاب إبراهيم
؟ “يا ابني اُذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك
لعازر البلايا”[23]. انظروا
إلى حكمة وعطف الرجل البار فإنه لم يقل له: “أيها القاسي الشرير عديم
الإنسانية أبَعد معاملتك السيئة لهذا الرجل الآن تتذكر الإحسان والرحمة والغفران؟
ألا تخجل! ألا تستحي!

لكن
ماذا قال له؟ لقد قال له: “يا ابني اُذكر أنك استوفيتَ خيراتك في حياتك”
فإنه مكتوب: “لا تزد القلب المغيظ قلقًا”[24].

إن
عقابه يكفي فلا تزيد عليه أكثر في بليته ومحنته، وكذلك حتى يجنبه الظن أن ما منع
لعازر من الذهاب إليه هو حقد فقد دعاه “يا ابني”، وأيضًا كأنما يعتذر له
بهذه العبارات “ليس في استطاعتي السماح بهذا، حتى إن الذين يريدون العبور من
هنا لا يقدرون “لقد استوفيت خيراتك في حياتك”،

لماذا
لم يقل له ببساطة “لقد أخذت خيراتك في حياتك”.
لكنه قال
له “لقد استوفيت خيراتك في حياتك “إنني أرى بحر كبير من التأملات يتفتح
أمامنا. ليتنا نعمل بدقه بكل ما قيل الآن وما قيل قبلاً ونحافظ عليه، أعدوا أنفسكم
جيدًا بما قيل حتى تسمعوا ما سوف يقال.

لو
كان من الممكن تذكروا كل لأشياء التي قلتها، وإن لم تستطيعوا أن تتذكروا كل
الأشياء، فإني أرجوكم أن تتذكروا حتمًا إن عدم شركة الفقراء لنا في ثروتنا هي
سرقه من الفقير وحرمانه من سبل الحياة
.

إننا
لا نمتلك ثرواتنا ولكنهم هم يملكونها. فإن سلكنا بهذا الاتجاه فإننا بالتأكيد سوف
نقدم أموالنا قربانًا، وبإطعامنا المسيح في فقره ندَّخر لأنفسنا منفعة كبيرة في
الآخرة، وبهذا نستطيع أن نستحق الأمجاد العظيمة المعدة لنا. بالنعمة والرأفات التي
لربنا يسوع المسيح له المجد والإكرام والسجود مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان
وإلى أبد الآبدين آمين.



[1] هذه الفكرة شائعة ومعروفة في الفلسفة
الأخلاقية للوثنية اليونانية.

[2] لو22:16

[3] يو44:8

[4]  مت7:3-9

[5] أع17:16

[6] مر24:1، لو34:4

[7] رو7:6

[8] لو22:16

[9] لو17:12-18

[10] لو8:19

[11] فكرة إن الجسد هو مقبرة
للنفس هي نفس فكرة الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، لكن بالنسبة للمسيحيين فإن الجسد
يهلك إذا اختار الإنسان أن يجعله كذلك.

[12] لو 24:16

[13] قارن مل8:3-10

[14] سيراخ 1:4

[15] عب13:2

[16] مت40:25

[17] مت14:18

[18] مت6:18

[19] مت45:5

[20] أي32:31

[21] مت2:7

[22] لو24:16

[23] لو25:16

[24] سير4:3

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى