علم

ملكيصادق



ملكيصادق

ملكيصادق

كيرلس
الأسكندرى عمود الدين

عظتان

العظة
الأولى

للقديس
كيرلس بطريرك الأسكندرية عن ملكيصادق

يقول

بولس
(الرسول): ” ملكيصادق هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلى، الذى تقابل مع
إبراهيم عندما عاد حيث كان قد قتل الملوك، وباركه، الذى قسم له إبراهيم عشرًا من كل
شئ. المترجم أولاً ملك البر ثم أيضًا ملك ساليم أى ملك السلام. بلا أب بلا أم بلا
تدوين لميلاده ولا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقى
كاهنًا إلى الأبد. ثم أنظروا ما أعظم هذا الذى أعطاه إبراهيم رئيس الآباء عشرًا
أيضًا من رأس الغنائم. وأما الذين هم من بنى لاوى الذين يأخذون الكهنوت فلهم وصية
أن يُعشّروا الشعب بمقتضى الناموس أى إخوتهم مع إنهم خرجوا من صلب إبراهيم. ولكن
الذى ليس له نسب منهم قد عَشَّرَ إبراهيم وبارك الذى له المواعيد. ويكون واضحًا
بلا نزاع أن الأصغر يُبارك من الأكبر. وهنا أناس مائتون (اللاويون) يأخذون عشرًا
وأما هناك فالمشهود له بأنه حي (ملكيصادق). حتى أقول كلمة أن لاوى أيضًا الآخذ
الأعشار قد عُشّر بإبراهيم لأنه كان بعد فى صُلب أبيه حين تقابل ملكيصادق مع
إبراهيم” (عب1: 710).

 

2
التعليق الذى قاله كيرلس:

ياأولادى
قد أتيتم الآن إلى ههنا وتملئون الكنيسة حيث إنكم عطشى وترتوون من ماء الكنيسة
لتشبعوا لأنه بعد ذلك تثمر قلوبكم الثمر الجيد.فكما أن هبة الماء تروى الأرض لتجلب
الثمر عندما تُروىَ باستمرار، هكذا فإن الكلمة وتعاليم الآباء القديسين التى
عُلِّمت بكل حكمة وعلمٍ تدخل إلى قلوب البشر للخلاص.والآن تعالوا أيها العطاش
لتروى ظمأكم حيث نستقبل الماء الذى هو مصدر الخلاص من الحكيم بولس.

 

3
يقول بولس عن الموقر ملكيصادق: ” ملكيصادق هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلى
” وبقية ما كتب عنه. إنه كثيرًا ما يكون الحديث عنه فى أمور كثيرة، كما يقول
بولس نفسه فى موضع ما: “الذى من جهته الكلام كثير عندنا وعسر التفسير لننطق
به إذ قد صرتم متباطئ المسامع ” (عب11: 5). على ذلك سأتكلم فقط عما قيل عنه.
فإنه يوجد من يعتقدون أن ” ملكيصادق لم يكن إنسانًا مثلنا ولكنه الروح القدس
أو الله ” (أنظر
PG 69, 97C). فالذين ينادون بهذا الرأى يضلون عن الفكر العاقل، لذلك يكون من
الضرورى أن نقول لهم: كيف يمكنكم أن تقولوا عن ملكيصادق أنه الروح القدس أوالله
بالرغم من أنكم تسمعون عما قيل عن ملكيصادق أنه كاهن الله؟ فالروح القدس المساوى
فى الجوهر مع الآب والابن ليس فى درجة كهنوتية، ولم يُلَقَّب بالكهنوت ولا له الحق
فيه بطريقة ما، كذلك فإن وظيفة (ملكيصادق) الكهنوتية لا تليق باللاهوت.وإذا كان
هذا لا يجوز، فأى كاهن يكون هو، كما تعتقدون؟ من يكون أعظم وأفضل وأعلى منه؟ من
ينبغى أن يكون أعلى منه، وهو الذى يرتفع عن الكل؟ ومن هو الذى قُبل فى الدرجة
الكهنوتية ولا يخدم ككاهن ولكن يخدم الله الأعظم والأعلى. فكما هو مكتوب أن
الملائكة ورؤساء الملائكة، والعروش والسيادات يؤدون الخدمة الكهنوتية للثالوث
القدوس والمساوى فى الجوهر (كو16: 1،1بط22: 3)، فمن جهة، من هم إذن الذين يخدمون
الثالوث، ومن جهة أخرى من هو الذى يقفون أمامه؟ (
PG 69, 97C).

 

4
يقولون أيضًا: مكتوب عن الابن: ” لاحظوا رسول إعترافنا ورئيس كهنته يسوع
” (عب1: 3). ويقولون أيضًا إن هذا يعنى: “حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا
صائرًا على رتبة ملكيصادق رئيس كهنة إلى الأبد ” (عب20: 6). أما أنا فأقول
لهم: تفكيركم قد إنحرف عن الطريق الصحيح للسر المنيف والعظيم لتجسد الوحيد الجنس
ربنا يسوع المسيح. كيف أنكم لم تفكروا أنه لم يسمى “رسول” و ” رئيس
كهنة ” قبل أن يصير إنسانًا ويتواضع، بينما هو لم يتغير ويتحول؟ فهذا لا يمكن
أن يحدث له على الإطلاق، ومع ذلك فقد تواضع فى شكل إنسان وصار فقيرًا مساويًا لنا
وهو الذى كان غنيًا وإلهًا. فنحن نشير إلى التواضع والفقر كشئ تحلى به عندما نلقبه
ب “رسول ” و”رئيس كهنة “. فكل ما يطابق شكل العبد وهيئة
الإنسان هو”رسول” و” رئيس كهنة ” لأنه صار إنسانًا مثلنا.
ولكن الآن لو كان الروح القدس قد صار إنسانًا حقيقة، لأمكنه أن يكون حينئذ كاهنًا،
ولأمكنه أن يتقلد وظيفته رسول، مثلما قد صار الابن من مراحمه، مشابهًا لنا. فعندما
تكون هذه الأقوال المتداولة تجديفًا وليس لها معنى ولا تتفق مع الروح القدس بأى
حال، فلماذا يجدفون على مجد الطبيعة الإلهية المقدسة؟ وليس هذا فقط بل يحطون منزلة
الروح القدس إلى رتبة عبد، ذلك الذى يحكم الكون مع الآب والابن، والذى تسجد له كل
الخليقة وكل الكهنة ممن فى السماء وممن على الأرض يمجدونه.

 

5
ويقولون أيضًا: ” لقد دُعى ” ملكيصادق ” التى تعنى ” ملك
البر” هذا هو اسمه وأيضًا ” ملك ساليم “. ولكن إنسانًا مثلنا لا
يمكن أن يكون ” ملك البر ” و ” ملك السلام “، لأن هذا يخص
اللاهوت فقط. على ذلك نقول لهم: صيروا يقظين وإغسلوا الرمال من أعين قلوبكم
وافحصوا المعنى الصحيح. فعندما تساوون الروح القدس بملكيصادق فهل يعقل ذلك، وعندما
تعتقدون فيه مثل عظمة ومجد اللاهوت بسبب أنه يدعى ” ملك البر والسلام “،
فلماذا لا تفكرون حينئذ أنه يكون فى مجد الطبيعة اللاهوتية لأنه يسود على البر
والسلام، ويمكن على أى حال أن يخدم وفى نفس الوقت يمكن أن يكون فى اللاهوت؟ فقد
كُتب عن الملائكة أن ألوف ألوف يخدمون الله (دانيال10: 7). وأيضًا يُقال: ”
باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره… باركوا الرب يا جميع جنوده
خدامه العاملين مرضاته ” (مز20: 102). فإما أنهم أنزلوا الله من عرش لاهوته
وساووه بالملائكة وبالطبع لا يكون متفوقًا عنهم، أو أن مثل هذا النوع من الكلام أو
التفكير هو عبارة عن تجديف فلا يجوز على الحق، حيث إنكم أعطيتم وظيفة لذلك الذى
ليس بمخلوق. كيف إذن ضل أولئك الحكماء والذين عندهم الكتب الإلهية هى أساس للفحص.
فبواسطة حمل الاسم لا يصير جوهر حامله مشابهًا لاسمه. فالذى قاد الشعب إسرائيل بعد
موسى يسمى يشوع، ومعنىهذا الاسم هو “مخلص الشعب “. هذا الاسم لايجعله
مخلصًا ولكنه يخص فقط ربنا يسوع المسيح مخلصنا. فإنه عندما تكلم غبريال المستحق
إلى القديسة العذراء، قال: ” هوذا أنت تحبلين وتسمينه يسوع، لأنه يخلص شعبه
من خطاياه ” (مت21: 1، لو31: 1). فالآن ذلك الذى تقدم إسرائيل بعد موسى يسمى
يشوع، هل تسمى بذلك لأجل خلاص كل العالم؟ بالطبع لا، ولكن فقط ربنا يسوع المسيح
(هو مخلص العالم كله). وأيضًا الاسم إسرائيل معناه ” عقل يرى الله ”
وهكذا يسمى إسرائيل الجسدانى ولا يروا الرب بأعين قلوبهم (إش9: 6، مت14: 13) ولكن
يكرمون عمل يديه كإله وليس كخالقهم. فلماذا إذن يسمون ” عقل يرى الله ”
ولا يرون الله؟ أيضًا نحن نسمى ” آلهة ” و ” أبناء العلى
“(مز6: 81). ولا يطلق علينا آلهة بسبب طبيعتنا ولكن ندعى فقط هكذا لأجل
تكريمنا.

 

6
ويقولون أيضًا عن ملكيصادق: ” بلا أب بلا أم، بلا تدوين لميلاده، ولا بداءة
أيام له ولا نهاية حياة ” (عب3: 7). هذه وأقوال أخرى مشابهة لا تطابق إنسان.
أقول لكم: أكملوا ما قاله بولس لنعرفوا الحق: ” إنه بلا أب بلا أم، بلا تدوين
لميلاده، ولا بداءة ايام له ولا نهاية حياة بل هو مُشبه بابن الله ” (عب3: 7).
لماذا ليس له أب ولا أم إذا كان ينبغى أن يشبه بابن الله؟ فإذًا لو لم يكن للمسيح
ابن الله أب لشابه ملكيصادق، ولكن حسب مفهومنا فإن له أب لأنه وُلد من الله أبيه.
كذلك له أم وميلاده قد دُوِّن لأنه وُلِدَ من العذراء، تلك التى لم تعرف زواج.
وكتب عن ذلك متى: ” أما ولادة يسوع المسيح ” (مت18: 1).

 

7
الآن عندما سنلتقى هنا ثانية سنناقش السؤال ” من يكون ملكيصادق؟ ” فبعد
قليل ستكون العظات أفضل لكى تأتوا كعطشى وترتوا من كلمة الله، ولكى لا أسقيكم أى
إشمئزاز بمادة وفيرة حتى لا يتوقف عقلكم ويكون كلامنا للسمع، فتستمعون إلى ما
ترغبون فى سماعه.

فلترافقنا
نعمة مخلصنا يسوع المسيح الغنية، الذى به ومعه المجد والقوة مع الله الآب والروح
القدس إلى الأبد. آمين.

 

العظة
الثانية

للقديس
كيرلس بطريرك الأسكندرية عن ملكيصادق

أولئك
الذين يهتمون بنعيم هذا العالم وإعتادوا على الثروة وكثرة الغنى، هؤلاء يهتمون
ويفرحون كثيرًا بكثرة أحجارهم الهندية الكريمة والثمينة ويحتفظون بها حيث يغلقون
عليها فى علب الحُلى ويتباهون بأحجارهم الكريمة. أما نحن فإننا روحيًا قد تركنا
الإهتمام بهذا العالم الزائل وكذلك التفاخر بالأشياء غير النافعة ورفعنا فكرنا
(عقلنا) لنشترى اللؤلؤة الثمينة الحقيقية وهى المسيح، لأن المعرفة عن هذه اللؤلؤة
هى حية وأبدية وتعطينا الكرامة. فإننا نذكر فيما كُتب عنه فى الإنجيل وقاله لنا
يسوع: ” يُشبه ملكوت السموات إنسانًا تاجرًا يطلب لآلئ حسنة، فلما وجد لؤلؤة
واحدة كثيرة الثمن مضى وباع كل ما كان له واشتراها ” (مت45: 13). فكما قال،
فإنه ينبغى علينا بعدما بحثنا فى كتابات الآباء القديسين أن نبحث بأنفسنا لكى نجد
هذا الذى وجده الطوباوى والحكيم بولس حيث شرح لنا بكلمات كثيرة: السر الحقيقى
للمسيح. فالآن قد أشار ومَيَّزَ بولس إلى أن ملكيصادق هو على مثال المسيح وفى شكل
كهنوت المسيح (عب3: 7).

 

2
فعندما إلتقينا فى المرة الأولى أخبرتكم كثيرًا عن ملكيصادق حيث استعرضت معكم رأى
الهراطقة الذين يعتقدون أنه لم يكن إنسانًا مثلنا ولكنه الله. الآن أريد أن أوضح
لكم حقيقة من يكون ملكيصادق وأوضح لكم مشابهة مخلصنا يسوع المسيح معه.

 

4
قال بولس بلا شك أريد أن أسبق وأتكلم بما كان يعنيه بولس عندما كتب ذلك وماذا كان
يريد ومن كان يحارب: ” فهو يجعل ملكيصادق كصورة وشبه المسيح “. فبولس
يشير إلى أن كهنوت التوراة الذى يقوم على الدم والبخور كان ضعيفًا وبلا نفع ولم
يكن له أى قوة على الإطلاق لتطهير الخطية. وعلى العكس من ذلك فإن كهنوت المسيح،
حينما يقبله أحد بإيمان صادق، له قوة على التبرير وبحسب جوهره يكون كاملاً. فهو
يسميه على الإطلاق” رئيس كهنة ” ويقول لأولئك الذين يؤمنون به: ”
لاحظوا رسول إعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع حال كونه أمينًا للذى أقامه ”
(عب1: 3). ويقول أيضًا: ” فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد إجتاز السموات يسوع ابن
الله فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثى لضعفاتنا بل مجرب
فى كل شئ مثلنا بلا خطية ” (عب14: 415). تكلم بولس كثيرًا عن ظل الناموس
الموسوى الذى ليس له أى قوة على تطهير الخطية، كما قلنا، لأنه مكتوب: ” لأن
جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت فى
جميع ما هو مكتوب فى كتاب الناموس ليعمل به ” (غلا10: 3، راجع تث26: 27).
ويقول أيضًا: هل الناموس ضد مواعيد الله. حاشا. لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى
لكان بالحقيقية البر بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطى الموعد
من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون ” (غلا21: 322). ويضيف بولس قائلاً: ”
ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا ”
(غلا11: 3،عب4: 2). فعندما عرض بولس هذا التعليم على العبرانيين عارضوه لأنهم
يستندون على ناموس توراة موسى وقالوا له: لايمكن أن يُعطى كهنوت آخر خارج عنهم مثل
ذلك الذى أشير إليه. وبلا شك لا يمكن لأحد أن يكون كاهنًا خارجًا عن أصل لاوى.
ولكنهم لم يعارضوا بولس فقط بل وربنا ومخلصنا يسوع المسيح (أيضًا). فعندما أتى
ربنا يسوع إلى الهيكل وقابل أولئك الذين كانوا يبتاعون أغنامًا وابقارًا وحمامًا،
فأخذ حبالاً وصنع سوطًا وطردهم وقال لهم: ” افعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت
أبى بيت تجارة ” (يو16: 2). وعلى الفور تملك المعلمين والكهنة حنق شديد لأنهم
لم يحتملوا ونهضوا قبالته بكراهية مرة حيث علت اصواتهم بصخب وقالوا: بأى سلطان
تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان؟ لأنه هو الأمر لنا فقط أن نشرف على بيت الرب،
أما أنت فليس لك كهنوت، فلماذا تفعل هذا؟ (راجع يو14: 218). لذلك يشير الحكيم بولس
للعبرانيين لمعارضتهم ومشاجراتهم من كتبهم المقدسة أن ملكيصادق هو صورة ومثال
لكهنوت المسيح، ويجهد نفسه ليوضح لهم أنه بالرغم من أن كهنوت التوراة لم يكن قد
أعلن (ظهر) على الإطلاق لكن بالرغم من ذلك فإن ملكيصادق كان فى ذلك الحين كاهنًا
للرب وبارك إبراهيم وقبل عشوره.

 

4
هيا الآن لنشرح قوله لتفهموا بوضوح ما تبحثون عنه. فنحن نقول عن ملكيصادق إنه كان
إنسانًا حقيقيًا وملك مدينة ساليم وكان كاهنًا لله العلى. فى ذلك الوقت كان أولئك
الذين عبدوا الآلهة الغريبة (راجع مز10: 80) كثيرين وقد حادوا عن الطريق، وكلٍ
عَبَدَ بحسب مفهومه، ولكن وجد أيضًا أولئك الذين عبدوا وآمنوا بالله العلى وانه
خالق وجابل الكون، ذلك العلى سبحوه وإتكلوا عليه. فى ذلك الوقت تقابل ملكيصادق مع
إبراهيم عندما رجع بعدما قتل خمسة ملوك، وباركه وقال له: ” مبارك آبرآم من
الله العلى مالك السموات والأرض ومبارك الله العلى الذى أسلم أعداءاك فى يديك
” (تك19: 14). وبعد أن سمع إبراهيم هذه البركة وعرفه أنه (خادم) وكاهن ليس
لإله غريب ولكن كاهن العلى، فأكرمه وحياه وناوله عشرًا من كل شئ كما هو مكتوب. لكن
أصل ومنشأ جنس لاوى، الذى كان له كهنوت التوراة، هو إبراهيم الذى كَرَّم ملكيصادق
بحسب ناموس ذلك الذى كان ممتازًا (أعلى)، هو بنفسه وأبناء صلبه معًا من بعده.
فبالحكمة يعلم بولس السامعين ليخلصوا ولكى يوضح لهم أن ملكيصادق هو شبه وصورة
لكهنوت المسيح. فالمعنى الأول لمكيصادق هو أنه ” كاهن البر ” و”ملك
مدينة ساليم ” لأنه يملك، لكن ملكيصادق حمل الاسم فقط، أما جوهره فلم يكن مثل
اسمه. أما ربنا ومخلصنا يسوع المسيح فهو كاهن البر الحقيقى وملك السلام. وهذا
السلام أتى إلينا من الله أبيه وأرانا طريق البر بواسطة الإنجيل وصارلنا سلامًا
لأن فيه صار لنا الدخول للآب وحطم حائط السياج المتوسط، ورُفعت أنظمة القانون
الموسوى، وقد تجددنا نحن الشعبين بواسطة إنسان جديد، وسيطنا المسيح، لأنه سلامنا
ورئيس كهنتنا الأعظم الطاهر البار والتقى، الذى بلا عيب ومنفصل عن الخطية صائرًا
أعلى من السموات (أف13: 216).

 

5
” لكن ملكيصادق بلا أب بلا أم ولم يدون ميلاده، لا بداءة أيام له ولا نهاية
حياة ” (عب26: 7)، حيث يقول الهراطقة: إذا كان إنسانًا فلماذا لا يكون له أب
ولا أم ولماذا لم يذكر شئ عن ميلاده ولا بداءة أيام له ولا نهاية حياة؟ من هنا
تريدون أن تسمعوا منى إيضاحًا لكلامه (أى بولس): إن حماة الناموس وكتبة اسباط
إسرائيل للإثنى عشر الذين عُيِّنوا (أُقيموا) من كل سبط، فحصوا بعناية وسجلوا من
وُلد ومتى وُلد ومتى مات. وقد صنعوا ذلك حيث ميزوا الأسباط والعائلات لكى يعرفوا
من ولد من سبط لاوى، وعلى ذلك لم يُعين أحد كاهنًا خارجًا عن لاوى، لأنه بحسب
الشريعة الموسوية لم يكن يسمح لآخر بخدمة الله ككاهن. وحيث إن هذا كان نظامهم، فإن
الحكيم بولس أجهد نفسه ليوضح للإسرائيلين ليفهموا ويشير لهم أن ملكيصادق كان
كاهنًا للرب، فهو لم يُذكر فى سجل ميلاد اللاويين، وانه بالرغم من ناموسهم فإن
ميلاد ملكيصادق لم يسجل، فلا بداية أيام له ولا نهاية لحياته، ولا من ولده، ولا
متى وُلد، ولا متى مات، لأنه لم يكن من بيت إسرائيل؛ لكن بالرغم من ذلك فقد أعطى
إبراهيم العشور لملكيصادق بحسب الشريعة، لأن كهنوته كان أعلا من كهنوت التوراة،
بينما لاوى كان ما يزال فى صلب أبيه عندما تقابل إبراهيم مع ملكيصادق.

 

الآن
يقدم كلامه لكى يعلمنا عن ربنا يسوع المسيح. فهو رئيس كهنة إيماننا وقائدنا إلى
علو أبيه، وهو بنفسه، يسوع، لم يكن من عائلة لاوى ولكن من أصل يهوذا كما قال بولس.
لكن الآن، فكما أن ملكيصادق لم يسجل فى عائلة لاوى، هكذا فإن يسوع لم يُسجل عندهم.
وملكيصادق لم يكن له ذكر فى كتاب عائلة اللاويين، أى بلا أب ولا أم ولا بداءة أيام
ولا نهاية حياة. ومن جهة أخرى فإن كهنوت المسيح لا يزول، وينبغى ان يبارك كهنوت
التوراة ويأخذ منه العشور، لأنه بدون شك الأصغر يُبارك من الأكبر. فإن كان أناس
مائتون الذين هم من عائلة لاوى يأخذون العشور بحسب الناموس الموسوى فكم بالحرى
يمكن أن يأخذ رئيس الكهنة غير المائت، الحي الأزلى، واهب الحياة ورسول إعترافنا،
من كل تقدمة.

 

يتضمن
أيضًا مع كل ما قلناه أن ملكيصادق أخرج خبزًا وخمرًا، كذلك فإن ربنا يسوع المسيح
كَرَّمنا وخلال سر بركته إقتنانا ورفعنا من الموت وخلصنا من الفساد. لقد عرضنا لكم
بكل وضوح وصراحة أن ملكيصادق كان على شكل ومثال كهنوت المسيح.

 

6
لقد اعلن الرب لإبراهيم وللآباء القديسين المنحدرين من إسرائيل قوة السر، فمن
ناحية فقد كَرَّم إبراهيم صورة كهنوت المسيح بواسطة العشور والتقدمة الذى هو
ملكيصادق. أولئك الذين آمنوا به حيث قبلوا المعمودية، لم يرغبوا أن يعترفوا بالسر
العالى، لهذا السبب أشار إليهم بولس عن ملكيصادق. وحيث إنهم لم يعرفوا بر الله،
أرادوا أن يثبتوا رأيهم الخاص ولم يحققوا بر الله، لأن إكتمال التوراة هو يسوع
للبر لمن يؤمن به. لكننا نحن الذين نؤمن به تبررنا على رجاء أننا سنملك مع المسيح،
الذى له المجد والقوة مع الله الآب والروح القدس إلى الأبد. آمين.

 

ملحوظة

إن
حماة الناموس وكتبة اسباط إسرائيل للإثنى عشر الذين عُيِّنوا (أُقيموا) من كل سبط،
فحصوا بعناية وسجلوا من وُلد ومتى وُلد ومتى مات. وقد صنعوا ذلك حيث ميزوا الأسباط
والعائلات لكى يعرفوا من ولد من سبط لاوى، وعلى ذلك لم يُعين أحد كاهنًا خارجًا عن
لاوى، لأنه بحسب الشريعة الموسوية لم يكن يسمح لآخر بخدمة الله ككاهن. وحيث إن هذا
كان نظامهم، فإن الحكيم بولس أجهد نفسه ليوضح للإسرائيلين ليفهموا ويشير لهم أن
ملكيصادق كان كاهنًا للرب، فهو لم يُذكر فى سجل ميلاد اللاويين، وانه بالرغم من
ناموسهم فإن ميلاد ملكيصادق لم يسجل، فلا بداية أيام له ولا نهاية لحياته، ولا من
ولده، ولا متى وُلد، ولا متى مات، لأنه لم يكن من بيت إسرائيل؛ لكن بالرغم من ذلك
فقد أعطى إبراهيم العشور لملكيصادق بحسب الشريعة، لأن كهنوته كان أعلا من كهنوت
التوراة، بينما لاوى كان ما يزال فى صلب أبيه عندما تقابل إبراهيم مع ملكيصادق.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى