علم

المعجزات والإيمان



المعجزات والإيمان

المعجزات
والإيمان عند القديس كيرلس الأسكندرى

جوزيف
موريس فلتس

لقد
أورد القديس لوقا البشير فى إنجيله ابتداء من الإصحاح الرابع عددا من المعجزات
والآيات التى صنعها الطبيب الشافى رب المجد يسوع.

ويمكننا
أن نقسم هذه المعجزات والآيات إلي ثلاثة أقسام:

أ
معجزات شفاء وعددها 15 نوردها حسب الترتيب (يظهر فيها سلطانه على الأمراض والأرواح
الشريرة):

1
شفاء رجل به شيطان في كفر ناحوم لو 4: 31

2
شفاء حماة سمعان مع جميع المرضى لو 4: 38

3
تطهير الأبرص لو 5: 12

4
شفاء المفلوج لو 5: 18

5
شفاء رجل يده يابسة في السبت لو 6: 6

6
شفاء عبد قائد المئة لو 7: 2

7
إخراج لجئون من إنسان مجنون لو8: 26

8
شفاء نازفة الدم لو 8: 43

9
شفاء الولد المصروع لو 9: 37

10
شفاء مجنون أعمى أخرس لو 11: 14

11
شفاء المرأة المنحنية الظهر لو 13: 11

12
شفاء المصاب بالاستسقاء لو2: 14

13
تطهير العشرة البرص لو12: 17

14
شفاء (بارتيماوس) الأعمى لو35: 18

15
شفاء أذن عبد رئيس الكهنة (ملخوس) لو 22: 51

 

ب
– إقامة أموات (يظهر فيها غلبته على الموت):

1
إقامة ابن أرملة نايين لو 11: 7

2
إقامة ابنة يايرس لو 8: 55

ج
– آيات وعجائب (تظهر فيها سلطانه علي الطبيعة):

1
صيد السمك الكثير لو 5

2
انتهار الريح لو 8

3
إشباع الجموع لو 9

 

وقد
انفرد القديس لوقا بذكر ستة من هذه المعجزات لم ترد في باقي الأناجيل وهي:

1
معجزة صيد السمك على بحيرة جنيسارت.

2
شفاء ابن أرملة نايين.

3
تطهير العشرة البرص.

4
المرأة المنحنية الظهر.

5
المصاب بالاستسقاء.

6
شفاء أذن ملخوس.

وربما
أعطته مهنة الطب التى كان يحترفها(كو4: 14) إمكانية تسجيل معجزات شفاء أكثر من
باقي الإنجيليين.

 

أسباب
إجراء معجزات الشفاء:

وفي
عظاته علي إنجيل لوقا فسر لنا القديس كيرلس المعجزات التى صنعها السيد المسيح
شفاؤنا، حسب ورودها فى الإنجيل موضحا أولا السبب الذى من أجله أجرى السيد الرب
معجزاته، فيقول فى تعليقه على معجزة شفاء رجل به شيطان فى كفر ناحوم[1]، وهى أول
المعجزات التى يذكرها لوقا فى إنجيله:

 

[أولئك
الذين لا يستطيع الجدل أن يجتذبهم إلى المعرفة اليقينية، لذلك الذى هو إله ورب بالطبيعة
والحق،ربما يربحون بواسطة المعجزات إلى الطاعة والإذعان، ولذلك كان من النافع أو
الضرورى فى أحيان كثيرة أن يكمل تعاليمه بإجراء بعض المعجزات][2]،

 

وهو
يؤكد على دور المعجزة فى العمل الخلاصى الذى جاء المسيح ليتممه فى من يؤمن به،
فيقول فى موضع آخر [لأن المعجزة تقود إلى الإيمان][3].

 

وبينما
تقود المعجزة إلى الإيمان حسب ما يوضح القديس كيرلس، إلا إنه من ناحية أخرى فإن
الشخص الذى يؤمن بالمسيح الشافى وإيمانه هذا يمهد للمعجزة، فإن المعجزة نفسها تعضد
إيمانه هذا، وذلك هو ما يعود القديس كيرلس نفسه إلى ذكره.

 

وأول
معجزة من هذا النوع هى معجزة تطهير الأبرص الذى خر على وجهه عندما رأى يسوع، وطلب
إليه قائلا: يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرنى. فمد يده ولمسه قائلا: أريد فأطهر
وللوقت ذهب عنه البرص”[4]؛ فيقول [إيمان الرجل الذى اقترب من يسوع يستحق كل
مديح لأنه يشهد بإيمانه أن عمانوئيل يستطيع أن يتمم كل الأشياء بنجاح.][5] وهنا
يضع القديس كيرلس على لسان الأبرص مضمونا لإيمانه بشخص يسوع المسيح، وما يستطيع أن
يفعله كإله فيقول [ إنى أرى الشياطين النجسة تُطرد بسلطان إلهى، وأرى آخرين
يُطلقون أحرارًا من أمراضهم، وأدرك أن مثل هذه الأشياء تتم بقوة إلهية لا تقهر،
وإنى أرى أنه صالح ومستعد تماما أن يعطف على أولئك الذين يأتون إليه؛ لذلك فما
الذى يمنع أن يشفق علىَّ أنا أيضا؟ ] وأمام هذا الإيمان العظيم كان لابد للسيد
المسيح أن [يدعم إيمانه ويعطيه تأكيدًا لإيمانه ويقبل طلبه قائلا “أريد
فأطهر” كما يمنحه أيضا لمسة يده القدوسة والكلية القدرة، وفى الحال تركه
البرص وانتهت معاناته.][6].

 

العطية
الجديدة:

غير
أن السيد المسيح لم يكتف أن يصنع بنفسه فقط معجزات بل أعطى أيضا هذه الإمكانية
لتلاميذه الاثنى عشر، عندما دعاهم وأرسلهم للكرازة بملكوت السموات: [ودعا تلاميذه
الاثنى عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء أمراض، وأرسلهم ليكرزوا
بملكوت السموات ويشفوا المرضى][7] ويسمى القديس كيرلس هذه الإمكانية التى منحها
الرب لتلاميذه ” بالموهبة”[8] وأيضًا “بالعطية الجديدة”[9]وكل
هذا يمنحه المسيح [لأولئك الذين يريدون أن يحيوا حياة نقية وغير ملوثة على قدر ما
هو ممكن للناس][10].

 

المعجزات
والعمل الكرازى:

وكما
كانت المعجزة ضرورية ونافعة فى أحيان كثيرة ليكمل المسيح تعاليمه، فقد كانت أيضا
ضرورية بالنسبة للتلاميذ والرسل [ومن الضرورى وقد أقيموا علانية خداما للبشارة
المقدسة أن يكون لهم القدرة على عمل المعجزات][11]. وكما كان هدف هذه المعجزات
التى أجراها السيد المسيح أن يؤمن الناس به، هكذا كان أيضا هدف التلاميذ أنه
[بواسطة ما يعملونه، يقنعون الناس أنهم خدام الله ووسطاء لكل الذين تحت السماء،
داعين إياهم جميعا إلى المصالحة والتبرير بالإيمان ][12]. ويعود فيكرر بالنسبة
للرسل ما قد ذكره فى العظة 12 عن السبب الذى دعا السيد المسيح أن يجرى معجزاته،
ولكن بإسهاب أكثر فيقول: [لأن الأتقياء والأذكياء يحتاجون عموما إلى التفكير فقط
لكى يجعلهم يدركون الحق، أما أولئك الذين انحرفوا بدون ضابط إلى العصيان، فهم غير
مستعدين أن يقبلوا الكلام الصحيح من ذلك الذي يسعى أن يربحهم لأجل منفعتهم
الحقيقية؛ مثل هؤلاء يحتاجون للمعجزات وعمل الآيات][13] والقديس كيرلس يؤكد على
النتائج الإيجابية للعمل الكرازى الذى دُعم بعمل المعجزات؛ فيقول [إن كرازة الرسل
قد ازدهرت بهذه الطريقة فبطرس ويوحنا مثلا أنقذوا الرجل الأعرج الذى كان يجلس عند
باب الهيكل الجميل من مرضه. فدخل الهيكل معهما وقدم شهادة للعمل العظيم الذى حدث
معه، وتكلما بكل جرأة عن السيد المسيح مخلصنا جميعا.][14].

 

إن
عمل المعجزة ليس هو هدفُا فى حد ذاته، إن هدفها الأساسى هو إعلان سر الخلاص
للمسكونة كلها، هكذا يركز القديس كيرلس معلقًا على إرسالية السيد المسيح لتلاميذه
فيقول [إن السيد المسيح إذ وشح أولاً الرسل القديسين بقوات عظيمة هكذا، فإنه
يدعوهم بعد ذلك أن ينطلقوا بسرعة ويبدأوا عملهم فى إعلان سره إلى سكان الأرض كلها.][15]

 

المعجزة
كثمرة للتجسد:

يشرح
القديس كيرلس بنجاح كبير العلاقة بين سر التجسد والسلطان والقوة على الأرواح
الشريرة وعلى الأمراض، المُعْطَى للتلاميذ. ولكى يعطى نفسه مجالا أوسع للاستفاضة
فى هذا الأمر، نجده يتساءل [من أين هبطت هذه النعمة الشهيرة جدًا والممتازة جدًا
على جنس البشر][16]. وفى عبارات دقيقة يجيب [إن كلمة الله الوحيد قد توَّج الطبيعة
البشرية بهذا الشرف العظيم بواسطة تجسده، متخذا شكلنا. وهكذا بدون أن يفقد شيئًا
من أمجاد جلاله – إذ أنه عمل أعمالاً تليق بالله، رغم أنه كما قلنا، قد صار مثلنا
من لحم ودم – قد سحق قوة الشيطان بكلمته كلية القدرة. وبانتهاره للأرواح الشريرة،
فإن سكان الأرض أيضا صاروا قادرين على أن ينتهروهم.][17]

 

وفى
ربطه بين القوة التى أُعطيت للبشرية على إخراج الشياطين وسر التجسد، فإن القديس
كيرلس يرتكز على الاعتقاد بأن إخراج الشياطين مرتبط بمجىء المسيا. الأمر الذى دعى
الرب نفسه يجيب أن اليهود الذين اتهموه بأنه ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرج
الشياطين، فيقول لهم [إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت
الله] لهذا يعلق القديس كيرلس على رد الرب يسوع هذا قائلا [ لأنه إذ هو ابن الآب
الوحيد وهو الكلمة، فقد كان ولا يزال كلِّى القدرة وليس هناك شئ غير مستطاع لديه.
ولكن، إذ قد انتهر الأرواح الشريرة حينما صار إنسانًا، فإن الطبيعة البشرية صارت
ظافرةً فيه ومكللةً بمجد إلهى، لأنها صارت قادرة على انتهار الأرواح الشريرة بقوة.][18].

 

وبصفة
عامة، فإن انهزام مملكة الشيطان هو دليل على تبعيتنا لمملكة الله، ولأن مجد الله
هو خلاص الإنسان فإن قدرته للقضاء على قوة الشيطان الذى كان يأسر الإنسان[19]، هى
استعلان كامل لعظمة الله وألوهيته وهذا ما يؤكده القديس كيرلس قائلا [ فبطرد
المسيح للشياطين، قد أقبل علينا ملكوت الله، لأنه يمكننا أن نؤكد أن القدرة على
سحق الشيطان رغم مقاومته، هى كمال الجلال الإلهى.][20] وفى عظة 21 يوضح هذا المعنى
عندما يعلق على ما جاء فى إنجيل متى [أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوى وينهب
أمتعته إن لم يربط القوى أولا، وحينئذ ينهب بيته؟” (مت29: 12). فالمقصود ببيت
القوى أى الشيطان هو بلدته على الأرض.. لذلك فكلمة الله الوحيد دخل عند تجسده إلى
بيت القوى، أى إلى هذا العالم، وهكذا نهب أمتعته.].

 

موهبة
عمل المعجزات وألوهية السيد المسيح:

يرى
القديس كيرلس فى العطية الجديدة التى منحها السيد المسيح لتلاميذه كما يذكر إنجيل
لوقا “أنه أعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين وشفاء الأمراض “[21]
بُعدًا خرستولوجيًا، وذلك لأن الذى يستطيع أن يعطى سلطانا على الأرواح النجسة لكل
من يريد، لابد وأنه يملك هذا السلطان فى طبيعته، وبالتالى هو وحده الذى يقرر [أن
يتمكن أحد الناس بحسب مسرة الله الصالحة – أن يعمل معجزات إلهية][22]، وذلك لأن
[المسيح يمنح هذه القدرات لكونه الله وذلك من ملئه الخاص لأنه هو نفسه رب المجد
ورب القوات.][23]

 

إن
من تُمنح له مثل هذه النعمة أو هذه العطية الجديدة لا يستطيع أن يمنحها للآخرين،
لأنه لا يملكها جوهريا وذلك لأن [جلال ومجد الطبيعة الفائقة لا يوجدان جوهريا فى
أى كائن من الكائنات سوى فى تلك الطبيعة الفائقة][24]

 

===

[1]
لو 4: 31.

[2]
تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس: ترجمة ونشر مركز دراسات الآباء، القاهرة 1990 ج1،
العظة 12 ص102: وأيضا في تعليقه على معجزة صيد السمك الكثير يقول” وأرجو أن
يلاحظوا أن الرب لم يكرز فقط، بل يجرى آيات أيضا، معطيا بذلك أدله على قوته مثبتا
بكلامه بعمل المعجزات” المرجع السابق ص112.

[3]
المرجع السابق ج2 القاهرة 1992 ص56 ويكرر القديس كيرلس ذلك المعنى مرة أخرى فى عظة
23 فيوضح أن السيد المسيح “كان تعليمه عن أشياء سامية للعقل وما يجعل طريق
الخلاص الذي انفتح بواسطته واضحًا لسامعيه، وفى الحال بعد تعليمه أظهر قوته
الإلهية بعد أن مهد بالكلمات الطريق إلى الإيمان. لأن المعجزة أحيانا تحول إلى
الإيمان أولئك الذين لم يؤمنوا بالكلمة. عظة23 ج1 ص143.

[4]
لو 5: 12 – 13.

[5]
المرجع السابق: عظه 12 على الإصحاح الخامس ج1 ص 114.

[6]
المرجع السابق: عظه 12 على الإصحاح الخامس ج1 ص115.

[7]
لو 9: 1.

[8]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص12.

[9]
المرجع السابق.

[10]
المرجع السابق.

[11]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص15-16.

[12]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص16.

[13]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص16. وأيضا يعود القديس كيرلس فيكرر أن معجزات إخراج
الشياطين كانت ضرورية فى خدمة الرسل فيكتب [أن السلطان الذى حمله التلاميذ
لينتهروا الأرواح الشرير هو القوة لسحق الشيطان، لم تعط لهم لكى ينظر الناس إليهم
بإعجاب بل لكى يتمجد المسيح بواسطتهم]عظه 64 ج2 ص126 أما الهدف من ذلك فيوضحه الأب
المعلم قائلا [لكى يؤمن أولئك الذين يعلمونهم أنه هو بالطبيعة الله وابن الله،
ولكى يكرم بالمجد العظيم والعلو والقوه لكونه استطاع أن يمنح الرسل القوه ليطأوا
الشيطان تحت أقدامهم.] المرجع السابق: عظه 64 ج2 ص126.

[14]
المرجع السابق: عظة 47 ج2 ص16.

[15]
المرجع السابق: عظة 47 ج2 ص17.

[16]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص14.

[17]
المرجع السابق: عظه 47 ج2 ص14.

[18]
المرجع السابق: عظه 47 تفسير إنجيل لوقا ج2 ص15.

[19]
قال الشيطان: “إنى سأمسك كل العالم فى يدى كعش وسأجمعه كبيض مهجور وليس هناك
أحد يهرب منى أو يتكلم ضدى” (إش14: 10س) المرجع السابق ص14.

[20]
المرجع السابق: عظة 47 ج2 ص15.

[21]
لو 9: 1.

[22]
المرجع السابق: عظة 47 ج2 ص13.

[23]
المرجع السابق.

[24]
المرجع السابق.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى