علم

الباب الثاني – الأعمال المنسوبة للقدّيس إكليمنضس الروماني



الباب الثاني – الأعمال المنسوبة للقدّيس إكليمنضس الروماني

الباب
الثاني – الأعمال المنسوبة للقدّيس إكليمنضس الروماني

رسالة
إكليمنضس المسمّاة بالثانية

The So-Called Second Epistle of
CLEMENT

ورد
هذا العمل جنبًا إلى جنب مع الرسالة الأصيلة التي للقدّيس إكليمنضس الروماني في
المخطوطات الثلاث الأولى السابق ذكرها: المخطوط الإسكندري (
A)
والقسطنطيني (
C) والسرياني (S).

هذا
العمل ليس هو رسالة بل عظة يشهد بذلك تكوينها الأدبي وطابعها ونغمتها الوعظية (فصل
١٧، ١٩، ٢٠)، قرأت بواسطة واضعها أثناء
العبادة العامة بعد تلاوة فصل من الكتاب المقدّس (فصل ١٩).

وبالرغم
من أن واضعها ليس إكليمنضس الروماني، وهي أقل بكثير من الرسالة الأصيلة في
محتوياتها وطابعها، وتاريخها متأخّر بالنسبة لها، مع ذلك فلها أهميّتةا الكبرى
بالنسبة لنا، إذ تكشف لنا عن الكرازة في الكنيسة الأولى، بكونها أول عظة مسيحيّة
وصلت إلينا حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

يقول
الأسقف[1]
Lightfoot: “إن كانت الرسالة الأولى لإكليمنضس هي إول عمل يكشف لنا عن
الليتورچيّا المسيحيّة، فإن المسمّاة بالرسالة الثانية هي أول مثل للعظة
المسيحيّة.

واضعها

يعتبر
يوسابيوس المؤرخ الكنسي هو أول من تكلّم عن هذه الرسالة، غير أنّه لم يعتبرها
لإكليمنضس أسقف روما.

وجاء
في كتاب “مشاهير الآباء” للقدّيس إيرونيموس في الفصل الخاص بإكليمنضس:
“توجد رسالة أخرى تحت اسمه رفضها الكتّاب الأوّلون”.

ولم
يعرف الآباء مثل إيريناؤس وإكليمنضس الإسكندري وأوريجين لإكليمنضس ألاّ
رسالة واحدة.

على
أي الأحوال لا نستطيع أن نخرج برأي قاطع عن واضع هذا العمل، من واقع كتابات الآباء
الأوّلين، أمّا الدارسون المحدثون فقد انقسموا إلى عدة نظريّات ومجموعة من الآراء،
كل يدافع عن نظريّته أو رأيه أهم هذه النظريّات:

1.           
انها من أصل كورنثي

نادى
بها الأسقف
Lightfoot و Funk و Kruger، فقال الأوّل أنها عظة ألقاها أحد رجال الإكليرس – غالبًا ما يكون
الأسقف – بكورنثوس في الفترة ما بين ١٢٠ و
١٤٠م.

ويدلّل
أصحاب هذه النظريّة على ذلك بالبراهين التالية:

‌أ.     
في الفصل السابع من العظة يقارن الكارز أو
الواعظ بين الحياة المسيحيّة والألعاب اليونانيّة، مشيرًا إلى المصارعين وهم
“يجوبون البحر” للاشتراك في المصارعات ونوال المكافأة. وكأن الكارز قد
انشغل ذهنه بتلك الجموع الغفيرة التي تصل إلى كورنثوس من بقاعٍ كثيرة، خصيصًا
للاشتراك في الألعاب الكورنثية
Isthmian Games.

‌ب.          
ان نسب هذه الرسالة إلى القدّيس إكليمنضس
الروماني وارتباطها بالرسالة الأصليّة لا يمكن أن يكون ألاّ في كورنثوس.

فقد
كان موضوع الرسالة نستبها لإكليمنضس لغزًا يرجع إلى أيّام يوسابيوس للمؤرخ، الذي
أشار إلى ذلك معلنًا أنها ليست عملاً أصيلاً له، ولا قبلها الكتاب الأوّلون[2].
وجاء القدّيس چيروم يقول نفس الشيء، ومع هذا فقد احتلّت هذه العظة مع الرسالة الأصيلة
مركزًا هامًا في الكنيسة الأولى، فجاءنا كملحق للعهد الجديد في المخطوط الإسكندري
للكتاب المقدّس (القرن الخامس)، كما وردتا في المخطوط السرياني ما بين رسائل بولس
والكاثوليكون. بل وجاءنا في القوانين الرسوليّة[3]
كجزء من أسفار العهد الجديد. ويُعتبر القدّيس ساويرس أسقف أنطاكيّة (القرن السادس)
هو أول من كشف بوضوح عن غاية هذا العمل وقنّنه كما ينبغي مع أنّه قبله بقرن واحد
كان العمّال غالبًا ما يُنسب إلى[4]
Psuedo-Justin

على
أي الأحوال لابد أن تكون هذه العظة قد نسخت مع الرسالة الأصليه لإكليمنضس مع
الأسفار القانونيّة في منتصف القرن الثاني قبل عام ١٨٠م حيث
استقرّت الكنيسة شرقًا وغربًا على تحديد الأسفار القانونيّة منها من نسخ أي كتاب
دخيل مع الأسفار الخمسة. هذا – في رأي أصحاب هذه النظريّة – لا يمكن أن يكون قد
حدث ألاّ في كورنثوس، وذلك حيث كانت الرسالة الأصيلة تقرأ في الكنيسة أثناء
العبادة العامة أيّام الآحاد من وقتٍ لآخر، فنسخت هذه العظة دون ذكر واضعها مع
الرسالة الأصيلة في كتاب “القراءات الكنسيّة”، الأمر الذي أدى إلى حدوث
لبس في واضعها، ونسبة ا لإثنين كرسالتين لإكليمنضس.

2.           
إسكندرانيّة الأصل

بعدما
نسبها
Hilgenfeld إلى سوتيروس أسقف روما (١٦٦– ٧٥م)
عاد عام ١٨٧٦م ينسبها إلى إكليمنضس في صباه أثناء تغرّبه
في كورنثوس.

وقد
وجد هذا الرأي هجومًا عنيفًا من الدارسين نلخصه في الآتي:

‌أ.              
يقول[5] M.B. Riddle أن مستوى الآباء الإسكندريّين يفوق بمراحل هذا المستوى الهزيل.

‌ب.          
استخدّام العظة بعض مقتطفات من “إنجيل
المصريّين” يؤكد أن الواضع ليس إكليمنضس الإسكندري، لأنه رفض هذا السفر
المزور.

‌ج.    
تحمل هذه العظة شهادة داخليّة أنها من وضع النصف
الأول من القرن الثاني، فلا يكون إكليمنضس الإسكندري (أواخر القرن الثاني) واضعها.

على
أي الأحوال إن كان نسبتها لإكليمنضس الإسكندري وجد معارضة قويّة، لكن هذا لا يضعف
من النظريّة القائلة بانها إسكندرانيّة الأهل، فقد يكون واضعها أسقف آخر أو أحد
رجال الإكليروس من الإسكندريّة.

يقول[6]
Cyril C. Richardson “بينما اختلف الدارسون اختلافًا بيّنًا عن موضع أصلها، فإن هناك
عدد من الدلائل تشير إلى أن مصر هي أصلها… فالإسكندريّة هي المكان الوحيد الذي
يتناسب حقًا مع سجة العظة ونغمتها. هذا ما أدركه[7]
Vernon Barlet وتوصّل إليه مبكّرا منذ عام ١٩٠٦م. نفس
النتيجة توصل إليها [8]
Strecter بعده بعشرين عامًا في عمله المستقل عنه تمامًا”.

أما
أهم الدلائل التي اعتمد عليها هؤلاء الدارسون وغيروهم لتأكيد نظريّتهم فهي:

ا.
أن ما نادى به أصحاب النظريّة الأولى بأن ما حدث من ارتباك بخصوص نسبة العظة
لإكليمنضس الروماني لا يمكن أن يكون قد حدث ألاّ في كورنثوس، هذا الأمر غير صحيح،
وإنّما – حسب رأي أصحاب النظريّة الثانية – يمكن أن يكون هذا قد حدث في
الإسكندريّة. لأن كورنثوس لم تكن المكان الوحيد الذي فيه تُقرأ الرسالة الأصيلة
لإكليمنضس أثناء العبادة، فكما سبق أن رأينا أن إكليمنضس الإسكندري قد أشار إلى
قراءتها في كنيسة الإسكندريّة. أكثر من هذه نجده يقتطف بعض عبارات منها بكونها
عملاً رسوليًا[9]. فيمكن
القول أيضًا أن هذه العظة أُلقيت في مدينة الإسكندريّة من أحد رجال إكليروسها،
ونسخت في كتاب القراءات الكنسيّة مع الرسالة الأصيلة لإكليمنضس لتُقرأ الإثنتان
معًا. فحدث لبس مع الأولى وحُسبت رسالة ثانية لإكليمنضس الروماني.

ب.
إن كان أصحاب النظريّة الأولى قد اعتمدوا في حججهم على أن واضع العظة قد انشغل
ذهنه بجمهور المصارعين القادمين بحرًا إلى كورنثوس يمارسون الألعاب الكورنثيّة،
فإن شهرة هذه الألعاب لا تقف عند كورنثوس بل عبرت إلى بقاعٍ كثيرة هذا وان
الإسكندريّة أيضًا كانت لها شهرتها في الألعاب والمصارعات التي قدّم إليها
الكثيرون من الخارج.

ا.
ظهر في العظة آثار غنوسيّة خفيّة… وكنيسة الإسكندريّة تُعتبر المصدر الأول للفكر
لغنوسي.

ب.
ما ورد في الفصل ١٤ عن وجود الكنيسة السابق، وهي تحمل أثرًا
أفلاطونيًا قويًا يكشف عن أصالتها الإسكندرانيّة.

ج.
يعتمد الكارز على بعض فقرات من إنجيل أبو كريفا، يحمل آثارًا غنوسيّة[10]،
هو “إنجيل المصريّين”. هذا الإنجيل المزوّر إن كان قد رفضه إكليمنضس
الإسكندري، لكن الكارز اقتبس بعض مقتطفات عنه.

3.           
رومانيّة الأصل

نادى
Berynnious مكتشف المخطوط C، Sprizel أن كاتب الرسالة هو إكليمنضس الروماني، لكن هذا العمل يحمل في
داخله شهادة ضدّ هذا الرأي.

ورأينا
Hilgenfeld ينادي بأن واضعها هو سوتيروس أسقف روما
(١٦٥–١٧٣)، لكنّه عاد فعدل عن هذا الرأي[11].
وقد بذل
Harnack جهده في تأكيد أصلها الروماني[12].

وقد
ذلك أصحاب هذه النظريّة بالآتي:

ا.
الاستخدّام الغريب لرؤيا مفقودة، ربّما تكون رؤية
Modat،
Fdad المشار إليها في هرماس (رؤ٢: ٣-٤) بواسطة كل من
إكليمنضس الروماني وهذه العظة. هذه الرؤيا لابد أن تكون رومانيّة استخدمت في كلي
العملين.

ب.
تشابه هذا العمل في تركيزه على التوبة ونهاية العالم، مع كتاب “الراعى”
الروماني.

لكن
هذه النظريّة وجدت اعتراصات قويّة:

ا.
يقول
Quaston وغيره من الدارسين أن هذا العمل لا يحمل أي سمة من سمات الرسالة
بل هو عظة، فلا تكون رسالة سوتير الروماني إلى كنيسة كورنثوس كما يدَّعي أصحاب هذه
النظريّة.

ب.
في نغمتها وفكرها وتقليدها لا تحمل طابع كنيسة روما في ذلك الحين.

ج.
تشابهها مع كتاب هرماس ليس مقنعًا.

د.
كون هذه العظة تستخدم رؤيا مفقودة استخدمت في كتاب روماني “الراعي”
لهرماس لا يعني أن الرؤيا وجدت في روما وحدها في ذلك الحين.

ا.
هيبوليتس الروماني الذي احتضن التقليد الروماني المسيحي، والذي عاش في وقت مقارب
لسوتيروس أسقف روما أوضع أن “إنجيل المصريّين” مزور[13]
فإن كانت العظة لسوتيروس، كيف يقتطف من هذا الإنجيل المرفوض؟!

نخلص
من هذا كلّه إنّه وإن كان إلى يومنا هذا لم يستقر الدارسون على أصل العظة وواضعها،
لكن الدلائل تشير بالأكثر إلى أنها إسكندرانيّة الأصل.

ملامح
العظه ومحتوياتها

1.     يقول[14]
Richadson “تجد في هذه الوثيقة أقدّم عظة مسيحيّة محفوظة، تبدو من نتاج
كنيسة الإسكندريّة قبل منتصف القرن الثاني. لها أهميّتةا إذ تشير إلى استخدّام
إنجيل مزور، كشهادة لبعض الآثار الغنوسيّة، وفي نفس الوقت في أساسها تهاجم الأفكار
الغنوسيّة؛ كما تقدّم وجهة النظر تجاه الكنيسة بكونها استمرارًا
“للتجسّد”.

2.    
تكشف لنا في بساطة عن الإيمان العملي، فتركّز
على طاعة وصايا السيّد المسيح واحتقار شهوات العالم من أجل بلوغنا الحياة
الأبديّة. تحدّث في وضوح عن فاعليّة الأعمال الصالحة في الخلاص. فالعطاء هو علامة
التوبة الحقة الصادقّة[15]، وهو أهم
من الصوم، والصوم أفضل من الصلاة… إنّه يدعو للحب العملي.

3.           
من جهة السيّد المسيح Christology فقد تحدّثت عنه بكونه الديّان للأحياء والأموات، نمجده لا
بالكلام، إنّما عمليًا بطاعة وصاياه.

تحدّثت
في عبارات واضحة عن لاهوته وناسوته[16]، وما
احتمله من آلام لأجل خلاصنا، من خلاله يُعلن الآب لنا الحق والحياة الأبديّة[17].

4.     الإككسيولوچي
Ecclesiology تحدّث الكاتب عن الكنيسة أنها سابقة الوجود، لكنّها كانت غير
منظورة روحيّة وعاقرًا، والآن بتجسّد السيّد المسيح صارت جسده وعروسه في نفس
الوقت، وأُعطينا نحن كأولاد لها[18].

لأول
مرّة يشار عنها كأم، وإن كان لم يستخدم نفس التعبير “أم” لكنّه قدّم
المعنى، معلنًا أنها صارت خصبة الأولاد[19].

5.           
العماد: دعاه واضع هذا العمل ختمًا Sphragis، يلزم حفظه غير منثلم[20].

6.     التوبة:
جاء في الجزء الأخير من العظة شهادة حيّة ومباشرة عن التوبة عن الخطايا التي
يرتكبها المؤمن بعد عماده… أنها تدعو إلى التوبة المستمرّة.

7.     أخيرًا
نقول أنها وعظيّة في بنيانها ونغمتها، تكشف عن شخصيّة الكارز بها، إنّه ملمّ
بالعهد الجديد إلمامًا تامًا، أرثوذكسي المعتقد، يحمل روح الكرازة المتّقدة غيرةً
وشوقًا نحو الدخول بالكل إلى الحياة الفاضلة في طاعة المسيح، ونصرة الإيمان العملي
الغالب، لا يتكلّم في بلاغة أو فصاحة لغة، إنّما في بساطة ووضوح، في غير غموض ولا
تنميق يُعلن غاية حديثه، وهي:

ا.
الحياة المقدّسة في المسيح يسوع.

ب.
الثبات في الاضطهاد.

ج.
التوبة المستمرّة من أجل الدينونة العتيدة.

النصوص
التقليديّة

تعرّف
الباحثون على إثني عشر فصلاً من هذه العظة بتعرّفهم على المخطوط الإسكندري
A،
أمّا النص اليوناني الكامل (٢٠ فصلاً) فيرجع إلى المخطوط القسطنطيني
C
الذي اكتشفه
Brynnious عام ١٨٧٥م وقام بنشره.

ظهور
هذا المخطوط أدّى إلى مراجعة كثير من الأعمال الخاصة بالعظة وظهور الكثير من
الدراسات الخاصة بها.

وفي
عام ١٨٧٦م إذ اكتشف المخطوط السرياني
S
والذي يشمل نصًا كاملاً للرسالة، لم يكن له أثر على هذه الدراسات اللهمّ ألاّ
تقديم مادة خصبة للدراسات النقديّة في هذه العظة.

ويرى[21]
Prof. Riddle في مقارنته بين المخطوطات الثلاث:

1.           
أن المخطوط َA في
الأجزاء التي يحويها أكثر المخطوطات جدارة الثقة وأن النص
S
عادة أكثر دقّة من
C.

2.           
تظهر أهميّة المخطوط S
الكبرى في تصحيح بعض التخبطات الواضحة في النص اليوناني.

 

نص الرسالة (أو العظة)[22]

١

لا
تستهن بالخلاص
[23]!

1.           
يا أيّها الاخوة يليق بنا أن ننظر إلى يسوع
المسيح كما لله، بكونه “ديّان الأحياء والأموات[24]“؛
فلا نستهين بخلاصنا.

2.     لإنّنا
إن استخففنا به لا نترجّى أن ننال ما هو قليل، فالذين ينصتون إلى هذه الأمور في
استهتار كأنّها أمور ليست ذي شأن يخطئون، غير عالمين من أيّة حال نحن دُعينا؟ ومن
الذي دعانا؟ وإلى ماذا دعانا؟ وكم الآن الآلام احتملها يسوع المسيح من أجلنا؟

3.           
ماذا إذن نرد له؟

أو
أي ثمر يلزمنا أن نقدّمه مقابل عطيّته لنا؟!

حقًا
ما أعظم المقدّسات التي نحن مدينون له بها؟

4.           
فقد أنعم علينا بالنور،

وكأب
دعانا أولادًا،

وإذا
أوشكنا على الهلاك خلصنا!

5.           
أي حمد نقدّمه له؟

أو
ماذا نرد له عما تقبّلناه؟

6.     لقد
كنّا عاجزين عن الفهم، نعبد الحجارة والخشب، والذهب والفضة والنحاس، وصنعة أيدي
البشر[25]. لم تكن
حياتنا ألاّ موتًا. اكتنفنا العمى، وغطت ظلمة كهذه على بصيرتنا، فتقبّلنا البصيرة
وبإرادته ألقينا السحابة التي غشت علينا.

7.           
لقد تلطّف بنا وبرحمته خلصنا.

إذ
تطلّع إلى الأخطاء الكثيرة التي سقطنا فيها والهلاك الذي أحدق بنا، وأنّه لم يعد
لنا بعد رجاء في الخلاص إن لم يأت إلينا من عنده.

8.           
دعانا حيث لم نكن[26]،
وأرادنا أن نوجد من العدم.

٢

الخلاص
مقدّم للخطاة

1.           
“افرحي أيّتها العاقر التي لم تلد، اهتفي
واصرخي أيّتها التي لم تتمخض فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج[27]“.

في
قوله: “افرحي أيّتها العاقر التي لم تلد” يُشير إلينا إذ كانت كنيسته
عاقرًا قبل أن يُعطي لها أولادًا.

2.     أما
قوله: “اصرخي أيّتها التي لم تتمخّض” فيقصد به أن نقدّم صلواتنا لله في
إخلاص، لا في علامات ضعف كالنساء أثناء تمخّضهنّ[28].

3.     يقول:
“فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج”، لأن شعبنا الذي بدأ كأنه
منبوذ من الله، صار الآن بالإيمان أكثر عددًا من الذين يحسبون أنّهم يملكون الله[29].

4.           
جاء في سفرٍ آخر: “لم آتِ لأدعو أبرارًا بل
خطاة[30]“.

5.           
هذا معناه: ينبغي أن يخلص الهالكون!

6.           
نعم، إنّه لأمر عظيم وعجيب أن يؤسّس الأشياء
الساقطة لا القائمة.

7.           
هكذا أراد المسيح أن يخلّص ما قد هلك، وينقذ
كثيرين بمجيئه ودعوته لنا نحن الذين كنّا هالكين.

٣

لنعترف
للمخلص بأعمالنا

1.           
لقد حمل لنا حنوًا عظيمًا هكذا. أولاً أعطانا
نحن الأحياء ألاّ نقدّم ذبائح ميّتة ولا نتعبد لها، وإنّما به نبلغ إلى معرفة أب
الحق.

ما
هي المعرفة في الحقيقة ألاّ عدم إنكارنا ذاك الذي من خلاله نبلغ إلى المعرفة؟

2.           
فإنه هو بنفسه يُعلن[31]:
“من يعترف بي قدّام الناس اعترف أنا أيضًا به قدّام أبي”.

3.           
إذن هذه هي مكافأتنا إن اعترفنا به من خلال ذاك
الذي به نخلص.

4.           
ولكن كيف نعترف به؟

بالعمل
حسب قوله، وعدم عصيإنّنا وصاياه؛

بتكريمنا
له لا بشفاهنا فحسب بل وبكل قلوبنا وذهننا[32].

5.           
إذ يقول في إشعياء[33]:
“هذا الشعب يكرمني بشفتيه، وأمّا قلبه فمبتعد عنّي”.

٤

1.           
إذن ليتنا لا نقف عند مجرّد دعوته “يا
رب”، فإن هذا لا يخلّصنا.

2.           
إذ يقول[34]:
“ليس كل من يقول لي يارب يارب يخلص بل الذي يفعل البرّ”.

3.           
لهذا فلنعترف به يا اخوة بأعمالنا، بحبّنا
لبعضنا البعض، وبإمتناعنا عن الزنا والنميمة والحسد، بل ونكون أعفّاء ورؤوفين
وصالحين.

4.           
يليق بنا أيضًا أن نتعاطف الواحد مع الآخر ولا
نكون جشعين. بهذه الأعمال نعترف به، وليس بالأعمال المضادة.

5.           
يليق بنا ألاّ نخاف الناس بل الله.

6.     هذا
هو السبب الذي لأجله إن سلكت هذا الطريق (الشرّير) يقول الرب[35]:
“إن اجتمعتم معي في حضني ولم تحفظوا وصاياي أطردكم، قائلاً لكم: ابعدوا عنّي،
لا أعرفكم من أين جئتم، يا فاعلي الشر”.

٥

لنهتم
بالأبديّة

1.           
لذلك يا إخوة إذ نبقى مقيمين مؤقتًا في هذا
العالم الحاضر، فلنتمّم إرادة الذي دعانا، ولا نخف الرحيل من هذا العالم.

2.           
إذ يقول الرب[36]:
“ستكونون كحملان بين ذئاب”.

3.           
أجابه بطرس قائلاً[37]:
“ماذا يكون إذا مزّقت الذئاب الحملان إربًا؟”

4.     قال
يسوع لبطرس: “الحملان بعد موتها لا تخاف الذئاب، هكذا لا تخافوا من الذين
يقتلونكم وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك
النفس والجسد كليهما في جهنّم[38]“.

5.     اعلموا
أيّها الاخوة أن إقامتكم في الجسد في هذا العالم وقتيّة وزائلة، أمّا وعد المسيح
فعظيم وعجيب، يعني راحة في الملكوت العتيد والحياة الأبديّة.

6.           
ماذا نفعل لنقتني هذه الأمور ألاّ أن نسلك حياة
مقدّسة بارة، متطلّعين إلى الزمنيّات كأمورٍ غريبة عنّا، لا نشتهيها؟!

7.           
إن اشتهينا امتلاك (الزمنيّات) ننحرف بعيدًا عن
طريق البرّ.

٦

ملكوت
الله ومحبّة العالم

1.           
يقول الرب: “لا يقدر خادم أن يخدم سيّدين[39]“.
إن أردنا أن نخدم الله والمال، لا ننتفع شيئًا.

2.           
لأنه “ماذا يفيد الإنسان أن يربح العالم
كلّه[40] ويخسر
نفسه؟![41]“.

3.           
(محبّة) العالم الحاضر والعالم العتيد عَدًوّان.

4.           
واحد يحث على الزنا والفساد والطمع، والآخر يوقف
هذه الأمور.

5.           
فلا يمكننا أن نكون أصدقاء للإثنين، إنّما
يلزمنا أن نجحد الواحد لننعم بالآخر.

6.           
ليتنا نعتبر أنّه من الأفضل أن نبغض الحاضرات ما
دامت تافهة ومؤقتّة وزائلة ونحب الأخرى (العتيدات) بكونها صالحة لا تفسد.

7.           
فإنّنا إن فعلنا إرادة المسيح نجد راحة، وإلاَّ
فلا شيء يخلصنا من العقاب الأبدي، إن كنّا نعصى وصاياه.

8.           
هكذا يقول الكتاب أيضًا في حزقيال: “وإن
قام نوح وأيوب ودانيال فإنهم لا يخلصون أولادهم من السبي[42]“.

9.     الآن
إن كان كل هؤلاء الأبرار هكذا غير قادرين على إنقاذ أولادهم ببرّهم، فأي رجاء لنا
أن ندخل القصر الملوكي لله إن لن نحفظ معموديّتنا المقدّسة غير دنسة؟! لأنه من
يشفع فينا إن لن تكن لنا أعمال البرّ المقدّسة؟!

٧

لنصارع
حتى نُكلل

1.     لذلك
ليتنا نصارع[43] بكل غيرة،
عالمين أن مصارعتنا في متناول أيدينا، بينما يبحر كثيرون ليصارعوا من أجل مكافأة
زائلة، وليس جميعهم يكلّلون، إنّما يكلّل الذين يعملون بجدٍ ويصارعون حسنًا.

2.           
لنصارع حتى يكلّل جميعنا.

3.     لنجرِ
إلى المباراة غير الفاسدة، نبحر إليها في أعداد ضخمة ونصارع لكي نُكلّل، وإن كان
لا يقدر جميعنا أن ينال الإكليل فلا أقل أن يقترب إليه.

4.           
لنعلم أن من يصارع في مباراة فاسدة بغير استقامة
يُعزل ويُجلد ويُستبعد من القوائم.

5.           
ماذا إذن تظنّون؟ إن كان أحد يستخدم الخداع في
المباراة غير الفاسدة؟

6.           
يقول الكتاب عن الذين لا يحفظون الختم[44]
(
Sphragis) “دودهم لا يموت، ونارهم لا تُطفأ، ويكونون منظرًا لكل ذي
جسد[45]“.

٨

لنتب
ما دمنا على الأرض

1.           
لنتب ما دمنا على الأرض، فإنّنا طين في يد فنان.

2.     فكما
أن الخزّاف حين يصنع آنية إذا ما تشوّهت بين يديه أو كُسرت يشكّلها من جديد، لكنّه
متى ألقاها في لهيب الفرن لا يقدر بعد أن يصنع لها شيئًا، هكذا نحن أيضًا – ما
دمنا على الأرض – فلنتب بكل قلبنا عن الأعمال الشرّيرة التي نرتكبها في الجسد حتى
نخلص بواسطة الرب ما دامت لنا فرصة التوبة.

3.           
فإذا ما رحلنا عن العالم لا تعود لنا قوّة
الاعتراف أو التوبة.

4.           
لذلك يا إخوة إذ ننفّذ إرادة الرب ونحفظ الجسد
مقدّسًا ونرتبط بوصايا الرب، نحصل على الحياة الأبديّة.

5.     إذ
يقول الرب في إنجيله[46]: “إن
لم تكونوا أمناء في القليل من يأتمنكم على الكثير؟ فإني أقول لكم الأمين في القليل
أمين أيضًا في الكثير”.

6.           
هذا إذن ما قصده: “احفظوا الجسد مقدّسًا،
والخاتم غير فاسد، فتنالوا الحياة الأبديّة[47]“.

٩

نُدان
في الجسد

1.           
لا يقل أحدكم أن هذا الجسد لا يُدان أو لا يقوم.

2.           
تأمّلوا هذا: في أي حال أنتم خلصتم؟ في حال
استردتم بصيرتكم، أليس وأنتم في الجسد؟!

3.           
لذلك يلزمنا أن نحفظ الجسد كهيكل لله.

4.           
فكما دُعيتم وأنتم في الجسد، سوف تأتون أيضًا في
الجسد.

5.           
وكما أن المسيح الرب الذي خلصنا كان أولاً روحًا
(اللوغوس)[48] صار جسدًا
هكذا دعانا لنتقبّل المكافأة ونحن في هذا الجسد.

6.           
إذن ليحب أحدنا الآخر لكي نحصل على ملكوت الله.

7.           
لنسلّم أنفسنا لله طبيبنا، ما دام لنا فرصة
الشفاء، ولنر له المكافأة.

8.           
كيف؟ بالتوبة من قلب خالص.

9.           
إذ هو يعرف الأشياء قبل كونها، ومُدرك ما في
قلوبنا.

10.       
لنعطه حمدًا أبديًا[49]
لا بالفم فقط بل بالقلب أيضًا لكي يقبلنا كأبناء.

11.       
إذ يقول الرب[50]
“هؤلاء هم اخوتي، لذين يصنعون مشيئة أبي”.

١٠

لنترك
الشر ونلتصق بالخير

1.     لذلك
يا إخوتي، لنفعل مشيئة الآب الذي دعانا لكي تكون لنا حياة. بالحري نتبع الفضيلة
ونهجر كل رذيلة، بكونها السابقة لخطايانا لنهرب من كل إثم حتى لا يغلبنا الشر.

2.           
فإنّنا إن كنّا نجاهد في صنع الخير يتبعنا
السلام.

3.     وهذا
هو السبب أن مثل هؤلاء الناس لا يمكن أن يجدوا السلام[51]
إذ هم يتركون مجالاً لمخاوف بشريّة[52]. مفضّلين
بالحري المتعة الوقتيّة عن المواعيد المقبلة.

4.           
لأنهم لا يعرفون أي عذاب تسبّبه المتعة الحاضرة،
وأيّ سعادة تحملها المواعيد المقبلة.

5.     فلو
إنّهم يفعلون هذه الأمور نأنفسهم (فقط) لكان هذا محتملاً، لكنّهم يصمّمون أن
يشربوا النفوس البريئة من تعاليهم الضاريّة، غير عالمين إنّهم بذلك ينالون دينونة
مضاعفة، هم والذين يسمعونهم.

١١

لننتظر
المواعيد بثقة

1.           
لنخدم الله بقلبٍ نقي فنكون أبرارًا، لكنّنا إن
كنّا في عدم إيمان بمواعيد الله لا نخدمه نكون بذلك بائسين.

2.     فإن
الكلمة النبويّة تعلن: بائسون هم متردّدوا الفكر، الشاكون بقلوبهم، القائلون منذ
أيّام آبائنا سمعنا عن كل الأشياء، وهذا نحن ننتظر يومًا ولا نرى شيئًا.

3.           
أيّها الأغبياء قارنوا أنفسكم بشجرة، ولتكن
الكرمة مثلا. فإنّها تخرج أولاً ورقًا ثم تظهر البراعم فالحصرم ثم ينضج الثمر[53].

4.           
هكذا أيضًا شعبي، يحملون متاعب وأحزان. لكنّهم
بعد ذلك يتقبّلون الصالحات.

5.           
لهذا يليق بنا يا إخوتي ألاّ نكون متردّدي
الفكر، إنّما بصبرٍ نحتمل الألم مترجين الحصول على المكافأة.

6.           
فإنه “أمين هو الذي وعد[54]
يهب المكافأة لكل أحد حسب أعماله.

7.           
فإن فعلنا ما هو برّ في عينيّ الله ندخل ملكوته
ونتقبل المواعيد “ما لم تسمع به أذن ولم تره عين ولم يخطر على قلب إنسان[55]“.

١٢

1.           
بالحب وعمل البرّ نتوقّع من ساعة إلى ساعة ملكوت
الله، إذ لا نعرف يوم ظهور الله.

2.     لأنه
عندما سأل شخص الرب نفسه متى يأتي أجاب[56]:
“عندما يصير الإثنان واحدًا، والخارج كما الداخل، والذكر مع الأنثى ليس ذكرًا
ولا أنثى”.

3.           
هوذا الآن صار الإثنان واحدًا، وذلك إذ ينطق
الواحد مع الآخر بالحق فتصير واحدة في جسدين بصدق.

4.     “والخارج
كما الداخل”، إذ يسمي النفس “الداخل” والجسد “الخارج”،
فكما أن الجسد منظور للعيان هكذا تُعلن نفسك بما تفعله من أعمال صالحة.

5.           
“كذلك الذكر مع الأنثى، ليس ذكرًا ولا أنثى[57]“.

بهذا
يعني أن الأخ إذ ينظر اختًا لا يفكر فيها كأنثى، ولا هي تفكر فيه كذكر.

6.           
إنه يقول متى تحدث هذه الأمور يأتي ملكوت أبي.

١٣

بسببكم
يجدّف على اسم الله

1.           
أخيرًا ليتنا يا إخوة نتوب، ولكن عاملين ما هو
صالح، فإنّنا مملؤون غباءً كثيرًا وشرًا.

لنغسل
خطايانا السابقة فنخلص بتوبتنا القلبيّة، غير ساعين نحو إرضاء الناس ولا راغبين في
إرضاء أنفسنا فقط بل نرضي ببرّنا الذين هم في الخارج أيضًا، فلا يجدّف على الاسم[58]
بسببنا.

2.           
إذ يقول الرب: “يجدّف على اسمي دائمًا بين
الأمم[59]“،
وأيضًا: “ويل للذي بسببه يجدّف على اسمي”.

كيف
يجدّف عليه؟ بفشلكم في عمل ما أريده!

3.     لإنه
عندما تسمع الأمم أقوال الله من أفواهنا يدهشون لجمالها وعظمتها، بعد ذلك يرون
أعمالنا لا تطابق ما ننطق به، حينئذ يعودون فيجدّفون قائلين: “أنها خيال
ووهم”.

4.     فعندما
يسمعون منّا مثلاً أن الله يقول: “أيّ فضل لكم إن كنتم تحبّون الذين
يحبّونكم، لكن الفضل لكم إن أحببتم أعداءكم والذين يبغضونكم[60]“.
عندما يسمعون هذا يتعجبون لصلاحها الفائق، لكنّهم إذ يروننا قد فشلنا في حب الذين
يبغضوننا بل حتى في حب الذين يحبّون نا، يسخرون منّا مستهزئين بنّا ومجدّفين على
الاسم.

١٤

الكنيسة
الحيّة جسد المسيح

1.     لذلك
يا إخوتي إن عملنا مشيئة الله أبينا، نُحسب منتمين للكنيسة الأولى، أي الروحيّة،
التي وُجدت قبل الشمس والقمر. لكن إن فشلنا في عمل مشيئة الرب ينطبق علينا قول
الكتاب[61]: “صار
بيتي مغارة لصوص”. لذلك فلنختر أن ننتسب إلى كنيسة الحياة لكي نخلص.

2.     على
أي الأحوال لست أفترض أنكم تجهلون أن الكنيسة الحيّة هي جسد المسيح[62]،
إذ يقول الكتاب[63]: “خلق
الله ذكرًا وأنثى، الذكر هو المسيح[64] والأنثى هي
الكنيسة. تعلن الكتب[65] والرسل[66]
بوضوح أن الكنيسة ليست محدودة بالحاضر إنّما هي موجودة منذ البدء. فإنّها كانت
روحيّة كما كان يسوعنا الذي ظهر في الأيّام الأخيرة لكي يخلصنا.

3.     حقًا
لقد أعلنت الكنيسة – التي هي روحيّة – في جسد المسيح، وهكذا يكشف لنا إنّه إن
حفظها أحد منّا في الجسد ولم يفسدها يقتنيها مرّة أخرى بالروح القدس[67].
لأن هذا الجسد هو صورة الروح. من يفسد الصورة لا تكون له شركة في الأصل. هذا يا
إخوتي ما يعنيه “احفظوا الجسد لكي تشتركوا في الروح”.

4.     لكنّنا
إن قلنا أن الجسد هو الكنيسة والروح هو المسيح، فإن من يفسد الجسد يكون أفسد
الكنيسة، مثل هذا ليست له شركة في الروح الذي هو المسيح.

5.           
مثل هذا الجسد قادر أن يشترك في حياة عظيمة هكذا
وفي خلود متى رافقه الروح القدس.

لا
يستطيع أحد أن ينطق أو يعبر عمّا أعدّه الرب لمختاريه[68].

١٥

بالإيمان
والحب نعود لله

1.     لست
أظن أن المشورة التي أقدّمها لكم بخصوص ضبط النفس ليست هامة، فإن من ينفّذها فقط
لا يأسف على ذلك بل يخلص نفسه كما ينقذني أنا الذي نصحته. فإنّها ليست مكافأة
بسيطة تصحب اهتداء نفسٍ ضالة هالكة لكي تخلص.

2.           
إن كان بإيمان وحب يتكلّم المتكّلم ويستمع
السامع، فإن هذا هو ما نردّه لله الذي خلقنا.

3.           
فلنكن أمناء فيما يخص إيمإنّنا بالبر والقداسة،
حتى نسأل الله بدالة، هذا الذي يقول: “وأنت تتكلّم أنا أقول: هأنذا[69]“.

4.           
هذا القول علامة عن الوعد العظيم، إذ يقول الرب
عن نفسه إنّه بالأكثر مستعد أن يعطي أكثر ممّا نسأله.

5.           
لنشترك في لطف عظيم كهذا ولا يضن أحد في الحصول
على بركاتٍ عظيمة هكذا.

6.           
وكما أن هذه الأقوال تجلب مسرّة عظيمة على من
يفعلها، فإنه هكذا أيضًا تجلب دينونة لمن يحتقرها.

١٦

يا
لعظمة العطاء

1.           
إذ أعطيتم يا إخوة فرصة للتوبة ليست بقليلة،
فلننتهزها ونعود إلى الله الذي دعانا، بينما لا يزال هو “الوحيد” الذي
يقبلنا.

2.           
فإنّنا إن جحدنا هذه الملذّات وسادت نفوسًا
برفضها شهواتها الشرّيرة، نشترك في مراحم يسوع.

3.           
اعلموا أن يوم الدينونة قريب “يأتي مثل
أتون نار[70]“، وأن
بعض السموات تنحل وكل الأرض تنصهر بالنار[71].

4.           
عندئذ تظهر أعمال الناس الخفيّة والظاهرة.

الصدقة
صالحة كالتوبة عن الخطيّة.

الصوم
أفضل من الصلاة، أمّا الصدقة فأفضل من الإثنين،

لأن
“المحبّة تستر كثرة من الخطايا[72]“.

وأما
الصلاة بضميرٍ صالح فتخلِّص من الموت.

طوبى
لمن وُجد مملوءًا منها، فإن الصدقة تخفّف ثال الخطيّة.

١٧

1.     لنتب
من كل القلب، حتى لا يهلك واحد منّا في الطريق، فإنه إن كان قد أوصانا أن نتبع هذا
– نجذب الناس من عبادة الأوثان ونعلّمهم – فكم بالحري تخطئ النفس إن كانت وهي تعرف
الله تهلك؟!

2.           
ليساعد أحدنا الآخر، ونقود الضعفاء نحو الصلاح،
حتى يخلص الجميع ويهتدون، مقدّما كل واحد النصح للآخر.

3.     ليتنا
لا نظهر كمؤمنين ومهتمّين فقط في هذه اللحظة حيث يكرز لنا الكهنة، بل أيضًا عندما
نعود إلى منزلنا نحمل في ذهننا وصايا الرب ولا ننجذب للشهوات العالميّة. فإنه حري
بنا أن نصلّي[73] دائمًا
لنجاهد متقدّمين في وصايا الرب. وإذ يكون للكل ذهن واحد[74]،
نجتمع مع بعضنا البعض لنربح الحياة.

4.     إذ
يقول الرب: “جئت لكي أجمع معًا كل الأمم والقبائل والألسنة[75]“،
مشيرًا إلى يوم ظهوره عندما يأتي ويخلِّصنا، كل واحد حسب أعماله.

5.     وينظر
غير المؤمنين مجده وقوّته، ويدهشون إذ يرون أن ملكوت العالم قد أُعطي ليسوع،
قائلين: “ويل لنا، إنّه هو! ونحن لم نعرفه ولا آمنّا ولا أطعنا الكهنة الذين
بشّرونا بخلاصنا!”

6.           
“دودهم لا يموت، ونارهم لا تطفأ، ويكونون
منظرًا لكل ذي جسد[76]“.

7.           
إنه يتحدّث عن يوم الدينونة عندما يرى الناس
أولئك الذين كانوا بيننا وقد سلكوا سلوكًا شرّيرًا وحرَّفوا وصايا يسوع المسيح.

8.     أما
الأبرار الذين سلكوا حسنًا واحتملوا العذابات في صبرٍ وكرهوا ملذّات النفس، هؤلاء
عندما يرون الذين ضلّوا وأنكروا يسوع بكلماتهم وأعمالهم كيف يُعاقبون بعذابات
مرعبة من نارٍ لا تطفأ، يعطون مجدًا لله قائلين: “يوجد رجاء لذلك الذي يخدم
الله من كل قلبه”.

١٨

دعوة
للتوبة

1.           
يليق بنا أن نُحسب في عداد الذين يقدّمون الشكر
لله ويخدمونه، لا من الأثمّة المدانين.

2.     فإني
إذ أنا خاطيء أثيم ولم أهرب من التجربة، ولا زلت محاطًا بحيل الشيطان، أجاهد لكي
أتبع البرّ. وأتقوى حتى على الأقل لا أقترب منه، فإنّني أخاف الدينونة العتيدة.

١٩

1.     لذلك
أيّها الاخوة والأخوات إذ سمعتم إله الحق الذي قرأته عليكم الآن متوسّلاً أن
تهتمّوا بهذه الأمور المكتوبة لكي تخلَّصوا أنتم والذي يُقرأ بينكم، أسألكم من أجل
المكافأة أن تتوبوا من كل القلب. بهذا تهبون خلاصًا وحياة لأنفسكم.

فإنّنا
إذ نضع هدفًا لكل الشباب الذين يفكّرون أن يعملوا من أجل الورع وصلاح الله.

2.     يلزمنا
ألاّ نكون هكذا غير حكماء، فنحزن ونغتاظ عندما ينصحنا أحد ويهدينا من الشر إلى
البرّ. فإنّنا أحيانًا نمارس الشر لا شعوريًا بسبب تردّد ذهننا وعدم الإيمان
الكامن في صدورنا، إذ صار فهمنا مظلمًا[77] بسبب
شهواتنا الباطلة.

3.           
ليتنا نمارس البرّ لنخلص في النهاية.

طوبى
للذين يحفظون هذه الوصايا فإنهم وإن تألّموا في العالم إلى حين يجمعون ثمرّة
القيامة الخالدة.

4.     لا
يحزن الرجل الصالح إن صار في الوقت الحاضر بائسًا، فإن زمان البركة ينتظره، إنّه
سيحيا مع الآباء متمتّعًا بأبديّة لا تعرف حزنًا.

٢٠

لا
نتعجّل المكافأة

1.           
لا تقلق أذهانكم عندما ترون الأشرار في غنى
بينما خدّام الله في ضيق.

2.           
لكن أيّها الاخوة والأخوات مؤمنين، فإنّنا نعمل
في مصارعة لله الحيّ، إنّنا نُمتحن بالحياة الحاضرة كي نُكلّل في العتيدة.

3.           
فإنه لا يتقبّل أحد من الأبرار المكافأة سريعًا،
إنّما هو ينتظرها.

4.     فلو
أعطى الله الأبرار المكافأة في الحال، لصار تدريبنا تجارة وليس برًا. فإنّنا نظهر
أبرارًا بينما نسعى نحن لا من أجل الصلاح بل من أجل الربح.

5.           
هذا هو السبب الذي لأجله يدين الحكم الإلهي
روحًا غير بارّة[78] واضعًا
إيّاها تحت القيود.

6.     الله
غير منظور وحده، أب الحق، الذي أرسل لنا المخلِّص رئيس عدم الفساد، الذي من خلاله
أيضًا أعلن لنا الحق والحياة السمائيّة، له المجد إلى الأبد[79]،
آمين.



[1] J.B. Lightfoot: The Apostolic Fathers, Part 1, vol
II,
London 1890.

[2] Eus: H.E. 3 : 38.

[3] Apostolic Canon (قانون رقم ٥٨) وهي عمل من أصل سوري وُصع في أواخر
القرن الرابع.

[4] Lightfood, Part 1, Vol I, p 178, 182, 183.

[5] ANF, vol 2, P 513.

[6] Richadson: Early Christian Fathers, 183/7.

[7] In Zeitschrift furdie neutestamentliche Wissenschaft
7, 1906, P 123/5.

[8] The Primitive Church, P 244 – 253, 1929.

[9] Lightfoot, Part 1, Vol I, P 158 – 160.

[10] Novum Testamentum extra receptum, 1, Leipzig, 1866,
p XXXIX.

[11] Ibid, ed. 1876.

[12] Chronologie, 1897, vol I, P 438 – 450. Zeitschrift
furdie neutestamentliche Wissenschaft 6, 1905.

[13] Ref. Haer. 5 : 7 – 9.

[14] P 189.

[15] ١٦ : ٤.

[16] ١ : ١؛ ٩ : ٥.

[17] ١ : ٢؛ ٢٠ : ٥.

[18] ١٤ : ١ – ٤.

[19] ٢ : ١.

[20] ٧ : ٦؛ ٦ : ٦.

[21] ANF vol 7 : 512f.

[22] لا يوجد في المخطوط A عنوان.

وجاء
العنوان في المخطوط
C: “اكليمندس إلى كورنثوس” وفي نفس العنوان الذي جاء في
الرسالة الأولى الأصيلة.

أما المخطوط
S فجاء توقيع الرسالة الأولى أنها لاكليمندس، بعدها ورد: “لنفس
الشخص الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس”. وفي نهاية الرسالة جاء: “هنا
تنتهي الرسالة الثانية لاكليمندس إلى أهل كورنثوس”
ANF Vol 7, p. 517.

[23] العناوين الجانبيّة من وضع المترجم.

[24] أع ١٠ : ٤٢.

[25] يوجه المؤلف حديثه إلى مسيحيّين من أصل أممي.

[26] مت ٩ : ١٣؛ لو ٥ : ٣٢.

[27] إستخدم الرسول بولس نفس
العبارة في حديثه عن الكنيسة (غلا ٤ : ٢٧) نقلاً عن إش
٥٤ : ١.

[28] يترجمها Lightfoot: “لا نكن كالنساء أثناء تمخضهن، فنضجر أثناء تقديم صلواتنا
للَّه ببساطة”

[29] يستشف من هذا أن الكاتب من أصل أممي.

[30] مت ٩ : ١٣؛ لو ٥ : ٣٢.

[31] مت ١٠ : ٣٢؛ لو ١٢ :
٨.

[32] مت ٢٢ : ٣٧.

[33] إش ٢٩ : ١٣؛ مت ١٥ :
٨؛ مر ٧ : ٦.

[34] مت ٧ : ٢١.

[35] يحتمل أن يكون النص نقلاً عن “إنجيل المصريين”.

[36] مت ١٠ : ١٦.

[37] يُحتمل نقلاً عن “إنجيل المصريين”.

[38] مت ١٠ : ٢٨؛ لو ١٢ :
٤، ٥.

[39] مت ٦ : ٢٤؛ لو ١٦ :
١٣.

[40] المخطوطC لم يذكر “كله”.

[41] مت ١٦ : ٢٦؛ مر ٨ :
٣٦؛ لو ٩ : ٢٥.

[42] حز ١٤٥ : ١٤، ٢٠.

[43] يقارن بين الحياة المسيحية والصراع في الألعاب اليونانيّة.

[44] ختم المعموديّة.

[45] إش ٦٦ : ٢٤.

[46] لو ١٦ : ١٠ – ١٢.

[47] يرى البعض أنها نقل عن أحد كتب الأبوكريفا، لكن البعض يرجح
أنها مجرد شرح طبيعي في سياق الكلام.

[48] مخطوط C “اللوغوس”.

[49] مخطوط A “أبديًا” ومخطوط C
“حمدًا”.

[50] مت ١٢ : ٥٠.

[51] النص في الأصل غامض، وكلمة “السلام” مضافة.

[52] حرفيًا “يدخلون مخاوف بشرية”.

[53] نفس التشبيه نجده في الرسالة الأصليلة لاكليمندس فصل
٢٣.

[54] عب ١٠ : ٢٣.

[55] ١كو ٢ : ٩.

[56] غالبًا عن “إنجيل المصريين” وقد استخدم القديس
اكليمندس الإسكندري نفس العبارة
Strom
3 : 13 : 92
.

[57] إلى هنا ينتهي المخطوط A.
مع ملاحظة أن بقية هذا الفصل منقول عن القديس اكليمندس الإسكندري.

[58] اسم الله.

[59] إش ٥٢ : ٥.

[60] لو ٦ : ٢٧، ٣٢؛ مت
٥٠ : ٤٤، ٤٦.

[61] إر ٧ : ١١؛ مت ٢١ :
١٣؛ مر ١١ : ١٧؛ لو ١٩ :
٤٦.

[62] إف ١ : ٢٢، ٢٣.

[63] تك ١ : ٢٧؛ أف ٥ : ٣١ –
٣٣.

[64] هذا لا يعني أن المسيح مخلوق فقد أعلن قبل ذلك لاهوته، إنّما
أراد توضيح إرتباط المسيح بعروسه الروحية الكنيسة.

[65]. أي أسفار العهد القديم.

[66] ما كتبه الرسل أي العهد الجديد

[67]. الفكرة غير واضحة لكنه ربّما قصد أنه بالكف عن الشهوات
يقتني المسيحي الكنيسة الروحية في قلبه مرة أخرى بالتوبة خلال عمل الروح القدس

[68]. الفصل كله يقوم على التمييز الأفلاطوني بين الحقيقة
الماديّة (الروح) وصورتها (الجسد) في العالم الحيّ (
C.C Richadson).

[69] إش ٥٨ : ٩ (الترجمة السبعينيّة).

[70] ملا ٤ : ١.

[71] إش ٣٤ : ٤.

[72] ١بط ٤ : ٨؛ أم ١٠ :
١٢.

[73] عن المخطوط S.

[74] رو ١٢ : ١٦.

[75] إش ٦٦ : ١٨.

[76] إش ٦٦ : ٢٤.

[77] أف ٤ : ١٨.

[78] إبليس

[79] هذه الذكصولچية (الختام) تناسب عظة لا رسالة مكتوبة.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى