علم

تعاليم القديس إكليمنضس الرومانى



تعاليم القديس إكليمنضس الرومانى

تعاليم
القديس إكليمنضس الرومانى

من
الاباء الرسوليين:

St. Clement of Rome

 

تعتبر
رسالة إكليمنضس الروماني أول الكتابات الآبائيّة التي احتلت مركزًا خاصًا في
كتابات الكنيسة الأولى وحياتها وعبادتها، كتب عنها القدّيس إيريناؤس في القرن
الثاني الميلادي إنّها رسالة لها وزنها[92]. وأشار إليها ديونسيوس الكورنثي[93]
عام ١٧٠م بأنّه قد صارت هناك عادة قائمة منذ عدة سنوات أن تُقرأ
رسالة إكليمنضس في الكنيسة في يوم الرب. كما كتب المؤرّخ الكنسي يوسابيوس[94] أن
قراءة رسالة إكليمنضس في كثير من الكنائس صار أمرًا عامًا.

 

صمت
التاريخ الكنسي عن تعريفنا بحياة القدّيس إكليمنضس، وتضاربت الأقوال عنه. يرى
البعض أنّه أحد معاوني القدّيس بولس في الخدمة، وهو نفسه الذي ذكره الرسالة في
رسالته إلى أهل فيلبّي (في ٤: ٣). نادى بهذا العلاّمة أوريجينوس ونقله
يوسابيوس[95] فچيروم[96] ثم تناقله كثيرون من بعدهم. ويحتمل أن يكون روماني الأصل
أو يوناني، عمل بعض الوقت في فيلبّي، ثم بعد ذلك في روما.

 

يرى
Lightfoot أنّه إنسان شريف ليس قرابة مع القنصل قليمنس، من أصل يهودي. قيل
أيضًا أنّه كان عبدًا يهوديًا أو ابن عبد يهودي للقنصل المذكور، اعتقه فحمل اسم
سيّده[97]. هذا وقد ذكر عنه القدّيس إيريناؤس: [رأى الرسل الطوباويّين وتحدّث معهم،
كانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه، وتقليدهم ماثلاً قدام عينيه.]

 

تحدّث
عنه يوسابيوس أنّه الأسقف الثالث على روميّة[98]، بعد لينوس وأناكليتوس، سيم
أسقفًا في السنة الثانية عشرة لحكم دومتيانس، وتنيّح في السنة الثالثة من حكم
تراجان، أي من سنة ٩٣م حتى سنة ١٠١م.

 

وقد
جاء عنه في أحد الكتب الأبوكريفا من القرن الرابع أنّه حوّل ثيؤدورا إحدى شريفات
روما وزوجها
Sisinnius و٤٢٣ آخرين إلى المسيحيّة، الأمر الذي أثار غضب
الشعب وأدى إلى نفيه في شبه جزيرة القرم[99].

 

وروى
البعض عنه[100] أن مجلس اشيوخ بروما لم يحتمل أن يرى من بينهم شريفًا صار أسقفًا
مسيحيًا، يجذب الأشراف إلى المسيحيّة، فاجتمع ودعوه ونصحوه بالعدول عن مسيحيّته،
وإذ لم يقبل عرضوا تقريرًا لتراجان الذي أمر بنفيه وتكليفه بقطع الأحجار. هناك في
النفي التقى بحوالي إلفين من المسيحيّين، وإذ كانت المياه بعيدة عنهم، صلى إلى
الله الذي أرشده إلى صخرة بها نبع ماء يستقون منه. وقد آمن على يديه الكثير من
الوثنيّين، وتحوّل المنفى إلى مركز للعبادة والكرازة، الأمر الذي ملأ الولاة غضبًا،
فوضعوا في عنقه مرساه وطرحوه في البحر ومات غرقًا حوالي عام
١٠١م. وقد قيل أن الجسد بقي عامًا بأكمله في المياه دون أن يفسد
حتى أظهره الرب.

 

رسالة
إكليمنضس الأولى

حدث
في القرن الأول حركة تمرّد في الكنيسة بكورنثوس. قام جماعة من الشبان المتعجرفين
ظنّوا في أنفسهم أنّه أكثر حكمة من الإكليروس وأقدر على التعليم، وبدأوا يشنّون
بين الشعب حملة تمرّد وعصيان، فطردوا كثيرين من عملهم[101]. أسرع القدّيس إكليمنضس
أسقف روما وكتب رسالة مملوءة حكمة، تمتاز بروح الانسحاق مع الحب، اعتمد فيها على
الكثير من النصوص الكتابيّة مع أمثلة كثيرة من العهدين.

 

ورسالة
اكليمندس الرومانى إلى الكورنثيين، تعتبر من أهم وأقدم الكتابات المسيحية بعد
أسفار العهد الجديد. والرسالة لا تحمل اسم اكليمندس نفسه بل تحمل اسم كنيسة روما،
ومع ذلك فقد أجمع كل القدماء والمحدثون من الآباء والعلماء على أن كاتب هذه
الرسالة هو القديس اكليمندس أسقف كنيسة روما.

القديس
اكليمندس هو ثالث أسقف لكنيسة روما (92-101م)، ويُقال إنه عاين الرسل المغبوطين
وتحدث معهم، ويُعتقد أنه الشخص الذى مدحه الرسول بولس فى رسالته إلى فيلبى (فى3:
4) كمجاهد معه فى خدمة الإنجيل. وكان اكليمندس يتمتع بثقافة يونانية عالية، مُلّمًا
بالعهد القديم، وملتزمًا بالتقليد الرسولى.

والسبب
الذى دفعه إلى كتابة هذه الرسالة، هو الانقسامات والمشاحنات التى حدثت فى كنيسة
كورنثوس، حيث تمرد بعض الأفراد من الكنيسة ضد القسوس، إذ قاموا بعزلهم من عملهم فى
الكنيسة (أنظر الفصول 44،3،1 من الرسالة)، ولذلك كتب القديس اكليمندس إلى
الكورنثيين يحثهم على الصلح والمحبة والتواضع مستشهدًا بأمثلة من الكتاب المقدس
بعهديه.

ظلت
هذه الرسالة تُقرأ فى كنيسة كورنثوس وكنائس أخرى عديدة حتى بداية القرن الرابع
الميلادى، وذلك خلال ليتورجية يوم الأحد.

وُجد
النص الأصلى للرسالة فى النسخة الأسكندرية للكتاب المقدس (
Alexandrine Codex) والتى يرجع تاريخ نسخها إلى القرن الخامس، وأيضًا المخطوطة
الأورشليمية والتى ترجع إلى القرن الحادى عشر.

وتوجد
ترجمات مخطوطة متعددة للرسالة أهمها:

الترجمة
السريانية (عام1170م) ؛ الترجمة اللاتينية (القرن الحادى عشر) ؛ الترجمة القبطية
باللهجة الأخميمية (ترجع إلى القرن الرابع)؛ ترجمة قبطية أخرى تعود للقرن السابع
وهى غير كاملة.

أما
عن محتويات الرسالة فنجد أن اكليمندس الرومانى يستهلها بمقدمة، حيث يلفت الانتباه
إلى الحالة المزدهرة لكنيسة كورنثوس من وفاق وصلح بين أعضائها، قبل الخصام
والانشقاقات، ثم تغير حال الكنيسة كلية بعد هذا الانشقاق.

ثم
تتناول الرسالة موضوعين هامين رئيسيين:

1
مهاجمة الخصام وعدم الوفاق، ثم الحث على التوبة وحياة التقوى، ثم الحديث عن صلاح
الله والقيامة والدينونة، وبعض أعمال الفضيلة.

2
معالجة الخصام الذى حدث فى كنيسة كورنثوس، بمطالبة المؤمنين بالنظام والطاعة مثلما
يحدث فى الجيش الرومانى. ومثلما أقام المسيح الرسل الذين أقاموا الأساقفة
والشمامسة.

وفى
ختام الرسالة

يلخص
اكليمندس كل ما سبق ووعظ به، آملاً أن يعود السلام من جديد إلى كنيسة كورنثوس.

بالإضافة
إلى ذلك،

فإن
الرسالة تحوى أمور وتعاليم عقائدية وروحية، كما أنها تعتبر أول وثيقة مسيحية تتحدث
عن الصلوات الليتورجية للكنيسة المسيحية الأولى فى الاجتماع الإفخاريستى. وفضلاً
عن ذلك فإنها تقدم نموذج رائع للصلوات فى منظومة ذات طابع موسيقى.

الرسالة
جديرة بالاهتمام والقراءة، حيث إنها تعالج أمورًا كثيرة فى الخدمة. وتقدم لنا
نموذجًا حيًا لحياة المؤمن الحقيقى داخل كنيسة الله التى اقتناها بدم ابنه الوحيد
ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح.

 

1.
رسالة كتابيّة: اقتبست الكثير من العهدين، إمّا بعبارات منقولة عن الكتاب المقدّس
مباشرة أو مشابهة لها. ويُلاحظ أنّه استخدم الترجمة السبعينيّة التي عرفها غالبًا
عن طريق الرسول بولس والإنجيلي لوقا.

 

2.
تكشف الرسالة عن أن ذكريات إكليمنضس بتعاليم السيّد المسيح ورسله كانت خصبة للغاية.

 

3.
قدّمت لنا معلومات في تاريخ الكنيسة عن اضطهاد نيرون، كما تحدّثت عن جموع الشهداء،
وأشارت إلى كثرة النساء الشهيدات[102].

 

4.
تحمل مفاهيم قيّمة وشهادة واضحة عن “العقيدة المسيحيّة” كما فهمها
المسيحيّون الأوّلون:

ا.
ذكر الثالوث القدّوس: الآب والرب يسوع المسيح والروح القدس.

ب.
لاهوت السيّد وربوبيّته وخلاصه.

ج.
ضرورة الإيمان، بدونه لا خلاص بالأعمال الذاتيّة، إذ يقول: [ونحن أيضًا الذين
دعينا بإرادته في المسيح يسوع لن نتبرّر بذواتنا ولا بحكمتنا ولا بفطنتنا ولا
بتقوانا، ولا بالأعمال التي نضعها في قداسة القلب، بل بالإيمان الذي من البدء برّر
به الرب ضابط الكل كل الناس[103].]

د.
ضرورة الأعمال المرتبطة بالإيمان، وهي تفرح الله. يقول: [لماذا بُورك أبونا
إبراهيم؟ أليس بسبب اقتنائه البرّ والحق خلال الإيمان[104]]، [إذن، ماذا ينبغي
علينا أن نفعل يا إخوة؟ هل نهمل عمل الخير، ونكف عن الحب؟! الله لن يقبل هذا، بل
بالحري نسرع في عمل الخير باجتهاد وفي غيرة. إن خالق الكل وربّهم هو نفسه يفرح
بأعماله[105]]، [العامل الصالح يتقبّل خبز عمله بجرأة، أمّا الكسول والمتهاون، فلا
يجسر أن ينظر بعينيه إلى رب عمله[106].]

ه.
التبرير بالنعمة المجّانيّة مع الجهاد المستمر حتى الموت [نساء كثيرات صرن قويّات
بالنعمة الإلهيّة وقمن بأعمال خارقة[107].]

و.
التقدّيس بالروح القدس.

ز.
الفضائل المسيحيّة من تواضع واحتمال وطول أناة مع تركيز على المحبّة. من كلماته: [المسيح
هو مسيح المتواضعين لا المتعجرفين على قطيعه[108]]، [الحب يقود إلى أعالٍ لا يُخبر
بها!… بالحب يأخذنا الرب إليه. بالحب يحملنا يسوع المسيح الذي أراق دمه عنّا
بإرادة الله، وأعطانا جسده عن جسدنا، ونفسه ونفوسنا[109].]

س.
الوحدة الكنسيّة القائمة على التقدير المتبادل بين الأعضاء. [لا وجود للكبار بدون
الصغار، ولا للصغار بدون الكبار، وإنّما في كل مكان يُدمج (الكل) لنفع الجميع.
أعظم مثل لهذا هو جسمنا، فالرأس بدون الأقدام ليس بشيء ولا الأقدام بدون الرأس.
نعم، فإن أقل الأعضاء في جسمنا ضروري ومفيد للجسم كلّه، أو بالحري كل الأعضاء تعمل
معًا في خضوع لأجل حفظ الجسم[110]]،

 

[لماذا
نمزّق أعضاء المسيح ونقطّعها، نثور ضدّ جسمنا، ويستولي علينا جنون مطبق كهذا، ننسى
إنّنا أعضاء بعضنا البعض؟ اذكروا كلام ربّنا يسوع المسيح[111].]

 

ح.
لأول مرّة نجد إعلانًا واضحًا وصريحًا عن تعليم “التتابع الرسولي” فرجال
الإكليروس لا يُسامون بواسطة أعضاء الجماعة، لأن السلطة الروحيّة لا تُمنح منهم،
وإن كان من حق الشعب أن يختار راعيه، لكن سلطانهم مُستمد من الرسل، الذين يمارسون
سلطاته في طاعة المسيح[112].

 

ط.
يعالج الفصلان ٢٤ و٢٥ موضوع القيامة من الأموات، ولأول
مرّة تُستخدم الأسطورة الرمزيّة القديمة الخاصة بالطائر “فونيكس” أو
“العنقاء” في كتابات مسيحيّة لتأكيد القيامة. وهو طائر خرافي زعم قدّماء
المصريّين أنّه يعمّر خمسة قرون، بعدها يموت ويدفن نفسه في تابوت من المرّ واللبان
والعطور ليقوم وهو أتم ما يكون شبابًا وجمالاً.

 

ي.
أوضحت نظرة الكنيسة للدولة: فبينما كان إكليمنضس وشعبه يذوقون المر من الإمبراطور
دومتيان إلاَّ أنّه في رسالته إلى أهل كورنثوس تجده يطلب الخضوع للولاة والرؤساء
كما يقدّم عنهم صلاة من كل قلبه.

 

ك.
كشفت لنا عن الليتورچيّا في الكنيسة الأولى،

 

ففي
هذه الرسالة نستشف الآتي:

1.
يعتبر إكليمنضس الروماني أول كاتب مسيحي يصف التجمع الليتورچي للكنيسة المسيحيّة
لتقديم “قرابينها” بتنظيم كنسي كعملٍ إلهيٍ[113]، إذ يقول: [أمرنا
(الرب) أن نقدّم التقدمات حسب أوقات وساعات معيّنة. لقد حدّد بنفسه، بأمره العلوي،
أين نتمّمها ومن الذي يقدّمها، حتى إذ يتم كل شيء بورعٍ حسب مسرّته الصالحة تكون
مقبولة لديه.[114]]

 

2.
كشف عن شركة كل المؤمنين في الليتورچيّا، سواء الكهنة أو الشعب، ولكن كل واحد حسب
عمله. إذ يقول: [أعطيت لرئيس الكهنة (الأسقف) ليتورچيّات خاصة، وحدّدت للكهنة
أماكن معيّنة، وللاويّين (الشمامسة) خدمات خاصة بهم، وللشعب القوانين الخاصة بهم.
ليصنع (يشترك) كل واحد منكم يا إخوة في إفخارستيّا
euscharisteito لله حسب ترتيبه (وضعه)[115].]

 

3.
ذكر بعض الرتب الكنسيّة مثل الأبوذياقونيّين (مساعدي الشمامسة)، والذياقون
(الشماس)، الأبرسفيتيروس (القس)، والأسقف وأوضح أن عمله الرئيسي هو خدمة
الليتورچيّات وتقديم القرابين[116].

 

4.
كشف عن السيّد المسيح أنّه “كاهن تقدماتنا العلي”[117]. فالعمل الكهنوتي
هو عمل المسيح شخصيّا الذي يعمل سرّيًا في كهنته. أنّها ذبيحة سماويّة تُقام على
الأرض، كاهنها المسيح نفسه، يقدّمها على المذبح السماوي كفّارة عن البشريّة.

 

5.
قدّم لنا أقدم وأروع شكل لصلاة ليتورچيّة (جماعيّة) في الكنيسة[118]، انتهت بمجدلة
“ذكصولوجيّة”
doxology كعادة الكنيسة في نهاية كل صلاة ليتورچيّة[119].

 

تاريخ
كتابتها

يحدّد
أغلب الدارسين للرسالة تاريخ كتابتها بعام ٩٦م.

 

 

أقسامها

*
افتتاحيّة من كنيسة روما إلى كنيسة كورنثوس، فيها يعلن الأب الأسقف حقيقة الكنيسة
إنّها متغرّبة على الأرض. هذه الحقيقة تتطلب أن تعيش الكنيسة وسط العالم بفكرٍ
سماويٍ، فلا تسلك بروح الغيرة والانقسامات، ولا تزحف على الأرض تطلب الفانيات، بل
تهتم بخلاص كل أحد.

 

أولاً:
جمال ملامح الكنيسة قبل الانقسام فصل ١-٢.

ثانيًا:
ملامح الكنيسة بعد الانقسام فصل ٣.

ثالثًا:
سرّ الانقسام: الغيرة والحسد فصل ٤-٦.

رابعًا:
علاج الحسد والغيرة فصل ٧-٥٨.

بالتوبة
والإيمان العملي فصل ٧-٨.

بالطاعة
فصل ٩–١2.

بالتواضع
فصل ١٣-٢١.

تذكّر
الدينونة وقيامة الأموات فصل ٢٢-٢٩.

بالجهاد
كأبناء الله فصل ٣٠-٣٦.

بالخضوع
للنظام والترتيب فصل ٣٧-٤٧.

بالحب
الذي هو باب البرّ فصل ٤٨-٥٨.

خامسًا:
ابتهال لله فصل ٥٩-٦١.

سادسًا:
ختام فصل ٦٢-٦٥.

 

[تُرجمت
نصوص الرسالة إلى العربيّة، ونُشرت عام ١٩٧٤م.]

الأعمال
المنسوبة للقدّيس إكليمنضس الروماني

لعلّ
ما حظي به القدّيس إكليمنضس من تقدير عام هو المسئول الأول عما نُسب إليه من
كتابات أرثوذكسيّة وهرطوقيّة، لكي تجد لها رواجًا.

 

1.
رسالة إكليمنضس المسماة بالثانية
The
so-called Second Epistle of Clement

في
حقيقتها عظة لا رسالة، لها أهميّتها بكونها أول عظة مسيحيّة وصلت إلينا حتى اليوم.
أما أهم ملامحها ومحتوياتها فهي:

ا.
التركيز المستمر على التوبة كطريق للملكوت، وكوسيلة لعمل لله فينا: [لنتب مادمنا
على الأرض، فإننا طين في يد فنان[120].]

ب.
الإيمان العملي خلال الطاعة للوصيّة واحتقار الشهوات الزمنيّة من أجل الأبديّة.

ج.
الكنيسة سابقة للوجود[121]، روحيّة غير منظورة، صارت جسد المسيح[122] وأمًا
للمؤمنين.

د.
دعى العماد ختمًا
Sphragis يلزم حفظه[123].

 

.
رسالتان عن البتوليّة

دافع
كثير من الدارسين الكاثوليك عن نسبتهما لإكليمنضس غير أن غالبيّة الدارسين
البروتستانت يرفضون ذلك، للأسباب التالية[124]:

ا.
صمت يوسابيوس عن ذكرهما.

ب.
نغمتهما النسكيّة تناسب النصف الأول من القرن الثالث[125].

ج.
تختلف الرسالتان هنا عن الرسالة الأصليّة لإكليمنضس في طريقة الاقتباس من العهد
الجديد، كما أن الاقتباس هنا من العهد القديم أقل.

 

ملامحهما
ومحتوياتها:

ا.
يبدو أن الرسالتين في الأصل عمل واحد، مع الزمن قُسَّم إلى جزئين.

ب.
البتوليّة حياة يعيشها الإنسان بروحه في الداخل كما بجسده، وليست لقب شرف أو مجرّد
اسم يحمله البتول:

[كل
البتوليّين من الجنسين… يلتزمون كل واحدّ فواحد منهم أن يكون متأهّلاً لملكوت
السماوات في كل شيء… الاسم وحده بغير الأعمال لا يُدخل ملكوت السماوات، لكن إن
كان الإنسان بحق مؤمنًا، مثل هذا يخلّص… لا يقدر الإنسان أن يخلّص لمجرّد تلقيبه
بتولاً وهو خالٍ من الأعمال الممتازة الكاملة التي تليق بالبتوليّة… فقد دعى
ربّنا مثل هذه البتوليّة جهلاً كما جاء في الإنجيل (مت٢٥: ٢).
وإذ لم تحمل زيتًا ولا نورًا تُركت خارج ملكوت السماوات، وطُردت من فرح العريس،
وحُسبت ضمن أعدائه، مثل هؤلاء الأشخاص لهم فقط مظهر مخافة الرب ولكنّهم منكرون
قوّتها (٢تي٢: ٥).]

 

ج.
الحياة البتوليّة هي عمل إلهي فائق للطبيعة، تدخل بنا إلى الحياة الملائكيّة،
ويختبر أصحابها الحياة السماويّة، وذلك بتقدّيس روح الله[126].

 

د.
الحياة البتوليّة ليست هروبًا من العالم لأجل الراحة الزمنيّة، إنّما هي دخول في
معركة الصليب حيث يجاهد البتول بروح الرب ضدّ الأنا وضدّ الشيطان ومحبّة العالم
وشهوات الجسد.

 

[إن
كنت تتوق إلى هذا كلّه اغلب الجسد، اهزم شهوات الجسد، اغلب العالم في روح الله،
انتصر على الزمنيّات الباطلة التي تعبر وتشيخ وتفسد وتنتهي… اِغلب الشيطان،
بيسوع الذي يقوّيك، بسماعك كلماته وتمتّعك بالإفخارستيّا في الله. احمل صليبه
واتبعه، ذاك الذي يطهّرك[127].]

 

ه.
يقدّم الكاتب نصائح وإرشادات عمليّة تخص النسّاك، منها:

 

عدم
الخلطة بين النساك والبتوليّين من الجنسين معًا[128]، خاصة عدم المزاح والأحاديث
التافهة، والهروب من أماكن الشرّ[129].

 

الالتزام
بالعمل، إذ لا يسمح للكسالى حتى أن يأكلوا خبزًا[130].

 

يخدمون
لكن دون حب التعليم[131]، ويهتمّون بالفقراء والمرضى مع عدم تجاهل العبادة والحياة
الروحيّة الداخليّة[132].

 

و.
تظهر أهميّة الرسالتين إذ تقدّمان لنا أقدّم وثيقتين كمصدر للتاريخ النسكي المسيحي
الأول وقوانين الحياة النسكيّة وعاداتها.

 

3.
القوانين الرسوليّة
The Apostolic
Institutions

قدّمت
لنا في الكتاب الثامن ما يُسمى بالليتورچيّا الإكليمنديّة
The Clementine Liturgy. كان الدارسون حتى القرن السادس عشر يعتقدون إنّها عمل أصيل من
وضع القدّيس إكليمنضس، وقد أدركوا بعد ذلك إنّها ليتورچيّا شرقيّة من القرن الرابع.

 

4.
الإكليمنضيّات المزوّرة، وتسمى “كلمنتينا” أو سيّدو-كلمنتينا
Pseudo-Clementina

 

وهي
مجموعة كتابات مزوّرة متشابهة إلى حد ما، لكنها غير متجانسة معًا، منسوبة خطأ
للقدّيس إكليمنضس. كتبها جماعة من الأبيونيّين[133] الهراطقة، وهم شيعة متطرفة من
بعض اليهود المتنصرين، يحملون عداءً للرسول بولس بكونه رسول الأمم، أو على الأقل
يتجاهلون خدمته وكرازته. لذلك جاءت هذه الكتابات مليئة بعبارات التمجيد للرسولين
بطرس ويعقوب أخي الرب، بكونهما رسولي الختان. كما ربطوا بين الرسول بطرس وسيمون
الساحر عقب اللقاء الذي تم بينهما في السامرّة حوالي عام ٣٧م ويصوّرون
الرسول أنّه أخذ يتعقبه من سوريا حتى وصل إلى روما عاصمة الإمبراطوريّة وهناك
أماته بصلاته[134].

 

أما
عن أفكار هذه الجماعة، فهما فريقان بين متزمت ومعتدل، الأول يحفظ ناموس موسى حفظًا
حرفيًا ويقدّسون السبت ويعتبرون الختان لازمًا للخلاص. أمّا الفريق الآخر، فيحفظون
ناموس العهد القديم، لكنّهم لا يلزمون الجميع ولا يتعصّبون ضدّ من يرفضون حفظه.
كانوا يحتفلون بيوم الأحد ولا يعترضون على آلام السيّد المسيح، لكنّهم يشتركون مع
الفريق الأول في إنكار لاهوته وأزليّته[135].

 

أما
أهم كتابات الاكليمنضيّات المزوّرة فهي:

ا.
العظات
Homilies: عبارة عن عشرين عظة أبيونيّة؛ تتحدّث عن السيّد المسيح كنبي
ومعلّم وليس مخلّصا، وتنكر لاهوته.

ب.
المدركات
Recognitions: في عشرة كتب.

ج.
الخلاصة
Epitome: وهي مقتطفات باليونانيّة بغير دقّة أو اكتراث منقولة عن العظات Homilies مضاف إليها مقتطفات عن رسالة إكليمنضس ليعقوب عن “استشهاد
إكليمنضس
Martyrium Clementis، بواسطة Simon
Metaphrastes
… الخ.

 

د.
كتابات أخرى لها ذات الصبغة، منها مقتطفان عن المدركات
Regonitions والعظات Homilies، وُجدت باللغة العربيّة.

 

كما
نسبت له خمسة رسائل منها رسالتان موجّهتان إلى يعقوب أخ الرب، يضمّهما البعض إلى
الإكليمنضيّات المزوّرة. في الرسالة الأولى يظهر الكاتب رسالة إكليمنضس بيد بطرس
الرسول كخلف له على كرسي روما مع توجيهات خاصة بالتنظيمات الكنسيّة. والثانية تشير
إلى خدمة الإفخارستيا وأثاث الكنيسة وبعض الأمور الطقسيّة[136].

 

ملامحها
ومحتوياتها

1.
احتلت قصّة عائلة إكليمنضس مركزا هامًا في العظات كما في المدركات، وهي تتلخص في
أن سيّدة تدعى ماتلدا زوجة فوستوس ووالدة ثلاثة أشخاص: فوستينوس وفوستنيانوس
وإكليمنضس تركت روما متجهة إلى أثينا وفي صحبتها الابنان الكبيران، وقد اختفى
الثلاثة. قام فوستوس بالبحث عنهم فاختفى هو بدوره. بقى إكليمنضس بمفرده، فجال في
العالم يبحث عن الحق فوجد القدّيس بطرس. التصق به ودخل معه في مناظرات حيث كان
يسأله عن الحق… وقد اكتشف بعدئذ بالتتابع والدته فأخويه ثم والده. وربما لهذا
السبب دُعيت أحد هذه الأعمال بالمدركات.

 

2.
بينما نُسبت الرسالتان عن البتوليّة للقدّيس إكليمنضس، حيث يشبه البتوليّين
بالملائكة السمائيّين، وتعتبر البتوليّة هبة إلهيّة تمس الحياة الداخليّة كما
الجسد، إذ بالعظات المنسوبة لذات القدّيس تحمل اتجاهًا أبيونيًا، إذ تهاجم
الأبيونيّة الحياة البتوليّة.

 

3.
جاء في الإكليمنضيّات المزوّرة بعض طقوس التطهير منسوبة للقدّيس بطرس مثل الامتناع
عن العلاقات الجسديّة بين الزوجين في فترة الطمث[137]، والاستحمام بعد العلاقات
الجسديّة.

 

4.
تقدّم لنا هذه الإكليمنضيّات القدّيس بطرس كإنسان نباتي، إذ يقول: [أعيش ع الخبز
والزيتون فقط، ونادرًا ما آكل خضروات… فإن نفسي تسبح في الأعالي في الأبديّات
ولا تتطلّع إلى السفليّات[138].]

 

ينظر
الكاتب إلى أكل لحوم الحيوانات أنّه ضدّ الطبيعة، أدخله إلى البشريّة العمالقة
الذين وُلدوا من الملائكة الساقطين[139].

 

5.
حملت العظات مفاهيم غير مسيحيّة خاطئة منها:

 

v أن الناموس سُلِّم شفاهًا من موسى إلى السبعين كليمًا، وبعد موته
كُتب، لكنّه ضاع فأعيد كتابته لذا يحتاج إلى تنقية من بعض الأخطاء[140].

 

v لم يهتم الكاتب بدور السيّد المسيح الخلاصي، ورفض فكرة سقوط آدم،
إذ حسب الأخير نبيًا حقيقيًا يعرف كل شيء، قدّم هذه المعرفة لأولاده وعلمهم أن
يخدموا الله في كل شيء، وبهذا أسس للبشريّة كلّها قانونًا أبديًا[141]. وإذ تجاهلت
البشريّة ذلك احتاجت إلى موسى ويسوع ليحقّقا ما سبق أن قام به آدم. لهذا يمكن
للإنسان أن يتتلمذ على الواحد دون حاجة إلى الآخر، ما دام يمارس عمليًا ما يعلّمه
ولا يحمل كراهيّة ضدّه؛ وكأنّه وضع موسى ويسوع على قدّم المساواة… لأن همه الأول
هو “النشاط العملي للإرادة” لا الإيمان بالخلاص. تجاهل بنوّة السيّد
المسيح الإلهيّة، وتطلّع إلى كلمات يسوع على الصليب للغفران للمسيئين إليه مجرّد
مثال نتمثّل به وليس عملاً خلاصيًا[142].

 

هذا
الفكر يحمل اتجاهًا يهوديًا، لذا يرى كثير من الدارسين أن الكاتب يهودي قبل
المسيحيّة، فقد هاجم تعدد الآلهة وعبادة الأوثان والتنجيم، لكنّه لم يحمل فكرًا
مسيحيًا حقيقيًا

 

مفاهيم
روحيّة عن رسالة إكليمنضس الأولى

 

التأمل
في الصليب:

[لنركّز
أنظارنا على دم المسيح؛ متحقّقين كم هو ثمين لدى أبيه! إذ أراقه قدّم نعمة التوبة
للعالم كلّه!] (٧: ٤).

 

الحاجة
إلى التوبة:

[اته
يود أن يقدّم فرصة للتوبة لكل محبوبيه، ويثبّتها بإرادته القادرة] (٨: ٥).
[احترزوا أيها الأحبّاء لئلا يصير كثرة لطفه دينونة لجميعنا، ذلك إن لم نسلك كما
يليق به، ونتمّم بفكرٍ واحد الأمور الصالحة المرضيّة في عينيه] (٢١: ١).

 

الثقة
في المواعيد الإلهيّة:

[ليتنا
لا نتردّد، ولا نتشكك من جهة عطاياه الثمينة المجيدة] (٢٣: ٢).
[مباركة ومدهشة هي عطايا الله أيها الأحبّاء] (٣٥: ١).

 

ترقب
وعده بالقيامة:

[على
هذا الرجاء تلتصق نفوسنا بالأمين في مواعيده، العادل في أحكامه] (٢٧: ١).

 

شهادتنا
لله بسلوكنا:

[فليشهد
الآخرون عن أعمالنا الصالحة، كما شهدوا لآبائنا الصدّيقين] (٣٠: ٧).

 

نشكر
الله على عمله معنا وفينا:

[يليق
بنا أن نشكره ما دام كل ما فينا هو منه] (٣٨: ٤).

 

الاهتمام
بدراسة الكتاب المقدّس:

[انكبوا
على دراسة الكتب المقدّسة التي هي بحق منطوقات الروح القدس] (٤٥: ٢).

 

الاهتمام
بالحب الأخوي اللائق والمقدّس والعملي.

[لننطرح
قدّام الرب ونسأله بدموعٍ أن يجعلنا رحومين، ويصالحنا معه، ويعيدنا إلى ممارسة
الحب الأخوي الذي كان لنا، اللائق والمقدّس.

 

إنه
باب البرّ الذي يفتح الطريق للحياة، كما هو مكتوب: “افتحوا لي أبواب البرّ،
أدخل فيها وأحمد الرب. هذا هو باب الرب والصدّيقون يدخلون فيه”
(مز١١٨: ١٩، ٢٠).

 

الحب
يقود إلى أعالي لا يُخبر بها!

الحب
يوحِّدنا مع الله، إذ “المحبّة تستر كثرة من الخطايا” (١بط٤:
٨؛ أم١٠: ٢)…

بالحب
يصير مختارو الله كاملين، وبدونه ليس شيء يرضي الله.

بالحب
يأخذنا الرب إليه.

بالحب
يحملنا يسوع المسيح الذي أراق دمه عنّا بإرادة الله، وأعطانا جسده عن جسدنا، ونفسه
عن نفوسنا.

انظروا
أيها الأحبّاء، يا لعظم الحب. إنه مدهش! كماله لا يمكن وصفه!…

يجلس
الكاملون في الحب بالنعمة الإلهيّة في مجالس القدّيسين، ويظهرون عند إعلان ملكوت
المسيح] (٤٨-٥٠)

 

اهتمامنا
بالخطاة:

[لنصل
نحن أيضًا من أجل الذين ارتكبوا أية خطيّة، حتى إذ نعاملهم بالوداعة والتواضع
يمتثلون لا لنا بل لإرادة الله. بهذه الكيفيّة يكون ذِكرنا لهم مثمرًا وكاملاً
وبلطف في صلّواتنا لله وقدام القدّيسين] (٥٦: ١).

 

الهروب
من الكبرياء:

[من
الأفضل أن تكونوا صغارًا ومكرّمين في قطيع المسيح، عن أن تكونوا مشهورين وخارج
رجائه] (٥٧: ٢).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى