اللاهوت الطقسي

الفصل الثالث



الفصل الثالث

الفصل الثالث

الذبائح المقدمة فى حال الخطأ السهو

كانت هذه الذبائح لا تقل فى أهميتها عن الذبائح
المقدمة رائحة سرور للرب، فهى تكمل الصورة التى تشير إلى ذبيحة الصليب فى جانب
من أهم جوانبها وهو الفداء والكفارة والتكفير عن خطايا العالم كله.

كانت هذه الذبائح للتكفير عن الخطايا التى سقط
فيها الإنسان عن طريق السهو أو الجهل.
وهذا يشير إلى مسئولية
الإنسان عن خطايا السهو أو خطايا الجهل أو كيفما يفهمها مرتكبها.. قد يُخطىء
الإنسان عن جهل أو سهواً، لكن تظل الخطية هى الخطية، ويستحق عنها عقاباً، ولابد أن
يكفَّر عنها.. إن تعليم العهد القديم والعهد الجديد واحد فى هذه المسألة..
يقول
رب المجد “وأما ذلك العبد الذى يَعلم إرادة سيده ولا يستعد ولا يفعل بحسب
إرادته، فيُضرب كثيراً. ولكن الذى لا يَعلم ويفعل ما يَستحق ضربات، يُضرب قليلاً.
فكل من أُعطى كثيراً يُطلب منه كثير، ومن يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر”
(لوقا 12: 47و48)..
من هنا كان تعليم كنيستنا أن نصلى من أجل الخطايا التى
فعلناها بمعرفة وبغير معرفة. الخفية والظاهرة.

قد يقول قائل: وما ذنب الإنسان الذى يجهل
وصية من الوصايا ويكسرها؟..
والإجابة إنه إذا كان القانون الوضعى لا يعفى من
العقوبة من يجهل القانون (الجهل بالقانون لا يعفى من العقوبة). فالأمر على
هذا النحو بالنسبة لله.

لكن هنا بلا شك فارق فى تطبيق العقوبة بين من
يَعلم ومن لا يَعلم.

وقد اهتم رجال الله الأبرار فى كل زمان بخطايا
السهو والجهل..
فنرى داود النبي والملك يصلى إلى الله ويقول “اختبرنى
يا الله واعرف قلبى. امتحنى واعرف أفكارى. وأنظر إن كان فىّ طريق باطل. واهدنى
طريقاً أبدياً”
(مزمور 139: 23و24) كما يقول “من الخطايا
المستترة ابرئنى”
(مزمور 19: 12).. ولنا مثال واضح فى أيوب الصديق الذى
أرسل وقدس أولاده “وبكّر فى الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم لأن أيوب
قال ربما أخطأ بنىَّ وجدفوا على الله فى قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل
الأيام” (أيوب 1: 5) ..
ويؤكد القديس بولس هذا المفهوم حينما يقول “فإنى
لست أشعر بشىء فى ذاتى. لكننى لست بذلك مُبرراً.. ولكن الذى يحكم فىّ هو
الرب”
(كورنثوس الأولى 4: 4).

وعلى المستوى العملى الفردى يرى الإنسان أن عدم
علمه أو إحساسه بخطية ما، لا يغّير من الواقع شيئاً.. إنها خطية، يترتب عليها تألم
الإنسان وفقدان سلامه مع الله.
هذا ما يشعر به أى إنسان وعلى عكس ذلك
فإن تمتع الإنسان بالسلام مع الله هو دليل واضح على حياة سوية مع الله.

تتبقى نقطة في هذا الأمر.. ما موقف بني
إسرائيل من الخطايا التي لم يفطنوا إليها ولم تُعلن لهم بأية صورة؟
إن هذه كان
يُكفّر عنها بالذبيحة العامة التي يقدمها رئيس الكهنة يوم عيد الكفارة، ويدخل
بدمها إلى قدس الأقداس.

أما الخطايا التى تُرتكب عمداً وبجرأة ووقاحة،
كالقتل (عدد 35: 31-33). وخطايا التجديف وعبادة الأصنام وخطايا أخرى (لاويين
24: 13-21)،
فالشريعة ما كانت تُقدم تكفيراً بل علّمت أن مرتكبيها تنتظرهم
دينونة رهيبة ونقمة عادلة. يقول الوحى فى ذلك: “وأما النفس التى تعمل بيد
رفيعة
(أى بتعمد ودون مبالاة) من الوطنيين أو من الغرباء فهى تزدرى بالرب
فتقطع تلك النفس من بين شعبها. لأنها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته قطعاً تقطع تلك
النفس. ذنبها عليها”
(عدد 15: 30و31).. كما يقول الرسول مطبقاً
هذا على الذين يزدرون بذبيحة المسيح الكفارية وعمله الخلاصى “فإنه أن
أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا، بل قبول
دينونة مخيف، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين. من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين
أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحُسب مُستحقاً من داس
ابن الله، وحسب دم العهد الذى قُدس به دنساً وازدرى بروح النعمة؟ مخيف هو الوقوع
فى يدى الله الحى”
(عبرانيين 10: 26-31). أما السبب فى ذلك فهو
اظهار بشاعتها من ناحية، ومن ناحية أخرى لكى يُشعر الله بنى إسرائيل، بأن الذبائح
التى يقدموها رغم فعاليتها فهى ناقصة

أما ذبيحة المسيح فهى لجميع خطايا الإنسان. التى
صنعها بمعرفة والتى صنعها بغير معرفة، التى عملها بإرادته والتى عملها بغير
إرادته، الخفية والظاهرة، “لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش
على المنجسين، يُقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحرى يكون دم المسيح، الذى بروح أزلى
قدم نفسه لله بلا عيب، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحى”
(عبرانيين
9: 13و14)..
هكذا تظهر قيمة ذبيحة المسيح الواحدة بالقياس إلى ذبائح العهد
القديم الدموية الحيوانية المتعددة، وبالتالى تبرز مسئوليتنا أمام الله إن نحن لم
نقّدر هذه الذبيحة حق قدرها..

 

V نوعان من الذبائح للتكفير عن خطايا السهو:

يكشف لنا الوحى عن نوعين من الذبائح التى كان
يلزم تقديمها فى حال الخطأ السهو، وهى: ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم. ويُقصد
بخطايا السهو عند الرابِّيين، ليس فقط الخطايا التى تُقترف عن جهل وعدم معرفة،
ولكن أيضاً تلك التى تصدر عن الإنسان عن غير قصد أو عن ضعف، أو التى لم يكن
مقترفها مدركاً لخطيته فى وقت ارتكابها.

ذبيحتا الخطية والإثم.. ذبيحتان لهما شريعة
واحدة. هكذا قال الوحى: “ذبيحة الإثم كذبيحة الخطية لهما شريعة
واحدة” (لاويين 7: 7).. فما الفرق بينهما اذاً؟

اختلفت أراء مفسرى
الكتاب المقدس فى تحديد الفرق بين الذبيحتين.. والواقع أن الفرق بين الذبيحتين
يظهر من الحالات التى حددها الوحى الإلهى لكل منهما:

 

1. ذبيحة الخطية إما أن تكون مقدمةً عن
الجماعة أو عن فرد. فقد تكون عامة من أجل كل الشعب، وذلك فى المناسبات والأعياد،
أو خاصة من أجل الشخص الذى أخطأ سهواً، وبما أنها كانت تُقدم عن شخص المخطىء، لذلك
فإنها كانت تختلف فى نوع الذبيحة حسب حالة مقدِّمها ومستوى معرفته وإمكانياته،
يُضاف إلى ذلك حالات حددها الوحى كانت تُقدم من أجل التطهير فى حالات النجاسة،
باعتبارها تشير إلى طبيعتنا الخاطئة، مثل النجاسة التى تختص بالجنس أو ملامسة
الأبرص أو ملامسة الميت (انظر لاويين 12: 6 و15: 14و15 و25-30).

 

2. أما ذبيحة الإثم
فهى للتكفير عن إثم معين
([1])
اُقترف ضد أحكام الله، سواء كان ضد الله أو ضد الإنسان مثل الاعتداء على أقداس
الرب أى عدم الأمانة فى تقديمها، مثال الباكورات وفداء الشبان والعشور وغيرها
(لاويين 5: 15).
والاعتداء على حقوق الناس سهواً كعدم رد الوديعة، فهى
دائماً ذبيحة خاصة بمقدمها.
ولا تُقدم فى المناسبات والأعياد.

ونلاحظ أن التوبة كانت أساسية فى مفعول ذبيحتى
الخطية والإثم وهو التكفير. فقد علّم معلمو اليهود أن التوبة لازمة لمن يريد أن
يحصل على تكفير عن خطاياه من خلال هاتين الذبيحتين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى