علم

33- ثياب العذارى – القديس كبريانوس



33- ثياب العذارى – القديس كبريانوس

33- ثياب العذارى – القديس كبريانوس

ON THE DRESS OF VIRGINS

يستهِل
القديس كبريانوس كِتابه بالحديث عن التلمذة شارِحاً دوافِعه في الكِتابة، فالتلمذة
هي حارسة الرجاء ورابِطة الإيمان، المُرشدة لطريق الخلاص، مُعلِّمة الفضيلة، وبها
نثبُت في المسيح ونحيا دوماً لله، وننال المواعيد السمائية والجعالات الإلهية..
إتباعها نافِع ومُفيد وإهمالها مُهلِك ومُميت، فالروح القدس يقول في المزامير: ”وللشِّرِّير
قال الله ما لَكَ تُحدِّثُ بفرائِضي وتحملُ عهدي على فَمِكَ. وأنتَ قد أبغضتَ
التأديب وألقيتَ كلامي خلفَكَ“ (مز 50: 16 – 17)، وكذلك يُحذِّرنا سُليمان: ”يا
ابني لا تحتقِر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لأنَّ الذي يُحبُّه الرب يُؤدِبهُ“
(أم 3: 11 – 12)، لكن إذا كان الله يُوبِخ مَنْ يُحبُّه لأجل تقويمه وتهذيبه،
فإنَّ الإخوة أيضاً – وخاصَّة الكهنة – لا يُبغِضون مَنْ يُوبخونه بل يُحبُّونه،
إنما هم يُوبخونه لأجل تهذيبه لأنَّ الله قد تنبأ بإرميا قبلاً عندما قال: ”وأُعطيكم
رُعاةً حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم“ (إر 3: 15).

 

ويستطرِد
أسقف قرطاچنة شارِحاً أنه إذا كانت التلمذة مُمتدِحة كثيراً وفي كلّ موضِع في
الكِتاب المُقدس، فليس هناك أي شيء آخر يليق بنا أن نشتهيه ونُريده ونتمسَّك به
عدا أن نُؤسِس بيوتنا على الصخر غير مُتزعزِعة من عواصِف وزوابِع العالم، كي نصِل
بالتعاليم الإلهية إلى جعالات الله.

 

ثم
يبدأ الكاتِب في تناول موضوع كِتابه بعد هذه المُقدمة، فيُذكِّر قارئه – أو
بالأحرى قارئِته – أنَّ أعضائنا عندما تتطهَّر من دنس المرض القديم بتقديس حميم
الحياة أي المعمودية، تصير هياكِل لله، فيجب ألاَّ تُهان أو تُدنَّس، وعلينا نحن
عُبَّاد وكهنة هذه الهياكِل أن نُطيع المسيح الذي صِرنا خاصَّته كما يقول بولس
الرَّسول: ”أنَّكُم لستُم لأنفُسكُم. لأنَّكُم قد اشتُرِيتُم بثمنٍ. فمجِّدوا الله
في أجسادِكُم وفي أرواحِكُم التي هي لله“ (1كو 6: 19 – 20).

 

ويحِثِنا
القديس أن نُمجِّد الله في جسد طاهِر عفيف بطاعة كاملة، فإذ قد فدانا المسيح، لابد
أن نُطيعه بكلّ طاعة الخدمة، حتّى لا يدخُل أي شيء دَنِسْ أو غير طاهِر داخل هيكل
الله، لئلاَّ يُهان فيهجُر الهيكل الذي سكنه.

 

وكلِمات
الرب التي تشفينا وتُعلِّمنا وتُحذِّرنا هي ”ها أنتَ قد بَرِئتَ. فلا تُخطِئ أيضاً
لئلاَّ يكون لَكَ أشرُّ “ (يو 5: 14) فهو يهِب حياة، يهِب شِفاء، لكنه يتوعد
بشدَّة مَنْ يُستعبَد ثانية من نفس الخطايا التي شفاه هو منها، ويقول كبريانوس: ”ليهتم
الرِجال والنِساء، الأولاد والبنات، كلّ جِنْس وكلّ سِنْ، أن يحفظوا ما نالوه من
تعطُّف الرب طاهراً نقياً بخوفٍ ورِعدةٍ“.

 

ويُوجِه
كبريانوس حديثه للعذارى إذ بقدر ما أنَّ مجدهُنَّ أعظم، بقدر ما يقتضي إهتماماً
أكثر، ويمتدحهُنْ قائِلاً أنَّهُنْ زهرة البِذرة الكنسية، نِعمة وزينة المواهِب
الروحية، العمل التام غير الفاسد الذي للمدح والكرامة، صورة الله، أكثر أعضاء قطيع
المسيح بهاءً، وبِهِنْ تفرح الأم الكنيسة، ومن هنا كان اهتمام كبريانوس أن
يحِثِهِنْ بمحبة أكثر مِمَّا بِقُوَّة، فهو لا يُوبخهِنْ بل يخشى عليهُنْ من حروب
الشيطان وتجارِبه.

 

وهو
ليس اهتماماً باطلاً ولا خوفاً فارِغاً أن تأخذ العذارى نصائِح لأجل طريق الخلاص،
حتّى يستطِعن – بعد أن كرَّسنَ أنفسهُنْ للمسيح وابتعدنَ عن كلّ شهوة جِسدانية
ونذرنَ أنفسهُنْ لله في الجسد كما في الروح – أن يُكمِّلنَ عملهُنْ ذا الجعالة
العظيمة، ولا يسعين لأن يُسَرْ أي أحد بِهِنْ إلاَّ ربَّهُنْ الذي منه ينتظِرنَ
جعالة البتولية، كما قال هو نفسه ”ليس الجميعُ يقبلُون هذا الكلام بل الذينَ
أُعطِيَ لهم.لأنه يوجد خِصيان وُلِدُوا هكذا من بُطُون أُمَّهاتِهِم. ويوجد خِصيان
خصاهُم الناس. ويوجد خِصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات“ (مت 19: 11 – 12).

 

ويرى
كبريانوس أنَّ كلِمات ملاك سِفْر الرؤيا تُعلِن عظمِة البتولية وتكرِز به ”هؤلاء
هُم الذينَ لم يتنجَّسوا مع النِساء لأنهم أطهار. هؤلاء هُم الذينَ يتبعون الخروف
حيثُما ذَهَبَ“ (رؤ 14: 4)، ويتساءل ”لكن إذا كانت العِفة تتبع المسيح، والبتولية
جعالتها الملكوت، فما شأنها إذاً بالثوب الأرضي أو بالزينة التي بها بينما
يجتهِدان لإرضاء الرِجال، يُسِيئنَ إلى الله؟“ رغم أنَّ الرَّسول بولس يقول ”فلو
كُنتُ بعدُ أُرضي الناس لم أكُن عبداً للمسيح“ (غل 1: 10).

 

لكن
العِفة لا تتمثَّل فقط في طهارة الجسد، بل وأيضاً في الحِشمة واللياقة، وكذلك في
عِفة الثِياب والزينة كي تكون غير المُتزوجة – بحسب كلِمات الرَّسول – طاهرة جسداً
وروحاً، ويُعلِّمنا بولس الرَّسول قائِلاً ”غير المُتزوج يهتم في ما للرب كيف
يُرضي الرب. وأمَّا المُتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يُرضي امرأته. إنَّ بين
الزوجة والعذراء فرقاً. غير المُتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مُقدسة جسداً وروحاً“
(1كو 7: 32 – 34) فيجب ألاَّ يشُك أحد عندما يرى عذراء إذا كانت عذراء أم لا، بل
يجب أن يظهر الكمال مُتساوياً في جميع الأمور، ويجب ألاَّ يُشكِك ثوب العذراء في
صلاح ذِهنها، ويتساءل كاتِبنا ”لماذا تتمشَّى مُتزيِنة؟ لماذا تسير بشعر مُزيَّن
مُصفف كما لو كان لها زوج أو تطلُب واحداً؟“.

 

ويُؤكِد
القديس كبريانوس أنَّ مَنْ ليس لهُنْ أزواج يجب أن يحفظنَ أنفُسهُنْ طاهِرات
عفيفات، ليس فقط في الجسد بل وأيضاً في الروح، لأنه ليس من الصواب أن تُصفِف
العذراء شعرها لأجل مظهر جمالها، أو تتباهى بجمالها الجسدي، في حين أنه ليس لديها
جِهاد أعظم من جِهادها ضد جسدها، وليس لديها صِراع أصعب من هزيمة وإخضاع الجسد.

 

ورغم
أنَّ بولس الرَّسول يُعلِن بصوتٍ عالٍ ”وأمَّا من جِهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ
بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم“ (غل 6: 14)
تفتخِر عذراء في الكنيسة بجمالها الجسدي ومظهرها!! ويُضيف بولس قائِلاً ”ولكنَّ
الذينَ هُمْ للمسيح قد صلبُوا الجسد مع الأهواء والشَّهوات“ (غل 5: 24)، ويتعجب
كبريانوس كيف أنَّ ”مَنْ تُنذِر أن تجحد شهوات وأهواء الجسد توجد وسط هذه الأمور
عينها التي نذرت أن تجحدها!!“.

 

إنَّ
الرب يقول لإشعياء ”كلُّ جسدٍ عُشب وكلُّ جمالِهِ كزهر الحقل. يَبِسَ العُشبُ
ذَبًلَ الزَّهر لأنَّ نفخة الرب هبَّت عليه. حقاً الشعب عُشْبٌ. يَبِسَ العُشْبُ
ذَبُلَ الزَّهرُ وأمَّا كلِمةُ إلهنا فتثبُت إلى الأبد“ (إش 40: 6 – 8) ومن غير
اللائِق بأي مسيحي، وبالأخص بالعذارى، أن ينظُر أو يهتم بأي مجد أو كرامة للجسد،
بل فقط يطلُب ويشتهي كلِمة الله، حتّى ينال العطايا التي تدوم إلى الأبد.

 

ويتحدَّث
كبريانوس عن العذارى اللائي يتعذبنَ ويتألمنَ لأجل الاعتراف بالاسم الحَسَنْ وكيف
أنَّهُنْ أقوى من العذابات، عندما يجتزنَ النيران، الصُّلبان، السيف، الحيوانات
المُفترِسة، حتّى يُكللنَ، ويصِف عذاباتِهِنْ بأنها أفضل زينة لجسدهِنْ، وأنها
”جواهِر الجسد الثمينة“.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى