علم

الفقر



الفقر

الفقر

 لقد
كان الإنسان في البدء شبه الملائكة، فلما سقط صار شبه البهائم، ولكن إذا كانت
الطبيعة الإنسانية تسوق الى الشهوات البهيمية، فان الشريعة المسيحية تؤدي إلى
الغاية الملائكية، لأن المسيح وعد الذين يعملون إرادته أنهم سيكونون مثل ملائكة
الله، فاعلم يا خى أنه ليس شئ يقرب إلى الله مثل الطهارة والاتضاع، ويمكن اقتناؤها
بالصروم والصلاة والسهر والتعب. وأتمام الخيرات بقطع رأس الشر الذي هو حب
المقتنيات.

سؤال:
(أسألك يا أبي أن تبين لى ما هى المشيئة الجيدة، وما هي المشيئة الرديئة؟).

الجواب:
(قلت لك أن كل نياح جسادنى مرذول عند إلهنا)، لأنه قال: (أن الطريق المؤدية إلى
الحياة الأبدية حزينة وضيغة، فمن يختارها لنفسه المشيئة الجيدة، ومن أرادها فإنه
يلقى بنفسه في كل أمر حزين بهواء، وبقدر استطاعته. أسمع ما قاله الرسول: (أني أقمع
جيدي واستعبده) فأفهم أن الجسد لا يريد ذلك، بل بمشيئته كان يضمره، فالذي يريد
الخلاص يجب أن تكون مشيئته هكذا، ومن كان كذلك فكل أموره مختلط فيها الحزن.

لا
تستعمل فراشا لينا، وتذكر أن كثيرين ينامون على الأرض وبين الشوك، وأن صادفت
طعاماً لذيذا فاتركه وكل من الدون، كيما يحرك على جسمك حزناً، وأذكر الذين لا
يذوقون خبزاً البتة، واذكر كذلك الألم الذي قبله سيدك من أجلك، وأعط لنفسك الويل –
هذه هي المشيئة الجيدة، أما المشيئة الرديئة فهي نياح الجسد في كل ما يطلبه منك،
ولاسيما إذا اتفق لك طعام غير جيد، وقلت: (لا آكل)، فهذه هي المشيئة الرديئة،
فاقطعها عنك وأنت تخلص).

قطع
الهوى

سأل
أخ شيخاً: (كيف أعلم، أن أقطع مشيئتي حين أكون في القلاية وحين أكون بين الناش؟.
وما هي مشيئة الله وما هي مشيئة الشيطان؟).

فأجابة:
(أما قطع الراهب لمشيئته في قلايته، فذلك بتهاونه بانياح الجسداني في جميع الأحوال
والأمور، أما إذا كان بين الناس، فليكن كالميت بينهم، أو كالغائب عنهم، أما مشيئة
الله فهي الا يهلك أحد، كما كتب في الأنجيل، وأن يقبل الكل إلى معرفة الحق، كما
قال الرسول بولس، وألا يموت الإنسان وهو خاطئ، بل أن يتوب ويحيا، كما قال النبي
حزقيال.

أما
مشيئة الشيطان فهي: (ثقة البار بنفسه، وعد توبة الخاطئ عن خطيئته).

ولما
سئل أنبا يوحنا رئيس الكينونيون عند نياحته: (قل لنا كلمة يا أبانا) قال: (إنى لم
أكمل هو أي قط، ولم أعلم أحداً شيئاً لم يسبق لى عمله).

الصلاة
وموافقتها لميشئة الله: –

+
أخبروا عن شيخ قديس، أنه كان داخلاً إلى مدينة لها أمير كبير، وكانت له أبنة قد
قاربت الموت، فلما رأي القديس أمسكه وأعاقه عن السفر قائلاً له: (لن أطلقك حتى
نصلي على ابنتى فتصافى). فتبعه الشيخ إلى موضع الصبية، ووقف فوق رأسها، وبسط يديه
قائلاً: (أيها الرب العارف بخير النفوس، يا عالم الغيوب، يا من لا يشاء ان يهلك أحد
من جنس البشر، أنت تعلم حيرة هذه الصبية، أرادتك أفعلها معها)، وللوقت أسلمت
الصبية روحها، فصاح أبوها على الشيخ قائلاً: (واويلاه منك يا شيخ، فإن كنت لم تقدر
أن تقيمها، فلا أقل من أن تعطيها لى كما كانت، والا فلن أطلق سبيلك)، فطلب الشيخ
من الله فعادت نفسها إليها بطلبة الشيخ مرة أخرى.

ولما
عوفيت لم تلبث أن سارت سيرة رديئة، فأفسدت جلال أبيها، فمضى إلى موضع الشيخ وطلب
منه قائلاً: (أريد أن تموت، فقد عاشت عيئة رديئة، وأنا أحتشم أن أمشى بسببها)،
فقال له الشيخ: (أنا قد طلبت من الله الخير فيما يريد، وقد علم الله أن موتها
أصلح، لكنك لم ترد، والان لا شأن لى معاك ومضى الشيخ وتركه.

ولذلك
كان إنما أغاثون يقول: (هكذا يجب أن يكون فهم القديسين أن يعرف الإنسان مشيئة الله
وأن يكون بكليته سامعاً للحق خاضعاً له لأنه في صورة الله ومثاله).

ومن
شر الأعمال كلها أن يطيع الإنسان ارادته ويخالف إرادة الله وأن يكون له هوى في شئ
وفي غيره هوى آخر في نفس الوقت.

كذلك
قيل: (النية هي المطلوبة في كل موضع وليست في موضع معين، فإن آدم كان في الفردوس
وأطاع مشورة الشيطان، وتبع هواه وعصى وصية الآله، وأيوب كان جالسا على المزبلة،
وقام الشيطان، وضبط هواه، وحفظ وصية الآله).

الغربة

قال
القدس برصنوفيوس:


غرباء نحن، فلنكن غرباء بالكمال، ولا نحسب انفسنا شيئاً، ولا نشاء أن يحسبنا أحد
فنتنيح. جاهد ان تموت في القبر من كل أنسان، وقل لفكرك: ” لقد مت ووضعت في
القبر” وأنت تخلص، وليس غلق الباب هو الموت، بل غلق الفم والطاعة هي أيضاً
مطفئة لجميع سهام العدو المحماة.

المحبة

وقال
أيضاً:

+
البذور العظيمة، والأعصاب التى تشدد كل الأعضاء، وتشفى كل مرض وأسترخاء، هي المحبة
التى أعطانا الآب وأحيانا بها “.

1-
الفقر

قال
أحد الشيوخ:


لا تطلب حوائج كثيرة، لأنك عاهدت المسيح أن تعيش معه بالفقر، لأن المسيح هو حياة
النفس، وكل ما اقتناه في كلبه وفي كره وفي تصرفاته بإمتداد عقله إليه، فهو ذاك
الذي ينجح في سيرة هذا العمر، وينال الحياة التى لا تزول “.

 

(أ)
حياة النساك

أتفق
أثنا عشر من القديسين الحكماء، واجتمعوا على رأي واحد، ورغب بعضهم إلى بعض في أن
يذكر لهم طريقة نسكه، لينتفعوا:

فقال
الأول: (أنا منذ بدأت بالأنفراد، صلبت ذاتى عما هو خارج عنى، وجعلن فيما بين نفسى.
وبين الأشياء الجسمانية سوراً، وصرت في بيتى كمن هو داخل السور، فلا ينظر إلى ماهو
خارج عنه، فكنت أتأمل ذاتى فقط، منتظراً الرجاء كل وقت من الله، وصورت الأفكار
الخبيثة بصورة العقارب والحيات، فمتى أحسست بها متحركة في طردتها وأبعدتها بالغيظ
والتهويل، وما كففت في وقت من الأوقات من الغضب على نفسى وجسيمي، لكيلا يعملا عملا
شريراً).

وقال
الثاني: (أنا منذ زهدت في العالم، قلت في نفسى، اليوم ولدت، فاترك ما مضى وابتدئ
بالعبادة لله، وأنزلت نفسي منزلة الغريب في المكان الذي من شأنه أن ينصرف غداً).

وقال
الثالث: (أيا من بكرة النهار اطرح ذاتي على وجهى أمام ربى، وأقر بجرائمى) ثم اتضرع
للملائكة أن يسألوا الله العفو عنى، وعن الناس جميعاً، ثم أطوف أماكن العذاب
بعقلي، وبأبكى وأنوح إذ أرى أعضائي مع الذين يعاقبون ويبكون).

وقال
الرابع: (أنا اتصور نفسي جالساً في جبل الزيتون مع ربنا وملائكته وأقوال لنفسي،
منذ الآن لا تعرف أحداً بالجسد، بل كن مع هؤلاء دائماً بمنزله مريم الجالسة عند
قدمي السيد، لتسمع أقواله سماعاً مطيعاً، كقول ربنا. (كونوا أطهار لاني طاهر،
كونوا كاملين مثل أبيكم الذي في السماء فإنه كامل، تعلموا منى فأنى وديع ومتضع
بقلبي “.

وقال
الخامس: (وأنا أتصور الملائكة صاعدين ونازلين في أستدعاء النفوس وأتوقع وفاتي كل
يوم، وأقول: (مستعد قلبي يا إلهي).

وقال
السادس: (أنا أستشعر كل يوم أنني أسمع من ربنا هذه الأقوال. “أتعبوا من أجلى
فأنيحكم، أن كنتم أولادى فاستحوا منى كأب محب، وأن كنتم أخوتى فوقرونى، أنا كنتم
أحبائي فاحفظوا وصاياى، أن كنتم رعيتى فأتبوعني “.

وقال
السابع: ” أنا أذكر نفسي بهذه: ” وهي الأمانة والرجاء والمحبة حتى أنجح
بالأمانة، وأفرح بالرجاء، وأكمل بالمحبة لله والعبادة “.

وقال
الثامن: ” أنى رأي المحتال طائراً طالباً واحداً يبتلعه، وأرفع نظرى العقلي
إلى إلهى واستنجد به عليه في أن لا يدعه يتقوى على أحد، وخاصة على الخائفين
منه”.

وقال
التاسع: أني أرى كل يوم كنيسة القوات المعقولة. وأعاين رب المجد، في وسطها لامعاً
جداً، واسمع نغماتهم في تسابيحهم التى يرفعونها الى الله، بمنزلة من قد فهم ما هو
مكتوب: ” أن السموات تخبر بمجد الله “، فاحسب كل ما على الأرض ومادا
وكناسة فيزول عنى الضجر والتعب والغم.

وقال
العاشر: (أنا أرى الملاك الذي معى قريباً منى، وصاعداً بأعمالى وأقوالي، فأحفظ
ذاتى وأتذكر قول النبى: ” سبقت فرأيت الرب أمامى في كل حين، لأنه عن يمينى
لكيلا أتزعزع “.

وقال
الحادي عشر: ” أنا أضع وجهي على ضبط الهوى، والعفة، وطول الروح، والمحبة،
وأقول لنفسي: لا تنامى “.

وقال
الثاني عشر:


أما أنتم فلكم أجتحة من السماء، طالبين ما في العلا، فقد انتقلتم بالنية من الأرض،
وتعريتم من هذا العالم، فأنتم أناس سمائيون أو ملائكة أرضيون. وأما أنا، فاذا قست
نفسى بكم، أكون غير مستحق الحياة، لأني أعاين خطاياي أمامى في كل حين، وأينما
توجهت تتقدمنى، وقد حكمت على ذاتى أنى في جملة الذين تحت الأرض قائلاً: سأكون
معهم، إذا كنت مستوجباً أن أكون قريبهم، وأبصر هناك الدود والحسرات والعبرات
المتضلة المرة، وأقواما تقعقع اسنانهم، (مرتعشين) بجملة جسمهم، من رؤوسهم الى
أرجلهم، وأطرح ذاتي على الأرض، وأنثر الرماد على، متضرعاً إلى الله، في الا أباشر
تلك العقوبات، وأنظر أيضاً بحر نار يغلى، ويعج، يتوهم من يبصره أن أمواجه تبلغ إلى
السماء وملائكة متنمرين يطرحون أناساص لا يحصون في ذلك البحر المريع، وكلهك يعجون
بولولة عظيمة، ويحترقون كالقش، وقد ارتدت عنهم رأفات الله، لأجل آثامهم وأنتحب على
جنس البشر، وأتعجب كيف يجسر أحد أن يتكلم كلمة، أو ينظر نظرة بمخالفة، وقد أعدت
هذه العقوبات، لكل من لا يؤمن بالإله ويطيع وصاياه، وبهذا أضبط النوح في نفسى
والدموع في عينى، وأحكم على ذاتى بأنى لست أهلاً للسماء، ولا للأرض، متشبها بالنبى
القائل: ” صارت دموعى لى خبزا نهاراً وليلاً “.

فهذه
أقوال وسيرة الأباء المغبوطين لمن أهتدى بأقوالهم، واقتدى بأفعالهم ومن ربنا نسأل
العفو والعون، وله نقدم التسبيح والشكر، ولأبيه الصالح، وروح قدسه، الأن، ودائماً
آمين ”

قال
القديس باسيليوس:

+
” إن النصارى قد منعوا من محبة المجد الباطل، ومن أرضاء الناس ومن المباهاة
أما العلمانيون فأنهم يخزون من المسكنة، ويهيئون أنواع المأكولات للضيف، وأما نحن
فلا نرذل المسكينة التى طوبها الرب، وكما لا يليق بنا أعداد الآلات الكريمة
الثمينة في الضيقات والبسط فيها، كذلك لا يحسن بنا الأحتفال.

فإن
قصدك أيها الأخ غريب، فإن كان حالة كحالك، قدم له العيش، فإنه يعرف فائدته، ويجد
عندك ما تركه في قلايته، فإن كأن قد أتعبه السفر، فقدم له ما يزيل تعبه. وأن قصدك
علمانى، فأنه يأخذ من عندك رسما للقناعة في المأكولات، وتذكارا لموائد النصارى،
ونموذجاً للمسكنة المسيحية.

إذا
كنا نغير ملابسنا لمن يتلقانا، فلا نغير أيضاً موائدنا للذي يطرقنا، والرسول يقول:
” أن أكلتم وشربتم، أو مهما عملتم، فاعملوا لتمجيد الله ” وما يعمل
للمباهاة، ليس هو لتمجيد الله ويعقوب أكتفى في مطلوبه من الله، بخبز يأكله، وثوب
يلبسه والرسول قال: “يكفينا القوت والكسوة” وسليمان سأل الله قائلاً:
” رتب لى الكفاف، الذي يقوم بالأود”، والكفاف هو عدم الفضلة وعدم الحاجة
الضرورية معاً، والغذاء الضروري هو اليسر الثمن، والسهل الوجود، فبهذا يجب
الأهتمام، وتقديمه لكل محتاج إليه.

ولما
كان قوتنا أنما نحصل عليه من شغل أيدينا، يوماً بيوم، فلا نصرفه في تنعيم غير
المحتاجين، لئلا نضيق على نفوسنا، ونسبب لهم المضرة الحادثة من التبذير حيث يجب
التقشف “.

شيطان
النسك

الصوم
لمرضاة الله وليس للمجد الباطل:

وقال
أيضاً أنبا باسيلوس: ” لما شاهدت قوما أماتوا أجسادهم بالنسك مدحتهم، لأنى
رأيت ضبط الهوى قاهراً للشياطين، إذا كان مبنياً على ناموس الرب. ولما رأيتهم بعد
ذلك كاذبين حلافين، سألتهم قائلاً: ” إذا كنتم عاملين بوصايا الناس، فأهتموا
أولا بوصايا الرب، وتجنبوا الكذب، واليمين والحنث، وباقي ما نهى عنه، وتوعد
بالعقاب عليه،، فلما لم يقبلوا مشورتى، بأن لى أن الذي يعاونه، إنما هو من أجل
تمجيد الناس، لأن ضبط الهوى يحتاج إلى تعب كثير، وترك الكذب واليمين لا يحتاج إلا
إلى تأمل فقط”.

أقوال
بعض الأباء في النسك

الصوم:

+
قال أنبا تيموثاؤس ” من يهتم بجسده بشهوة أكل وشرب، فهو يقيم عليه الحرب،
ويقاتل نفسه بنفسه “.

+
قال شيخ: لا تشبع خبزاً، ولا تشته شراباً “.

+
قال مار أفرام: ” خبز وملح مع سكوت وراحة، أفضل من أطعمة شريفة مع هموم
وأحزان “.

+
قال شيخ: ” أرفع الصلاح كله أن يمسك الإنسان بطنه ولسانه “.

+
وقال شيح أحر: ” شاب يتنزه دفعات كثيرة، قد صار سيفا لنفسه وحده.

+
وقال أنبا موسى الأسود: ” أعلم يقيناً أن كل إنسان ويشرب بلا ضابط ويجب
أباطيل هذا العالم فإنه لا يستطيع أن ينال شيئاً من الصلاح بل ولن يدركه، لكنه
يخدع نفسه “.

+
وقال أيضاً: إذا قاتلتك الشياطين بالأكل والشرب واللبس فارفض كل ذلك منهم وبين لهم
حقارة ذاتك فينصرفوا عنك “.

العفة:

+
قال الآباء: ” حيث يكون شرب النبيذ أو النظر إلى الصبيان فلا حاجة هناك إلى
شيطان “.

+
قال شيخ: ” أن أنت اتبعت المسكنة والضيقة والأمساك فأنك تحيا “.

+
وقال أنبا أبرام: ” أذا أمسك الإنسان بالضيقة فهو ينمو وينظر جميع قوات الله
وجميع حسناته “.

+
وحدث مرة أن سأل أخ الأب دوروثيئوس قائلاً: كيف أحفظ قلبى؟

فقال
له: ” أنك لا يمكنك أن تحفظ قلبك، مادام فمك وبطنك مفتوحين “.

النسك

+
من قول بعض الشيوخ: سألنا أنبا أنانية أن يقول لنا كلمة فقال لنا: ” عليك
بالمسكنة والأمساك، لأني كنت في برية مصر في شبابي، وحدث أن أشتكى أحد الآباء
بطحاله، فطلب جرعة خل، فلم يجد في تلك البرية كلها، وكان فيخا ثلاثة آلاف راهب،
فشكى حالة لأحد الشيوخ الذي أمر بأحضار قليل من الماء، ثم قام وصلى عليه ورسم باسم
الآب والأبن والروح القدس، ودهن به الطحال، فزال الوجع لوقته برحمة السيد
المسيح”.

+
زاد مرة رهبان من الاسقيط الأم سارة، فقدمت لهم طعاماً، فتركوت الجيد وأكلوا من
الدون، فقالت: ” بالحقيقة أنكم استقيطيون”.

+
قال أحد الأخوة: مضيت مرة إلى الأب مقاريوس بالنهار ظهراً، وقد عطشت لدرجة كبيرة
جداً، فطلبت منه قليلاً من الماء لكي أشرب، فقال لى: ” يكفيك ذلك الظل الذي
أنت واقف فيه، لأن كثيرين الأن يسلكون في المسالك والوهاد في العراء، لا يحدون
ظلاً مثل هذا “، فسألته بعد ذلك أن يقول لى كلمة عن النسك. فقال لى “قو
قلبك يا أبنى فأني أقمت عشرين سنة لم أشبع من خبز ولا من ماء، ولا من نوم، وكنت
آكل خبزى بقانون أما من جهة النوم فأني كنت أستند إلى الحائط واختطف يسيراً
منه”.

1-
الطعام (المأكل)

+
قال القديس أنطونيوس: كل خبزك بسكينة وهدوء وأمساك، أياك والشره فأنه يطرد خوف
الله من القلب، والحياء من الوجه، ويجعل أصحابه ماسورا من الشهوات يضل العقل عن
معرفة الله. أجعل لك مرة واحدة في النهار للقيام بحاجة الجسد لا للشهوة، ولا تأكل
حتى تشبع.

+
قال القديس باخوميوس: الأكل بقدر ليس خطية، وإنما هزيمة الرهبان هى أن تسود عليهم
الحنجرة ويتعبدوا للشهوة. فاحفظ نفسك من الأمتلاء بالطعام، لأن الطريق المؤدية
كربة واباب ضيق والامتلاء يجعلك خارج الجنة.

+
قال مار أسحق:

+
جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يكتفي.

+
التحدث مع الخنايزير ذات الحماة، أفضل من فم الأكولين.

+
لا تخاصم ولا تماحك من أجل البطن.

+
قال أحد الشيوخ: أن المحب لله لا يحفظ ملاذ الأطعمة “.

+
قال شيخ: يا حتجرانى، يا من تطلب أن تملأ جوفك، الأجود لك أن تلقى فيه جمر نار من
أن تتناول أطعمة الرؤساء.

+
قال آخر: ” الذي يأكل كثيراً ويقوم عن المائدة أفضل من الذي يأكل قليلاً
ويبطئ أمام المائدة حتى يشبع “.

+
وقال أيضاً: ” ويح لشاب يملأ بطنه ويصنع هواه، لأن رهبانيته، وتلميذته، وكل
تعبه، يكون باطلاً “.

+
كذلك قيل: ” أن كانت شهوتك عالمية، فهذه أيضاً شهوة الكلاب والخنازير، أعنى
بذلك البطن والزنا. أما أن كانت شهوتك بالله، فهذه هي شهوة الملائكة “.

+
ومرة سأل أخ الأب صيصوي عن تدبير ما، فأجابه الشيخ قائلاً: ” أن دانيال النبي
قال: خبز شهوة ما أكلت “.

+
وقيل أيضاً أن شيخا كان يأكل أثناء عمله، فسئل عن ذلك فقال: ” أنى لا أؤثر أن
أجعل الطعام عملاً أتفرغ له، حتى لا تحسن نفسى بثلذذ في الطعام “.

+
قال القديس برصنوفيوس: أن أمساك البطن هو أن تقلل من شبعك قليلاً، وأن كان عليك
قتال فاترك قليلاً أكثر “.

سؤال:
” كيف أقدر أن أمسك بطني وأن أكل دون حاجتي، لأني لا أستطيع صبراً؟ “.

الجواب:
ليس أحد يفلت من هذا الامر، إلا الذي قد بلغ إلى مقدار ذلك الذي قال: ” أني
نسيت أكل خبزي من صوت تنهدي، وقد لصق لحمي بعظمي.. فمن كانت حالته هكذا، فإنه يأتي
بسرعة إلى قلة الطعام لأن دموعه تصير له مثل الخبز، ويبدأ إذ ذاك أن يتغذي من نعمة
الروح القدس. صدقني يا أخي، أني أعرف أنسناً يعلم الرب أنه قد بلغ إلى هذا المقدار
الذي ذكرت، حتى أنه كان لا يأكل في كل أسبوع مرة أو مرتين، وكان مراراً كثيرة يسبى
في النظر الروحاني، ومن حلاوة ذلك كان ينسى أكل الطعام المحسوس، وكان إذا أراد أن
يأكل يشعر كأنه شبعان، ولا يجد لذة للطعام، وكان يأكل بدون شهوة، لأنه كان يشتهى
أن يكون دائماً مع الله، وكان يقول: ” أين نحن “.

+
قال الأخ السائل: ” أنا أطلب اليك يا أبي أن توضح لى قوة هذا الامر، وكيف
يصير الإنسان إلى ما ذكرت، فأني أجهل ذلك، وإذا أنا بدأت أقلل طعامي، فما يدعنى
الضعف حتى أعود إلى المقدار الاول، وأنت قلت لى أن الذي يبلغ إلى المقدار الذي قيل
فيه: ” أن لحمى لصف بعظمي من صوت تنهدي ” يصير إلى قلة الطعام، فبين لى
هذا الأمر “.

+
قال الشيخ: ” هذا هو التصاق اللحم بالعظم، أن تصير جميع أعضاء الإنسان
ملتصقة، إلى أن تكون أفكار الإنسان كلها فكراً واحداً بالله، عند ذلك يلتصق
الجسداني ويصير بوحانياً، ويلحق الجسد بالفكر الإلهي، وحينئذ يصير الفرح الروحاني،
في القلب، يغذى النفس ويضبع الجسد، ويقوى كلاهما حتى لا يكون فهما ضعف ولا ملل،
لأن ربنا يسوع المسيح إذ ذاك يكون الوسيط ويوقف الإنسان بالقرب من الأبواب التى
ليس داخلها حزن ولا وجع ولا تنهد، وحينئذ يتم القول: ” حيث يكون كنزك، فهناك
يكون قلبك “، فالذي يبلغ إلى هذا المقدار قد أقتنى الاتضاع الكامل ليسوع
المسيح ربنا.

2-
الشرب (المشرب)

+
قال أنبا موسى الأسود: ” لا تحب الخمر لئلا يحرمك من رضى الرب”.

+
قال أنبا أغانون: ” من بذل نفسه لشرب الخمر لا يمكنه أن يخلص من شر الأفكار
وقبح الأعمال. فأن لوطا لما أمتلأ من السكر وقع في مجامعه قبيحة مغايرة للناموس
الطبيعي “.

+
قال أنبا أبرام ” أهرب من المشارب، ولا تدخل المجالس لئلا تصير زانيا خلوا من
أمرأة الساكنك”.

+
قال بعض الأباء: ” لا تقتن أناء يزيد عن حاجتك حتى ولا (سكرجة) واحدة، والا
فعليك أن تجيب عما فضل عنك “.

+
سؤال: ” أن الزمنى أخر أن أشرب معه قدحا من النبيذ في قلايته فهل جيد لى أن
أذهب معه؟.

الجواب:
أهرب من شرب الخمر، تسلم سلامة الغزال من المواهق، وذلك لأن كثيرين بسبب هذا
الأمر، أندفعوا إلى السقوط بالأفكار “.

+
سأل أخ الأب تستاريوس: ” أن وجدت وقتاما، وأكلت ثلاث خبزات فهل هذا كثير؟
” فقال له: ” هل أنت في البيدر يا أخي؟! ” قال له أيضاً: ”
وأن أنا شربت ثلاثة أقداح خمر، فهل هذا كثير؟ ” أجابه أيضاً قائلاً: ”
أن لم يكن هناك شيطان فإنها ليست كثيرة. أما أن كان فهي كثيرة، لأن الخمر مضر جداً
للرهبان لاسيما الشبان ومنهم”.

+
كان أخ مقاتلاً بالزنى، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمرة لكيلا يقهره الشيطان، فسأل
الشيخ الله في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حاله فقال له: ” لم يخف
القتال بعد” فتعجب الشيخ لذلك، وإذا بالشيطان قد ظهر له قائلاً: ” أما
أنا، فمنذ اليوم الأول في أبتهالك إلى الله بشأنه، أنصرفت عنه، أنما هو يقاتل ذاته
وحده، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيراً “.

3-
الثياب (الملبس)

+
قال أنبا أغاثون: ” أن رداء الراهب هو علامة عدم وجود الشر “.

+
وقال مار أسحق: ” شيطان الزنى يرصد ثوب الراهب، هل يلبسه باستمرار، أو يغيره
عند التقائه بآخر، لأن هذا هو مفتاح الزنى “.

+
وقال أيضاً مخاطباً الأخوة: ” أنآباءنا كانوا يلبسون خرقا موصولة قديمة،
وأغطية عتيقة، أما الآن فلباسنا ثياب غالية الثمن. أمضوا من ههنا فقد أفسدتم ما
كان ههنا “.

ولما
كانوا عتيدين أن يمضوا إلى الحصاد قال لهم: ” لن أوصيكم بشئ لأنكم لا تحفظون
شيئاً “.

+
وقال بعض الآباء: ” لا يكن لك في قلايتك ثوبا زائدا عن حاتجتك ولست في احتياج
إليه، لأن هذا هو موتك، لأن هناك قوما آخرين غيرك، يؤلمهم البرد، هم أبر منك وأحق،
وأنت الأثيم عندك ما يفضل عنك. ثوباً جديداً لا تلبس، لأن هذا يمنع من النوح
“.

وقد
أعتاد أنبا أسحق قس القلالى أن يقول:

+
أن أنبا بموا كان يقول: ” أن طريقة لبس الراهب ومظهره يجب أن تكون رثة بحيث
إذا القيت خارج القلاية لمدة ثلاثة أيام لا يحملها أحد “.

+
وجاء أحد الأخوة في إحدى المناسبات الى كنيسة القلالى وهو مرتد غطاء الرأس يتدلى
على كتفيه، وعندما رآه أنبا أسحق تبعه قائلاً: ” هنا يعيش رهبان، ولكنك رجل
العالم فليس لك مكان للعيش هنا “.

4-
المال

+
قال أحد الشيوخ: ” أن المحب لله لا يحفظ مالاً “.

+
وقال بعض الآباء: ” لا تقتن ذهباً في كل حياتك والا فما يهتم الله بك، وأن
اتاك أحد بذهب، وكنت صحتاجا، فالنفقة في قوتك، وأن لم تكن محتاجاً. فلا بت عندك
“.

+
تأهل أحد الشيوخ لمواهب الله، وذاع صيت فضله فاستدعاه الملك لينال بركة صلاته،
فلما تناقس معه وافقتع وحضر له مالا، فقبله الشيخ وعاد به إلى قلايته، وبدأ في
تنظيفها وتعميرها، فجاءه مجنون (بروح نجلس) فقال له حسب عادته: ” أخرج من
خليقة الله ” فقال له الشيطان: ” لن أطيعك فقال الشيخ: ”
ولم؟” فأجابه: ” لأنك صرت واحدا من خدامنا أذ تركت عنك الاهتمام بالله،
واشغلت ذاتك بالاهتمام بالأرضيات.

+
سأل أخ شيخاً: ” هل تحب يا أبي أحس لنفسي دنانير فتكون عندى لئلا يصيبني مرض؟
” فلما رأي الشيخ أن فكرة قد هوى أمساك الدنانير، قال له: “نعم”،
فلما مضى، أزعجته أفكاره قائلة له: ” أترى بحق قال لك الشيخ أم لا؟” ثم
قام أيضاً ورجع إلى الشيخ وطلب اليه قائلاً: ” من اجل الله، قل لى الحق، لأن
أفكاري تحرنني جداً من أجل الدنانير” فقال له الشيخ: ” أني لما أبصرت
أنك تحب أمساك الدنانير، قلت لك أمسك أكثر من حاجتك، أما أن أمسكت بالدنانير، فسوف
يكون رجاؤك عليها، فأن هي نفذت، فأن الله لن يهتم بك ولن يعينك “.

+
وقيل أن شيخاً راهباً أصيب بمرض الجذام، فأحضر له أحد المسيحيين مالا وقال له:
” انفق هذا المال على نفسك في حال كبرك ومرضك”، فأجابه الشيخ وقال:
” أتريد أن تفقدني في ساعة واحدة ما قد تعبت في أقتنائه منذ بدء حياتى حتى
هذه الساعة؟ ” وهكذا لم يقبل منه شيئاً.

+
وجاء عن أنبا مقاريوس الاسكندراني أنه لم يكن في جنبيه أيه محبة للمال. وحدث مرة
حين جاء لصوص إلى قلايته ليلا وأخذوا ما وجدوه فيها، أنه لاحظ ما يعملون فساعدهم
فيه ثم سهل لهم طريقة حمل ما أخذوا إلى خارج الصحراء.

5-
القنية

+
قال أنبا موسى الأسود: ” محبة المقتنيات تزعج العقل، والزهد فيها بمنحة
استنارة “.

+
قال القديس انطونيوس: ” لا تبق لك أكثر من حاجتك ولا تدفع أكثر من طاقتك
“.

+
قال أنبا أغاثون: ” أن محبة المقتنيات متعبة جداً تؤدي إلى نهاية مريرة لأنها
تسبب أضطراباً شديداً جداً للنفس فسبيلنا أن نطردها منذ البدء أنها أن أزمنت فينا
صار أقتلاعها صعباً “.

+
” أن كنت مشتاقا إلى ملك السماء فاترك غنى العالم “.

+
قال مار اسحق:


ألتمس فهما لا ذهبا واقتن سلامة لا ملكاً “.


المرتبط بالمقتنيات والملذات فهو عبد للأوجاع الذميمة”.


لا يعتبر عدك حكيما ذاك الذي من أجل الحياة في هذا العالم يستعيده فكرة للأرضيات.
كل الملذات والشرور التى تعرض للجسد لتكن شبه أحلام، لأنه ليس بموت الجسد فقط تنحل
منها بل كثيراً ما يمكنك رفضها والهروب منها قبل الموت. فأن كان لك منها شئ مشترك
في نفسك فاعلم أنه مكنوز لك إلى الأبد. لأنها تذهب معك إلى العالم العتيد.. فأن
كان ما أكتنزته من الصالحات فافرح واشكر الله في قلبك وأما أن كان ما أكتنزته من
الطالحات الرديئات فاحزن وتنهد واطلب الابتعاد عنها مادمت في الجسد “.

+
وقيل عن با مقاريوس: ” إنه كان يوصى تلاميذه بأن لا يقتنوا مقتنيات البته
“. وكان يخاطبهم بقوله: ” إن الراهب له جبة مع أنه لا يساوى عند نفسه
جبة “.

+
وقال بعض الآباء: ” أن شئت أن تمتلك النوح، فاجتهد أن تكون أوانيك وكل امتعتك
مسكينة فقيرة، مثل الأخوة الشحاذين، إذا أقتنيت كتاباً فلا تنمق في تجليده ولا
تزينه وبالأجمال ليكن جميع ما هو لك مما لا تتألم على فقدانه. ثيابك وحذاؤك وكل
أوانيك لتكن هكذا حتى لو جاء قوم ليسر قوها، لا يرضون بها ولا يعجبهم شئ منها.

+
وقال أحد الآباء لراهب له مقتنيات:


لقد سمى الراهب متوحدا لأنه أصبح يعيش وحده، لا يمتلك شيئاً، فأن كان له ملك يجار
عليه ويظلم فيه، أو يجور هو ويظلم، فليس هو أذن براهب، لأن نواميس الملوك لا تسلم
بأن يحاكم الرهبان في مجالس أحكامهم، لأنهم قد ماتوا عن العالم، ولذلك فقد عدم كل
عفو ذلك الراهب الذى يدخل نفسه في مجالس الحكام لأجل شئ يظلم فيه أو يجار عليه
“.

+
وقال الشيخ: ” من لا يستطيع أن يبغض المقتنيات، فلن يقدر أن يبغض نفسه حسب
الوصية المسيحية “.

وسئلت
القديسة المغبوطة سفرنيكى مرة أن كان عدم الاقتناء صلاحاً كاملاً: فأجابت بأن ذلك
هو حد الصلاح لمن أمكنهم ذلك، لأن الذين يصبرون على عدم الاقتناء يكون لهم حزن
بالجسم، ونياح بالروح، وهدوء في أنفسهم، كمثل الثياب الجلد التى تداس بشدة وتقلب
وتغسل فتنظف، هكذا أيضاً النفس المتشددة بالفقر، فأنها تتشدد وتنظف “.

+
وكذلك قال شيخ: ” أنه هوى شيطانى للراهب أن يحتفظ لديه بقوت قليل، ذلك يدخر
مالا حاجة به اليه، أما الصديق فإنه يلقى على الرب همه، وبغير هم يفرق، من أجل ذلك
فيد الرب مفتوحة قدامه وهي ممتلئة، فيأخذ ويعطى بسذاجة بغير فكر. من يحفظ شيئاً
زائداً لينيح به المحتاجين فهو حكيم بحق. من أجل هذا إذ تفرغ يده، تجدها تمتلئ كل
ساعة، لأنه إذا أعطى، فله أن يأخذ أيضاً. من ينيح آخر في ضيقته، له هو أيضاً من
يهبه نياح الحياة “.

+
مرة سأل أخ أنبا سرابيون قائلاً: ” قل لى كلمة ” فقال الشيخ: ”
وماذا تريد بسماع الكلمة وقد أخذت قوت الفقراء وتركته في هذه الكوة. وذلك لأنه
أبضرها مملوؤة كتباً.

+
وكان الأب تادرس الفرمى يقتنى ثلاثة أناجيل ثمينة جداً فذهب إلى أبا ماقريوس وقال
له: ” عندي يا أبي ثلاثة كتب، وأنا انتفع منها، والأخوة كذلك يتعيرونها
وينتفعون منها. فأخبرنى الآن ماذا يتبغى أن أصنع؟ [ هل استبقيها لمنفعتي ومنفعة
الأخوة، ام أبيعها وافرق ثمنها على المساكين؟ ].

فأجاب
الشيخ قائلاً: ” أن أعمال الرهبنة جميلة، ولكن أعظمها جميعاً هو الفقر
الاختياري”. ولما سمع الأب تادرس هذه الكلمات، مضى وباع الكتب وأعطى ثمنها
للفقراء.

+
ورجل مدبر، تصدق بماله، وأمسك بعضه لقلة ايمانه واتى الى الأب أنطونيوس وسجد له
قائلاً: ” علمني كيف أخلص “. قال له الشيخ: ” هل تريد أن تكون
راهباً؟ أن أردت أن تخلص فأصنع ما أقوله لك أولاً: ” أمضى إلى القرية واشتر
لحما وانزع ثيابك وعاقه في رقبته وتعال “. فأطاع الشيخ، واشترى اللحم، وخلع
صيابه، وحمله على رقبته، فلم يبق طير ولا كلب في تلك القرية، إلا واجتمعوا عليه،
فنهشه الطير وجرح جسمه، فلما بلغ القديس على هذه الحال، قال له: ” مرحبا يا
ابن الطاعة، اعلم يا ابنى انى قلت لك أن تصنع هذا كى أعطيك مثالاً، فأن كثيرين من
الناس إذا سمعوا الوصايا لا يحفظونها، وآخرون ينسونها لقلة الحسن، ولذلك أمرتك
بهذا ليكون كلامي فيك ذا أثر لأجل ألم الوجع، فأن أصحاب قلة الحس لا تنفع فيهم
الموهبة شيئاً فلهذا المعنى يا أبنى اسست فيك آثاراً لوصيتى. فإذا قد تنقى حقلك من
شوك الغفلة، فلنبذر فيك الزرع المقدس.

أرأيت
يا أبني كيف نهشت الطيور والكلاب جسمك وجرحته، كذلك تنهش الشياطين وتجرح أصحاب
القنية، فأفهم الآن هذا الكلام في عقلك وتفكر به كل أيام حياتك، وأياك يا أبني أن
تجعل لك اتكالاً على المال، بل أتكل على المسيح، فاذهب الآن وفرق جميع ما أبقيت له
من المال، حتى تكون يا حبيبي رهبانيتك صافية من الغش، لأنه ضار بالراهب أن يبقى في
قلايته ديناراً وشيطاناً”، وبعد أن دعمه بالكلام أخذ قليلاً من الزيت وصلى
عليه ودهنه، وللوقن شفى كأنه لم تصبه جراح ولا ألم قط، وذهب وهو مسرور يسبح الله.

6-
الرقاد

+
قال شيخ ” أن لم يتم الشباب وهو جالس، مادامت له استطاعة في جسده، فإنه عاجز
مقصر، وكل شاب يرقد عل ظهره ولو قليلاً، فإنه يوقظ الاوجاع المهينة في جسده، وأي
شاب يحب الراحة والنياح، فإنه لا يفلت من الخطية، كذلك الشاب الكسلان لا يقتنى
شيئاً من الحسنات “.

7-
نياح الجسد

+
قال أنبا أغاثون: ” ألزم التعب هاهنا، ولا تكف عن البكاء ”

+
وقال أنبا يوسف: ” نحن معشر أخوة هذا الزمان نأكل وننيح الجسد من أجل هذا لا
ننمو مثل آبائنا، لأن آباءنا كانوا يبغضون جميع نياح الجسد، ويحبون كل الضيقات من
أجل الله، ولهذا اقتربوا إلى الله الحي “.

+
وقال شيخ: ” أن الراهب الذي يعرف موضعاً فيه منفعة لنفسه، وكانت جوائح الجسد
في ذلك الموضع عسيرة، ولهذا السبب يمتنع عن الذهاب إلى ذلك المواضع، فإن ذلك
الإنسان ليس فيه إيمان بالله.

+
وقال آخر: ” كما أن حمار المسكين لكونه لا يجد قوتاً ليشبع به، يصبح هزيلاً
ضعيفاً فتنطفئ منه شهوة الطبيعة، وإذ ركبه صاحبه، سار به ذليلاً سهل الأنقياد بسبب
ضعفه، هكذا الراهب الذي يقمع جسده بنقص القوت ورداءه الملبس، فإن الشهوة العالمية
تنطفئ من جسده، ونفسه تتضع بلا افتخار “.

+
وقال القديس موسى الأسود: ” نسك النفس هو بغض التنعم ونسك الجسد هو العوز
“.

(ب)
حياة التجرد

+
قال القديس ارسانيوس: ” أن الراهب غريب في أرض غريبة، فإذا أراد أن يجد راحة،
فعليه أن لا يشغل نفسه بأي شئ فيها “.

+
وقال أنبا يعقوب: ” أن الغربة أفضل من إضافة الغرباء “.

+
وقال القديس مقاريوس: ” كمثل إنسان إذا دخل الحمام أن لم يخلع عنه ثيابه لا
ينعم بالاستحمام، كذلك الإنسان الذي أقدم على الرهبنة ولم يتعر أولا من كل اهتمام
العالم وجميع شهواته وملذاته فلن يستطيع أن يصير راهباً ولن يبلغ حد الفضيلة، ولن
يمكنه كذلك أن يقف قباله جميع سهام العدو التى هى شهوات النفس”

+
سأل سبعة من الأخوة أنبا ارسانيوس يوماً:


ما هو عمل الرهبان؟ ” فأجاب أنه حين جاء إلى ذلك المكان ليسكن فيه سأل ذات
السؤال لشيخين فقالا له: ” أتثق بنا؟ ” فلما قال: “نعم” قالا
له: ” أذهب وكل ما رأيتنا نعمل اعمله أنت ايضاً ” وسأله الأخوة: ”
وماذا كان عملهما أيها الأب؟” فقال الشيخ: ” إن أحدهما أقتنى التواضع
والأخر أقتنى الطاعة” فقالوا له: “وما عملك أنت؟ ” فرد عليهم:
” فيما يتعلق بمشيئتي وعقلي أنه لأمر عظيم أن يجرد الإنسان نفسه من الارتباط
بأي أمر”.

وهكذا
انتفع الأخوة وانصرفوا فرحين ممجدين الله.

+
سأل القديس مقاريوس الاسكندري القديس أرسانيوس:

هل
حسن للإنسان ألا يكون له أي شئ يتمتع به بالكلية في قلايته؟ لأني أعرف أخا كان
عنده بعض أعشاب الحدائق في قلايته ولكى يمنع نفسه من التمتع بها اقتلعها من
جذورها، فقال القديس أرسانيوس له: “هذا حسن ولكن على كل إنسان أن يعمل ما
يستطيع عمله وإذا لم يكن لديه القوة ليثبت في هذا فإنه ربما يزرع غيرها فيما بعد
ويتمتع بها “.

+
وقال أنبا أغاثون عن أنبا بيمين:

أنه
في مرة صنع خمسين مكيالا من حبوب القمح إلى خبز لحاجات المجتمع، ووضعها في الشمس
ولكن قبل أن تجف رأي في المكان أمراً ضايقه، فقال للأخوة الذين كانوا معه: ”
أنهضوا وهيا بنا نمض من ههنا ” فحزنوا جداً ولما رأى أنهم أغتموا قال لهم:
” هل تضايقتهم بسبب الخبز؟ لقد شاهدت بالحقيقة رهباناً يهربون ويهجرون
قلاليهم بالرغم من أنها مبيضة جيداً وكانت تحوي دواليب مملوءة من الكتب المقدسة،
وكتب الخدمة، ولم يغلقوا حتى أبواب الدواليب بل رحلوا تاركين أياها مفتوحة “.

1-
الراهب والعالم

+
سئل نار اسحق: ” ما هو العالم؟ ”

أجاب:
” أن العالم هو تجربة العالم، العالم هو أن نكمل أرادة الجسد، العالم هو أن
يفتخر الإنسان بالأشياء التى تمضي ويتركها، أذن، فلنجاهد يا أخوتي حتى نلبس لباس
الفضيلة، لئلا نلقى خارجاً، لأن الرب لا يأخذ بالوجوه”.

+
وقال أنبا أفرام: ” لأي شئ رفضت العالم أن كنت تطلب نياح العالم، للضيق دعاك
الله الكلمة، فكيف تطلب نياحاً. للعرى دعاك، فكيف تتزين بالرداءة؟.. للعطش دعاك
فكيف تشرب خمراً؟ “.

+
وقال أحد الشيوخ: ” إذا كان الراهب حريصا مجاهداً، فأن الله يطلب منه ألا
يرتبط بشئ من أمور هذه الدنيا، لئلا يشغله ذلك عن ذكر ربه، وعليه أن يطلب اليه
بلجاجة وبكاء ليغفر الله خطاياه “.

+
وقال شيخ: ” كل من ذاق حلاوة المسكنة، فإنه يستثقل توبه الذي يلبسه وكوز
الماء الذي يشرب به، لأن عقله قد أشتغل بالروحانيات، فإذا ما أرتبط الراهب بالدنيا
وما فيها، وصنع هواه، فأن جميع تعبه يضيع سدى “.

+
وقال أنبا أبللوا: ” لتكن عندكم هذه علامة عظيمة للنجاح متى أقتنيتم عدم
الشهوة لشئ ما من أمور العالم، لان هذا هو فاتحة جميع مواهب الله “.

+
وقال ما سحق: ” كل إنسان تدبيره ردئ، حياة هذا العالم عنده شهية ويلي ذلك
قليل المعرفة “.

+
وقال شيخ: ” ينبغي ألا نرغب في نياح هذا العالم لئلا يقال لنا: قد أخذت
خيراتم في حياتك “.

+
وقال أيضاً مار اسحق: ” من يهرب من سبح العالم بمعرفة يكتنز في نفسه رجاء
العالم العتيد.. والذي يفر من نياح الدنيا قد أدرك بعقله السعادة الأبدية “.

+
وقال القديس مقاريوس: ” أن محبى المسيح الذين أرادوه قد تركوا نعيم الدنيا
ولذاتها وصارت منزلة العالم عندهم كمزلة العويد الصغير فلم يتألموا على فقد شئ منه
“.

+
حدث أن شيخاً مغبوطاً أخذ عامودا صغيراً وخيطا صغيراً وقال: “من ذا الذي يغتم
على فقد هذه الأشياء الحقيرة ويحقد بسببها أن كان عاقلاً، لعمرى، أن من استبصر في
قدر هذا العالم الزائل كله فلن يعتبره سوى اعتباره لهذه الأشياء الحقيرة، ومع هذا
أقول أنه لن يضر الإنسان أن يكون له أشفاق على شئ ويأسف على فقده فقط، بل وعلى
جسمه الذي هو أكرن من كل ما يمتلكه عنده، لأننا قد أمرنا أن نتهاون بأنفسنا
وأجسادنا، فكم يجب علينا على أكثر لحالات أن نتهاون بما هو خارج عنا.

+
قال مار أفرام: ” أن أعظم الناس قدرا من لا يبالى بالدنيا، في يد من كانت؟
“.

+
وقال أيضاً: ” أزهد في الدنيا بحبك الله، وأزهد فيما بين أيدي الناس بحبك
الناس “.

+
قال أحد القديسين: ” النفس تشتهي أن تخلص، ألا أنها مشتبكة بالأشياء لباطلة،
وعند أشتغالها بالأمور الدنياوية، يصعب عليها تعب الأخره، حتى أنها لا تقدر على أن
تصلب على وجهها بغير طياشة، فصلاة كهذه ليست لها قوة فعالة، ولكنها قد صارت عادة
“.

+
وقال شيخ: ” كما ان عينى الخنزير تنظران إلى الأرض ولا يرفعهما، كذلك كل من
أحبت نفسه اللذات العالمية، بصعوبة برفع عقله إلى الله، ويهتم بشئ مما رضيه “.

+
وقال أنبا مقاريوس: ” إذا حسبت التحقير كالاكرام، واللوم كالمديح والفقر
كالثراء فإنك لا تموت “.

+
سأل أخ شيخاً قائلاً: ” لماذا إذا أنا مشيت في البرية أكون مرتعباً خائفاً؟
فقل له الشيخ: ” ذلك لأنك لا زلت حيا في أمور الدنيا “.

+
وقال مار اسحق: ” كن ميتاً بالحياة، لا حيا بالموت “.

+
وقال أيضاً: ” أبتعد عن العالم، وحينئذ تحس بنتانته، لأنك أن لم تبتعد عنه،
لن تحس برائحته الكريهة “.

+
سئل مرة: “ما هو العالم؟ وكيف نعرفه؟ وما هو مقدار معزته لمحبته؟.

+
فأجاب: ” أن العالم هو تلك الزانية التى بشهوة حسنها تجذب الناظرين إليها إلى
حبها. والمقتضى بعشقه والمتثبت به، لا يقدر أن يتخلص منه حتى تفنى حياته، فإذا ما
عراه من كل شئ وأخرجه من منزله يوم موته، حينئذ يعرف الإنسان في ذلك اليوم أنه
خداع وسراب مضل، حتى إذا ما جد الإنسان في الخروج من هذا العالم المظلم فإنه لن
يستطيع الخلاص من حبائله ما دام هو منغمساً فيه “.

2-
الراهب والقنية

متاع
الدنيا – الخسران الجسداني – الأمر البشرية ”

+
قال شيخ: ” أن الله لا يشاء أن يكون الراهب الحريص المجاهد بالحقيقة مرتبطاً
البتة بشيء من متاع هذه الدنيا، حتي ولا ابرة صغيرة، لئلا تفضل فكره عن ذكر ربنا
يسوع المسيح / وتشغله عن الالجاج (المثابرة) في التوبة عن خطاياه، كل انسان قد ذاق
حلاوة المسكنة، يستثقل الثوب الذي يلبسه، والكوز الذي يشرب فيه الماء، لأن عقله قد
اشتغل باشياء اخري روحانية، الذي يبغض بعد متاع الدنيا، كيف يقدر ان يبغض نفسه /
كما قال السيد؟ ”

+
وقال آخر: ” علامة طرح العالم هي عدم اضطراب الانسان بشيء اموره، وقد يوجد
انسان يتهاون بمال كثير، وكن بسبب ابرة ولمحبته لها ينزعج بما لا يزعجه ضياع جملة
اموال كثيرة، وتقول له تلك الابرة مقام وثن فيتعبد لها بأكثر مما يتعبد للاسكيم
الكبير، فمن هذه صورته، ليس عبدا لله، وانعم بما قاله احد الفلاسفة: ” إذا
كان عدد مواليك كعدد اسقام نفسك، فكفي بذلك شقاء لها وبؤسا “. وقد قال بطرس
الرسول: ” فما انقهر له الانسان فله يكون عبدا ” وقال أيضا: ” أن
النفس تريد الخلاص لكن لمحبتها الأشياء الباطلة وانشغالها بها، تهرب من الاتعاب،
أما الوصايا الحقيقية فأنها تحفظها متثاقلة بخلاف السيئات التي هي رديئة وخبيثة
“.

+
وقال ايضاً: ” أن قائلاً قال لى : يا معلم، أن الوصايا التى أمرنا بها كثقير،
وربما يظلم عقلى، فلا أدرى أيها أحفظ؟. فقلت له: لا يزعجك هذا، لكن أعلم أنك متى
كان لك عدم تأسف على الأشياء، فقد سهل عليك أحكام الفضيلة، فلا تعتن بالأمور
البشرية، لتعتق من العالم “.

+
قال مار أفرام: ” أن تعاونت بالأشياء البالية، تنال الأشياء التى لا
تبلى،ليكن عقلنا إلى فوق، لأننا بعد مدة يسيرة نتصرف من ههنا، فالأشياء التى
جمعناها، لمن تكون؟ “.

+
قال أنبا أوعريس: ” الذي ليست له محبة للقنية له حياة بلا أهتمام، أما المحب
القنية، فله منغص في قلبه، الذى هو الاهتمام “.

+
سأل أخ شيخاً قائلاً: ” قل لى شيئاً أحفظه؟ ” فقال له: ” أحفظ
التعبير والسب، وأصبر على التحقير والضعف الجسداني “.

+
قال القديس ابيفانيوس عند خروج نفسه:


لا تحبوا متاع الدنيا فتستريحوا وتفرحوا في الأخرة، تحفظوا من لذات العالم، فلا
يقوم عليك وجع الشيطان “.

+
وقال أحد الشيوخ لتلاميذه عند خروج نفسه:


لا تشتهوا متاع الدنيا، فتزدادوا متعاً كثيراً “.

+
وقال أنبا أغاثون:


أن الإنسان الذي يأسف على فقدان شئ منه فهو ليس بكامل بعد، فإن كنا قد أمرنا ان
نرفض أنفسنا وأجسادنا فكم بالحرى المقتنيات “.


أن الشياطين تحترق، وترتاع عندما ترى إنساناً قد شتم أو أهين أو خسر شيئاً ولم
يغتم بل أحتمل بصبر وجلد، أو إذا رأوه غير متلفت إلى الأشياء، ولا آسف عليها إذا
فقدت، لأنها تعتقد وتعلم بأنت يمشى على الأرض بغير هوى أرضى وأنه قد سلك في طريق
الله “.

+
قيل أن أنبا مقاريوس الاسكندري كانم متغيباً عن قلايته فدخلها لص. ولما عاد الأب،
وجد اللص يضع كل محتوياتها على جمل، فدخل الأب القلاية وحمل أشياء أخرى وسلمها
للص. ولما أراد اللص أن يقيم الجمل رفض الحيوان أن يتحرك. وهنا دخل أبا مقاريوس
القلاية وحمل قفة كانت متروكة ووضعها على الجمل وقال للص أن الحيوان يرفض أن يقوم
حتى يحمل هذه أيضاً. وصاح القديس بالجمل، فنهض، ولكنه بعد أن سار مسافة قصيرة، برك
ورفض أن ينهض حتى أنزل ما عليه.

+
أتى شيخ إلى قلايته، فوجد لصا يسرقها، فقال له: ” أسرع قبل أن يأتي الأخوة
فيمنعونا من تكميل الوصية “.

+
سأل أخ أنبا تادرس قائلاً: ” أنى أريد أن أتمم الوصايا “، فقال له
الشيخ: “حدث أن كان الباب ثاوفيلس البطريرك في البرية، فقال: أني أريد أن
أكمل فكري مع الله. فأخذ دقيقاً وصنعه خبزاً، فأتاه مساكين يطلبون شيئاً، فأعطاهم
الخبز، ثم طلب منه آخرون، فأعطاهم الزنابيل، وطلب منه غيرهم، فأعطاهم الثوب الذي
كان يلبسه، ودخل القلاية ملفوفاً في وزرة (خرقة) ومع كل ذلك، فإنه كان يلوم ذاته
قائلاً: ” أنى ما أتممت وصية الله “.

+
قال أنبا زوسيما:


أنى بينما كنت في الدير بمدينة صور، جاءنا رجل شيخ فاضل، وبينما كما نقرأ فصولاً
مما قاله الشيوخ، لأن الطوباوي كان يحب قراءتها دائماً، ولذلك استثمر منها
الفضيلة، واتفق أننا وصلنا في قراءتنا إلى خبر ذلك الشيخ، الذي طرق بابه اللصوص
وقالوا له: ” إننا جئنا لنأخذ جميع ما في قلايتك ” فقال لهم: “خذوا
ما شئتم أيها الأبناء” فلما أخذوا جميع ما وجدوه، مضوا بعد أن نسوا مخلاة،
فأخذها الشيخ وجرى وراءهم صارخاً قائلاً: ” أيها البنون، خذوا منى ما قد
نسيتموه في القلاية ” فتعجبوا من سذاجة الشيخ، وأعادوا إليه سائر ما أخذوه،
وندموا قائلين بعضهم لبعض: “بالحقيقة أن هذا الإنسان رجل الله”، ففي
قراءتنا هذا الفصل، قال لى الشيخ: “هل علمت يا أبانا أن هذا الفصل قد نفعنى
منفعة كبيرة؟ ” فقلت له: ” وكيف نفعك أيها الأب؟” فقال لى: ”
لما كنت في نواحى الأردن، قرأته، وعجبت من الشيخ، وقلت في نفسى: يارب أهلنى لأن
أسلك في سبيله، يا من أهلتنى لأن ألبس زيه. ولما كان هذا بشوق منى، فقد حدث بعد
يومين، أن جائني لصوص، فلما قرعوا الباب، وعلمت بأنهم لصوص، قلت في نفس: المجد
للرب، ها قد جاءني الوقت لأزهر ثمرة شوقي. ففتحت لهم واستقبلتهم ببشاشة وأوقدت
السراج، وبدأت أريهم ما في القلاية قائلاً لهم: لا تقلقوا ثقتي بالله، أني سوف لا
أخفى عنكم شيئاً. فقالوا لى: ألك ذهب؟ قلت: نعم، لدى 3 دنانير، وفتحت القفة قدامهم
فأخذوا وانصرفوا بسلام “.

أما
أنا فقد تباحثت مع الشيخ وقلت له: ” ألم يعودوا كأولئك الذين طرقوا باب ذلك الشيخ؟
” فقال لى بسرعة: ” لا يغفل الله عن ذلك، لأني ولا هذا أشتهيت. أعنى
رجوعهم” وقال: “ها شوق الشيخ، فماذا منحه وماذا أعطاه؟ أنه ليس فقط لم
يحزن، ولكنه يفرح بالحرى، كمن استحق هذه الموهبة، وقال مرات كثيرة: “أننا في
مسيس الحاجة إلى استيقاظ مثير، وعقل غزير، تقابل به فنون الشيطان، لأنه يسبب لنا
الإنزعاج من لا شئ، ومرات يسبب حجة واجبة، كمن قد حرد موضعه، فهذا الأمر غريب
جداً، واجابنى عن المشتاقين إلى سلوك طريق الله، حسبما يقول القديس مقاريوس:
“الجرد غريب عن طبقة الرهبان، كما أن الحزن أيضاً غريب عن طريقة الرهبان”.

+
وقال: ” أنني في وقت ما، استحسنت كتاباً عند أحد النساك المهرة (في النسخ)،
وبعد أن فرغ من نسخه، أرسل يقول لى: ” ها قد فرغت من نسخة، متى تشاء أن أرسله
لتأخذه؟ ” فلما سمع أحد الأخوة ذلك، مضى باسمى إلى الناسخ، ودفع له دنانير عن
نسخة واخذه، ولم أمن أنا عارفاً بذلك، فأرسلت أخا من أخوتى ومعه دنانير، وكتبت إلى
الناسخ ليسلمع الكتاب، فلما تحقق الناسخ أنه قد لعب به وخدعه، ذلك الذي سبق فأخذه،
أنزعج لذلك، وقال: “ها أنا ماضي إليه لأوبخه أولاً، لأنه فرر بى، وأخذ ما ليس
له “.

فلما
سمعت بذلك أرسلت إليه أقول له: ” أنت تعلم يا أخى أننا نقتني الكتب لكى نتعلم
المسكنة، والمحبة، والوداعة، فإذا كانت فاتحة اقتناء الكتب بحرد وخصومة، فلا أريد
أقتناءه، ولن أحارب أحداً، أو أخاصمه بسبب ذلك، لأن الخصومة والمنازعة لا تليق
بعبيد الله، وها أنا قد طرحت عنى أمر هذا الكتاب، فلا تقلق الأخ بسببه بالكلية
“.

ولما
تذكرت حال الشيخ الذي كان الأخ جاره يسرق ما يجده له، وانه علم ذلك ولم يوبخه، بل
صار يعمل أمثر مما سبق وعمل قائلاً: ” ربما يكون الأخ محتاجاً”، تعجبت
من تحنن القديسين، وتذكرت الشيخ الذي سرقت آبنته، ولما وجدها في قلاية الأخ، أحتشم
واختفى إلى أن خباها الأخ وسترها. ولما ضبط الأخ من الوالى، مضى الشيخ ولاطف
الوالى، حتى أخرجه من الحبس.

+
وقيل عن هذا الشيخ أيضاً: أنه مضى وقتا ما إلى السوق ليبتاع له توباً، فدفع ثمنه
دينارا واحداً، وأخه ووضعه تحته، إلى أن يتمم عدد الدراهم الباقية من ثمنه، ثم بعد
السداد يلبسه، فعبر به من أراد أخذ الثوب، وأحس الشيخ بذلك، فتحنن على آخذه، وتنحى
في جلسته قليلاً عن الثوب الذي تحته، حتى أخذ الثوب ومضى دون أن يوبخه الشيخ على
ذلك.

+
وقال الطوباوي: ” كم كانت تضحيته بالأوعية التى تضيع بالثوب ولكن مروءته كانت
عظيمة، لأنه أظهر بما فعله، أنها في حال كونها له، كانت كأنها ليست له، وكذلك لما
أخذت منه، بقى غير مغموم عليها، ولم ينزعج لضياعها. لذلك أقول: ” ليس
أمتلاكما الشئ مؤديا، ولكن ميلنا وانصبابنا إلى أمتلاكه، هو المؤذى.. فمثل هذا لو
كان له كل العالم لكان حاله كحال من لم يمتلكه، لأنه أزهر بتصرفه، أنه معتوق من كل
الأشياء “.

+
وقال: ” أن الشياطين متى أبصروا أنساناً غير ماثل، ولا منصب إلى الأمور، فلا
يحزن لفقدها، حينئذ يعلمون أن هذا الإنسان يمشى على الأرض وليس له هو أرضى، وذلك
يرجع إلى الميول والحركات الخاصة بالنيات والإرادات لأنه يمكن لإرادة وحركة صادرة
عن نية واحدة إذا كانت شديدة الحرارة، أن تقدم لله ساعة واحدة، ما لا تقدمه حركة
نية أخرى غي خمسين سنة”.

+
وقيل أيضاً: أن إنساناً تاجراً، خبيراً بالفصوص والخرز، عارفاً بجوهر الؤلؤء، ركب
في سفينة مع غلمانه، وكانت معه جواهر وأشياء أخرى غالية وصثمينة، وكان في السفينة
عدة نواتية.

وكان
بين النواتية صبى حسن، هادئ الحركة، هذا شكاً لذلك التأجر بأنه يبغض صناعة البحر،
كما يبغض معاشرة رفقته، لما هم عليه من العادات والطباع الذميمة.

ثم
قال له التاجر: ” لا يضيق عليك الأمر، فإذا سهلت طريقنا بمعونة الرب، وصعدنا
من هذه السفينة، أخذتك معى، واعتنيت بمصالحك” فطاب قلب الصبى بالكلام “.

وحدث
في بعض الأيام أن تشاور النواتية فيما بينهم على أن يقذفوا بالتاجر وبغلمانه إلى
البحر، من أجل ما معه من المال، فلما أعلموا ذلك الصبى الذي كان صديقاً لذلك
التاجر، أسرع وأخبره بما تشاوروا عليه، فقال له التاجر “هل أنت متحقق من ذلك؟
” قال له: ” نعم “.

حينئذ
قام الجواهرى بسرعة، واستدعى غلمانه وقال لهم: كل ما أمركم به أفعلوه بسرعة، لأنه
أن تهاونتم فسوف أموت أنا وسوف تموتون أنتم أيضاً. ثم بسط أزارا في وسط المركب،
وقال لهم: هاتوا ربوات الجواهر كلها. فقدموها إليه، ففتحها وأفرغها قدام كل من في
المركب، وبدأ يقول: ” هذا عدوى، وأنا أشفق عليه، هذا قاتلى، وأنا أحبه هذا
مبعدى من الحياتين فما أنتفاعى به، أحملوا معى” فحملوه معه، وبسرعة طرح جميع
الجواهر البحر، فلما رأى الملاحون ذلك تحيروا في أمرهم، وانحلت مشورتهم، ثم أصبح
يتصدق منهم الخبز، فالملاحون لما أبصروه على تلك الحال رحموه وبدأ هو يقول:
“أشكرك يا رب، لأنك أنهضتنى لخلاص نفسى وجسدى اليوم زالت عنى قسوى القلب،
وربحت تلك النفوس الهالكة، أولئك الذين بهمى قلوبهم تشاوروا، وبسببى طلبوا أن
يسكنوا الجحيم المخلد “.

3-
الراهب والصدقة

+
قال الأب زينون:


أن الراهب الذي يأخذ صدقة، سوف يعطى حسايا عنها”.

+
وقال شيخ:


المرائي بالمسكنة ويخدع بها الرحومين، ليأخذ منهم شيئاً في خفية هو خاطف ظالم،
لأنه أخذ بالرياء بغير وجه حق، وما كان وقفا على المساكن أخذه هو”..

+
قال أنبا أفراطس “


أن شاء أن أحيا فهو يعلم كيف يسوس أمرى، وأن لم يشأ فما لى وللحياة”. وكان
يأبى أن يأخذ من أحد شيئاً، وإذ مات مقعداً ملقى على فراشه كان يقول:

“أن
أخذت من أحد شيئاً، فليس لى ما اكافئه به”.

+
قيل: حدث يوما أن جاء إلى الاسقيط إنسان غنى عاد من غربة وأعطى لكل راهب ديناراً
صدقة، كما أرسل بركة لبعض الملازمين قلاليهم، فرأى أحدهم في تلك الليلة حقلاً
مملوء أشواكا وانسانا يقول له: ” أخرج ونظف حقل من أعطاك الأجرة ” فلما
قام باكراً، أرسل الدينار لصاحبه قائلاً له: “خذ دينارك، لأنه ليست لى قوة
على اقتلاع أشواك غيرى. باليتنى أستطيع اقتلاع شواك حقلى فحسب “.

4-
الراهب واحياة البساطة

+
قال شيخ: –

أنى
لما كنت في البريى الداخلية، كان بالقرب منى شاب راهب مهتم لخلاص نفسه، فرأيته
مصلياً مسالما للوحوش، يأنس إليها كما تأنس هي إليه، وبعد الصلاة كانت هناك ضبعة
ترضع صغارها، فتقدم ذلك الراهب لشاب وطرح نفسه وابتداأ يرتضع مع صغارها.

ومرة
أخرى رأيته مصلياً وهو يسأل الله أن يؤهله ويعطيه نعمه أن يصالح نار ولا تضره. ثم
أضرم ناراً عظيمة وسجد في وسطها على ركبتيه، وكان المصلى الله فيها.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى