علم التاريخ

من هو آريوس؟

من
هو آريوس؟

آريوس
ولد بليبيا، وحوالى عام 270 م، وبعد أن تعلم بها بعض الرياضيات والفلسفة والعلوم
الدنيوية إلتحق بمدرسة أنطاكية، فتأثر بآراء معلمه لوقيانوس المتطرفة فيما يتعلق
بألوهية السيد المسيح.

وبعد
أن أتم دراسته جاء إلى الأسكندرية، ودرس بمدرستها اللاهوتية أيضا، وأظهر نبوغا
كبيرا مما جعله يسعى لنوال درجات الكهنوت،.. ورسم شماسا ثم قسا بعد ذلك.

بعد
سيامته قسا لاحظ البابا بطرس أنه يتعمد فى عظاته إنكار لاهوت السيد المسيح فلفت
نظره كثيرا، ولكنه لم يعدل عن آرائه، عقد البطريرك مجمعا محلى فى الأسكندرية حرمه
فيه ومنعه من شركة الكنيسة.

وقد
ظهرت هرطقة أريوس فى عصر اضطهاد دقلديانوس ومساعديه، لم تنل قوة ولا أنتشارا فى
أيام الأستشهاد، لأنشغال الناس عنها بما هم فيه من ألوان العذاب البشعة. وعندما
قبض على البابا بطرس حاول أريوس الحصول على الحل منه، فرفض بل أوصى تلميذيه أرشيلاوس
وألكسندروس * اللذين صارا بطريركين من بعده، على التوالى * بعدم قبول أريوس لعلمه
بشر هذا المبتدع.

بعد
استشهاد البابا بطرس أرجع خليفته البابا أرشيلاوس، أريوس إلى عضوية الكنيسة بناء
على طلبه، وزاد بأن عهد إليه برعاية كنيسة بوكاليس أقدم كنيسة فى الأسكندرية والتى
فيها جسد القديس مرقس، ولما توفى البابا أرشيلاوس رشح أريوس نفسه لمركز
البطريركية، ولكن الإكليروس والشعب اتفقوا معا على انتخاب ألكسندروس.

فألتهبت
فى قلبه نار البغضاء، ورجع إلى قيئة القديم فنشر فكره، ولما كان قديرا فى الخطابة
فاستطاع أن يجذب حوله جماعة من أهل الأسكندرية من الذين وجدوا فى أسلوبه تجديدا
وابتكارا، فقد بسط الأمور محاولا إقناعهم بأنه يحافظ على عقيدة التوحيد بجعله من
السيد المسيح كائن مخلوق.

 

بدعة
آريوس تنقسم إلى:

1
– قوله أن الكلمة قد ولد، والله الآب سابق (فى وجوده) على الأبن (الكلمة).. أى أنه
كان هناك زمن لم يكن الله فيه أبا..، وإلا كان هناك أثنان ” غير مولودين
” بدون أصل، مما هو مخالف لوحدانية الله، إذن كان هناك زمن لم يكن فيه الكلمة
موجودا،.. هذا أول الضلالين.

2
– حسب اعتقاده بأن الأبن ” مخلوق “، وفى هذه الحالة فالكلمة ليس
الله..!! ولا مساويا للآب، ولا هو من جوهر الآب نفسه، ولا وجود له إلا بإرادة
الآب، نظير كل خليقة أخرى، ولا هو يدعى أبن الله إلا مجازا أو مبالغة فى الكلام،
ولن تكون هناك ولادة إلا عن سبيل التبنى اللائق بقداسة الكلمة..

 وعندما
فشل أريوس فى إثارة الشعب ضد البابا ألكسندروس هجر الأسكندرية ولجأ إلى آسيا
الصغرى ليكون قريبا من نصيره أوسابيوس النيقوميدى المؤرخ الكنسى الشهير.

 

انعقاد
مجمع نيقية:

انعقد
هذا المجمع المقدس عام 325 م بآسيا الصغرى بمدينة نيقية، بدعوة من الأمبراطور
قسطنطين الكبير، بسبب ظهور بدعة آريوس، وقد حضر هذا المجمع المقدس (ثلاثمائة
وثمانية عشر) أسقفا.

 

شخصيات
عظيمة فى المجمع:

حضر
المجمع شخصيات فى مصاف القديسين مثل البابا ألكسندروس بابا الأسكندرية، وتلميذه
الشماس أثناسيوس.. وكان عمره وقتئذ بين العشرين والخمسة وعشرين عاما. وحضر أيضا
القديس مكاريوس أسقف أورشليم، وأوستاثيوس أسقف أنطاكية، وليونتيوس أسقف قيصرية
الكبادوك، وهيباثيوس أسقف غنغرة، وأرشيلاوس أسقف لاريسا.

ويؤكد
جميع المؤرخون أن الأساقفة قد منحوا آريوس وأتباعه مطلق الحرية للتعبير عن آرائهم.

ولقد
وقع الأختيار على هوسيوس أسقف قرطبة ليرأس هذا المجمع، بحكم كبر سنه، برغم أنه كان
أسقفا لمدينة متواضعة، فجلس عن يمين الأمبراطور.

 

وبعد
مداولات مستفيضة ثبت لآباء المجمع ما يتردى فيه هؤلاء المبتدعون من ضلال، فقرروا
أن يضعوا دستورا للإيمان وأن يضمنوه العقائد المهمة بكل وضوح وجلاء، وبخاصة عقيدة
مساواة الأبن للآب فى الجوهر.

وهذا
الدستور هو التراث الذى وضعه الشرق للمسكونة بأسرها، ذلك لأن الآباء الغربيين
الذين كانوا أعضاء فى هذا المجمع المؤلف من 318 أسقفا لم يتجاوز عددهم الستة
أساقفة.

والدستور
الذى تم وضعه فى هذا المجمع العظيم هذا نصه:


بالحقيقة نؤمن بإله واحد، الله الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا
يرى.. نؤمن برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل
الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو للآب فى الجوهر،
الذى به كان كل شىء، هذا الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء
وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، تأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى،
تألم وقبر وقام من الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب، وصعد إلى السموات وجلس
عن يمين أبيه، وأيضا يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات، وليس لملكه انقضاء..

 

وقرر
الآباء: ” أن جميع الذين يقولون عن الأبن أنه جاء عليه حين من الدهر لم يكن
فيه موجودا، أو أنه لم يكن له أثر فى الوجود قبل أن يولد، أو أنه ولد من العدم، أو
أنه من غير جوهر الآب، أو أنه مخلوق ومعرض للتحول والتبدل، فالكنيسة الجامعة
الرسولية المقدسة تعلن وقوعهم تحت طائلة الحرم”

 

نتائج
مجمع نيقية:

يعتبر
مجمع نيقية حدثا تاريخيا هاما فى تاريخ العقيدة المسيحية، لأن فيه تقرر مسكونيا أن
الأبن مساو للآب فى الجوهر، وبالنسبة لكنيسة الشرق بوجه عام وكنيسة الأسكندرية
بوجه خاص فقد استطاعت كنيسة الأسكندرية من خلال هذا المجمع أن تحتفظ بمكانتها فى
الكنيسة الجامعة، واستطاع بطريرك الأسكندرية البابا ألكسندروس وشماسه أثناسيوس،
إعلان العقيدة السليمة والتمسك بها والدفاع عنها، وبذا أظهر أولوية الشرق على
الغرب.

مجمع
نيقية حسم بعض الخلافات ووحد الكنيسة، وفوض لبابا الأسكندرية تحديد موعد عيد
القيامة، ووضع قانون الأيمان النيقاوى الذى أضحى فيما بعد قاعدة الأيمان الأرثوذكسى
لكل كنيسة،.. وإن كانت قرارت مجمع نيقية لم تقض على الأريوسية تماما، لأن آريوس لم
يطع،.. وقسطنطين نفسه تذبذب وخلفاؤه المباشرون كانوا أريوسيين، إلا أن مجمع نيقية
قد وضع حجر الأساس للإيمان القويم، الذى يقوم عليه الأيمان الأرثوذكسى كما كان منذ
البدء..، وعندما يخرج شخص أو صاحب بدعة فى أى عصر من العصور عن هذه القاعدة يتم
وضع تفسيراته واجتهاداته أمام دستور مجمع نيقية ليتضح صحة هذا القول لأى شخص مبتدع
أو منحرف عن المسار السليم للأيمان.

كما
أصدر مجمع نيقية عشرين قانونا مهما.

 

البابا
أثناسيوس والقديس أنبا أنطونيوس وجهادهما ضد آريوس:

بعد
نياحة البابا ألكسندروس وارتقاء الأنبا أثناسيوس الكرسى المرقسى، وبينما كان
منشغلا بزيارة شعبه بالقطر المصرى، علم أن أريوس عاد إلى الشغب فى الأسكندرية،
فبعث إلى معلمه الأنبا أنطونيوس برسالة طلب إليه فيها أن يغادر عزلته ويقصد مع
رهبانه إلى الأسكندرية ليقف فى وجه آريوس وأعوانه، فلم يسع الشيخ القديس إلا أن
يلبى نداء باباه الذى هو تلميذه أيضا وبادر إلى مقر الرياسة المرقسية فى جماعة من
أبنائه الرهبان وأخذوا يقاومون البدعة ومبتدعيها، ولم يحرؤ أحد من خصومهم على
الوقوف فى وجوههم.

 

نهاية
آريوس:

استمر
آريوس فى حربه ضد الكنيسة، مستغلا دهائه فى تأليب الأمبراطور مرة، أو طوائف الشعب
مرة أخرى ضد البابا أثناسيوس، حتى تسبب فى صدور أمر من الأمبراطور بنفى البابا أثناسيوس
إلى خارج البلاد.

وفى
إحدى المرات بينما كان آريوس يجوب شوارع القسطنطينية شعر بمغص شديد دفعه إلى دخول
إحدى المراحيض العامة حيث اندلقت أحشائه وانطرح على الأرض صريعا، وما أن ذاع هذا
الخبر حتى تنفس الناس الصعداء، وداوموا على الصلاة والصوم حتى عاد أبيهم المحبوب
الأنبا أثناسيوس إلى كرسيه، بركة صلواته تكون معنا آمين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى