اللاهوت الدستوري

(1) إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية



(1) إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية

(1) إثبات شريعة الزوجة الواحدة في
المسيحية

أ) مقدمة عن الإجماع العام

إن وحدة الزواج فى المسيحية أمر مسلم به عند
جميع المسيحيين فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم من أرثوذكس إلى كاثوليك إلى
بروتستانت.

 

اختلفوا فى موضوعات لاهوتية وتفسيرية كثيرة،
واختلفوا فى بعض التفصيلات فى موضوع الأحوال الشخصية نفسه. أما هذه النقطة بالذات
” الزوجة الواحدة”، فلم تكن فى يوم من الأيام موضع خلاف. وإنما سلمت بها
جميع المذاهب المسيحية، وآمنت بها كركن ثابت بديهى من أركان الزواج المسيحى.

 

فعلى أى شئ يدل هذا الإجماع، الذى استمر بين هذه
المذاهب كلها طوال العشرين قرنا من بدء نشر المسيحية حتى الآن؟ واضح انه يدل على
أن هذا الأمر هو عقيدة راسخة ليست موضع جدل من أحد.

 

وشريعة ” الزوجة الواحدة ” هذه: كما
كان مسلما بها لدى رجال الدين، كان مسلما بها أيضاً لدى رجال القضاء. وكما علمت
بها الكتب الكنسية، كذلك وردت فى التشريعات التى أصدرتها الحكومات المسيحية فى
العالم أجمع.

 

ويعوزنا الوقت أن نتناول البلاد المسيحية واحدة
واحدة، ونفصل تشريعاتها فى الأحوال الشخصية. و لكننا نشير إلى من يشاء معرفة هذه
التفصيلات، بقراءة كتاب ” الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر ” الذى صدر فى
القاهرة سنة 1950 م. لمؤلفه الأستاذ جميل خانكى المحامى و وكيل النائب العام
سابقاً لدى المحاكم المختلطة. وسنكتفى فى هذا البحث الموجز بذكر أمثلة من المؤلف،
تشمل بعض بلاد تتبع لكل من الذاهب المسيحية الرئيسية.

 

ب) الإجماع من جهة التشريعات المدنية

فكمثال للبلاد الأرثوذكسية:

1- أقباط مصر: نصت لائحة الأحوال الشخصية التى
أصدرها المجلس الملى العام سنة 1938فى الفصل الثالث ” موانع الزواج الشرعية
” على أنه ؛ ” لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زوجاً ثانياً مادام الزواج
قائماً ” ” المادة 25″. وفى الفصل السادس الخاص ببطلان الزواج نصت
المادة 41على أن كل عقد يقع مخالفا للمادة السابقة ” يعتبر باطلا ولو رضى به
الزوجان أو أذن ولى القاصر، وللزوجين وكل ذى شأن حق الطعن فيه”.

 

وكمثال للبلاد الأرثوذكسية، الخلقيدونية:

1- اليونان: من بنود موانع الزواج تنص المادة
1354 من القانون المدنى اليونانى الصادر فى 30/1/1941 على أنه يمتنع الزواج ”
إذا كان أحد الزوجين قد سبق له الزواج، و لم تنحل رابطته بعد”. وفى بطلان
الزواج تحكم المادة 1372 بأنه يقع باطلا ” زواج من لا يزال مرتبطا بزواج
سابق”. وفى أسباب الطلاق تنص المادة 1439 على الطلاق فى حالة ” إذا
ارتكب أحد الزوجين زنا أو تعددت زوجاته”.

 

2- روسيا: على الرغم من أن الزواج فيها لا يعتبر
سوى عقد تراض بين شخصين. فإنه على حسب القانون المدنى للجمهوريات السوفيتية
الاشتراكية الصادر سنة 1927 نص على أنه من موانع تسجيل وثيقة الزواج ” أن
يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد”.

 

وكمثال للبلاد الكاثوليكية:

1- ايطاليا: ينص القانون المدنى الايطالى الصادر
فى 16/3/1942 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه “لا يكون أحد الزوجين
مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد” (المادة 86). كما تنص المادة 117 على
أنه يقع باطلا ” زواج من كان مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته”.

 

2-فرنسا: على حسب قانونها المدنى فى الأحكام
الصادرة فى 12/4/1945 تنص المادة 147 فى فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه
” لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد”. والمادة
184 تقضى ببطلان زواج من كان مرتبطا بزواج سابق.

 

3-أسبانيا: تنص الفقرة الخامسة من المادة 83 من
القانون المدنى الأسبانى الصادر فى 24/7/1889م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة
الزواج ” أن لا يكون أحد الزوجيين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد”.
والفقرة الثانية من المادة 3 تقضى بالطلاق فى حالة “تعدد الأزواج أو
الزوجات”.

 

وكمثال للبلاد البروتستانتية:

1- الولايات المتحدة: حسب القانون العادى common
law
من شروط صحة الزواج
” أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد “.

 

2- ألمانيا: تنص المادة الخامسة من القانون رقم
16 الذى أصدره الحلفاء بتاريخ 20/2/1946م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة الزواج
” أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد”.

 

3- النمسا: تنص المادة 8 من القانون المدنى
النمساوى الصادر سنة 1810 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه ” لا يكون
أحد الزوجين مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد”. بينما المادة 24 تقضى
ببطلان الزواج ” إذا كان أحد الزوجين ما يزال مرتبا بزواج سابق صحيح”.

 

وكمثال للبلاد التابعة للمذهب الأسقفى:

بريطانيا: وهى – وإن كان ليس لها قانون مكتوب –
إلا أنه حسب التقاليد يحكم ببطلان الزواج إذا كان أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق
لم تنحل رابطته بعد.

 

وهذه الشريعة المسيحية ” الزوجة
الواحدة”، وكما هى متبعة فى البلاد الآنفة الذكر التى تكلمنا عن قوانينها
كمجرد أمثلة، هى أيضاً متبعة فى باقى البلاد المسيحية مثل الأرجنتين وبولندا
ورومانيا والسويد وسويسرا وهولندا.. الخ

 

لذلك فإن الأستاذ تادرس ميخائيل تادرس فى كتابه
” القانون المقارن فى الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر ” – الذى أصدره
سنة 1954 وهو وكيل لمحكمة الأسكندرية ورئيس دائرة الأحوال الشخصية للأجانب – رأى
فى الباب الثانى الخاص بالشروط الموضوعية للزواج أن يتكلم بإجمال عن هذا الأمر
فقال:

” هذا ولا تأخذ القوانين الأوربية
والأمريكية وبالأحرى قوانين البلاد غير الإسلامية بمبدأ تعدد الزوجات، بل أنها
تعتبره مخالفا للنظام العام. ولهذا نصت جميع هذه القوانين على أن ارتباط شخص بزواج
سابق لم يحل ولم يفصم يعتبر مانعا من زواجه بآخر”.

 

ويقول المؤلف ايضا فى الفقرة 182: وتأسيسا على
هذا قضت المحاكم المختلطة ببطلان الزواج الثانى للشخص الذى مازال مرتبطا بزواج
سابق، عملا بالقانون الفرنسى ” فى القضية رقم 1679 سنة 70 ” بتاريخ 17
مارس سنة 1947، والإيطالي: في القضية رقم 2048 سنة 73 ” بتاريخ 28 فبراير سنة
1949.

 

ويقول المؤلف أيضاً في الفقرات 189 صفحة 129 تحت
عنوان “الزواج الظني” “
Marige Putatif “: كثيراً ما يحصل أن أحد الزوجين كان يجهل أسبابا البطلان
الذي عقده مع الزوج الأخر. مثال ذلك: رجل متزوج في بلد ما، ويخفي حالته المدنية
علي سيدة اخري في بلد أخر، ويتزوجها بصفة أعزباً، ثم تظهر الحقيقة بعد ذلك ويقضي
ببطلان الزواج. فما هو الحل؟

 

أيضيع كل حق للزوجة الثانية التي كانت حسنة
النية، ام يعترف لها بحقوق، ويناقش سيادته مسالة التعويض في ما إذا كانت هذه
الزوجة الثانية التي حكم ببطلان زوجها لقيام الزوج الأول تستحق تعويضاً أم لا:

 

ج) الإجماع من الوجهة الكنسيّة

هذا الاجماع العام من الناحية القانونية
المدنية: يقوم علي أساس ” تعليم كنسي ينص علي وحده الزوجة. وسنعرض أيضاً
أمثله لهذا التعليم من جهة المذاهب المسيحية المختلفة.

 

1- الكاثوليك:

ورد في باب ” سر الزيجه ” في كتاب
التعليم المسيحي الروماني
catechismus Romanus الذي طبع سنة 1786 في روما “بأمر الحبر الأعظم البابا بيوس
الخامس” ما يأتي:

 

إننا آن تأملنا في شريعة الطبيعة بعد الخطيئة أو
في شريعة موسي، فنطلع بسهولة ونعرف آن الزيجة قد فقدت وعدمت حسنها وجمالها الأول
الأصلي لأنه في زمان الشريعة الطبيعية قد تحققنا وعلمنا عن كثيرين من الاباء
القدماء كان متزوجين بنساء كثيرات معاً. أما فيما بعد ؛ في شريعة موسي فكان
مسموحاً بذلك وإذا وجد سبب موجب وتدعو الضرورة إلي تلقي المرأة فيكتب لها كتاب
طلاق. فهذان الأمران المذكوران قد ارتفعا وزالا من زيجة الشريعة الإنجيلية.
والزيجه قد ارتدت إلي حالها الأول، لكون الزيجة بكثرة نساء كانت شيئاً غريباً عن طبيعة
الزيجة. ولو أن الآباء القدماء لم يلاموا علي زيجتهم بنساء كثيرات لأنهم ما فعلوا
ذلك بغير إذن من الله وسماح منه تعالي. وربنا يسوع المسيح أوضح بطلان الزيجة بنساء
كثيرات في تلك الألفاظ التي قالها “من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق
بإمراتة ويكون الإثنين جسداً واحداً” ثم أضافه قائلاً ” فليس هما اثنان
ولكن جسد واحد” (متي 19: 5، 6). وأثبت ذلك المجمع المقدس التريدنتيني في
القانون الثاني من الجلسة الرابعة والعشرين عن سر الزيجة. فالسيد المخلص في هذه
الكلمات قد أوضح أيضاحاً بينا بأن الزيجة قد فرضت من الله هكذا: بأن تكون أقتراناً
فيما بين اثنين فقط لا اكثر. الشئ الذي قد علمه أيضاً في مكان اخر وأوضحه جيداً
حيث قال “من طلق أمرأة وتزوج بإخري فقد زني. وأن فارقت زوجها وتزوجت اخر فهي
زانية” (مرقس 10: 11، لوقا 16: 17).

 

فلو كان يجوز للرجل آن يتزوج بنساء كثيرات، لما
كان يوجد سبب أصلاً أن يقال عنه أنه مجرم بخطيئة الزني إذا ما أقترن – عدا أمرأته
التي عنده في البيت – بإمرأة اخري”. وكذلك في قضية المرأة الأمر يجري هكذا.
فالأجل هذا يلزمنا آن نعرف بإنه أذا كان احد من غير المؤمنين قد تزوجت بنساء
كثيرات، حسب عادة أمته وطقسها. فلما يرتد إلي الديانة الصادقة والحقيقية، تأمرة
الكنيسة أن يترك باقي النساء الآخر جميعهن ويأخذ المرأة التي أتخذها أولاً قبل
جميعهن فتكون له إمرأة هي وحدها فقط شرعاً وعدلا”.

 

2- البروتستانت:

نفس الشريعة “الزوجة الواحدة” يؤمن
بها البروتستانت كما يظهر من ” كتاب نظام التعليم في علم الاهوت القويم
” الذي ” يبين معتقد الكنيسة المسيحية الإنجيلية”. فقد ورد في صفحة
396 منه في شرح الوصية السابعة: “الكتاب في كلا العهدين يكرم الزوج غاية
الأكرام، ويعتبره رسما إليها، وقد وضعته الحكمة الإلهية لغاية حسنة وهي بركة فائقة
لجنسنا.

 

والقانون الأصلي الدائم فيه آن يكون رجل واحد
وأمرأة واحدة وهو اقتران لا يجوز أنفكاكه إلا بالموت أو لسبب إخر ذكره المسيح. وما
يظهر في الكتاب انه عدول عن هذا القانون كأتخاذ نساء كثيرات في العهد القديم، أنما
هو بإحتمال الله لأسباب وقتيه، وهو خلاف ما اعتاده العبرانيون انفسهم في كل العصور
اما المسيح فأثبت القانون بدون ادني التباس (متي 19: 3 –9، مرقس 10: 4 –9، لوقا
16: 18، متي 5: 32). ولا يجيز الطلاق الكامل الذي يحل للإنسان زواجاً أخر إلا
لزنا، بموجب تعليم المسيح (متي 5: 31، 32، 19: 3-9).

 

ورأي البروتستانت هذا عبر عنه كذلك قاموس الكتاب
المقدس للدكتور جيمس هيستنجز
J. Hastings إذ ورد فيه: ” إن أول تغيير أحدثته المسيحية هو وحدة الزواج
ومنع تعدده ” وقد ذكر الكتاب أيضاً آن الآيتين 4، 5 من انجيل متي 19 تمنعان
وجود زوجة ثانية.

 

3- أما الأسقفيون:

فإن رأيهم صريح في وحدة الزواج عبر عنه الدكتور
تشيثام
Cheetham رئيس الشمامسة السقفة واستاذ علم الاهوت الرعوي بكلية الملك بلندن
في كتابة
Dictionary of Christian Antiquities أذا ورد فيه ” إن التعديلات التي احدثها ربنا في قانون
الزواج والطلاق العبران كما كانت قائمة في ايامه هي اثنتان:

“أ” أنه أرجع قاعدة الزواج الواحد monogamy

“ب” ولم يسمح بالطلاق إلا علي اساس
زنا الزوجة…

 

أما رأينا نحن الأورثوذكس:

فهو واضح مما سبق أن ذكرناه سابقاً ومع ذلك
فسنشرحه بالأدله التي سيتضمنها هذا الكتاب كله. ولكننا نكتفي في هذا الفصل
الإجمالي بما ورد في صفحة 119 من كتاب التميز – وهو أحد أجزاء مخطوطه قديمة بدير
السريان بوادي النطرون – من أنه ” لا يجوز للمرء ما دامت امرأة حية أن يتخذ
عليها أخري”.

انظر أيضاً الباب الخاص بمنع تعدد الزوجات بسبب
قوانين كنسية صريحة.

 

د) خاتمة

أوردنا امثله عديدة تدل علي أن شريعه ”
الزوجة الواحده هي ركن أساسي من أركان الزواج المسيحي، تؤمن بها جميع المذاهب
المسيحية التي سلمت بها علي الرغم من أختلفها في بعض أمور أخري وبقي آن نقول الأن:
اما أن هذا الأجماع العام يعني آن الأمر هو عقيده راسخه لم تتزعزع مدي عشرين قرناً
من الزمان. وهذا هو الثابت منطقاً وعملاً. وأما انه يعني آن المسيحيين في العالم
اجمع – أكليروساً وعلماء وشعباً – منذو نشأتهم حتي الأن مخطئون في فهم دينهم، وهذا
ما لا يستطيع آن يقول به أحد. والذي يعرضون هذا الأمر يلزمهم آن يفتشو التاريخ
جيداً ويسألوه: متي سمع عن المسيحي أنه جمع بين زوجتين في زواج قانوني تقره
الكنيسة؟! ومنذو بدأ المسيحية حتي الأن، متي أجازت الكنيسة امرا كهذا – علي علم –
وأجرت طقوسه؟! فإن لم توجد اجابه علي هذا السؤال – ولن توجد – نتدرج إلي نقطة أخري
في الفصول التالية وهي تفسير وتوضيح الأسباب التي من اجلها امن المسيحيون بهذه
العقيدة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى