كتب

الفصل الثامن



الفصل الثامن

الفصل
الثامن

من
هو المسيح في إنجيل برنابا؟

 

من
أغرب ما وقع من تزييف في هذا الكتاب المزيَّف هو ما زعمه الكاتب المزيَّف من أنَّ
المسيح ليس هو المسيح؟! وأنَّ المسيَّا غير المسيح؟! وأنَّ المسيح ليس ”
نبيًا ما “؟! إنَّما هو مُجَّرد صوت جاء ليُعِدَّ الطريق لآخر لا أكثر ولا
أقلّ؟! ومن ثمَّ يتمادي الكاتب في تزويره وضلاله فحذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان
الثابتة دينيًا وتاريخيًا؟! وحرَّف وبدَّل آيات ونصوص إنجيل يوحنَّا ووضع إضافات
أخري أخذها من مصادر غير مسيحيَّة، ليصنع شخصيَّة أخري للربِّ يسوع المسيح تختلف
تمامًا عن مسيح الدين والتاريخ؟! واقتبس الحوار الذي دار بين المعمدان وكهنة
اليهود (يو1/19-30) وحوَّله إلي حوار بين الربِّ يسوع المسيح واليهود وجاء الحوار
كالآتي:

مقالات ذات صلة


لما رأى كثيرون من الذين جاءوا يفتِّشون عليه (يسوع)، فإنَّ رؤساء الكهنة تشاوروا
فيما بينهم ليسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاويِّين وبعض الكهنة يسألونه قائلين:
من أنت؟

فاعترف
يسوع وقال: ” الحق أني لست مسيًّا “؟

فقالوا:
” أنت إيليَّا أو أحد الأنبياء القدماء؟ ”

أجاب
يسوع: ” كلا “!

حينئذ
قالوا: ” من أنت لنشهد للذين أرسلونا؟ “.

فقال
حينئذ يسوع: ” أنا صوت صارخٌ في اليهوديَّة كلِّها يصرخ: أعدوا طريق رسول
الربِّ، كما هو مكتوب في أشعياء “!!

قالوا:
” إذا لم تكنْ المسيح أو إيليَّا أو نبيًّا ما فلماذا تبشِّر بتعليم جديد
وتجعل نفسك أعظم شأنًا من مسيَّا؟ “!!

أجاب
يسوع: ” إنَّ الآيات التي يضعها اللَّه علي يدي تُظهر أنِّي لست أهلاً أنْ
أحلّض رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول اللَّه الذي تسمونه مسيَّا “!!

كما
حرَّف الحوار الذي دار بين الربِّ يسوع المسيح والمرأة السامريَّة (يو4) وحذف منه
وأضاف إليه بما يتناسب مع تزويره فجاء كالأتي:


سألت المرأة السامريَّة الربّ يسوع المسيح: أيُّهما أحقّ السجود في هيكل سليمان في
أورشليم كما يقول اليهود، أم علي جبال السامرة، كما يقول السامريُّون، فأجاب يسوع
في أورشليم لأنَّ عهد اللَّه إنما أُخذ في أورشليم في هيكل سليمان لا في موضع
آخر!!

أجابت
المرأة: ” إننا ننتظر مسيَّا فمتي جاء يعلِّمنا “.

أجاب
يسوع: ” أتعلمين أيَّتها المرأة أنَّ مسيَّا لابدّ أنْ يأتي؟ ”

أجابت:
” نعم يا سيِّدي “.

حينئذ
تهلَّل يسوع وقال: ” يلوح لي أيَّتها المرأة أنَّك مؤمنة، فإعلمي أذًا أنَّه
بالإيمان بمسيَّا سيخلِّص كلّ مختاري اللَّه، أذًا وجب أنْ تعرفي مجيء مسيَّا
“.

قالت
المرأة: ” لعلك أنت مسيَّا أيها السيِّد “؟

أجاب
يسوع: ” أنِّي حقًا أُرسلت إلي بني إسرائيل نبيّ خلاص ولكن سيأتي بعدي مسيَّا
المرسل من اللَّه إلي العالم الذي لأجله خلق اللَّه العالم، حينئذ يُسجد للَّه في
كلِّ العالم وتنال الرحمة حتَّي أنَّ سنة اليوبيل التي تجيء الآن كل مائة سنة
سيجعلها مسيَّا كلّ سنة في كلِّ مكان ” (ف82)!!

ثمَّ
يزعم الكاتب في حوالي 14% من كتابه المزيَّف (30 فصلاً) أنَّ ” المسيَّا
سيُعلن للعالم أنَّ يسوع ليس هو اللَّه ولا اِبن اللَّه وأنَّه لم يُصلبْ وأنَّ
إنجيله قد تدنَّس وتحرَّف!! أو كما يزعم ” يجيء ليُطَهِّر كلّ ما أفسده
الفجَّار من كتابي ” (ف10: 124)!!

ولكن
هذا الكاتب المزوِّر والمزيِّف الخرافيّ التفكير يقع في أخطاء عديدة تكشف عن جهله
وهويَّته ونيَّاته وتزويره ” فالمجرم دائمًا يترك دليلاّ علي جريمته “!!

أولاً:
حذف شخصيَّة يوحنَّا المعمدان (يحيي بن زكريا) نهائيًا:

فيوحنَّا
المعمدان بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس جاء ليُعِدَّ طريق الربِّ يسوع المسيح،
والكاتب المزيَّف يريد أنْ يجعل من المسيح مُعِدًا لطريق آخر، ولما وجد أنَّه لا
يصحْ أنْ يكون للمُعِدَ مُعِدًّا آخر، حذف شخصيّضة المعمدان تمامًا ووضع الربَّ
يسوع المسيح في نفس مكانته ودرجته كمُعِدٍّ لطريق الآخر بعد أنْ نفي عن المسيح
كونه المسيح!! وجعل المسيح ليس المسيح، أنَّما مُجَرَّد صوت وأعطي لقب المسيح
لنبيّ الإسلام الذي لم يقلْ عن نفسه ولا قيل عنه أبدًا أنَّه المسيح بل قال أنَّ
المسيح هو عيسي بن مريم ” إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ
اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ” (النساء:
4)، ” إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ
بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ” (آل عمران: 45).

وشخصيَّة
يوحنَّا المعمدان (يحيى بن زكريا) ثابتةٌ دينيًا وتاريخيًا، في المسيحيَّة
والإسلام والتاريخ، وقد قال عنه الإنجيل أنَّه جاء ليُعِدَّ طريق الربِّ يسوع
المسيح وقال عنه القرآن أنَّه جاء مُصَدِّقًا بالمسيح عيسي بن مريم ”
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء. فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ
وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى
مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ
الصَّالِحِينَ ” (آل عمران 38و39).

 

وقال
المفسِّرون ” (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ) كائنة (من اللَّه) أي بعيسي أنًّه روح
اللَّه ” (1).

وقال
عنه المؤرِّخ اليهوديّ يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (35 – 100م): ” يوحنَّا
الذي يُدعي المعمدان، الذي قتله هيرودس بالرغم من أنَّه كان رجلاً صالحًا ودعي
اليهود لممارسة الفضيلة … ودعاهم للمعموديَّة ” (2).

ثانيًا:
إدَّعي أنَّ المسيح يسوع ليس هو المسيح؟!!

مناقضًا
بذلك الكتاب المقدَّس بعهديه (الجديد والقديم) والقرآن والتاريخ، كما بينَّا
أعلاه. والأغرب بل والأعجب من ذلك أنَّه يُناقض نفسه أيضًا!! فقد قال في أوَّل
جملة له: ” إنَّ اللَّه … افتدانا في هذه الأيام الأخيرة بنبِيِّه يسوع
المسيح “!! (ف1: 1). وفي قصَّة ميلاد المسيح قال أنَّ هيرودس لما سمع من
المجوس عن ميلاده ” جمع من ثم هيرودس الكهنة والكتبة قائلا: أين يولد المسيح؟
فأجابوا أنَّه بيت لحم لأنَّه مكتوب في النبيّ … “!! (ف6: 4و5). وقال أنَّه
عندما كان يسوع في عُرس قانا الجليل أنَّ أمّ يسوع قالت للخدم: ” أنْ يُطيعوا
يسوع المسيح في كل ما يأمرهم به “!! (ف6: 15)!!

وفي
هذه النصوص وغيرها يُقِرّ الكاتب المزيَّف أنَّ المسيح هو يسوع اِبن مريم العذراء
والمولود في بيت لحم بحسب ما سجله هو نفسه!! وبحسب ما نقله من شهادة الكتبة
والفرِّيسيِّين ونبوَّات أنبياء العهد القديم!! ومع ذلك يقول أنَّ المسيح ليس هو
يسوع المسيح؟!!

ألا
يدلّ ذلك علي تخبُّط هذا الكاتب المزيِّف وتزويره للحقائق؟!!

ثالثًا:
جهل الكاتب وفهمه الخاطئ لكلمتيّ المسيح والمسيَّا:

ومن
الواضح هنا جهل الكاتب المزيِّف والمزوِّر الخرافيّ التفكير وفهمه الخاطئ وتصوّره
أنَّ هناك فرقًا بين لفظيّ ” المسيح ” و” المسيَّا “: وقد
سايره في ذلك المترجم د. خليل سعادة ثمَّ شاع ذلك عند الكثيرين بعد ترجمة هذا
الكتاب إلى العربيَّة!! ولكن هذا خطأ فاحش فلفظيّ ” المسيح ” و ”
المسيا ” هما في حقيقتهما وجوهرهما كلمةٌ واحدةٌ ولقبٌ واحدٌ واسمٌ واحدٌ. إذ
أنَّ كلمة مسيح في العبريَّة هي ”  ماشيحا –
mashiah
” وتُنْطق بالآراميَّة ” ماشيح ” وبالعربيَّة ” مسيح ”
ومعناها الشخص الممسوح بالدهن المقدَّس، وعندما تأتي الكلمة معرَّفة بالألف واللام
” المسيح ” لا تعني سوي شخص الربّ يسوع المسيح. ولما نُقِلَتْ هذه
الكلمة من العبريَّة إلي اليونانيَّة نُقِلَتْ بحروف يونانيِّة نقلت هكذا ”
ماسياس ”
Massias “، ثم نُقِلَتْ إلي اللاتينيَّة القديمة ” Messias ” ومنها اِنْتَقَلَت إلي الفرنسيَّة القديمة ” Messie ” ثمَّ الإيطاليَّة Massie والإنجليزيَّة Messiah. وقد تُرجِمَت الكلمة العبريّضة أيضًا من العهد القديم العبريّ
إلي الترجمة اليونانية (المعروفة بالسبعينية
LXX)
في ال 39 مرَّة التي وردت فيها ” خرستوس –
christos – c r i s t ?? ” بمعناها الحرفيّ المسيح أو الممسوح anointed من الفعل اليونانيّ ” خريو – Chriw
” يمسح والذي يقابل الفعل العبريّ ” مشح “. ثم اِنتقلت الكلمة إلي
اللاتينيَّة ” كريستوس –
Chrestus ” والإيطاليَّة ” كريستو – Christo
” والإنجليزيَّة والفرنسيّضة كرايست وكريست –
Christ
” والتي تُتَرْجَم في العربيَّة أيضًا ” مسيح “.

والخلاصة:
أنَّ مسيَّا ومسيح هما لفظان لكلمةٍ واحدةٍ ومعني واحدٍ ولقبٍ واحدٍ هو المسيح،
وهذا ما جاء في إنجيل يوحنَّا: ” قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا، الَّذِي
تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ ” (يو1/41)، ” أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا
الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي ” (يو4/25).

رابعاً:
حرَّف نصّ الآية الذي جاء في سفر أشعياء والأناجيل الأربعة:

والذي
يقول: ” صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ.
(يهوه) ” (3). فسقط في خطأين: الأول هو قوله: ” في اليهوديَّة كلِّها
” بدلاً من النصِّ الأصليّ ” فِي الْبَرِّيَّةِ ” والذي ترجع أقدم
وثائقه الخطِّيَّة إلي ما قبل الربّ يسوع المسيح بمائتي سنة (4). والثاني هو قوله:
” أعدوا طريق رسول الرب ” بدلاً من ” أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ.
(يهوه) ” ويهوه هو اسم اللَّه (اش42/8)، وليس في نصّ آية سفر أشعياء كلمة
رسول. وقد أراد بالتحريف الأوَّل قصر رسالة المسيح علي اليهود فقط مناقضًا بذلك ما
جاء في الإنجيل الحقيقيّ (5)، و الثاني أراد به جعل المسيح مُجَرَّد صوت لأعداد
طريق ” رسول الربِّ “!! ولكن النصوص والوثائق القديمة الأثريَّة والتي
ترجع إلي القرن الثاني ق. م تكذِّب إدِّعاءه وتزويره وتقف حجر عثرة أمام كذبه
وتزييفه.

خامسًا:
زعم أنَّ المسيح غير مُستحقّ وليس أهلاً أنْ يحلّ سيور حذاء المسيَّا!!

وهذا
ما لم يقلْه أحدٌ علي الإطلاق! فقد شهد أنبياء العهد القديم للربِّ يسوع المسيح
أنَّه الأزليّ (ميخا5/2)، والإله القدير والجالس عن يمين العظمة في الأعالي والذي
تتعبَّد له جميع الشعوب والأمم والألسنة (أش7/14؛دا7/14).

 

وقال
عنه المتصوِّفون أنَّه الوليّ علي الإطلاق والمولود من روح اللَّه، وهو وحده الذي
لا نظير له بين الخلق صدقًا واتحادًا باللَّه، وقال عنه العقلانيُّون مثل جان جاك
روسو ” حياة يسوع المسيح وموته هما حياة إله وموته “. ورأي فيه غيرة الإنسان
الكامل علي الإطلاق والسوبرمان الذي لا مثيل له، علي الإطلاق، في صفاته وشخصه
وأخلاقه، وفي نظر أصحاب الأديان هو نبيٌّ عظيمٌ، وروح اللَّه وكلمته، وفي نظر
الفرق الدينيَّة الحديثة هو أحد تجليَّات اللَّه، وتجسُّد اللَّه، والروح الأعظم،
وفي نظر علماء الأرواح والروحيَّة هو الروح السامي الأعظم. كما قال عنه القرآن
” وَيُعَلِّمُهُ (الله) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ. وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ
مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ
فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ
والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا
تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ
إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” (آل عمران48و49). وقيل عنه في الحديث ” ما من
مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه، إلا
مريم وابنها “، كما قيل عنه أنَّه الوحيد الذي سيقف يوم الدينونة بلا خطية.
فقد فاق في شخصه وأعماله جميع الأنبياء (6).

سادسًا:
جهله بتاريخ بني إسرائيل وكشفه للزمن الذي زيّف فيه كتابه المزيَّف:

ففي
الحوار الذي يزعم أنَّه دار بين المرأة السامريَّة والمسيح وقع في خطأين كشف
الأوَّل عن جهله بتاريخ بني إسرائيل الدينيّ، وكشف الثاني عن الفترة الزمنيَّة
التي زوَّر فيها كتابه.

أولاً:
قال أنَّ عهد اللَّه أخذ في أورشليم في هيكل سليمان: وهذا غير صحيح وخطأ دينيّ
وتاريخيّ لأنَّ عهد اللَّه تمَّ مع إبراهيم أبي الآباء في حاران وعمره 75 سنة
(تك12/1-5)، وتجدَّد في كنعان وعمره 99 سنة (تك17/11)، وكان عهدًا أبديًا لا يُنقض
(تك17/9)، وكان الختان علامته (تك17/10)، وليس في هيكل سليمان بأورشليم، كما زعم
هذا الكاتب المزيِّف المزوِّر في كتابه المزيَّف أنَّ هيكل سليمان بني بعد إبراهيم
بحوالي 1… (ألف) سنة!!

ثانياً:
قال أنَّ سنة اليوبيل ” التي تجيء الآن كل مائة سنة”، وسنة اليوبيل كانت
تأتي منذ زمن موسي وحتَّي مجيء الربّ يسوع المسيح وخراب أورشليم سنة 70م كلّ خمسين
(7)، ولكن لما احتفلت الكنيسة الكاثوليكيَّة بسنة مقدَّسة عام 1300م (8) قرَّر
البابا بونيفاس أنْ يكون اليوبيل كلّ 100 سنة ثم جعله البابا كليمندس السادس يقع
كلّ 50 سنة فوقع اليوبيل الثاني سنة 1350م، ثم قرَّر البابا أربانوس السادس سنة
1389م أنْ يكون اليوبيل كلّ 33 سنة تذكارًا لعمر المسيح، ثم صار الاحتفال كلّ 25
سنة منذ سنة 1450م.

 

مما
سبق يتَّضح لنا أنَّ الزمن الوحيد الذي يمكن التكلّم فيه عن يوبيل يقع كلّ 100 سنة
هو الفترة من سنة 1300م إلي ما قبل سنة 1350م. وهذا يدلّ علي أنَّ هذا الكتاب
المزيَّف والمزوَّر لم يكنْ له وجود قبل بداية القرن الرابع عشر.

وهناك
تعليق علي ذلك لكلٍّ من المترجم والناشر:

1-
يقول المترجم: ” غير أنَّك إذا أعملت النظر في ما كان عليه الكاتب من سعة
الإطِّلاع علي أسفار العهد القديم تعذَّر عليك أنْ تفقه كيف يقع مثله في غلطٍ
لايخفي علي البسطاء، ولعلَّ الصواب أنَّ هناك خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض
حروف من كلمة خمسين الإيطاليَّة فصارت مائة لأنَّ في رسم الكلمتَين ما يسهل الوقوع
في مثل هذا الخطأ “!!

ولكن
هذا الافتراض الذي افترضه المترجم ينفيه ويُبطله أنَّ الكاتب وقع في أخطاء عديدة
أهمّ وأخطر من ذلك، سواء من الناحية التاريخيَّة أو الجغرافيَّة أو الدينيَّة وقد
بيَّنَّا معظمها، في هذا الكتاب، وقول السيِّد المترجم باحتمال سقوط بعض حروف من
كلمة خمسين ”
Cinquento ” الإيطاليَّة لتصير مئة ” Cento
” هو قول غير دقيق ورأي غير سديد، لأنَّ معني ذلك إسقاط نصف الكلمة، أربعة
حروف من تسعة ”
inqu “، ” C inqu ent o “، وهذا غير ممكن لأنَّه لا أثر لذلك ولا دليلٌ عليه، وإنما
مُجَرَّد افتراض ظنِّي مبنيٌ علي أساسٍ باطلٍ.

2-
وقال الناشر: ” كانت مسألة اليوبيل من أقوي الشبهات عندي علي كون كاتبه من
أهل العصور المتوسطة لا من قرن السيد المسيح حتَّي بيَّن الدكتور سعادة ضعفها
بدقَّة نظره فلم يبقَ للباحثين دليل يُعّوَّل عليه في هذا المقام “.

غريب
حقًا أنْ يري الناشر أنَّ هذه المسألة لم تعد دليلاً لمجرد أنَّه رأي ” ضعفها
“! لماذا لا يكون العكس هو الصحيح أيضًا؟! وقد بيَّنَّا أنَّ افتراض المترجم
الذي استند إليه الناشر مبني علي غير أساس وليس فيه دقَّة نظر كما يري سيادته. كما
أنَّ هذه المسألة ليست هي الفيصل في تحديد صحَّة الكتاب من تزويره وإنما هي دليلٌ
من أدلة عديدة قاطعة علي زيف هذا الكتاب وتزويره.

 

 

(1)
الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي جزء 11.

(2)
The NT Background 197.

(3)
(أش40/3؛ مت3/3؛ مر1/3؛ لو3/4؛ يو1/23).

(4)
مخطوطات وادي قمران التي اكتشفت سنة 1946م، أنظر كتابنا ” الوحي الإلهي
وإستحالة تحريف الكتاب المقدس ” ف 8.

(5)
ولكن الرب يسوع المسيح أكَّد مرَّات عديدة علي حتميَّة انتشار بشارة الإنجيل في
المسكونة كلِّها ” وينبغي أن يكرز أولا بالإنجيل في جميع الأمم ”
(مر13/10)، ” فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس ” (مت19/28)، ” وقال لهم اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل
للخليقة كلها ” (مر16/15)، ” لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس
عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض
” (أع1/8).

(6)
أنظر كتابنا ” ما الفرق بين المسيح والأنبياء ومن هو الأعظم “.

(7)
أنظر لا10: 25و28؛17: 27؛عدد4: 36؛خر17: 46.

(8)
منح فيها البابا من يحج إلى روما ويزور الباسيليكا ” كاتدرائية ضخمة ذات
امتيازات ” الغفران.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى