كتب

الفصل الرابع



الفصل الرابع

الفصل
الرابع

من
هو القديس برنابا؟

 

للقدِّيس
برنابا مكانة كبيرة في المسيحيَّة بإعتباره واحدٌ من آباء الكنيسة الأوَّلين الذين
نشروا المسيحيَّة في بلادٍ كثيرةٍ منها فلسطين وسوريا وقبرص. ويُحدِّثنا التاريخ
المسيحيّ عنه بكلِّ إجلالٍ وتقديرٍ.

1-
القدِّيس برنابا ومكانته في العهد الجديد:

يذكر
الوحي الإلهيّ أنَّ اسمه الأصليّ ” يوسف ” ولقبه ” برنابا ”
وكلاهما، الاسم واللقب، لم يُذكرا في الأناجيل الأربعة، ولم يكنْ واحدًا من تلاميذ
المسيح الإثني عشر (1) الذين اختارهم الربّ يسوع المسيح ليتدربُّوا علي يديه
ويتعلَّموا منه ويستلموا عنه كلمة اللَّه، الإنجيل، استعدادًا للكرازة العالميَّة
بعد صعوده إلي السماء.


أولاً: برنابا وعلاقته بالرسل: وأوَّل ذِكْرٌ عنه، جاء في سفر أعمال الرسل هكذا
” وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا الَّذِي يُتَرْجَمُ
ابْنَ الْوَعْظِ وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ
بَاعَهُ وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ. ”
(أع4/36-37).

وهذا
النصّ الإلهيّ يُبَيِّن لنا أنَّ إسمه الأصليّ ” يوسف ” وأنَّ التلاميذ
أعطوه لقب ” برنابا ” ومعناه اِبن الوعظ أو اِبن التعزية (2)، اعترافًا
منهم ببراعته في الوعظ وامتلائه من الروح القدس (أع11/23-24)، وقد اِقتدي الرسل في
ذلك بمعلِّمهم، الربّ يسوع المسيح، الذي أعطي يعقوب ويوحنا اِبني زبدي لقب ”
بوانرجس ” أي اِبني الرعد (مر3/17).

كما
يُبَيِّن لنا أصله اللاويّ، فهو لاويّ، من السبط الذي يخرج منه الكهنة والكهنوت،
وجنسيَّته القبرصيَّة، فقد ولد وتربَّي وعاش في قبرص التي يُخبرنا التاريخ أنَّ
كثيرًا من اليهود كانوا يعيشون بها (3)، ويُخبرنا سفر الأعمال أيضًا، أنَّه يُوجد
في سلاميس وحدها العديد من المجامع اليهوديَّة (أع13/15) (4).

 

وقد
باع حقله ووضع ثمنه عند أقدام الرسل، وهذا يدلّ علي أنَّه لم يكنْ من دائرة
التلاميذ الإثني عشر، بلّ كان خاضعًا لهم، يعطوه، هم، لقب ” برنابا “،
ويضع هو ثمن الحقل عند أقدامهم.


ثانيا: علاقاته بشاول الطرسوسي” بولس الرسول “: كان القدِّيس برنابا
صاحب الفضل في تقديم القدِّيس بولس الرسول (شاول الطرسوسيّ) إلي الرُسل في
أورشليم، إذ أنَّه لمَّا اهتدي شاول إلي المسيحيَّة حاول اليهود أنْ يقتلوه وهو في
دمشق فهرَّبه التلاميذ هناك ليلاً (أع9/23-25)، ” وَلَمَّا جَاءَ شَاوُلُ
إِلَى أُورُشَلِيمَ حَاوَلَ أَنْ يَلْتَصِقَ بِالتَّلاَمِيذِ وَكَانَ الْجَمِيعُ
يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ. فَأَخَذَهُ بَرْنَابَا
وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي
الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ.
فَكَانَ مَعَهُمْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُجَاهِرُ بِاسْمِ
الرَّبِّ يَسُوعَ.” (أع9/26-28).

ثمَّ
أنَّه لمَّا آمن عددٌ كبيرٌ في إنطاكية بالربِّ يسوع، من اليهود الأمميِّين، أرسل
الرُسل إليهم من أورشليم برنابا ” فَأَرْسَلُوا بَرْنَابَا لِكَيْ يَجْتَازَ
إِلَى أَنْطَاكِيَةَ. الَّذِي لَمَّا أَتَى وَرَأَى نِعْمَةَ اللهِ فَرِحَ
وَوَعَظَ الْجَمِيعَ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الرَّبِّ بِعَزْمِ الْقَلْبِ لأَنَّهُ
كَانَ رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ.
فَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ غَفِيرٌ. ثُمَّ خَرَجَ بَرْنَابَا إِلَى
طَرْسُوسَ لِيَطْلُبَ شَاوُلَ. وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ.
فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا
جَمْعاً غَفِيراً. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ
أَوَّلاً. ” (أع11/22-26).

ويقول
عنه الكتاب بالروح أنَّه كان ” رَجُلاً صَالِحاً وَمُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ
الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. “. لقد وعظ وعلَّم الكثيرين ثمَّ أتي ” شاول
” من طرسوس (5) ليشاركه هذا العمل المبارك، وكان لكليهما (برنابا وشاول)
الفضل في أنْ يُدْعَي المؤمنون بالمسيح ” مسيحيِّين ” نسبة لسيِّدهم،
حتَّي أنَّ الاسم إلتصق بالمسيحيِّين من ذلك التاريخ وإلي الأبد، بعد أنْ كان
اليهود يدعونهم ب ” شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ “(أع24/5).

ولمَّا
حدثت المجاعة في المسكونة ” فَحَتَمَ التَّلاَمِيذُ (الإنطاكيُّون) حَسْبَمَا
تَيَسَّرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يُرْسِلَ كُلُّ وَاحِدٍ شَيْئاً خِدْمَةً إِلَى
الإِخْوَةِ السَّاكِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ مُرْسِلِينَ
إِلَى الْمَشَايِخِ بِيَدِ بَرْنَابَا وَشَاوُلَ. ” (أع11/29-30). اختار
التلاميذ الإنطاكيُّون، لتلك المهمَّة، برنابا وشاول ليجمعا المساعدات للإخوة في
الكنيسة الأمّ في اليهوديَّة. وكان ذلك هو المثال الأوَّل الذي اِتبعت الكنيسة بعد
ذلك مثاله (6).

وبعد
خروج القدِّيس بطرس من السجن وموت هيرودس ” وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ
مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا
الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ. ” (أع12/25) اِأبن أخت برنابا (كو4/10)، وذهبوا إلي
إنطاكية، ثمَّ بدأت الرحلة التبشريَّة الأولي للثلاثة ” برنابا وبولس
ويوحنَّا الملَّقب مرقس “.

 


ثالثا: رحلة برنابا وبولس الكرازيَّة العالميَّة الأولي وانسحاب مرقس: دُعي برنابا
في إنطاكية بين الأنبياء والمعلِّمين (أع13/1)، ثمَّ اختاره الروح القدس مع شاول،
بولس الرسول، للعمل المسكوني ” قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي
بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ».”
(أع13/2)، فذهبا إلي قبرص وأخذا معهما يوحنَّا الملَّقب مرقس – ابن أخت برنابا
(كو4/10)، وفي برجة بمفيلية فارقهما (مرقس) ورجع إلي أورشليم (أع13/13).

كان
القدِّيس مرقس ” وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً.” (أع13/5)، كما
كان يشوع بن نون مع موسي (عدد11/28؛ يش1/1) وإليشع النبيّ مع إيليَّا النبيّ
(2مل3/2)، ولكنَّه لم يحتملْ الرحلة، لصغر سنِّه، ولشدَّة وقوَّة مقاومة الأمم
للرسالة وصعوبة العمل بينهم وشدَّة الاضطهاد، فعاد إلي أورشليم إلي حيث منزل أمِّه
” مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ ” (أع12/12)، والذي
كان مقرًّا للكنيسة الأولي في أورشليم.

واستمرَّ
برنابا وبولس في كرازتهما وكان الربّ يضمّ الكثيرين علي أيديهما حتَّي أنَّ الكتاب
يقول ” وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِوَانْتَشَرَتْ
كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ.” (أع13/48-49)، إلي أنْ طردهما
اليهود من تخومهم (في إنطاكية بيسيدية) وأتيَا إلي أيقونيَّة (أع13/51). وظلا
يعملان في قبرص والربّ يُنْجِح عمله علي أيديهما.


رابعا: برنابا وقضية الختان: أثار بعض المتنصِّرين من اليهوديَّة قضيَّة الختان
وجعلوا يُعَلِّمون الإخوة أنَّه إنْ لم تختتنوا حسب عادة موسي لا يمكنكم أنْ
تخلصوا، فقاومهم القدِّيسان بولس وبرنابا وتنازعا معهم، يقول الكتاب بالروح ”
وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ
أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ
تَخْلُصُوا». فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ
لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ (أي مع المنادين بالختان) رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ
بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايِخِ
إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. ” (أع15/1-2). وأيَّد
مجمع الرسل في أورشليم موقف برنابا بولس وأرسلوا معهما رجلَين من المتقدِّمين في
الإيمان برسالة تبيِّن صحَّة موقفهما من جهة رفض الختان كأساس للخلاص، ووصف مجمع
الرسل برنابا وبولس في الرسالة بالقول ” حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ.
رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ
” (أع15/25-26).

وقد
إستغلَّ البعض هذه الحادثة وزعموا وجود خلاف في العقيدة بين بولس وبرنابا!!
وتجاهلوا الحقيقة التي تؤكِّد أنَّ المشاجرة حدثت بين اليهود المطالبين بوجوب
الختان من جهة وبين بولس وبرنابا، معًا، من جهةٍ أخري. لقد طالب بعض المتنصِّرين
من اليهود بأنْ يختتن كلّ أمميّ يدخل إلي حظيرة المسيح. فكان برنابا مع بولس، هما،
أوَّل من قاوم هؤلاء القوم، وحصلت ” مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ
بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ ” أي مع هؤلاء اليهود الذين قاومهم بولس وبرنابا معاً.

 


خامسًا: انفصال بولس وبرنابا: يذكر سفر أعمال الرسل حدوث مشاجرة بين القدِّيسين
بولس وبرنابا بسبب القدِّيس مرقس عندما كانا ” أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ
وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. ”
(أع15/35). فقال بولس لبرنابا ” لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي
كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ». فَأَشَارَ
بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ
وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ
بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ
مَعَهُمَا. فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ (7) حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا
الآخَرَ.”(أع15/36-39). فسافر برنابا ومرقس إلي قبرص، وأخذ بولس معه سيلا
واجتاز في سوريا وكيليكية (أع15/40).

وقد
إستغلَّ البعض هذا الحدث بصورةٍ غير صحيحةٍ وزعموا أنَّ المشاجرة حدثت بسبب خلافات
في العقيدة!! وهذا عكس ما جاء في الكتاب المقدس الذي يقول بالروح أنَّ سبب الخلاف
والمشاجرة هو إصرار القدِّيس برنابا علي اصطحاب مرقس، اِبن أخته، معهما في الرحلة
ورفض القدِّيس بولس لذلك بسبب مفارقته لهما من بمفيليَّة. ولم يكنْ هذا الخلاف
بسبب الدعوة أو العقيدة، كلا، فقد كانت دعوتهما واحدة وظلَّت عقيدتهما واحدة إلي
اليوم الذي اِستشهد فيه كلٍّ منهما. وهذا ما يذكره الوحي الإلهيّ ويشهد به تاريخ
المسيحيَّة في كلِّ العصور.


سادسًا: برنابا في رسائل بولس الرسول: ذهب كلٍّ من القدِّيسَين برنابا وبولس في
كرازتهما المسيحيَّة الواحدة في الهدف والدعوة والعقيدة، وظلَّ كلٍّ منهما يُكِنَ
للآخر كلّ احترامٍ وتقديرٍ، وهذا ما نراه واضحًا في رسائل القدِّيس بولس التي يذكر
القدِّيس برنابا لأهل كورنثوس بكلِّ تكريمٍ وحبٍّ كرسولٍ عاملٍ في الدعوة
الإلهيَّة (أع13/1؛غل2/9) مثله مثل بقيَّة تلاميذ ورسل المسيح ” أَلَعَلَّنَا
لَيْسَ لَنَا سُلْطَانٌ أَنْ نَجُولَ بِأُخْتٍ زَوْجَةً كَبَاقِي الرُّسُلِ
وَإِخْوَةِ الرَّبِّ وَصَفَا؟ أَمْ أَنَا وَبَرْنَابَا وَحْدَنَا لَيْسَ لَنَا
سُلْطَانٌ أَنْ لاَ نَشْتَغِلَ؟ “(1كو9/5-6). كما يذكره لأهل غلاطية كرسول
الأمم، معه ” فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ
وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي
وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ وَأَمَّا هُمْ
فَلِلْخِتَانِ. “(غل2/9).

وعندما
يذكر القدِّيس مرقس لأهل كولوسي يذكره علي أنَّه ” ابْنُ اخْتِ بَرْنَابَا
” (كو4/10). ومعني هذا أنَّ رسوليَّة وشهرة القدِّيس برنابا وحبّ الكنائس له
كانا سند مرقس في خدمته، بل وكانت قرابته لبرنابا أحد مسوِّغات قبوله لدي أهل
كولوسي. هذا الكلام يقوله القديس بولس بعد حادث انفصالهما بعشر سنوات مما يدلّ علي
احترام وتقدير الكنيسة كلها، في كلّ مكان، للقديس برنابا الذي استشهد علي اسم
المسيح سنة 61م.


سابعًا: صفات القديس برنابا: تقول دائرة المعارف الكتابيَّة ” لاشكّ في أنَّ
برنابا يُعَدّ أحد الرجال العظام في الكنيسة الأولي، فقد كان نِدًّا للرسول بولس
ورفيقًا له في الخدمة، وإن كانت مواهب بولس الفذَّة قد غطَّت علي عظمة برنابا. لقد
كان برنابا رجلاً لطيف المعشر، سموح النفس، ذا شهامةٍ، وصاحب بصيرةٍ نفاذةٍ
استطاعت أنْ تستشف الإِمكانات الروحيَّة العظيمة التي عند الآخرين، كما فعل مع
شاول (أع11/25). لم يكنْ به شيء من ضيقِ الفكر وسوءِ الظنِّ أو الأنانيَّة، بل كان
متسع الفكر ورحب القلب. مما أهَّله لأنْ يكون قادرًا علي تشجيع الآخرين الذين كاد
يصيبهم الإِحباط. كما كان أنيسًا للمنفردين ومعينًا للمُعْوَزِين. وما قد يراه
البعض فيه من ضعف، إنِّما جاء من عواطفه الرقيقة واستعداده لحسن الظنِّ بالآخرين
وتوقُّع الخير منهم” (8).

 

2
– القدِّيس برنابا في تاريخ الكنيسة:

كان
القدِّيس برنابا تابعًا للرسل ويقول البعض أنَّه آمن بالربِّ يسوع المسيح بعد
قيامته من الأموات، ولكن هناك تقليد يقول أنَّه كان أحد السبعين رسولاً الذين
عيَّنهم الربُّ يسوع المسيح وأرسلهم اِثنين اِثنين أمامه إلي كلِّ مدينة أو موضع
يذهب إليه (لو10/1-2)، وهؤلاء لم تذكر الأناجيل أسماءهم. وكان أوَّل من ذكر
القدِّيس برنابا ضمن الرسل السبعين هو إكليمندس الإسكندري (153-217م) (9)، ثم نقل
عنه ذلك يوسابيوس القيصري المؤرخ الكنسي المعروف (10). ويُذكر في العظات المنسوبة
لإكليمندس الرومانيّ كرسولٍ نشط في الإسكندرية وروما، كما يَذكر تقليد قديم أنَّه
بشَّر في ميلانو (11). أمَّا مركز كرازته فكان، إلي جانب أنطاكية، قبرص التي بشَّر
فيها ورسم لها قسوسًا وشمامسة.

ويقول
تاريخ الكنيسة أنَّه اعتُقل في سلاميس وضُرب ضربصا مبرحًا ثم رُجم بالحجارة حتَّي
مات ثمَّ أشعلوا النار في جسده فتقدَّم القديس مرقس ولفَّ جسده بلفائف ووضعه في
مغارةٍ بجوار مدينة سلاميس سنة61م في السنة السابعة لحكم نيرون (54 – 68م).

 

3-
الكتب المنسوبة للقديس برنابا:

هناك
بعض الكتب التي تتحدَّث عن القدِّيس برنابا كما ينسب إليه البعض ” الرسالة
إلي العبرانيِّين ” (12). ومن أهمِّ ما يُنسب إليه وما يتكلَّم عنه ما يلي:

(1)
رسالة برنابا: وترجع لأواخر القرن الأوَّل، وقد نسبها للقديس برنابا بعض الآباء
مثل إكليمندس الإسكندري (13) والعلامة أوريجانوس (14)، وقد وُجدت في المخطوطة
السينائيَّة التي ترجع للقرن الرابع، تالية لسفر الرؤيا. وتتحدَّث هذه الرسالة عن
ألوهيَّة المسيح وتجسُّده وصلبه وموته وقيامته وفدائه للبشريَّة بدمه. وقد جاء
فيها ” أنَّ الربَّ يسوع تحمَّل تسليم جسده إلي الفساد. كان المقصود هو
تنقيتنا وغفران خطايانا الذي بنضح دمه … يا أخوتي إذا كان الرب يسوع قد احتمل
أنْ يتألَّم من أجل نفوسنا وهو ربّ المسكونة … ولكي يُعطِّل الموت ويُبرهن عن
القيامة من الأموات ظهر بالجسد واحتمل الآلام … لو لم يأتِ بالجسد لما استطاع
البشر أنْ ينظروا خلاصهم. إذْ كانوا لا يستطيعون أنْ ينظروا إلي الشمس التي هي من
أعمال يديه فهل يمكن أنْ يحدِّقوا إليه لو جاءهم اضطهدوا أنبياءه ألم يحتمل الآلام
من أجل ذلك؟ … إنَّه هو الذي أراد أنْ يتألَّم هكذا وكان عليه أنْ يتألَّم علي
الصليب” (ف5). وتقتبس هذه الرسالة الكثير من آيات العهد الجديد مثل قوله
” كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ ” والتي يقتبسها من
الإنجيل للقدِّيس متى (22/14). وأيضا ” لَمْ يَآتِ ليَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ
خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ ” (9: 5مع مت9/13) (15).

 

(2)
كتاب أعمال برنابا وزعم البعض بأنَّه يذكر إنجيل برنابا (16):

ويرجع
للقرن الخامس ويُرَجَّح أنَّه كُتب قبل 478م، السنة التي اكتشف فيها جسد القدِّيس
برنابا، والكتاب يصفه العلماء بأنَّه أقرب للحقيقة، فجغرافيَّته صحيحة تُبيِّن
أنَّ الكاتب يعرف قبرص جيدًا وليس به مبالغات كبيرة في التفاصيل، وهو مبنيّ علي
سفر أعمال الرسل ويروي رحلات القدِّيسين برنابا وبولس ونزاعهما حول القدِّيس مرقس،
ثم رحلات القدِّيس برنابا بعد ذلك واستشهاده في قبرص، حيث ذهب مرقس بعد ذلك إلي
الإسكندرية (17) ويقول الكاتب، الذي يُزعم أنَّه مرقس ابن أخت برنابا، أنَّ برنابا
صنع معجزات كثيرة باسم الربّ يسوع المسيح وأنَّه بشر بمقتضى ما جاء في إنجيل متي
” استلم برنابا وثائق من متي، كتاب كلمة الله، ورواية المعجزات والعقائد
“، إنَّه علَّم بمقتضى إنجيل متي الذي أرسله إليه. وقد رسم أساقفة وقسوس وشمامسة.
ثم يتحدَّث عن القبض عليه واستشهاده وحرقه بالنار ودفنه مع إنجيل متي بمغارة
” (18).

(3)
قداس برنابا: وهناك قدَّاس باسم برنابا يستخدمه أهل ميلانو. والقدَّاس مبنيّ علي
تقديم المسيح نفسه كذبيحة دمويَّة علي الصليب، وتُرفع الصلوات إليه باعتباره اِبن
اللَّه والمعبود.

(4)
وتذكر الرسائل المنسوبة إلي إكليمندس الرومانيّ أن برنابا نادي بالمسيح في روما
قائلاً “اسمعوني يا أهل روما. لقد ظهر اِبن اللَّه في اليهوديَّة ويَعِد كلّ
من يسمع له بالحياة الأبديَّة” (19).

(5)
القديس برنابا واستخدمه لإنجيل القديس متي: ذكرنا أعلاه كيف أنَّ القدِّيس برنابا،
كما تقول أعمال برنابا ” استلم برنابا وثائق من متي، كتاب كلمة اللَّه،
ورواية المعجزات والعقائد “، وأنَّه علَّم بمقتضى إنجيل متي الذي أرسله إليه.
ولكن البعض، خاصَّة في مصر وباكستان، يزعم ويدَّعي أنَّه عندما اِكتشف الإمبراطور
زينون مقبرة القدِّيس برنابا سنة 478م واِكتشف جسده فيها وُجد على صدره إنجيلاً
مكتوب بخط يده، وزعموا أنَّ هذا الإنجيل هو إنجيل برنابا؟!!

فما
هي قصة اكتشاف جسد برنابا والإنجيل الذي كان علي صدره؟

يقول
كتاب أعمال برنابا أنَّه لما دفن القدِّيس مرقس جسد القدِّيس برنابا وضع معه
الإنجيل للقدِّيس برنابا والذي يُسَمِّيه الوثائق التي تسلمناها من متَّي وقد
أكُتشف القبر أنثيموس أسقف سلامينا بعد ظهور القدِّيس برنابا له حيث دلَّه علي
المقبرة ووعده أنْ يكون معه في أتعابه وجهاده. ولما توجَّه الأسقف إلي القبر
اِكتشف الجسد الطاهر ووجد علي صدره نسخة من بشارة القدِّيس متَّي التي كان قد
أرسلها إليه. وقد اِنتشر الخبر في المملكة كلَّها ووصل إلي مسامع الملك فطلب أنْ
يحظي بهذا الإنجيل النفيس فأرسله إليه القدِّيس أنثيموس. وقد شيَّد الإمبراطور
زينون علي قبر هذا القدِّيس كنيسة كبيرة واُعتبر كرسي سلامينا من ذلك الحين
مستقلاً عن إنطاكية إكرامًا لذكري القدِّيس برنابا ” (21).

أي
أنَّ الإنجيل الذي وضعه القدِّيس مرقس مع جسد القدِّيس برنابا والذي وُجد علي صدره
عندما اكتشفوا مقبرته هو نسخة من الإنجيل للقدِّيس متَّي وليس إنجيل برنابا!!
والمرجع الذي ذكر هذه القصة هو:

Acta Sanctorum: which was printed in 1698 by the Bollandists
in Antwerp, Belguim

“.

والنصَّ
الذي جاء فيه والترجمة الصحيحة (من اللغة اليونانيَّة) هو كما يلي:

And having found a secret place in it, we put it away,
with the documents which he had received from Matthew. And it was the fourth
hour of the night of the second of the week ” (20).

The body of barnabas
had been found in Cyprus in 478 A.D during the reign of Zeno, having on his
breast the Gospel according to Matthew copied by Barnabas himself ” (22)

كما
أشار إلي ذلك أيضًا

Thomas
Mongey A.M.,Rector of St Nicholas in
Guilford, London

 في تعليقاته على كتاب
الناصري لجون تولاند
Nazarenus في كتابة Bibliotheque
Angloise ou Historic Literaiure de la Grande Bretagne, Tome IV, Part 1, pp.
327-336
والذي نشر سنة 1718م(23)،
وقال ”
There was found lying
on his breast a copy of the Gospel according to Matthew , written by Barnabas
own hand
” ” وُجِدَ علي
صدره (القدِّيس برنابا) نسخة من الإنجيل للقدِّيس مت ي مكتوبة بيدِ برنابا نفسه
“.

ومن
العجيب أنَّ الذين رجعوا إلي هذه المراجع، خاصَّة مقدِّمة الطبعة الباكستانيَّة،
حذفوا عبارة
According to Matthew – للقديس متَّي ” أو ” بحسب متَّي “!! فتصبح
الجملة في شكلها الجديد هكذا ” نسخة من الإنجيل الذي كتبه “!! ليضيفوا
لما زيَّفه الكاتب المزيَّف والمزوِّر تزييفًا جديدًا ويقنعوا القارئ، زورًا
وتزييفًا، أنَّ الإنجيل الذي كان علي صدر القدِّيس برنابا هو إنجيل برنابا!! ونقول
لهم ما بني علي باطل فهو باطل.

هذا
هو كل ما جاء في الكتاب المقدَّس وتاريخ الكنيسة عن القدِّيس برنابا. وكلّ ما جاء
عنه يؤكِّد أنَّه كان أحد الآباء المبشِّرين العظماء الذين لم يحيدوا عن عقيدة
وفكر الكنيسة المسلَّم مرة واحدة للقديسين، ولا تُوجد أي إشارة أو تلميح من قريب
أو من بعيد إلي عكس ذلك. فقد نادي كلّ أيام كرازته بالمسيح اِبن الله الحي الذي
صلب لأجل خطايانا وأقيم من الموت لأجل تبريرنا وذهب إلي السماء وجلس عن يمين
العظمة وهو حيّ في كلِّ حين يشفع فينا.

 

(1)
أنظر مت2: 10-4؛مر14: 3؛لو13: 6-16.

(2)
برنابا حرفيا ” ابن النبوة ” أي نبي كما دعي في أع 1: 18 والترجمة
اليونانية للاسم: ايوس براكليسيوس
Uios
paraklisews
ابن التعزية.

(3)
Josephus Ant. 13, 4.

(4)
وتعبير مجمع مترجم عن (
Synagogues) اليونانية.

(5)
يرى بعض المفسرين أن ذلك تم في ربيع سنة 43م، أي بعد الصلب بحوالي عشر سنوات،
وكانت المسافة إلى ميناء طرسوس من سلوقيا حوالي 12 ساعة إبحاراً، أو حوالي ثمانين
ميل براً.

(6)
أنظر رو25: 15-27؛1كو1: 16.

(7)
الكلمة اليونانية المستخدمة هنا ” مشاجرة ” هي باركسيسموس
Paraxysmos وقد وردت في العهد الجديد مرتين، مرة في عبرانيين 24: 10 للتحريض
على المحبة وهنا بمعنى عام.

(8)
دائرة المعارف الكتابية ج 2: 142 – 144.

(9)
Storm 2. 20 Hypotyposis 7.

(10)
أنظر ك2 ف 1: 4.

(11)
Post Nicene. F. vol. 1 p. 98.

(12) ينسب
العلامة ترتليان (154-220م)، أنظر
On
Modesty
، ويشايعه في ذلك بعض
المعاصرين، الرسالة للعبرانيين للقديس برنابا. أنظر أيضا
The Int.Stand. Bible Dictionary. والثابت أنها للقديس بولس.

(13)
ويقتبس منها أكليمندس أكثر من مرة، أنظر
Strom 2: 6 , 15, 18. 20

(14)
Against Tacetaus b. 1, 63.

(15)
أنظر أيضاً اقتباسه من (مرقس 17: 2؛ لو32: 5). كما تضم اقتباسات أخرى من العهد
الجديد (انظر مثلاً 4: 12 مع رومية 31: 2 ؛ابط 17: 1و6: 5 مع 2تي10: 1و9: 7 مع
رؤيا 7: 1 و11: 12 مع مرقس37: 12 ؛ مت45: 22،لو44: 20و4: 15 مع 2بط8: 3 فيما يتعلق
بأن ” ألف سنة عند الرب كيوم واحد ” دائرة المعارف ج 2: 143.

(16)
See Barnabas, Acts in Ant. Nicene
F. v.8
.

(17)
وأعمال برنابا ” أكثر وقاراً وأقل مبالغة من أسفار الأعمال الأبوكريفية
الأخرى، فهي في أساسها وضعت، من، وجهة نظر كاتبها، كامتداد لسفر أعمال الرسل.
دائرة المعارف ج 2.

(18)
See Acts of Barnabas, Anti Nicene
F. vol. 8
.

(19)
See Clment. In. Anti Nicene F.
vol. 1
.

(20)
See Acts of Barnabas , Anti
Nicene F. vol. 8
.

(21)
حياة برنابا رسول المسيح للقمص بيشوى عبد المسيح ص 68و69

(22)
إنجيل برنابا بين المؤيدين والرافضين د. فريز صموئيل ص 153.

(23)
The Gospel of Barnabas Essay and
Inquiry by Selim Abdul-Ahad and W.H.T. Gairdener, Henry Martin Institute of
Islamic Studies , ch.2
.

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى