كتب

وصية أيوب



وصية أيوب

وصية
أيوب

 

وصيّة أيوب

كتاب منحول يذكره قرار جلاسيوس (6: 4). دوّن في
اليونانيّة في القرن الأول ق.م. أو القرن الأول ب.م. في وسط الشفّائين المصريّين.
وصل إلينا في أربعة مخطوطات يونانيّة، في ترجمة سلافيّة قديمة، وفي أجزاء ترجمة
قبطيّة. يتّخذ الكتاب شكل مدراش للسِفر القانوني كما يرد في الكتاب المقدّس وفي
السبعينيّة. تتضمّن وصيّة أيوب أربعة أقسام تسبقها مقدّمة (ف 1) وتنهيها خاتمة
(51-53). أما لحمة الأقسام الأربعة المتتالية فهي: موقف أيوب تجاه الملاك (2-5)،
تجاه الشيطان (6-27)، تجاه ثلاثة ملوك (28-35)، تجاه بناته الثلاث (36-50). أما
القسم الرئيسيّ من هذه الوصيّة فيرتدي شكل خبر أيوب مع تفصيل أسباب مرضه ونتائجه.
تماهى أيوب مع يوباب، ملك الأدوميّين (تك 36: 33)، فبدا سخيًّا تجاه الفقراء
والمحتاجين. وتبع نصيحة الملاك فدمّر هيكل الأصنام. حينئذ انتقم الشيطان منه
(بسماح من الله) فجعله يخسر أمواله وأبناءه وصحّته. وساندته خلال محنته، امرأته
الأمينة سيتيس التي عملت وكدّت لتقوم بأودها وأود زوجها، ولكنّها ماتت من التعب
والجوع. بعد هذا الشقاء، ردّ الله إلى أيوب الصحّة والازدهار. فتزوّج دينة التي
أنجبت له سبعة بنين وثلاث بنات. وبعد موته، أدخلت نفسُه إلى السماء على مركبة،
وجُعل جسده في قبر. إنّ وصيّة أيوب تدلّ على التقوى اليهوديّة في محيط هلنستي. نجد
في هذه الوثيقة دعاية يهوديّة لعبادة الله الواحد، وتحريضات أخلاقيّة، وعناصر
أصيلة في صوفيّة “المركبة” الإلهيّة. ولقد دلّ الكاتب على اهتمام كبير
بالمرأة وبظاهرة التكلّم بالألسن. حُرم كتاب “وصيّة أيوب” في العالم
اليهوديّ كما في المسيحيّة. ومع ذلك بقيت منه بعض الآثار عند آباء الكنيسة
وكتّابها الذين استعملوه لكي يبرزوا التوازي بين أيوب ويسوع.

 

المدخل
إلى وصية أيوب

 

1-
المخطوطات

حُفظ
لنا نصّ وص أيوب اليوناني في ثلاثة مخطوطات. في المكتبة الوطنيّة في باريس (القرن
11)، في المكتبة الفاتيكانية (القرن 13)، في مكتبة سان سلفاتوري في مسينة (بداية
القرن 14). أما أفضلها فمخطوط باريس. وهناك ترجمة سلافيّة (مخطوط بلغراد) ونسخة
قبطيّة.

نشر
النصّ للمرة الأولى على يد الكاردينال انجالو ماي سنة 1833، ثم سنة 1897 على يد
كوهلر ثم على يد جامس. وفي سنة 1967، نشر سبستيان بروك وصيّة أيوب فكانت أساس
الترجمات الحديثة.

 

2-
التصميم

يبدو
التصميم واضحاً. بعد مطلع في 1- 8، نجد ثلاثة أقسام كبيرة. يصوّر القسم الأول
سعادة أيوب السابقة (9- 15). ويبيّن القسم الثاني (16- 27) أيوب مسلَّماً إلى سلطة
إبليس. ويكرَّس القسم الثالث (28- 41) لحوارات أيوب وأصدقائه. وتأتي خاتمة تصوِّر
سعادة أيوب المستعادة ثم موته (42- 45). وأضيفت 46- 53 فشكّلت ملحقاً نُسب إلى
نيريوس شقيق أيوب.

 

3-
وصيّة أيوب وسفر أيوب في السبعينية

سبعينية
أيوب هي المصدر الرئيسيّ لوصيّة أيوب. هنا نشير إلى أن النص الاولاني للسبعينية
(في أي) ترك فجوات عديدة ملأها اوريجانس بوساطة ترجمة تيودوسيون ودلّت نجيمات (*)
على المقاطع المضافة. إن وص أيوب عرفت هذه النسخة الاولانية. بعد ملحق في 42: 17
كان لنسخة السبعينية بعد 2: 9 إضافة طويلة خاصة بها: خطبة امرأة أيوب لزوجها. ونحن
نجد هذه الخطبة كاملة في وص أيوب، في 24: 1- 3. أتكون انتقلت إلى السبعينية من وص
أيوب؟ الأمر ممكن.

 

4-
وص أيوب وترجوم أيوب

إذا
كان المصدر الرئيسي لوصيّة أيوب هو سبعينيّة سفر أيوب، فيبقى أن الكاتب استلهم بعض
الشيء من ترجوم أيوب. ضاع ترجوم أيوب، والترجوم الذي بين أيدينا متأخر. ومع ذلك،
فهناك تقاربات ممكنة بين الوصيّة والترجوم: دينة هي امرأة أيوب (1: 6). نال إبليس
من الله السماح بمهاجمة أيوب (2: 8). ونشير أخيراً إلى تلاقي الوصيّة مع سفر طوبيا
في الشعبية اللاتينية (2: 12؛ 37: 1- 2).

هنا
نتذكّر أن إيرونيموس استعمل نصاً ارامياً من أجل ترجمة طوبيا إلى اللاتينية. فقد
يكون هذا النصّ الارامي قد استلهم تقليداً يعود إلى ترجوم أيوب. نشير إلى أن ترجوم
أيوب هذا وُجد في مغارة قمران الحادية عشرة.

 

5-
اللغة الأصليّة

ما
زالت هذه المسألة موضع جدال. فمنهم من قال العبريّة. وآخرون، الأراميّة. ولكن
استعمال الترجمة السبعينية لسفر أيوب تدفعنا إلى القول بأن وص أيوب دوِّنت في
اليونانيّة. ولنا مثال خاص في مديح اليفاز (43) مع آ 6- 7 والتعبير العبري الذي فيهما.
أيكون هذا الفصل دوِّن في قمران في العبرية ونُقل إلى اليونانيّة؟!

 

6-
الفن الادبي

هذا
الكتاب هو “وصية”، هو خطبة وداعيّة قبل الموت، مثل وصيّة ابراهيم ووصيّة
اسحاق ووصيّة يعقوب ووصيّة سليمان. يقترب موت الأب فيدعو أبناءه ويعطيهم وصيّته
الأخيرة. نجد أخباراً في الحكاية والارشاد والمديح. نشير هنا إلى أن وص أيوب
استلهمت في بعض المقاطع وصيّات الآباء الاثني عشر (1: 2؛ 53: 7). كما نشير إلى أن
كل “وصيّة” تحاول أن تشدّد على فضيلة. مثلاً، شدّدت وص زبولون على
الرحمة والشفقة، وص يوسف على العفة، وص بنيامين على نقاوة الفكر. وص ابراهيم شدّدت
على محبّة الغرباء. ورواية يوسف واسنات على التوبة (ميتانويا). ونستطيع أن نجعل
عنواناً لوصيّة أيوب: الثبات والصدقة.

وتعتبر
وص أيوب أيضاً بشكل مدراش حول سفر أيوب. لم تستلهم النصّ آية آية، ولكنها حاولت أن
تستغلّ غناه. إن الوصيّة تورد أي وتتوسّع في بعض جمله. وهكذا تكون وص أيوب
“ترجوما” في خطّ التراجيم اليونانيّة.

وتتضمن
وص أيوب عدّة مقاطع غنائية: رثاء على امرأة أيوب (25). رثاء على أليهو (32). مديح
لأيوب (33). مديح لاليفاز (42). قد تكون وجدت الوصيّة إطارها لدي الشفّائين الذين
قدّموا الكتاب بشكل دراما مقدسة.

 

7-
الأفكار الدينية

أ-
وجه أيوب

إن
سفر أيوب قد فسِّر أكثر من مرة، ومن هذه التفاسير وصيّة أيوب. جعل أي قرّاءه أمام
مشكلة الأمم. فعرضت الوصيّة حلاً أخذته من أصل أيوب الوثني. كان يبحث عن الاله
الحقيقيّ. ولما اكتشف الطبيعة الحقيقية لعبادة الأوثان هدم هياكلها. أراد الشيطان
أن ينتقم فهاجم أيوب الذي صار رفيق ابراهيم واسنات في خط المرتدّين الجدد إلى
ديانة يهوه.

دلّت
الوصيّة في أيوب على نموذج الخضوع لإرادة الله: “أكلت القروح جسدي، ورويت
الأرض بعرقي. سال القيح من عروقي وتكاثر الدود. إن قفزت دودة أمسكتها وأعدتها إلى
حيث كانت وقلت لها: إلبثي حيث أنت إلى أن تتلقّي أمراً من ذاك الذي يأمرك”
(20: 8- 9).

وأيوب
هو نموذج الصبر والثبات (4: 6؛ 5: 1). حارب ضدّ إبليس وما اعترف بأنه هُزم (4: 10؛
27: 3- 5). وهو مثال المحبة والصدقة. إن كان الكاتب قد توسّع في غنى أيوب، فلأنه
أراد أن يشدّد على فضيلة الاحسان لديه: تجاه البؤساء واليتامى والأرامل والمساكين
(9: 8؛ 11: 11؛ 12: 3). وأخيراً، أيوب هو انسان نال رؤى. فقال: “مملكتي تدوم
إلى الأبد، ومجدي وجلالتي ها في مركبة الآب” (33: 9).

 

ب-
الاستعارة الأدبيّة

ما
أرادت وص أيوب أن ترسم فقط وجه أيوب، بل قدّمت تعليماً أخلاقياً. لقد اكتشف صاحبُ
الكتاب، شأنه شأن فيلون، تاريخ النفس البشريّة. فأيوب صورة عن النفس، مثل آدم
وحواء، وقايين وهابيل، وابراهيم وسارة، وأخنوخ أو نوح. قال أيوب: “صرت مثل من
يريد أن يدخل مدينة لكي يرى غناها ويرث جزءاً من مجدها، ومثل من وضع حملاً في
سفينة في البحر، فلقي أمواجاً كبيرة ورياحاً معاكسة فرمى الحمل في الماء قائلاً: أرضى
بأن أخسر كل شيء شرط أن أدخل هذه المدينة وأرث ما هو أفضل من هذا الحمل وهذه
السفينة” (18: 6- 7). وهكذا صار أيوب نموذج النفس الضائعة في بحر الاهواء،
ولكنها مستعدة لان تتخلّى عن خيرات هذا العالم لترث خيرات مدينة الله (18: 3).

 

ج-
الاعتقاد بالحياة في الآخرة

إن
نص أي 11: 25- 27 يرتبط بعض الارتباط بالقيامة. ترجمته السبعينية كما يلي: “لأني
أعرف أن من يخلّصني هو أبدي، وعلى الأرض يقيم جلدي الذي يتحمّل كل هذا”. فرأت
رسالة اكلمنضوس الأول في هذه الآية نبوءة عن القيامة. فقالت الشعبيّة اللاتينية: “أعرف
أن فاديّ حي، وأن أقوم من الأرض في اليوم الأخير. ومن جديد… أرى في لحمي
إلهي”. وجاء ملحق أيوب في خط لا التباس فيه (42: 17 أ).

اذن،
لا نتعجّب إن أظهرت وص أيوب إيماناً بالقيامة. فالملاك يقول لأيوب بصريح العبارة: “ستستيقظ
في القيامة” (4: 9). وتعبت امرأة أيوب من الحياة، فقالت وقلبها مملوء رجاء: “أغلق
عينيّ لحظة وأحيا من جديد لقاء الخدمات التي قمت بها كخادمة” (40: 4).
وتحدّثت الوصيّة أيضاً عن الموتى الذين يؤخذون إلى السماء بعد الموت، بجسدهم
ونفسهم، كما أُخذ أبناء أيوب (39: 12؛ 39: 13؛ 40: 3). وسيقول أيوب للذين يبحثون
عن جثث بنيه وبناته: “لا تتعبوا عبثاً، فلن تجدوا أولادي. لأن خالقهم وملكهم
خطفهم إلى السماء” (39: 11- 12). وفي القسم الأخير من الوصيّة، تفترض عدّةُ
مقاطع خلود النفس، وهي التي تقول إن الملائكة جاؤوا يأخذون نفس أيوب عند موته (47:
11؛ 52: 5- 6؛ 52: 10).

 

7-
متى كتبت وصيّة أيوب واين

يميل
بعض العلماء إلى القول بأنها كُتبت في القرن الأول ق. م. ولكنها جاءت بعد وصيّات
الآباء الاثني عشر التي جاءت في صيغتها الأخيرة في الثلت الأخير من القرن الأول ق.
م. وهكذا تكون وصيّة أيوب قد دوّنت في القرن الأول المسيحي، وربّما قبل سنة 70، مع
أنه لا ذكر للذبائح فيها.

اين
كتبت؟ في مصر، على ما يبدو. وهناك مقطعان يسندان تحديد المكان. نقرأ في 28: 7: “أين
يوباب الذي يحكم كل أرض مصر”؟ وفي 37: 8 نقرأ عن القارب الشمسيّ الذي يمخر
المياه السفلى في الليل، كما يمخر في السماء خلال النهار (سطرة مصرية).

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى