اللاهوت الطقسي

الفصل الأول



الفصل الأول

الفصل الأول

خيمة
الاجتماع

V الله يطلب أن يسكن في وسط شعبه:

لابد أن يتبادر إلى الذهن هذا التساؤل: ما هو
قصد الوحى من سرد تفاصيل هذه الخيمة التي استغرق وصف التعليمات الخاصة بالإعداد
لها، ثم المراحل الخاصة ببنائها، كل هذا الحيِّز من الأسفار المقدسة؟

والرد على هذه التساؤل لابد أن يكون ما قاله
الرسول بولس: “لأن كل ما سبق فُكتب كُتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية
بما في الكتب يكون لنا رجاء” (رومية 15: 4) فالله الذي خلق الإنسان
منذ البدء على صورته ومثاله، كان قصده الأزلى بدافع محبته غير المتناهية وصلاحه
الفائق هو أن يُشرك الإنسان في قداسته ومجده، لكى ينعم بعشرته وسكناه في كنفه
ويفرح ويسِّبح بقدرته وأعمال يديه.

فالله لن يرضى بأقل مما وضعه في قصده الأزلى أن
يُشرك الإنسان في قداسته ومجده كما طلب المسيح من الآب في صلاته التشفعية لأجلنا:
“أيها الآب أريد أن هؤلاء الذي أعطيتنى يكونون معى حيث أكون أنا لينظروا
مجدى الذي أعطيتنى،
لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم” (يوحنا 17: 24).

هذا هو
منتهى قصد الله لنا، وهو هنا يطلب من موسى أن يصنعوا له مَقْدِساً ليسكن في
وسطهم،ولنلاحظ أن هذا المشروع بدأ من جانب الله، فهو يحب الذين يخلصهم ويشتاق
للسكن في وسطهم. فقول الرب هذا لموسى كان إعلاناً عن قصد ثابت في نفسه وشوق كمين
في قلبه عبَّر عنه الحكيم بالقول: “لذاتى مع بنى آدم” (أمثال
8: 31).

مع أن “العلىّ لا يسكن في هياكل مصنوعات
الأيادى، كما يقول النبى: السماء كرسيّ لي والأرض موطىء لقدميَّ. أىّ بيت تبنون لى
يقول الرب، وأىّ هو مكان راحتى؟ أليست يدي صنعت هذه الأشياء كلها”
(أعمال
الرسل 7: 48-50).
ولكن الله قصد بهذا المَقْدِس “شبه السماويات
وظلَّها”
(عبرانيين 8: 5)، “أمثلة الأشياء التي في
السموات”
(عبرانيين 9: 23)،

“ظلّ
الخيرات العتيدة
(عبرانيين 10: 1)، كما قال الرسول بولس، لكى
يكون خطوة في سبيل تحقيق قصده النهائى بتجسده وحلوله بيننا في آخر الأيام، ثم
بسكناه الأبدى معنا في أورشليم السمائية والتي قال عنها سفر الرؤيا: “هوذا
مسكن الله مع الناس
وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم
إلهاً لهم.. ولم أر فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف
هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها لأن مجد الله قد
أنارها والخروف سراجها” (رؤيا يوحنا 21: 3 و22-23).

V ماذا حدث قبل إقامة الخيمة؟:

في الأصحاحات من 20 إلى 23 من سفر الخروج نقراً
عن الوصايا التي نطق بها الله نفسه. وقبل أن يتسلم موسى لوحي الشريعة من الله أخبر
الشعب بجميع هذه الوصايا. فأظهروا طاعتهم واستعدادهم للسير بموجبها (خروج 24:
3)
.. بعدها بنى موسى مذبحاً للرب في أسفل الجبل واثنى عشر عموداً لأسباط
إسرائيل الاثنى عشر.
وأصعدوا بنو إسرائيل محرقات وذبائح سلامة للرب. وأخذ
موسى نصف دم الذبائح ورشه على المذبح. أما النصف الآخر فرشّه على الشعب.
وقال
لهم “هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال” (خروج
24: 8).

V ما معنى رش المذبح والشعب بالدم؟

المذبح هو موضع التقاء الله بشعبه (خروج
20: 24)
.. كان لا يمكن أن يحدث التقاء بين الله القدوس والبشر الخطاة الأثمة،
على نحو ما أنه لا شركة للنور مع الظلمة.. لكن تم اللقاء على أساس جديد. هذا
الأساس هو دم الكفارة.
لقد رش المذبح بدم الذبائح، ورش الشعب بدم الذبائح
أيضاً بعد أن أعلنوا خضوعهم واستعدادهم لطاعة الله وعهده المقدس.. هنا أمكن أن
يحدث اللقاء بين الإنسان والله
. هكذا تمت المصالحة – على أساس الدم – ودخلوا
في عهد الرب. لعل هذا ما توضحه كلمات بطرس الرسول في صدر رسالته الأولى:
“بمقتضى علم الله الآب السابق في تقديس الروح للطاعة، ورش دم يسوع المسيح
لتكثر لكم النعمة والسلام” (بطرس الأولى 1: 1و2). كان ذلك رمزاً
للذبيحة الكبرى التي قُدمت في ملء الزمان فوق الجلجثة بأورشليم لأجل جميع البشر..

V الله يوضح كيف يقترب البشر منه:

(1) بعد أن انتهى الله من
إعطاء الوصايا والأحكام قال لموسى: “أصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو،
وسبعون من شيوخ إسرائيل واسجدوا من بعيد. ويقترب موسى وحده إلى الرب. وهم
لا يقتربون. وأما الشعب فلا يصعد معه” (خروج 24: 1 و2)
.. وواضح أن الله
هنا لم يسمح للشعب بالصعود إلى الجبل، وكل ما سمح الله به أن ممثلى الشعب يسجدون
من بعيد. وموسى وحده هو الذي اقترب من الرب باعتباره وسيط العهد وهو في هذه الحالة
رمز للمسيح.

(2) بعد أن قُدمت الذبائح ورش الدم على المذبح
والشعب، سمح لممثلي الشعب أن يقتربوا من الله بالصعود إلى الجبل حيث “رأوا
إله إسرائيل”
(خروج 24: 10).. واضح هنا أثر الدم.
وهنا نفهم كلمات الرسول بولس “أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم
المسيح” (أفسس 13: 2).

(3) بعد ذلك يصعد موسى إلى
الجبل حيث أخذته سحابة مجد عن أنظار الشعب.(خروج 24: 15) وبعد أربعين
يوماً تنفتح السماء ليعلن الله عن رغبته في الاجتماع مع البشر في
خيمة الاجتماع” أنه يعلن
سكناه في وسطهم..

(4) حينما أراد الله أن
يعطى الناموس ويحل بمجده على جبل سيناء حذر من أن يصعد أحد إلى الجبل أو حتى يمسّه
“كل من يمس الجبل يُقتل قتلاً” (خروج 19: 12).. ولا يوجد تباعد
أكثر من ذلك.. بعدها يطلب من موسى أن يصنع الشعب له مَقْدِساً ليسكن في وسطهم (خروج
25: 8)
.. هذا التحول العجيب تم على أساس الذبيحة والدم الذي رش به كل من
المذبح والشعب..

فعلى أساس
الفداء يمكن الاقتراب إلى الله للعبادة
، ولذلك بعد أن صار
الشعب مفدياً بالدم، ومحرراً من عبودية فرعون، ومنفصلاً لله في البرية – بعد ذلك
أمكن أن يقول الله لموسى: “فيصنعون لى مَقْدِساً لأسكن في وسطهم” (خروج
25: 8).

في هذا المسكن كان الشعب يقترب إلى الله ليعبده.
ولكن لنذكر جيداً أن تركيب المسكن وكيفية عبادة الله فيه لم يكن مسموحاً للعقل
البشرى أو الاستحسان الإنساني أن يتداخل فيهما مطلقاً
، بل يقول الله مكرراً
ومشدداً: “بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع أنيته هكذا
تصنعون” (خروج 25: 9)

.. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن
الذين اشتغلوا في صناعة الخيمة ملأهم الرب من روحه بالحكمة والفهم والمعرفة وكل
صنعة،
ومن هؤلاء بصلئيل بن أورى بن حور من سبط يهوذا وغيره (خروج 31: 1-6)

وأجزاء الخيمة وكل أثاثاتها مذكورة خمس مرات في
سفر الخروج.

أولاً: الأمر
بصنعها.        
                (خروج 25-30)

 ثانياً: إتمام صنعها بحسب
الأوامر.       (خروج 35 – 38)

ثالثاً: إحضارها
إلى موسى.        (خروج 39)

رابعاً: الأوامر
بإقامتها بحسب ترتيبها.      (خروج 40: 1-14)

خامساً: إتمام إقامتها ووضع
كل أجزائها في محلها بحسب الأوامر (خروج 16: 40-33)

في الأصحاحين الأخريين، تتكرر عبارة “كما
أمر الرب موسى” (17 مرة). كل هذا التدقيق العجيب يدل دلالة قاطعة على
سمو الإعلانات التي تُحدثنا عنها خيمة
الاجتماع وعلى أن الاقتراب إلى
الله وعبادته يجب أن يكونا بحسب فكره هو، وبحسب رسمه هو كما قال رب المجد يسوع:
“الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا” (يوحنا
4: 24)
. فإننا إذ نرى الله بنفسه، يرسم كل التفصيلات، ندرك أنها في غاية
الأهمية حتى أن موسى الذي دوَّن لنا قصة الخليقة في أقل من أصحاحين، يدوّن لنا قصة
الخيمة وما يتعلق بها في ستة عشر أصحاحاً!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى