اللاهوت المقارن

الفصل السادس



الفصل السادس

الفصل السادس

اعتراضات والرد عليها

55- المغفرة بالدم وحده

يقولون: التوبة لا تغفر الخطايا، فهى محدودة،
والخطية غير محدودة. والمعمودية لا تغفر الخطايا. إنما مغفرة الخطايا هى بدم
المسيح وحده.

 

ونحن لا ننكر إطلاقاً أن المغفرة هى بالدم، حسب
تعليم الكتاب (بدون سفك دم لا تحصل مغفرة) عب 9: 22) ولكن هذه المغفرة التي قدمها
الدم، نحصل عليها نحن بالمعمودية والتوبة.

 

وهذا هو تعليم الكتاب نفسه وليس رأياً خاصاً
لأحد.

 

وفى هذا قال القديس برس لليهود في يوم الخمسين: (توبوا،
وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا..) (أع 2: 38)

 

ومن جهة التوبة، فقد قال عنها السيد المسيح نفسه:
(إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 133: 3، 5) وقال الآباء الرسل في موضوع
قبول الأمم: (إذن أعطى الله الأمم أيضاً التوبة للحياة) (أع 11: 18)..

 

حقاً إن التوبة محدودة، والمعمودية محدودة.
ولكنهما تعيان الاستحقاق لكفارة الدم غير المحدودة

 

وكما أن الآباء الرسل ربطوا بين التوبة والحياة
(أع 11: 18) كذلك السيد المسيح رب بين المعمودية والخلاص بقوله: (من آمن واعتمد
خلص) (مر 16: 16)

 

إننا لا نفصل بين الدم، والتوبة والمعمودية.

 

فهما مبنيتان على الدم. وبدون الدم لا مفعول
لهما. ولكنهما صكان يصرفان من استحقاقات الدم. وهما اللذان يوصلان إلى استحقاق
المغفرة التي قدمها الدم.

 

56- الخلاص قد تم

يقولون إن الخلاص قد تم على الصليب من دينونة
الخطية إلى الابد.

نعم إن عمل المسيح في الخلاص قدتم على الصليب.
ومع ذلك فمازال البشر يسعون لنوال هذا الخلاص الذي تم على الصليب، والذى له شروط
لنواله..

هو تم من جهة عمل المسيح. ولكن هل تم من جهتنا
نحن؟

هناك عمل بشرى يجب أن نقوم به نحن. لأن الله لا
يفرض علينا الخلاص فرضاً، إنما نحن نناله بكامل إرادتنا، بوسائط وضعها الله نفسه
ومنها:

 

1 الإيمان. فالخلاص الذي تم على الصليب، نناله
أولاً بالإيمان:

والسيد المسيح يقول: (إن لم تؤمنوا إنى أنا هو،
تموتون في خطاياكم) يو 8: 24) وأيضاً: (لكى لا يهلك كل من يؤمنون به، بل تكون لهم
الحياة الأبدية) (لو يو 3: 16).

 

الخلاص إذن تم، ولكن لا يناله إلا من يؤمن.
ولذلك قال بولس وسيلا لسجان فيلبي: (آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16:
31) ولم يقولا له: افرح فالخلاص قد تم، سواء آمنت أو لم تؤمن!

 

2 الخلاص تم. ولكن لا نناله إلا بالمعمودية:

وهذا هو تعليم الرب القائل: (من آمن واعتمد خلص)
(مر 16: 16) هل يمكن إنسان أن يفرح باطلاً ويقول قد تم، بينما هو لم يؤمن ويعتمد!

 

3 والخلاص تم. ولكن إن لم نتب نهلك (لو 13: 3)
حقاً إن الخلاص قد تم.. ومع ذلك لم يخلص حنان وقيافا. ولم يخلص إسكندر الحداد الذي
سيجازه الرب حسب أعماله (2تى 4: 14) ولم يخلص سيمون الساحر (أع 8) ولا حنانيا
وسفيراً (أع 5) ولم يخلص النيقولاويون (رؤ 2: 15) ولا إيزابل (رؤ 2: 20) ولم تخلص
بابل العظيمة (رؤ 18: 2).

 

4 الخلاص تم، بمعنى أن السيد المسيح فتح باب
الخلاص للذين يؤمنون ويتوبون ويعتمدون، ويسلكون حسب الروح وليس حسب الجسد (رو 8: 1)
ويعيشون في شركة الروح القدس (2كو 13: 14) ويكون لهم ثمار الروح (غل 5: 22) ولهذا
يقول بولس الرسول إلى: (أحباء الله القديسين الذين في رومية) (رو 1: 7) (فإن
خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا) رو 13: 11)

 

5 هذا الخلاص الذي تم، يبكتنا عليه قول الرسول:

(كيف ننجو نحن، إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره)
(عب 2: 3)

كيف نستحق هذا الخلاص؟ وكيف نقبله؟ وكيف نناله؟
وكيف نثبت فيه، فلا نفقده؟

إذن لا ينبغى أن نقول الخلاص قد تم، ونقف بعيداً
عنه!

 

6 وإن كان الخلاص قد تم وانتهى الأمر، فلماذا
قال بولس الرسول لتلميذه القديس تيموثاوس:

(لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك لأنك إذا
فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً) (1تى 4: 16).

 

7 وإن كان الخلاص قد تم وانتهى الأمر، فلماذا
قال اليهود للرسل في يوم الخمسين: (ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟) (أع 2: 37)
ولماذا قال شاول الطرسوسى للمسيح: (ماذا تريد يارب أن أفعل؟) (أع 9: 6)

 

إذن هناك عمل بشرى يجب أن يعمله الإنسان:

عمل يعمله، لكى ينال هذا الخلاص الذي تم، ولكى
يثبت في هذا الخلاص متى ناله. وغالبية البروتستانت للأسف الشديد، يتجاهلون هذا
الجانب البشرى، الذي منه الإيمان والتوبة والمععمودية والأعمال الصالحة، مع أن هذا
الجانب البشرى في نفس الوقت ليس بشرياً بحتاً، إنما عمل الله أيضاً واضح فيه..

 

8 وإن كان الخلاص قد تم، فلماذا ننتظره ونرجوه؟

هذا الذي قال عنه القديس بولس الرسول (فإن
سيرتنا نحن هى في السموات، التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح..)
(فى 3: 20) وهذا الخلاص المرجو يقول عنه الرسول (لأننا بالرجاء خلصنا. ولكن الرجاء
المنظور ليس خلاصاً لأن ما ينظر أحد، كيف يرجو أيضاً. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا
ننظره، فإننا نتوقعه بالصبر) (رو 8: 24، 25) وعن هذا يقول القديس بطرس الرسول:

(خلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير) (1بط 1: 5)

 

9 وإن كان الخلاص قد تم. فما معنى قول السيد
المسيح: (أنا الكرمة وأنتم الأغصان.. إن كان أحد لا يثبت فى، يطرح خارجاً كالغصن،
فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق) (يو 15: 5، 6) وهذا نفس الكلام الذي أنذر
به المعمدان قائلاً:

 

(كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في
النار) (مت 3: 10).

10 وإن كان الخلاص قد تمن، فلماذا يقول الكتاب:

(سيروا زمان غربتكم بخوف) (1بط 1: 17)

(تمموا خلاصكم بخوف ورعدة) (فى 2: 12)

 

11 يقولون إن كفارة المسيح قد وفت العدل الإلهى.

هذا حق، بالنسبة إلى عمل المسيح من جهة الآب.
أما من جهتنا، فيجب أن تكون لنا علاقة بهذه الكفارة التي وفت العدل الإلهى. ويجب
أن نسلك في الطريق الذي يجعلنا مستحقين لهذه الكفارة.

 

12 إن كان الخلاص قد تم، فلماذا نقول في صلاتنا:

(إغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً)؟

إن هناك ذنوب تحتاج إلى مغفرة. ونحن لب هذه
المغفرة في كل صلاة، حسب تعليم المسيح لنا (مت 5: 12)

 

57- لماذا لا تقول: قد خلصت؟!

يقولون: أليس الأرثوذكسى يعتقدون أنهم قد خلصوا
في المعمودية؟

لماذا إذن لا يقول كل شخص منهم: ,,

أنا قد خلصت..؟‍‍‍!

لأن المعمودية إنما تخلصنا من الخطايا السابقة
للمعمودية..

سواء الخطية الأصلية أو الخطايا الفعلية.

ويبقى بعد ذلك طريق طويل أمامنا نصارع ونجاهد
فيه حتى نخلص.

والخلاص من الماضى وحده فقط لا يكفى..

فأنت قد تخلص بسر التوبة من خطية أو خطايا
فعلتها في الماضى. ولكنك لا تستطيع أن تقول بصفة عامة ,, قد خلصت،، ماذا إذن عن
الحاضر بضعفاته وحروبه؟ وماذا أيضاً عن المستقبل؟

إن أمامنا باقى العمر، لنجاهد فيه الجهاد الحسن،
ونكمل السعى (2تى 4: 8).

واضعين نصب أعيننا قول الرسول: (سيروا زمان
غربتكم بخوف) (1بط 1: 17).

وحتى إن مرت علينا فترة في التوبة، حفظنا الله
فيها بلا خطية، نتذكر قول الكتاب:

(من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط) (1كو 10: 12)

 

58- مغفرة إلى الأبد عن طريق الموت الكفاري على
الصليب

يقولون إن الموت الكفارى على الصليب، منح
غفراناً من دينونة الخطية إلى الأبد.

نعم لقد قدم السيد المسيح بموته الكفارى كنزاً
من المغفرة نناله منه بسر التوبة، في كل مرة. وليس من المعقول أن يعطينا الله في
يوم الإيمان، أو في يوم العماد، غفراناً لكل الخطايا التي سنرتكبها في المستقبل.

 

إنما كل خطية نسقط فيها، تحتاج إلى توبة
لمغفرتها، وتحتاج إلى خلاص من دينونتها.

فإن تبنا عنها، واعترفنا بها وتركناها، ننال
المغفرة عن طريق التوبة، في استحقاقات دم المسيح

وليس هناك اعفاء من الدينونة بدون توبة.

والكتاب يقول: (لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى،
لينال كل واحد منا ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً) (2كو 5: 10)

 

59- حول فاعلية المعمودية

اعتراض

ورد في كتب (الاخوة البلاميس) مرات عديدة جداً:

إن المعمودية لا فاعلية لها على الاطلاق، إنما
هى لمجرد إشهار الإيمان، أو اعلان الإيمان!!

 

الرد على الاعتراض

ليس هذا هو تعليم الإنجيل، الذى تحدث في عمق عن
فاعلية المعمودية، ولم يقل مطلقاً إنها لإشهار الإيمان. ولا توجد آية واحدة تذكر.
إنما توجد آيات عديدة تتحدث عن فاعلية المعمودية، تذكر من بينها:

 

1 فاعلية المعمودية في الخلاص:

وذلك واضح جداً من قول السيد المسيح له المجد: (من
آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16)

 

2 فاعلية المعمودية في غسل الإنسان من خطاياه:

وذلك واضح من قول حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى
بعد لقائه مع السيد المسيح: (أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل
خطاياك) (أع 22: 16) أى أن شاول بعد لقائه مع المسيح، وإيمانه، واختياره من الرب،
كان لا يزال محتاجاً أن يغسل خطاياه، بالمعمودية.

 

3 المعمودية لغفران الخطايا:

وهذا واضح من قول بطرس الرسول لليهود في يوم
الخمسين: (توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا..) (أع
2: 38)

 

4 المعمودية للميلاد من الله:

وهذا واضح من قول السيد المسيح لنيقوديموس: (الحق
الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله)
(يو 3: 5)

 

ولعل هذا ما قصده بولس الرسول أيضاً بقوله: (بل
بمقتضى رحمته خلصنا، بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس) (تى 3: 5)

 

5 المعمودية دفن مع المسيح، وقيامة معه، وختان
روحى:

وقد ورد هذا في رسالة بولس الرسول إلى كولوسى،
إذ يقول: (وبه أيضاً (أى بالمسيح) ختنتم ختاناً غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا
البشرية بختان المسيح، مدفونين معه في المعمودية، التى فيها أقمتم أيضاً معه.. وإذ
كنتم أمواتاً بالخطايا وغلف جسدكم، أحياكم معه، مسامحاً لكم بجميع الخطايا).. (كو
2: 11 13).

والدفن مع المسيح والقيامة معه بالمعمودية ورد
أيضاً في (رو 6) كما سنذكر الآن..

 

6 بالمعمودية التجديد، إذ ندخل بها في جدة
الحياة):

وفى هذا يقول بولس الرسول لأهل رومية: (أم
تجهلون أننا، كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية
للموت. حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضاَ في جدة
الحياة.. عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه، ليبطل جسد الخطية) (رو 6: 2 –
6)

 

هنا ونعرض أيضا لقول عوض سمعان، الكاتب
البلاموسى المشهور:

,, بالنزول في الماء نعلن موتنا مع المسيح،
وبالصعود من الماء نعلن قيامتنا،،.

فنقول إن الكتاب لم يقل عن المعمودية إنها مجرد
اعلان لموتنا مع المسيح وقيامتنا.. بل قال: متنا مع المسيح. قمنا معه. مدفونين معه
بالمعمودية. إنساننا العتيق قد صلب معه..

 

النصوص واضحة وصريحة، ولا يمكن تغييرها وتأويلها،
لمجرد تأييد فكر بشرى خاص من جهة المعمودية. إنها موت حقيقى مع المسيح، موت
للإنسان العتيق، وليست مجرد اعلان للموت، وهى قيامة حقيقية مع المسيح، قيامة
لإنسان جديد، في جدة الحياة، وليست مجرد اعلان للقيامة. تؤيد هذا شهادة كتابية
أخرى وهى:

 

7 بالمعمودية نلبس المسيح:

حقاً ما أجمل، وما أعمق، وما أروع، قول القديس
بولس الرسول عن المعمودية في رسالته إلى أهل غلاطية:

 

(لأنكم كلكم الذين اعتمدتم للمسيح، قد لبستم
المسيح) (غل 3: 27)

أنريد فاعليه للمعمودية أكثر من هذا؟! أم ننكر
الآية أو نخفيها، أو نفسرها حسب هوانا، لنثبت أفكاراً بشرية بعيدة عن الإنجيل في
فهم المعمودية؟!

ها هى النصوص المقدسة واضحة عن فاعلية المعمودية،
ولا يوجد نص واحد يقول إنها مجدرد إشهار للإيمان!

ومن له أذنان للسمع فليسمع (مت 13: 9، 43)

 

60- حول الغسيل بالمعمودية

يقولون إن المعمودية لا تغسل إلا الأجساد، ولا
تأثير لها على النفس!

 

1 لم يقل الكتاب اطلاقاً إن المعمودية هى لغسل
الجسد!

بل ان هذه النقطة يرد عليها القديس بطرس الرسول
بقوله عن رموز الفلك: (إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس
بالماء، الذي مثاله يخلصنا نحن الآن، أى المعمودية. لا لإزالة وسخ الجسد، بل سؤال
ضمير صالح عن الله بقيامة يسوع المسيح) (1بط 3: 20، 21)

 

2 وعبارة (لا لإزالة وسخ الجسد) ترد على عبارة
,, المعمودية لا تغسل إلا الأجساد،،.

وعبارة (يخلصنا) تدل اننا الخلاص في المعمودية، حسبما
قال الرب في (مر 16: 16)

ويرد على عبارة ان المعمودية هى لغسل الجسد، قول
القديس حنانيا الدمشقى لشاول الطرسوسى بعد إيمانه:

 

3 (لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك) (أع 22:
16)

وواضح طبعاً أن غسل الجسد ليس هو غسل الإنسان من
خطاياه، إنما الغسل من الخطايا هو غسل للروح، وتنقية لها وتطهير وتبرير وتجديد.
ويؤيد هذا ما قاله القديس بولس في عبارة:

 

4 خلصنا بغسل الميلاد الثانى، وتجديد الروح
القدس) (2تى 3: 5)

 

5 إن غسل الجسد فقط يمكن أن يدعيه البعض، إن كان
الأمر هو معمودية من الماء، ولكنها من الماء والروح.

 

ولهذا قال السيد المسيح: (إن كان أحد لا يولد من
الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله) (يو 3: 5).. إنه ليس ماء ساذجاً، ذلك
الذي يغطس فيه الناس في المعمودية، إنما نضع فيه من زيت المسحة المقدسة، مسحة
الروح القدس (1يو 2: 20، 27) وبالصلاة يأخذ الماء طبيعة جديدة، لكى يكون من يولد
منه يولد من الماء والروح.

 

6 ولو كانت المعمودية لمجرد غسل الجسد، ما كان
بطرس الرسول يطلب من اليهود أن يعتمدوا لمغفرة الخطايا (أع 2: 38)

 

7 وإن كانت لغسل الجسد فقط، ما كان السيد المسيح
يجعلها وسيلة ننال بها الخلاص، حسب قوله في (مر 16: 16).

 

إن مجرد غسل الجسد، لا يخلص الإنسان!

 

إذن فهذا الاعتراض من جانب البلاميس، لا يتفق
مطلقاً مع تعليم المسيح ورسله القديسين في الإنجيل المقدس. ويؤسفنى أن يترك البعض
آيات الكتاب ليقدموا فكرهم الخاص بدلاً منها، أو أنهم يسخرون الآيات لخدمة فكرهم!

 

61- الغسيل بالمعمودية

يقولون إن الذي يغسل الخطايا هو الدم، وليس
المعمودية، بدليل قول الكتاب في سفر الرؤيا عن السيد المسيح: (الذى أحبنا، وقد
غسلنا من خطايانا بدمه..) (رؤ 1: 5)

 

إننا لا ننكر مطلقاً أننا نغتسل من خطاياه في
المعمودية، حسب تعليم الكتاب (أع 22: 16) إنما هو في المعمودية يغتسل بدم المسيح،
ولا فاصل بين الأمرين. بدليل أنه في المعمودية يموت مع المسيح، ويدفن مع المسيح.

 

لقد وضع الرب أن غسلك بالدم يتم بغسيل المعمودية.

 

وإلا كان عليك أن تنكر الآية التى تقول: (قم
اعتمد واغسل خطاياك) (أع 22: 16) وباقى الآيات التي تحمل نفس المعنى. لماذا هذا
الأسلوب الذي يعتمد على آية واحدة، ويهمل كل الآيات الأخرى التي يتكامل بها
المعنى؟! ليس هذا هو الحق الإنجيلى. فأتصاف الحقائق ليست كلها حقائق!

 

فى التوبة أيضاً يغتسل الإنسان من خطاياه، بدم
المسيح.

 

هل يعترض أيضاً الإخوة البلاميس على مفعول
التوبة في غسل الخطايا، قائلين إننا من خطايانا بالدم!!

 

إن المعمودية تأخذ من استحقاق الدم. والتوبة
أيضاً تأخذ من استحقاق الدم وكل الحياة المسيحية تقوم على أساس دم المسيح. والنعمة
أيضاً تعطيناً من استحقاق الدم.

 

فهل ننكر مفعول المعمودية والتوبة والنعمة،
ونرتل قائلين: (مغسولين بالدم الكريم)؟! ونهمل آيات الكتاب الخاصة بالمغفرة!

 

إن الدم هو الأساس، والمعمودية والتوبة والنعمة
وسائط. الدم هو العمل الإلهى الفدائى الذي قدم لنا. والمعمودية والتوبة تدخلان
أيضاً في الجانب البشرى المطلوب منا، لاستحقاق عمل الدم من أجلنا.

يمكننا إذن لتبسيط المعنى وتوضحيه، أن نقول:

إننا نغسل من خطايانا بدم المسيح، في المعمودية.

ونفس العبارة يمكن أن نقولها عن التوبة
والاعتراف، ونقولها أيضاً عن سر الافخارستيا.

ولكن الإخوة البلاميس، ومن يجرى أيضاً في تيارهم
الفكرى، يعودون فيقدمون اعتراضاً آخر خاصاً بالمغفرة:

 

62- المغفرة بالإيمان

يقولون إن المغفرة تتم بالإيمان، بدليل قول الرب:

(حتى ينالوا بالإيمان بى غفران الخطايا) (أع 26:
18) وأيضاً قول الآباء الرسل: (له يشهد جميع الأنبياء، أن كل من يؤمن به ينال
باسمه غفران الخطايا) (أع 10: 43)

 

الرد على الاعتراض

طبعاً بالنسبة إلى غير المؤمنين لابد من التركيز
على الإيمان. لأنه لا تجوز له معمودية، وتوبته بدون المسيح إن تاب لا تمنحه مغفرة
(بغير الدم)

 

وهاتان الآيتان المستخدمتان (أع 26: 18، أع 10: 43)،
كلاهما عن قبول الأمم، الذين لابد من تبشيرهم بالإيمان، قبل أى حديث معهم عن
العقائد الى هى داخل الإيمان..

 

فالإيمان هو الخطوة الأولى التى تقودهم إلى
المغفرة.

 

لأنهم مهما تابوا يقف أمامهم قول السيد المسيح: (إن
لم تؤمنوا أنى أنا هو، تموتون في خطاياكم) (يو 8: 24) فإن آمنوا تكونون لتوبتهم
حينئذ قيمة..

وإن آمن هؤلاء الأمم، يقودهم الإيمان إلى
المعمودية والمغفرة:

ولنأخذ مثال شاول الطرسوسى، من اليهود وليس من
الأمم.

لقد تقابل مع السيد المسيح في طريق دمشق، وتحدث
معه فماً لأذن. وآمن، وقال: (ماذا تريد يارب أن أفعل) (أع 9: 6) فأرسله الرب إلى
حناينا. وقال له حناينا: (أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك)
(أع 22: 16).

فإن كانت خطايا شاول قد غفرت بالإيمان، فلماذا
طلب إليه أن يغتسل منها بعد ذلك بالمعمودية؟!

أليس هذا دليلاً على أن شاول بعد إيمانه بقيت
خطاياه تنتظر المعمودية لكى تغسله منها؟

(من له أذنان للسمع فليسمع) (لو 14: 35)

 

وأحب أن أقول للإخوة البلاميس: إلى جوار هذه
الآيات التي عن المغفرة بالإيمان، ضعوا الآيات التي عن المغفرة بالمعمودية، وهى
كثيرة منها (أع 2: 38، أع 22: 16) وضعوا أيضاً الآيات الخاصة بالتوبة مثل (لو 13: 3،
5، أع 11: 18) ولا تستخدموا أسلوب (الآية الواحدة) لأنه لا يوصل إلى عقيدة.

 

هنا وأحب أن أهمس في آذانكم بكلمة صريحة هى:

أنتم تقولون إن المغفرة بالدم وحده، وليس
بالمعمودية ولا بالتوبة! فلماذا تقولون الآن إن المغفرة بالإيمان؟!

 

حقاً إن المغفرة هى بالدم. والإيمان وسيلة،
والمعمودية وسيلة، والتوبة وسيلة وهذه الوسائل الثلاث لازمة للمغفرة.. ويمكن أن
نضع أمامنا أيضاً قول الرب: (أغفروا يغفر لكم) (لو 6: 37) (إن لم تغفروا للناس
زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم) (مت 6: 15) على أن هاتين الأخيرتين يمكن
وضعهما أيضاً ضمن (التوبة) إنما ذكرتهما من جهة التوجيه إلى بعض التفاصيل.

فإن آمن شخص، ولم يغفر لأخيه، أترى ينال
الغفران؟!

ألستم توافقون معى، على أن الحق هو كل الحق؟

حقاً إن ثمن الخلاص هو الدم، وليس ثمنه
المعمودية ولا التوبة. وكذلك ليس ثمنه الإيمان. لأن الخلاص هو هبة مجانية، كقول
الكتاب: (متبررين مجاناً بنعمته بالفداء) (رو 3: 24) ولأنه أيضاً (بدون سفك دم لا
تحصل مغفرة) (عب 9: 22)

 

ولكن الإيمان والمعمودية والتوبة، وسائل أساسية
لازمة لنوال استحقاقات الدم. وبدونها لا نستفيد من دم المسيح القادر على مغفرة
خطايا العالم كله.

 

انظروا هوذا دم المسيح أمامنا، يستطيع أن يطهر
من كل خطية. ولكن الرسول يضع لهذا التطهير شروطاً فيقول: (إن سلكنا في النور كما
في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية) (1يو
1: 7) (إن اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا، ويطهرنا من كل
إثم) (1يو 1: 9).

 

إذن المغفرة بالدم. ولكن هناك شروطاً لنوال هذه
المغفرة. ومن ضمن هذه الشروط: الإيمان، والمعمودية، والتوبة..

 

ومن ضمن الشروط كما يقول الكتاب: أن تغفر لغيرنا،
وأن نسلك في النور، وأن نعترف بخطايانا.. وهذه النقاط الأخيرة لا مانع من ادماجها
في شرط التوبة.

 

63- المغفرة بالمعمودية

يقولون: المغفرة بالمعمودية تحول الغفران من عمل
باطنى للتوبة والإيمان، إلى عمل سطحى!

ونجيبهم بأن هذا الكلام يصح، لو كانت معمودية
بدون إيمان، وبدون توبة!

ونحن نطلب من المتقدم إلى المعمودية، أن يجحد
الشيطان (للتوبة)، وأن يعترف بالإيمان. وإن كان طفلا، ينوب أحد والديه عنه في ذلك.

 

وهذا ما فعله القديس بطرس الرسول مع الذين آمنوا
من اليهود، ونخسوا في قلوبهم. وقال لهم إلى جوار إيمانهم (توبوا وليعتمد كل واحد
منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا) (أع 2: 38) وهكذا اجتمع الإيمان والتوبة
والمعمودية معاً لنوال المغفرة.

 

64- الإيمان ونوال الروح القدس

إنهم كما يحاولون الغاء سر المعمودية، أو ما
لهذه المعمودية من فاعلية، يحاولون أيضاً الغاء سر المسحة المقدسة.

 

فيقولون إن الإيمان هو الوسيلة لحلول الروح
القدس. ويعتمدون في ذلك علىقول الرب: (من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه
أنهار ماء حى. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح
القدس لم يكن قد أعطى بعد..) (يو 7: 38، 39) ويعتمدون أيضاً على قول القديس بولس
الرسول في رسالته إلى أهل أفسس: (إذ آمنتم، ختمتم بروح الموعد القدوس) (أف 1: 13)

 

الرد على الاعتراض

إن الروح القدس لا يناله المؤمن بمجرد إيمانه،
بل ينالوه كخطوة تالية للإيمان. وقد تكون بينهما فترة طويلة ونفس النص الذي أورده
الإخوة البلاميس يحمل هذا المعنى، إذا ورد فيه (قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون
به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد) (يو 7: 39) إذن هؤلاء
به، لم ينالوا الروح القدس بمجرد إيمانهم، وإنما كانوا مزمعين أن يقبلوه..

 

ومتى قبلوا الروح القدس..؟ قبلوه في يوم الخمسين
كالآباء الرسل، أو بعد الخمسين مثل كثير من المؤمنين الآخرين.

 

إنه عطية من الله ينالها المؤمن بعد الإيمان،
وبعد المعمودية أيضاً. ولهذا قال القديس بطرس لليهود بعد إيمانهم في يوم الخمسين: (توبوا،
وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا، فتقبلوا عطية الروح
القدس) (أع 2: 38).

 

إذن الإيمان والتوبة والمعمودية، تمهيد لقبول
الروح القدس.

 

وكان الروح القدس يمنح في بداية العصر الرسولى،
بوضع يد الرسل. ثم صار يمنح بالمسحة المقدسة، كما شرح القديس يوحنا الرسول في
رسالته الأولى (وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس) (1يو 2: 20) (وأما أنتم فالمسحة
التي أخذتموها منه ثابتة فيكم) (1يو 2: 27).

 

وسفر أعمال الرسل يقدم لنا مثالين أن الروح
القدس ما كان ينال مع الإيمان، إنما هو عطية مستقلة تماماً، قد ينالها المؤمنون
بعد فترة من إيمانهم.. وهذان المثلان هما إيمان السامرة (أع 8)، وإيمان أفسس (أع
19).

 

أ قيل عن إيمان السامرة: (ولما سمع الرسل الذين
في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذين لما
نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس، لأنه لم يكن قد حل على أحد منهم، غير
أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. حينئذ وضعا الأيادى عليهم، فقبلوا الروح
القدس) (أع 8: 14 17)

 

هؤلاء كانوا مؤمنين ومعتمدين، ولم يكن الروح
القدس قد حل على أحد منهم. ونالوه بوضع ايدى الرسولين فيما بعد.

 

ب أما من جهة تلاميذ أفسس، فإن بولس الرسول
سألهم: (هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟) فأجابوه: (ولا سمعنا أن يوجد الروح
القدس) (أع 19: 2) وكانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا.. (فأعتمدوا باسم الرب يسوع.
ولما وضع بولس يده عليهم، حل الروح القدس عليهم) (أع 19: 5، 6).

 

وهؤلاء كانوا قد آمنوا فقط. وعلى الرغم من
إيمانهم، ما كانوا يعملون أنه يوجد الروح القدس. والإيمان لم يهبهم الروح.. كما
يدعى الإخوة البلاميس!

 

لذلك اعتمدوا أولاً، ثم قبلوا الروح القدس بوضع
يد الرسول القديس بولس. وبالنسبة إليهم كان الإيمان عملاً مستقلاً عن المعمودية عن
قبول الروح..

 

إن الإيمان مجرد تمهيد لقبول الروح. ولا ينال
الروح إلا من آمن أولاً. وحينئذ ينال الروح بعد المعمودية.

 

ولما قال الرسول: (إذ آمنتم، ختمتم بروح الوعد)
(أف 1: 13) إنما قصد ان الإيمان كان التمهيد لختمهم بالروح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى