اللاهوت المقارن

[4] الخلاص وسر التوبة



[4] الخلاص وسر التوبة

[4] الخلاص وسر التوبة

 من
القنوات الشرعية أيضاً الواجب توفرها ليتمتع الإنسان بخلاص المسيح، سر التوبة.
ولتوضيح أبعاد وجوانب هذا السر، ينبغي أن نناقش النقاط التالية:

 

·                
لزوم التوبة للخلاص.

·                
مفهوم سر التوبة.

·                
شروط التوبة والخلاص في لحظة.

 

1-         
 لزوم التوبة للخلاص:

 التوبة
لازمة للخلاص إذ بدونها يهلك الإنسان، كما وضح رب المجد يسوع بقوله: “إن لم
تتوبوا
فجميعكم كذلك تهلكون” (لو3: 13).

 

 وهي
لازمة لكي تمحى الخطايا، كما وضح القديس بطرس الرسول بقوله: “توبوا
وارجعوا لتمحى خطاياكم، لكي تأتى أوقات الفرج من وجه الرب” (أع19: 3).

 

 لذلك
فإن التوبة لازمة هي والمعمودية ليحصل الإنسان على غفران الخطايا، كما يتضح من قول
معلمنا بطرس الرسول أيضاً: “توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع
المسيح لمغفرة الخطايا” (أع38: 2).

 

 كما
أن التوبة لازمة أيضاً مع الإيمان للدخول في ملكوت الله، كما وضح الرب يسوع المسيح
بقوله: “قد أكمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا
بالإنجيل” (مر15: 1).

 من هذا نرى لزوم التوبة للخلاص ومغفرة الخطايا،
وعن هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث: { أهم ما في التوبة، أنه بدونها لا يتم
خلاص}

(حياة التوبة والنقاوة قداسة البابا شنوده الثالث ص27).

 

وأضاف
قداسته قائلاً:

 {
إن التوبة هي التي تنقل استحقاقات دم المسيح في المغفرة. فالخلاص مقدم للكل. ودم
المسيح كافي للكل. ولكن لا ينال منه إلاَ التائبون}

(حياة
التوبة والنقاوة

قداسة البابا شنوده الثالث
ص26،27).

 

وقد
فسر قداسته لزوم التوبة للخلاص بقوله:

 {عدم التوبة معناه الارتباط بالخطية، وبالتالي
الانفصال عن الله، لأنه “أية شركة بين النور والظلمة؟!” (2كو14: 6).
والخلاص بمعناه السليم، هو الخلاص من الخطية وعقوبتها. والسيد المسيح المخلص سمى
كذلك “لأنه يخلص شعبه من خطاياهم” (مت21: 1). فمادامت هناك خطية، لا
يوجد إذاً خلاص. لأن الإنسان لا يخلص وهو في حياة الخطية}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص35).

 

وقد
وضح قداسته نقطة جوهرية بخصوص لزوم التوبة بقوله:

 {حقا أن الخلاص ثمنه دم المسيح. ولكن دم المسيح
لا يمحو إلاَ خطايا الذين تابوا… التوبة إذاً ليست هي الثمن، إنما هي وسيلة.
وبدونها لا نستحق الدم الكريم}

(بدعة الخلاص في لحظة قداسة البابا شنوده الثالث ص37).

 

2-         
مفهوم سر التوبة:

 ليست
التوبة هي مجرد الندامة على الخطية في القلب، وإنما للتوبة معان كثيرة. ولقد أورد
قداسة البابا شنوده الثالث في كتابه: (حياة التوبة والنقاوة
ص8-14). الكثير من هذه المعاني التي توضح مفهوم التوبة فقال إنها
الرجوع إلى الله: “أرجعوا إليَّ أرجع إليكم” (ملا7: 3). وهي الصلح مع
الله “إذاً نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا
مع الله” (2كو20: 5). واليقظة الروحية “إنها ساعة لنستيقظ من
النوم” (رو11: 13). والانتقال من الموت إلى الحياة “استيقظ أيها النائم
وقم من بين الأموات فيضيء لك المسيح” (أف14: 5).

 

 وهي
قلب جديد طاهر، يمنحه الرب للخطا، يحبونه به “وأرش عليكم ماء طاهراً …
أعطيكم قلباً جديداً، وأجعل روحاً جديداً في داخلكم … وأجعلكم تسلكون في فرائضي،
وتحفظون أحكامي وتعملون بها” (حز25: 36-27).

 

 وهي
التحرير من عبودية الخطية والشيطان “إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم
أحرار” (يو36: 8).

 

 هي
ترك الخطية ولكن من أجل محبة الله. هي صرخة من الضمير وثورة على الماضي. هي تغير
شامل لحياة الإنسان. هي استبدال شهوة بشهوة. هي تجديد للذهن “تغيروا عن شكلكم
بتجديد أذهانكم” (رو2: 12). هي المفتاح الذهبي الذي يفتح به الملكوت. وهي
القناة التي توصل استحقاقات الدم من الصليب. هي جمرة نار يلقطها أحد السارافيم من
فوق المذبح. (أش7: 6). هي طريق الهروب من الغضب الآتي. هي إبقاء الله عليك وعدم
أخذك في خطيتك. أنها يد الله الممدودة، يطلب أن يصالحك. التوبة هي استجابة من
الإنسان لدعوة الله إليه. هي قلب منسحق. هي عذاب عظيم للشيطان مضادها. هي فرح في السماء
وعلى الأرض “يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب” (لو7: 15-10). والتوبة
هي حياة النصرة أو أنشودة الغلبة “مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم
نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونح
نجونا” (مز6: 124،7). التوبة هي بداية رحلة طويلة إلى حياة النقاوة.

 هذا
عن مفهوم التوبة روحياً، أما كنسياً، فتعتبر التوبة سر من الأسرار السبعة المقدسة
الكنسية. أي أنها وسيلة وواسطة من الوسائط التي من خلالها تصل نعمة الله إلى
التائب. أي نعمة الغفران.

 

وفي
هذا قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 {التوبة
في المفهوم الأرثوذكسي هي سر من أسرار الكنسية السبعة، اسمه سر (التوبة). أما
الطوائف البروتستانتية
وهي لا تؤمن بأسرار الكنيسة فلا تنظر إلى التوبة كسر مقدس، إنما كمجرد مشاعر داخل قلب الإنسان
من ندم على الخطية، وعزم على تركها.

 إذاً هناك فارق بين (التوبة) و(سر التوبة)
ولهذا الفارق دلالاته ونتائجه اللاهوتية} (بدعة الخلاص في لحظة
قداسة البابا شنوده الثالث ص38).

 

 وحيث
أن التوبة سر مقدس، فليزم لها شروط، نتحدث عنها في النقطة التالية:

 

3-         
شروط سر التوبة:

 هناك
بعض الشروط التي يجب توفرها لإتمام سر التوبة. وهي بمثابة علامات حقيقية أو معايير
شرعية لصدق التوبة. من هذه الشروط أو المعايير:

 

(أ)
الندامة:

 ينبغي أن تتوفر الندامة للتائب على كل الأخطاء
التي صدرت منه. يتضح ذلك من قول معلمنا أيوب الصابر: “لذلك أرفض وأندم في
التراب والرماد” (أي6: 42). وكذلك من قول معلمنا داود النبي: “تعبت في
تنهدي، أعوم في كل ليلة سريري بدموعي أذوب فراشي. ساخت من الفم عيني” (مز6:
6،7).

 

 والندامة
تولد الانسحاق والإتضاع والدموع وتبكيت النفس. وحول هذه العلامة المميزة للتائب
قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 { التائب الحقيقي يعيش بنفس منسحقة يعصره الخجل
والندم، ويشعر بمذلة الخطية، هو في انسحاقه يبكت ذاته باستمرار على ما اقترفته …
وتبكيته لذاته، يجعلها تتضع، مهما تغيرت حياتها في التوبة}

(حياة التوبة والنقاوة قداسة البابا شنوده الثالث ص236،237).

 

ويضيف قداسته قائلاً: { والذي لا يقتني
الانسحاق، ليس هو تائباً بالحقيقة}

(حياة التوبة والنقاوة قداسة البابا شنوده الثالث ص239).

 

(ب)
العزيمة على عدم العودة للخطية:

 ينبغي أن تكون نية التائب صادقة في أن يقطع
علاقته بالخطية، ويعزم على عدم العودة إليها، حتى لا ينزلق في حياة الاستباحة
والاستهتار.

 

 وقد
وضح الرب يسوع المسيح هذا المعيار في أثناء حديثه مع المرأة التي أمسكت في ذات
الفعل إذ قال لها: “ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً” (يو11:
8).

 

 وأيضاً في قوله لمريض بيت حسدا بعد أن شفاه:
“ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر” (يو14: 5).

 

 وهذا
عين ما قرره معلمنا بطرس الرسول بقوله: “لأنه إذا كانوا بعدما هربوا من
نجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح، يرتكبون أيضاً فيها فينغلبون، فقد
صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل
فقد أصابهم ما في المثل الصادق، كلب عاد إلى قيئه، وخنزيرة مغتسلة
إلى مراغة الحمأة” (2بط20: 222).

 

 العزيمة
الصادقة على ترك الخطية إذاً هي شرط ومعيار لسر التوبة الحقيقية، وفي هذا قال
قداسة البابا الأنبا شنوده الثالث:

 { ومن المفاهيم الخاطئة أن يظن البعض أن
الاعتراف هو مجرد أن يذكر خطاياه للكاهن ويأخذ عنها حلاً وينتهي الأمر دون أن
يقرن الاعتراف
بالتوبة الصادقة وبالندم الشديد، وتبكيت النفس، والعزيمة
الصادقة على ترك الخطية والبعد عن كل أسبابها
} (حياة التوبة والنقاوة
قداسة البابا شنوده الثالث ص249).

 

(ج)
الاعتراف بالخطية:

 كذلك
من شروط سر التوبة ومعاييره، الإقرار بالخطأ، وعن أهمية ممارسة الاعتراف في التوبة
يقول القديس يوحنا الرسول: “إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا
خطايانا ويطهرنا من كل إثم” (1يو9: 1).

 

 والاعتراف
بحسب عقيدة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يشتمل على أربعة جوانب:

 

 1-
الاعتراف أمام النفس:

 أي
الإقرار بالخطأ بين الإنسان وبين نفسه، كما يقول معلمنا داود النبي: “لأني
عارف بمعاصي وخطيتي أمامي دائماً” (مز3: 51).

 

 2-الاعتراف
أمام الله:

 وفي
هذا قال أيضاً معلمنا داود النبي: “اعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت أعترف
لك بذنبي” (مز5: 32).

 3-الاعتراف
أمام المخطأ في حقه:

 وفي
هذا قال الرب يسوع المسيح: “فإن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن
لأخيك شيئاً عليك، فأترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك
وحينئذ تعال قدم قربانك” (مت23: 5،24).

 

 4-
الاعتراف أمام الكاهن:

 وهو
ليس اعتراف أمام الكاهن لشخصه، بل بصفته وكيل سرائر الله “هكذا فليحسبنا
الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله” (1كو1: 4).

 

 وبصفته
أيضاً ممثل للكنيسة، والمسئول عنها، وعن نقاوة أعضائها. فالكاهن مفوض من الله ومن
الشعب لمباشرة مهام وكالته.

 

 ولهذا
فعندما يقر التائب بخطاياه أمام الكاهن إنما هو في الواقع يعترف بها إلى الله أمام
الكاهن. وقد تجلي هذا المفهوم في قول يشوع لعخان بن كرمى: “يا ابني أعط الآن
مجداً للرب إله إسرائيل، واعترف له وأخبرني الآن ماذا عملت. لا تُخفِ عنى”
(يش19: 7). وهذا عين ما كان يحدث في كنيسة العهد الجديد في عصر الآباء الرسل، كما
يوضح الكتاب بقوله: “وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين
بأفعالهم، وكان كثيرون من الذين يستعملون السحر يجمعون الكتب ويحرقونها أمام
الجميع”

(أع18:
1919).

 

وعن
هذا المفهوم السليم قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 { الاعتراف على الأب الكاهن، باعتباره وكيلاً
لله أو خادماً له، وليس بصفته الشخصية فالذي يعترف عليه، إنما يعترف على الله في
سمع الكاهن، ويذكرنا هذا بقول يشوع بن نون لعخان بن كرمي: “أعترف لله،
وأخبرني ماذا فعلت. لا تُخفِ عنى” (يش19: 7)}

(حياة التوبة والنقاوة قداسة البابا شنوده الثالث ص221).

 هذا
عن بعض شروط التوبة الصادقة، أو معاييرها، من ندامة وعزيمة، واعتراف. وبهذا نكون
قد تكلمنا عن ثلاثة جوانب من سر التوبة وهي: لزوم التوبة للخلاص، ومفهوم سر
التوبة، وشروط سر التوبة، وبقي أن نتكلم عن الجانب الرابع من سر التوبة، وهو: سر
التوبة والخلاص في لحظة.

 

4- سر التوبة والخلاص في لحظة:

 إن كانت التوبة يمكن أن تبدأ في لحظة، ولكنها
لا تسمى لحظة خلاص، فالخلاص في كماله هو نهاية المطاف، لذلك قال قداسة البابا
شنوده الثالث:

 {في حياة كل إنسان لا شك توجد لحظات مباركة قد
تكون لحظات مباركة أو مقدسة. أو لحظات مصيرية… أو لحظات توبة… ولكن ولا واحدة
من هذه يمكن تسميتها لحظة خلاص}

(بدعة الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده
الثالث – ص149).

 

 وأيضاً
إن كانت التوبة يمكن أن تبدأ في لحظة، ولكن إتمام شروط التوبة لن يتم في لحظة
زمنية خاطفة. وإنما يحتاج الأمر بالتأكيد إلى فسحة من الوقت يتم خلالها الاعتراف
على من أُسيء في حقه، والاعتراف أمام الكاهن، بالإضافة إلى الاعتراف أمام النفس
وأمام الله.

 

وعلاوة
على ذلك فإن التوبة ليست مجرد نقطة تحول، وإنما هي قصة حياة تستمر طيلة أيام
العمر. فكلما تكشفت للإنسان خطية يعترف بها لينال عنها غفراناً. وفي ذلك قال
القديس يوحنا الرسول: “إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا.
إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم”
(1يو8: 1-9).

 

ولذلك
قال قداسة البابا شنوده الثالث:

 {التوبة
ليست عملاً يتم في لحظة، إنما هي تستمر معك طوال حياتك عن كل خطية ترتكبها في رحلة
العمر الطويلة}

(بدعة
الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص80).

 

وقال
قداسته أيضاً:

 {لما
كان الإنسان يخطئ كل يوم، ويحتاج إلى توبة كل يوم. إذاً التوبة تصحبه كل حياته
ليخلص من خطاياه، وبالتالي لا يكون الخلاص في لحظة}

(بدعة
الخلاص في لحظة – قداسة البابا شنوده الثالث – ص37).

 

 بهذا
نكون قد ألقينا بعض الضوء على علاقة التوبة بالخلاص. إذ أوضحنا لزوم التوبة
للخلاص، ثم مفهوم التوبة، وشروط سر التوبة، وأخيراً سر التوبة والخلاص في لحظة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى