اللاهوت العقيدي

الفصل السابع



الفصل السابع

الفصل السابع

الكهنوت وسلطان الحل والربط

مقالات ذات صلة

78- الكهنوت وسلطان الحِل والربط

منذ اختار الرب تلاميذه، وأعطاهم السلطان قيل في
الإنجيل.

دعا تلاميذه… وأعطاهم سلطانا (مت 10: 1).

كان سلطان في المعجزة تخضع لهم الشياطين باسمه
ويصنعون القوات والعجائب حتى أن بطرس الرسول أمر بموت خاطئين هما حنانيا وسفيرا
فمات كل منها في لحظة (أع 5: 1 – 11) وبولس الرسول ضرب ساحراً بالعمى (باريشوع)
لأنه كان يفسد الوالي عن الإيمان فعمى بكلمة بولس (اع 13- 6- 11).

 

ولكننا سوف لا نتحدث عن هذه الأمور وأمثالها
لكونها معجزات والمعجزات ليست لكل أحد ولكنا ذكرناها لأنها تهمنا هنا من نقطة
واحدة وهي.

 

1- إن الكهنوت سلطانا من جهة مقاومة الخطاة
ومعاقبتهم.

 

وهذا ما سوف نتحدث عنه بالتفصيل في شرحنا لسلطان
الحل والربط الذي كان للآباء الرسل وبالتالي لخلفائهم..

 

2- وسلطان الحل والربط مرتبط بالاعتراف لأنه على
أي شيء يحالل الكاهن خاطئا؟ أليس على الخطايا التي يعترف بها ويتوب عنها؟

ومن هنا نبدأ الكلام عن الاعتراف:

 

79- أربعة أنواع من الاعتراف

3- الذين يقولون أن الاعتراف هو على الله وحده،
لا يتفق كلامهم هذا مع تعليم الكتاب. فالكتاب المقدس يذكر لنا أربعة أنواع من الاعتراف،
هي:

 

أ- الاعتراف على الله:

وهذا أمر لا يجادل أحد فيه، فقد قال داود للرب
في المزمور الخمسين: “لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت” (مز 50). وقال
دانيال في صلاته وصومه: “أيها الرب الإله العظيم، أخطأنا وآثمنا، وعملنا الشر،
وتمرَّدنا، وحِدنا عن وصاياك..” (دانيال 9: 4، 5).

والآيات في هذا الموضوع لا تدخل تحت حصر..

 

ب- الاعتراف على الأب الكاهن:

وهو موضوع بحثنا هذا. وسنورد فيه آيات عديدة من
العهد القديم ومن العهد الجديد على السواء. فالاعتراف على الكاهن تعليم إلهي
سجَّله الكتاب.

 

ج- اعتراف المُخطئ على مَنْ أخطأ هو إليه:

فإن حدث أنك أسأت إلى إنسان، عليك أن تذهب إليه
وتصالحه، وتقول له إنك أخطأت إليه. وعن هذا قال السيد المسيح: “فَإِنْ
قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ
شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ
أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ.”
(إنجيل متى 5: 23، 24).

 

وقال أيضاً: “وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ
أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ
سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ
قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ” (إنجيل لوقا 17: 3، 4).

أما النوع الرابع والأساسي من الاعتراف، فهو:

 

د- أن تعترف بينك وبين نفسك أنك أخطأت:

وهذا بلاشك هو الاعتراف الأول في الترتيب.. فإن
لم يعترف الإنسان داخل نفسه أنه أخطا، كيف سيقف أمام الله ويقول قد أخطأت؟! وكيف
سيذهب إلى الأب الكاهن، وإلى أخيه الذي أخطأ هو إليه، ويعترف له قائلاً: قد
أخطأت؟!

 

ومثال هذا النوع الابن الضال، الذي أدرك في
داخله أولاً أنه أخطأ. ودفعه هذا أن يذهب إلى أبيه ويقول له: “أخطأت إلى
السموات وقدامك (لو 15: 17، 18).

إذن فالاعتراف على الله وحده ليس تعليما كتابياً.

 

فالكتاب يقول أيضاً: اعترفوا بعضكم على بعض
بالزلات (يع 5: 16) نبدأ من هنا، يشرح موضوع الاعتراف على الكاهن، واثباته بالأدلة
الكتابية من العهدين، ومن الفترة التي بين العهدين أيضاً:

 

80- الاعتراف في العهد القديم

4- كان الاعتراف على الكاهن أمراً معروفاً منذ
بدء الشريعة المكتوبة، ومنذ بدء شريعة الذبائح..

فكان الخاطئ يذهب إلى الكاهن، ويقر بخطيئته،
فيخبره الكاهن بنوع الذبيحة التي تقدم عنه. فيأتى بالذبيحة إلى الكاهن، ويضع يده
على الذبيحة، ويقر بخطيئته لتحملها الذبيحة عنه، وفى هذا يقول الوحى الإلهى:

 

” فإن كان يذنب في شئ من هذه، يقر بما قد
أخطأ به، ويأتى إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها ” (لا 5: 5، 6).

 

وقيل أيضاً: “.. قد أذنبت تلك النفس، فلتقر
بخطيتها التي عملت وترد ما أذنبت به.. “(عد 5: 6، 7).

 

وفى قصة خطيئة داود، وتوبيخ ناثان له على خطيته:

 

5- نرى داود النبى يقول لناثان: “أخطأت إلى
الرب” (2صم 12: 13).

 

ويسمع داود كلمة الحل مباشرة: “الرب قد نقل
عنك خطيئتك. لا تموت”.

 

الاعتراف على الكهنة في العهد القديم، كان أمراً
مستمراً متبعاً في كل خطيئة تقدم عنها ذبيحة. واستمر طول ذلك العهد.

 

6- وفى فترة ما بين العهدين أيضاً، حيث كان
الشعب يعترفون على يوحنا المعمدان الكاهن ابن زكريا الكاهن، وهم يعتمدون منه. وفى
ذلك يقول الإنجيل ” اعتمدوا منه من الأردن، معترفين بخطاياهم” (مت 3: 6).

 

إذن فالاعتراف ليس شيئاً مستحدثاً في العهد
الجديد، إنما هو استمرارية لشريعة موجودة منذ القدم..

 

81- الاعتراف في العهد الجديد

7- وفى العهد الجديد، واستمر الاعتراف على
الاباء الكهنة. وأعطى السيد المسيح سلطان الحل والربط للرسل في شخص بطرس قائلا له:

 

“واعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما
تربطه على الأرض ن يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً
في السموات” (مت 16: 19)

 

وهذا السلطان الذي سلمه الرب لبطرس، لم يكن له
وحده فقط كفرد، إنما سلمه لجميع الرسل أيضاً قائلاً لهم: “الحق اقول لكم، كل
ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض يكون
مربوطاً في السماء” ((متى 18: 18).

 

8- و العجيب أن البعض ممن يتمسكون بكل حرف في
الإنجيل.. يحاولون أن يفسروا هذه الاية بتفسير من عندياتهم، لا سند له من الكتاب
اطلاقاً!!

 

فيقولون إن السيد المسيح أعطى هذا السلطان
للتلاميذ لكى يعطوا بدورهم الحل بالأكل من الأطعمة التي كانت محرمة من قبل، مثل
أكل لحم الخنزير..!

 

وهنا نرى عجباً! هل مكافأة بطرس الرسول على
اعترافاته بلاهوت المسيح، الأمر الذي في السموات.. أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنى
كنيستى..” (مت 16: 17، 18).. هل مكافأة كل ذلك، أن يعطيه السلطان على محاللة
الناس في أكل لحم الخنازير؟

 

وهل مفاتيح ملكوت السموات هى أكل لحم الخنازير؟!

 

هوذا الرب يقول له: “واعطيك مفاتيح ملكوت
السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكل وكل ما تحله على
الأرض يكون محلولاً في السماء”. فهل هذا السلطان العظيم كله، يتلخص في أكل
لحم الخنازير..

 

وحتى بطرس لم يفهم الحل بهذا المعنى اطلاقاً،
ولا الرسل:

 

ففى قصة إيمان كرنيليوس، لما أعلن الرب قبول
الأمم بطريقة رمزية بملاءة نازلة من السموات، فيها من كل دواب الأرض والوحوش
والزحافات، وقيل لبطرس اذبح وكل.. أجاب بطرس قائلا: “كلا يا رب، لانى لم آكل
قط شيئا دنساً أو نجساً” (أع 10: 14).

 

فلو أنه فهم الحل والربط بهذا المعنى العجيب، ما
كان يقول: كلا يا رب، لأنى لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً.

 

أما المحاللة في أكل شتى الأطعمة، فقد أتت في
قول الرب له هنا ثلاثة مرات: “ما طهره الله، لا تدنسه أنت” (أع 10: 15).

 

وفهم بطرس هذا الحل، على أنه محاللة لقبول الأمم،
وليس لمجرد قبول أكل الخنازير والجمال! (لا 11: 4- 7).

 

إن المحاللة لأكل الأطعمة، يشرعها الله بتعليم
بسيط واضح، مثل قول الكتاب: “لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب..” (كو 2:
16). ولا يستدعى الأمر اعطاء الرسل سلطاناً يجولون به الأرض، لكى يحاللوا الناس في
أكل لحم الخنزير في شرق الأرض وغربها، سواء كانوا يهوداً.. وتعبر هذه: “مفاتيح
ملكوت السموات “!!

 

9- على أن الرب أوضح معنى الحل والربط بقوله
للرسل:

 

” اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه
تغفر له. ومن امسكتم خطاياه امسكت” (يو 20: 22، 23). والسلطان هنا صريح، لا
لبس فيه ولا خنازير..

 

وقد مارس الآباء الرسل سلطان الحل والربط بهذا
المعنى. وهكذا نرى ان فهم (متى 16: 19، 18: 18) يكمل بفهم (يو 20: 23). وكل هذه
النصوص الإلهية تسير معاً في معنى واحد منسق. وكلها من فم السيد المسيح نفسه..

 

10- والدليل الكتابى على أن الرسل وخلفاءهم
مارسوا هذا السلطان، وكانوا يتقبلون اعترفات الناس، هو ما ورد في سفر أعمال الرسل:

 

” وكان كثيرون من الذين آمنوا، يأتون مقرين
ومخبرين بأفعالهم” (أع 19: 18) فلو كان الاعتراف بالخطايا هو على الله وحده،
ما كان الآباء الرسل، أعمدة الكنيسة يجرءون على تقبل الاعترافات! وما كان يوحنا
المعمدان يقبل ذلك، بل كانوا كلهم يعلمون ضد هذا..

 

11- ولو كان الاعتراف على الله وحده، ما كان
يعقوب الرسول يقول:

 

” اعترفوا بعضكم على بعض بالزلات” (يع
5: 16).

 

وعبارة ” بعضكم على بعض ” تعنى بشر
على بشر. وهذا لا يعنى أن الاعتراف هو لله وحده. ويفسر القديس اوغسطينوس هذه الآية
بالاعتراف على من له الحق في ذلك، أى الكهنة. كما يقال علموا بعضكم بعضاً، أى أن
القادر على التعليم يقوم بتعليم طالب العالم، ولا يعلم جاهل جاهلاً.

 

وحتى إن كان أى إنسان يمكنه أن يعترف على أى
إنسان، بحكم هذه الآية، فإن الاعتراف على الكاهن هو من باب أولى.

 

وذلك باعتبار مركزه وأبوته، وسلطته التي اعطيت
له المغفرة الخطايا، وبحكم كتمانه للسر قانوناً، كل تلك الأمور التي لا تتوافر أحد
من العلمانيين.

 

13- ونحب هنا أن نقول إن قبول الكاهن لاعترافات
الناس ليس هو اغتصاباً لحقوق الله، وإنما حقيقة الاعتراف هى:

 

أن يعترف الإنسان على الله، فى سمع الكاهن. أو
يدين الخاطئ نفسه، أمام الله في سمع الكاهن.

 

فالكاهن ليس شخصاً منفصلاً في عمله عن الله،
إنما هو مفوض ليقوم بهذا العمل، كوكيل لله (تى 1: 7). وتعجبنى جداً في هذا المجال،
عبارة قالها يشوع بن نون لعخان بن كرمى، تنطبق على موقف المعترف من الكاهن. قال له:

 

” اعترف إلى الله، واخبرنى الآن ماذا
فعلت” (يش 7: 19).

 

اخبرنى، ” لا تخف عنى” (يش 7: 19).
وهذا لا يمنع مطلقاً من أنك في نفس الوقت، تعترف لله..

 

14- على أن أى شخص عادى تعترف عليه، سيصالحك إن
كان هو المساء إليه، أو يرشدك إن كان مرشدا روحياً.

 

ولكنه لا يستطيع أن يحالك، فهذا ليس من سلطانه.

 

إن منح الحل هو من عمل الآباء الكهنة الذين قيل
لهم: “كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء” (مت 18: 18)،
والذين قيل لهم أيضاً: “من غفرتم خطاياه تغفر له” (يو 20: 23).

 

وهكذا يخرج الخاطئ من عند الكاهن مطمئناً واثقاً
بالمغفرة.

 

وهذه الثقة تأتيه من وعود الله نفسه، ومن
السلطان الذي منحه لكهنته، من أن هذا الحل على الأرض يصير به محاللا في السماء حسب
قول الرب.

 

82- كيف يجرؤ الكاهن أمام الله أن يغفر للناس؟!
بينما المغفرة هي من عمل الله؟

إعتراض

 

15- على أن البعض يقول يقول: كيف يجرؤ الكاهن
أمام الله ان يغفر للناس؟ بينما المغفرة هى من عمل الله؟

 

الرد على الإعتراض

16- الكاهن لا يتجاسر على هذا العمل من تلقاء
نفسه، إنما هو مفوض لذلك من الله الذي قال: “ما تحلونه على الأرض على الأرض..
من غفرتم خطاياه” (مت 18: 18) (يو 20: 23)

 

17- وهذا الأمر مارسه ناثان الذى قال لداود
النبى: “الرب نقل عنك خطيئتك. لا تموت” (2صم 12: 13).

 

18- وتحضرنى هنا قصة مناسبة، هى قصة السارافيم
مع إشعياء.

 

يرويها إشعياء النبى قائلا: “.. رأيت السيد
جالساً على كرسى عال ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل. السارافيم واقفون فوقه لكل واحد
ستة أجنحة.. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض.
فاهتزت أساسات العتب”. (ش 6: 1- 4). انظروا الصورة جيداً.

 

الرب موجود في مجده، مجالس على عرشه، وحوله
السارافيم يسبحونه. وقد ارتجت أساسات عتب الهيكل من صوت التسبيح..

 

فما الذي حدث؟ صرخ إشعياء من جلال المنظر قائلاً:
“ويل لى قد هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين”. فلم تحتمل الملائكة عبارة: “ويل
لى، قد هلكت”.. فماذا كانت النتيجة؟ يقول إشعياء: ” فطار إلى واحد من
السارافيم، وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح. ومس بها فمى. وقال إن هذه قد
مست شفتيك، فانتزع إثمك، وكفر غن خطيتك” (إش 6: 6، 7).

 

وهنا – في وجود الله على عرشه – سمع إشعياء كلمة
الحل من واحد من طغمة السارافيم، وليس من فم الله. قال له الملاك: “انتُزِع
إثمك، وكُفِّرَ عن خطيتك”.

 

وكيف نال هذا الحل؟ بجمرة من على المذبح، ونطق
من الملاك يقول: “انتزع إثمك، وكفر عن خطيتك”. وكان هذا رمزاً لملاك
الكنيسة، أى الكاهن، الذي يستطيع بجمرة من على المذبح تمس شفتيك، أن يقول لك: “قد
انتزع إثمك”.

 

أتستطيع إذن أن تناقش السارافيم وتقول كيف يمكن
لفم أن ينطق الحل في وجود الله؟! يقول لك داود النبى عن أمثال هؤلاء الملائكة: “..
ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره” (مز 103: 20).

 

83- أمثلة من سلطان الحل والربط

سنذكر أمثلة عديدة، فيها السلطان للرسل، وليس
لجميع الناس، وطبعاً لخلفاء الرسل من بعدهم في عمل الكهنوت.

 

19- سلطان بولس الرسول بالنسبة إلى خاطئ كورنثوس
(1كو 5).

 

يتكلم الرسول بسلطان فيقول: “.. قد حكمت –
كأنى حاضر – في الذي فعل هذا هكذا، باسم ربنا يسوع المسيح.. أن يسلم مثل هذا
للشيطان لهلاك الجسد، ولكى تخلص الروح في يوم الرب يسوع” (1كو 5: 3- 5). وختم
الرسول كلامه بقوله: “فاعزلوا الخبيث من بينكم” (1كو 5: 13). وعزل
الخاطئ
excommunicated

 

ثم عاد القديس بولس فحالله في رسالته الثانية.
عفا عنه:

 

وقال في ذلك: “مثل هذا يكفيه هذا القصاص
الذي (ناله) من الأكثرين. حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحرى وتعزونه، لئلا يبتلع
مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة” (2كو 2: 6- 8).

 

ونفذ الشعب الأمر الكهنوتى الذى أصدره الرسول
عقوبة وعفواً.

 

هو الذي ربط، وهو الذي حل. والشعب أطاع ونفذ..
إنه سلطان كهنوتى مارسه الرسول. وما كان أحد يناقشه فيه.

 

20- وقد تحدث الرسول عن سلطان الكهنوتى هذا، في
نفس هذه الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس. فقال لهم: “فإنى وإن افتخرت شيئاً
بسلطاننا الذي أعطانا إياه الرب لبنيانكم لا لهدمكم ]، لا أخجل” (2كو 10: 8)

 

كرر نفس العبارة أيضاً في آخر الرسالة قائلاً: “لذلك
أكتب بهذا وأنا غائب، .. حسب السلطان الذي أعطانى إياه الرب لبنيان لا للهدم”
(2كو13: 10).

 

21- واستخدام الرسول سلطان (الأناثيما) أى القطع
والحرام.

 

وذلك في رسالته إلى أهل غلاطية، حيث قال: “إن
بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما” (غلا 1: 8)
وكرر نفس العبارة قائلاً: “كما سبقنا فقلنا، أقول الآن أيضاً: إن كان أحد
يبشرككم بغير ما قبلتم ن فليكن أناثيما. (أى محروما)” (غلا 1: 9). وعلق
القديس باسيليوس الكبير على عبارة القديس بولس الرسول قائلاً: إن بولس الرسول جرؤ
أن يحرم ملائكة..

 

22- وينذر القديس بولس بسلطانه على معاقبة
المخالفين قائلاً:

 

“.. الآن أكتب للذين أخطأوا من قبل، ولجميع
الباقين: إنى إذا جئت أيضاً، لا أشفق” (2كو 13: 2). ويقول لهم كذلك: “مستعدين
أن ننتقم على كل عصيان، متى كملت طاعتكم” (2كو 10: 6).

 

هنا إذن سلطان: يأمر، ويحكم. ويفرز من جماعة
المؤمنين، ويحرم، ويعفو. وهو سلطان من الرب، مارسه الرسل، وخلفاؤهم من بعدهم

 

23- ومن أمثلة عدم الشركة مع جماعة المؤمنين،
قول الرسول لأهل تسالونيكى: ط إن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة، فسموا هذا ولا
يخالطوه، لكى يخجل” (2تس 3: 14). وقوله أيضاً: ” نوصيكم ايها الاخوة
باسم ربنا يسوع المسيح، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب، وليس حسب التعليم
(التقليد) الذي أخذه منا” (2تس 3: 6).

 

وهنا أيضاً حكم من السلطان الكهنوتى، وتنفيذ من
الشعب.

هنا، ونرد على إعتراض طالما يردده البروتستانت
وهو:

 

84- كيف للكاهن أن يغفر الخطايا؟!

يظن الاخوة البروتستانت أن الكاهن يغفر الخطايا
بسلطانه الخاص، وليس بسلطان من الله أعطى له..! كما لو كان قد اغتصب حقاً من حقوق
الله تبارك اسمه، أتجرأ أن يعمل عملاً إلهياً، وهو بشر!! وسنورد هذا الإعتراض،
ونرد عليه بالأدلة اللاهوتية والكتابية، لتوضيح ما يفعله الكاهن بالضبط..

 

إعتراض

24- يقولون إن الغفران هو لله وحده، حسب قول
الكتاب: “من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده” (مر 2: 7). والله هو
الذي قيل عنه في المزمور: “غفرت إثم شعبك. سترت جميع خطاياهم ” (مز 85: 2).
وهو الذي خاطبه السيد المسيح على الصليب قائلاً: “يا ابتاه اغفر لهم”
(لو 23: 34). فكيف إذن تقولون إن الكاهن بغفر الخطايا؟!

 

الرد على الإعتراض

25- أولا – لسان نحن الذين نقول، إنما هذا قول
المسيح:

 

هو الذي قال: “من غفرتم خطاياه تغفر
له” (يو 20: 23). وهو الذي قال: “ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في
السماء” (مت 18: 18)

 

26- ثانيا – هناك ثلاثة أنواع من الغفران، لكل
منهما معناه الخاص: وهى مغفرة الله، ومغفرة الناس بعضهم لبعض، ومغفرة الكاهن:

 

أ- مغفرة الله هى الأساس، فهو ديان الأرض كلها
(تك 18: 25). ونحن جميعاً سنقف أمامه في اليوم الأخير لنعطى حساباً عن أعمالنا.
وبدون مغفرته الارلهية، كل مغفرة أخرى لا تنقذنا من العقاب الأبدى.

 

ب- ومغفرة الناس بعضهم لبعض، معناها مساحتهم في
الإساءات الموجهة منهم إليهم، ومصلحتهم، وتنازلهم عن حقوقهم الشخصية.

 

وهذا أمر يطلبه الله نفسه: “اذهب أولا
اصطلح مع أخيك” (مت 5: 24). وتوضحها الآيات الآتية:

 

” إن أخطأ إليك أخوك، فوبخه. وإن تاب فاغفر
له. وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم، ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلاً: أنا
تائب، فاغفر له” (لو 17: 3، 4). وايضاً سؤال بطرس للرب: “كم مرة يا رب
يخطئ غلى أخى وأنا أغفر له؟ هل إلى سبع مرات” (مت 18: 21، 22).

 

وأيضاً نقول في الصلاة الربانية: “اغفر لنا
ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا” (مت 6: 12). وهنا يظهر النوعان
الأولان من المغفرة: مغفرة الله، ومغفرة الناس بعضهم لبعض.

 

وهذه هى الطلبة الوحيدة في الصلاة الربانية،
التي علق عليها الرب قائلا: “فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفرلكم أبوكم
السماوى. وإن لم تغروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم” (مت 6:
14، 15).

 

وقد ورد في الإنجيل لمعلمنا القديس مرقس المعنى:
“ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم على أحد شئ، لكى يغفر لكم أيضاً أبوكم
الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا أنتم، لا تغفر أبوكم الذي في السموات أيضاً
زلاتكم” (مر 11: 25، 26).

 

إذن مطلوب من الإنسان أن يغفر. فكيف يغفر إن كان
الذي يغفر هو الله وحده؟ الإجابة ان مغفرة الإنسان لأخيه بمعنى، وغفرة الله ى
بمعنى آخر.

 

ومغفرة الإنسان لأخيه، ومعناها مجرد تنازله عن
حقه من نحوه، وليس معنى ذلك ضمان مستقبله الأبدى، الذى هو في يد الله، يغفر له إن
كانت توبته صادقة، ويمحو بالدم الكريم الخطية التى تاب عنها المسئ، وتنازل عنها
المساء غليه. ومغفرة الإنسان لأخيه هى شرط لنواله هو لنفسه المغفرة، حسبما ورد في
الإنجيل لمعلمنا لوقا: “اغفروا يغفر لكم.. لا تدينوا” (لو 6: 37).

 

وقال القديس بولس في هذا النوع من المغرة: “محتملين
بعضكم بعضاً، ومسامحين بعضكم بعضاً، إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لكم المسيح،
هكذا أنتم أيضأ” (كو 3: 13).

 

27- أما مغفرة الكاهن، فهى من نوع آخر. إنها
تدخل في مغفرة الله، لأن ما يحله على الأرض يكون محلولاً في السماء (مت 16: 19).

 

فهل للكاهن هذا السلطان؟ وكيف يتم إذن الغفران؟
هذا ما نريد أن نشرحه هنا بالتفصيل:

 

28- معروف أنه ” بدون سفك دم لا تحصل
مغفرة” (عب 9: 22). إذن لا يمكن أن ينال أحد الغفران إلا بدم المسيح، سواء سمع
كلمة الغفران والمسامحة من الأب الكاهن أو من الأخ الذي غفر له إساءته.

 

29- واجب الكاهن إذن أن يتحقق من استحقاق الخاطئ
لدم المسيح لمغفرة خطاياه، وذلك بالتحقق من توبته.

 

فالتوبة هى لنوال المغفرة، ولإعلان المغفرة، حسب
قول السيد الرب: “إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون ” 13: 3، 5). فإذا
اعترف اخاطئ بخطيئته، أظهر توبته عنها، وعزمه على تركها، يعلن له الكاهن مغفرة هذه
الخطية، لأن من فم الكاهن تطلب الشريعة (ملا 2: 7). وكيف يتم ذلك؟

 

30- عملية المغفرة التي يعلنها الكاهن، هى نقل
للخطية إلى حساب السيد المسيح، لكى يحملها عن الخاطئ، ويمحوها بدمه.

 

ولذلك حسناً قال ناثان لداود النبى لما اعترف
بخطيته: “الرب نقل عنك خطيئتك. لا تموت” (2صم 12: 13).. أى نقلها من
حسابك غلى حساب المسيح، فلا نعطى أنت عنها حساباً. المسيح سيحملها عنك ويمحوها
بدمه.

 

31- إذن الكاهن ليس هو مصدر المغفرة، إنما هو
معلنها.

 

إنه يعلن للخاطئ المغفرة التي أعطيت له من الله،
عن طريق الكفارة والفداء، بالدم الكريم المسفوك لأجله.

 

إن المغفرة تتم عن طريق الله، والكاهن مجرد وكيل
له.

 

ولهذا فإن الكاهن لا يقول للخاطئ مطلقاً: “قد
غفرت لك أو حاللتك “، إنما يقول له: “الله يحاللك”.

 

32- ومما يدل على ان الله هو مصدر الحل والمغفرة،
هو أن التحليل الذي يناله الخاطئ من الكاهن هو مجرد صلاة يرفعها الكاهن عن الخاطئ،
تسمى صلاة التحليل يقول فيها للرب عن الخاطئ: “اغفر له خطاياه. حالله. باركه.
طهره ” إن الكاهن له سلطان. وهو يستخدمه هنا كصلاة..

 

33- ومن أجمل العبارات التي توضح تحليل الكاهن،
جملة جميلة يقولها الأب الكاهن في صلاة القداس الإلهى، في التحليل الذي يسبق
الاعتراف الأخير. يقول عن الشعب

 

” يكونون القدس يأخذه الكاهن فى السيامة،
أثناء النفخة المقدسة، وحينما ينفذ فيه الأسقف قائلاً: اقبل الروح القدس. فيفتح
الكاهن فمه ويقول: “فتحت فمى واقتبلت لى روحاً” (مز 119).

 

ولذلك نلاحظ أن السيد المسيح نفخ في وجوه تلاميذ
القديسين وقال لهم أقبلوا الروح القدس. ثم قال لهم بعدها: من غفرتم خطاياه تغفر له
(يو 20: 22، 23).

 

85- الله هو مصدر المغفرة في الكهنوت

34- الروح القدس إذن هو مصدر المغفرة في الكهنوت.
يغفر للناس من فم الكاهن. وكيف يغفر؟

يقول السيد المسيح عنه: “يأخذ مما لى
ويخبركم” (يو 16: 14). يأخذ مما لى كأقنوم المعرفة، ويذكركم بكل ما قلته لكم.
وايضاً يأخذ من استحقاقات دمى، ويخبركم أن خطاياكم قد غفرت.

 

وكيف يخبركم الروح ان خطاياكم قد غفرت؟ يخبركم
بهذا من فم الكاهن.

 

إذا قد وضح الموضوع، ولم يعد فيه لبس. وهو:

أ- الله هو الذي يغفر الخطايا. يغفرها روحه
القدوس.

ب- الروح القدس يأخذ من استحقاق دم المسيح ويغفر.

ج- و الروح يعلن مغفرة الخطايا من فم الكاهن.

د- وذلك بالنسبة إلى الخاطئ التائب، المستحق دم
المسيح بتوبته.

ه- وتوبته يتأكد منها الكاهن عن طريق اعترافه
عليه.

و- وحينئذ يصلى طالباً من الله أن يغفر له. ثم
يقول له: “الله يحالك”.

 

” الله يحالك من فمى بروحه القدوس”..

 

35- وعموماً، فإن غالبية الذين يرفضون الاعتراف
على الكاهن، ويقولون إنهم يعترفون على الله مباشرة، لا يرفضون الاعتراف عقيدياً،
إنما يهربون منه خجلاً. والله يريد لهم هذا الخجل، حتى لا يعودوا إلى خطاياهم مرة
أخرى.

 

هذا الذي يقول إنه يريد أن يعترف على الله
بخطيته، قد ارتكب هذه الخطية أمام الله بدون مبالاة ولم يخجل، كما خجل يوسف الصديق
من قبل (تك 39: 9). ويريد أن يعترف أمام الله وحده، لكى يهرب مرة أخرى من الخجل.

 

36- نحن لا نمنعه من الاعتراف أمام الله، فهذا
واجب. وإنما يضاف إلى هذا، الاعتراف أمام الكاهن. ليس من أجل الخجل فقط، وإنما
لأجل الإرشاد ايضاً، ولكى يسمح له الكاهن بالتناول من الأسرار المقدسة، إذا تاكد
من توبته.

 

37- و الذي يعترف على الله وحده بخطاياه، ربما
توجد أمور لا يعتبرها خطايا، وبالتالى لا يعترف بها. فإن كشفها للكاهن في الاعتراف
يظهر له انها خطية..

 

وفى ذلك قال الكتاب: “توجد طريق تبدو
للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت” (أم 14: 12، 16: 25). وهذه الطريق التي
عاقبتها طرق الموت، كيف سيعترف بها أمام الله، مادامت تبدو فهمه البشرى مستقيمة؟!

 

38- إن الاباء الرسل، حينما تقبلوا من الناس
اعترافاتهم (أع 19: 18)، إنما كانوا يقومون في نفس الوقت بخدمة المصالحة.

 

أى مصالحة الناس مع الله. هذه الخدمة التي قال
عنها القديس بولس الرسول: “واعطانا خدمة المصالحة.. إذن نسعى كسفراء عن
المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله ” (2كو5: 18: 20).

 

و المصالحة لا تأتى بالوعظ فقط، إنما تأتى أيضاً
بمعرفة النفس وحروبها وسقطاتها، وإرشادها إلى كيف تصطلح مع الله.

 

لأن كثيرين يعترفون لله بخطاياهم، وفى نفس الوقت
لا يعرفون كيف يتخلصون منها ويتوبون. وسر الاعتراف فى الكنيسة نسميه سر التوبة..

 

39- إن مغفرة الخطايا هى بدم المسيح. وقد سفك
المسيح دمه عن العالم كله. ومع ذلك فإن العالم كله لم ينل الخلاص. فليس الجميع
مستحقين لهذا الدم. واستحقاق الدم يلزم له الإيمان والمعمودية والتوبة.

 

و الكاهن أمين على كنوز هذه المغفرة التي قدمها
دم المسيح، يقدمها للمستحقين عن طريق الإيمان والمعمودية أولاً (مر 16: 16) وعن
طريق التوبة بعد ذلك (لو 13: 3).

 

و التوبة يلزمها الاعتراف، حسب قول الكتاب: “من
يكتم خطاياه لا ينجح. ومن يقربها ويتركها، يرحم” (أم 28: 12).

 

40- ومن غير المعقول أن يغفر الكاهن خطايا لا
يعرفها.

أو ينقل إلى حساب المسيح، خطايا لا يعرفها، لكى
يمحوها بدمه. أو أن يسمح بتناول شخص من الأسرار المقدسة بدون أن يتأكد من توبته..
لهذا كله ارتبط الاعتراف بالمغفرة.

 

وأخيراً إن كان الله قد منح الكاهن هذا السلطان،
فلماذا يغار البعض لله، كأن سلطانه قد أغتصب. هذا ما سنرد عليه في الفصل إن شاء
الله.

 

86- سلطان الربط والحل

وبعد.. بعد كل الذي قلناه عن سلطان الحل والربط،
مؤيداً باسانيد من الكتاب المقدس، وبامثلة مما فعله الرسل الأطهار، وما كان سائداً
في ايامهم، نريد أن نسال سؤالاً مهما وهو:

 

ما ذنب رجال الكهنوت، إن كان الله قد سلمهم هذا
السلطان؟ وقال لهم: “كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السموات، وكل ما
تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات” (مت 18: 18) كما قال لهم ايضاً:
“من غفرتم خطاياه، غفرت له. ومن أمسكتموها عليه أمسكت” (يو 20: 23).

 

ما ذنبهم إن مارسوا هذا السلطان، وأو هذه
المسئولية؟

إنسان وضعه الله في مسئولية أن يعاقب أو أن يعفو،
بناء على معرفته بوصايا الله، لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة (ملا 2: 7). إن مارس
هذا الشخص حدود مسئوليته هذه، فما ذنبه؟

 

أكان يستطيع هؤلاء الناس حينما قال لهم الرب: ما
تحلونه يكون محلولاً.. وما تربطونه يكون مربوطاً.. ” أكانوا يستطيعون أن
يقولوا: حاشا لنا يا رب أن نمارس سلطانك قل لنا كلاماً غير هذا!!

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى