اللاهوت العقيدي

الباب السابع



الباب السابع

الباب
السابع

طقس
سر
الإعتراف

أولاً:
اقرار التائب المعترف

 يقر
التائب إقراراُ كاملاً، نابعاُ عن رغبة صادقة للتوبة وحرص شديد علي النمو والجهاد.
وذلك في وقار الكلام، وبوقار في الجلوس، وبوقار في الإستيضاح والمناقشة فيما يشير
به الأب الكاهن.

 

ثانياُ:
وضع الكاهن الصليب فوق رأس التائب

يضع
الكاهن الصليب علي رأس المعترف ويمسك رأس المعترف بإبهام يده اليمني وأصابع يده
اليسري. ووضع الكاهن يديه فوق رأس المعترف يشير إلي أبوة الله الحنانة القابلة
إليه التائبيين كما إنه إشارة إلي يد الله الماسك الكل والضابط الكل بيمينه. ضابط
حركات الإنسان وأفكاره، وضابط لحركات إبليس وهياجه.. ضابط الكل يمسك برأس (أفكار)
التائب.

أما
وضع الصليب فوق رأس المعترف، فذلك لأن موهبة الغفران وقوته يستمدها الكاهن من دم
ربنا المسفوك علي الصليب وهنا ضرورة يحتمها الطقس والفهم اللاهوتي الصحيح فالرأس
المثقلة بالخطية تكون منحنية إلي أسفل بينما يصلي الكاهن بالصليب حيث يتم بفعله
السري تقديس المعترف أولاُ لحلول الروح القدس، ثم يمنح بواسطة رمز الصليب الظاهرة
قوة الدم الإلهي المطهرة لخطايا التائب سرياً وحينئذ تتم بالصليب الحل والمصالحة
بين الله والتائب.

أما
وضع إبهام يد الكاهن اليمني فوق رأس المعترف فلأنه خلال صلوات السر يرشمه ثلاث
رشوم بالصليب المقدس باسم الأب والإبن والروح القدس إستدعاْء لسر اللاهوت للتقديس
اي سر الثالوث وسر التجسد وسر الفداء.

ولأنه
بواسطة هذا الإبهام يتم الرشم السري لروح المعترف كما يتم لجسده فيحمل بواسطتها
إستحقاقات الغفران الإلهي.

 

ثالثاً:
صلوات السر

وهذه
الصلوات يرفعها التائب والمعرف معاً بقصد الإستعداد الروحي والذهني لملاقاة صفح
الرب وحله. وتشمل هذه المقدمة ما يلي:

 الصلاة
الربانية ” أبنا الذي.. “

 مجموعة
من صلوات المزامير وهي تشير إلي صوت التائئب الذاكر خطيئته العارف بمراحم الرب. وهي
مزامير (50 – 31 – 37)

 

 صلاة
منسي الملك: وهي الصلاة التي رفعها منسي الملك وهو مقيد بالسلاسل النحاس وفي أنفه
خزامة حديد عندما ساقه ملك أشور مسبياُ إلي بابل. فرفعها في ضيقه ” وتواضع
جداُ أمام إله آبائه ” (2 أي 11: 32 – 13).. وهذه الصلاة محفوظة في كتب
الكنيسة وتقال ضمن صلوات الملوك والأنبياء في ليلة سبت الفرح (أبو غلامسيس) وهذا
نصها:

 

صلاة
منسي الملك

يارب،
ياضابط الكل الذي في السماء، إله آبائنا إبراهيم وأسحق ويعقوب وزرعهم الصديق، الذي
خلق السماْء الأرض وكل زينتهما.الذي ربط البحر بكلمة أمر وختم فمه بإسمه المخوف
والمملوء مجداً. الذي يفزع ويرتعد كل شيء من قدام وجه قوته لأنها لا تحد عظمة مجدك
ولا يدرك غضب رجزك علي الخطاة وغير محصاة ولا مدركة رحمة إرادتك. أنت الرب العلي
الرحوم طويل الروح وكثير الرحمة وبار ومتأسف علي شر البشر. أنت أيضاً يارب علي قدر
صلاحك رسمت توبة لمن أخطأ إليك، وبكثرة رحمتك بشرت بتوبة للخطاة لخلاصهم. أنت يارب
لم تجعل التوبة للصديقين إبراهيم وأسحق ويعقوب (*) هؤلاء الذين لم يخطئوا إليك بل
جعلت التوبة لمثلي أنا الخاطيء. لأني أخطأت أكثر من عدد رمل البحر.. كثرت آثامي
ولست مستحقاً أن أرفع عيني إلي السماء من قبل كثرة ظلمي، ولست مستحقاُ أن أنحني من
أجل كثرة رباطات الحديد ولا أرفع رأسي من خطاياي.

والآن
بالحقيقة قد أغضبتك، ولا راحة لأتي أسخطت رجزك، والشر صنعت بين يديك، وأقمت
رجاساتي، وأكثرت نجاساتي. والآن أحني ركبتي وقلبي، وأطلب من صلاحك: أخطأت يارب
أخطأت، وآثامي أناعارفها. ولكن أسأل وأطلب إليك يارب أغفر لي ولا تهلكني بآثامي،
ولا تحقد عليَ إلي الدهر، ولا تحفظ شروري، ولا تلقني في الديونة في قرار أسفل
الأرض.لأنك أنت هو إله التائبين، وفيَ أظهر صلاحك لأني غير مستحق وخلصني بكثرة
رحمتك، فأسبحك كل حين كل أيام حياتي. لأنك أنت هو الذي تسبحك كل قوات السموات ولك
المجد إلي الأبد. أمين.

 

(*)
قول منسي عن عدم خطأ ابراهيم واسحاق ويعقوب انما هو من قبيل الأتضاع فرغم اخطاء
البطاركه الأوائل والمدونه في الكتاب المقدس الا انه يذكرهم كأنهم لم يخطئوا.

رابعاً:
صلاه مبسطه أخطأت إليك ياربي يسوع

 يجاهر
فيها المعترف بوقار ومسكنة مئة مرة هذه العبارة: أخطأت إليك ياربي يسوع المسيح
فارحمني من أجل إسمك القدوس”.

و
تكرار هذه الصلاه القصيره يرفع احساس التائب ووجدانه الي حاله اليقظه الروحيه،
يعترف فيها للسيد المسيح بخطأه فيطلب رحمته.

 

خامسا:
صلاه الأب الكاهن لله عن ابليس وجنوده (*)

يصلي
الأب الكاهن (**): نعم نسألك ايها الآب القدوس الصالح محب الصلاح، لا تدخلنا في
التجارب، ولا يتسلط علينا أثم. لكن نجنا من الأعمال غير النافعه، ومن الأفتكار
فيها وتطبيقها ورؤيتها وملامستها. والمجرب ابطله واطرده عنا، وانتهر ايضا حركاته
المسلطه علينا، واقطع عنا الأسباب التي تسوقنا الي الخطيه المهلكه لنفوسنا وأبعد
عنا مشوره الناس الأشرار وحصنا في كل حين بيمينك القوي المحي. فأنت معيننا وناصرنا
وبك تبتهج قلوبنا. بنعمه ورأفه ابنك الوحيد ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح. هذا
الذي من قبله يليق بك معه مع الروح القدس المحي المجد والأكرام والعز والسلطان
والسجود الآن وكل اوان والي دهر الداهرين. آمين.

 

سادسا:
صلوات التحاليل
(Absolution)

بعد
أن يعترف الخاطيء اعترافاُ كاملاُ بخطاياه، ويأخذ المشورة والإرشاد، والتداريب
الروحية، يركع في خشوع وأتضاع – أمام الأب الكاهن – ويطلب منه “أن يحله من
خطاياه” أي أن يستدعي الكاهن الروح القدس لكي يحل علي المعترف التائب، والذي
يطلب الصفح والسماح من قبل الله، الذي يقبل التوبة التي من القلب، كما قبل توبة
العشار، فيصلي له الأب الكاهن صلاة التحليل وهي ثلاثة تحاليل: وقد يردد التحليل
الأول والثاني سرا، اما التحليل الثالث فيردده بصوت مسموع.

 

 

 (*)
هذه الصلاه يرفعها الكاهن والمعترف بين يديه، لا لأجل المعترف فقط، بل فيها ايضاح
للعدو المشترك وحيله واقراره الجماعي بذلك امام الله.

(**)
راجع الخولاجي المقدس: صلاه الآب السريه بعد صلاه القسمه.

 

التحليل
الأول

يقول
الأب الكاهن: [نعم يا رب (1)، يا رب الذي اعطانا السلطان ان ندوس الحيات والعقارب
وكل قوه العدو، اسحق رؤوسه (2) تحت اقدامنا سريعا، وبدد

 

 (1)عندما يقرأ
الأب الكاهن التحليل الأول للمعترف يشعر بذهن متيقظ واع، منصت لنداء الروح القدس
أن الله يناديه ” أين أخوك؟ أين إبنك “

وحينما
يقبل الأب الكاهن إعتراف التائب ويقف معه أمام الله يطلب لنفسه وله غفراناُ، وكأنه
قد إستجاب لنداء الله السابق بالبحث عن الضال وإيجاد المفقود فيجاوب نداء الله ”
نعم يارب. نعم لقد بحثت عنه، وأطعت، وها أنا ههنا قائم أمامك ومعي أخي وإبنك،
حاملاً إثمي وجهالات أخي..أراك واقف أمام عرشك.. لمجلس دينونتك أخشع، ولنور شعاع
لاهوتك أجزع، أذكر الرهبة والرعب من أجل خطاياي وجهالة إبنك، نعم يارب، أن خطاياي
وجهالة إبنك عظيمة جداُ، عالية فوق رأسينا.. ولئلا يصيبني الشيطان وإبنك باليأس من
هول الشرور التي فينا، أذكر وعدك الحقيقي غير الكاذب الذي قلت فيه لتلاميذك: ”
دفع إليَ كل سلطان في السماء وعلي الرض ” (مت 18: 28) ” ها أنا أعطيكم
سلطاناُ لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء ” (لو 19: 10).
وعدك الإلهي بسلطان أعظم من سلطان الخطية علينا، يعزيني وابنك ويسندني وإياه في
رجاء ثابت غير متزعزع أنك قادر أن تنقل عني وعنه كل آثامنا.

(2)
من هذا الوعد الحقيقي أسألك ” أسحق رؤوسه (رؤوس الشيطان) تحت أقدامنا سريعاُ ”
فالعدو القائم أمام كلينا ليس كالحية لها رأس واحدة فيمكن الإجهار عليها وقتلها.
لكنه صاحب رؤوس كثيرة، فألاعيبه وخباثاته كثيرة كلما نظن أننا سحقنا رأس يظهر
أمامنا برأس جديد. فإن حاربنا بالشهوات نظن أننا نسحقه بالصلاة، وعندما نصلي
يحاربنا بالشرود، وأن جمعنا فكرنا فيك حاربنا بالملل وتعب الجسد! آه يارب رؤوسه
كثيرة، لكن وعدك بالسلطان يجعلني أردد قول القديس بولس الرسول ” إله السلام
سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً ” ونحن نثق في سرعة سحقه بقدر ماتعرف أنت
عنه سرعته في تغيير رؤوسه التي يطل بها علينا آن بعد آخر. ولكن العدو حينما يشعر بقوتك
تسحق رؤوسه سريعاُ أمامنا ويحس بزعزعة مكانه بالخطية فينا.. يفعل مثلما تفعل
النباتات الصحراوية حينما تحس بالظمأ فتسرع بالإزهار والإثمار وتكوين بذور تلقيها
ميكانيكياُ في التربة لتضمن لها خلوداُ متي توفر الماء الكافي.. تماماُ مثلما تفعل
تلك، يفعل الشيطان بنا إذ يبذر في أفكارنا وفي أفكار من حولنا كل الحجج
عنا كل
معقولاته الشريره (3) المقاومه لنا. لأنك انت هو ملكنا ايها المسيح الهنا. وانت
الذي نرسل لك الي فوق المجد والأكرام والعزه والسجود ايها الأب والأبن والروح
القدس الآن وكل اوان والي دهر الداهرين كلها. آمين.

 

ثم
يصلي الأب الكاهن التحليل الثاني:

المنطقية
التي يقبلها العقل ويخدع بها ليجعل من ثمارها الشريرة في تفكيرنا جحوداُ للتوبة
ونكراناُ لحبك..

(3)
لذلك يامن نؤمن بسلطانك المعطي لنا كوعدك كما سحقت رؤوسه ” بدد عنا كل
معقولاته الشريرة المقاومة لنا “. مهما صنع الشرير، فلن يجدي فينا بحصانه
سلطانك مكاناُ لعمله. أنت الذي سبق أن أشتريتنا بدمك السكيب وحررتنا من سلطان
الموت والخطية، وملكت علي قلوبنا ” أنت هو ملكنا أيها المسيح إلهنا “.
وملكيتك لنا من دور إلي دور، نقدمها بكل مجد وكرامة لك ياربنا العزيز المحوط بالعزة
والذي نقدم لك سجودنا علامة خضوعنا لملكك. أنا وإبنك ههنا منتظرين مواهب سلطانك
للغفران، نعم يارب.

 

التحليل
الثاني

أنت
يارب الذي طأطأت السموات (1)، ونزلت وتأنست من أجل خلاص جنس البشر. أنت هو الجالس
علي الشاروبيم والسيرافيم (2)، والناظر إلي المتواضعين. أنت أيضاُ يا سيدنا الذي
نرفع قلوبنا إليك (3).

 

(1)
هذا التحليل قطعة روحية رائعة ملوءة بالتأملات. هذيذ في الله الرحوم الذي نعبده. ففيه
ندرك عظمة أقنوم الإبن، ربنا يسوع المسيح، إذ أنه له المجد ” طأطأ السموات ”
وكلمة طأطأ تعني أحني. وكأن السموات بعظمتها وقعت في حيرة ودهشة عندما ظهرت فكرة
التجسد الإلهي، لكن هذه الدهشة والحيرة لم تجد من الرب يسوع سوي أن يطأطها كمدبر
وخالق. لعل لهذا المعني يطأطأ الأب الكاهن رأسه أثناء صلاة هذا التحليل بينما يكون
المعترف راكعاً خاشعاً برأسه أيضاً.

(2)
عظمة أقنوم الإبن لا تعرف في طأطأته السموات فقط بل وفي جلوسه علي الشاروبيم
والسيرافيم أيضاُ (راجع 1 صم 4: 4، 2 صم 6: 2، مز 1: 80، 99: 1). فالشاروبيم هم
ذوات ” ملْ المعرفة ” والسيرافيم هم ” المتوهجون ” المسبحون
للرب علي الدوام. هؤلاء وأولئك جلس الرب فوقهم. لماذا؟!

داود
النبي يجيب قائلاُ “ركب علي الكاروبيم وطار” (مز 10: 18) طار إلي أين،
إلي الأرض. لعل هذا رمز إنتقال المعرفة الإلهية والتسبيح بغير فتور إلي الأرضيين.

ولكن
ليست هذه المناظر المحفوفة بالبهاء هى كل الحقيقة فى كل عظمة أقنوم الإبن، فبقية
الحقيقة أنه مع كونه عال فوق كل علو لكنه ليس كبنى البشر الذين فى جهلهم يتعظمون.

لكنه”
نزل وتأنس ” نزل، فهذا هبوط وتأنس، إذ أعقب النزول أخذ صورة الإنسان الكاملة
فى اللحم والدم.. مجرب فى كل شئ مثلنا بلا خطية! كان هدفه التخلص من كل ذلك لا
مجرد الصنيع لنوال المدح، بل ” من أجل خلاص جنس البشر” ” ينظر إلى
المتواضعين” ليجعل فى نزوله وتأنسه خلاصاً لهم من خطاياهم.

(3)
بهذا المقدار فى الرفعة ربنا تعظم واتضع!. هذه الرفعة لله، تستلزم بالتبعية رفعة
لقلب الإنسان الطالب وجهه الساجد منتظر غفرانه. وهبة رفع القلب فى الإنسان تتم
بالإيمان لتكمل نقصه وضعفه. لذا يقول الكاهن ” يا سيدناالذى نرفع عيون قلوبنا
إليك”. فالإيمان وحده هو الذى يفسر للتائب تلك العظمة اللاهوتية الممتزجة
بالإتضاع الصادق.==

أيها
الرب الغافر آثامنا، ومخلص نفوسنا من الفساد (4). نسجد لتعطفك الذي لا ينطق به (5).
ونسألك أن تعطينا سلامك، لأنك أعطيتنا كل شيء. إقتننا لك يا الله مخلصنا، لأننا لا
نعرف آخر سواك. إسمك القدوس هو الذي نقوله ردنا يا الله إلي خوفك، وشوقك (6).

 

==
وبداية الإيمان الحى لحظة إتمام طقس
الإعتراف هو الإيمان بغفران
الله آثامنا. وتعبير الصلاة هنا غاية فى الدقة الروحية، فلم تقل “أيها الرب
الذى غفر آثامنا، أو الذى سيغفر خطايانا”.. بل ” أيها الرب غافر آثامنا ”
منذ بدء الخليقة وحتى نهايتها، باب التوبة يفتحه لكل قارع، وكل من يؤمن به ويجاهد
بإسمه للخلاص.

 

(4)
بالإيمان أيضاً ننادى الرب إلهنا ” مخلص نفوسنا من الفساد “، إن إسمه
يسوع “أى يخلص شعبه من خطاياهم” (مت21: 1)، بالإيمان والجهاد يخلص وينقذ
التائب فيناجيه مع داود ” لأنك لن تترك نفسى فى الهاوية. لن تدع تقيك يرى
فساداً ” (مز10: 16).

 

(5)
إن ما ينكشف بالإيمان أمام عيون قلب التائب يجعل حقيقة عظمة أقنوم الإبن كامل
الوضوح أمامه، فيقدم علامة الإيمان الحقيقى ” نسجد لتعطفك الذى لا ينطق به “،
فالسجود هنا خشوع وحب للإله المتعطف الذى يغفر، والذى يخلص.. فعبادة التائب
بالإيمان ليست عبودية بل حرية وحب ” لا أعود أسميكم عبيداً ” (يو15: 15).

 

(6)
الأب الكاهن التائب شفيع التائب عقب هذا السجود التأملى ينهض فيطلب ” نسألك
أن تعطينا سلامك “.. لأن فعل الإثم لا يجعل للسلام مكاناً فى حياة الأنسان
” لا سلام قال الرب للأشرار ” (إش22: 48، 21: 57). وعطية السلام ثمرة من
هبات الغفران الذى يناله التائب، يعود بها الإنسان مرة أخرى إلى قنية الله، لذا
يعاود الأب الكاهن الطلبة ” اقتننا لك يا الله مخلصنا، لأننا لا نعرف أخر
سواك ” والحصن الذى يحتمى فيه التائب المقتنى لله من هجمات إبليس هو إسم الله
القدوس لأنه ” برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع ” (أم10: 8). ولهذا نجد
ترديد إسم الله مخلصنا ” يسوع ” محبب فى فم التائب، يأخذه كقانون أو
تدريب يومى مستمر طيلة حياته وفى كل مواقف جهاده مع الخطية.

 

.
مر أن نكون في تمتع بخيراتك وإبنك الذي أحني رأسه تحت يدي إرفعه في السيرة، زينه
بالفضائل بمسرة أبيك الصالح (7)، هذا الذي أنت مبارك مع الروح القدس المحيي
المساوي لك الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور. آمين. (8)]

 

ثم
يصلي الأب الكاهن التحليل الثالث

 

(7)
مع أن إسم الله مخلصنا قوة، لكن هذه القوة لا تعمل فى التائب إلا إذا أراد خوف
الله وحفظ وصاياه، ونمى فى قلبه أشواق عرسه الإلهى فى الأبدية.. هذين الذين كانا
قد هربا من حياته بسبب الخطية. لذلك يختم الأب الكاهن شفيع التائب طلباته ” ردنا
يا الله إلى خوفك، وشوقك “.. هذا الرب، وذلك الشوق يحتاجهما التائب حتى لو
كان داخل قدس أقداس العلى.

 

(8)
كل هذه الطلبات تطلب بصيغة الجمع مع أن الكاهن هو الذى يرفعها، فالكاهن ذاته فى كل
مباشرة جديدة لطقس
الإعتراف يحتاج إلى توبة دائمة وحفظ لذاته وشوق للخلاص.ماعدا
طلبة واحدة فى هذه الصلاة التأملية ينحدر فيها الكاهن التائب من هذا العلو الشاهق
رويداً رويداً ليطلب من أجل المعترف طلبة واحدة هى رفع السيرة، وزينة الفضائل التى
تجعل التائب عروس مستعدة للقاء مخلصها فى أبهى حلة.

الرائع
حقاً أن الكاهن يطلب ذلك من أجل ” إبنك المنحنى برأسه تحت يدك “. فمع أن
اليد هنا يد الكاهن المنظورة لكنها حقيقة تحت يد الله ذاته. وهذا يعنى ضمناً أن
رفع السيرة وزينة الفضيلة يمكن أن تكون حقيقة فى حياة التائب إن خضع بطاعة لتدبير
ومشورة هذه اليد العالية فوقه.

وبعد
نهاية التحليل الثانى، يضع الأب الكاهن الصليب بيده اليمنى على رأس المعترف بينما
يمسك بأصبعى السبابة والإبهام ليده اليسرى بجبهته ليصلى التحليل الثالث.

 

التحليل
الثالث

فى
هذا التحليل يصلى الأب الكاهن: ” أيها السيد الرب يسوع (1) المسيح (2)، الإبن
الوحيد (3)، وكلمة الله الأب (4)، الذى قطع كل رباطات خطايانا(5) من قبل ألامه
المخلصة المحيية. الذى نفخ فى وجه تلاميذه القديسين ورسله الأطهار (6) قائلاً: إقبلوا
الروح القدس من غفرتم خطاياهم غفرت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت.

 

(1)انظر
كتابنا اسماء السيد المسيح الحسني ودلالاتها.

(2)فى
هذا التحليل نعرف إلهنا الرب يسوع المسيح معرفة لاهوتية متكاملة:

فمن
حيث طبيعته اللاهوتية: فهو الرب يسوع المسيح. يسوع هو الإسم المعبر عن تجسد المخلص،
المسيح هو الإسم الوظيفى الذي يدل على عمل المخلص الكفارى. وهذين الإسمين للمخلص نجدهما
متلازمين دائماً فى كل صلوات الكنيسة تأكيداً لإيمانها باتحاد اللاهوت والناسوت
إتحاداً كاملاً فى طبيعة واحدة لأقنوم الإبن (راجع 1تى5: 2) بلا تغيير ولا إختلاط
ولا إمتزاج للطبيعتين الإلهية والبشرية,

(3)هو
الإبن الوحيد (راجع يو18: 1، 16: 3، 18، مت17: 3، 29: 8، لو35: 1، عب14: 4، 1يو20:
5، يو14: 1، 1تى15: 6).هو وحيد لأبيه.ووحيد لأمه العذراء.

(4)
هو أيضاً ” كلمة الله الأب ” التى أظهرها لنا حب الله الفائق الإدراك
المتدفق للبشرية الساقطة (رؤ13: 19، عب2: 1، يو15: 15، يو1: 1، 1يو17: 5).

(5)
من حيث عمله: ” قطع كل رباطات خطايانا من قبل آلامه المخلصة المحيية ”
وعندما قال الرب على الصليب ” قد أكمل ” كان آخر رباط يربط المؤمنين
بسلطان الموت عليهم قد تمزق، وقد أعلن ذلك بوضوح تمزق حجاب الهيكل وإنشقاقه من فوق
إلى أسفل.

(6)
من حيث سلطانه: يقول الأب الكاهن: ” نفخ فى وجه تلاميذه القديسين وقال لهم: إقبلوا
الروح القدس من غفرتم خطاياهم غفرت لهم، ومن أمسكتموها عليهم أمسكت” (يو22: 20،
23، مت18: 18).

 

وهذا
النوع من سلطان خدمة الأسرار الكهنوتية خاص بغفران الخطية الذى وهبه الرب بنفسه
لتلاميذه الرسل الإثنى عشر. هذا السلطان ممتد عبر الأجيال.

أنت
الآن أيضاً يا سيدنا: من قبل رسلك الأطهار أنعمت للذين يعملون فى الكهنوت فى كل
زمان فى كنيستك المقدسة (7) أن يغفروا الخطايا على الأرض ويربطوا ويحلوا كل رباطات
الظلم. (8)

الآن
أيضاً نسأل ونطلب من صلاحك يا محب البشر عن عبدك (فلان) وضعفى، نحن المنحنيين
برؤوسنا أمام مجدك المقدس: أرزقنا رحمتك، إقطع كل رباطات خطايانا. وإن كنا قد
أخطأنا إليك فى شئ بعلم أو بغير علم أو بجزع القلب أو بالفعل أو بالقول أو بصغر
القلب.

 

 (7)
هذه النعمة لا تجعل حاملها فوق مستوى البشر أو تغير من طبيعتة البشرية فى شئ بدليل
أن الكاهن بالرغم من السلطان المعطى له يطلب أيضاً لأجل ” ضعفه “.

وتختص
هذه النعمة بأمرين

أولهما:
غفران الخطايا على الأرض وإن كان الغفران عمل الله وحده إلا أنه يفوض ذلك لوكلاء
أسراره تفويضاً كاملاً يعطون عنه حساباً صارماً يوم الدينونة.

وثانيهما:
ربط وحل كل رباطات الظلم – أي تفويض الكاهن ممثل الكنيسة الشرعى فى تشريع ما يجده
صالحاً لحياة التائب وفق مقتضيات العصر الذى يعيشه.. لإيقاف تيار الشر وعمل عدو
الخير وسط عروس المسيح المستضيئة بحبه.

أما
فاعلية هذه النعمة فهى تمتد فى كل زمان فى الكنيسة المقدسة. إنها سمة كهنوتية لا
تمحى بفناء جسد صاحبها، إذ تظل روحه حاملة لها تخدم بها الله فى ظل السماويات على
الأرض. وفى السموات عينها فى الأبدية.

(8)
إننا نؤمن أن الكنيسة المسيحية منظمة إلهية رسولية أسسها الإله بيمينه وبسكيب دمه
الطاهر، وسلمها لإثنى عشر رسولاً عاشوا معه فى حياته كلها على الأرض ثلاث سنين
تقريباً حتى امتصوا من إلهنا كل ما تحتويه الكنيسة الآن من نظم وترتيبات تسلمها من
الرسل ” أناس قديسين أكفاء ” أساقفة وكهنة سلموها لأناس أمناء حفظوا
الوديعة إلى جيلنا الحالى على أتم ما يكون حفظ الإيمان نقياً.

ومجرد
النطق ” من قبل رسلك الأطهار” تجعل التائب يشعر بالرهبة لأن حلول الآباء
الرسل فى هذه اللحظة حلولاً روحياً حقيقياً ويأخذ منهم الكاهن التائب والمعترف
التائب الحل. وهذا السلطان الممتد عبر الأجيال نعمة إلهية تعطى كهبة ليس لمن يطلب
ولا لمن يشاء بل من الله الذى يرحم.

أنت
أيها السيد العارف بضعف البشر، كصالح ومحب للبشر، اللهم أنعم لنا بغفران خطايانا. باركنى
وباركه.. طهرنى وطهره.. حاللنى وحالله. إملأنا من خوفك، وقومنا إلى إرادتك المقدسة
الصالحة لأنك أنت هو إلهنا. والمجد والكرامة والعز والسجود تليق بك مع أبيك الصالح
والروح القدس المحيى المساوى لك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين”.

 

تأملات
في صلوات التحليل التي يتلوها الأب الكاهن

الأب
الكاهن إذ يعلن هذا الإيمان بالرب يسوع المسيح يقف على رأس المعترف كجراح، يقف
أمام مريض يباشر له عملية جراحية بالغة الوقار والهيبة لتفريغ الإثم من التائب. فيمسك
خلال هذه الجراحة بمشرط الرحمة الإلهية يقول: ” أرزقنا رحمتك ” فالرحمة
هى التى تحدر حنان الله وغفرانها على التائب. (1) وبهذا المشرط (طلبة الرحمة)
يتقدم الكاهن الجراح بقطع رباطات الخطية ” إقطع كل رباطات خطايانا ”
كإمتداد طبيعى لذبيحة الصليب المقدسة والتى بها تقطع آخر قيد يربطنا بالموت الحقيقى
أى السقوط فى الخطية والإنفصال عن الله. ثم ينظف الكاهن الجراح مكان هذه الرباطات
المتسخة بغفران كامل للخطايا ” اللهم إغفر لنا خطايانا ” (2)

 

نعم
الهيه تداوى جراحات التائب

وبعد
هذه المعالجة الروحية للمعترف، يعرض الكاهن وضع التائب أمام الله ويطلب له نعم
الهيه تداوى جراحاته وهى ثلاث:

البركة
” باركه ” الطهارة ” طهره ” الصفح والسماح ” حالله “.

وهذه
النعم يطلبها الكاهن لنفسه أيضاً كمحتاج لها إحتياجاً أشد، فالطبيب قد يصاب
بالعدوى ما لم يكن قد تحصن بالدواء جيداً. ولكنه يطلبها فى تعبير ينم عن إختلاف
وضعه عن وضع التائب من حيث إحتياجه الأشد والألزم فيقول: باركنى، وباركه.

و
يعاود الكاهن الطلبة لنفسه وللتائب لإمتلاء جديد من الخوف المقدس ” إملأنا من
خوفك “. ليس الخوف من الله لأننا نحبه، ولكن أن نخاف لئلا نقع فريسة مرة
ثانية للعدو فنسقط. ” لا تستكبر بل خف ” (رو20: 11).

 

 (1)
إن كنت راصداً للآثام يارب فمن يستطيع الثبوت أمامك”.

(2)
يحدد الأب الكاهن فى شمول رائع انواع الخطيايا فيطلب عن: الخطايا التى نصنعها
بعلمنا، وإدراكنا العاقل والخطايا التى نسقط فيها لاشعورياً بغير علم من حواسنا
البشرية الواقعة تحت الإرادة. والخطايا التى تنشأ عن إنفعال الخوف بأشكاله
المتنوعة مثل الاهتمامات الباطلة، والقلق النفسى وتوابعه هذا ما أطلقت عليه
الكنيسة عبارة ” خطايا جزع القلب”.

كما
يطلب الأب الكاهن عن الخطايا حسب أسلوب تنفيذها فيطلب الكاهن عن: خطايا السقوط
الفعلى مثل الزنا، السرقة وخطايا السقوط الفكرى التى تتولد فى الفكر ولا تخرج إلى
حيز التنفيذ العملى. وخطايا صغر القلب، أى الضجر والملل والكسل وما ينتج عنها.

وهذا
الخوف يكمل ” بتقويم الإرادة ” نحو القداسة وطلب الصلاح. إن حفظ الوصية
للتائب يلزمها دائماً حفظ إرادته من ميل النفس وهواها للعصيان والسقوط.. بهذا يظل
التائب يمارس التوبة بصدقها حتى النفس الأخير.

وعندما
ينتهى الكاهن الجراح من هذه الطلبة يقدم لله الطبيب الحقيقى لنفوسنا وأجسادنا
العبادة والخضوع عرفاناً بالحب الذى ملأ قلب التائب تجاه أبوة الله الحانية
المعلنة خلال سلطان الغفران الكهنوتى.

 

سابعاً:
ختام طقس
الإعتراف

 يختم
الكاهن طقس
الإعتراف إذ ينفخ فى
وجه المعترف ثلاثة نفخات على إسم الآب والإبن والروح القدس بينما يقول: ” ربنا
يسوع المسيح الذى ترك لكنيسته سلطاناً ليحلوا جميع التائبين المؤمنين به حقاً
ليغفر لك خطاياك برحمته العظيمة، وأنا بسلطانه الذى فوض لى أحلك من جميع خطاياك
باسم الآب والابن والروح القدس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى